face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 27 يناير 2021

وهم الإرادة .. رسول أوهامنا المزمنة!

0 تعليق






وجود بشر يحتاجون بالفعل إلى من يقتدون به سلوكًا وقناعةً واعتقادًا، هو دليل عدم أهليتهم للمسئولية، وبالتالي انعدام الإرادة لديهم، فلو كانوا أهلاً لاختيار من يقتدون به لما احتاجوا له! فهل حقًا يمتلك الكائن البشري إرادة، بما يجعله مسئولاً عن سلوكه وقراراته، ويمنحه قيمة خاصة؟ أم أن ما يميز البشر عن غيرهم هو فقط وعيهم بما يفعلون؟ وعي البشر بما يفعلون هو حقيقة، لكنه دليل ذاكرة تؤهلهم للاختيار والمفاضلة – لا دليل إرادة تؤهلهم للمسئولية، فهو مجرد وعي آني لا مستقبلي، بدليل حصول الفشل والندم عادةً! لا شك أن اعتقاد البشر بوجود إرادة لديهم، مصدره عدم معرفتهم لآلية صُنع القرارات فيهم! ماذا يقصد المسلمون بمفهوم الجهاد لنشر الدين بالسيف، ومفهوم حد الرِدَّة – مثلاً؟ هل يقصدون أن البشر لديهم إرادة دخول النار، وأن الإسلام أمر بكسر أو سلب إرادة البشر لإدخالهم الجنة؟ وهل تصح محاسبة مسلوب الإرادة – عقابًا أو ثوابًا؟ أم هل يصح افتراض إرادة لدى الإنسان بدخول النار؟ أم يقصدون أنه لا إرادة أساسًا لدى البشر، وأن سلوك البشر تفرضه عليهم القوة والحاجة؟ وهل هناك معنى لإيمان أو كفر من لا إرادة لديهم؟ وما المقصود بمراقبة سلوك عوام المسلمين بواسطة خواصهم، وتوجيههم باستمرار من المهد إلى اللحد؟ هل المقصود هو تصنيع بشر مسلمين وإيمان شكلي؟ إذا كان الأمر كذلك – وهو ما يقوله الواقع-، إذن يكون المقصود من الدين الإسلامي هو تحويل البشر إلى ملائكة بشرية أرضية بواسطة بعض البشر، وليس تبليغ البشر وامتحانهم – كما يزعمون! في كل الأحوال من الواضح تمامًا أنه لا قيمة ولا معنى إطلاقًا لإيمان تحت الإكراه – دخولاً أو ممارسة – سواء بسلب الإرادة أو بانعدامها! لكن لا شك أن ذلك الوهم المُسمَّى إرادة – سواء عند السالب أو المسلوب -، هو الداء الكامن خلف كل هذه المفارقات التي لا معنى لها سوى جهل البشر بأنفسهم، وبحثهم عن إرادتهم المزعومة على حساب بعضهم! إن ظاهر سلوك البشر يوحي بإرادة كاذبة، يُدرك كل إنسان أنه لا أصل لها في نفسه! الموظف الذي لا يلتزم عادةً بتوقيت عمله، هو كذلك لأنه يميل لا إراديًا لأن يكون غير ذلك لا لأنه أراد ذلك! مقارنة البشر ببعضهم تحت ذات الظروف، خطأ شأنه شأن إخضاع حيوانات مختلفة لذات الاختبار! - حقيقة الإرادة عند البشر، هي أنها نتيجة – لا قرار! عند بحثهم عن تفسير لسلوك الانتحار، اكتشف البشر أن إرادة بعضهم تُملى عليهم – وإن بدا أنهم يمتلكونها، وفي الحقيقة كل أفعال البشر مجرد انتحارات صغيرة! المسلمون يُبطلون الطلاق إذا صدر تحت ظروف خاصة، وفي الواقع لا يحدث طلاق إلا تحت ظروف خاصة! الإرادة – حتى بافتراض وجودها -، هي ليست قوة يمكن قياسها، وليست عضوًا ماديًا من أعضاء الجسد يمكن معاينتها ومعرفة متى تعمل ومتى تتعطل! منح فرصة للمسلم بالتراجع عن قرار طلاق حصل في ظروف اعتيادية، هو إقرار بأنه لا قيمة للإرادة المزعومة، إذ أنها لا تعني إدراك البشر لعواقب سلوكهم وتحت كل الظروف، مما استوجب تخويفهم بتحديد عدد مرات الطلاق، ما يعني أن التخويف يصنع الإرادة، .. .. أي أن إرادة الإنسان تُصنع خارجه! مأساة البشر ليست في أنهم لا يعون من الحقيقة إلا ما برز منها على السطح وفرض نفسه عليهم، .. مأساتهم في إلزامهم لأنفسهم بتكهناتهم لما خفي منها دون مبرر! ما لا يكتشفه البشر من موجبات السلوك يتجاهلون وجودها، ويعتبرون السلوك حرًا اختياريًا إراديًا، هكذا وُجِد مفهوم الإرادة، والفعل العمد، والمسئولية، .. الخ، إلى أن افترض البشر لأنفسهم قيمة كونية حملت معها مسئوليات ومآسٍ جسيمة لا أساس ولا مبرر لها، فقط استنادًا إلى امتلاكهم إرادة مزعومة – وهمية! لو كانت آلية صنع كل القرارات لديهم، واضحة وكبيرة بحجم ووضوح عوامل قرار الانتحار، لرآها كل البشر، ولأدركوا أنه لا يوجد لديهم شيء اسمه إرادة، ولتغير بذلك مشهد الوجود البشري من الأساس، وهو ما ينبغي أن يكون، وهو ما سيكون حتمًا! البشر ما زالوا مثل سائق يسير ليلًا بأضواء التوقف، لا يرى ما أمامه حتى يصطدم به ..؛ فلو ينظر البشر أمامهم – لا بأضواء العبقرية الكاشفة، بل فقط بأضواء العفوية الصادقة، لكن بقصد أن يروا ما أمامهم كما هو، لا بقصد أن يتخيلوا ويعتقدوا ما أمامهم كما يريدون ؛ إذا حصل ذلك فلن يكونوا بحاجة لانتظار تتابع واكتمال المراحل لبلوغ أمورٍ محتومة، وبلوغها ممكن في كل مرحلة، وببلوغها تنتهي مآسٍ قائمة لا مبرر لقيامها! لا معنى لإرادة بدون مسئولية، ولا مسئولية تنشأ عن إرادة عمياء! كثيرًا ما يندم البشر على أفعالٍ أتوها بمحض إرادتهم المفترضة وفي ظروف اعتيادية، ما يعني أن الإرادة المزعومة لا تعني إدراك الإنسان لعواقب ما يفعل، وهذا يعني أن السلوك مجرد قرارات تلقائية تفرزها معطيات وظروف، ليس من المنطق أن تترتب عليها مسئولية! سلوك الجماد يُصنع داخل ذراته وبينها، وسلوك الكائن الحي يُصنع داخل خلاياه وبينها! الكائن البشري ذو الكيان