face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 12 أبريل 2022

بين العِلم والإيمان كما بين الواقع والخيال !!

0 تعليق

 


ليس الإيمان مرادفًا للعِلم، وليست العقيدة مرادفة للمعرفة.

واتفاق جماعة من الناس على الإيمان والاعتقاد بصحة أمرٍ ما.. هو شيء يمكن فهمه وقبوله أو رفضه في آنٍ معًا..
أما اعتقادهم بأن ذلك الأمر هو الحقيقة أو هو ما ينبغي أن يكون.. فذاك شيء آخر لا يمكن فهمه ولا ينبغي قبوله – إلا إذا تحوَّل إيمانهم إلى عِلم واعتقادهم إلى معرفة!
إن العِلم والمعرفة هي التي تجعل المريض المؤمن يُفضِّل الطبيب المُلحد على الطبيب المؤمن!
أما الإيمان والعقائد، فهي التي تجعل المؤمن يتبع هذا الفقيه أو هذا المذهب دون سواه، ودون دليل على صحة اختياره!
ولهذا السبب نجد – عبر التاريخ البشري- أن الملوك والرؤساء والأقوياء والأغنياء كانوا يُسلِّمون أرواحهم بين أيدي الأطباء بكل بساطة، بينما لم يؤمنوا ويُسلِّموا مصيرهم بين أيدي الرُسُل سِوى الفقراء والضعفاء، ذلك لأن الضعفاء والفقراء ليس لديهم ما يخسرون اليوم، ففضلوا أن يتبعوا الرُسُل ويعيشوا على أمل – هو أفضل من لا شيء!
أما الحُكام والأقوياء والأغنياء، فوجدوا أن إتباعهم للرُسُل يعني فُقدانهم لما يملكون اليوم، دون إثبات لصحة وعود الرُسُل، ولذلك لم يؤمن منهم طوعًا إلا قليلون، ولأسباب فردية وخاصة في الغالب!


العِلم أساسه المعرفة والإدراك، والمعرفة أساسها تفعيل العقل!
أما الإيمان بالأديان، فإن أساسه تصديق بشر لبشر، وليس إدراك لحقيقة الأمر!
ولا يمكن أن يكون تصديق البشر أو تكذيبهم لبعضهم، حُجَّةً لهذا أو حُجَّةً على ذاك..، فالأمر المصيري الفردي يتطلب حُجَّةً من جنسه وبحجمه!
أما المعتقدات فإن أساسها تعطيل العقل وتقديس الموروث!
ولذلك ظلت الأرض مُسطَّحةً وثابتةً ومركزًا للكون، والشمس تدور حولها، وقُبة السماء تعلوها – رُغم أنف كوبر نيكس وجاليليو، وذلك باعتقاد كل البشر بحُكمائهم وفقهائهم وجهلائهم وضعفائهم وبحسب كُتب رُسُلهم وأنبيائهم..،
لقد استمر هذا الاعتقاد سائدًا إلى أن أتت الفلسفة وفعَّلت العقل، فأنتج السؤال الذي شَكَّك في حقيقة هذه المُسلَّمات، ثم أثبت العِلم أن كل تلك المسلَّمات ما هي إلا اعتقادات متوارثة، لا أساس لها في الواقع، وأنها عبارة عن تخمينات وتفسيرات بدائية ظاهرية تعود بجذورها إلى العصور الأولى للوجود البشري!
ولذلك اعتذرت الكنيسة لـ"جاليليو" عن محاكمتها وظلمها له بعد 359 عامًا، وبرَّأته من الهرطقة، وأقرَّت بصحة رؤيته لدوران الأرض حول الشمس (المحاكمة 1633)، (الاعتذار تم عام 1992)!
ومن هنا وجب على العاقل أن يُبقي على كل الاحتمالات قائمة فيما يخص الحقيقة الكاملة!

وبذلك يكون ترك الحقيقة في صورة سؤال، هو أصدق ما يمكن وأقصى ما ينبغي أن يُقال! فحُجَّة الذين يجزمون بعدم وجود خالق للكون – مثلاً -، لا تقل ضعفًا عن حُجَّة المؤمنين بوجوده!

