face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الجمعة، 4 يونيو 2021

الإنسان والأديان، أسرار ومفارقات (طائفة العَوَام)(٢)




الصّرع هو مجموعة من الاضّطرابات العصبيّة نتيجةً اضّطراب في الإشارات الكهربائيّة في خلايا المُخ وتؤدّي إلى نوبات متكرّرة ، أحد الأساليب التّي تمّ ابتكارها لعلاج الصّرع ، هو فصل الاتّصال-جراحيّاً- بين نصفيّ المخ ( الأيمن و الأيسر ) عبر عمليّة قطع الجّسم الثفني ( Corpus Callosum)‏ تُسمى ؛" فغر الجسم الثفني " و الذي من شأنه ِتَقلِيل النّوبات بشكلٍ كبيرٍ ، لكن المفارقة هنا هو أن قطع الاتصال بين نصفي المُخّ ينتج عنه ما يُمكن وصفه بانقسام الإنسان إلى شخصين مختلفين ، كل" نصف" له شخصيّة منفصلة عن النّصف الآخر ، أظهرت دراسة بعض المرضى أنّ نصفه مُلحد ، و نصفه الآخر مؤمن

فهل يكون الإنسان مؤمنًا وكافرًا في الوقت ذاته؟ وماذا عن الثّواب و العقاب ؟ هل سيدخل نصفه الجنّة و النّصف الآخر سيدخل النّار؟ من هو هذا الإنسان ؛ هل هو نصفه الأيْمن أم نصفه الأيسر 

هل ينوب إنسان عن الإله في الحُكم بكُفر وإيمان إنسان مثله؟ المُعلَن والطبيعي والبديهي في شأن الكفر والإيمان بالإله والرُسُل والأديان، هو أن الأمر خيار للإنسان، وأن الذي يُدرك حقائق الأمور ويُحاسب ويُكافئ هو وحده الإله! وحيث إن الإيمان وفق كل الأديان، يستوجب الاعتقاد بأنه لا أحد ينوب عن أحد في الحساب والجزاء، إذن لا أحد ينوب عن أحد في الكفر والإيمان! لكن مأساة الإنسان في عُرف المؤمنين والأديان (خاصة لدى المسلمين)، تتجاوز إنكار ورفض حقه في حرية العقيدة وخياره بين الكفر والإيمان، والتحايل على النصوص الصريحة في هذا الشأن، لتبلغ غاية في الغرابة..، إذ تجد أحدهم يعتقد ويرى نفسه ويُعلن ويقول عن نفسه بنفسه بأنه مؤمن، وتجد من الآخرين مَنْ يراه كافرًا، ولا يكتفي بتكفيره، بل ويحكم بقتله..، وكأن بعض البشر مؤهلين ومكلفين ومزودين بأجهزة وآليات ملائكية لقياس وتقييم وتحديد إيمان الآخرين من كفرهم، ومنهم مَنْ جعلوا من أنفسهم خزنة للنار في الدنيا! فإذا اختلف إنسان معهم على أمر فقهي استنباطي عقلي – لا يمكن الفصل فيه..، تراهم يحكمون بكفر مَنْ خالفهم، رغم أنه يعلن إيمانه..، وكأن تعريف الكفر هو مخالفة البشر للبشر، أو مخالفة الضعفاء للأقوياء .. وكأن ليس الإنسان هو الأعلم بنفسه وقلبه – ما إن كان مؤمنًا أم كافرًا! هذه المفارقة، تكشف عن حقيقة هي على درجة من الخطورة، وهي اعتقاد بعض المؤمنين بأنهم مُلَّاكٌ للدين دون غيرهم، وأن بقية المؤمنين ليسوا رعايا عندهم فحسب، بل وعبيد لديهم!