الصانع لإرادته، المستقل عنها، المسيطر عليها من خارجها، هو كائن خيالي يحمل صفات الإله، لا يمكن أن يكون له وجود! لكي يمتلك الكائن إرادة، ينبغي أن يكون قد أوجد نفسه بنفسه! وعي الكائن البشري وإدراكه وتذكره لما يفعل، لا يعني أنه الفاعل من خارج الفعل، إنما هو يتجسد في الفعل! علاقة الكائن البشري بإرادته، هي علاقة أعضائه ببعضها وعلاقة جسده بما حوله- علاقة تفاعلية تكاملية! لا بد أن يشعر الإنسان بالبرد لكي تتكون لديه حاجة ثم إرادة للتدفئة، ثم لا بد أن تتوفر لديه إمكانية ذاتية وخارجية لصنع التدفئة لكي يصنعها! الإنسان مجرد وعاء تتفاعل مكوناته مع محيطها! ما يبدو أو ما يُسمَّى بالإرادة لدى بعض البشر أكثر من غيرهم، متمثلة في إصرارهم على إحداث أمر ما بأي ثمن وبأي جهد - إحداث تدفئة مثلاً، هي إرادة اسمية شكلية، تُعبِّر عن عوامل خارجية وداخلية – ليس الإنسان فيها سوى إطار خارجي ..، فإذا صحَّ اعتبارها إرادة، إذن تقابلها لدى الآخرين إرادة تَحمُّل البرد - لقناعتهم بعدم بضرورة التدفئة مقابل ذلك الجهد والثمن؛ لكن الحقيقة ليس الأمر تفعيل إرادة هنا وتعطيلها هناك، إنما هو في الحالتين خضوع تلقائي لقناعات لا إرادية! القناعات تصنع قرارات البشر، والبشر لا يصنعون قناعاتهم! بعض البشر يعجز عن إحداث التدفئة ويموت بردًا، وليس بعد الموت من محفِّز للإرادة لو كان لها وجود ؛ وليس من المنطق أن يُحسب على العاجز عجزه! إرادة البشر ليست حقيقية، هي مجرد وصف مجازي لظاهرة سلوكية حتمية، تمثل حصيلة تلاقي عوامل خارجية قاهرة ومساعدة بمعطيات داخلية تعمل ذاتيًا! مفهوم الإرادة ليس له أساس فلسفي ومنطقي، فأساسه عقائدي ثقافي اجتماعي تحفيزي – جماعي لا فردي! الفرد يُدرك في قرارة نفسه أنه مُكرهٌ في كل قراراته، ولا حضور ولا سيطرة لإرادة حقيقية له فيها! الانتحار فعل فردي عادةً، والبشر لا يعتبرون فعل الانتحار ناجمًا عن إرادة – غالبًا، إنما يبحثون له عن دوافع ومسببات يُحمِّلونها مسئولية القرار والفعل من وراء الإرادة ؛ .. لماذا؟ لأن بهم حاجة لتكريس فكرة تطمئنهم - بغض النظر عن حقيقتها من عدمها -، وهي فكرة أن حب الحياة يمثل إرادة مشتركة بين كل البشر، وأن ذلك دليل وجود شيء اسمه إرادة يُثبت قدسية الحياة وخصوصية البشر ؛ فإذا تم اعتبار الانتحار سلوكًا ناجمًا عن إرادة، وهو ضد الحياة، إذن الحياة ليست مقدَّسة كما يحبونها أن تكون، أو أن البشر يختلفون في أمور وجودية أساسية، أو أن حبهم للحياة ليس وليد إرادة لديهم، ونزع الإرادة منهم يعني سقوط المسئولية عنهم، وبالنتيجة ضياع حلم الخصوصية والقيمة الكونية المفترضة للبشر ..؛ كل هذه حقائق، لكن البشر قد اعتادوا وتوارثوا ثقافة محاربتها والنفور منها ومحاولة دحضها أو إخفائها وتجريم الاقتراب منها، ما جعلهم يستعملون المنطق واللا منطق في سبيل فرض ثقافة وجود الإرادة وثقافة قدسية الحياة! لهذا السبب، نرى دعاة الحياة أو عبيدها من البشر، يحاولون نزع صفة الإرادة عن الانتحار، أو نزع صفة الإنسانية عن المنتحر ..، وكل ذلك مجرد عبث سيتوقف يومًا ويزول معه وهم الإرادة المزمن! 
 ماذا عن الأعمال التطوعية، أليست دليل إرادة؟ كلا ليست كذلك، وتسميتها بالتطوعية، هو إقرار ودليل على أن كل ما عداها إجباري! حتى بافتراض أن الأعمال التطوعية نتاج إرادة، فهي لا تمثل شيئًا يُذكر في حياة البشر، وهي بذلك مجرد إثبات أن كل ممارسات البشر لا إرادية ..؛ لكن حتى ما يُعرف بالأعمال التطوعية هي ليست إرادية ..؛ عمل إجباري يعني أن الظروف التي أجبرت الإنسان على فعله ظاهرة قاهرة معلومة! عمل تطوعي يعني فقط أن دوافعه ومسبباته ليست مادية وليست قاهرة آنيًا، لكنه ليس بدون قوة خلفه تدفع الإنسان إلى فعله! 
 كيف يتشكل الإنسان وإرادته المزعومة؟ يتولى الوالدان مهمة إظهار كائن بشري إلى حيِّز الوجود، بمواصفات مجهولة ..؛ تستلمه طبيعة هي أقوى تأثيرًا وأعقد وأكبر من أن يُحيط بها البشر علمًا – ناهيك عن التحكم بها ..؛ تصطدم عوامل البيئة الخارجية بمواصفات الوليد الداخلية، فتتشكل آلية صنع السلوك لديه .. تُعاقِب الحكومات الأهل على سلوك أبنائهم، اعتقادًا من الجميع بأن الأهل هم المسئولون عن صناعتها ..؛ يلوم الأهل رفاق السوء اعتقادًا منهم بأنهم حرَّفوها ..؛ يلجأ الأهل إلى رجال الدين وعلماء النفس والاجتماع لإصلاح سلوك الأبناء، لعلمهم بقدرة هؤلاء على صنعها وتوجيهها، وتوهمًا منهم بوجود معيار للصواب ..؛ وما كل هذا اللغط والهرج والمرج سوى إثبات أن إرادة البشر تُصنع خارجهم، ولا صحة لامتلاكهم لها ..؛ إن بشرًا يحيك حاذقهم إرادة غافلهم، ويفرض قويهم إرادة ضعيفهم، ويطمس كبيرهم إرادة صغيرهم، ويصنع ذكيهم إرادة غبيهم، .. الخ؛ بشر يصنعون إرادة بعضهم، ثم يعتبرونها مستقلة ..؛ بشر تصنعهم ظروف وتُملي عليهم قراراتهم، وبعضهم ظروف لبعضهم الآخر ..؛ بشرٌ تصنع الحاجة والخوف والجهل والطمع قناعاتهم، وقناعاتهم تصنع قراراتهم ..؛ بشر تقودهم غرائز لا يوقفها سوى خوف من عواقب ..؛ بشر هذه هي حقيقة كنههم، أنى تكون لهم إرادة تبرر مسئوليتهم عن سلوكهم

