face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2019

التوأم والسفر بسرعة الضوء.. خِدعة عِلمية!

0 تعليق


- هل صحيح أن كل إنسان له زمن خاص به؛ وأن السفر بسرعة تقارب 
سرعة الضوء يؤدي إلى تباطؤ ذلك الزمن؟ - هل تعمل ساعة اليد العادية، في الفضاء وعلى القمر والمريخ وغيره، كما تعمل على الأرض؟

 فرضية التوأم والسفر بسرعة الضوء! فرضية التوأم والمنبثقة عن نظرية النسبية، تقول ما معناه: إنه لو سافر أحد أخوين توأم، إلى مجرة أو إلى كوكب يبعد عن الأرض مسافة سنوات ضوئية، بسرعة تقارب سرعة الضوء، وبقي الأخ الآخر على الأرض، فإنه إذا عاد الأخ المسافر إلى الأرض بعد خمس سنوات من سفره – مثلاً- بحسب ساعته، فسيجد أنه قد مضى على وفاة أخيه التوأم على الأرض 500 سنة – مثلاً-، بينما سيكون الأخ المسافر قد تقدم في العمر خمس سنوات فقط..، وذلك بافتراض أن الزمن قد تباطأ عند الأخ المسافر بسبب السرعة التي كان يسير بها، بينما مضى عمر أخيه بحسب تسارع الزمن على الأرض، ولذلك حصل هذا الفارق الكبير (المفترض) بينهما، ويستنتجون من ذلك أن السير أو السفر بسرعة تقارب سرعة الضوء يؤدي إلى تباطؤ الزمن! ما مدى صحة أو منطقية هذه الفرضية؟ وهل يحصل التباطؤ في الزمن أم في العمليات الحيوية؟ هذه محاولة لمحاكاة الفرضية واستجلاء الحقيقة: ما يُفترض أن يحصل مع الأخوين التوأم، في حال سافر أحدهما بسرعة الضوء، وبقي الآخر على الأرض، يمكن محاكاته أو تشبيهه بما يحصل في الواقع مع قطعتين من اللحم، يتم وضع إحداهما في ثلاجة – مُجمِّد، وتوضع الأخرى في الهواء الطلق..، حيث لا شك أن القطعة الموضوعة في الهواء ستتحلل بعد فترة وجيزة بحسب الظروف المحيطة، بينما تظل القطعة الأخرى سليمة – نسبيًا – إلى فترة طويلة بفضل المجمد..، في هذه الحال هل من المنطق أو من العِلم في شيء، أن نقول بأنه يوجد زمن مستقل لكل قطعة من قطع اللحم، وأن زمن قطعة اللحم الموجودة بالمجمد قد توقف أو تباطأ بسبب المجمد؟ وأن زمن القطعة الأخرى قد مر بسرعة طبيعية؟ ليس الأمر كذلك بكل تأكيد! فكل الذي حصل هو أن مادة اللحم لها قدرة على البقاء على قائمة الموجودات، بصورتين مختلفتين، وهما: - صورة طبيعية، وهذه مدتها أقصر، بحكم قوانين الطبيعة! - صورة غير طبيعية، وهذه مدتها أطول، بحكم قوانين الطبيعة كذلك! في الصورة الثانية، تتواجد قطعة اللحم على هيئة كتلة من الثلج، وليس على هيئة قطعة لحم، وفي هذه الحال ستبقى مدة أطول لأنها لم تعد طبيعية، ولا يصح تجاهل التغير الذي حصل عليها، والتركيز فقط على المدة التي تمكثها على قائمة الوجود، حتى يُقال بأن زمنها قد تباطأ، وكأنها كانت طبيعية أثناء وجودها الاستثنائي، وأن عنصر الزمن فقط قد تم التحكم فيه أو التأثير عليه بداخلها! إنها ببساطة لم تعد قطعة لحم، بل تم تحويلها إلى قطعة ثلج، فأخذت خصائص الماء ولم تعد تحمل خصائص اللحم خلال تلك المرحلة! بهذه المحاكاة البسيطة، يتبين لنا أن ما يُفترض أن يحصل مع المسافر بسرعة تقارب سرعة الضوء – فيما لو حصل – فهو تباطؤ عملياتي مادي طبيعي يحدث داخل الخلايا، ولا علاقة لمفهوم الزمن الافتراضي بالأمر..، فالإنسان في تلك المرحلة أو خلال تلك المدة الزمنية يكون غائبًا عن الوعي والإدراك، ولا يُمارس الحياة! قلب الإنسان – مثلاً، يعمل بمعدل ما بين 60 إلى 150 نبضة في الدقيقة، بحسب عمر الإنسان (عند كبار السن 60 ، وعند الأجنة 150 نبضة في الدقيقة- تقريبًا – تبعًا لمتطلبات النمو)، وبحسب الحالة الصحية والنفسية والإثارة والإجهاد، وغيرها من العوامل المؤثرة، والتي تستوجب تسارعًا أو تباطؤًا في عمل الخلايا استجابةً للظروف. والتسارع في عمل الخلايا يتطلب مزيدًا من الدم المؤكسد، وهذا ما يجعل القلب يعمل بسرعة أكبر أو أقل – حسب المطلوب، وفي حال أجبرت الظروف القلب والخلايا على العمل بسرعة أو طاقة أكبر، فإن ذلك سيؤدي إلى إجهادها، واستنفاد طاقتها ومخزونها الحيوي، وبالتالي تقصير مدة بقائها أو وجودها في حالة حية! وبهذا المعنى فإن السير أو السفر بسرعة تقارب سرعة الضوء، لا يجعل الثانية الزمنية أثناء السفر تعادل ساعة زمنية على الأرض – مثلاً، بل إن القلب هو الذي ربما سينبض نبضة واحدة كل ساعة – بحسب حاجة أو طلب الخلايا للدم، والتي من الطبيعي أن تتباطأ عملياتها الحيوية بسبب عدم ممارسة الجسم لأي نشاط وعدم حاجته للنمو – تحت تلك الظروف! فلكي يكون التباطؤ مرتبطًا بالزمن، أو أن العنصر الذي تأثر بالسرعة هو عنصر الزمن، فإنه ينبغي تثبيت قيم بقية عناصر المعادلة، وإثبات أن العنصر الذي تأثر بالسرعة وتغيرت قيمته هو عنصر الزمن – لا سواه..، فمثلاً لو تم إثبات أن معدل نبضات قلب المسافر لا يتغير عند السير بسرعة تقارب سرعة الضوء، ومع ذلك يحدث اختلاف في العمر بين المسافر وغير المسافر، حينها يصح القول بأن التباطؤ يحدث في الزمن، وأن السرعة تؤثر على الزمن، وأن الثانية في السفر تُعادل ساعة على الأرض – مثلاً! أما أن يكون التباطؤ أو التسارع يحدث في عمليات وأشياء مادية، فيُقاس ذلك بالزمن، ثم يُفترض أو يُتصور بأن التباطؤ قد حدث للزمن، فهذا لا يكمن وصفه إلا بأنه خِدعة عِلمية! إن الأمر كان سيبدو منطقيًا وواقعيًا، لو أن النظرية قالت: إن سفر الكائن الحي بسرعة تقارب سرعة الضوء، يُعادل وضع مادة غذائية في مجمد..، وهذا يعني – بالنسبة للمسافر- إيقاف العلمليات الحيوية أو تجميد الحياة لفترة من الزمن، ثم إطلاقها من جديد، وليس التحكم في عنصر الزمن الخاص به! ومن هنا يمكننا الخروج بنتيجة، وهي أن التباطؤ والتسارع فيما يتعلق بالحياة، هي عمليات حيوية طبيعية، تعكس استجابة الخلايا الحية للظروف المادية والنفسية المحيطة والمسيطرة على الكائن الحي..، وأن ذلك يمكن تجربته على الأرض بأكثر من طريقة، دون الحاجة لتلك الفرضية المستحيلة المتمثلة في السفر بسرعة الضوء..، وبالنتيجة فإنه لا علاقة لمفهوم الزمن بموضوع التباطؤ والتسارع في الحياة!