وأما الأضعف حُجَّة والأبعد عن العقلانية والواقعية والذين تعوزهم المصداقية والأمانة، فهُم أولئك الذين يدَّعون معرفة الخالق، ويؤمنون في الوقت ذاته بأن الإنسان ليس مؤهلاً لإدراك الخالق!
وتكريسًا للوهم والجهل، نجد العقائديين يُسمُّون التساؤلات الفطرية الطبيعية البديهية العفوية المرتبطة بوجود العقل،.. يُسمُّونها بالوساوس الشيطانية – ترهيبًا للضُعفاء -، فيُحذِّرون أتباعهم من السؤال ومن الإطلاع على ما لدى الآخرين من معلومات وحقائق..، وذلك لكي تبقى عقولهم معطلة، ويدورون في دائرة المعتقدات المُلغَّزة التي تستعمل عواطفهم وطمعهم وضعفهم للسيطرة عليهم، فيستمرون بذلك في تصديقهم لما لا يُعقل من الخرافات والأساطير!
في حين أن غير المؤمنين، يحثون أبناءهم وأتباعهم على طلب الحقيقة والإطلاع على ما لدى الآخرين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا!
فأي إله ذا الذي يُكافئ الطامعين ويَفرح بخوف الضعفاء منه والمقلِّدين، ويُعاقب العُقلاء على صِدقهم وبحثهم عن الحقيقة!

- لماذا يرتكب المؤمنون، ما يُسمى بالمعاصي والذنوب، رُغم تظاهرهم بالخوف من نار الإله؟
ولماذا تكتفي شرائع الأديان بظاهر الإيمان، وتتغاضى عن حقيقة سلوك الإنسان؟

السبب واضح، إنهم يؤمنون ويعتقدون بما يُخالف فطرتهم،
ولا بُدَّ للفطرة الداخلية من أن تتغلب على أي إيمان خارجي، وذلك أمرٌ طبيعي وحتمي، لكنه في شريعة المؤمنين يُعتبر معصية، وذلك لكي يُبرروا اعتقادهم بالحساب والعقاب والعبادة والحاجة للمغفرة، وكأن المصنوع يستطيع الخروج عن مشيئة الصانع!
إنه لئن عاقب الصانع ما صنعت يداه، فهو ببساطة يُعاقب ذاته، وهذا ما لا يليق ولا يصح أن يُنسب إلى إله!

- إن مِن البشر مَنْ لا يزالون يعتقدون بالمجهول ويُصلُّون للسماء طلبًا للاستسقاء!
وغيرهم باتوا يُدركون مُسبقًا، كَيف وأين ومتى ينزل الماء!
- وإن مِن البشر مَنْ لا يزالون يعتقدون بوجود شيء فوقهم اسمه السماء، يخشون وقوعه على الأرض يومًا ما!
وغيرهم أضحوا يعلمون بأنه لا شيء فوق الأرض سوى الفضاء، وصاروا يُدركون أنه لا معنى ولا مكان لمفهوم "فوق أو تحت" بالنسبة لكوكب يدور حول نفسه سابحًا في فضاء!
حيث إن العقائد تُحرِّم استعمال العقل في تفسير وفهم الدين!
وحيث إن طاعة الأهل وطاعة حكماء المجتمع، هي واجب على كل إنسان، حسب كل العقائد والشرائع والأديان!
إذن، لا مسئولية على عموم البشر، فكلهم أتباع ومأمورين وممنوعين من استعمال العقل، بما في ذلك الملحدين!
ومن المفارقة أن ينتظر رِجال الأديان من الملحدين استعمال العقل لكي يؤمنوا، في الوقت الذي يمنعون فيه المؤمنين من استعمال العقل خوفًا من أن يُلحدوا!
إن كل الأديان والمعتقدات، ليست قائمة – رُغم اختلافها وتشابه أتباعها، إلا بفضل هذه المفارقات المصحوبة بأحلام ووعود بتعويض الضعفاء!