الأربعاء، 20 يناير 2021

إله الحاجة وإله الحقيقة!

1 تعليق





غايتنا ، رؤية الوعي البشري متحررًا من السجن الثقافي والتوجيه الفكري!
 مفهوم الإله = مفهوم الحقيقة! الإيمان = الحاجة للاطمئنان! آمن بالإله = أقرَّ بحاجته للاطمئنان! توحيد الإله = توحيد الحقيقة! في أحاديثنا وحواراتنا وكتاباتنا، تعودنا وربما كنا مضطرين لاستعمال لفظة "الإله"، بينما نحن نقصد "الحقيقة"! ثقافيًا، لفظة "إله" أصبحت تعني مجموع الحقائق أو خلاصة الحقائق أو مصدر الحقائق! في الواقع ما يهمنا هو أن ننقل للآخر صورة طبق الأصل عن الفكرة التي لدينا، ولذلك كثيرًا ما نستعمل المفردات الأقدر على إيصال الفكرة ثقافيًا، وليس بالضرورة المفردات الأنسب لغويًا لطرح الفكرة! استعمال لفظة "حقيقة" هو الأنسب لغويًا هنا، لكنه عادةً يذهب بوعي المُخاطَبين وتفكيرهم إلى اتجاهات مختلفة، الأمر الذي يحول دون وصول فكرة موحدة للكل، لذلك نضطر لاستعمال لفظة "الإله" لتركيز الوعي وتوحيد اتجاه التفكير ..، لكن في الواقع نحن لا نتحدث عن إله محدد نعرفه ونستطيع تصوره، إنما نقصد ذلك الموضوع الكامل – افتراضًا، أو تلك الفكرة الناقصة – واقعيًا، والذي أو التي تحوز على اهتمام كل البشر فطريًا، والتي هي الحقيقة المطلقة التي يطمئن لها كل الضعفاء ..، والضعف قرين الوعي! الإله بهذا المعنى، لا شك أنه ليس بحاجة للمتاجرة بكرامة وآلام البؤساء، ليحصل على ولاء الأقوياء والأغنياء والواعظين - كما تصوره المعتقدات! فمفهوم الإله لا بد أن يكون أبعد ما يكون عن هذه المسرحية الهزيلة - مضمونًا وإخراجًا، والتي تصور الإله وهو يمنح المال والقوة والمعرفة لبعض البشر، لكي يتقربوا بها إليه، من خلال مآسي وجهل وحيرة وآلام البعض الآخر، والذين جعلهم ذات الإله فقراء وضعفاء وجهلاء، لا لذنب اقترفوه، إنما فقط لكي يكونوا مادة للتجربة أو جسرًا للعبور بين الإله وبين الأقوياء والأغنياء والوعاظ ..؛ والحقيقة أن الإله ليس بحاجة لاختبار البشر أصلاً، وليس البشر في مستوى اختبار إلهي – بالمعنى المطلق للإله! إن هذا الطرح السطحي وهذا التفسير البشري البدائي للوجود وللغاية من الحياة، يدعونا إلى السؤال عن تعريف الإله، فهذا يُثبت أننا لسنا متفقين على مفهوم الإله! وفق هذه النظريات، يبدو تعريف الإله، بأنه عبارة عن كائن بشري أسطوري متسلط، على هيئة رجل خارق للمواصفات البشرية المعتادة – لا أكثر! وأنه ليس هو الحقيقة المطلقة، ولا يريد الحقيقة، إنما يريد انتزاع إقرار البشر واعترافهم بقوته وجبروته، ويريد تحقيق ذلك بصورة مُذلة مهينة للبشر بما يُشبع غروره، وكأنه غير واثق من قوته، فجعل من العبث بالوعي البشري مادة أو موضوعًا له للتسلية، واتخذ من مآسي وآلام البشر وتملقهم وخضوعهم اللا منطقي له، سببًا للوجود البشري! فإذا كان الأمر كذلك، إذن لا بد من وجود إله آخر حقيقي، مواصفاته مطلقة، يتساوى أمامه البشر وغير البشر، وذلك هو الذي يجهله الجميع معرفيًا، ويؤمنون به فطريًا! في الأصل لا بُد أن يكون كل البشر مؤمنين فطريًا، ومؤمنين بإله واحد! لكن، هذا الإيمان الفطري بإله واحد، ليس مصدره وحيًا ولا رسولاً ولا معرفةً ولا إدراكًا، إنما هو نتيجة حتمية لشعور لاإرادي يتملك الإنسان، يُشعره بالحاجة لإيجاد وسيلة لمواجهة الهواجس والمخاوف من المجهول، والتي هي مصاحبة للوعي بالضرورة! معلوم أنه لولا الوعي، لما كانت الهواجس ولا المخاوف، ولما كانت هناك حاجة ولا معنى لمفهوم الاطمئنان لدى الإنسان! ومعلوم أن الوعي مصدر اطمئنان بقدر ما يعلم ويأمن، وهو مصدر مخاوف وهواجس بقدر ما يجهل ويخشى! لذلك فإنه وبغض النظر عن ماهية ومُسمَّى مصدر الاطمئنان – أكان إلهًا أو سواه-، فالأساس هو أن الكائن الواعي محتاج فطريًا ومنطقيًا للبحث عن الاطمئنان..؛ والاطمئنان لا يتحقق في وجود الوعي إلا بانتفاء الضعف والمجهول – عمليًا، أو بوجود قوة مطلقة تحمي الكائن الواعي، أو تُنجده كلما دعاها! وريثما يتمكن الوعي من تجاوز الضعف وكشف المجهول واقعيًا، كان بحاجة عاجلة لوجود تلك القوة - ولو نظريًا – للمحافظة على توازنه، فإن لم توجد وجب افتراضها- بغض النظر عن حقيقة وجودها من عدمه- وهذا ما كان ..؛ تلك القوة هي التي اتفق البشر لاحقًا عبر الأجيال على تسميتها بالإله! الإيمان هنا يكون بإله الحاجة البشرية وليس بإله الحقيقة الكونية ..، وهذا بالطبع لا ينفي ولا يُثبت وجود الإله الحقيقة! الفطرة البشرية الطبيعية لم تعد موجودة اليوم، أو لم تعد تعمل منذ ظهور الأديان وانتشارها، وذلك بسبب التلقين العقائدي المُبكِّر والممنهج، الذي تمارسه المؤسسات الدينية المختلفة على البشر، الأمر الذي يؤدي إلى توجيه الفطرة فلا تعود معيارًا طبيعيًا! من المستحيل اليوم، إيجاد فطرة بشرية طبيعية يمكن اختبارها في موضوع الإيمان بالإله الحقيقة! موضوع الإله اليوم، يصعب الخوض فيه بحيادية، إذ لا بد من الوقوع تحت تأثير خلفية عقائدية وتصور معين مسبق للإله ومبتغاه! المشكلة الكبرى في علاقة البشر بمفهوم الإله، ظهرت مع تعدد الأديان والتقائها في الزمان والمكان، وما صاحبه من ظهور مؤسسات بشرية ذات طابع ديني، استثمرت مفهوم الدين للسيطرة على البشر، ما أدى إلى التنافس بينها على استقطاب الأتباع، الأمر الذي استوجب طعنها في مصداقية بعضها البعض ..، مما أدى تلقائيًا إلى بروز تساؤلات تتراوح بين إمكانية تعدد الآلهة واحتمالية ضعف الفكرة من أساسها ..؛ وحيث إنه لا دين يخلو من العيوب، فقد أدى انتقاد الأديان لبعضها إلى ظاهرة انتقال البشر بينها، الأمر الذي أدى إلى استعمال مفهوم الإله لتخويف البشر وتحذيرهم من ترك الدين – سواء بالانتقال إلى دين آخر أو بتركها جميعًا-، ومن هنا تغيرت المعادلة في علاقة البشر بالإله، فلم يعد مفهوم الإله مصدر اطمئنان للإنسان كما كان في الأصل وكما ينبغي أن يكون دائمًا، بل أصبح مصدر خوف يستعمله رجال الدين للسيطرة على البُسطاء ..؛ والواقع أنه مهما تكن حقيقة مفهوم الإله، فالأصل هو أنه لا مجال لمقارنته بالبشر- حتى يتم تصويره كخصم لهم وتخويفهم به! لكن، ولأن استعمال مفهوم الإله لتخويف البشر هو أمر غير منطقي وغير واقعي، لذلك لم يستجب معظم البشر للتخويف والتحذير باسم الإله! ولأن الإله الذي تم استعماله لتخويف البشر هو إله الحاجة وليس الإله الحقيقة، لذلك لم يستجب هو الآخر لتصورات البشر الذين استعملوه لتخويف غيرهم! ولكي لا يظهر رجال الدين بمظهر الواهم أو الكاذب، اضطروا لتطوير تصوراتهم وعلاقتهم الخاصة المفترضة بالإله، فادعوا أن الإله قد كلفهم بتنفيذ مشيئته في تخويف البشر وتأديبهم، فأصبحوا يُهددون ويبطشون ويقتلون باسم الإله أو نيابة عنه! وهنا أصبح مفهوم الإله عالة على الوعي، حيث أصبح الإله عبارة عن سلاح وتشريع وصلاحيات مطلقة بيد بعض البشر، يستعملونه لإرهاب واستعباد بقية البشر، ففقد مفهوم الإله صورته الجميلة كمصدر للاطمئنان، وأصبح وجوده مصدرًا للهواجس والمخاوف، بل أصبح وجوده مصدرًا للآلام والمآسي الآنية ..؛ بذلك أصبحت الهواجس والمخاوف الطبيعية المصاحبة للوعي، والتي استوجبت وجود الإله أصلاً، أصبحت أقل عبئًا على الإنسان من الإله، الأمر الذي أفقد مفهوم الإله مبرر وجوده لدى المتضررين منه، بل أصبحت الحاجة ماسة لإثبات عدم وجوده – وذلك كسبيل وحيد لدحض التكليف الإلهي المفترض، الذي يستعمله البعض لإرهاب واستعباد البعض الآخر .. من هنا نشأت فكرة الإلحاد والكُفر بالإله الحقيقة – رغم عدم معرفة الملحدين به! إن بحث الكائن الواعي كان دائمًا عن الاطمئنان، وقد وجده بادئ الأمر في مفهوم الإله، لكن عندما تحول مفهوم الإله إلى مصدر للفزع والرُعب بحسب أيديولوجيا بعض الأديان وجهل القائمين عليها، اضطر الوعي البشري للبحث عن بديل للإله يوفر له الاطمئنان ويحميه من استغلال رجال الدين لمفهوم الإله! ولأن مفهوم الإله قد تعددت صوره وأهدافه بعدد الأديان، فلم يعد من المقبول ولا من المقنع افتراض إله آخر أو إله جديد يُعيد للإنسان الاطمئنان بمفهوم الإله كما كان قبل تعدد الأديان ..، لذلك كان البديل هو محاولة إلغاء فكرة الإله، واستبدالها بفكرة العدم ..، حيث أصبح خيار المساواة السلبية يبدو أفضل من خيار التنافس غير المتكافئ! فرجال الأديان احتكروا أسرار العلاقة بالإله، وبالغوا في التضييق على البشر حتى كادوا يجعلوهم آليين لا ذوات لهم! ففضَّل الكثيرون من البشر خيار الفوز الآن مع احتمال الخسارة غدًا، على خيار الخسارة الآن مع احتمال الفوز غدًا! بالنسبة للبشر، إثبات وجود الإله لا يختلف عن إثبات عدم وجوده، فكلاهما محاولات فلسفية واستقرائية واستنباطية لا يمكن برهنتها! لذلك وجد الملحدون الاطمئنان في افتراض العدمية، كبديل لاستعباد رجال الدين لهم باسم الإله! وفي الواقع لا أحد يعرف الإله الحقيقة – لا الملحدون ولا المؤمنون! والإله الذي أنكره الملحدون هو إله الحاجة الذي تم تصويره واستغلاله على أنه إله الحقيقة، فبدا الملحدون وكأنهم يُنكرون وجود الإله الحقيقة الذي يجهله الجميع، وهذا غير صحيح، فالملحدون من خطابهم يتضح أنهم يُنكرون وجود الإله الظالم العابث الذي يسمح لبعض البشر بالسيطرة على بعضهم الآخر، ولا يُنكرون وجود إله يجهله الجميع

الاجتهاد ضرورة دينية، والإرهاب نتيجة حتمية!