 تساؤل قديم حول واقعية مفهوم الزمن: هل تعمل ساعة اليد العادية، في الفضاء وعلى القمر والمريخ وغيره، كما تعمل على الأرض؟ فإذا كانت الإجابة " نعم" ، فما معنى أن يُقال بأن الزمن يختلف من كوكب إلى آخر أو من مكان إلى آخر في الكون؟ وإذا كانت الإجابة " لا "، فما هو السبب؟ الجواب ( وجهة نظر ): على افتراض أن الساعة التي نستعملها على الأرض، تعمل في الفضاء وتعمل على أي كوكب في الكون، تمامًا كما تعمل على الأرض؛ وعلى افتراض أنها لا تعمل في الفضاء وعلى الكواكب الأخرى كما تعمل على الأرض! النتيجة واحدة، وهي أن الساعة في الواقع لا تحسب زمنًا خارجها– لا على الأرض ولا في أي مكان آخر؛ الساعة في أي مكان هي عبارة عن آلة مادية، صُمِّمت لتَفتعل أحداثًا متتالية مخططة محسوبة مُسبقًا، تحت ظروف معينة؛ وعن طريق المقارنة تُقاس بها أحداث أخرى غير مخططة وغير محسوبة! فإذا تغيَّرت أو انعدمت الظروف المطلوبة كي تعمل الساعة كما صُمِّمت، فمن المنطقي والطبيعي أن تستجيب الساعة للظروف الجديدة وتتغير بحسبها، كما تستجيب أي مادة في الطبيعة لتغير الظروف– حرارة عالية، برودة عالية، ضغط عال، اهتزاز عال، جاذبية كبيرة أو انعدام جاذبية، …الخ! وفي هذه الحال، لا فرق بين القول إن الساعة قد تباطأت أو تسارعت، وبين القول بأن زمن قدرة الساعة على البقاء قد تغير، وذلك بفعل طبيعة مكوناتها وظروف تواجدها، وهو ما يحسبه عداد زمن الوجود الخاص داخل الساعة كمادة لها عمر افتراضي، وليس كساعة تحسب زمنًا خارجها! بصورة أخرى يمكننا القول: إنه لا فرق من حيث الفكرة، بين ما تحسبه لك الساعة في أي مكان، وبين ما تحسبه بنفسك، بواسطة الطَّرق المتتالي والمتواصل على منضدة بطرف مسطرة- مثلاً؛ أو ما تحسبه بواسطة العد الشفهي من 1 إلى 3600 ، وتعتبرها ساعة من الزمن..، وكما أنك لا تستطيع عمل ذلك بنفس الكيفية تحت ظروف مختلفة، كذلك الساعة، لا يمكنها العمل بنفس النسق تحت ظروف مختلفة! بالمحصلة، سواء استعمل الإنسان ساعة، أو عدَّ بنفسه، أو تجاهل الأمر..، فهل يعني ذلك أن شيئًا حقيقيًا اسمه الزمن، يكون قد مر في الأثناء من حوله؟ الجواب المنطقي والواقعي، كلا، لا يوجد شيء يمر من حوله اسمه زمن! كل الذي يحدث هي تغيرات مادية تطرأ على أشياء مادية، بحسب ظروف وجودها وبحسب طبيعة مكوناتها! إن كل شيء متشكل، لا بد له من حد أقصى وحد أدنى لمدة بقائه متشكلاً متماسكًا؛ هذه المدة تُحددها طبيعة مكوناته وظروف تواجده، وهذا ما تطرقنا له في موضوع (حقيقة التباطؤ والتسارع في الزمن)، والذي أشرت له باسم: زمن البقاء أو زمن الوجود الذاتي أو الخاص

الأربعاء، 18 ديسمبر 2019

الكون الازلي والوجود و حقيقة فرضيّة واجب الوجود !

0 تعليق



هل الصياغة الصحيحة للسؤال حول مفهوم الكون والوجود، هي: 1- كيف ظهر الكون إلى الوجود؟ أم 2- كيف ظهر الوجود في الكون؟
 مقدمة.. معلوم أن وجود مكونات الشيء، لا يعني وجود الشيء ذاته! وأن غياب الشيء ذاته، لا يعني عدم وجود مكوناته! حيث يختفي الشيء من الوجود، لكن مكوناته لا تفنى! لعل هذه الحقيقة البديهية، تختصر العلاقة بين مفهوم الوجود ومفهوم الكون – كما أتصورهما! والمعنى، أن هنالك مكونات وجود، وهنالك عوامل وجود، لا يُغني أحدها عن الآخر، ولا بد من التقائها ليَحدث الوجود! نقول: ظهرت أمريكا إلى الوجود كأمة وكقوة عظمى – على الرغم من أن كل مكوناتها كانت موجودة أصلاً قبل ظهورها، لكنها لم تكن كافية لوجود أميركا كحدث-؛ وهنا: الحدث= الوجود = التقاء عوامل بمكونات! فالوجود لا يعني نشوء المكونات ولا يسبقها، إنما يأتي في مرحلة تالية لها، ليعكس كيفية وطبيعة وصورة اتحادها وتشكلها! نقول: اختفى الاتحاد السوفيتي من الوجود – على الرغم من أن كل مكوناته ما تزال موجودة! ونقول: لا يوجد سلام في العالم، على الرُغم من أن كل مكوناته ودوافعه موجودة!