العقيدة والمعرفة..
كثيرًا ما يحدث الخلط – عَمدًا أو جهلاً – بين العقيدة والمعرفة، أو بين الإيمان والعِلم!
والحقيقة أنه يمكن أن يؤمن أي الإنسان بأي أمر ويعتقد بوجود أي شيء، لكن لا يمكن لأي إنسان أن يعرف إلا ما يعلمه بالبرهان ويُدركه بالحواس!
فالفرق شاسعٌ بين المعرفة بالشيء والعِلم بوجوده من جهة، وبين الإيمان به والاعتقاد بحقيقته من جهة أخرى..،
إن الاعتقاد كما الإيمان يبقى أمرًا نظريًا عقليًا – خارج الواقع-، حتى تُدركه الحواس، وحينها فقط يتحول الاعتقاد إلى معرفة والإيمان إلى عِلم..، وذلك هو سبيل العِلم والعلماء!
إنه بمقدور أي إنسان عاقل، أن يُقنع كل البشر العُقلاء، بما يعرفه ويعلمه يقينًا..،
لكن ذات الإنسان العاقل، لا بُد له من أن يلجأ إلى الإكراه والخداع، لحمل الآخرين على تصديق ما يعتقده ويؤمن به دون معرفة..، وهذا ما يخلق النفاق!
لذلك يوجد النفاق – عادةً – في ساحات الأديان والمعتقدات والسلطة والسياسة، لكن لا معنى ولا وجود للنفاق في ساحات العِلم والمعرفة والفكر والفلسفة!
لقد أدرك البدو الأُمِّيون رُعاة الإبل والغنم قاطنو الصحارى، حقيقة ما يقوله العِلم والعُلماء، من خلال استعمالهم لوسائل المواصلات والاتصالات وأجهزة تحديد المواقع وغيرها..،
لكن الخوف النابع من الجهل، كان وحده السبب في تصديقهم لمعتقدات وتكهنات فقهاء الأديان ورجال السلطة!

الإيمان والعِلم..
كان جُلُّ البشر وإلى وقتٍ قريب، يعتقدون بالتدخل الإلهي المباشر واللحظي، في تكوين الأشياء وحصول الأحداث وتحديد نتائجها..، مع أن هذا الاعتقاد يتناقض مع إيمانهم بأن الإله هو الذي قدَّر للأحداث والأشياء مسبقًا كيف تكون؛ فأصبح اعتقادهم يعني أن الإله يتدخل لخرق مشيئته أو أنه يتراجع عن إرادته!
ثم تقدَّم العِلم بفضل تطور العقل البشري، ليتجاوز الإنسان مرحلة تفسير الأحداث ويبلغ مرحلة التكهن بها قبل حدوثها، بل والتحكم بنتائجها..،
حيث أثبت العِلمُ أن كل الأحداث والأشياء خاضعة بالضرورة لقوانين طبيعية ذات نتائج حتمية..،
وأمام هذا التقدم العِلمي وما أثبته من حقائق لا مجال لتجاهلها، اضطر المؤمنون العقائديون إلى التراجع عن أهم مبادئهم، والتي كانت تستند إلى فرضية التدخل الإلهي المباشر واللحظي لتفسير الأحداث..، فادَّعوا بأن إلههم هو مَنْ أوجد قوانين الطبيعة التي يخضع لها وجود الأشياء ونتائج الأحداث..،
وهنا تجاهل صريح من المؤمنين العقائديين للقواعد التي قامت عليها الرسالات والأديان والمعتقدات..، حيث كان منظرو الأديان يقولون بأن إثبات مصداقية الرُسُل وصحة الرسالات لا يقوم على الإقرار بسلطة قوانين الطبيعة، بل يقوم على تحطيم وخرق قوانين الطبيعة بواسطة المعجزات..، وكأن الإله الذي بعث الرُسُل قديمًا، ليس هو ذاته الذي وضع قوانين الطبيعة المكتشفة اليوم!
فإذا كان الرُسُل والأنبياء يعلمون بأن قوانين الطبيعة مِن خَلق الإله، فما معنى وما قيمة وما مُبرِّر خرقهم لها بالمعجزات لإثبات صحة رسالاتهم؟
ولماذا لا تُخرق قوانين الطبيعة اليوم إكرامًا للمؤمنين!

نتائج حتمية..
إنه لمن الحقيقة الإقرار بوجود الاختلاف الباطني الفطري الطبيعي اللا إرادي بين البشر، كما هو الاختلاف الظاهر في عالم الحيوان والنبات والجماد!
وإنه لمن الحقيقة القول، بأنه لا يمكن استعمال ذات المعايير لمحاسبة ومعاقبة المختلفين..، إلا في عالمٍ يسوده الجهل ويحكمه الظُلم!
وإنه لمن الحقيقة القول، بأن لكل إنسانٍ قدراتٍ وأجهزةِ قياسٍ وإدراكٍ – هي الحواس والوعي والقدرة على الفعل، وهي التي لا قيمة للإنسان بدونها، ولا شأن له في اختيارها، وهي المختلفة من إنسان لآخر..،
وإنه لا مُبرر للإنسان ولا حاجة به لتجاوز عقله وتجاهل حواسه، كي يفترض ويتوهم أو يُصدِّق بوجود حقائق لا قدرة له على إدراكها والتحقق منها!