0 تعليق






لعله أمرٌ طبيعي، لكنه يبدو من أفضال الطبيعة على البشر، ذلك أنها جعلت الإرهابيين الدينيين مهزومين دائمًا، ومُشرَّدين مُطارَدين على مدار التاريخ البشري وفي كل مكان..، فلولا ذلك لسيطر الإرهابيون على الأرض، ولاضطر حينها معظم البشر إلى إنكار انتمائهم للجنس البشري، وأعلنوا حملهم للجنسية الحيوانية، ليحظوا بالحرية وبقدر من احترام الإرهابيين – فالإرهابيون يحترمون الحيوان أكثر من البشر، أو أنهم لا يكرهون الحيوانات كما يكرهون البشر! - من مفارقات الاجتهاد الفقهي الإرهابي، أنه يُبرر للمؤمنين اللجوء إلى الغدر والخيانة والوحشية لنشر الدين وفرض الشريعة بوجهة نظرهم، مع الإبقاء على الاعتقاد بأن الله معهم..، وكأن الله محتاج للغدر والخيانة وترويع الضعفاء لينشر دينه أو شريعته! الإرهاب هو ممارسة الإجرام بوقاحة! المجرم التقليدي يستحي من أفعاله، فيُحاول إنكار جريمته وإخفاء نفسه! بينما الإرهابي – المجرم العقائدي-، يتبجح بجريمته، وينتظر من ضحاياه الشكر على جرائمه أو الخضوع له رُعبًا وطمعًا! الإرهاب بشكل عام هو: المتاجرة والمساومة بأمن البشر، باستخدام الغدر والخداع! الإرهاب الديني هو: فرض معتقدات دينية على البشر، باستغلال حبهم للحياة وحاجتهم للأمان وخوفهم من الألم! يستغل الإرهابيون أشكالهم البشرية الخادعة، للإيقاع بالغافلين من البشر الطبيعيين والفتك بهم، بطرق وحشية بربرية همجية حيوانية! الإرهابيون صنفان، ويستعملون الإرهاب لتحقيق أحد هدفين:
 1- مهزومون في ساحة ما، يستعملون الغافلين والضعفاء، لانتزاع تنازلات من المنتصرين الأقوياء!
 2- فاشلون دينيًا وعقائديًا، يُرعبون الضعفاء، لإكراههم على اعتناق معتقداتهم – المرفوضة سلميًا! أكثر أصناف الإرهاب انتشارًا ومنهجيةً وتواصلاً ووحشية، هو الإرهاب العقائدي الإسلامي، وهو وليد اجتهاد فقهي، والاجتهاد ضرورة دينية! اجتهاد الإسلاميين الإرهابيين يقول – ما معناه: إن أضمن وأقصر الطُرق إلى الجَنَّة الموعودة، هو تفجير المسلم نفسه في جموع من الغافلين من أتباع الأديان والطوائف الأخرى! وحيث إنه لا شيء مؤكد ومُبرهن في كل الأديان والمعتقدات، فكلها تقوم على التكهنات والاجتهادات والافتراضات – الأمر الذي يُبقي اجتهاد الإرهابيين كأحد الاحتمالات القائمة -، أي أن الإرهاب قد يكون هو أقصر الطُرق إلى الجَنَّة الموعودة..، وقد يسلكه كل المسلمين يومًا ما؟ هل يمكن أن يُصبح كل المسلمين إرهابيين؟ لا شك أنه حتى لو ثبتت صحة الاجتهاد القائل بأن الإرهاب هو أقصر الطُرق إلى الجَنَّة الموعودة- كما يتوهم الإرهابيون -، فواقعيًا لا يمكن أن يسلكه كل المسلمين مرة واحدة، وذلك بسبب اختلافاتهم البشرية الطبيعية والموانع المادية! لكن، ومن حيث المبدأ، فإن كل المسلمين هم إرهابيون محتملون، باعتبار أن الإرهاب جاء نتيجة لاجتهاد فقهاء مسلمين، وليس فلسفةً أو أفكارًا مستوردة من الخارج (الغرب)! لذلك يصح القول: إن رفض الإرهاب يقتضي وقف الاجتهاد، وإن تشريع الاجتهاد تبرير للانحراف! فإذا كان الإرهاب انحرافًا عن الفطرة، فهذا يعني أن الاجتهاد يقود إلى الانحراف! وإذا توقف البشر عند الإرهاب لأنه طال الجميع، فذلك لا يعني أن الاجتهاد لم ينحرف في مواضع أخرى – لم تطل الجميع أو لم تظهر نتائجها بعد! معلوم أن الأمور الطبيعية المنطقية لا تحتاج إلى اجتهاد لفهمها والاقتناع بها وتسويقها؛ والأمور غير المنطقية، لن يقبلها الإنسان الطبيعي إلا مخدوعًا أو مُضطرًا – باجتهاد أو بدونه! والمعتقدات الدينية لا تقوم ولا تستمر بدون اجتهاد، لأنها أمور غير منطقية؛ لكن الاجتهاد لا يمكنه تحويل اللا منطقي إلى منطقي، لذلك كان لا بد للاجتهاد من أن يُنتِج الإرهاب في نهاية المطاف، وذلك لإكراه البشر على قبول أمر غير منطقي وهو المعتقد الديني! كل المعتقدات الدينية تقوم أساسًا على الإرهاب النفسي لأتباعها (ترهيب وترغيب)، لكن ذلك لا يؤثر على غير المؤمنين بها، لذلك هي مضطرة لممارسة الإرهاب الجسدي على الآخرين! ووظيفة الاجتهاد هي صياغة هذه النتيجة وتسويقها بصورة تُخادع أكبر عدد ممكن من البشر، لتقليل أعداد الذين سيُمارس عليهم الإرهاب الجسدي – حيث إنه مكلف ونتائجه غير مضمونة! - ماذا يعني تحليل قتل البشر المسالمين، وتحريم قتل الكِلاب المسالمة؟ وبماذا يمكن وصف الشريعة أو الاجتهاد الذي يقول بذلك أو يؤدي إلى ذلك؟ هذا ما فعله الإسلاميون بالبشر المسالمين الغافلين في منشأة الغاز بعين أميناس بالجزائر! - الإسلام والمسلمون اليوم، تُمثِّلهم جماعات عنف إرهابية، تعمل في الظلام وتُحلل الغدر والخداع، تعتبر الماضي شِركًا والحاضر كُفرًا! حيث تهدم الآثار وتحرق المخطوطات التاريخية، وتُحرِّم علوم العصر! وتجوب صحاري وجبال الأرض، بحثًا عن سائح مسالم غافل تختطفه لتبتز أهله أو دولته، أو مجتمعٍ بائسٍ فقيرٍ ضعيفٍ تُطبِّق عليه شرائعها بقوة السلاح.. فتقطع أيدي وأرجل أولاده، وتجلد ظهور رجاله، وترجم نساءه حتى الموت! قد يقول قائل، إن الإرهابيين لا يُمثلون الإسلام والمسلمين! مثل هذا القول ليس صحيحًا، بقدر ما هو تهرب من المسئولية الأخلاقية، فنحن نعلم أن كل المسلمين يحملون تعاطفًا بدرجة أو أخرى مع كل ما هو إسلامي – بغض النظر عن بُعده عن المنطق والأخلاق! فإذا كان الإرهابيون لا يُمثلون الإسلام والمسلمين فعلاً، إذن يكون الإرهاب مسيئًا للإسلام والمسلمين ولرسول الإسلام! ولو كان المسلمون يعتبرون الإرهاب مسيئًا للإسلام، لخرجوا ضده في مظاهرات عارمة، كما خرجوا ضد الصور والأفلام التي اعتبروها مسيئة للإسلام! ولو كان فقهاء الإسلام يرفضون الإرهاب، لحاربوه بعُشر ما حاربوا به التدخين، أو بواحد بالمئة مما يُحاربون به الغرائز الطبيعية لدى البشر! القول بأن الإسلاميين الإرهابيين التكفيريين لا يُمثلون الإسلام والمسلمين، يمكن أن يكون صحيحًا فقط في حالة من حالتين: 1- عند وجود جهة أو فرد يُمثِّل الإسلام والمسلمين في العالم، بحيث يأتمر كل المسلمين بأمره، ويأمر بوقف الإرهاب الذي يُمارسه الإسلاميون في كل مكان في العالم – بما في ذلك المجتمعات المسلمة! ..، أو 2- أن يتم الإقرار بأنه لا أحد يحق له ادعاء تمثيل الإسلام والمسلمين، وبذلك تُرفع الحصانة عن العقائد والمذاهب الإسلامية المختلفة، ليتم نقدها وتشريحها، وكشف مواضع الخلل فيها والتي أنتجت الإرهاب! إن صمت المسلمين حيال الجرائم والفظائع التي ارتكبها الإسلاميون ضد الضعفاء والبُسطاء في مالي، باسم الشريعة الإسلامية، من تقطيع لأيادي وأرجل أولاد صغار فقراء معدمين، بتهمة السرقة، وجلد رجال في الشارع بتهمة تدخين السجائر..، ثم ارتفاع أصوات المسلمين فجأة ضد التدخل الفرنسي، لا معنى ولا تفسير له سوى موافقة المسلمين على سلوك الإرهابيين! أما احتراف الإسلاميين الجهاديين لممارسة الإجرام الإرهابي باسم الدين، فسببه شيء آخر، وهو رفض العالم استيراد النسخة الإرهابية من الشريعة الإسلامية! فالإسلاميون يستوردون من العالم كل شيء، وليس لديهم ما يُصدِّرونه للعالم سوى الشريعة الإسلامية! وشريعة الإسلاميين تقول: حُلِّل لكم أن تزِروا وازرة وزر أخرى! وأعرافهم تقول: العين بالسن والأُذْن بالأنف والأعزل أظلم والمسالم أحمق والغافل عدو والضعيف نعمة! ومن أجل إيقاف هذا الإرهاب، لا بد للعالم من الرضوخ لمطلب الإسلاميين، باستيراد شريعتهم! واستيراد العالم لشريعة الإسلاميين، يكون بإضافة التشريع الإسلامي إلى دساتير المجتمعات غير المسلمة والمستهدفة بالإرهاب، بحيث تنص دساتير تلك المجتمعات على قانونية وضرورة ترويع واختطاف وقتل أكبر عدد ممكن من المسلمين المسالمين الغافلين لديهم، ردًا على كل عملية إرهابية تقوم بها جماعة إسلامية في أي مكان من العالم! هذا ما يريده الإسلاميون من العالم، وهذا ما يبدو أنه سيكون، وبهذه الطريقة فقط يمكن للعالم أن يُرضي منطق الإسلاميين، ويُثبت لهم أن رسالتهم قد وصلت وأنه قد استورد شريعتهم وأضافها إلى دساتيره..، وحينها سيتوقف الإرهاب الإسلامي حتمًا