 السؤال حول مفهوم الكون والوجود بالصيغة الأولى: كيف ظهر الكون إلى الوجود؟ يقوم هذا السؤال على إحدى فرضيتين بالضرورة: وفي الحالتين يكون مفهوم الوجود بمعنى نقيض الغياب وليس نقيض العدم! فمفهوم الوجود هنا، لا يُشير إلى شيء قائم بذاته اسمه الوجود يختلف عن الكون، إنما المقصود بالوجود هنا هو مجرد منح صفة الحضور لشيء اسمه الكون! الفرضيتان اللتان يقوم عليهما السؤال: أ- أن الكون لم يكن معدومًا، إنما كان غير موجود، أي أن مكوناته كانت موجودة لكنها لم تكن متحدة مع عوامل وجوده، ثم " اتحدت" ، فبرز وتشكل وظهر الكون إلى حيز الوجود! وفي هذه الحال، يكون القصد من السؤال، هو كيفية اتحاد عوامل ومكونات الكون! والسؤال بهذا المعنى، يُعتبر ما تطرحه نظرية الانفجار الكبير جوابًا له.
ب- أن الكون قد انبثق عن العدم، فكان بعد أن لم يكن! وبحسب هذه الفرضية، تكون الصياغة الصريحة للسؤال، هي: كيف انبثق الكون من العدم؟ والحديث هنا عن العدم المطلق، وليس عن اللاشيء! ومعلوم أن المقصود بالشيء، هو كل ما يمكن رصده أو قياسه أو إدراكه بالحواس- مباشرة أو غير مباشر! وبذلك يكون الشيء الذي نعجز عن رصده يعادل اللاشيء ويساوي انعدام الوجود الحِسِّي، لكنه لا يعادل ولا يساوي الانعدام المطلق! فالانعدام المطلق، هو الانعدام التام للكينونة والوجودية! ولكي يتم البناء على فرضية العدم هذه، ينبغي أولاً القبول باحتمال الانبثاق عن العدم المطلق، والحال أن هذا الاحتمال غير وارد وغير مقبول منطقيًا ولا واقعيًا، ولا يمكن تصوره، والأهم أنه لا معنى لافتراضه بعد أن ظهر الكون إلى الوجود! فالقول بأن ما قبل ظهور الكون كان عَدَمًا، يعني بالضرورة استحالة نشوء الكون؛ وظهور وتواجد الكون يعني بُطلان فرضية العدمية المسبقة! والقول بوجود قوة أو إرادة، هي التي أوجدت الكون من العدم، هو بحد ذاته إلغاء لفرضية العدم! فمجرد وجود شيء غير العدم، سابق للكون، وله علاقة بظهور الكون، يجعل فرضية العدم غير قائمة! لأن ذلك يعني ببساطة أن الكون قد انبثق عن شيء وليس عن عدم، بغض النظر عن الكيفية والآلية والمادة المستعملة! إن الإقرار بأنه لا مناص من افتراض وجود شيء أزلي، ينبثق عنه الكون، هو إقرار بأزلية الكون – بصورة أو أخرى! والكون ليس مخلوقًا من عدم حتى بالمفهوم الديني للخلق! فالقول بأن الله قد خلق الكون من عدم، هو قول غير صحيح منطقيًا وواقعيًا، وأظنه غير جائز عقائديًا! فإذا كان الكون قد ظهر إلى الوجود بأمر إلهي – صوت وكلام بصيغة (كُنْ)، إذن لا يصح ولا يجوز القول بأنه خُلِق من عدم، لأنه هنا يكون قد خُلِق من كلام وصوت إلهي، ولا يصح اعتبار الكلام والصوت الإلهي عدمًا! وحتى لو قال أحدهم لعل الإله قد خلق الكون بأمر باطني (نِيَّة أو إرادة) بدون كلام ولا صوت مسموع، فالأمر سيان، إذ لا يصح اعتبار نِيَّة أو أمر أو إرادة الإله عدمًا! والمؤمنون بالإله لا يعرفون مواصفاته، لذلك هم يقولون بأن الإله ليس كمثله شيء، وهذا يعني أنه لا يحق لهم منطقيًا أن يعتبروا كلامه أو صوته أو أمره أو نيته أو إرادته، كمثيلاتها عند البشر، ليقولوا بأنه خلق الكون من عدم! فلا أحد من البشر يعرف ماهية وطبيعة ومادة الكلام أو الصوت أو الأمر أو النية أو الإرادة لدى الإله، والتي خُلِق منها أو بواسطتها الكون! وبالتالي لا يحق لأحد القول بأن الكون قد خُلِق من عدم- استنادًا إلى معتقد ديني! مفهوم الوجود - بحسب الفرضيتين "أ ، ب" – يُشير إلى صفة التمظهر التي صار عليها الكون كله..، وهذا الفهم لمعنى الوجود (أن الوجود = الكون كله) يتطلب الإلمام بشكل وحدود الكون- لكي يكون السؤال واقعيًا-، وهذا الإلمام غير متحقق لنا، مما يعني وجود خلل في بُنية السؤال من الأساس! فلا معنى لسؤالنا عن كيفية تشكل شيء نحن لا نرى شكله ولا نحيط بحدوده! وبهذا المعنى أعتقد أنه يتوجب الفصل بين دلالتي مفهوم الكون ومفهوم الوجود، وأن يتم الفصل بين السؤال عن الوجود المرصود، وبين السؤال عن الكون الكلي اللا متخيل والواجب الوجود! وفي هذه الحال يكون تعريفنا للوجود، بأنه إفراز كوني! الوجود هو فقط هذا الجزء المضطرب المتحول من الكون، والذي يمكننا رصده، وإدراك حدوده وماهية وكمية محتوياته! ويكون تعريفنا للكون بأنه هو هذا الوجود المرصود لدينا، مضافًا إليه كل ما يمكن أن يكون موجودًا وغير مرصود لدينا! ونفترض أن الكون الطبيعي، هو الكون الخالي من الوجود، وهو عبارة عن محيط لا نهائي من الوحدات البنائية للمادة، محصورة في حيز هو أكبر من أن تحده حدود مادية من تلك التي نعرفها أو التي يمكننا تخيلها! وعلى هذا الأساس، تكون الصياغة الصحيحة للسؤال حول علاقة الكون بالوجود، هي الصياغة الثانية: 2- كيف ظهر الوجود في الكون؟ وهنا نقول إن الفلسفة التي تعتبر مفهوم الكون مرادفًا لمفهوم الوجود، أو التي تعتبر الوجود صِفة للكون، قد اضطرت إلى استحداث مفهوم الفضاء الكوني، للتعبير عن حيِّز يحتوي الكون! والمنطق يقول، إنه لا حاجة لاختلاق مفهوم الفضاء الكوني المفصول عن مفهوم الكون، فالكون هو كل شيء وكل لاشيء وحسب! إنه لا يستقيم أن نقول: نحن موجودون في الوجود..، ذلك لأننا جزء من الوجود! لكن يستقيم أن نقول: نحن موجودون في الكون، فالوجود هو كل ما هو موجود ومرصود في الكون! وباعتبار أزلية الكون ولا نهائيته، يكون المقصود بالوجود ليس الكون كله، إنما فقط هو هذا التشوه الطارئ الظاهر الطافي من الكون الكلي! بهذا المعنى يكون كل ما هو موجود اليوم بالنسبة لنا، هو ربما عبارة عن وجود واحد من أكثر من وجود، قد تكون انبثقت عن الكون، ونحن جزء من الوجود الآني – المعلوم نسبيًا لنا، وقد نكون جزءًا من وجود قادم، وقد لا نكون..، لكننا دائمًا جزء من الكون! وفق هذه الفلسفة يمكن وصف الكون بأنه مزرعة أزلية أبدية لإنتاج احتمالات متعددة من أنواع الوجود المؤقت – مثل وجودنا! فالوجود لا يكون إلا إفرازًا ناتجًا عن شيء سابق له!