طائفةُ العَـوَام ومَذاهبُ الخَوَاص.. العوام هي صفة تُطلقُ على عامة الناس، ونقيضها صفة الخواص أو الخاصة وتُطلق على النُخبة أو عِليةِ القوم! مِن مرادفات صِفةِ العوام.. الغوغاء، الدَهماء، الهمج، الرعاع، السُوَقَة، البُسطاء، ورجل الشارع…، وكلها صِفات تدل على جَهالة وبساطة وسذاجة أو فوضوية ولا انضباطية وعبثية سلوك الموصوف بها؛ وهي صِفات ترتبط عادةً أو هي نتيجة لتدنِّي المستوى المعرفي والتعليمي والمعيشي للإنسان! في لغة السياسة والعِلم، تُستعمل صفة رجل الشارع للإشارة إلى العوام، ولعلها أكثر هذه الألفاظ أدبًا مع الإنسان واحترامًا له، إذ أنها تُشير إلى الإنسان أو المواطن الذي يدفع فاتورة أخطاء السياسة أو العِلم أو يجني ثمار رُشدِها وهو لا يفقهها ولا يعمل بها! فصِفة رجل الشارع هي بمثابة تَبرئة للإنسان من المسئولية عن السلبيات المُصاحبة للعِلم وعن أخطاء الساسة والسياسة! في ساحة الأدب والثقافة والدِين، تُستعمل بقية الألفاظ، وكلها تحط من قدر الإنسان، وتحمله المسئولية عن جهله وضعفه! طائفة العوام.. العوام هم أتباع طائفة واحدة وإنْ تعددت واختلفت أديانهم..، وهي أكبر الطوائف البشرية على الإطلاق، وهي القاسم أو الخلل المشترك بين كل الأديان، وتضم ما يزيد عن 95% من أتباع كل دين..، عقيدة أتباع طائفة العوام الدينيين.. الواحد من أتباع طائفة العوام، هو كل إنسان يعتقد أو أُجبِرَ على الاعتقاد بأنه مُكلَّف برسالةٍ ربانية إلهية سماوية، وأنه غير مؤهل لفهمها، وأنه مسئولٌ ومُحاسبٌ ومُعاقبٌ عن عدم فهمه وأدائه لها، وأنه – ولهذا السبب – هو محتاجٌ إلى وسيط بشري كاهن، فقيه، شيخ، …الخ-، يُحدِّد له ماذا يريد الإله منه؛ ويعتقد العامي بأن الوسيط لن ينوب عنه في الحساب والمسئولية رغم أنه قد ناب عنه في فهم الرسالة وتحديث قائمة واجباتها ومُحرَّماتها، فبات على العامي أن يعتقد بأنه هو مَنْ سيُحاسَبُ إذا أخطأ الوسيط؛ ويَعتقد العامي بأن حسابه سيكون بدقة متناهية، وأنه قد يُعذَّبُ أشد العذاب وقد يخلد فيه مُهانا، إذا أخفق في فهم وأداء الرسالة التي لا يمكنه فهمها، والتي قد يكون إخفاقه فيها بسبب خطأ الوسيط أو خطأ في اختيار الوسيط – الذي لا يحمل تخويلًا إلهيًا ولا يوجد مقياس معياري يُقاس به صوابه من خطئه، ولا يوجد بديلٌ ولا مناصٌ من إتِّباعه. ويعتقد العامي بأنه إذا نجح في أداء الرسالة فإنه سيُكافأ بجنة الأحلام – مقابل طاعته للوسيط البشري لا للإله – باعتبار أنه لم يفقه مُراد الإله إلا بفضل الوسيط ؛ ويعتقد بأنه غير مؤهل للمقارنة والتفضيل بين الوُسطاء الإلهيين، ومع ذلك فهو المسئول إذا اتَّبع الوسيط الخطأ. ورغم أن العامي لا يمتلك آلية اختيار الوسيط، إلا أنه مُجبَرٌ على الاعتقاد بأن عدم طاعته للوسيط الذي تأتي به الصُدفة، هو بمثابة عصيان مباشر للإله، وأن إتِّباعه للوسيط الخطأ هو كذلك عصيان مباشر للإله! ويعتقد بأن الصُدفة التي أوجدته بهذا المجتمع دون سواه، تلك الصُدفة التي جعلت من هذا الشيخ وهذه الطائفة وهذا المذهب دِينًا للعامي وسبيلًا له، هذه الصُدفة هي الحق المبين؛ ويعتقد بأن الصُدفة الأخرى- توأم الصدفة الأولى- والتي أوجدت غيره في مجتمعٍ آخر وطائفة أو دِينٍ آخر ومذهبٍ وشيخٍ آخر، تلك الصُدفة هي الضلال المبين؛ ويعتقد بأن الإله قد أراد به الخير وهداه قبل أن يُولد.. إذ أوجده حيث ينبغي أن يوجد المُهتدون كي يُدخله الجَنَّة؛ ويعتقد العامي بأن ذات الإله قد أراد بالآخرين شرًا، فأضلَّهم قبل أن يولدوا.. إذ أوجدهم حيث ينبغي أن يوجد الضالون كي يُعذِّبهم! ويعتقد العامي بأن إتِّباعه وطاعته للشيوخ والأهل الذين وَجَدَ نفسه بينهم ولم يخترهم، هو واجبٌ عليه وحُجَّة له، بينما ذات الأمر لا ينبغي لغيره من أتباع الطوائف والمذاهب الأخرى، فإن أطاعوا شيوخهم وأهلهم فذلك حُجَّةً عليهم لا لهم! ويعتقد بأن هذه المغالطات المفضوحة التي يسخر منها المجانين فضلًا عن العُقلاء..، يعتقد بأنها أساس القضاء الإلهي وأنها منتهى العدل والإنصاف والكرم؛ فكل من كانت هذه حاله وهذه عقيدته فهو من أتباع طائفة العوام!