الثلاثاء، 19 يناير 2021

الإسلاميون .. من هم، ماذا يريدون، ولماذا؟

0 تعليق





كأنه لم يعد يكفي الإنسان أن يكون مسلمًا .. بل وجب عليه اليوم أن يكون إسلاميًا .. مسلم يعني إنسان يعتنق الإسلام لنفسه! إسلامي يعني إنسان يفرض رؤيته وفهمه للإسلام على غيره من المسلمين بالقوة لا بالحُجَّة! لطالما رفض المسلمون القول بأن الإسلام قد انتشر بالسيف! لكن الإسلاميين اليوم ينشرون ويفرضون إسلامهم بالبنادق والمتفجرات على المسلمين أنفسهم! في الأصل كانت النظرية الإسلامية تقول بأن الإنسان يعصم دمه وماله من المسلمين بدخوله الإسلام .. لكن اليوم لم يعد دخول الإسلام وحده كافيًا لحفظ حرمة الإنسان، بل أصبح على المسلم فردًا ومجتمعًا، لكي يعصم دمه وماله من أي جماعة إسلامية، أن يدخل الجماعة أو أن يُظهر التزامه بفكرها وفهمها الخاص للدين ولو نفاقًا! بحسب كل الشرائع التي عرفتها البشرية، المبرر الوحيد لمعاقبة الإنسان هو اعتداؤه على حقوق غيره، إلا في شرائع الإسلاميين، فإن معاقبة الإنسان واجبة حتى إذا أخطأ في حق نفسه ..، وهذا يتنافى مع مبدأ التكليف أساسًا ..، فلا فرق عند الإسلاميين بين العاقل وغير العاقل، أو بين البالغ وغير البالغ ..، فالكل تحت وصايتهم ..، فلا أحد يعرف الصواب سواهم! لعل الفائدة الوحيدة التي يجنيها المسلم من هذا الواقع المريع، هو أنه لم يعد بحاجة للخوف من حساب يوم القيامة، فهو ليس أهلاً لحمل الأمانة بحسب فقه هذه الجماعات الإسلامية، بدليل أنه خاضع لمراقبة بشرية مستمرة ..، وكل ما يحتاجه المسلم ليستمتع بالمحرمات ويظل إيمانه صحيحًا، هو أن يخدع البشر القائمين على هذه الجماعات، وهو الأمر الغير ممكن في حال كان يحمل مسئولية إيمانه بنفسه، ويخضع لمراقبة ضميره! أما أن يكون الإنسان غير مؤتمن على إسلامه وإيمانه، وفي ذات الوقت محاسبًا عليهما يوم القيامة، فهذا أمر مخالف للفطرة والمنطق والعقل، وإذا قيل به فهو مدعاة للتشكيك في الموضوع برمته! ومن هنا فإن الإسلامي هو كل مسلم يستعمل الدين وسيلة لاختلاق وظيفة قيادية له، على حساب المسلمين الآخرين! إن الصواب هو أن تُثبت لي بأن إسلامك صحيح وأن إيمانك مقبول عند الله، لكي أُسلمك أمر علاقتي بالله .. وهذا غير ممكن إطلاقًا ..، فلا أحد يمكنه برهنة إسلامه وإثبات صحة إيمانه! لذلك فإن الذي يحصل الآن هو أن الإسلاميين يفرضون على غيرهم من المسلمين، الإيمان بصحة إيمانهم هم، وليس الإيمان بالله! الإسلاميون لا يدعون الناس إلى الإيمان بالله، إنما يبحثون عن سبيل لتكفير المؤمنين بالله، لكي تكون لهم وظيفة قيادية، هي ممارسة الوصاية على الناس بدعوى محاربة الكفر! لو كانت غاية الإسلاميين هي محاربة الكفر، إذن لبحثوا عن الملحدين فقط ..، رغم أن ذلك ليس من حقهم أيضًا، وليس في صالحهم، لأن حُجَّة الملحدين أقوى منطقيًا! لكن، ما يقوم به الإسلاميون هو فحص إيمان المؤمنين، وهو الحق الذي لم يُمنح حتى للرُسُل ..، لأن الأديان جاءت لتكون حُجَّة على البشر لا لتجعلهم ملائكة! الإسلامي ليس رسولاً، وليس معصومًا، لكنه يمنح نفسه حق تكفير الآخرين، ولا يتوقع ولا يقبل من الآخرين تكفيره! البسطاء والضعفاء من الناس لا يجرؤون على تكفير الإسلامي، وذلك جهلاً بما يقوله أو خوفًا على الحياة! الإسلاميون يستعبدون الناس مستغلين الحاجة النفسية للدين لدى البُسطاء والضعفاء .. وبذلك، سيكون هناك إسلاميون يصنعون مأساة إنسانية باسم الدين، طالما كان هناك أناس ضعفاء وعديمو المعرفة .. العمود الفقري للضعف هو الفقر المادي – المالي .. وأما درجة المعرفة المطلوبة لمُحاجَّة الإسلاميين، فهي ليست بالضرورة تلك المعرفة التي تُمكِّن الإنسان من احتواء واستيعاب فلسفة الأديان وتاريخها، إنما فقط تلك الدرجة المحدودة من المعرفة والتي تُمكِّن الإنسان من إدراك حقيقة أن إيمان المُكرَهين لا قيمة له حتى لو كان صحيحًا! الناس يؤمنون بالله بسبب حاجتهم هم للإيمان، وليس بسبب حاجة الله لإيمانهم .. وإكراه الناس على الإيمان، لا يكون صحيحًا إلا أن يكون الله هو المحتاج لإيمان الناس به ..، وهذا هو تفسير ما يفعله الإسلاميون! الإسلام حرَّم التجسس، ليمنح الإنسان فرصة لممارسة ما يشاء في خلوته، لكي لا يضطر لممارسته على الملأ وتكون فتنة .. لكن، تحريم التجسس قطع الطريق على الإسلاميين المهووسين بالسيطرة على الناس، فأراد الإسلاميون الالتفاف على تحريم التجسس، فابتدعوا تشريع المراقبة المستمرة للبشر، مع محاولة حرمان الإنسان من امتلاك كل ما يمكن أن يستعمله للترفيه في خلوته .. وذلك باسم تطبيق الشريعة! معلوم أن ما يُعرف بتطبيق الشريعة أو تطبيق شرع الله، مكانه المحاكم وليس الشوارع – حيث يعمل الإسلاميون! وتطبيق الشريعة هو تطبيق القانون، وهو المطلوب عند حصول مشكلة وليس لخلق مشكلة! ما يفعله الإسلاميون هو استعمال مفهوم تطبيق الشريعة لأجل خلق مشكلة، حيث يقول الإنسان عن نفسه بأنه مسلم مؤمن، وهم يقولون عنه كافر ..، القانون سواء ديني أو علماني، يتم تطبيقه بين متخاصمين، ولا يصح تطبيقه على فرد دون حدوث مشكلة - كما يريد وكما يفعل الإسلاميون! ما يبحث عنه الإسلامي في الواقع، هو إشباع غروره البشري الوهمي! ما يحرك الإسلامي في الخفاء، هو فزعه من الفراغ الحقيقي الماثل في حياة جُل البشر .. هذا الفراغ الماثل في حياة جُل البشر، هو ذاته السبب في هروب البشر أمام الإسلاميين .. الفراغ في حياة البشر يتمثل في عدم معرفتهم لحقيقة الوجود وأسراره! البشر يتمسكون بالأديان باعتبارها الساتر الوحيد المتاح، الذي يمكنهم الاختباء خلفه، كمحاولة لتجاهل وجود فراغ معرفي أمامهم .. تجاه الوجود والحقيقة .. في الواقع، الأديان لا تُخفي الفراغ المعرفي ولا تزيله من حياة البشر، ذلك لأن سؤال الفراغ منطقي، بينما جواب الأديان عقائدي .. الجواب العقائدي لا يستمد قدرته على البقاء من الحقيقة والمعرفة، إنما فقط من خلال مخاطبة عواطف البشر ..، علاقة الإسلاميين بالمعتقدات معكوسة، فهم يحمونها بدل أن يحتموا بها ..، وذلك إما لأنهم لا يفقهونها، أو أنهم ليسوا واثقين من صمود حُجتها أمام الفكر! إن جُل البشر لا يجرؤون على فحص معتقداتهم بالعقل والمنطق، وذلك خشية أن تكون مزيفة، فتنهار ويجدون أنفسهم أمام الفراغ وجهًا لوجه .. وهذا الفزع من مواجهة الفراغ المعرفي، هو أهم أسباب ظهور الإسلاميين المتشددين المتطرفين دينيًا، حيث إنهم يعملون على قتل الحريات الفكرية في أرحامها وليس في مهودها، وذلك خشية أن تؤدي الحريات الفكرية إلى فحص حُجَّة المعتقدات عقليًا ومنطقيًا، مما قد يُظهر ضعفًا كبيرًا في حُجة المعتقدات الدينية، ويضعهم أمام الفراغ المعرفي الذين يخشون الوقوف أمامه! لكن، الواقع أن الأحجام الخرافية للآمال، والصور الأسطورية للأهوال، التي ترسمها المعتقدات في مخيلة البشر، هي التي تجعل الفراغ يبدو مخيفًا مرعبًا، ما يدفع جُل البشر للتمسك بمعتقداتهم مهما تكن سذاجتها سافرة .. أما حقيقة الوجود فهي غير ذلك قطعًا! إن تمسك جُل البشر بمعتقداتهم لا يستند إلى قناعة راسخة، إنما هو التعصب للموروث إلى حين إيجاد البديل المنطقي، بدليل أنهم يشترطون المنطق عند الحديث عن البديل، بينما يتجاهلون المنطق عند دفاعهم عن معتقداتهم!