لعله يمكننا الآن، أو يتوجب علينا، إعادة صياغة سؤال الكون والوجود، كالتالي: ما المقصود بالوجود؟ وما هو الكون؟ وما العلاقة بينهما؟ وحينها تكون الإجابة – من وجهة نظري: أن الكون هو ما يتراءى للوعي، بعين المنطق، فيما بعد أُفق الخيال! وأن الوجود هو مجموع ما يتبدى للوعي والإحساس، فيما دون أُفق الخيال! وبالمقارنة يمكننا القول: إن الوجود بالنسبة للكون، هو كالواقع بالنسبة للوجود! وإن الكون بالنسبة للوجود، هو كالمكان بالنسبة للواقع! ما هو الواقع؟ كل نظرية أو رؤية أو تصور أو فرضية، هي مجرد خيال، إلى أن تتحقق عمليًا، ويتم إثباتها في المكان الذي يوجد فيه الإنسان (الأرض مثلاً)، وحينها تُصبح واقعًا! وحيث إن الواقع لا يتحقق إلا في مكان (في الأرض مثلاً)، وحيث إن الوجود واقع متحقق في الكون، لذلك قلنا إن الكون بالنسبة للوجود، هو كالمكان (كالأرض) بالنسبة للواقع! الوجود هو بعضٌ من الكون، والفرضية تُصبح بعضًا من الوجود عندما تُصبح واقعًا! كل موجود هو حدث بالنسبة للوجود، والوجود بجملته حدث بالنسبة للكون! عندما نقول الكون فنحن نتحدث عن المطلق واقعيًا، المحدود منطقيًا! وعندما نقول الوجود فنحن نتحدث عن النسبي منطقيًا، اللا محدود واقعيًا! الوجود هو شيء قابل للرصد، لكنه مرصود جزئيًا، بسبب محدودية قدرة الإنسان على الرصد! رصد الوجود، يعني الإدراك والإلمام الواعي بكل ما هو موجود! الكون المحصور حجمًا والمحدود كَمّاً، هو شيء غير ممكن الوجود – عِلميًا، لكنه واجب الوجود- نظريًا وفلسفيًا – ولو على أطراف الخيال، وذلك إثباتًا وتثبيتًا للوعي، الذي لا يمكنه التسليم بوجود شيء (هو الكون) إلى جانب الإقرار ببقائه خارج نطاق الفهم والتصور، لذلك ظل وسيظل مفهوم الكون مادة خصبة ومفضلة للخيال – تعويضًا عن عجز الوعي وقصور الإدراك! لا يمكننا تصور الكون إلا بأنه الحاضن للوجود – ليس الحاضن المكاني فقط بل الحاضن الحامل والمُنتج للوجود! إن الذات لذاتها كون، ولغيرها وجود! لا تُدرِك الذات وجودها إلا بوجود غيرها – ماديًا وقيميًا! عندما تتصور الذات الواعية، وجودها بمعزل عما حولها، فهي إنما تتصور ذاتها كجزء من الكون لا من الوجود، وهذا أمر ممكن نظريًا وفلسفيًا، لكنه غير واقعي بالنسبة لمفهوم الوجود! تحتاج الذات إلى وجود غيرها، لتنتزع منه الإقرار بوجودها، فتقييم الوجود والإقرار بوجود الموجود، يكون من خارجه لا من داخله، إذ لا يكون وجود الشيء قائمًا إلا وهو منسوب لوجود شيء آخر مُدرِك له، ولا شيء موجود لذاته إلا الكون – كوحدة واحدة أزلية أبدية لا محدودة! الموجودات هي مكونات الوجود، والوجود هو ذلك البعض الظاهر المتغير المتحول من الكون! في حدود ساحة الوجود تعتبر الأشياء والذوات الواعية، مستقلة عن بعضها البعض، لكنها ليست كذلك في ساحة الكون! بمفهوم الكون، كل شيء هو جزء من كل شيء! مفهوم الوجود بشكل عام، يُشير إلى الأشياء الموجودة خارج الذوات، والممكن إدراكها ماديًا أو إدراك تأثيرها! ليس فقط الكائنات الحية، بل كل الموجودات، لا بد لها من امتلاك هوية تُمكِّنها من التعبير عن وجودها، وتُثبت إدراكها لوجود غيرها– لكي تكون موجودة! الشكل الظاهر والأثر المحسوس للمادة والطاقة، هي عناصر الهوية العامة للموجودات! ردة الفعل الطبيعية المختلفة من معدن لآخر ومن مادة لأخرى، تجاه الحرارة والكهرباء والتصادم، هي بعض وسائل التعبير عن الهوية وإثبات الوجود لدى تلك الموجودات! الوجود بالنسبة للإنسان، ليس هو ذات الوجود بالنسبة لغيره من الكائنات الحية والأشياء! سمك القرش والنحل ورحيق الأزهار البرية، كلها أشياء موجودة على قائمة الوجود بالنسبة للإنسان! والرحيق شيء موجود على قائمة الوجود بالنسبة للنحل! لكن النحل والرحيق، أشياء غير موجودة على قائمة الوجود بالنسبة لسمك القرش! بافتراض أن سمك القرش والنحل لا يعلمان بوجود بعضهما، ولن يُدركا بعضهما حتى ينعدم وجودهما من الوجود القائم الآن، في هذه الحال يكون كل منهما جزء من الكون بالنسبة للآخر، ومعنى ذلك أنهما جزآن من ذات واحدة! تحت سقف الكون كل شيء محتمل، وتحت سقف الوجود لا شيء إلا المُدرَك المرصود! الوجود بالنسبة للإنسان، هو الجزء المعلوم له من الكون! والكون بالنسبة للإنسان ولغير الإنسان، هو الوجود مضافًا إليه المجهول! كل شيء باقٍ على حاله الآن، لا يتغير، فهو جزء من الكون وليس جزءًا من هذا الوجود الآني المرحلي! فالتغيُّر والتحول والحضور والغياب، صفات أساسية في الوجود! كل شيء حادث، وخاضع لقوانين الطبيعة، هو جزء من الوجود! والتفاعل مع المحيط، تأثيرًا أو تأثرًا، هي من أهم معالم الوجود وصفات الموجود! ولذلك يمكن نزع صفة الوجود عن الموجود- نظريًا، لكن لا يمكن نزع صفة الكينونة عن أي شيء – موجود أو غير موجود! نقول: كأنه غير موجود، أو وجوده كعدمه! ما نقوله هنا، هو تعبير عن معنى نجده متحققًا في كل ما ومَنْ لا يتأثر ولا يتفاعل مع أحداث تجري من حوله! الكون سابق للوجود بالضرورة، فالكون هو أرضية الوجود! يمكن تشبيه الكون بالمكان بالنسبة للوجود، لكن طبيعة الكون ووظيفته وعلاقته بالوجود، تجعله أكبر من أن يكون مجرد مكان! أعشاب طبيعية، تنمو على أرض مزرعة، هي جزء من الوجود طيلة بقائها قائمة، وهنا يمكن اعتبار أرض المزرعة بمثابة الكون والمكان بالنسبة للأعشاب! لكن أرض المزرعة ليست كون، بل هي مجرد مكان بالنسبة لمبنى يقام عليها! يمكن للكون أن يقوم دون وجود، لكن لا يمكن للوجود أن يقوم إلا على الكون! الكون هو نقيض العدم المطلق؛ والوجود هو نقيض العدم الزمني! الكون الخالي من الوجود، هو وجود خالي من الفناء! الكون هو مجموع الأشياء في صورها الأولية – وحداتها البنائية! الكون يتألف من دقائق مختلفة مستقلة منفصلة؛ فإذا اتحدت أو تفاعلت دقائق معينة، تحت ظروف معينة، فإنها تُنتج وجودًا أو ينتج عنها وجود حتمًا! لكن الطبيعة الأزلية للدقائق البنائية – أي طبيعة البقاء والديمومة لدى الوحدات البنائية للتكوين، تستوجب بقاءها حُرة، واتحادها الذي به تبلور الوجود يُفقدها تلك الحرية، أي أنه يُفقدها القدرة على الكينونة الدائمة..، ولذلك هي تعمل باستمرار وبشكل تلقائي على استعادة تحررها، أي أنها تعمل باستمرار على العودة إلى حالتها الأولية، أي إلى صيغتها الكونية؛ ويتحقق ذلك بانفصالها عن بعضها، وذلك يعني بالضرورة الغياب الظاهري للشيء الذي وُجِد باتحادها! وهذا يجعل من معنى الموت والفناء مرادفًا لمعنى الديمومة والبقاء..، بمعنى أن الموت والفناء ينحصر في الوجود الظاهري لا في البقاء الكوني! أي أن موت الإنسان لا يعني موت مكوناته، إنما يعني تحولها من صورة إلى أخرى، أو من حالة إلى أخرى! فغياب الإنسان عن الحياة، يعني عودته من الوجود إلى الكون..، وبهذا المعنى يكون موت الإنسان هو غياب نظري لكيان افتراضي! إن غياب كيان الإنسان عن الوجود، هو أشبه بغياب كيان سياسي فيدرالي، بعد أن تنفصل أقاليمه عن بعضها..، حيث إن الكيان التاريخي المرحلي المألوف لتلك الدولة يختفي من الوجود، لكن مكونات الدولة تظل قائمة! وهذا الانفصال أو التفكك الظاهري لكيان الدولة، يكون سببه شعور الأقاليم بعدم القدرة على الاستمرار الاتحادي..، فيأتي حِرص المكونات على البقاء الذاتي – على حساب بقاء الكيان الاتحادي! وفي هذه الحال، نقول إن الوجود التقليدي المعروف لدينا لتلك الدولة لم يعد قائمًا، لكننا لا نقول ولا نستطيع أن نقول بأن شيئًا من تلك الدولة قد اندثر! إن كل موجود، لا بد له من أن يحتوي على قارئ طبيعي (حاسب آلي)، يحسب له الحد الأقصى الممكن لوجوده.. أي الحد الأقصى لقدرة مكوناته على البقاء متحدة- أي البقاء على غير صيغتها الكونية! الحد الأقصى لوجود الأشياء نسبي، يعتمد على العلاقة بين مكوناتها، والعلاقة تعتمد على طبيعة المكونات وظروف الوجود، ومدى قدرتها على البقاء في حالة استثنائية، وهي حالة الوجود! يمكننا تعريف الوجود، بأنه بروز أو تبلور الأشياء في الكون، بأحجام وصور محددة، وبقاءها إلى أن تفقد قدرتها على الوجود الاستثنائي، فتعود إلى حالتها الكونية – البنائية! ويمكن تعريف الكون بأنه ذلك النسيج الكلي، الذي يتألف من مجموع مكونات الأشياء في صورها الأولية! الكون باختصار هو الوجود المطلق لمكونات الوجود المرحلي

