face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 29 فبراير 2024

الإنسان سراب حي!

0 تعليق


نحن نرى السراب التقليدي، ونتخذ منه مثالًا للخداع .. لكن وصفنا له بالخادع هو مجرد وصف مجازي، لأننا  نعرف أنه لا يوجد شيء له كيان واحد، اسمه السراب، ويتعمد خداعنا، إنما هو مجرد انعكاس ظاهري ونتيجة حتمية لعمليات فيزيائية ذرية تتم في الخفاء- انكسار الضوء نتيجة مروره بين طبقات هواء مختلفة الحرارة! أما ما لا ندركه أو ما لم نعترف به حتى الآن، هو أنه في الحقيقة ليس فقط السراب التقليدي، بل إن كل شيء في الطبيعة هو عبارة عن سراب بصورة أو أخرى- بما في ذلك الإنسان .. 

كل شيء مرصود في هذا الوجود، هو مجرد ظاهرة طبيعية، تشير إلى تجمع أشياء غير مرصودة - بما في ذلك الإنسان شكلاً وسلوكًا .. فليس سلوك الإنسان سوى انعكاس ظاهري ونتيجة حتمية لعمليات فيزيائية وكيميائية تتم في الخفاء- داخل الخلايا -، لا سيطرة للإنسان على نتائجها إلا كسيطرة السراب على مسبباته! لا يوجد شيء له كيان واحد (كتلة قوامها عنصر واحد) اسمه الإنسان ويمتلك إرادة مستقلة معزولة عن البيئة؛ بل الموجود هي شاشات طبيعية متنقلة تُسمَّى البشر، تعرض ما يحدث خلفها (داخلها) من عمليات فيزيائية وتفاعلات كيميائية تتأثر مباشرة وبالضرورة باختلاف الظروف من حولها .. الضوء عبارة عن مزاج وجد نفسه مقذوفًا في فضاء الوجود .. وليس الإنسان سوى مزاج وجد نفسه مقذوفًا في فضاء الحياة .. في الظروف الطبيعية المناسبة، يعكس الضوء صورًا طبيعية مناسبة للأشياء .. السلوك غير الخادع للضوء، هو تعبير حتمي عن مكونات وظروف تستوجب عدم الخداع .. والسلوك الخادع للضوء، هو كذلك تعبير حتمي عن مكونات وظروف تستوجب الخداع .. وكذلك سلوك إنسان الطبيعة، فهو دائمًا لا يكون إلا تعبيرًا حتميًا عن مكونات وظروف .. هذا سلوك إنسان الطبيعة .. لكن هناك إنسان آخر غير إنسان الطبيعة، هو إنسان المعتقدات، وهذا يعادل الضوء الموجه بشريًا، والذي يعتبر خادعًا ومخدوعًا في جميع الأحوال .. سلوك إنسان المعتقدات يعادل سلوك الضوء الموجه بشريًا - مثل الليزر وأضواء المسارح والأفلام، فهو ليس طبيعيًا سواء كان خادعًا أو غير خادع سلوك الإنسان بدايةً، يكون خاضعًا لبرمجية جيناته الوراثية، وهي برمجية تحتوي ترتيبًا ابتدائيًا لردات فعل الإنسان إزاء المواقف والأحداث المختلفة تحت ظروف معينة ..

 - الجينات الوراثية تتجسد في خصائص الخلايا المختلفة، وتعمل من خلال الخلايا ..
 - تحت ظروف معينة تتغير خصائص ذرات المعادن، فيتغير سلوك المعدن ككيان موحد ظاهريًا، وبذات المعنى تتغير خصائص خلايا الإنسان تحت ظروف معينة، فيتغير سلوك الإنسان ككيان موحد ظاهريًا ..
 - تغير خصائص الخلايا يعني تغيير ترتيب الجينات ..
 - التغيير الذي يطرأ على ترتيب الجينات يصبح ترتيبًا ابتدائيًا للأجيال القادمة .. 
- اختلاف سلوك البشر تحت ذات الظروف، يعكس اختلاف أولوياتهم بحسب ترتيب جيناتهم الوراثية ..
 - الجينات الوراثية تستوجب سلوكًا معينًا وثابتًا للإنسان تحت الظروف الطبيعية .. الظروف الطبيعية للجينات، هي الظروف التي تكونت تحتها الجينات ..
 - وقوع الإنسان تحت ظروف غير طبيعية، يُجبر الجينات داخل الخلايا على التأقلم، والتأقلم يعني التدرج في البدائل وصولاً إلى البديل المناسب لكل ظرف ..
 - الجينات تمثل الذاتية في الخلايا .. 
- الذاتية تعني ردات الفعل التلقائية تجاه البيئة .. 
- الانتحار عند الإنسان يعني استنفاد الخلايا لكل البدائل الممكنة للتأقلم مع البيئة!

الثلاثاء، 6 فبراير 2024

معايير إنسانية ومقاييس بشرية!

