face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الاثنين، 9 مايو 2022

بين العِلم والإيمان كما بين الواقع والخيال (2).

0 تعليق


 ما هو الوجود؟ 
عندما يُقال الوجود، فإن المقصود إما أن يكون وجودًا عمليًا 
ماديًا – نقيضًا للغياب، أو أن يكون وجودًا فلسفيًا مطلقًا – نقيضًا للعدم! مفهوم الوجود المطلق بمعنى نقيض العدم المطلق، يمكن اعتباره مفهومًا افتراضيًا – لا واقعيًا، باعتبار أن الوجود قد كان، ولا معنى للحديث عن عدم مطلق محتمل سابق، في ساحة وجود مادي عملي آني! أما مفهوم الوجود بمعنى نقيض الغياب، فهو مفهوم عملي واقعي، ولعله الدلالة الصحيحة للفظة وجود! ومن هنا يكون الحديث عن الوجود بمعنى أنه نقيض العدم المطلق، هو من قبيل الترف الفكري لا أكثر! بالنسبة للإنسان، فإن كل شيء يمكن إدراكه بالحواس أو إثباته بالبرهان، فهو شيء موجود! والوجود بصفة عامة، يتجسد في الشكل والتأثير اللحظي أو المرحلي، الذي تكون عليه المادة أو الطاقة – المتحولة المتغيرة – بسبب خضوعها لقوانين الطبيعة! وقوانين الطبيعة يمكن تعريفها بأنها النتيجة الحتمية التي تنجم عن تلاقي مواد ذات خواص مختلفة! وبالتالي تكون قوانين الطبيعة هي القوة – الافتراضية – التي تمنح للموجودات أشكالها وسلوكها بحكم تلاقي المختلفات! 

 ما معنى الحياة؟
 عند مقارنة جماد (مادة ميتة) بكائن حي (مادة حية)، نلاحظ أنهما يتشابهان إلى حدٍّ كبير من حيث أن كليهما يتغير أو يتحول.. التحول في المادة الحية يكون سريعًا ومحسوسًا، بينما التحول في المادة الميتة يكون بطيئًا وغير محسوس..، لكن بالنتيجة كلاهما في حالة تحول مستمر! بشكل عام وظاهريًا، يبدو لنا أن الجماد يتغير أو يتحول بسبب عوامل خارجية..، بينما يتغير أو يتحول الكائن الحي ذاتيًا أو داخليًا- الكائن الحي يَستهلك ذاته-، وهذا هو معنى وحقيقة الحياة! أي أن الكائن أو الشيء الذي يَستهلك ذاته ولا يحتاج إلى عوامل خارجية كي يتحول من حال إلى حال، يوصف بأنه كائن حي؛ بينما الكائن أو الموجود الذي يبقى على حاله إذا لم تؤثر عليه عناصر خارجية، يوصف بالجماد! وإذا كان الأمر كذلك – ولعله كذلك – فإنه يمكننا وصف بعض الجمادات بأنها كائنات حية، حيث إنها تستهلك ذاتها وتتغير خواصها دون تأثير خارجي، وبصورة سريعة نسبيًا، وتتحول إلى أشياء أخرى مختلفة عن الأصل.. مثل العناصر الطبيعية المُشِعَّة! وربما لا نكون قد ابتعدنا عن الحقيقة والواقع كثيرًا، إذا قُلنا بأن بعض البشر يصح وصفهم بالجماد، من حيث أن سلوكياتهم وممارساتهم وقناعاتهم ومبادئهم التي تحدد هوياتهم، لا تنبع من ذواتهم، إنما تنبع من خارجهم! ولتوضيح ما يبدو أنه مفارقة هنا، عند القول بخضوع كل الموجودات لقوانين الطبيعة، وفي ذات الوقت القول بأن الكائن الحي ذاتي التحول والتغير، نقول: إن الكائن الحي هو عبارة عن اتحاد مجموعة من العناصر المختلفة، وبحسب قوانين الطبيعة فإن تلاقي العناصر ذات الخصائص المختلفة، يُحتِّم حصول التحول وظهور نتائج محددة وحتمية! وبهذا يكون التحول الذاتي عند الكائن الحي، هو نظرية صحيحة فقط عند النظر إلى الكائن الحي على أنه كتلة واحد، بينما يكون سلوك الكائن الحي نتيجة طبيعية لقوانين الطبيعة عند النظر إليه باعتباره اتحاد مجموعة من العناصر المختلفة المتفاعلة – وهذا هو الواقع الحقيقي 
. حياة البشر 
.. يمكننا أن نُعرِّف حياة البشر – بالعموم وليس بالمطلق- بأنها مستوياتٌ أو مراحل أربعة، من الانتظار الحقيقي المصحوب بفعل جزئي واستعداد افتراضي..،
 1- مرحلة الشعور بالحياة! وهي انتظار الصغار لمرحلة البلوغ، أملاً في إدراك ما يجهلونه، وتحقيق ما يعتقدون أن طفولتهم تحول دون تحقيقه!
 2- مرحلة الإحساس بالحياة! وهي انتظار المراهقين وسعيهم لانتزاع إقرار المجتمع بوجودهم، وانتزاع حقهم في إشباع الغرائز وتلبية الشهوات والرغبات، والمنافسة على المراكز التي تُثبِتُ وجودهم وتُبرز تَمَيُّزهم – المفترض!
 3- مرحلة انتظار المجهول بعد تجاوز المعلوم! حيث يدخل الإنسان – بعد الزواج والإنجاب – ساحة الاستسلام رافعًا راية الرفض، مُكابرًا مُحاولاً تجاهل خيبة الظن التي لم تبرح حساباته في كل المحطات التي مرَّ بها!
 4- مرحلة البحث عن الحياة! حيث يتساءل الإنسان، عندما تخور قواه ويكاد يُدركه اليأس ويرفضه المكان ويستعجله الزمان..، يتساءل: هل أنه كان حيّاً بالفعل فيما مضى من زمن! لكن ذلك غير صحيح، لأن معنى ذلك أن الحياة التي تم احتسابها عليه، هي فقط ذلك القلق الذي كان يملأه، والجُهد الذي كان يبذله، والسرور اللحظي الذي كان يختفي قبل أن تكتمل مَشاهده! أم إنه لم يكن حيّاً، بل كان يبحث عن شيء اسمه الحياة..، وهل عليه أن يَجدَّ ويجتهد في البحث عنه – أكثر من ذي قبل – فيما تَبقى له من قُدرة ومن زمن، وهو الهدف الذي لم يُحققه عندما كانت ظروفه أفضل! أم إن فلسفة الكينونة والحياة ونظرية الوجود المستقل التي يعتقدها ويعمل ويحلم ويُفكِّر الإنسان على أساسها، هي العنصر الذي يحمل القيمة الخطأ في معادلة وجود الإنسان..، وأن تلك الفلسفة والنظرية هي التي أعطت لكل النتائج انحرافها..، وأن الإنسان الفرد في حقيقته ربما لا يعدو أن يكون ذرة في جزيء أو خلية في نسيج، يؤدي وظيفة ثانوية تكميلية غير مباشرة، تتنافس على أدائها كل الخلايا المتشابهة، في جسد كائن مجهولٍ اسمه الحياة..، وأن جسد ذلك الكائن يُجَدِّد خلاياه بما يوافق مصلحته وغايته، وأن الخلية التي يَقِلُ عطاؤها، ينتهي دورها، ويُصبح وجودها عبئًا على الجسد، فيلفظها – حين يستغني عن خدماتها..، وكل الخلايا سيَقِلُّ عطاؤها وستُلفَظُ يومًا..، وذلك تمامًا ما تفعله كل الأجساد الحَيَّة مع خلاياها، حيث إنَّ الخلايا (كرات الدم البيضاء – مثلاً) تبدو ككائناتٍ تُفكِّر وتعمل كما لو كانت لها كيانات مستقلة ذاتية القرار..، بينما هي في الحقيقة خاضعة لآلية خارجة عن سيطرتها، تقوم تلك الآلية بتفعيل الخلايا وتوجيهها وحثها على الفعل والتكاثر وأداء دور معين، كما تقوم تلك الآلية بتجديد الخلايا – تدمير القديم واستحداث البديل..، فلو كان للخلايا كيانات مستقلة وذاتية القرار، لأصبح موتها انتحارًا، ولأصبح تكاثرها وأداؤها لدورها المميت غباءً..، وكذلك الإنسان! في المرحلة الأولى، يكون الإنسان مهووسًا بتعبئة الفراغات المعرفية، مدفوعًا بحب الاكتشاف وإدراك الجديد..، في المرحلة الثانية، يبدأ الإنسان بمطاردة أملٍ وهمي، مصدره ثقة مفرطة في النفس، تُبرِّرها حيوية مرحلية، تدفع الإنسان على الاعتقاد بجهل وضعف الآخرين..، والأساس في كل ذلك هو جهل الإنسان – شبه التام – بحقيقة ما يجري من حوله، وجهله المرحلي بحقيقة مكانته ومحدودية إدراكه ودوره وقدرته! في المرحلة الثالثة، يقل اهتمام الإنسان بمبدأ القناعة بما يفعل، حيث تدخل عناصر جديدة مجهولة القِيم في معادلة الفعل، حين يُصبح الإنسان يعمل لمصلحة غيره – بغض النظر عن رغبته وإرادته وحتى مقدرته -، حيث يتغاضى الوالدان عن قِسم كبيرٍ من حقوقهما وسعادتهما وقناعتهما، نزولاً عند حاجة الأبناء، ورضوخًا لعاطفة مصدرها الإحساس بالضعف الطبيعي والشعور الزائف بقوة وقيمة افتراضيتين وهميتين..، إن حجم الأسرة وخصوصية متطلباتها، هي التي تُحدد لولي الأمر الحد الأدنى من الجُهد الذي عليه أن يبذله، وحجم القلق الذي عليه أن يحمله! في المرحلة الرابعة، يكون الإرهاق قد نال من الإنسان، فلا يعود عقله وذاكرته وإمكاناته الذهنية والنفسية والجسمانية تُسعفه أو تسمح له بالتفكير بهدف إنتاج المعرفة، ولا حتى باستقبالها من خارجه! فَيَنصَبُّ جهده على تقليب محتويات الذاكرة، ويقتصر تفكيره على المقارنة بين نتائج التجارب السابقة، بحثًا عن أنسب المقاربات كإجابة نهائية لسؤاله عن كُنه الحياة..، ذلك السؤال الذي يتجدد ويزداد قوة بالتناسب الطردي مع ضعف الإنسان واقترابه من نهاية الطريق – وهو صِفر اليدين من أي قيمة وأي معنى وأي تعريف للحياة – التي كانت عنوانًا لكل ما بذله من جُهد وما أنفقه من زمن! في هذه المرحلة، يتطرف الإنسان ويتشدد ويتعصب إلى النتيجة التي يقع اختياره عليها من بين مخزوناته العقائدية..، فإذا كان الإنسان مؤمنًا بالبعث وحياة أخرى بعد الموت، يكون في آخر أيامه مُتطرفًا في إيمانه ملتزمًا واعظًا ناصحًا كأنه لم يكن مؤمنًا قبل ذلك..، وهو السلوك الذي يدعوه المؤمنون بالتوبة! ولعل الحقيقة هنا، هي أن ما يُسمَّى بالتوبة – خاصة في نهاية العُمر – هي ليست سوى إقرار من الإنسان بالفشل والصدمة وخيبة الظن، وبأنه لم يعد أمامه مُتَّسع من الوقت للبحث بنفسه أو لانتظار نتائج أبحاث الآخرين عن كُنه وقيمة الحياة، فيحسم أمره على التصديق بالحياة الأخرى، ويدعوها بالحياة الحقيقية والأبدية، ويُشدد على الربط بينها وبين الحياة التي يوشك على مغادرتها..، وذلك كعزاء أخير من الإنسان لنفسه وكورقة أخيرة يرميها في وجه اليأس دون المقدرة على التحقق من النتيجة، بل ودون المقدرة حتى على مجرد الخوض في تفاصيل واحتمالات النتيجة هذه المرة، مكتفيًا بتفاؤلٍ وأملٍ ليس لهما ما يُبررهما سوى الضعف واليأس اللذين لم يعد الإنسان قادرًا على إخفائهما!

الثلاثاء، 12 أبريل 2022

بين العِلم والإيمان كما بين الواقع والخيال !!

0 تعليق

 


ليس الإيمان مرادفًا للعِلم، وليست العقيدة مرادفة للمعرفة.

واتفاق جماعة من الناس على الإيمان والاعتقاد بصحة أمرٍ ما.. هو شيء يمكن فهمه وقبوله أو رفضه في آنٍ معًا..
أما اعتقادهم بأن ذلك الأمر هو الحقيقة أو هو ما ينبغي أن يكون.. فذاك شيء آخر لا يمكن فهمه ولا ينبغي قبوله – إلا إذا تحوَّل إيمانهم إلى عِلم واعتقادهم إلى معرفة!
إن العِلم والمعرفة هي التي تجعل المريض المؤمن يُفضِّل الطبيب المُلحد على الطبيب المؤمن!
أما الإيمان والعقائد، فهي التي تجعل المؤمن يتبع هذا الفقيه أو هذا المذهب دون سواه، ودون دليل على صحة اختياره!
ولهذا السبب نجد – عبر التاريخ البشري- أن الملوك والرؤساء والأقوياء والأغنياء كانوا يُسلِّمون أرواحهم بين أيدي الأطباء بكل بساطة، بينما لم يؤمنوا ويُسلِّموا مصيرهم بين أيدي الرُسُل سِوى الفقراء والضعفاء، ذلك لأن الضعفاء والفقراء ليس لديهم ما يخسرون اليوم، ففضلوا أن يتبعوا الرُسُل ويعيشوا على أمل – هو أفضل من لا شيء!
أما الحُكام والأقوياء والأغنياء، فوجدوا أن إتباعهم للرُسُل يعني فُقدانهم لما يملكون اليوم، دون إثبات لصحة وعود الرُسُل، ولذلك لم يؤمن منهم طوعًا إلا قليلون، ولأسباب فردية وخاصة في الغالب!