حقيقة التباطؤ والتسارع في الزمن!

0 تعليق


حقيقة التباطؤ والتسارع، وعلاقتهما بمفهوم الزمن: إذا قلنا إن عُمْر الإنسان يُقاس بوحدة اسمها الزمن، أو أن عمر الإنسان الفرد، هو نصيبه أو حصته الخاصة، من شيء عام اسمه الزمن، إذن تكون عملية تباطؤ وتسارع الزمن ظاهرة معروفة قبل ظهور نظرية النسبية، لكنها كانت تُفهم أو تفسَّر أو تُحلَّل بصور ومفاهيم مادية! فاليوم نحن نعرف مثلاً، أن متوسط عُمر الإنسان في بعض المجتمعات الأفريقية، هو 50 سنة، بينما سن التقاعد في مجتمعات أخرى هو أكثر من 60 سنة! وهنا نتحدث عن ذات المادة (إنسان) وذات المقاييس الزمنية وذات المكان (الأرض) وذات السرعة، ومع ذلك اختلفت قيمة عنصر الزمن بين مادة وأخرى – منعكسة في الوجود.. أي مدة البقاء على قيد الحياة! ولو نقلنا طفلًا أفريقيًا إلى أوروبا، وطفلًا أوروبيًا إلى أفريقيا، فسيتغير مُعامل الوجود لديهما تبعًا لظروف الحياة الجديدة! وهنا يمكننا الملاحظة وبوضوح كبير بأنه إذا اتفقنا على وجود شيء اسمه الزمن، فنحن الذين نصنع هذا الشيء، وذلك بأن نطيل عمر إنسان ونُقصِّر عمر آخر، أو نُطيل زمن سيارة بالمحافظة عليها، ونقصِّر زمن سيارة أخرى بإهمالها..، لكن لا يوجد خزان ولا يوجد حساب للزمن ننهل أو نسحب منه يمكن أن ينضب، أو يمكن أن نُعيد ملئه! إن مفهوم الزمن المرتبط بالمادة (إنسان أو سيارة) هو زمن خيالي وعنصر حسابي نحن الذين نصنعه ونتلاعب به، تمامًا كما تتلاعب به الظروف والمعطيات المادية! ولذلك ينبغي أن نلاحظ بأن العناصر التي تعمل وتتغير قيمتها في معادلة التباطؤ والتسارع، هي عناصر مادية خالصة (مادة وظروف)، وأن خصائص هذه العناصر المادية، هي التي تُحدِّد قوة التماسك بين مكونات المادة، ولا يوجد عنصر اسمه الزمن يمكننا تغيير قيمته والتأثير به على النتيجة، بل إن عنصر الزمن كان عبارة عن وصف نظري مجازي نُشير به إلى تأثير الظروف واختلاف الأحداث! وهذا يعني أنه ربما توجد ظروف على الأرض، تُمكِّننا من جعل سن التقاعد 1000 سنة، فيما لو توفرت تلك الظروف أو اكتشف البشر مسبباتها- دون الحاجة إلى السفر بسرعة الضوء! وهنا نحن نتحدث عن معامل تماسك مكونات الإنسان، وهو معامل مادي بحت، يتمثل في توفير بيئة صحية مناسبة لعمل خلايا وأجهزة الجسم المادية! جاءت نظرية النسبية لتُبلور وتُبرز حقيقة التباطؤ والتسارع في العمليات التي تؤثر على المادة، وتصوغها بلغة علمية ومعادلات رياضية، لكنها افترضت أن التباطؤ والتسارع كعمليات وكنتائج، إنما تحدث في شيء اسمه الزمن، واعتبرت الزمن عنصرًا ومكونًا أساسيًا من مكونات الإنسان! أعتقد أن وصف مفهوم الزمن – حسب نظرية النسبية، كعنصر أساسي يدخل في تركيبة الإنسان، وفي تركيبة المكان (زمكان)، هو وصف يمكن تصوره وفهمه في سياق التشويق وتنشيط الوعي، لكن لا يمكن أخذه على محمل الجِد والواقعية! التسارع والتباطؤ في الواقع، هي نتائج مادية عملية، تعكس عمليات حقيقية في صورة تفاعلات وتغيرات تحدث واقعيًا في المادة والطاقة داخل الخلايا والذرات، وتتأثر بظروف التواجد، وبذلك تتحول المادة – عاجلاً أو آجلاً – من حالة التشكل والاتحاد الظاهر المحسوس (حالة الوجود)، إلى حالة التفكك إلى وحداتها البنائية (حالة الكون – حسب تصوري لمفهوم الكون)! واختلاف المواد من حيث استجابتها وممانعتها أو صمودها وسرعة انهيارها تحت تأثير العوامل الخارجية المتصلة بها، هو ما نُعبِّر عنه اصطلاحًا بمفهوم المدة الزمنية! والقول بأن السير بسرعة تقارب سرعة الضوء (على افتراض أنها السرعة القياسية العُظمى) يؤدي إلى تباطؤ الزمن لدى الإنسان، هو قول لا يُخالف المنطق- إذا تحققت نتائجه المفترضة-، شرط أن يكون المقصود هو تباطؤ نمو الإنسان، بمعنى تباطؤ العمليات الحيوية الخلوية داخله، وليس تباطؤ عداد خيالي يَحسب الزمن خارجه! فلو أرسلنا بدل الإنسان قطعة من عنصر مشع (يورانيوم مثلاً)، بسرعة الضوء، فالمتوقع أن تتوقف عن الإشعاع، وبالتالي تزداد فترة نصف العمر لديها! لكنها ستظل