0 تعليق



وفق المعايير الإنسانية والمقاييس البشرية، يكون معظم الرؤساء والوزراء والمسئولين، وكل الساعين للشهرة بشرًا، وليسوا من أُمَّة الإنسان، ذلك لأنهم يتنافسون، والتنافس على أساس أن هزيمة الآخر معيار فوز هي صفة بشرية وليست صفة إنسانية، فجذب اهتمام الآخرين والنظر إليهم من فوق، هو أعلى قيمة وجودية يراها البشر، وهي أقصى مستوى يستطيع الوعي البشري قياسه واستيعابه – لكن ليس الوعي الإنساني! ربما كان وجود هاتين المفردتين (بشر ، إنسان)، المتشابهتين والمختلفتين في آن، في لغة واحدة، هو الأساس للفكرة والتسمية، لكن فكرة لا يدعمها الواقع، لا تقوم! أقول إن بعضنا إنسان وبعضنا بشر، لا بمعنى التقليل من شأن البعض لصالح البعض الآخر، لكن للتفريق بين المختلفين، من أجل وصف الواقع كما هو، لكي نتعاطى معه كما ينبغي! ماذا يعني وصفنا لأحدهم دون غيره، بأنه: مُفكِّر؟ هل يعني ذلك أن غيره قادر لكنه عازف عن التفكير؟ بالتأكيد لا، إنما ذلك يعني ببساطة، أن الآخر غير قادر على التفكير إلى المستوى الذي يجعلنا نشعر بوجود أفكاره، لنقول عنه إنه مفكِّر! وهذا سؤال واختلاف كبير، لا يمكن تجاوزه بمرور الكِرام – كما يقولون! لكن، كما أن الغائب عن الوعي، لا يمكن الحديث معه بخصوص حالته، إلا بعد أن يفيق منها! كذلك الغير قادر على التفكير، لا يستطيع إدراك حالته، لأن إدراكها يتطلب وعيًا أكبر مما لديه الآن! 

 مَنْ لا يؤتمن على ذاته، ينبغي ألا يؤتمن على غيره! قوانين كثيرة مُصاغة غرائزيًا ومطبقة على أساس أن كل الموجودين لا يُفكِّرون أو أنهم غائبون عن الوعي جزئيًا! وما يثير الدهشة، أن النتائج غالبًا ما تأتي متوافقة مع رؤية واضعي تلك القوانين، وهذا يعني أن جُل الموجودين بشرٌ، وأن جُل المشرعين بشرٌ! مثلاً: محاربة التدخين – بالقوانين وليس بالمعلومة، وفرض استعمال حزام الأمان أثناء قيادة المركبات الآلية – بالعقوبة وليس بالمعلومة! المنطقي والطبيعي، هو أن الإنسان الواعي البالغ العاقل الحُر، يصح أن يتم إبلاغه بضرر التدخين، وبأهمية حِزام الأمان..، لكن لا يصح فرضها عليه، حيث إنه إنسان مسئول، وهذه أمور تخصه ولا تتعلق بالآخرين، فإذا أراد إلحاق الضرر بنفسه، فلا أحد له حق الوصاية عليه..، حتى لو تم اعتبار سلوكه ضربًا من الانتحار! 
إن قوانين العقوبات في مثل هذه الأمور، هي عبارة عن تشريع وإعلان بأن البشر غير مُدرِكين! فهي ليست قوانين خاصة بالأطفال والمراهقين والمعتوهين! إنها ممارسة صريحة للوصاية العقلية، وهي قبيحة مذمومة عندما تكون موجهة ومطبقة على البالغين الأحرار، فهي فعل مهين ومشين، وهي طعن صريح في عقلانية البشر ووعيهم، واعتداء فاضح على حريتهم، وخدش متعمد لكرامتهم وذاتيتهم – وكأنها اختبار لدرجة الوعي لديهم!

 معلوم أنه يحق ويجب على الجهات المسئولة عن المجتمع، حماية العاقل من المعتوه، لكن لا معنى ولا تفسير لحماية الإنسان من ذاته، إلا الطعن في أهليته أن يكون ذاتًا مستقلة! والذي يقبل أن يُفرض عليه ربط حزام الأمان وعدم التدخين – من أجل مصلحته هو ..، ينبغي أن تتم حماية المجتمع منه – إذا كانت حماية المجتمع هي الغاية! ينبغي أن يُمنع من تقلد أي مسئولية..، فلا يحق له الزواج ولا تربية الأبناء ولا تعليم التلاميذ ولا علاج الناس.. ولا تُقبل شهادته..، ولا أي شيء! فالذي يعترف بأنه غير مؤهل ليؤتمن على ذاته.، كيف يؤتمن على مصالح الآخرين؟ إن الذي لا يجد حرجًا أو لا يتوقف عند مثل هذه الأمور، ولا يقرأها بهذه البساطة، هو الذي أدعوه هنا بالبشر، وهو الذي لا يستطيع إدراك موقعه، لأن وعيه أقل مما يتطلبه استقلال الذات وإدراك الوجود! 

 طالما ظل الاختلاط والخلط بين البشر والإنسان قائمًا، فإن أنواعًا من المشاكل والخلافات والمآسي ستظل قائمة..، فإذا كان المُشرِّع والمُنفِّذ إنسانًا، فسيعتبر أن كل الموجودين إنسان، وسيصطدم بالذوات البشرية! وإذا كان المُشرِّع والمُنفِّذ بشرًا، فسيعتبر أن كل الموجودين بشر، وسيُحطِّم الذوات الإنسانية!

 البشر هنا، هو ذاك المُسيَّر غريزيًا إلى درجة كبيرة، فلا سلطة له على الكثير من سلوكه، ولا وعي له بالكثير من قناعته..، ولهذا ظهرت الحاجة للقوانين والعقوبات، وظهرت الحاجة لمخاطبة البشر غريزيًا – وليس عقليًا ومنطقيًا، وذلك بمخاطبة غريزة الخوف والطمع فيهم – بأسلوب الترغيب والترهيب، ونجحت في توجيه البشر..، وهو الأمر الذي يرفضه الإنسان قطعًا! الإنسان لا يتقبل أن يُقال له من قبيل النصيحة: إن الكذب رذيلة وأن الصِدق فضيلة – إذا كان المقصود هو المعنى المباشر لهذه المفردات..، فهذه من البديهيات التي لا تُقال للمُدرِك الواعي! بينما لا يجد البشر غضاضة في اعتبارها نصيحة مقبولة، ولا يشعر بمسئولية تجاهها