العِلم أساسه المعرفة والإدراك، والمعرفة أساسها تفعيل العقل!
أما الإيمان بالأديان، فإن أساسه تصديق بشر لبشر، وليس إدراك لحقيقة الأمر!
ولا يمكن أن يكون تصديق البشر أو تكذيبهم لبعضهم، حُجَّةً لهذا أو حُجَّةً على ذاك..، فالأمر المصيري الفردي يتطلب حُجَّةً من جنسه وبحجمه!
أما المعتقدات فإن أساسها تعطيل العقل وتقديس الموروث!
ولذلك ظلت الأرض مُسطَّحةً وثابتةً ومركزًا للكون، والشمس تدور حولها، وقُبة السماء تعلوها – رُغم أنف كوبر نيكس وجاليليو، وذلك باعتقاد كل البشر بحُكمائهم وفقهائهم وجهلائهم وضعفائهم وبحسب كُتب رُسُلهم وأنبيائهم..،
لقد استمر هذا الاعتقاد سائدًا إلى أن أتت الفلسفة وفعَّلت العقل، فأنتج السؤال الذي شَكَّك في حقيقة هذه المُسلَّمات، ثم أثبت العِلم أن كل تلك المسلَّمات ما هي إلا اعتقادات متوارثة، لا أساس لها في الواقع، وأنها عبارة عن تخمينات وتفسيرات بدائية ظاهرية تعود بجذورها إلى العصور الأولى للوجود البشري!
ولذلك اعتذرت الكنيسة لـ"جاليليو" عن محاكمتها وظلمها له بعد 359 عامًا، وبرَّأته من الهرطقة، وأقرَّت بصحة رؤيته لدوران الأرض حول الشمس (المحاكمة 1633)، (الاعتذار تم عام 1992)!
ومن هنا وجب على العاقل أن يُبقي على كل الاحتمالات قائمة فيما يخص الحقيقة الكاملة!

وبذلك يكون ترك الحقيقة في صورة سؤال، هو أصدق ما يمكن وأقصى ما ينبغي أن يُقال! فحُجَّة الذين يجزمون بعدم وجود خالق للكون – مثلاً -، لا تقل ضعفًا عن حُجَّة المؤمنين بوجوده!

وأما الأضعف حُجَّة والأبعد عن العقلانية والواقعية والذين تعوزهم المصداقية والأمانة، فهُم أولئك الذين يدَّعون معرفة الخالق، ويؤمنون في الوقت ذاته بأن الإنسان ليس مؤهلاً لإدراك الخالق!
وتكريسًا للوهم والجهل، نجد العقائديين يُسمُّون التساؤلات الفطرية الطبيعية البديهية العفوية المرتبطة بوجود العقل،.. يُسمُّونها بالوساوس الشيطانية – ترهيبًا للضُعفاء -، فيُحذِّرون أتباعهم من السؤال ومن الإطلاع على ما لدى الآخرين من معلومات وحقائق..، وذلك لكي تبقى عقولهم معطلة، ويدورون في دائرة المعتقدات المُلغَّزة التي تستعمل عواطفهم وطمعهم وضعفهم للسيطرة عليهم، فيستمرون بذلك في تصديقهم لما لا يُعقل من الخرافات والأساطير!
في حين أن غير المؤمنين، يحثون أبناءهم وأتباعهم على طلب الحقيقة والإطلاع على ما لدى الآخرين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا!
فأي إله ذا الذي يُكافئ الطامعين ويَفرح بخوف الضعفاء منه والمقلِّدين، ويُعاقب العُقلاء على صِدقهم وبحثهم عن الحقيقة!

- لماذا يرتكب المؤمنون، ما يُسمى بالمعاصي والذنوب، رُغم تظاهرهم بالخوف من نار الإله؟
ولماذا تكتفي شرائع الأديان بظاهر الإيمان، وتتغاضى عن حقيقة سلوك الإنسان؟

السبب واضح، إنهم يؤمنون ويعتقدون بما يُخالف فطرتهم،
ولا بُدَّ للفطرة الداخلية من أن تتغلب على أي إيمان خارجي، وذلك أمرٌ طبيعي وحتمي، لكنه في شريعة المؤمنين يُعتبر معصية، وذلك لكي يُبرروا اعتقادهم بالحساب والعقاب والعبادة والحاجة للمغفرة، وكأن المصنوع يستطيع الخروج عن مشيئة الصانع!
إنه لئن عاقب الصانع ما صنعت يداه، فهو ببساطة يُعاقب ذاته، وهذا ما لا يليق ولا يصح أن يُنسب إلى إله!

- إن مِن البشر مَنْ لا يزالون يعتقدون بالمجهول ويُصلُّون للسماء طلبًا للاستسقاء!
وغيرهم باتوا يُدركون مُسبقًا، كَيف وأين ومتى ينزل الماء!
- وإن مِن البشر مَنْ لا يزالون يعتقدون بوجود شيء فوقهم اسمه السماء، يخشون وقوعه على الأرض يومًا ما!
وغيرهم أضحوا يعلمون بأنه لا شيء فوق الأرض سوى الفضاء، وصاروا يُدركون أنه لا معنى ولا مكان لمفهوم "فوق أو تحت" بالنسبة لكوكب يدور حول نفسه سابحًا في فضاء!
حيث إن العقائد تُحرِّم استعمال العقل في تفسير وفهم الدين!
وحيث إن طاعة الأهل وطاعة حكماء المجتمع، هي واجب على كل إنسان، حسب كل العقائد والشرائع والأديان!
إذن، لا مسئولية على عموم البشر، فكلهم أتباع ومأمورين وممنوعين من استعمال العقل، بما في ذلك الملحدين!
ومن المفارقة أن ينتظر رِجال الأديان من الملحدين استعمال العقل لكي يؤمنوا، في الوقت الذي يمنعون فيه المؤمنين من استعمال العقل خوفًا من أن يُلحدوا!
إن كل الأديان والمعتقدات، ليست قائمة – رُغم اختلافها وتشابه أتباعها، إلا بفضل هذه المفارقات المصحوبة بأحلام ووعود بتعويض الضعفاء!


العقيدة والمعرفة..
كثيرًا ما يحدث الخلط – عَمدًا أو جهلاً – بين العقيدة والمعرفة، أو بين الإيمان والعِلم!
والحقيقة أنه يمكن أن يؤمن أي الإنسان بأي أمر ويعتقد بوجود أي شيء، لكن لا يمكن لأي إنسان أن يعرف إلا ما يعلمه بالبرهان ويُدركه بالحواس!
فالفرق شاسعٌ بين المعرفة بالشيء والعِلم بوجوده من جهة، وبين الإيمان به والاعتقاد بحقيقته من جهة أخرى..،
إن الاعتقاد كما الإيمان يبقى أمرًا نظريًا عقليًا – خارج الواقع-، حتى تُدركه الحواس، وحينها فقط يتحول الاعتقاد إلى معرفة والإيمان إلى عِلم..، وذلك هو سبيل العِلم والعلماء!
إنه بمقدور أي إنسان عاقل، أن يُقنع كل البشر العُقلاء، بما يعرفه ويعلمه يقينًا..،
لكن ذات الإنسان العاقل، لا بُد له من أن يلجأ إلى الإكراه والخداع، لحمل الآخرين على تصديق ما يعتقده ويؤمن به دون معرفة..، وهذا ما يخلق النفاق!
لذلك يوجد النفاق – عادةً – في ساحات الأديان والمعتقدات والسلطة والسياسة، لكن لا معنى ولا وجود للنفاق في ساحات العِلم والمعرفة والفكر والفلسفة!
لقد أدرك البدو الأُمِّيون رُعاة الإبل والغنم قاطنو الصحارى، حقيقة ما يقوله العِلم والعُلماء، من خلال استعمالهم لوسائل المواصلات والاتصالات وأجهزة تحديد المواقع وغيرها..،
لكن الخوف النابع من الجهل، كان وحده السبب في تصديقهم لمعتقدات وتكهنات فقهاء الأديان ورجال السلطة!

الإيمان والعِلم..
كان جُلُّ البشر وإلى وقتٍ قريب، يعتقدون بالتدخل الإلهي المباشر واللحظي، في تكوين الأشياء وحصول الأحداث وتحديد نتائجها..، مع أن هذا الاعتقاد يتناقض مع إيمانهم بأن الإله هو الذي قدَّر للأحداث والأشياء مسبقًا كيف تكون؛ فأصبح اعتقادهم يعني أن الإله يتدخل لخرق مشيئته أو أنه يتراجع عن إرادته!
ثم تقدَّم العِلم بفضل تطور العقل البشري، ليتجاوز الإنسان مرحلة تفسير الأحداث ويبلغ مرحلة التكهن بها قبل حدوثها، بل والتحكم بنتائجها..،
حيث أثبت العِلمُ أن كل الأحداث والأشياء خاضعة بالضرورة لقوانين طبيعية ذات نتائج حتمية..،
وأمام هذا التقدم العِلمي وما أثبته من حقائق لا مجال لتجاهلها، اضطر المؤمنون العقائديون إلى التراجع عن أهم مبادئهم، والتي كانت تستند إلى فرضية التدخل الإلهي المباشر واللحظي لتفسير الأحداث..، فادَّعوا بأن إلههم هو مَنْ أوجد قوانين الطبيعة التي يخضع لها وجود الأشياء ونتائج الأحداث..،
وهنا تجاهل صريح من المؤمنين العقائديين للقواعد التي قامت عليها الرسالات والأديان والمعتقدات..، حيث كان منظرو الأديان يقولون بأن إثبات مصداقية الرُسُل وصحة الرسالات لا يقوم على الإقرار بسلطة قوانين الطبيعة، بل يقوم على تحطيم وخرق قوانين الطبيعة بواسطة المعجزات..، وكأن الإله الذي بعث الرُسُل قديمًا، ليس هو ذاته الذي وضع قوانين الطبيعة المكتشفة اليوم!
فإذا كان الرُسُل والأنبياء يعلمون بأن قوانين الطبيعة مِن خَلق الإله، فما معنى وما قيمة وما مُبرِّر خرقهم لها بالمعجزات لإثبات صحة رسالاتهم؟
ولماذا لا تُخرق قوانين الطبيعة اليوم إكرامًا للمؤمنين!

نتائج حتمية..
إنه لمن الحقيقة الإقرار بوجود الاختلاف الباطني الفطري الطبيعي اللا إرادي بين البشر، كما هو الاختلاف الظاهر في عالم الحيوان والنبات والجماد!
وإنه لمن الحقيقة القول، بأنه لا يمكن استعمال ذات المعايير لمحاسبة ومعاقبة المختلفين..، إلا في عالمٍ يسوده الجهل ويحكمه الظُلم!
وإنه لمن الحقيقة القول، بأن لكل إنسانٍ قدراتٍ وأجهزةِ قياسٍ وإدراكٍ – هي الحواس والوعي والقدرة على الفعل، وهي التي لا قيمة للإنسان بدونها، ولا شأن له في اختيارها، وهي المختلفة من إنسان لآخر..،
وإنه لا مُبرر للإنسان ولا حاجة به لتجاوز عقله وتجاهل حواسه، كي يفترض ويتوهم أو يُصدِّق بوجود حقائق لا قدرة له على إدراكها والتحقق منها!

الوجود والخَلق..
يمكن وصف كل الأشياء بأنها موجودات طبيعية، ويمكن وصف بعضها بأنها مخلوقات!
لكن من المغالطة وصف كل الأشياء بأنها مخلوقات..، ذلك أن وصف أي شيء بأنه مخلوق يستوجب وجود خالق مُحدَّد مُدرَك- معلوم ومعروف، وهو ما ليس متحققًا دائمًا مع كل الأشياء..، إلا إذا كان المقصود بالخالق، هو: قوانين الطبيعة!
إن ألفاظًا مثل: خَلْق وخالق ومخلوق، ترتبط في أذهان البشر بحسب ثقافاتهم ومعتقداتهم – لا بحسب عِلمهم بها ومعرفتهم بحقيقة دلالاتها – التي تتغير عند ترجمتها من لغة إلى لغة أُخرى!
إنه يصحُّ القول عن الإنسان بأنه مخلوق، فقط إذا كان المقصود بالخالق – هنا – والديه أو قوانين الطبيعة!
بينما يصح دائمًا أن نقول عن الكرسي بأنه مخلوق، ذلك لأننا نعلم مَن خلقه ونعرف لماذا خلقه!
لكن ليس من الصواب أن نقول عن الوادي أو الجبل بأنه مخلوق، ذلك لأننا لا نعلم مَن خلقه ولا نعرف لماذا خلقه – إلا إذا كُنا نقصد بالخالق -هنا- البراكين والرياح والأمطار وغيرها من الأشياء الخاضعة لقوانين الطبيعة والناجمة عنها!
إن كل ما نراه من حولنا ما هي إلا موجودات طبيعية، أوجدتها قوانين الطبيعة التي بات العقل البشري يُحيط بقدرٍ كبيرٍ منها!
لقد أنتج الإنسان جهاز الحاسوب، باستعمال مواد الطبيعة وقوانينها، وذلك بفضل العقل وبسبب الحاجة..،
بينما يُنتج الإنسان الإنسان باستعمال قوانين الطبيعة، وذلك بفضل الفطرة وبسبب الغريزة!
ومعنى ذلك أن الإنسان بحاجة إلى عقل خاص من أجل إنتاج حاسوب، لكنه ليس بحاجة للعقل مُطلقًا من أجل إنتاج إنسان!
إن التكاثر هو نتيجة طبيعية لغريزة فطرية، وهو صفة حياتية تتمتع بها كل الكائنات الحية، ولا دخل للعقل فيها، إلا من حيث توجيه تلك الغريزة!
إن التكاثر عند كل الكائنات الحية، لا يعدو أن يكون خضوعًا فطريًا لقوانين الطبيعة وغرائزها، ولذلك لا يوجد اختلاف بين البشر والحيوانات والحشرات في طريقة التكاثر!
إن التكاثر ليس سوى استعمال فطري غريزي لمعادلة طبيعية عناصرها الذكورة والأنوثة!
ولعل الاختلاف بين البشر والحيوان – مثلاً – في موضوع التكاثر، هو قدرة البشر على التكهن بمصير الأبناء قبل إنجابهم..، الأمر الذي لا يملكه الحيوان!
أما الشعور بالمسئولية تجاه الأبناء بعد إنجابهم، فهو شعور غريزي طبيعي فطري تشترك فيه كل الكائنات الحية – كما تشترك في معرفة السبيل إلى التكاثر والمقدرة عليه!
إن وصف الإنسان بأنه مخلوق، لا يكون وصفًا عِلميًا واقعيًا صادقًا، إلا إذا كان المقصود بالخالق هنا هم الوالدين أو قوانين الطبيعة!