الوجود والخَلق..
يمكن وصف كل الأشياء بأنها موجودات طبيعية، ويمكن وصف بعضها بأنها مخلوقات!
لكن من المغالطة وصف كل الأشياء بأنها مخلوقات..، ذلك أن وصف أي شيء بأنه مخلوق يستوجب وجود خالق مُحدَّد مُدرَك- معلوم ومعروف، وهو ما ليس متحققًا دائمًا مع كل الأشياء..، إلا إذا كان المقصود بالخالق، هو: قوانين الطبيعة!
إن ألفاظًا مثل: خَلْق وخالق ومخلوق، ترتبط في أذهان البشر بحسب ثقافاتهم ومعتقداتهم – لا بحسب عِلمهم بها ومعرفتهم بحقيقة دلالاتها – التي تتغير عند ترجمتها من لغة إلى لغة أُخرى!
إنه يصحُّ القول عن الإنسان بأنه مخلوق، فقط إذا كان المقصود بالخالق – هنا – والديه أو قوانين الطبيعة!
بينما يصح دائمًا أن نقول عن الكرسي بأنه مخلوق، ذلك لأننا نعلم مَن خلقه ونعرف لماذا خلقه!
لكن ليس من الصواب أن نقول عن الوادي أو الجبل بأنه مخلوق، ذلك لأننا لا نعلم مَن خلقه ولا نعرف لماذا خلقه – إلا إذا كُنا نقصد بالخالق -هنا- البراكين والرياح والأمطار وغيرها من الأشياء الخاضعة لقوانين الطبيعة والناجمة عنها!
إن كل ما نراه من حولنا ما هي إلا موجودات طبيعية، أوجدتها قوانين الطبيعة التي بات العقل البشري يُحيط بقدرٍ كبيرٍ منها!
لقد أنتج الإنسان جهاز الحاسوب، باستعمال مواد الطبيعة وقوانينها، وذلك بفضل العقل وبسبب الحاجة..،
بينما يُنتج الإنسان الإنسان باستعمال قوانين الطبيعة، وذلك بفضل الفطرة وبسبب الغريزة!
ومعنى ذلك أن الإنسان بحاجة إلى عقل خاص من أجل إنتاج حاسوب، لكنه ليس بحاجة للعقل مُطلقًا من أجل إنتاج إنسان!
إن التكاثر هو نتيجة طبيعية لغريزة فطرية، وهو صفة حياتية تتمتع بها كل الكائنات الحية، ولا دخل للعقل فيها، إلا من حيث توجيه تلك الغريزة!
إن التكاثر عند كل الكائنات الحية، لا يعدو أن يكون خضوعًا فطريًا لقوانين الطبيعة وغرائزها، ولذلك لا يوجد اختلاف بين البشر والحيوانات والحشرات في طريقة التكاثر!
إن التكاثر ليس سوى استعمال فطري غريزي لمعادلة طبيعية عناصرها الذكورة والأنوثة!
ولعل الاختلاف بين البشر والحيوان – مثلاً – في موضوع التكاثر، هو قدرة البشر على التكهن بمصير الأبناء قبل إنجابهم..، الأمر الذي لا يملكه الحيوان!
أما الشعور بالمسئولية تجاه الأبناء بعد إنجابهم، فهو شعور غريزي طبيعي فطري تشترك فيه كل الكائنات الحية – كما تشترك في معرفة السبيل إلى التكاثر والمقدرة عليه!
إن وصف الإنسان بأنه مخلوق، لا يكون وصفًا عِلميًا واقعيًا صادقًا، إلا إذا كان المقصود بالخالق هنا هم الوالدين أو قوانين الطبيعة!


فقه الطوائف.. وعبث الكبار ببراءة الصغار!

0 تعليق

 


لماذا تتعدد الطوائف ويزداد أتباعها وأنصارها، رغم فساد عقائدها بشهادة بعضها على بعضها الآخر؟

وأين الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، والتي لا تبديل لها – بحسب كل الطوائف والأديان!