مذاهب الخواص الدينيين .. بعد أن استعمل الخواص غِربال الفقه لفصل العوام وتمييز الخواص عنهم، واتفقوا وأجازوا لأنفسهم القول بأن العوام هُم بشر لا يفقهون، وأنهم رغم ذلك محاسبون ومعاقبون ومكلفون برسالة لا يمكنهم فهمها، وأن ذلك لا يتناقض مع العدل الإلهي – بحسب شرائع وتعاليم الأديان..، بعد أن خَلُص الخواص من أمر تصنيف العوام، التفتوا إلى بعضهم فوجدوا ذات المعضلة ماثلة بينهم، وهي المعضلة التي أوجدت أو أفرزت أو ولَّدت مصطلح العَوَام، وهي معضلة الرفض الفطري لدى الإنسان العاقل للتنازل عن هويته، ورفضه استبدالها بالانقياد والانصياع والخضوع غير المشروط لغيره، وهو الأمر الذي استطاع الخاصة إلزام العوام به باستعمال عصا النار وجزرة الجنة! عندما احتدم الاختلاف والخلاف بين الخواص ووصل الأمر إلى حد التناقض الذي لا يمكن أن يمرر حتى على العوام رغم جهلهم وجبنهم ورعبهم، فهو تناقض مكشوف لا يمكن أن يوصِل إلى ذات النتيجة مع ذات الإله..، وعندما بدأ الخاصة بتصنيف بعضهم، فوصف كل طرف الطرف الآخر بأن مكانه بين العَوَام، ونزعوا عن بعضهم الحق في صِفة ومكانة الخاصة..، عندها خشي الخاصة من افتضاح أمرهم أمام العوام، وأدركوا أن ذلك سيؤدي إلى تمرد العوام – باعتبار أنه قد تبيَّن أن لا أحد يمتلك الحقيقة -، وإلا لكان الخاصة أولى بالاتفاق أو إقناع بعضهم – إذا كانت الرسالة واحدة وكلهم مهيئون لفهمها-، فالخاصة يُفترض فيهم أن يكونوا مُدرِكين قبل أو دون غيرهم لمعنى الاختلاف حول أمرٍ محدد تستوجب الحقيقة والمصلحة أن يجتمع حوله ويلتزم به الجميع؛ وباعتبار أن الخاصة يدَّعون بأنهم مؤهلون لفهم الرسالة الإلهية - حسب الفقه والشرائع والتعاليم الدينية ..، عند هذا الحد تدارك الخاصة أمرهم- معتمدين ومتسلحين بجهل العوام الذي كانوا قد أقنعوهم به مسبقًا والذي كان سببًا في تسميتهم بالغوغاء، وكان مبررًا لإقصائهم من المشاركة في محاولة الفهم والتحليل والإفتاء- رغم اختلاف الخاصة..، ولإنقاذ الموقف وحِفظ ماء وجه الخواص أمام العوام، تدخلت الثقافة البشرية وابتدعت نظرية المذاهب، فأصبح – وبموجب نظرية مذاهب الخواص-، يحق للخاصة الاختلاف الكامل والفاضح حول الأمر الواحد، ولا يحق للعوام الاعتراض أو مجرد التساؤل..، بل إن كل ما بقي متاحًا أمام طائفة العوام، هو أن يتوزع أفرادها بين مذاهب الخواص المتناقضة لتحقيق النصاب لها، وأن يُمنِّي كل فريق نفسه بأنه الفرقة الناجية! وعلى اعتبار أن الصُدفة ولا شيء غير الصُدفة هي مقياس العوام لإتِّباع الخواص، وحيث إن المصانع العشوائية العمياء التي تُنتج العوام لا تتوقف عن الإنتاج، وحيث إن أعداد العوام أضعاف أعداد الخواص – بسبب الشروط التعجيزية التي ابتكرها وابتدعها الخاصة على مقاسهم، والتي من بينها حث الفقراء والبؤساء على التكاثر وإنجاب المزيد من التُعساء - كي لا يُزاحمهم العوام على الخصائص التي تُمكِّنهم من قيادة البشر وحصد المزايا الحياتية..