فقه الطوائف.. وعبث الكبار ببراءة الصغار!

0 تعليق

 


لماذا تتعدد الطوائف ويزداد أتباعها وأنصارها، رغم فساد عقائدها بشهادة بعضها على بعضها الآخر؟

وأين الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، والتي لا تبديل لها – بحسب كل الطوائف والأديان!

إن السر أو الداء يكمن في سياسة القائمين على الفقه الطائفي، وإيمانهم بأن الغاية تبرر الوسيلة، وإن لم يُعلنوا ذلك أو يعترفوا به صراحةً!

فليس بين الطوائف القائمة اليوم، من يستطيع أن يجزم بأن فقه طائفته يتوافق مع الفطرة البشرية!

ولذلك فإن كل الطوائف دون استثناء، يقوم فقهها وسر بقائها بالدرجة الأولى على الطعن في مصداقية بعضها البعض.. رُغم أنها تدَّعي ذات الهدف وتسلك ذات السبيل!

وبدرجة ثانية – وربما أهم – تقوم الطوائف على نظرية تلقين التراث وفرض الأفكار ودس الثقافات في نفوس الأطفال قبل أن يكون لهم الحق والقدرة على السؤال! وهو الأمر الذي لم يفعله الرُسُل؟

نتساءل: هل خاطب الرُسُل الأطفال بدعوتهم! أم إنهم كانوا يخاطبون أجيالهم واندادهم من الرجال البالغين المكلفين الذين يملكون حق الموافقة والقدرة على الرفض! وهم الذين لم يسمعوا في طفولتهم بالدين الذي يُدعَون له، وهم الذين أصبحوا رموزًا وقادةً للأديان فيما بعد!

وتلك القصة الشهيرة عن ذلك الطفل الذي لم يكترث لمرور الأمير أو الخليفة من الشارع ..، حيث كان يلعب الطفل!

هل كان ذلك الطفل سيتصرف بتلك العفوية كما أرشدته فطرته، لو كان قد تم المساس بفطرته وتلويث براءته بتهديده بالنار وإغرائه بالجنة وشحنه بضرورة تقديسس الكبار – قبل أن يبلغ سناً يُحسب له فيها الأجر أو الإثم.

وهل كان سيتصرف الطفل بعفوية فطرته، لو كان قد لُقِّن بأنه لا يُساوي التراب الذي يمشي عليه الخليفة، .. كما يقول الخطباء والفقهاء على المنابر اليوم، وكما يُدرّس ذلك للأطفال والتلاميذ في مدارسهم الابتدائية!

إن كل الرُسُل تقريباً بُعثوا عند أو بعد سن الأربعين سنة، من أعمارهم! وكلهم كانوا قد ترعرعوا وشبوا وتربوا في أحضان ثقافات وأعراف اجتماعية وعقائدية تُناقض وتُخالف رسالاتهم وتعاليمهم التي اعتنقوها ودعوا لها فيما بعد!

أي أن الرُسُل لم يُلقنوا تعاليم الدين والإيمان في طفولتهم، وإنما أخذوها بالوحي بعد بلوغهم، وبعد أن أمضوا بداية حياتهم بصورة طبيعية ضمن أعراف وسلوكيات مجتمعاتهم المنحرفة.

ولم تقف ثقافة مجتمعاتهم الجاهلية عائقاً في سبيل رُشدهم بعد بلوغهم!

يحلو للبعض القول بأن رسولهم، قد لُقِّن الإيمان والدين الصحيح في طفولته بواسطة الملائكة!

ولكن بالطبع، ليس لمثل هذا القول من أساس ولا سبب سوى الهروب من سؤال الحقيقة، أو محاولة الحيلولة دون طرحه!

لأنه وببساطة، إذا كان الرُسُل قد حظوا بتربية ورعاية سماوية إلهية مباشرة، أو خضعوا لعمليات جراحية لإزالة الأحقاد والضغائن من صدورهم منذ طفولتهم، إذن فما ذنب البشر العاديين الذين زُرعت فيهم الأحقاد والضغائن بدل أن تُنتزع، والذين لم يحظوا بهذه الرعاية الربانية!

ثم أليس في مثل هذه الرواية أو الدعاية تطاول على العدل الإلهي، ومساس بحرمة وقدسية الأمانة التي ينبغي أن يتساوى البشر في حملها لكي يكونوا متساوين في الحساب عنها!

ثم، أين فضل الرسُل – كبشر- في مقاومة شرور النفس البشرية، حتى نمتدحهم بحسن الخُلق ومقاومة الهوى، طالما أنهم لا يحملونها أصلاً!

إن الحقيقة – واستناداً إلى الكتب المقدسة وتراث الأديان -، هي أنه من الرُسُل من قتل نفساً متعمداً – تعصباً لقومه -، ومن غير تشريع ولا تفويض إلهي، وذلك قبل أن يُصبح رسولاً.

مما يدلل على أن ذلك الرسول كان إنساناً عادياً، بل ربما كان في قومه من الرجال والنساء من هم أعدل وأحكم وأتقى منه في حينها!

ومن الرُسُل من تزوّج قبل أن يُصبح رسولاً، بطقوس ومباركة رجال دين من الديانات التي لم يكن يؤمن بها، بل وأكد على انحرافها وضلال أتباعها، وحرّم طقوسها التي تزوج وفقها..، بعد أن أصبح رسولاً!

فهل من مجال أو من حُجّة لقائل يقول بأن هذا الرسول أو ذاك كان مؤمناً ومحصناً منذ طفولته!

البعض لا يقبل الحديث عن الرُسُل بهذه الصراحة. ولمثل هؤلاء نقول ماذا عن أتباع الرُسُل الذين آمنوا بهم، وأصبحوا رموزاً في تاريخ هذا الدين أو ذاك! هل منعتهم البداية الجاهلية ( ) لحياتهم من الإيمان وإتباع الرُسُل؟ كلا لم تمنعهم، بل آمنوا بعد بلوغهم في أحضان ثقافة مغايرة للدين الجديد!

والذين نراهم اليوم، ينتقلون من دين إلى دين؛ هل تلقوا في طفولتهم تعاليم الدين الذي انتقلوا له! أم إن الحرية التي وفرتها لهم مجتمعاتهم كانت كفيلة بممارسة حقوقهم في الاختيار!

فهل سيمر على الإنسانية يوم، تُترك فيه فطرة الإنسان دون مساس، وتحترم فيه براءة الأطفال!

ويُترك للإنسان بعد رُشده، الحق في اختيار عقيدته ودينه، أو حتى طائفته إذا كان للطائفة ضرورة في الإيمان!

وهل نتوقع من فقهاء الطوائف الذين يؤكدون بأن فقه طائفتهم هو الفقه الذي يُرضي الله، وأن طائفتهم منسجمة تماماً مع الفطرة السوية للبشر ..، هل نتوقع منهم أن يُبادروا بالإفتاء وبدعوة كل الطوائف إلى ضرورة ترك الأطفال يعيشون طفولتهم دون تدخل طائفي وتأثير فقهي على براءتهم وفطرتهم!

وأنه لا يجوز الدعوة إلى دين أو طائفة لغير البالغين!

للأسف، لا نتوقع ذلك في المدى المنظور! لأن القائمين على الطوائف يُدركون عيوب فقههم وطوائفهم، ويعلمون أن جزءاً كبيراً وأساسياً من فقههم واجتهاداتهم لا يقبلها الفكر السليم الحر، ولا يمكن غرسها في الإنسان إذا تجاوز مرحلة الطفولة.

ولذلك فإن كل الطوائف تجنّد وتجيّش الأطفال، وتزرع الخوف والشك في نفوسهم البريئة الضعيفة، وتضع فقهها بمثابة المنقذ والملجأ الوحيد لهم.

ثم يكتمل مشهد المؤامرة بمنعهم من استعمال العقل عند بلوغهم، ليُصبحوا أجهزة مبرمجة بفقه الطائفة، تفجرهم أنى وأين تشاء!

وإن ما يُثير الاستغراب حقًا هو تفاخر الطوائف بأعداد أتباعها، وتجاهلها للطريقة والوسيلة اللا حضارية التي تكاثر بها هؤلاء الأتباع، حتى صاروا أرقاماً حسابية، يصح أن يُشار بها إلى عدد العبيد والأتباع. ولكن الحيلة لا تنطلي إلا على المبرمجين الممنوعين من التفكير باسم الدين!

يبقى الأمل معقوداً على هيئة الأمم، بأن تضع حداً لتجنيد الأطفال، والتلاعب ببراءتهم!

وذلك بأن تفرض منهجاً دراسياً موحداً لكل أطفال العالم حتى سن الرُشد!

لكي تظهر أجيالٍ طبيعية تنظر إلى الحياة من ذات الزاوية وبذات المعايير!

حتى يختفي هذا العار من على جبين الإنسانية..، والمتمثل في اختلاف العقلاء على بديهيات العقل الواحد!


الثلاثاء، 1 مارس 2022

الواقع العقائدي والواقع الحقيقي!

0 تعليق



ما معنى أن يأمر إنسانٌ إنسانًا آخر، بالإيمان بالله أو بالاعتقاد بوجود الله، إذا لم يتحقق الإيمان في نفس الثاني؟ هذا يعني أن الآمر يعتقد بأن الإنسان قادر على صنع قناعاته بقرار، وقادر على تكييف عواطفه ومشاعره حسب رغبته وإرادته ..، ولا شك أن هذا مجرد هراء أو وهم أو مرض نفسي لدى الآمر، أو هي ذريعة زائفة لقتل البشر أو لاستعبادهم باسم الله! تقنية الاعتقاد والإيمان .. لا يمكننا أن نأمر إنسانًا بأن يحس بالحرارة، لكن يمكننا أن نجعله يحس بالحرارة – إذا وفرنا الحرارة، وكان هو قادرًا على الإحساس بها! لا فرق بين عدم وجود الحرارة، وبين افتقاد الإنسان للأعصاب والمجسات التي تحس بالحرارة، في الحالتين الإنسان لن يحس بالحرارة، وهو ليس مذنبًا بذلك ..، والمنطق يقول بأن الحرارة تعتبر غير موجودة، وهي والعدم سواء – بالنسبة لهذا الإنسان ..، إذ ليست العبرة بوجود الشيء فقط، لكن العبرة بقدرة الإنسان على رصده! ما كان البشر ليتحدثوا يومًا عن وجود الشمس والقمر والفرق بينهما، لو كان كل البشر يفتقدون لحاسة البصر! لا معنى لأن نأمر الأعمى بالاعتقاد أو الإيمان بأن الوقت في هذه اللحظة هو ليل أو نهار! المصاب بالبرد، يمكنه وصف إحساسه به، لكن لا يمكنه نقل إحساسه للأصحاء من حوله بتقنية الاعتقاد والإيمان! لا يمكن لإنسان أن يعتقد بأنه مصاب بالبرد، ما لم يكن مصابًا به فعلاً! إنه ولكي يكون الإنسان قادرًا على صنع قناعاته وأحاسيسه، ينبغي أن يكون قادرًا على تجاوز المنطق، ولكي يكون كذلك ينبغي ألا يكون طبيعيًا ..، أي ينبغي أن يتم تحويله إلى إنسان آلي، وحينها لا يكون هناك معنى لما يقوله ولا قيمة لما يفعله، وسيان قبوله ورفضه! الإنسان الطبيعي لا يقول إلا ما يجده في نفسه، ولا يمكنه أن يعتقد أو يؤمن بما يشاء أو بالإكراه والأمر أو بالإغراء! لو كانت المشاعر والأحاسيس والقناعات تحدث بالأمر والإكراه أو بالرغبة، لما حدثت عملية طلاق واحدة .. فسيكفي أن يؤمر الزوج بحُب زوجته وقبول سلوكها، وأن يُكره على الإيمان بجمالها – بغض النظر عما يراه أمامه، وأن تؤمر الزوجة بالاعتقاد بأن زوجها الفقير والمنحرف، هو رجلٌ صالحٌ وصاحب ثروة ..، لتتوقف بذلك كل الخلافات الزوجية ولا يحدث طلاق أبدًا ..، بحسب تقنية الاعتقاد والإيمان، يمكن ألا يكون هناك إنسان واحد غبي، بل سيتحول كل البشر إلى علماء وفلاسفة، حيث ستصدر الأوامر لكل البشر بأن عليهم الاعتقاد بأنهم أذكياء، وعليهم الإيمان أن بإمكانهم استيعاب كل العلوم وتصور كل الأفكار! ​كل المشاكل والخلافات البشرية يمكن حلها بهذه التقنية لو كانت هذه التقنية قابلة للعمل بالفعل! تقنية الاعتقاد والإيمان بما يخالف الواقع والمنطق هي التي جعلت العرب والمسلمين أبطالاً بلا إنجازات، متقدمين بلا تقدم، منتصرين بلا نصر، وعلماء بلا عِلم، وإخوة أشقاء متباغضين متحاربين! في الحقيقة لا توجد في الطبيعة إرادة مستقلة عن تأثير قوانين الطبيعة ..، وقوانين الطبيعة تعمل وتقرر داخل الذرات والخلايا، وما سلوكنا وممارساتنا سوى تجسيد أو تعبير مُكبَّر لعمل قوانين الطبيعة داخلنا وتأثيرها الخارجي علينا .. الخضوع لقوانين الطبيعة يعني عدم امتلاكنا إرادة مستقلة نصنع بها رغباتنا ونقرر عبرها مشاعرنا ونتحكم من خلالها في سلوكنا ..، وهذا هو الواقع الحقيقي!