متوقفة عن الإشعاع إلى الأبد- فيما لو استمر سيرها بسرعة الضوء إلى الأبد! وهنا لا يصح أن نقول بأن فترة نصف العمر لدى هذه القطعة من اليورانيوم قد أصبحت لا نهائية، إنما الصحيح أن نقول بأن زمن الوجود الذاتي لها قد أصبح صفرًا، أي أنها لم تعد جزءًا من الوجود المتغير بل أصبحت جزءًا من الكون الثابت! وهذا يعني أن السرعة الفائقة، قد وضعت العنصر المشع تحت تأثير ظروف لا يمكنه الصمود تحتها والعمل بشكل تقليدي، فانهار وخرج من الوجود بأسرع من مثيلاته تحت ظروف أخرى! وكذلك الإنسان، فإنه سيظل مستقرًا متوقفًا عن النمو إلى الأبد، إذا ما استمر مسافرًا بسرعة الضوء إلى الأبد! وهنا لا يصح أن نقول عن الإنسان إنه قد تَخلَّدَ، إنما الصحيح أن نقول إن ذلك الإنسان لم يعد جزءًا من الكون بصورته الوجودية المألوفة لدينا، بل أصبح جزءًا من الكون بصورة أخرى! هنا يمكننا أن نتصور وجود خصائص للكون، تفرض على المادة الاستقرار آجلاً أو عاجلاً، ونتصور قوانين للوجود، تفرض على المادة التغير المستمر بطيئًا أو سريعًا باتجاه الاستقرار، وهذا يعني أن قوانين الوجود تعمل بموجب خصائص الكون! كما أسلفت فقد اصطلحنا على تسمية الاختلاف بين المواد من حيث صمودها أو انهيارها أمام الظروف بـالزمن، وهو ما أدعوه هنا بـ" عداد زمن الوجود الذاتي أو زمن البقاء"، داخل كل واحد منا، وداخل كل مادة وفي كل شيء، وهو ما يمكن تسميته بعداد وجودي يحسب ما يتبقى لنا من مدة البقاء على قيد الحياة (فترة زمن الوجود الذاتي)، ويحسب للمادة مدة بقائها متماسكة متشكلة (فترة زمن الوجود الذاتي)، وهو ما يمكن تشبيهه بما يُعرف بفترة نصف العمر في العناصر المشعة..، ولا ننسى أن الذي يحدث في الواقع هي عمليات حقيقية ونتائج مادية تجري وتتحقق داخل المادة، تتسارع أو تتباطأ عمليًا في أداء وظائفها- بما يعكس ظروف تواجدها! إن النظرية العلمية لا تصطدم بالمنطق حول النتيجة المترتبة على فرضية السفر بسرعة الضوء، لكن التصادم والاختلاف يحدث حول التفسير! المنطق يقول بأن الذي يتوقف بسبب السير بسرعة الضوء، هو القدرة على الإشعاع لدى العنصر المشع، وهو القدرة على النمو لدى الإنسان، وبالتالي يكون الذي توقف هي العمليات الموجِبة للبقاء أو الممثلة للوجود الشكلي – داخل هذه الأشياء وحسب..، سواء عاد المسافر بعد السفر إلى حالته السابقة واستأنف حياته من حيث توقفت، أو لم يعد! ما أدعوه هنا بعداد زمن الوجود الذاتي، يمكن وصفه بعداد طبيعي – اصطلاحًا لا واقعًا، وهو لا يحسب ما ينقضي من زمن الوجود الذاتي، إنما يحسب فقط ما تبقى للمادة من قدرة على الصمود والبقاء في حيز الوجود- تلك القدرة التي تتغير بحسب تغير الظروف! هذا العداد الطبيعي الافتراضي الذي يحسب لنا ما تبقى ولا يعتد بما انقضى من زمن، يمكن تشبيهه بعداد الحاسوب الذي يُظهر لنا ما تبقى من زمن خلال نقل بيانات أو إجراء عمليات، حيث يحسب لنا ما تبقى من زمن بحسب ظروف كل لحظة، ولذلك فإن تقديراته تتغير من لحظة إلى أخرى- بحسب طبيعة البيانات التي ينقلها في تلك اللحظة، والتي يتخذ منها مقياسًا لحظيًا افتراضيًا لما تبقَّى من بيانات – دون اعتبار لما تم حسابه سابقًا..، ولذلك نلاحظ أن تجانس البيانات يجعل الحاسوب يعطي زمنًا ثابتًا منذ البداية للزمن الكلي اللازم للنقل..، وهذا يُعادل تغير الظروف أو ثباتها في حال الإنسان، حيث يمكن تحديد عُمْر الإنسان – ولو تقريبيًا – منذ يوم ولادته – شرط ثبات الظروف وإدراك المعطيات؛ لكن هذا العمر يمكن أن ينقص أو يزيد بحسب ظروف اللحظة وما بعدها- دون اعتبار لما قبلها! يتوقع الطبيب مثلاً، للمريض ذي الأربعين سنة، أن يعيش لمدة سنة أخرى فقط، ليس لأن ما فات من عمره هو 40 سنة، إنما لأن المعطيات في تلك اللحظة تقول هكذا، وقد تتغير المعطيات فيتجاوز المريض المدة التقديرية، وقد يسبقها بالرحيل! إن الحديث هو دائمًا عن تسارع أو تباطؤ فعلي في عمليات مادية تتم داخل الذرات والخلايا، وليس عن زمن عام يتدفق خارج أو داخل المادة!

