face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الاثنين، 17 يناير 2022

ما الفرق بين وجودنا والحياة؟




نحن مضطرون للتنفس، لكن لسنا مضطرين للقراءة ..، أو هذا ما يبدو لنا ظاهريًا .. الفعل الحياتي هو كل فعل غريزي وإجباري، ويفعله كل البشر دون استثناء ..، بينما الفعل الوجودي هو كل فعل منطقي اختياري، وليس الكل يفعله ..، أو هذا ما نراه في الواقع .. لكن الحقيقة شيء آخر، أو لنقل بأن الأمر سيبدو لنا مختلفًا إذا نظرنا له من زاوية أخرى وبرؤية أعمق، حيث سيبدو لنا أن كلا الفعلين إجباري، أو هو حتمي .. الفعل الحياتي هو التعبير عن الحياة ..، هو تعبير طبيعي حتمي عن الاختلاف بين الأحياء والأموات أو بين الكائن الحي والجماد ..، والفعل الوجودي هو التعبير عن الوجود ..، هو تعبير طبيعي حتمي عن الاختلاف بين إنسان وإنسان آخر أو بين كائن حي وكائن حي آخر ..، لولا الأفعال الوجودية لما ظهر الفرق بين الإنسان والحيوان ..، تمامًا كما أنه لولا الأفعال الحياتية لما كان هناك فرق بين الكائن الحي والجماد .. الفرق بين الإنسان والحيوان لا يستوجب تمجيدًا أو تقديسًا أو تفضيلاً للإنسان على الحيوان، فالإنسان ليس هو من صنع الفرق بينه وبين الحيوان، بل إن الفرق مجرد تحصيل حاصل لفعل قوانين الطبيعة، وأكثر من ذلك هو إثبات لتأثيرها القهري على الإنسان أكثر منه على الحيوان ..، إذ يمكننا القول بأن الحيوان قد استطاع إيقاف تطور الطبيعة داخله، فتجمدت عند حد معين، مما جعل الحيوانات تتمتع بكل ما يتمتع به الإنسان – لكن بحرية مطلقة يفتقدها الإنسان، وبدون العيوب التي يشتكي منها الإنسان، فتطور الطبيعة في الإنسان كان نقمة على الإنسان، وهو على كل حال سواء كان نعمة أو نقمة، فهو أمر لا فضل ولا ذنب للإنسان فيه، وما تمجيدنا للأذكياء وذمنا للأغبياء إلا عين الجهل والحمق والبدائية والغباء .. الإنسان والحيوان وغيرهما، عبارة عن ساحات أو مختبرات لتجارب قوانين الطبيعة .. لاشيء موجود إلا ويكون قد دفع ضريبة الوجود، وهي الخضوع التام لقوانين الطبيعة – حياتيًا ووجوديًا .. خضوعنا لقوانين الطبيعة في الأفعال الحياتية يبدو واضحًا أو تأثيرها علينا يبدو مباشرًا تقريبًا ..، إما أن نشرب أو نموت فورًا – مثلاً .. فعل الصيام هو ممارسة لفعل حياتي بصورة وجودية! لكن علاقة قوانين الطبيعة بأفعالنا الوجودية الحقيقية تبدو علاقة غير مباشرة، بسبب وجود بدائل عديدة من الأفعال الوجودية (غناء، رسم، كتابة، .. الخ)، وهذا ما أوجد الخلط لدى البشر، وجعلهم يتخيلون خطأً بأن لديهم إرادة الاختيار أو إرادة الفعل وعدم الفعل بمعزل عن أي تأثير داخلي أو خارجي ..، ولذلك يُحاسَب الإنسان على سلوكه، بينما في الحقيقة ينبغي أن يُعالج الجميع ولا يُحاسَب أحد .. إن كل ما يفعله الإنسان، ما هو إلا تعبير تلقائي واستجابة طبيعية، لما يجده لديه من حاجة لأداء أفعال حياتية وأخرى وجودية! أفعال حياتية .. تنفس، شرب، أكل، .. الخ! أفعال وجودية .. غناء، رسم، تجميل، تفكير، مساعدة الآخرين، استعباد الآخرين .. الخ! الأفعال الحياتية .. أدركنا مبرراتها بسهولة، فلم نعد نتساءل حولها، وذلك بسبب ارتباطها المباشر بحياتنا، وبسبب قِصر دورتها الزمنية، والسبب الأهم هو عدم وجود بدائل من هذه الأفعال .. مثلاً .. لو كانت أقصر مدة مطلوبة للإنسان بين كل شربة ماء وأخرى هي عشر سنوات، لما توقف البحث والسؤال عن سبب شربنا للماء! ولو كان هناك بديل لشرب الماء، بحيث كان بعضنا لا يحيا بغير الماء، بينما جُلنا يتناولون بديلًا آخر ولا يشربون الماء أبدًا ..، لو كان الواقع هكذا لما توقف السؤال عن سبب إصرار بعضنا على شرب الماء ..، ولو مات أحدهم بسبب نقص الماء، لتساءلنا لماذا لم يتناول البديل؟ لكن لأن الكل يمارسون فعل شرب الماء، ولا بديل عنه، لذلك لم يعد من معنى لطلب مبرر لهذا الفعل، وأصبح غياب الماء مبررًا للموت – لا جدال ولا خلاف حوله! الأفعال الوجودية .. كثرة البدائل في مجال الأفعال الوجودية، جعل السؤال حول دوافعها ومبرراتها لا يتوقف! مثلاً .. يمكن للرسام أن يحيا بدون غناء، لذلك يبدو منطقيًا لو أنه تساءل عن سبب الغناء! ولو قيل لنحات، بأن أحدهم قد انتحر لأنه مُنِع من القراءة والكتابة، ربما لا يستطيع تصور ذلك، ولا يرى انتحاره مبررًا! - يمكن لمن يجد نفسه في مساعدة الضعفاء أن يحيا بدون رسم، لذلك قد لا يرى مبررًا للرسم، وقد يرى أن الصواب هو أن يتحول الجميع إلى مساعدين للضعفاء وحسب! - لا يمكن للفيلسوف أن يتوقف ساعة عن التفكير في الوجود .. وبذلك يكون من المنطقي أن يتساءل: لماذا لا يفكر الآخرون مثله، بل كيف يمكنهم الوجود بدون تفكير مستمر؟ - تطور قوانين الطبيعة التي تعمل داخل خلايا وذرات الفلاسفة، جعلتهم يرون أفق المعرفة قبل غيرهم، ويرون سُبُلًا كثيرة وسهلة لتحسين حياة البشر، ولا يفهمون سبب تمسك البشر بأساليبهم التقليدية في الحياة، ويرون أن ذلك لا يمكن أن يكون إلا مقصودًا مفتعلاً، ولا يُدركون أنه ناتج عن غباء طبيعي قهري بفعل بساطة وعدم تطور قوانين الطبيعة التي تعمل داخل خلايا وذرات البشر التقليديين .. كل ذلك بسبب النظرة التقليدية للإنسان، تلك النظرة التي تعتبر الإنسان كيانًا واحدًا يمتلك إرادته، ولا يختلف عن غيره من البشر إلا برغبته وإرادته .. - المستبدون أو الذين لا يرون ضيرًا في استعبادهم لغيرهم من البشر، هم يفعلون ذلك بسبب خضوعهم لقوانين الطبيعة داخلهم، والتي لا تفرِّق من حيث المبدأ بين البشر والحيوان، ولذلك هم لا يرون فرقًا بين امتلاكهم لحيوان وامتلاكهم لإنسان .. - الاتفاق بين كل البشر على الوسطية ممكن، لكن الخطأ وعدم حصول الاتفاق هو بسبب الاعتقاد بأصولية المبادئ، أو محاولة تأصيل الأخلاق والمبادئ، واعتبارها كونية، والاعتقاد بأن الانحراف عنها لا يكون إلا تعمدًا للانحراف .. - الانتحار – بغض النظر عن السبب -، أو على سبيل المثال الانتحار بسبب العجز عن الإبداع، هو مثال واضح جدًا يبين خضوع الإنسان لقوانين الطبيعة، فهو عبارة عن تصادم بين قوانين الطبيعة داخل المبدع وقوانين الطبيعة خارجه، ما يؤدي إلى توقف القوانين الجزئية العاملة داخله، خضوعًا للقوانين العامة العاملة خارجة .. الانتحار بسبب العجز عن الإبداع، عادةً هو سبب انتحار الأذكياء المبدعين ..، لكن حتى الانتحار التقليدي بسبب الفقر مثلاً، هو انتحار بسبب عجز عن الإبداع كذلك .. الخلاصة .. بالنسبة للإنسان، الحياة ليست غاية لذاتها، إنما هي مجرد وسيلة لممارسة الوجود .. تطور الوعي لدى الإنسان وتحوله إلى إدراك، هو الذي استوجب ممارسة الأفعال الوجودية .. ممارسة الأفعال الوجودية أساسها حاجة لإحداث المعرفة .. الوعي هو امتلاك ذاكرة قادرة على تسجيل الأحداث والمَشاهِد والمعلومات، واستعادتها عند تشابه المواقف .. الإدراك ناتج عن اتصال الذاكرة بالخيال، ما يسمح باستعمال مخزون الذاكرة المحدود من المعرفة لإنتاج معارف جديدة .. الحيوان يكتفي بممارسة الحياة، لأن وعيه قد توقف عند المرحلة البدائية الأولية، ولم يتطور إلى إدراك .. الحيوان يمتلك ذاكرة، وبذلك فهو يمتلك وعيًا، لكنه غير مدرك لأنه لا يمتلك خيالاً .. الحيوان لا يتعامل مع ذات الموقف وذات المكان بذات الأسلوب في المرة الثانية والثالثة .. وهكذا .. النبات يمتلك ذاكرة، لكنه لا يمتلك وعيًا، لأنه غير متنقل!

1 تعليق:

Unknown يقول...

لا تحرمنا من هذه المواضيع المهمة اتشوق للموضوع القادم المقال

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