الخميس، 7 يناير 2021

يستنسخون أفكارهم ويتوقعون نتائج مختلفة!

0 تعليق


البشر يُعيدون إنتاج ذواتهم بصور مشوَّهة، ويُعيقون التطور الطبيعي للوعي البشري، عبر الأكدمة! الأكدمة – من الأكاديمية، ويُقال إن كلمة أكاديمية أصلها يوناني، ومنسوبة للمكان الذي كان يُلقي فيه أفلاطون محاضراته أو دروسه الفلسفية على تلامذته، ثم استمر تلامذته من بعده وتوارثوا استعمال ذات المكان لذات الغرض لعدة قرون من الزمن (يُقال 9 قرون)، وأن ذلك المكان هو عبارة عن حديقة أو بُستان يُسمَّى أكاديموس، يقع بإحدى ضواحي أثينا القديمة، وأكاديموس هو اسم أحد الآلهة قديمًا؛ معلوم أن مفهوم أكاديميات في عصرنا الحاضر، يعني مؤسسات التعليم العالي! والأكدمة في مجال العلوم الطبيعية التطبيقية (كيمياء، هندسة، طب، ..الخ)، تعني إخضاع الأشياء والأفكار لبروتوكولات علمية (مستويات تعليمية، بحوث ودراسات متخصصة، تجارب ونتائج محددة ومؤكدة، وفق معايير معينة، تؤهل للحصول على شهادات جامعية)! العلوم الإنسانية = الفلسفة، الأدب، التاريخ، اللغات، العلوم السياسية، علم الاجتماع، علم النفس، ..الخ! التاريخ البشري، مجهول التفاصيل ومشكوك المعلومات وشحيح البيانات؛ والمستقبل، مجهول الأحداث والنتائج؛ والحاضر، متغير في كل لحظة! اللغة متجددة، واتفاق الأطراف على مدلولات ألفاظها أهم من أصول مدلولات ألفاظها! السياسة متجددة، ولا يمكن جمع خيوطها ولا التحكم والتنبؤ بمعطياتها، وما يُكشف منها لا يتكرر لكي تسمَّى عِلمًا! وبهذا المعنى تكون الأكدمة في مجال الإنسانيات (العلوم الإنسانية)، تعني إخضاع المجهول المتجدد، لمعايير معروفة وثابتة، أو تجارب سابقة لها ظروفها ومعطياتها الخاصة! المجهول المتجدد هنا هي ماهية الإنسان! ولأن الأكدمة تعني التعليم، والتعليم يعني التوجيه والتقليد، لذلك أقول إن الأكدمة تعني استنساخ الأفكار أو توجيه الوعي؛ وهذا يعني إنتاج قيادات بشرية مشوَّهة – مُقلَّدة نسبيًا، .. أي غير طبيعية أو غير طليقة التفكير! إن سلوك الإنسان خاضع لمزاجه، وليس العكس! ومزاج الإنسان خاضع لمعطيات وظروف لا إرادية! إنه ليس الآخرون وحدهم عاجزين عن تقييم الإنسان، بل إن الإنسان ذاته لا يمكنه تقييم ذاته إلا وهو في صميم المواقف! ولعل الأهم والأوضح من ذلك، هو أنه إذا كان الإنسان الفرد لا يتكرر، فإنه لا معنى ولا قيمة لوجود أكاديميات تمنح شهادات (علمية) في المجال المعروف مجازًا بـ"العلوم الإنسانية"! ولا يمكن تبرير وجود هذه الأكاديميات، إلا لاستنساخ الفكر البشري، بُغية الحد من التطور الطبيعي للوعي البشري، والهدف هنا يكون هو السيطرة على الإنسان، بخلق وجود بشري حسب رغبة ورؤية القادرين والقائمين على هذه الأكاديميات أو من يقف خلف الفكرة! وفي الواقع، يمكن تسميتها بأكاديميات حصر الأنماط أو السلوك أو التجارب البشرية السابقة، أو أكاديميات الاحتمالات، أو غيرها، لكن ليس أكاديميات علوم إنسانية، لأن هذه التسمية لا يمكن إلا اتهامها بعدم الأمانة العلمية! إذا كان المفكر أو الفيلسوف، لا يُقبل منه إلا ما هو جديد وغير مكرر، وغير معروف مسبقًا لغيره ولا له هو ذاته، إذن من الذي يكون مؤهلًا لمنحه شهادة مفكر أو فيلسوف، سوى الواقع! .. وكذلك هو الحال مع الأديب والشاعر وكل موهوب، وكل إنسان طبيعي غير مكرر، والواقع أن كل البشر الطبيعيين هم غير مكررين بالضرورة! والأهم مما سبق، هو أن منح شهادة أكاديمية لشخص ما في هذا المجال، معناه نزعها عن الآخرين، وهذا أمر غير واقعي وتعوزه الأمانة والإنصاف..، فلا شك أنه يوجد بين عامة البشر من هم أقدر وأبلغ وأكبر موهبة من هذا الأكاديمي – المحظوظ أو المغشوش أو المدسوس أو المُجنَّد – بعلمه أو بدون علمه! لكن، ربما الأهم من كل ما سبق، هو أن نُدرك ونعترف، بأن الأكاديمي هو إنسان غير حر التفكير، أي أنه غير طبيعي، لأنه خضع لتوجيه فكري – كتحصيل حاصل للبروتوكولات والمناهج التعليمية الأكاديمية، وهو بذلك لا يستحق أكثر من لقب مُقلِّد، فإن كان ماهرًا استحق لقب مُقلِّد بارع، لكن لا شيء أكثر من ذلك! إنه علينا أولاً تصحيح المغالطة المسماة: "علوم إنسانية"، لأنه لا وجود للعِلم هنا، ولتصبح: "تاريخ بشري" أو "أخلاق بشرية" أو "سلوك بشري" أو "صور إنسانية" أو "نماذج بشرية" أو "أمثلة إنسانية" أو "وقائع إنسانية"، أو ما شابه (على افتراض أن إنسان = بشر، أو أن البشر متساوون، وهذا غير دقيق)، لكن المهم أن يعكس الاسم المُسمَّى كما هو في الواقع، لا كما في مخيلة من يُطلقون التسميات ومن يُرددونها دون اعتبار لعدم واقعيتها، ومن يَدرسونها ومن يُدرِّسونها أو من يعتاشون عليها، أو من يقف خلفها! إننا بحاجة فقط للتوقف عن تشويه وعي الإنسان، وحينها لن نكون بحاجة لإهدار الوقت في محاولات غير مجدية لفهم سلوكه، من أجل محاولات لا نهائية لتفسير الظاهرة الإنسانية! يؤخذ على المعتقدات الدينية بصفة عامة، أنها تمنع التفكير وتحد من الحرية ومن التواصل البشري، لكي تبقى هي، حيث لا مكان لها لدى الإنسان، إلا أن تحل محل التفكير والحرية والمعلومة؛ وبذلك كانت المعتقدات سببًا في إحداث اختلافات ثقافية وإعاقات فكرية، حالت دون التجانس البشري من حيث المعتقدات والعادات والأعراف والوعي والإدراك! لكن في الواقع، المعتقدات الدينية عبارة عن جزء من هذا الكل المعروف بالأكدمة! إن وضع قواعد جامدة للغة، وتحديد بحور وضوابط للشِعر، وضوابط لكتابة القصة والرواية، وضوابط للاجتهاد الفقهي، …الخ، هذه كلها أكدمة لا معنى ولا أساس منطقي أو طبيعي لها..