السبت، 19 فبراير 2022

الوجوديّة الطبيعيّة !

0 تعليق




معلوم أن ممارسة الوجود هي سلوك بشري مرتبط بالوعي، ما يعني أنه شيء آخر غير ممارسة الحياة والتي هي سلوك غريزي يشترك فيه البشر مع كل الكائنات الحية! لكن، من أكبر العيوب الطبيعية الخلقية المصاحبة للوعي أو لممارسة الوجود، هو القابلية للتوجيه المعنوي، وهو ما يعني القابلية للانقياد للآخرين، وبالتالي القابلية للوهم! هذا العيب سببه ضعف طبيعي وضعف مفتعل! الضعف الطبيعي ناجم عن وجود مساحات كبيرة خالية ومعتمة، في الوعي البشري، تعكس عدم الإحاطة بحقائق كل الأشياء والأمور (طبيعة الروح، بداية الكون ونهايته، المستقبل، ما بعد الموت، ..الخ)! كذلك ينجم الضعف الطبيعي عن الإحساس بالهزيمة الحتمية أمام الكثير من الأشياء المكتشفة (الكِبَر، المرض، النار، الكهرباء، السلاح، ..الخ). وهذا الإحساس الحقيقي بالضعف الواقعي، يؤدي إلى حدوث الضعف المفتعل، متمثلًا في المخاوف من المجهول! الضعف المفتعل هو ضعف ثقافي الطابع وخيالي بالأساس! مثلاً.. معظم البشر يخافون الموت، ويتمنون الخلود، وكثيرون منهم يُبررون ذلك بخوفهم مما بعد الموت – سواء عقاب أو فناء! ومع أن الأمر لا يبدو منطقيًا، حيث لا معنى للمبالغة في الخوف من الموت، ولا معنى إطلاقًا للخوف من العقاب والفناء، ولا حاجة للحلم بالخلود! ملاحظة: هذه المفاهيم تطرقنا لها تحت العنوان التالي.. ( ( بُعْبع الأديان ، ليس لغزًا ولا هو بمخيف!).). لكن في الواقع تم استغلال هذه المفاهيم لتوجيه الوعي البشري، فأصبح معظم البشر يُمارسون وجودهم بإيحاءات خارجية، مرتبطة بهذه المفاهيم وهذا الخوف المفتعل! التفجيرات الانتحارية وما شابهها، هي عبارة عن ممارسة للوجود، بتوجيه عقائدي! ممارسة العبث دون شعور بالمتعة ولا اعتبار للنتيجة، والهيام اللا منطقي بممارسة سلوك ما، والارتباط العاطفي المفرط بالأشخاص والرموز..، كل ذلك وما شابهه، هي ممارسات للوجود بتوجيهات أيديولوجية (نظريات)! ما يهمنا هنا هو إيضاح الخيار الثالث، الطبيعي، والكفيل بتحصين الوعي البشري ضد التوجيه! أساس هذا الخيار هو تفعيل الإدراك الذاتي، والقبول بنتائجه باعتبارها طبيعية وتعكس اختلافات حقيقية بين البشر! البشر عمومًا من حيث ممارسة الوجود، هم مصنَّفون بالضرورة إلى ثلاثة أصناف: إنسان عقائدي، إنسان وجودي مؤدلج، إنسان وجودي طبيعي! - المعتقدات الدينية تدعو لإعادة الوعي البشري إلى حالة السكون الكوني السابقة للوجود، وكأن ظهوره كان خطأً بالأساس! - النظريات الوجودية تدعو لوضع الوعي البشري في مهب رياح الوجود المادي، وكأن أداءه المنطقي قد توقف مع فشل المعتقدات! الوجودية الطبيعية تتحقق برفع التوجيه عن الوعي البشري العام، وتركه ينمو ويتموضع في الطبيعة بحرية وبشكل تلقائي، ويختار ما يناسبه من المعروض الفكري المتنافِس في الساحات الخاصة! معلوم أن ذوي القدرات الفكرية الخاصة والكبيرة، ليسوا محصنين ضد الخطأ، لكنهم قادرون على توجيه البُسطاء بالصواب والخطأ، ولذلك كثيرًا ما تنتشر أفكار خاطئة، تؤدي إلى انحرافات سلوكية اجتماعية، ثم يتراجع عنها مُطلِقوها لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن تُصبح موروثًا ثقافيًا بشريًا يصعب اجتثاثه! صاحب الفكرة يستطيع التراجع عنها، بينما المُوجَّه بها لا يملك القدرة على التراجع عنها..، ذلك لأن صاحب الفكرة طبيعي، بينما المُوجَّه لم يعد طبيعيًا! لذلك ينبغي أن تكون خطابات وحوارات المفكرين والفلاسفة والفقهاء، موجهة لأمثالهم، القادرين على كشف أخطائهم وصد توجيههم! إن المجال الفكري والفلسفي والتنظيري، هو ببساطة مجال للتنافس واستعراض المواهب كغيره من المجالات! - المعتقدات تُصوِّر الإنسان على هيئة مصيدة للخطايا، وساحة لتجارب الحُذاق! - النظريات الوجودية، تُصوِّر الإنسان على هيئة مادة وساحة مفتوحة للتجارب الذاتية! - الإنسان الوجودي الطبيعي، هو الذي يرفض كل أمر يخالف المنطق الطبيعي، بما في ذلك المصلحة! مثلاً .. المعتقدات الدينية تدعو إلى الأمانة والصِدق، لكن ليس من منطلق أن الأمانة والصِدق فضائل حري بالإنسان أن يتحلى بها، إنما من منطلق أنه على الإنسان أن يؤمن بأن الكذب والظلم والخِداع خِصال سيئة ينبغي محاربتها، وأن مصداق إيمانه هو أن يجعل من نفسه ميدانًا لمعركة يخوضها آخرون ضد الخطايا، تبدأ بجهله وتستمر ببؤسه وتنتهي بموته! ولذلك نجد المعتقدات تدعو للإيمان تحت الوصاية والترهيب والترغيب والتحقير، والاتهام القائم والشك الدائم، والمعاقبة المُهينة المُذِّلة – من أجل تحقيق فضيلة! إن مجرد الحاجة للاستعانة ببشر غير معصوم، لمراقبة ومحاسبة ومعاقبة وتوجيه بشر تائه، هو خلل أساسي كفيل بإفشال كل نظرية وكل معتقد! الفكر الذي لا يهدف أو لا يؤدي إلى تفعيل الإدراك الذاتي لدى البشر، هو فكر مرحلي، محكوم عليه منطقيًا بالفشل! النظريات الوجودية تقول إن ما تدعو له المعتقدات الدينية، ليست فضائل ولا قيمة لها ولا يمكن تحقيقها..، وهي محقة في ذلك نسبيًا، لكنها لم تطرح بديلًا منطقيًا! الوجودية الطبيعية، هي إدراك أن الأمانة فضيلة وذات قيمة، لكن الإطار الذي وضعته حولها المعتقدات الدينية، أظهر هذه الفضيلة على هيئة سلوك مرفوض فطريًا! الوجودية الطبيعية هي إدراك أن الصِدق سلوك بشري طبيعي، وأن الكذب خيار بشري اضطراري – سببه تحميل البشر المسئولية عن اختلافاتهم، والمبالغة غير المبررة وغير الواقعية في تكريم الكائن البشري، ما جعله يضطر للكذب كي يظهر بالصورة المثالية – العقائدية أو الفلسفية – التي لا نواقص بها – والتي لا وجود لها في الواقع! في الواقع لا أحد مُطالَب بفعل الصِدق، الجميع مُطالَبون فقط بعدم فعل الكذب! وطالما كان الكذب ممكنًا، يكون حديثنا وحوارنا مع مَنْ لا نثق بهم، هو مساهمة منا في فعل الكذب! الخلل المشترك بين المعتقدات الدينية والنظريات الوجودية، هو افتراض المساواة الفكرية بين البشر، وتجاهل الاختلافات الطبيعية، وتجاهل تأثير القوة اللا إرادية الكامنة فيهم! إن توجيه المختلفين، إلى اتجاه واحد، يعني توجيههم في اتجاهات مختلفة، وبلوغ نتائج مختلفة! ومخاطبة المختلفين، بخطاب واحد، يعني مخاطبتهم بخطابات مختلفة، وتحقيق أهداف مختلفة! لكن، مخاطبة المختلفين، بخطابات مختلفة بحسب اختلافاتهم، يعني مخاطبتهم بخطاب واحد، وبلوغ ذات النتيجة وتحقيق ذات الهدف – إذا كان ذلك هو الهدف! ليست الوجودية الطبيعية هي مجرد انتقاد الآخرين، إنما هي تفعيل النقد لديهم، لكي يشترك الجميع في تصحيح المسار! الوجودية الطبيعية هي إدراك أن تجاهل اختلافات البشر، أو تحميل البشر المسئولية عن اختلافاتهم، هو جهل مطبق، وهو سبب كل الانحرافات، وهو بمثابة دفع وإكراه للبشر على ممارسة الكذب واللا واقعية! دعوة البشر للإقبال على وجود يفتقر للمعنى، لا تختلف عن دعوتهم للعبث، ولا تختلف عن دعوتهم للانتحار دون سبب..؛ فهي حث لهم على السير دون تحديد اتجاه – ولذلك يتصادم البشر ببعضهم وبالأشياء وبالمآسي؛ هي تشويه لمشهد طبيعي بدعوى محبة الوجود البشري؛ هي توجيه وتدخل غير مبرر في وجود الآخرين – بما لا يُحقق لهم سعادة آنية ولا يكفل نتيجة مستقبلية! السبيل للخلاص من حالة الوهم والتوهان، هو ممارسة الوجودية الطبيعية! الوجودية الطبيعية هي البديل الطبيعي الواقع بين النظريات الوجودية المتطرفة وبين المعتقدات الدينية الساذجة والغير محصَّنة ضد سوء الفهم والاستغلال! كما أسلفنا، فإن الخلل المشترك بين المعتقدات الدينية والنظريات الوجودية، هو توحيد الخطاب بافتراض المساواة الفكرية بين البشر..، بينما في الواقع، الاختلاف بين البشر من حيث المقدرة الفكرية، هو كالاختلاف بين الصاحي والنائم! السطحيون، كالنائمين في دار تحترق، توشك النيران أن تلتهمهم، وآخرون يسعون لإنقاذهم، بينما هم غارقون في أحلامهم! المعتقدات الدينية تُخاطب الصاحي والنائم بذات الخطاب، فتعتبر صمت النائم بمثابة فهم وموافقة، وتعتبر تساؤل الصاحي بمثابة رفض ومكابرة! كذلك النظريات الوجودية تُخاطب الصاحي والنائم بذات الخطاب، فتعتبر صمت النائم بمثابة جهل، وتوهان الصاحي بمثابة استجابة! الوجودية الطبيعية هي التفريق بين المستويات الفكرية المختلفة طبيعيًا!

الرابحون على مقياس التنافس العكسي!