 إن العنصر المشع، لو سار بسرعة الضوء، فإنه سيتوقف عن الإشعاع، لكنه حتى لو سار بسرعة تفوق سرعة الضوء، فإنه لن يستعيد ما قد فقده من إلكترونات، وهذا يعني أنه لا معنى ولا مجال لفرضية السفر عبر الزمن! وعلى هذا الأساس يكون تجاوز سرعة الضوء، إما أنه أمر غير ممكن، أو أنه سيُحيل المادة مباشرة إلى وحداتها البنائية التي تتألف منها..، ولا شيء غير ذلك..، هذا على افتراض أن سرعة الضوء هي أقصى سرعة يمكن بلوغها في الكون

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

ماهية الزمن كعنصر في الطبيعة والوجود!

0 تعليق


هل يوجد شيء خارج مخيلة الإنسان، اسمه الزمن؟ ما طبيعة الزمن حسب نظرية النسبية؟ في  العام (2012) أنعقد أوّل مؤتمر دولي، حول دلالة مفهوم الزمن في العِلم والفلسفة والفكر الديني، وكان ذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومجرد الدعوة لعقد مؤتمر دولي في هذا العصر، حول مفهوم الزمن، يُثبت أن الذين يعتقدون أو يدَّعون معرفة وإدراك دلالة مفهوم الزمن، إنما هم في الواقع يقبعون خارج الزمن الذي يعتقدون معرفته! مفهوم الزمن يتم تداوله عادةً من خارجه، من حيث اختلاف الرؤى حول تصوره وأثره، وربما حول بدايته ونهايته! - هذه محاولة لتناول مفهوم الزمن من داخله، ومن الناحية الموضوعية والعملية، من حيث ماهيته ومدى واقعية وجوده كعنصر حقيقي في الطبيعة، وموقعه من الذات البشرية، وعلاقته بالأشياء المادية! الزمن المقصود هنا، ليس الزمن بمعنى الوقت أو التوقيت، فهذان المفهومان يمكن تصورهما بمعزل عن مفهوم الزمن، حيث إن التوقيت والوقت هما عبارة عن قياس معنوي بواسطة مقارنة أحداث مادية، بقصد ترتيب التعاملات وشئون الحياة – كقياس موعد استيقاظ الإنسان مقارنة بشروق الشمس، أو قياس موعد نومه مقارنة بغروبها، ثم تتم تسمية هذا القياس وهذه المقارنة: وقتًا أو توقيتًا..، وهي في الواقع عبارة عن أحداث مادية طبيعية يتكرر حدوثها في كون مطلق لانهائي..، وإطلاق مُسمَّى الوقت أو التوقيت على "مقارنة" بين أحداث مادية مختلفة، لا يعني وجود شيء أو عنصر اسمه الوقت أو التوقيت في الوجود أو في الطبيعة! الفروق بين مفهوم الوقت والتوقيت والزمن والزمان، تناولناها في موضع آخر بشيء من التفصيل! أما المقصود بالزمن هنا، فهو فقط ذلك السهم الخيالي المتجه من الماضي إلى المستقبل، والمشتق من مفهوم الزمان المرتبط بالمكان، والمنحوت أسطوريًا في ذاكرة الإنسان، والذي تتغير به وعبره وبسببه الأشياء – افتراضًا!
 ماهية الزمن.. يبدو التلازم واضحًا بين مفهوم الزمن، ومفهوم الوجود! فالذين يتصورون وجود شيء اسمه الزمن، هم أولئك الذين لا يُفرِّقون بين مفهوم الكون ومفهوم الوجود، إنما يرون أن لهما ذات الدلالة وذات الحقيقة! فهؤلاء لا يؤمنون بأزلية الكون واختلافه عن مفهوم الوجود، إنما يعتقدون بأنهما شيء واحد، وأن هذا الشيء له بداية ليس قبلها بداية..، ويعتبرونها البداية لكل شيء موجود الآن..، وبذلك يتصورون انطلاق ما يُشبه السهم الزمني، من تلك البداية باتجاه نهاية مفترضة. ومكمن الخلل في هذا التصور، هو أنهم يفترضون انطلاق بداية للوجود من العدم، متجاهلين استحالة نشوء وجود من عدم. والذين يُفرِّقون بين مفهوم الوجود ومفهوم الكون، ينبغي أن يكون تصورهم للأمر، كالتالي: إذا كان نشوء الوجود من العدم أمرًا ممكنًا، إذن فالوجود أزلي – باعتبار أن العدم أزلي، وفي هذه الحال يكون الزمن أزليًا! أو أنه ينبغي البحث عن شيء آخر سابق للعدم، يكون قد انبثق عنه العدم، وهكذا رجوعًا إلى ما لانهاية..، وهنا كذلك يكون الزمن قد انطلق منذ ما لانهاية! والأهم من كل ذلك، هو أنه لا معنى لمفهوم العدم الذي يمكن أن ينبثق عنه وجود! فإذا كان العدم يحتوي على إرادة تُقرِّر وتستطيع تحويله إلى وجود..، إذن هو ليس عدمًا، إنما هو وجود أزلي من نوع آخر، انبثق عنه هذا الوجود العابر..، وذاك الوجود الأزلي هو الذي ندعوه نحن بالكون ( نحن = المُفرِّقون بين مفهوم الكون ومفهوم الوجود)، والكون هنا يكون شيئًا آخرَ غير هذا الوجود المؤقت المحسوس المرصود! ولذلك نحن لسنا بحاجة لافتراض وجود شيء اسمه الزمن..