، إلا إذا كانت هذه الضوابط والقواعد اللغوية قد وُجِدت كمُعطيات طبيعية كونية ثابتة، سابقة للبشر أو مستقلة عنهم، وليست صناعة بشرية! والواقع، أنها صناعة بشرية – كان يمكن ألا توجد وكان يمكن أن يوجد غيرها -، وقد أوجدتها التلقائية البشرية الحُرة في عصور خلت، وخلت من الأكدمة..، وما هذا سوى مثال بسيط على الهُراء الأكاديمي، وقتله للإبداع وإيقافه لحركة التطور الطبيعي للوعي البشري! مفهوم العلوم الإنسانية، هو من المغالطات الأكاديمية الشائعة، حيث لا يوجد شيء في الواقع والطبيعة اسمه علوم إنسانية، إنما توجد معطيات وظروف وأحداث إنسانية لا تتكرر، ووعي بشري متطور باستمرار، يُنتج تفكيرًا متجددًا، يختلف من فرد لآخر، من مكان لآخر، من زمان لآخر، ومن ظرف لآخر! الأكدمة في مجال الوعي البشري (العلوم الإنسانية)، معناها توجيه وتصنيع الفكر البشري، وليس معناها تعليم البشر! الوجود البشري الطبيعي، يمكن تحقيقه بالاكتفاء بتعلم القراءة والكتابة، ليستعملها الوعي كحاسة إضافية يتميز بها البشر عن غيرهم، وحسب! التعليم الأكاديمي معناه عرقلة الوعي وتوجيه التفكير وتلويث العقول الجديدة بمنتجات قديمة مستهلكة! عربيًا، التركيز على حَرفيَّة اللغة، بما يؤدي إلى تخطئة ونقد الكُتَّاب والناطقين – لغويًا – رغم وضوح المعنى واكتمال الصورة فيما يقولون وما يكتبون..، أدى بهم إلى هجر اللغة، وإنتاج لغات بديلة موازية، وإلى السخرية من قواعد اللغة الأم التي مُنِعوا من تطويرها، ولم تستطع هي منعهم من التطور وتجاوزها بدافع التخلص من عُقدة الأكدمة التي تريد إجبارهم على التوقف، وإضاعة الأعمار المحدودة، في إتقان ما أُنتج في عصور سابقة، بدل التقدم إلى الأمام، وإنتاج ما يواكب العصر، بحيث يكون الأساس هو حصول التواصل والتفاهم والتكامل، وليس التقليد والتنافس والتفاضل! اتفاق غالبية البشر على رفض الأكدمة اللغوية، باستحداث لهجات محلية، هو دليل قاطع على عدم صواب وعدم تلقائية الأكدمة! اللغة هنا مجرد مثال بسيط، فالإنسان لم يهجر اللغة فحسب، بل هو بطبيعته مستعد لهجر أقرب الناس له أو حتى قتلهم، إن هم أعاقوا تطوره الطبيعي، بل هو مستعد لقتل الحياة في جسده، إن هي منعته من التطور وأجبرته على التوقف! إن كل ما هو غير طبيعي، لا يمكنه التواجد بشكل طبيعي، لأن من مسلمات قوة الطبيعة القاهرة أنها ترفض وتقاوم ثم تُدمِّر كل وجود ينحرف عن قوانينها..؛ وجُل البشر الفاعلين اليوم هم صناعة بشرية أكاديمية (رجال دين، سياسيين، مسئولين، مثقفين، إداريين، محللين، مفكرين)، ..أي أنهم غير طبيعيين، ولذلك بات الوجود البشري مُهدَّدًا ومُحارَبًا طبيعيًا، وسيظل مضطربًا فاقدًا للاستقرار، إلى أن يتناغم مع قوانين الطبيعة أو تُدمِّره الطبيعة! هناك فرق كبير جدًا، بين أن تموت وأنت مقتنع بالموت، وبين أن تموت وأنت رافض للموت خائف منه! إن أكدمة الوعي البشري، هي عبث ترفضه الطبيعة، لأن الأكدمة عبارة عن إعاقة للتطور الطبيعي! ولأن التطور الطبيعي أمر حتمي، لذلك فإن منع الوعي البشري من التطور الطبيعي مرحليًا، يؤدي به إلى القفز الفجائي في مراحل لاحقة، لتعويض المراحل الفائتة – التي كان ينبغي أن يقطعها تدريجيًا عبر التطور الطبيعي! ما نشاهده من ظواهر تبدو لنا غريبة، ونعتبرها غير طبيعية، كزواج المثليين، وما يُعرف بالتوحُّد – مثلاً، هي تطور طبيعي عبر القفز الفجائي، وهي كذلك تعبير عن رفض ومحاربة الطبيعة للوجود البشري الأكاديمي – غير الطبيعي، ولعلها بداية لتدميره بواسطة الطبيعة، لأنه حاد عن القواعد الطبيعية للوجود، وذلك بمنعه للتطور الطبيعي التدريجي السلس! إن المبالغة في التعامل مع أي شيء، تدفعه لإظهار وجهه الآخر! المبالغة في تنظيف الطلاء، تؤدي إلى ظهور ما خلفه من خشب أو معدن أو صخر، ما يعني تشويه المشهد بشكل جذري، بما هو أكثر من مجرد الغبار الطبيعي! أزعم أن المبالغة في التواصل والترابط والتعارف الاجتماعي، أدت إلى ظهور التوحد، كوجه آخر للسلوك البشري، وكردة فعل تصحيحية أو تدميرية من الطبيعة! وأجزم بأن المبالغة في المدح النظري الزائف للأخلاق الحميدة والتقديس الافتراضي للحُرمة البشرية، أدت إلى التعري واغتصاب الأطفال والمحارم، كوجه آخر للسلوك البشري، وكردة فعل تصحيحية أو تدميرية من الطبيعة! المبالغة في قولبة الأسرة، وتحميلها مسئولية غير واقعية، وتقديس وتعظيم وتقييد الزواج التقليدي، أدت إلى ظهور زواج المثليين، كوجه آخر للسلوك البشري، وكردة فعل تصحيحية أو تدميرية من الطبيعة! الزواج التقليدي حسب العقيدة المسيحية التي تمنع الطلاق، هو عبارة عن مخالفة صريحة لقوانين الطبيعة في الإنسان، وذلك بإكراهه على التنازل عن العقل والوعي والمنطق، كمهر للزواج (المقدَّس)! الزواج التقليدي حسب العقيدة الإسلامية، هو عبارة عن مخالفة صريحة لقوانين الطبيعة في الإنسان، وذلك بإكراهه على القبول بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، كمقابل للزواج! إن كل ما يُقال وما يُكتب (محاضرات، مؤتمرات، برامج، كتب، مقالات)، في مجال الإنسانيات (العلوم الإنسانية)، هو عبث وتشويه متعمد للفطرة والطبيعة البشرية، أو هو جهل بخصوصية الكائن البشري، ما لم يكن عنوانه يُشير بوضوح إلى أنه مجرد حديث عن معطيات ووقائع بشرية سابقة، لا عن علوم إنسانية!

الثلاثاء، 5 يناير 2021

مَنْ هُم أهل الذِكر ومَنْ الذين لا يعلمون؟

0 تعليق

 

فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ! هذا النص من القرآن، يُستدل به عادة، للإشارة إلى أمورٍ ثلاثة: الأمر الأول: أن المجتهدين والفقهاء والأئمة والخطباء المسلمين، هم أهل الذكر المعنيين في هذا النص، وأنه ينبغي سؤالهم وطاعتهم في أمور الدين ومعاملات البشر! الأمر الثاني: أن مفهوم "الذِكر" – هنا، يُشير إلى القرآن ذاته، أو هو العِلم الذي لا يمكن بدونه فهم القرآن وتفسيره؛ وأنه عِلمٌ لا ينبغي لأحدٍ من الناس، إلا لأولئك الذين يمتلكون قدرات ذهنية فكرية خاصة خارقة، منحها الله لهم ويسر لهم السبيل دون سواهم! وهنا في الحقيقة تبرز مفارقة كبيرة، وهي أنه حتى لو كان الأمر كذلك، فإن الاختلاف الجذري والجوهري بين الفقهاء والمذاهب والطوائف (سلفي، صوفي، إخواني، شيعي، ..الخ)، يستوجب أن يكون الإنسان العادي أفقه من كل الفقهاء، لكي يُحدد أيهم الصائب، أو أيهم المؤيد من عند الله..، فالفقهاء لا يحملون علامات أو براهين تميز المهتدي منهم من الضال – لكي يهتدي بهم الضال العادي..، ولعل هذا هو السبب الذي جعل جُل المسلمين يتجاهلون كل المذاهب عمليًا، وهو ذات السبب الذي جعل بعض المذاهب – كالسلفيين – يضطرون لاستخدام القوة والعنف والإرهاب، لتركيع البشر لمذهبهم لا لله! وهو ذاته الذي جعل الإخوان يسعون للسلطة لابتزاز البشر بُغية تركيعهم لمذهبهم لا لله! فجميعهم لا يحملون آية، ولا يملكون دليلاً ولا حُجَّة تُقنع البشر..، فإذا مُنِح البشر حرية الاختيار والمفاضلة بين المذاهب والطوائف، فستسقط كل المذاهب والطوائف بين عشية وضحاها..، ولذلك انقلبت الآية فأصبحت المذاهب والطوائف هي التي تذهب للبشر، وتفرض عليهم فقهها وأفكار منظريها بالقوة والخداع وباستغلال الحاجة المادية للبشر..، ما أحال المذاهب إلى مشاريع مادية دنيوية ربحية تنافسية، وليست مجال فكري وسبيل روحي لإيصال رسالة إلهية وإخلاء ذمة بشرية! الأمر الثالث: إشارة إلى غالبية المسلمين باعتبارهم لا يعلمون ما يعلمه أهل الذكر، وأن عليهم الاتباع والطاعة العمياء لاجتهادات وفتاوى أهل الذكر – وذلك حتى إذا أفتوا واجتهدوا بما يُخالف العقل والمنطق! .. انتهى. ومما يوجب التوقف ويُثير التساؤل هنا، هو أنه لا وجود لهذه الإشارات الثلاث في النص القرآني – موضع الاستدلال، بالمعنى المستدل لأجله والشائع بين المسلمين..، وأن الفقهاء لا شك يُدركون ذلك، والسؤال هو: لماذا لم يُحدد الفقهاء لعموم المسلمين، التفسير الصحيح والقصد من هذا النص، ولماذا لم يُفتوا بعدم جواز الاستدلال به في غير محله؟ إنه وحتى على افتراض أن فقهاء اليوم أو بعضهم، لا يستدلون بالتفسير الخاطئ لهذا النص، إلا أن هذا التفسير بالأساس لا شك أنه صادر عن فقيه، وينبغي أن يُصححه فقيه مثله..، فالسكوت عليه اليوم لا يختلف عن الإفتاء به أو إشاعته بالأمس! ليس من السهل اتهام كل الفقهاء بابتداع هذا التفسير الخاطئ أو بالتستر عليه، على أساس أن السبب هو عدم وجود صفة رسمية للفقاء، تمنحهم الحق في فرض آرائهم على الناس، وعدم وجود نص آخر يحث الناس أو يأمرهم بطاعة الفقهاء! فمن هم أهل الذِّكر، ومن هم الذين لا يعلمون، بحسب النص، وليس بحسب ما هو شائع ومستعمل في الثقافة العربية، وفي الفقه الإسلامي؟ وما هو الذِّكر؟ وهل من علاقة خاصة بين مفهوم "أهل الذِّكر"، والفقهاء! هنا نص قرآني يقول بأن القرآن مُيسَّر للذِّكر – وليس هو الذِّكر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }القمر17. وهنا نص قرآني آخر يقول، إن القرآن يُحدِث الذِكر وليس هو الذِكر ذاته: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً }طه113 . هنا نص قرآني يقول إن عدم القدرة على فهم القرآن هي عقوبة خاصة بالذين لا يؤمنون بالآخرة، وليس بالعرب أو بالناس أجمعين: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }الإسراء45 . {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} الإسراء46. فإذا كان القرآن غامضاً وفهمه عصياً حتى على العرب المسلمين؛ فما ذنب الأعاجم من غير العرب وغير المسلمين؟ وما السبيل لمن أراد منهم دخول الإسلام؟ أي الطوائف عليه أن يتّبع، وأنّى له أن يختار الطائفة أو الفرقة الناجية؟ أقول.. إن هذا النص القرآني واضح وصريح و يسير غير عسير (… فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ !)، وعلى افتراض صحة السياق الذي يُستعمل له، وأن أهل الذكر هم الفقهاء، فإن المستدلين به يتجاهلون أمرين أساسيين بارزين في هذا النص، وهما: (أ)- إن الخطاب ليس موجهاً لأهل الذكر، حتى يمنعوا غيرهم من تفسير القرآن والتحاور به وحوله! بل إن الخطاب موجه للذين لا يعلمون، فهم المطالبون بالبحث أو السؤال عما يجهلون! إذاً، فالذين يعتقدون بأنهم هم أهل الذكر، ليس من حقهم أن يُقرّروا بأن غيرهم لا يعلمون؛ أي أن الله قد شرّع بهذا النص، أن الإنسان أدرى بنفسه وأحق وأجدر من غيره في أن يُقرّر ما إن كان يعلم أو لا يعلم! فهو مسئولٌ عن ادعائه العلم، كما أنه مُطالبٌ بالسؤال عما يجهل، وهو مسئولٌ عن اختياره لمن يسأل! فالذين لا يعلمون إذاً، هم المسئولون وهم المطالبون بالإعلان عن أنفسهم، والمطالبون بالبحث عن أهل الذكر، وليس العكس! (ب)- إن الخطاب جاء بصيغة التشكيك في حقيقة أنهم لا يعلمون! .. (… إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ !)، أي أن الأمر ليس غامضاً وليس عسيراً عليكم حتى تجهلونه! وفي ذلك إشارة إلى أنه عليهم الإقرار أولاً وربما إثبات أنهم لا يعلمون، ثم إن لهم بعد ذلك أن يسألوا أهل الذكر! وفي هذا التشكيك، إشارة واضحة وقوية على أن الأمر الذي يعلمه أهل الذكر، هو أمرٌ مُتاحٌ في متناول الجميع إن شاءوا معرفته، وأنه ليس علماً خاصاً بأهل الذكر، وأن الذين لا يعلمون ربما كانوا يدّعون عدم العلم وليست حقيقة أنهم لا يعلمون، وإنما ادعوا عدم علمهم بالأمر للتشكيك في صدق الرسول! ( … فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ !) .. أما الأمر الأهم فهو يكمن في خطأ السياق الذي يُستدل فيه بهذا النص، ويتضح ذلك عند قراءة النص كاملاً .. يقول القرآن: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43. {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} الأنبياء7. فلا اختلاف ولا خلاف على أن المقصود بأهل الذكر هنا هم أتباع الديانات والكتب التي سبقت الإسلام والقرآن، كأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وغيرهم من أتباع الديانات والرُسل السابقين، والمقصود بالذين لا يعلمون هم أولئك الذين لم يُصدّقوا الرسول، والذين لم يتقبلوا فكرة أن يكون الرسول بشراً مثلهم! أي أولئك الذين يعتقدون بأن الرُسُل ينبغي أن يكونوا ملائكة، ولا يصح باعتقادهم أن يُخاطب الله بشراً ويبعثه رسولاً! الخطاب إذاً، موجه للمشككين في رسالة الرسول، وليس للمسلمين. وأهل الذكر هم أتباع الرُسُل والكتب والديانات السابقة، وليسوا المسلمين من أتباع محمد . فالخطاب كان في وجود الرسول، حيث لم يكن المسلمون في حاجة لسؤال أحدٍ والرسول بينهم! وموضوع الخطاب محدد، وهو أن بشرية الرسول هو أمرٌ طبيعي لا غرابة فيه، وهو معلوم لدى أتباع الرُسل كلهم! فالنص القرآني واضح الدلالة، فلا يصح الاستدلال به إلا عند مخاطبة المشككين والمكذبين برسالة الرُسُل؛ حيث قال لهم القرآن، إن عليهم أن يسألوا أتباع الديانات السابقة، ليعلموا أن كل الرُسُل السابقين كانوا رجالاً بشراً، ولم يكونوا ملائكة! {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43. فهل يجوز مُخاطبة المسلمين اليوم – المؤمنين برسالة محمد -، بما خاطب به القرآن المكذبين المشككين في رسالته : فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ! ويبقى السبب الحقيقي، والدافع الأساس، والمستفيد الرئيس من وراء قتل المنطق لدى الإنسان العربي باسم العروبة، وشل تفكير المسلم وتعطيل عقله باسم الإسلام، وإقناعه بأن عين الصواب وذروة سنام الإيمان هو أن يُصدّق ما لا يفهمه وما لا يُقنعه، وأن يقول ويفعل ما لا يقبله عقله! يبقى هذا الأمر سراً غامضاً، وخيالاً مُرعباً لمن أراد من العرب والمسلمين فهم الحقيقة .. إلى ما شاء الله ! فالاحتمالات كثيرة، لكن تبقى جذور هذه المأساة خفيّة، وجذوة سؤالها حيّة، والإجابة عليها عصيّة، والبحث عن الحكمة والحقيقة هو لب القضية