0 تعليق
مقياس التنافس العكسي، هو مقياس تحديد الفائز في تنافس البؤساء من أجل البقاء! وهو مقياس الواقع المُعاش، الذي يُبيِّن مقدرة البؤساء على التنازل عن حقوقهم الإنسانية للإبقاء على حياتهم الحيوانية! وقد حقق البشر نجاحات باهرة على هذا المقياس؛ حيث لم يعد البؤساء يتمسكون بشرط سوى شرط الحياة ذاتها- في سبيل الحصول على عمل أو سكن من أجل الحياة! فإذا أصبح الموت شرطًا أساسيًا للحصول على سكن أو عمل، فلا يمكننا الجزم بأن أحدًا سيقبل بذاك العرض- حتى الآن على الأقل! لكن طالما ظل الموت المباشر خارج الشروط، فإن لكل عرض زبائنه، بل إن صاحب العرض يحتاج إلى مقياس عكسي لتحديد الفائز بالعرض من بين المتقدمين- البؤساء المتنافسين تنازليًا؛ حتى أصبح البؤساء الفقراء أنفسهم مادةً ومجالاً لتنافس الشركات الكبرى، حيث تنقل مصانعها من دولة إلى أُخرى طلبًا للبؤساء الفقراء الذين يعملون ويعيشون على دولار واحد في اليوم- مثلاً..، وذلك في مشهد يُشبه تنقل البدو الرُحل بحيواناتهم وخيامهم من مكان إلى آخر طلبًا للماء والمراعي! وكما أنه يوجد من الأعشاب ما يتجاهلها البدو وترفضها حيواناتهم، فإنه كذلك يوجد بعض الأجناس من البؤساء الذين تتجاهلهم الشركات لأنهم يفتقدون للمهارة المطلوبة، فالقبول بالعمل مقابل دولار واحد في اليوم، ليس هو الشرط الوحيد للفوز على مقياس التنافس العكسي! وهنا أقول، ربما كانت الفطرة أو الغريزة، هي التي تقود البؤساء من البشر، إلى إلقاء المسئولية عن بؤسهم وفقرهم على عاتق الحكومات والدول! فالواقع أن البؤساء من البشر، قد تم تلقينهم بواسطة رجال المعتقدات، بأن عليهم أن يُنجبوا من الأبناء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا- بمعزل عن أي حسابات للظروف والواقع والمعطيات! ولقَّنوهم أن يعتقدوا بأنهم إنما يُنجبون الأنباء بأمر الإله ولخدمته وطاعته وعبادته، وأنه يتكفل برزقهم! وبذلك تم تعطيل المنطق لديهم، فانقطعت العلاقة المنطقية الطبيعية بين عدد الأبناء والإمكانات المادية المطلوبة لتوفير حياة حقوقية إنسانية لهم! والمنطق هنا يقول، بأن تساؤل ولوم وعتب البُسطاء، كان ينبغي أن يتم توجيهه إلى المفتي لا إلى الوزير! فالمفتي هو الذي أمر بالإنجاب وتعهد بالرزق! إلا أن بساطة البُسطاء تظهر جلية هنا، حيث أنهم يتصرفون برؤى وفتاوى رجال المذاهب والمعتقدات، بينما يُحملون المسئولية عن نتائج تصرفاتهم للدول والحكومات! لكن صوت الفطرة يعلو هنا – لصالح البُسطاء، ليقول بأن مسئولية الدول والحكومات قائمة – وإن لم تكن مباشرة، عن فقر وبؤس هؤلاء الضعفاء! فمسئولية الدول والحكومات تأتي من سماحها لرجال المعتقدات بتعطيل المنطق لدى البُسطاء! إلا أن المراوغة والتنصل من المسئولية، تبقى أيسر من حملها! فالدول والحكومات والتشريعات، تعترف بوجود المشكلة، وتعلم أسبابها الحقيقية، لكنها تتعاطى معها كما تتعاطى مع البراكين والزلازل، وكأنها مُعطى طبيعي لا مناص من التعايش معه- وليست خطأً بشريًا يمكن تفاديه! ولا يوجد تفسير للسماح بحدوث هذه المأساة، إلا أن يكون البؤساء ضحية لتآمر الحكومات والفقهاء! فكانت النتيجة هي ما نراه اليوم في معظم بقاع الأرض، حيث نشاهد أعدادًا هائلة من البشر لديهم استعداد تام للتنازل عن كامل حقوقهم الإنسانية، في سبيل المحافظة على حقهم الحيواني- وهو حقهم في البقاء على قيد الحياة طيلة المدة الزمنية التي تُحددها الطبيعة..، تحت أي ظروف وبأي شروط! فمهما تكن ظروف السكن والعيش وشروط العمل مجحفة ومهينة، فإنه يوجد بين البشر من يُزاحم عليها- ما دام الموت المباشر والآني ليس من بين شروطها! وذلك بسبب الفيض العددي للبشر، الذي أنهك الموارد وأربك الشروط المطلوبة للحياة الحقوقية، الأمر الذي أدى إلى ظهور ما أدعوه هنا بالتنافس السلبي أو التنافس العكسي، وهو تنافس البشر في التنازل عن الحقوق – من أجل البقاء على قيد الحياة! فتكاثر البشر غير المقنن وغير المحسوب، أدى إلى تحولهم من أفراد إلى كُتل بشرية، وبذلك انعدمت الحقوق الفردية..، مما أدى إلى التعامل مع الضعفاء والبُسطاء كقطعان بشرية متساوية- لا كأفراد مختلفين! وبالمقابل، أدى ذلك بعموم البشر إلى اللامبالاة بالمسئولية الفردية..؛ حتى وصل البشر إلى ما هم عليه اليوم، وهو تحولهم إلى أبناء قُصَّر لدى ولي الأمر الثاني- الدولة والحكومة-، حيث إن ولي الأمر الأول هم رجال المذاهب والطوائف..، فأصبح البشر يُلقون بالمسئولية على الحكومات والقوانين، عن التقصير والفشل في كل كبيرة وصغيرة! ومن الطبيعي أنه عندما تتعامل الدولة- بالتشريعات والقوانين- مع الشعب بصفة عامة، كأبناء قُصَّر لديها، حتمًا سينظرون هم لها كولي أمر ظالم ومسئول عن كل شيء! والواقع أن هذه نتيجة لتلك، فالتنازل عن الحقوق، سببه التكاثر غير المحسوب! والتكاثر غير المحسوب، سببه الطاعة العمياء لرجال الأديان والمعتقدات! حيث أصبح الفقهاء بمثابة موظفين إعلاميين لدى الحكومات والأقوياء، وظيفتهم تحريض الفقراء والضعفاء على إنجاب المزيد من البؤساء! وأصبح الآباء بمثابة معامل ومختبرات لدى المذاهب والفقهاء، وظيفتها إنجاب بشر فقراء ضعفاء بؤساء، لتستعملهم الحكومات كجنود ويستعملهم الأقوياء والأغنياء كعبيد أو كأدوات للتنظيف وآلات لحراسة الممتلكات وأسلحة للحروب! فسيطرة رجال الأديان على البُسطاء، سببه خلل في القوانين والتشريعات، مسئولة عنه الدول والحكومات!

الثلاثاء، 18 يناير 2022

الوجود الطبيعي والوجود المُكرَّم!!

1 تعليق


 القول أو الاعتقاد بأن الإنسان عمومًا هو كائن مُكرَّم، هو ليس ضربًا من الوهم فحسب، بل هو افتراء
 وكذب صريح! إن المجتمعات البشرية لم تخلُ من المتسولين يومًا! ولا يمكن الجمع بين التسول والكرامة! فالمتسولون هم بشرٌ أذلاء دون أدنى ريب! ولا يقتصر مفهوم التسول على طلب المال لسد حاجة لحظية! بل إن طلب أي نوع من المساعدة هو صنفٍ أصيل من أصناف التسول والذل! ومن الأهمية هنا التفريق بين أصناف المتسولين الأذلاء! فالذي يطلب مساعدة الآخرين أو يقبل بها، في حين هو قادر على الاكتفاء والاستغناء عن الآخرين، هو صنف ذليل يعشق الذل، وربما كان مجبولاً على سلوك الذل وممارسة التسول! أما المتسول الذي يطلب المساعدة لأنه أضعف من أن يُغني نفسه عن التسول، فهو ليس مُدانًا لكنه ذليل! وربما تكون إدانته في قبوله بحياة الذل، وليس في تسوله! وهذا الواقع المُعاش، يدحض اعتقاد أتباع الأديان المختلفة، الذين يعتقدون ويؤمنون بأن الإنسان كائن حي مُكرَّم، وأنه يعود في خلقه ووجوده وتكريمه إلى مشيئة الخالق مباشرة! إن أصدق وصف للحياة، هو أقسى الأوصاف وأبشعها، وهو أن الحياة صفةٌ لا تليق إلا بالحيوانات عامة، وبالأقوياء من العقلاء خاصة! ذلك لأن الحياة باختصار هي أن يُدرك الحي معنى الكرامة والحرية ويعيشها ويُمارسها كالأقوياء من البشر، أو ألا يُدركها كالحيوانات! أما ما بينهما فليست حياة وليست لا حياة، بل هي مراحل طويلة ومملة من الإحساس بالخوف والأسى، وممارسة الوهم والجهل والكذب، يقضيها الحي العاقل الضعيف بانتظار الموت! الذين يُسَمُّون أنفسهم بالمتفائلين، وهم في الحقيقة ليسو سوى عاطفيين ضعفاء ومنهم الجهلاء..، يحلو لهؤلاء القول: إن فعل الصواب، وتحقيق الخير لنفسه ولبني جنسه، هو دافعه للفعل، وهو سبب تعلق الإنسان العاقل بالحياة وحبه لها رُغم صعوبتها ولا منطقيتها! لكن هذا القول أو هذا الاعتقاد ينطوي على مفارقات ومغالطات تدحض حُجَّته.. منها:

 * على اعتبار أن الإنسان لا يُدرك مآلات الأمور، فقد يكون ما يفعله خيرًا في ظاهره ونية فاعله، لكنه في جوهره عبارة عن إخراج لمارد الشر من قمقمه..، حيث إن ما هو خير اليوم، ربما أصبح هو مصدر الشر غدًا، ويصبح حينها الفاعل فاعل شر – بغض النظر عن نيته! والأهم أنه لن يكون بمقدور الفاعل إرجاع ما كان إلى ما كان!

 ** إن ما يدعوه الإنسان بفعل الخير، ما هو إلا أنانية بشرية مقيتة – بالنسبة لبقية الموجودات، فلا تقوم سعادة الإنسان وتعمير الأرض إلا بتدمير وحرق وتحوير الجماد، وقتل وافتراس الحيوان والنبات، وتلويث البيئة!

 *** إنه، وحتى تلك المستويات أو تلك الأصناف من أفعال الخير، والمتمثلة في التواصل الاجتماعي والمواساة وتقديم الخدمات المجانية – ظاهريًا-، فإن تصنيفها كأفعال خير ينطوي على مُغالطات كثيرة وكبيرة، ويخلو تمامًا من الأمانة العلمية، ويتجاهل مقتضيات المسئولية الأخلاقية..، فما يُسمَّى اصطلاحًا أو افتراضًا بأفعال الخير هنا، هي تحقيق مصالح ذاتية قبل كل شيء، فإقامة العلاقات يكون لتسهيل إنجاز مصالح الذات بالدرجة الأولى، فلا يفعل أحدهم الخير لغيره إلا إذا كان سيعود عليه هو بالنفع! والأدهى من ذلك هي محاولة إظهار الممارسات بغير حقيقتها..، إذ إن مرجعية هذه الأفعال – لدى جُلِّ البشر – وهُم المؤمنين- هي الخوف والطمع، فلا يفعلون الخير حُبّاً في الخير! وبذلك تكون أفعال الخير المفترضة، هي في أحسن الأحوال تجارة بين الإنسان – فاعل الخير المفترض-، وبين الإله..، وهي بالنتيجة تجارة، والتجارة أساسها تحقيق منفعة الذات وليس تحقيق الخير لأجل الخير أو لأجل الآخرين! بل قد يكون ضرر الآخرين هو مادة وطبيعة التجارة، مثل الإنسان الذي يقتل أخيه الإنسان أو يستعبده، ثمنًا لصفقة مربحة مع إله مزعوم..، فهنا يجتمع الشر والجهل لقتل الخير بذريعة فعل الخير! 

حياة البشر.. يمكننا أن نُعرِّف حياة البشر – بالعموم وليس بالمطلق- بأنها مستوياتٌ أو مراحل أربعة، من الانتظار الحقيقي المصحوب بفعل جزئي واستعداد افتراضي..،

 1- مرحلة الشعور بالحياة! وهي انتظار الصغار لمرحلة البلوغ، أملاً في إدراك ما يجهلونه، وتحقيق ما يعتقدون أن طفولتهم تحول دون تحقيقه!

 2- مرحلة الإحساس بالحياة! وهي انتظار المراهقين وسعيهم لانتزاع إقرار المجتمع بوجودهم، وانتزاع حقهم في إشباع الغرائز وتلبية الشهوات والرغبات، والمنافسة على المراكز التي تُثبِتُ وجودهم وتُبرز تَمَيُّزهم – المفترض!

 3- مرحلة انتظار المجهول بعد تجاوز المعلوم! حيث يدخل الإنسان – بعد الزواج والإنجاب – ساحة الاستسلام رافعًا راية الرفض، مُكابرًا مُحاولاً تجاهل خيبة الظن التي لم تبرح حساباته في كل المحطات التي مرَّ بها!