إن السر أو الداء يكمن في سياسة القائمين على الفقه الطائفي، وإيمانهم بأن الغاية تبرر الوسيلة، وإن لم يُعلنوا ذلك أو يعترفوا به صراحةً!

فليس بين الطوائف القائمة اليوم، من يستطيع أن يجزم بأن فقه طائفته يتوافق مع الفطرة البشرية!

ولذلك فإن كل الطوائف دون استثناء، يقوم فقهها وسر بقائها بالدرجة الأولى على الطعن في مصداقية بعضها البعض.. رُغم أنها تدَّعي ذات الهدف وتسلك ذات السبيل!

وبدرجة ثانية – وربما أهم – تقوم الطوائف على نظرية تلقين التراث وفرض الأفكار ودس الثقافات في نفوس الأطفال قبل أن يكون لهم الحق والقدرة على السؤال! وهو الأمر الذي لم يفعله الرُسُل؟

نتساءل: هل خاطب الرُسُل الأطفال بدعوتهم! أم إنهم كانوا يخاطبون أجيالهم واندادهم من الرجال البالغين المكلفين الذين يملكون حق الموافقة والقدرة على الرفض! وهم الذين لم يسمعوا في طفولتهم بالدين الذي يُدعَون له، وهم الذين أصبحوا رموزًا وقادةً للأديان فيما بعد!

وتلك القصة الشهيرة عن ذلك الطفل الذي لم يكترث لمرور الأمير أو الخليفة من الشارع ..، حيث كان يلعب الطفل!

هل كان ذلك الطفل سيتصرف بتلك العفوية كما أرشدته فطرته، لو كان قد تم المساس بفطرته وتلويث براءته بتهديده بالنار وإغرائه بالجنة وشحنه بضرورة تقديسس الكبار – قبل أن يبلغ سناً يُحسب له فيها الأجر أو الإثم.

وهل كان سيتصرف الطفل بعفوية فطرته، لو كان قد لُقِّن بأنه لا يُساوي التراب الذي يمشي عليه الخليفة، .. كما يقول الخطباء والفقهاء على المنابر اليوم، وكما يُدرّس ذلك للأطفال والتلاميذ في مدارسهم الابتدائية!

إن كل الرُسُل تقريباً بُعثوا عند أو بعد سن الأربعين سنة، من أعمارهم! وكلهم كانوا قد ترعرعوا وشبوا وتربوا في أحضان ثقافات وأعراف اجتماعية وعقائدية تُناقض وتُخالف رسالاتهم وتعاليمهم التي اعتنقوها ودعوا لها فيما بعد!

أي أن الرُسُل لم يُلقنوا تعاليم الدين والإيمان في طفولتهم، وإنما أخذوها بالوحي بعد بلوغهم، وبعد أن أمضوا بداية حياتهم بصورة طبيعية ضمن أعراف وسلوكيات مجتمعاتهم المنحرفة.

ولم تقف ثقافة مجتمعاتهم الجاهلية عائقاً في سبيل رُشدهم بعد بلوغهم!

يحلو للبعض القول بأن رسولهم، قد لُقِّن الإيمان والدين الصحيح في طفولته بواسطة الملائكة!

ولكن بالطبع، ليس لمثل هذا القول من أساس ولا سبب سوى الهروب من سؤال الحقيقة، أو محاولة الحيلولة دون طرحه!

لأنه وببساطة، إذا كان الرُسُل قد حظوا بتربية ورعاية سماوية إلهية مباشرة، أو خضعوا لعمليات جراحية لإزالة الأحقاد والضغائن من صدورهم منذ طفولتهم، إذن فما ذنب البشر العاديين الذين زُرعت فيهم الأحقاد والضغائن بدل أن تُنتزع، والذين لم يحظوا بهذه الرعاية الربانية!

ثم أليس في مثل هذه الرواية أو الدعاية تطاول على العدل الإلهي، ومساس بحرمة وقدسية الأمانة التي ينبغي أن يتساوى البشر في حملها لكي يكونوا متساوين في الحساب عنها!

ثم، أين فضل الرسُل – كبشر- في مقاومة شرور النفس البشرية، حتى نمتدحهم بحسن الخُلق ومقاومة الهوى، طالما أنهم لا يحملونها أصلاً!