، حيث إن الوجود عبارة عن جزء من الكون، والكون شيء أزلي أبدي مطلق، لا مكان لمفهوم الزمن فيه! فالوجود الحالي، يمكن تصويره وتصوره بأنه مجرد نبتة كونية، نمت وبرزت على مساحة معينة من سطح الكون، وستختفي – ليس بالفناء، إنما بعودة مكوناتها من حيث أتت، واندماجها مجددًا مع أديم الكون الأزلي الأبدي – دون أي أثر أو اعتبار لوجودها الاستثنائي الذي ظهر واختفى! وهنا نقول، إنه حتى لو افترضنا زمنًا محدودًا مستقطعًا من زمن أزلي أبدي مطلق-، فسيكون زمنًا افتراضيًا لا قيمة ولا اتجاه له..، لا شك أنه لو كان عُمر كل إنسان يساوي وقت شروق واحد فقط، لأصبحنا نقول توقيت الإنسان وليس عُمر الإنسان، وحينها لا معنى لمفهوم الزمن! ومصطلح عُمْر الإنسان الآن، هو عبارة عن مجموع توقيتات افتراضية مصاحبة لـ 36500 عملية شروق حقيقية! وكما أن اللحظة أقل من أن تُحتسب في عمر الإنسان، وعُمر الإنسان الفرد أقل من أن يُحتسب في عُمر الوجود..، فإنه وبذات المعنى، يكون عُمر الوجود أقل من لحظة في عُمر الكون المطلق الأزلي الأبدي، وهو بذلك أقل من أن يُحتسب في عمر الكون، إذن يكون الزمن الحقيقي والعُمْر الحقيقي هو زمن أو عُمْر الكون، وهو أزلي أبدي مطلق – لا بداية ولا نهاية له، وبذلك فإنه لا قيمة ولا معنى لمفهوم الزمن ولا وجود لسهم الزمن في حياة البشر، وغير البشر – بالمفهوم الديني والثقافي التقليدي للزمن! أما مفهوم الزمن في الساحة العِلمية، فلعل أهم تصور له، هو ما جاء في النظرية النسبية!
 نظرية النسبية تقول بأن الزمن شيء موجود، وأنه عنصر أساسي متحد مع عنصر المادة، وأن هذا الخليط هو قوام الوسط الفضائي الذي يحوينا والذي تجري به وفيه وعليه كل عملياتنا الحياتية، والذي أسمته النظرية بالزمكان! وتقول نظرية النسبية إن لكل إنسان زمنه الخاص الذي يمكن أن يتباطأ ويتسارع متفاعلاً مع المادة وخاضعًا لقوانين الطبيعة! وبحسب هذه النظرية العلمية الفيزيائية، يكون الزمن عنصرًا له وجود فعلي في الطبيعة! وبحسب هذا التصور لمفهوم الزمن: يحق لنا التفكير في الحصول على كمية من عنصر الزمن الخالص، فتحضيره أو استخلاصه من الإنسان أو من مركب الزمكان يبدو ممكنًا – بحسب هذه النظرية! وهذا يعني أن الزمن عنصر قابل للتلوث والتنظيف، كما هو الحال مع المكان والمادة! ومعنى ذلك أن الحُفر التي نقع فيها أحيانًا، بعضها حُفر زمنية وليست كلها حُفر مكانية مادية، وذلك على اعتبار أن الموجود حولنا عبارة عن زمكان، وهو مركب من عنصري الزمن والمكان، وكما أن خلو الزمكان من المادة يترك حُفرة، كذلك يكون خلوه من الزمن ينبغي أن يترك حُفرة! ومعنى ذلك أن بعضًا من زمن الإنسان يمكن أن يتبقى بعد موته، تمامًا كما يتبقى بعضًا من ممتلكاته المادية، وبالتالي يمكن توريث الزمن! ويترتب على ذلك أنه يمكن للإنسان أن يقتطع جزءًا من زمنه – كذا سنة، فيتبرع بها أو يبيعها أو يرميها إذا كانت فاسدة- خاصة إذا كان المتبرع فقيرًا أو مجندًا إلزاميًا أو سجينًا- وذلك كما يفعل بأعضائه المادية عند الضرورة! ومعنى ذلك أيضًا، أن أحدهم قد يموت بسبب نقص في الزمن.. على غرار نقص في الأوكسجين! وعلينا أن نتوقع حصول نزاعات وحروب على الزمن، كما هو حاصل على المكان ومصادر الطاقة! ولا ينبغي أن نستغرب حصول ازدحام وتدافع بين أفراد معدودين من البشر، في صحراء الربع الخالي أو في الصحراء الكبرى، وذلك بسبب نقص حاد في الزمن – رغم غزارة المكان! وينبغي أن نستعد لاحتمال حصول جفاف زمني، يؤدي إلى شح في عنصر الزمن الصالح للاستهلاك البشري على الأرض – مع التزايد السكاني، كما هو الحال مع تناقص الغذاء البشري على الأرض! وربما يتوجب على المختبرات البدء في إجراء التجارب لإنتاج زمن صناعي- تمامًا كما أنتج البشر المكان اصطناعيًا في البحر، وكما أنشأوا مكانًا في الفضاء – المحطة الفضائية الدولية! وعلى البشر أن يدرسوا مدى صلاحية الزمن الحيواني والزمن النباتي للاستهلاك الآدمي، وربما وجدنا طريقة لتخزين أزمنة النباتات والحيوانات التي نُقرر إيقاف أزمنتها، أو نتغذى على أزمنتها كما نتغذى على مادتها! وليتوقع كل منا أن يظهر عليه تورم زمني، أو أن يُصاب بجفاف أو ضمور زمني، أو أن يحصل لديه تقلص زمني! وبالمحصلة، فإنه ولكي يكون هذا التصور العِلمي للزمن صحيحًا، فإن عملية فصل عنصر الزمن عن المكان ينبغي أن تكون ممكنة، وهذا ما لا يقبله العقل والمنطق، ولم يقل به العِلم – رغم قبول بعض العلماء لفكرة وجود مُركَّب الزمكان الناتج عن اتحاد الزمن بالمكان!