 4- مرحلة البحث عن الحياة! حيث يتساءل الإنسان، عندما تخور قواه ويكاد يُدركه اليأس ويرفضه المكان ويستعجله الزمان..، يتساءل: هل أنه كان حيّاً بالفعل فيما مضى من زمن! لكن ذلك غير صحيح، لأن معنى ذلك أن الحياة التي تم احتسابها عليه، هي فقط ذلك القلق الذي كان يملأه، والجُهد الذي كان يبذله، والسرور اللحظي الذي كان يختفي قبل أن تكتمل مَشاهده! أم إنه لم يكن حيّاً، بل كان يبحث عن شيء اسمه الحياة..، وهل عليه أن يَجدَّ ويجتهد في البحث عنه – أكثر من ذي قبل – فيما تَبقى له من قُدرة ومن زمن، وهو الهدف الذي لم يُحققه عندما كانت ظروفه أفضل! أم إن فلسفة الكينونة والحياة ونظرية الوجود المستقل التي يعتقدها ويعمل ويحلم ويُفكِّر الإنسان على أساسها، هي العنصر الذي يحمل القيمة الخطأ في معادلة وجود الإنسان..، وأن تلك الفلسفة والنظرية هي التي أعطت لكل النتائج انحرافها..، وأن الإنسان الفرد في حقيقته ربما لا يعدو أن يكون ذرة في جزيء أو خلية في نسيج، يؤدي وظيفة ثانوية تكميلية غير مباشرة، تتنافس على أدائها كل الخلايا المتشابهة، في جسد كائن مجهولٍ اسمه الحياة..، وأن جسد ذلك الكائن يُجَدِّد خلاياه بما يوافق مصلحته وغايته، وأن الخلية التي يَقِلُ عطاؤها، ينتهي دورها، ويُصبح وجودها عبئًا على الجسد، فيلفظها – حين يستغني عن خدماتها..، وكل الخلايا سيَقِلُّ عطاؤها وستُلفَظُ يومًا..، وذلك تمامًا ما تفعله كل الأجساد الحَيَّة مع خلاياها، حيث إنَّ الخلايا (كرات الدم البيضاء – مثلاً) تبدو ككائناتٍ تُفكِّر وتعمل كما لو كانت لها كيانات مستقلة ذاتية القرار..، بينما هي في الحقيقة خاضعة لآلية خارجة عن سيطرتها، تقوم تلك الآلية بتفعيل الخلايا وتوجيهها وحثها على الفعل والتكاثر وأداء دور معين، كما تقوم تلك الآلية بتجديد الخلايا – تدمير القديم واستحداث البديل..، فلو كان للخلايا كيانات مستقلة وذاتية القرار، لأصبح موتها انتحارًا، ولأصبح تكاثرها وأداؤها لدورها المميت غباءً..، وكذلك الإنسان! في المرحلة الأولى، يكون الإنسان مهووسًا بتعبئة الفراغات المعرفية، مدفوعًا بحب الاكتشاف وإدراك الجديد..، في المرحلة الثانية، يبدأ الإنسان بمطاردة أملٍ وهمي، مصدره ثقة مفرطة في النفس، تُبرِّرها حيوية مرحلية، تدفع الإنسان على الاعتقاد بجهل وضعف الآخرين..، والأساس في كل ذلك هو جهل الإنسان – شبه التام – بحقيقة ما يجري من حوله، وجهله المرحلي بحقيقة مكانته ومحدودية إدراكه ودوره وقدرته! في المرحلة الثالثة، يقل اهتمام الإنسان بمبدأ القناعة بما يفعل، حيث تدخل عناصر جديدة مجهولة القِيم في معادلة الفعل، حين يُصبح الإنسان يعمل لمصلحة غيره – بغض النظر عن رغبته وإرادته وحتى مقدرته -، حيث يتغاضى الوالدان عن قِسم كبيرٍ من حقوقهما وسعادتهما وقناعتهما، نزولاً عند حاجة الأبناء، ورضوخًا لعاطفة مصدرها الإحساس بالضعف الطبيعي والشعور الزائف بقوة وقيمة افتراضيتين وهميتين..، إن حجم الأسرة وخصوصية متطلباتها، هي التي تُحدد لولي الأمر الحد الأدنى من الجُهد الذي عليه أن يبذله، وحجم القلق الذي عليه أن يحمله! في المرحلة الرابعة، يكون الإرهاق قد نال من الإنسان، فلا يعود عقله وذاكرته وإمكاناته الذهنية والنفسية والجسمانية تُسعفه أو تسمح له بالتفكير بهدف إنتاج المعرفة، ولا حتى باستقبالها من خارجه! فَيَنصَبُّ جهده على تقليب محتويات الذاكرة، ويقتصر تفكيره على المقارنة بين نتائج التجارب السابقة، بحثًا عن أنسب المقاربات كإجابة نهائية لسؤاله عن كُنه الحياة..، ذلك السؤال الذي يتجدد ويزداد قوة بالتناسب الطردي مع ضعف الإنسان واقترابه من نهاية الطريق – وهو صِفر اليدين من أي قيمة وأي معنى وأي تعريف للحياة – التي كانت عنوانًا لكل ما بذله من جُهد وما أنفقه من زمن! في هذه المرحلة، يتطرف الإنسان ويتشدد ويتعصب إلى النتيجة التي يقع اختياره عليها من بين مخزوناته العقائدية..، فإذا كان الإنسان مؤمنًا بالبعث وحياة أخرى بعد الموت، يكون في آخر أيامه مُتطرفًا في إيمانه ملتزمًا واعظًا ناصحًا كأنه لم يكن مؤمنًا قبل ذلك..، وهو السلوك الذي يدعوه المؤمنون بالتوبة! ولعل الحقيقة هنا، هي أن ما يُسمَّى بالتوبة – خاصة في نهاية العُمر – هي ليست سوى إقرار من الإنسان بالفشل والصدمة وخيبة الظن، وبأنه لم يعد أمامه مُتَّسع من الوقت للبحث بنفسه أو لانتظار نتائج أبحاث الآخرين عن كُنه وقيمة الحياة، فيحسم أمره على التصديق بالحياة الأخرى، ويدعوها بالحياة الحقيقية والأبدية، ويُشدد على الربط بينها وبين الحياة التي يوشك على مغادرتها..، وذلك كعزاء أخير من الإنسان لنفسه وكورقة أخيرة يرميها في وجه اليأس دون المقدرة على التحقق من النتيجة، بل ودون المقدرة حتى على مجرد الخوض في تفاصيل واحتمالات النتيجة هذه المرة، مكتفيًا بتفاؤلٍ وأملٍ ليس لهما ما يُبررهما سوى الضعف واليأس اللذين لم يعد الإنسان قادرًا على إخفائهما!

الاثنين، 17 يناير 2022

ما الفرق بين وجودنا والحياة؟

1 تعليق



نحن مضطرون للتنفس، لكن لسنا مضطرين للقراءة ..، أو هذا ما يبدو لنا ظاهريًا .. الفعل الحياتي هو كل فعل غريزي وإجباري، ويفعله كل البشر دون استثناء ..، بينما الفعل الوجودي هو كل فعل منطقي اختياري، وليس الكل يفعله ..، أو هذا ما نراه في الواقع .. لكن الحقيقة شيء آخر، أو لنقل بأن الأمر سيبدو لنا مختلفًا إذا نظرنا له من زاوية أخرى وبرؤية أعمق، حيث سيبدو لنا أن كلا الفعلين إجباري، أو هو حتمي .. الفعل الحياتي هو التعبير عن الحياة ..، هو تعبير طبيعي حتمي عن الاختلاف بين الأحياء والأموات أو بين الكائن الحي والجماد ..، والفعل الوجودي هو التعبير عن الوجود ..، هو تعبير طبيعي حتمي عن الاختلاف بين إنسان وإنسان آخر أو بين كائن حي وكائن حي آخر ..، لولا الأفعال الوجودية لما ظهر الفرق بين الإنسان والحيوان ..، تمامًا كما أنه لولا الأفعال الحياتية لما كان هناك فرق بين الكائن الحي والجماد .. الفرق بين الإنسان والحيوان لا يستوجب تمجيدًا أو تقديسًا أو تفضيلاً للإنسان على الحيوان، فالإنسان ليس هو من صنع الفرق بينه وبين الحيوان، بل إن الفرق مجرد تحصيل حاصل لفعل قوانين الطبيعة، وأكثر من ذلك هو إثبات لتأثيرها القهري على الإنسان أكثر منه على الحيوان ..، إذ يمكننا القول بأن الحيوان قد استطاع إيقاف تطور الطبيعة داخله، فتجمدت عند حد معين، مما جعل الحيوانات تتمتع بكل ما يتمتع به الإنسان – لكن بحرية مطلقة يفتقدها الإنسان، وبدون العيوب التي يشتكي منها الإنسان، فتطور الطبيعة في الإنسان كان نقمة على الإنسان، وهو على كل حال سواء كان نعمة أو نقمة، فهو أمر لا فضل ولا ذنب للإنسان فيه، وما تمجيدنا للأذكياء وذمنا للأغبياء إلا عين الجهل والحمق والبدائية والغباء .. الإنسان والحيوان وغيرهما، عبارة عن ساحات أو مختبرات لتجارب قوانين الطبيعة .. لاشيء موجود إلا ويكون قد دفع ضريبة الوجود، وهي الخضوع التام لقوانين الطبيعة – حياتيًا ووجوديًا .. خضوعنا لقوانين الطبيعة في الأفعال الحياتية يبدو واضحًا أو تأثيرها علينا يبدو مباشرًا تقريبًا ..، إما أن نشرب أو نموت فورًا – مثلاً .. فعل الصيام هو ممارسة لفعل حياتي بصورة وجودية! لكن علاقة قوانين الطبيعة بأفعالنا الوجودية الحقيقية تبدو علاقة غير مباشرة، بسبب وجود بدائل عديدة من الأفعال الوجودية (غناء، رسم، كتابة، .. الخ)، وهذا ما أوجد الخلط لدى البشر، وجعلهم يتخيلون خطأً بأن لديهم إرادة الاختيار أو إرادة الفعل وعدم الفعل بمعزل عن أي تأثير داخلي أو خارجي ..، ولذلك يُحاسَب الإنسان على سلوكه، بينما في الحقيقة ينبغي أن يُعالج الجميع ولا يُحاسَب أحد .. إن كل ما يفعله الإنسان، ما هو إلا تعبير تلقائي واستجابة طبيعية، لما يجده لديه من حاجة لأداء أفعال حياتية وأخرى وجودية! أفعال حياتية .. تنفس، شرب، أكل، .. الخ! أفعال وجودية .. غناء، رسم، تجميل، تفكير، مساعدة الآخرين، استعباد الآخرين .. الخ! الأفعال الحياتية .. أدركنا مبرراتها بسهولة، فلم نعد نتساءل حولها، وذلك بسبب ارتباطها المباشر بحياتنا، وبسبب قِصر دورتها الزمنية، والسبب الأهم هو عدم وجود بدائل من هذه الأفعال .. مثلاً .. لو كانت أقصر مدة مطلوبة للإنسان بين كل شربة ماء وأخرى هي عشر سنوات، لما توقف البحث والسؤال عن سبب شربنا للماء! ولو كان هناك بديل لشرب الماء، بحيث كان بعضنا لا يحيا بغير الماء، بينما جُلنا يتناولون بديلًا آخر ولا يشربون الماء أبدًا ..، لو كان الواقع هكذا لما توقف السؤال عن سبب إصرار بعضنا على شرب الماء ..، ولو مات أحدهم بسبب نقص الماء، لتساءلنا لماذا لم يتناول البديل؟ لكن لأن الكل يمارسون فعل شرب الماء، ولا بديل عنه، لذلك لم يعد من معنى لطلب مبرر لهذا الفعل، وأصبح غياب الماء مبررًا للموت – لا جدال ولا خلاف حوله! الأفعال الوجودية .. كثرة البدائل في مجال الأفعال الوجودية، جعل السؤال حول دوافعها ومبرراتها لا يتوقف! مثلاً .. يمكن للرسام أن يحيا بدون غناء، لذلك يبدو منطقيًا لو أنه تساءل عن سبب الغناء! ولو قيل لنحات، بأن أحدهم قد انتحر لأنه مُنِع من القراءة والكتابة، ربما لا يستطيع تصور ذلك، ولا يرى انتحاره مبررًا! - يمكن لمن يجد نفسه في مساعدة الضعفاء أن يحيا بدون رسم، لذلك قد لا يرى مبررًا للرسم، وقد يرى أن الصواب هو أن يتحول الجميع إلى مساعدين للضعفاء وحسب! - لا يمكن للفيلسوف أن يتوقف ساعة عن التفكير في الوجود .. وبذلك يكون من المنطقي أن يتساءل: لماذا لا يفكر الآخرون مثله، بل كيف يمكنهم الوجود بدون تفكير مستمر؟ - تطور قوانين الطبيعة التي تعمل داخل خلايا وذرات الفلاسفة، جعلتهم يرون أفق المعرفة قبل غيرهم، ويرون سُبُلًا كثيرة وسهلة لتحسين حياة البشر، ولا يفهمون سبب تمسك البشر بأساليبهم التقليدية في الحياة، ويرون أن ذلك لا يمكن أن يكون إلا مقصودًا مفتعلاً، ولا يُدركون أنه ناتج عن غباء طبيعي قهري بفعل بساطة وعدم تطور قوانين الطبيعة التي تعمل داخل خلايا وذرات البشر التقليديين .. كل ذلك بسبب النظرة التقليدية للإنسان، تلك النظرة التي تعتبر الإنسان كيانًا واحدًا يمتلك إرادته، ولا يختلف عن غيره من البشر إلا برغبته وإرادته .. - المستبدون أو الذين لا يرون ضيرًا في استعبادهم لغيرهم من البشر، هم يفعلون ذلك بسبب خضوعهم لقوانين الطبيعة داخلهم، والتي لا تفرِّق من حيث المبدأ بين البشر والحيوان، ولذلك هم لا يرون فرقًا بين امتلاكهم لحيوان وامتلاكهم لإنسان .. - الاتفاق بين كل البشر على الوسطية ممكن، لكن الخطأ وعدم حصول الاتفاق هو بسبب الاعتقاد بأصولية المبادئ، أو محاولة تأصيل الأخلاق والمبادئ، واعتبارها كونية، والاعتقاد بأن الانحراف عنها لا يكون إلا تعمدًا للانحراف .. - الانتحار – بغض النظر عن السبب -، أو على سبيل المثال الانتحار بسبب العجز عن الإبداع، هو مثال واضح جدًا يبين خضوع الإنسان لقوانين الطبيعة، فهو عبارة عن تصادم بين قوانين الطبيعة داخل المبدع وقوانين الطبيعة خارجه، ما يؤدي إلى توقف القوانين الجزئية العاملة داخله، خضوعًا للقوانين العامة العاملة خارجة .. الانتحار بسبب العجز عن الإبداع، عادةً هو سبب انتحار الأذكياء المبدعين ..، لكن حتى الانتحار التقليدي بسبب الفقر مثلاً، هو انتحار بسبب عجز عن الإبداع كذلك .. الخلاصة .. بالنسبة للإنسان، الحياة ليست غاية لذاتها، إنما هي مجرد وسيلة لممارسة الوجود .. تطور الوعي لدى الإنسان وتحوله إلى إدراك، هو الذي استوجب ممارسة الأفعال الوجودية .. ممارسة الأفعال الوجودية أساسها حاجة لإحداث المعرفة .. الوعي هو امتلاك ذاكرة قادرة على تسجيل الأحداث والمَشاهِد والمعلومات، واستعادتها عند تشابه المواقف .. الإدراك ناتج عن اتصال الذاكرة بالخيال، ما يسمح باستعمال مخزون الذاكرة المحدود من المعرفة لإنتاج معارف جديدة .. الحيوان يكتفي بممارسة الحياة، لأن وعيه قد توقف عند المرحلة البدائية الأولية، ولم يتطور إلى إدراك .. الحيوان يمتلك ذاكرة، وبذلك فهو يمتلك وعيًا، لكنه غير مدرك لأنه لا يمتلك خيالاً .. الحيوان لا يتعامل مع ذات الموقف وذات المكان بذات الأسلوب في المرة الثانية والثالثة .. وهكذا .. النبات يمتلك ذاكرة، لكنه لا يمتلك وعيًا، لأنه غير متنقل!