إن الحقيقة – واستناداً إلى الكتب المقدسة وتراث الأديان -، هي أنه من الرُسُل من قتل نفساً متعمداً – تعصباً لقومه -، ومن غير تشريع ولا تفويض إلهي، وذلك قبل أن يُصبح رسولاً.

مما يدلل على أن ذلك الرسول كان إنساناً عادياً، بل ربما كان في قومه من الرجال والنساء من هم أعدل وأحكم وأتقى منه في حينها!

ومن الرُسُل من تزوّج قبل أن يُصبح رسولاً، بطقوس ومباركة رجال دين من الديانات التي لم يكن يؤمن بها، بل وأكد على انحرافها وضلال أتباعها، وحرّم طقوسها التي تزوج وفقها..، بعد أن أصبح رسولاً!

فهل من مجال أو من حُجّة لقائل يقول بأن هذا الرسول أو ذاك كان مؤمناً ومحصناً منذ طفولته!

البعض لا يقبل الحديث عن الرُسُل بهذه الصراحة. ولمثل هؤلاء نقول ماذا عن أتباع الرُسُل الذين آمنوا بهم، وأصبحوا رموزاً في تاريخ هذا الدين أو ذاك! هل منعتهم البداية الجاهلية ( ) لحياتهم من الإيمان وإتباع الرُسُل؟ كلا لم تمنعهم، بل آمنوا بعد بلوغهم في أحضان ثقافة مغايرة للدين الجديد!

والذين نراهم اليوم، ينتقلون من دين إلى دين؛ هل تلقوا في طفولتهم تعاليم الدين الذي انتقلوا له! أم إن الحرية التي وفرتها لهم مجتمعاتهم كانت كفيلة بممارسة حقوقهم في الاختيار!

فهل سيمر على الإنسانية يوم، تُترك فيه فطرة الإنسان دون مساس، وتحترم فيه براءة الأطفال!

ويُترك للإنسان بعد رُشده، الحق في اختيار عقيدته ودينه، أو حتى طائفته إذا كان للطائفة ضرورة في الإيمان!

وهل نتوقع من فقهاء الطوائف الذين يؤكدون بأن فقه طائفتهم هو الفقه الذي يُرضي الله، وأن طائفتهم منسجمة تماماً مع الفطرة السوية للبشر ..، هل نتوقع منهم أن يُبادروا بالإفتاء وبدعوة كل الطوائف إلى ضرورة ترك الأطفال يعيشون طفولتهم دون تدخل طائفي وتأثير فقهي على براءتهم وفطرتهم!

وأنه لا يجوز الدعوة إلى دين أو طائفة لغير البالغين!

للأسف، لا نتوقع ذلك في المدى المنظور! لأن القائمين على الطوائف يُدركون عيوب فقههم وطوائفهم، ويعلمون أن جزءاً كبيراً وأساسياً من فقههم واجتهاداتهم لا يقبلها الفكر السليم الحر، ولا يمكن غرسها في الإنسان إذا تجاوز مرحلة الطفولة.

ولذلك فإن كل الطوائف تجنّد وتجيّش الأطفال، وتزرع الخوف والشك في نفوسهم البريئة الضعيفة، وتضع فقهها بمثابة المنقذ والملجأ الوحيد لهم.

ثم يكتمل مشهد المؤامرة بمنعهم من استعمال العقل عند بلوغهم، ليُصبحوا أجهزة مبرمجة بفقه الطائفة، تفجرهم أنى وأين تشاء!

وإن ما يُثير الاستغراب حقًا هو تفاخر الطوائف بأعداد أتباعها، وتجاهلها للطريقة والوسيلة اللا حضارية التي تكاثر بها هؤلاء الأتباع، حتى صاروا أرقاماً حسابية، يصح أن يُشار بها إلى عدد العبيد والأتباع. ولكن الحيلة لا تنطلي إلا على المبرمجين الممنوعين من التفكير باسم الدين!

يبقى الأمل معقوداً على هيئة الأمم، بأن تضع حداً لتجنيد الأطفال، والتلاعب ببراءتهم!

وذلك بأن تفرض منهجاً دراسياً موحداً لكل أطفال العالم حتى سن الرُشد!

لكي تظهر أجيالٍ طبيعية تنظر إلى الحياة من ذات الزاوية وبذات المعايير!

حتى يختفي هذا العار من على جبين الإنسانية..، والمتمثل في اختلاف العقلاء على بديهيات العقل الواحد!