الثلاثاء، 4 يناير 2022

المزاج الفاعل وآلية صُنع الوجود !

0 تعليق



فلسفة وفيـزياء .. لماذا ينعدم المنطق عند المستوى الكمومي؟ معلوم أن ما يُعرف بالمستوى الكمومي، هو المستوى تحت الذري! وسُميَّ بالمستوى الكمومي لأن سلوك المكوِّن الواحد من مكونات هذا المستوى من إلكترونات ونيوترونات وغيرها، هو سلوك كمية واحدة وليس سلوك جسيم واحد – ! ولعل التسمية الأنسب والأدق لسلوك مكونات هذا العالم تحت الذري، هي: السلوك المزاجي! الذرة كوحدة واحدة، يمكن حساب نتائج سلوكها مسبقًا، لكن لا يمكن التنبؤ بسلوك أي من مكوناتها منفردًا .. وهذا عُدَّ أحد أوجه اللا منطق في المستوى الكمومي! المستوى الكمومي بمعنى من المعاني هو المستوى الفردي! وفي الواقع ليس فقط الذرة ومكوناتها، بل إن المنطق الذي يحكم سلوك أي كيان مركب، لا يمكن أن يحكم سلوك أي من مكوناته منفردًا، سواء كان هذا الكيان ذرة أو مجتمع بشري ..، علماء الفيزياء يؤكدون حقيقة ويرفضون فكرتها .. وهي أن سلوك الذرة منطقي، بينما سلوك مكوناتها غير منطقي ..، سلوك الإلكترون مثلاً! والحقيقة تبدو وكأنما العلماء يرفضون أمرًا لا يصح رفضه، لأنه هو ما ينبغي أن يكون، فسلوك مكونات الذرة يجب أن يكون مزاجيًا لا منطقيًا، لأن ذلك شرط لتكوُّن الذرة، وشرط لاختلاف خصائص المواد، إذ لو كان سلوك مكونات الذرة منطقيًا لاستحال وجودها – استحال تكونها – استحال نشوء الذرة من الأساس، واستحال اختلاف وتنوع المواد والأحياء؛ وحتى لو تكونت ذرات، فإنها ستكون معدومة الذاتية - الدينامية - ما لم يكن سلوك مكوناتها مزاجيًا! انعدام الدينامية في الأشياء، يعني انعدام قدرة الأشياء على الفعل، وهو ما يعني انعدام صفة الوجودية .. وهنا نؤكد على أمر نراه هامًا جدًا، وهو أن الذرة ليست أصغر شيء في الكون، لكنها أصغر شيء في الوجود! وهذا يعني أن الذرة هي أصغر شيء يحمل صفة الوجودية! صفة الوجودية تعني أن الشيء حدث وليس أصلاً .. وتعني صفة الوجودية أن الشيء يتكون أو يتألف من مكونات مختلفة، قابلة وآيلة للتفكك ..، والذرة هي أصغر شيء تتحقق فيه هذه المواصفات .. بينما كل مكون من مكونات الذرة لا ينبغي له، أي لا يمكنه أن يحمل صفة الوجودية، بل لا بد أن يحمل صفة الكونية .. أي صفة الأزلية والديمومة .. أي الكينونة! والمنطق رهن بالوجودية لا بالكونية ..، الكون أمرٌ منسوبٌ إلى المطلق، أما الوجود فهو شيء منسوب لنا .. منسوب لمعرفتنا وفهمنا وإدراكنا! السلوك المنطقي يفرضه اتحاد بين أشياء لا منطقية! فاتحاد أمزجة مختلفة ينتج عنه سلوك منطقي بالضرورة! لا منطق ولا حاجة للمنطق بدون اتحاد، ولا اتحاد إلا بين أمزجة مختلفة .. إذا اتحدت أمزجة متشابهة، فإن اتحادها يُسمَّى نموًّا وليس اتحادًا! بالنظر من الزاوية الكونية، فإن المنطق ليس سلوكًا طبيعيًا أبدًا، بل هو سلوك ظرفي يُعبِّر عن حدث ..، هذا الحدث هو انعدام الحرية في حيِّز ما من الكون ..، مما يعني أن هذا الحيِّز أصبح مشغولاً بشيء موجود مؤقتًا! المنطق ليس شرطًا لتكون الأشياء ونشوء الجماعات، بل هو نتيجة لتكون الأشياء ونشوء الجماعات ..، بل إن غياب المنطق عند لحظة النشوء والتكون، هو سبب وشرط لحصول النشوء والتكون .. لكن غياب المنطق عند لحظة النشوء، لا يعني عدم قدرتنا على تصور وفهم كيفية حدوث النشوء .. المنطق = مزاج محدود ، والمزاج = منطق لا محدود! المزاج أصل كوني، والمنطق استثناء وجودي .. المزاج نقيض المنطق، وهو الذي يُنتج المنطق .. المزاج يعني الحرية المطلقة لفعل كل ما هو ممكن دون قيود منطقية، وهذه صفة إطلاق، أي صفة كونية! بينما المنطق يعني الالتزام، وهي صفة المحدودية، أي صفة وجودية .. لا يمكن لشيء أن يحمل صفة الوجود (التشكل)، إلا بحصول توازن بين مكوناته المختلفة ..، وحصول توازن يعني بالضرورة نشوء معادلة منطقية تحكم سلوك المجموعة المتشكلة كي تظل متماسكة .. وهذا يعني أن المنطق هو نتيجة وشرط للوجود، وليس سلوكًا طبيعيًا للموجودات .. وبذلك، فإنه لا معنى للبحث عن المنطق في سلوك إلكترون أو فوتون منفردًا! 

 الأمزجة الفاعلة هي مكونات الكون الحرة .. المزاج الفاعل يكشف أسرار الوجود .. فما هو المزاج الفاعل؟ المزاج الفاعل = وحدة كونية، وليس شيئًا وجوديًا! الشيء الوجودي أو الشيء الموجود لا يكون إلا مركبًا، ويتألف من مكونات مختلفة الخصائص! الإلكترون، البروتون، النيوترون، الكوارك، الفوتون، .. .. الخ ..، هي وحدات كونية، أي أنها أمزجة فاعلة، أي أنها أصول، وليست مركبات مؤلفة من مكونات مختلفة الخصائص! المزاج الفاعل هو الذي يصنع قوانين الطبيعة المنطقية، وبذلك فهو لا يخضع للمنطق، لأن الخضوع للمنطق هو صفة وجودية وليس صفة كونية! من أين جاء المزاج الفاعل؟ الأمزجة الفاعلة هي وحدات كونية أزلية .. كينونة وأزلية المزاج الفاعل، ضرورة لنشوء الوجود ولحصول الدينامية في الموجودات بعد نشوئها ..، وكينونة وأزلية المزاج الفاعل ليست فرضية، بل هي حقيقة وجدناها متجسدة في مكونات العالم تحت الذري! المزاج الكوني تمثله الحرية في حياة البشر، ولذلك لا توجد دينامية – لا يحدث نشاط – لا يحصل إبداع حيثما غابت الحرية في المجتمعات البشرية .. 

 الذرة تحتوي الإلكترون، والذرة لا تتواجد في أكثر من مكان في ذات اللحظة، وبذلك فهي خاضعة للمنطق .. بينما الإلكترون سواء كان داخل الذرة أو خارجها، فإنه يبدو قادرًا على التواجد في أكثر من مكان في ذات اللحظة ..، وهذا خروج عن المنطق .. والأمر ذاته يحصل في أي مجتمع بشري، حيث لا يمكن لأي مجتمع أن يرفض الكذب ويقبله في الوقت ذاته، وهذا خضوع للمنطق .. لكن كل فرد من أفراد ذات المجتمع، قادر على حمل صفات رفض وممارسة ونبذ وقبول الكذب في الوقت ذاته ..، وهذا خروج عن المنطق!

 الإلكترون يتواجد في أكثر من موضع في ذات اللحظة .. كيف يكون ذلك صحيحًا، ولماذا لا يمكننا تصوره؟ الجواب .. أولاً: هذه النتيجة ليست نتيجة قياسات منطقية، لأن المنطق لا يستطيع قياس مثل هذه النتيجة .. فهذه النتيجة هي نتيجة مشاهدات وملاحظات اشتركت فيها عدة عناصر ليس بينها عنصر واحد مثالي .. بالإضافة إلى أن الإلكترون يتأثر بعمليات القياس والملاحظة، وبالتالي لا يمكن اعتماد هذه النتيجة كنتيجة علمية ونهائية لسلوك الإلكترون! ثانيًا: لعله ليس صحيحًا أبدًا افتراض إمكانية وجود أو إمكانية إحداث فراغ في أي مكان في الكون، من أجل دراسة السلوك الحقيقي للإلكترون والفوتون وغيرهما من مكونات ما يعرف بالمستوى الكمومي .. وعدم وجود فراغ، يعني أن الإلكترون والفوتون يعملان في وسط ما ، وليس ثمة مانع منطقي من أن يكون ذلك الوسط يعمل عمل المرايا، فيكون ظهور الإلكترون في في أكثر من مكان في الوقت ذاته، أمر طبيعي ومنطقي؛ وكذلك فإنه لا مانع أبدًا من أن يكون ذلك الوسط يعمل عمل الموصل بالنسبة لفوتون الضوء، وبالتالي يكون انتشار الضوء في كل الاتجاهات بذات السرعة، وسرعته الخيالية وكل ما يتعلق بالضوء، كلها عمليات منطقية وقابلة للفهم والتصور ببساطة كبيرة! ثالثًا: من المنطقي والمقبول جدًا أن نخرج بنتيجة لا منطقية لسلوك الإلكترون، لأننا نقيس سلوك الإلكترون بالمعيار الوجودي وليس بالمعيار الكوني ..، بينما الإلكترون وحدة كونية، وليس شيئًا وجوديًا! المعيار الوجودي هو المعيار المنطقي المحدود .. والمعيار الكوني هو المعيار المزاجي اللا محدود .. السلوك المنطقي يعني الخضوع لقوانين الطبيعة .. السلوك المزاجي يعني صُنع قوانين الطبيعة .. 

والآن .. هل صحيح أن الوجود غامض إلى الدرجة التي ليس بمقدورنا معها وضع تصور لفكرة نشوئه وآلية عمله، إلا بافتراض بداية غير منطقية بحيث لا يمكننا تخيلها مثل الانفجار العظيم، أو بافتراض أصل مقدَّس بحيث لا يمكننا ولا ينبغي لنا تخيله – مثل الإله؟ لعل الأمر يعتمد على مدى قدرتنا على التحرر من خلفياتنا الثقافية والعقائدية التي صنعت تصوراتنا التقليدية للوجود .. فإذا افترضنا الوجود أعقد من أن نفهمه، بدا لنا كذلك .. وإذا افترضناه أسهل من أن نجهله، بدا لنا كذلك .. 

 كل النظريات التي حاولت تفسير الوجود، انطلقت من استبعاد فكرتي الأزلية الزمنية واللا نهائية المكانية للوجود المادي المرصود، ثم عُمِّم الاستبعاد على كل شيء – مرصود وغير مرصود -، فاصطدمت كل النظريات باستحالة البداية التي ليس قبلها شيء! بالنتيجة لم تستطع أي نظرية استبعاد هاتين الفكرتين، فحاولت كل نظرية بلورة مفهوم الأزلية واللا نهائية، في صور مختلفة شكليًا عن غيرها من النظريات، لكن روح الفكرتين ظلت قائمة

 الحديث دائمًا، عن الوجود من وجهة نظر أحد عناصره والذي هو الإنسان .. كل النظريات بدون استثناء، اتفقت تلقائيًا على أن الوجود المادي المتشكل المرصود (مادة، طاقة، حياة) هو حدث وليس أزلاً، .. أي أن الوجود ظاهرة طارئة وليس أصلاً ..، وذلك باعتبار أن الموجود أو المتشكل، هو مركب، وكل مركب هو بالضرورة في حالة تفكك مستمرة .. أي أن مفهوم الوجود يعني مرحلة من مراحل تفكك الموجود! وحيث إنه لا مناص من أزلية البداية ولا نهائية المكان، فإنه لا معنى ولا حاجة لافتراض تصورات سحرية لنشوء الوجود وآلية عمله .. ليس جديدًا القول بأن الوجود المتشكل، هو عبارة عن تجمعات مادية، منتشرة في وعاء كوني أزلي لا نهائي، تملأه مادة فضائية .. السؤال هو: ما سر تشكل هذه التجمعات المادية – الحية وغير الحية؟ وهنا نقول بأن السر هو المزاج الفاعل! الوسط الذي يملأ الوعاء الكوني، يعج بوحدات كونية، وكل وحدة من هذه الوحدات الكونية، هي عبارة عن مزاج فاعل .. مشهد الوجود المادي المتشكل في الوعاء الكوني، بحسب هذا التصور يبدو كأسماك في مياه محيط! فإذا تصورنا وجود خلايا حية سابحة تملأ مياه المحيط، منها ما هو متجمع على هيئة أسماك، ومنها ما هو غير منظور – سابح على هيئته الخلوية .. فإنه وبذات الخيال يمكننا تصور وحدات كونية أزلية، تملأ الفضاء الكوني الأزلي اللانهائي ..، منها ما تجمع على هيئة كواكب ونجوم، ومنها ما ظل على هيئته الأولية البنائية – وحدات كونية – أمزجة فاعلة! 

 كل ما كان أصلًا بذاته، فهو مزاج كوني فاعل! الوجودية هي تجميع وتوحيد أمزجة مختلفة بالقوة .. القوة التي توحِّد الوحدات الكونية وتُنتِج الوجود، هي قوة ناتجة عن اختلاف خصائص الوحدات الكونية – تجاذب وتنافر مثلاً! صفة الوجودية تعني جهد مبذول ..، أي استهلاك متواصل لطاقة التوحيد حتى استنفادها، وصولاً للتحرر من ظاهرة الوجود المادي، والعودة إلى حالة الكينونة - التي أساسها انفصال الوحدات الكونية عن بعضها .. استهلاك الطاقة أثناء ظاهرة الوجود المادي، يعني خروج الطاقة من المادة، وانتشارها في الوسط الذي يملأ الوعاء الكوني .. وتحرر الوحدات الكونية بعد استنفاد طاقة التوحيد، يعني عودة الوحدات الكونية للتشبع بالطاقة من جديد! ما أسميناه هنا بالوحدة الكونية أو المزاج الفاعل، هو ذكاء محض .. إلكترون، كوارك، فوتون، .. الخ . يمكننا القول بأن الذرة الواحدة عبارة عن طاقة .. والطاقة هي كل شيء مرصود وغير ذي كتلة! الصوت = طاقة مسموعة! .. التفكير = طاقة مُدركة! الفوتون = طاقة منظورة! المجال المغناطيسي = طاقة معلومة! اتحاد عدد معين من الذرات يمنحها كتلة محسوسة، وحينها نسميها "مادة"!

الاثنين، 3 يناير 2022

عداوتنا للموت وصداقتنا للحياة .. لماذا؟

1 تعليق



لا يمكننا بأي حال أن نتجاهل حقيقة مُرَّة، هي أن حب الحياة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسطحية التفكير، وبقدرة الإنسان على تحمل الإهانة وقبول العبث .. فالحياة تقوم على المزج بين التبرير والعبث، والكذب والصدق، والجد والهزل، والكرامة والمهانة .. ولذلك فإن الذي يجد لديه رفضًا حقيقيًا للمهانة والعبث، يجد لديه بالضرورة رفضًا مستمرًا ومتزايدًا للحياة! المتدينون المتطرفون في تدينهم، هم بشرٌ حسموا أمرهم في موضوع غير محسوم .. ومثلهم المتمسكون بالحياة تحت كل الظروف، الرافضون للموت كخيار وبديل طبيعي لها .. هم كلهم مجرد ضحايا ثقافات – لا مدركو حقائق .. سواء كانوا مثقفين أو غير مثقفين! صفة مثقف ليست مدحًا للإنسان بالضرورة .. فلا يخلو مثقف من تعصب أعمى لثقافة دون غيرها! ما يمكن اعتباره مدحًا للإنسان هو صفة التحرر الفكري، تلك التي تعني عدم الجزم بصواب الأمور قبل اكتمالها – على غرار عدم الجزم بحقيقة الإنسان قبل موته ..، حيث أنه قابل للتغير ما دام حيًا!
 لماذا نتشبث بحياةٍ تطردنا، ونرفض موتًا يحتضننا؟ عداوتنا للموت عبارة عن تعصب ثقافي، مثلها كمثل حبنا للحياة .. لا يمكن تبرير أي منهما! الانتقال من طلب الحياة إلى رفضها، ومن رفض الموت إلى طلبه، هو كالانتقال من معتقدٍ إلى آخر، لا يحتاج سوى إلى تفعيل الفكر لكشف خدعة المعتقد الموروث! لو كانت الحياة جميلة وحبها فطريًا، لما احتاجت لطلاء عقائدي وتزيين ثقافي متواصل طوال الوقت .. ولو كان الموت أمرًا كريهًا بالفطرة، لما احتاج لحملات تشويه مستمرة، وقوانين تمنع الترويج له إعلاميًا! ولو كان الانتحار أمرًا يدل على هشاشة الذات – كما يتبجح بذلك البعض بكل وقاحة وقلة حياء .. لما اشتهر به الفلاسفة والمتميزون! إن مما لا شك فيه، أنه لو شُنَّت حملة إعلامية لصالح الموت، معاكسة للحملة التقليدية الداعية دون مبرر لحب الحياة ..، لرأينا الناس يقبلون على كرامة الموت أفواجًا، بدل إقبالهم الآن على ذل الحياة أفواجًا! إن ما يجعل أعداد البشر تتزايد ليس هو جمال أو صواب الحياة، بل هو تزايد أعداد المواليد الذين تُقرَّر حياتهم نيابة عنهم ويُورَّطون في الحياة دون استشارتهم! وقلة أعداد المنتحرين سببها اضطرارهم للانتحار فرادى وخلسة، بسبب الحرب الشرسة ضد ثقافة الانتحار لصالح ثقافة الحياة .. فلو أن المجال الإعلامي والثقافي والتعليمي مفتوح أمام الدعوة للموت كما هو مفتوح أمام الدعوة للحياة، لتغيرت المعادلة لصالح الموت وبالنتيجة لصالح كرامة الإنسان! إن الحث المستمر على حب الحياة، والمحاربة المستمرة لثقافة الانتحار، فيه ما يدل ويؤكد بوضوح كبير أن الأمر ليس طبيعيًا أبدًا .. إن الأمر أشبه باعتناق المعتقدات من رفضها .. فالدعوة للمعتقدات تحمل طابع حب مصلحة الإنسان، لكن الإصرار على فرضها يُثبت وجود خديعة بالأمر، ويُشرعن وصاية عاقل على عاقل كأقبح ما تكون الوصاية! إن أسوأ ما يمكن أن يترتب على الموت هو الفناء، وهو أفضل من الحياة بالنسبة لجُل البشر وفي كل العصور .. وإذا أخذنا باحتمال صحة نظرية الوجود متعدد الأبعاد والعوالم، فإن الموت لا يعني الفناء، إنما يعني الانتقال إلى الحياة في مستوى آخر هو أكثر أبعادًا وأعلى من مستوى وجودنا ثلاثي الأبعاد أو ذي الأبعاد الأربعة! لماذا إذن حب البشر للحياة ونفورهم من الموت؟ لا يوجد مبرر منطقي ولا سبب واقعي لذلك إطلاقًا .. هو الوهم والخديعة الثقافية، ولا شيء آخر .. هنالك أمران متلازمان في حياة الإنسان، لا يوجدان لدى غيره من الكائنات الحية .. هما: الإحساس بألم الذل، والقدرة على الانتحار !!! قوانين الطبيعة منعكسة في الأعراف البشرية، تقول بأن حياة الإنسان الذليل هي حياة غير طبيعية! لماذا يقبل الإنسان بحياة ذليلة – غير طبيعية؟ لأنه الكائن الوحيد القابل للإصابة بالوهم ..، والوهم داء من جنس الإدراك، فلا يصيب غير الإنسان .. لذلك وعلى الرغم من إحساسه بالحاجة الوجودية للكرامة، إلا أنه يمارس حياة الذل والمهانة طواعية! الوهم يتمثل في حب الحياة، والنفور من الموت! لماذا يعتبر ذلك وهمًا، وكيف ينشأ هذا الوهم؟ هو وهمٌ لأنه حُبٌّ لفكرة الحياة – وليس للحياة ذاتها؛ وخوفٌ مفتعل من فكرة الموت – لا من الموت ذاته! كيف ذلك؟ معلوم أن جُل البشر موزعين بين حياة الجهل والكد والشقاء المتواصل، والفقر والبطالة والروتين الممل والخوف من فقدان الوظيفة، والذل والتملق لرب العمل والتشرد والعوز والتسول واليأس والسجون وتهريب الممنوعات، والتجنيد الإلزامي - الرسمي والقذر، والعبودية المُقنَّعة والهجرة غير الشرعية، .. الخ .. فلو كان حب البشر للحياة حبًا طبيعيًا، ولو كان حبًا للحياة ذاتها، لما وجد أي من هؤلاء في قلبه ذرة حب لحياةٍ بهذه الصورة البشعة البغيضة المؤلمة ..؛ لكن الأمر مجرد وهم بحب فكرة الحياة – لا حب حقيقي للحياة ذاتها ! ومعلوم كذلك أن خيارات الإنسان في الحقيقة هي ليست بين الحياة والموت، بل هي دائمًا بين الموت في هذه اللحظة، وبين الموت في أي لحظة قادمة .. وأكثر من ذلك، فإن خيارات الإنسان هي بين الموت في هذه اللحظة بالطريقة والوسيلة التي يختارها لنفسه، وبين الموت في أي لحظة قادمة قد تكون بطريقة بشعة وبوسيلة مؤلمة .. وأكثر من ذلك، فإن خيارات الإنسان هي بين الموت في هذه اللحظة بالطريقة والوسيلة التي يختارها، وبين احتمال إعاقته في أي لحظة قادمة، بحيث لا يعود قادرًا على ممارسة الحياة ولا على الانتحار، ليمضي بقية أيامه متألمًا مستجديًا الآخرين تطبيق قانون الموت الرحيم بحقه، وقد يسمع ويرى بأم عينه الملل منه باديًا على وجوه الآخرين الذين أصبح وجوده عالة عليهم، ولا يملك لنفسه شيئًا .. هذه الصورة المنطقية الواقعية للحياة ولخيارات الإنسان الحقيقية، هي التي يتم إخفاؤها ليظهر المشهد المزيف، والفكرة الخبيثة، فيبدو الأمر وكأنه مفاضلة بين حياة جميلة وبين موت بغيض .. إن حبنا الزائف للحياة، ونفورنا الزائف من الموت، هي اليد الكاذبة التي تؤلمنا، وهي التي يمسكنا منها العدو والمجرم والإرهابي والدكتاتور ورب العمل … الخ ..، فنطيعهم ونتبعهم حيث يريدون .. المأساة تكمن في الخديعة، فهذه اليد الجريحة ليست حقيقية وليست عالقة بنا، .. هي مجرد وهم ثقافي .. إنها يد مزيفة، أوهمونا بأنها لنا وبأنها مؤلمة، ومسكونا منها، فتبعناهم حيثما قادونا ! من أين لهذه الحياة أن تحظى بحب 100% من البشر، وهي التي يستمتع بها 10% منهم، على أكتاف ودموع وآلام ودماء ومذلة الـ 90% الباقين .. منذ أن قامت؟ ومن أين للموت أن يكون ذلك الشبح المخيف الذي نخشى رؤيته، فنحتمي منه بحياة الذل والألم، وهو الماثل أمامنا في كل خطوة نخطوها؟ إن صانعي الثقافات والمعتقدات البشرية، من واهمين ومستفيدين مرحليًا من الحياة، هم من افترضوا للحياة جمالاً وقيمةً وقدسيةً هي لا تمتلكها، فنزعوا بذلك القيمة والقدسية عن الموت دون مبرر، وصبغوه ببشاعة لا يمتلكون برهانها ..، ولقنوا هذه الأفكار والأوهام للصغار والبُلهاء .. فانطلقت المأساة المسماة حب الحياة .. هذه الصورة الفكرية الموروثة، التي تُجمِّل الحياة وتُقبِّح الموت في أذهاننا دون برهان، هي بالضرورة تقيِّد تفكيرنا، وتقود خيالنا دائمًا باتجاه برهنة نتيجة يريدها ويفترضها مسبقًا المستفيدون من تلك الصورة، وتعمينا عن أي نتائج أخرى محتملة، يمكن أن نبلغها فيما لو كان بحثنا عن الحقيقة متحررًا من عقدة رفض الموت وعقدة حب الحياة!
 .. علاقتي بالحياة .. كعلاقة زوج بزوجته القبيحة المريضة البَلهاء .. أو علاقة زوجة بزوجها القبيح المريض الأبله .. حصل الزواج في حين غفلة .. قبل أن يستيقظ الضحية .. استيقظ فجأة ليجد نفسه في صميم المأساة .. عجزت زوجته عن إغرائه .. لم تستطع إثارته يومًا .. تعوزها كل مقومات الإغراء .. عالجها فلم تشفَ .. ألبسها فما اختفى عن ناظريه قبحها .. ثقفها فما ازدادت إلا بلاهةً وحمقًا .. لم يعد يريد منها غير الخلاص منها .. وليس لذلك من سبيل غير الطلاق .. كذلك هي علاقتي بالحياة .. لم تستطع يومًا إغرائي بالبقاء .. لا أجد أنها تستحق المشي خطوة واحدة لأجلها .. ليس بها ما يستحق تصفيف الشعر لأجله سوى لقاء الأصدقاء الحقيقيين الذين تكاد تخلو منهم .. أمارسها كمسئولية وقعتُ بها .. لذلك قررتُ طلاقها .. وأصبحت علاقتي بها علاقة انتظار الفرصة المناسبة للطلاق