، وكي يحصل كل مذهبٍ على النصاب من العوام ..، لذلك أصبح – بعد أن لم يكن – اختلاف مذاهب الخواص شرعيًا، واختلاف العوام لعنة تُطاردهم، فيعبدون الإله وفق مذاهب الخواص المختلفة المتناقضة، ويفعلون ما يؤمرون ولا أحد يكفل لهم النتيجة! لقد اختلفت الأديان أيما اختلاف، واختلف وتصارع أتباع الدين الواحد، وأتباع الطائفة الواحدة، وكفَّر بعضهم بعضًا، إلى الحدِّ الذي بات معه الجزم بأحد أمرين ليس ممكنًا فحسب، بل بات أمرًا بديهيًا ظاهرًا ومُلِحَّا لكل حُرٍّ ذي عقل ..، فإما أنَّ كل الأديان ليست من عند الإله وإنما هي أوهام أو هي فلسفات بشرية تمت نسبتها إلى الغيب بقصد تسويقها..، أو أنَّ كل دين وكل قوم لهم إلههم الذي خاطبهم وخصَّهم بالهداية دون غيرهم، أي ليست كل الأديان من عند ذات الإله!

عُلماء غيب .. عندما يوصف الفُقهاء والكهنة بأنهم علماء، فإنه لا معنى ولا مجال لهذا الوصف إلا إذا كان المقصود أنهم علماء غيب، وحينها يكون تصديقهم وطاعتهم وإتِّباعهم هي أمور طوعية شخصية عاطفية أو تعاطفية، لا تستند إلى برهان ولا تُلزِم الجميع ..، فالغيب هو المجال الذي يمكن لكل مَنْ شاء أن يقول فيه وعنه ما يشاء، فهو المجال الذي لا يمكن إدراك أو إثبات نتائجه ولا يمكن التحقق من صحة أقوال العاملين فيه ولا حاجة لإضاعة الوقت وبذل الجُهد لإقناع الواهم بأنه واهم ..، وهذا هو حال الفقهاء والكُهان، إذ لا يمكن التحقق من صحة ما يقولون وما يعتقدون ويتخيلون، وعليه فإنه لا معنى لالتزام الآخرين بأحلامهم وتخيلاتهم! أما وصفهم بأنهم علماء وحسب أو علماء دِين، فإن في ذلك مغالطة مفضوحة وربما تدليس متعمد ..، فقد ارتبط مفهوم العِلم والعُلماء في أذهان الناس بالحقيقة، حيث إن نتائج العِلم الحقيقي لا تتضارب وأقوال وقناعات العُلماء الحقيقيين لا تتناقض..، ولذلك فإنه ما أن يُقال بأن هذا الأمر أو هذه المعلومة قد قال بها عالِم، حتى يُبادر الناس إلى تصديقها، لعلمهم أنه لو لم تكن حقيقة لتصدى لها علماء آخرون ودحضوها قبل أن يسمع بها العامة، فالعالِم الحقيقي لا يُخاطب العامة أساساً ولا يَحفل بانبهار البُسطاء، وليست له غاية إلا إثبات صِحة نظرية ما أو خطئها، ولا ينتهي اختلاف العُلماء الحقيقيين إلا بالاتفاق والإذعان للحقيقة..، فأين فقهاء الأديان من ذلك حتى يُوصفوا بالعُلماء ويوصف مجالهم بالعِلم..، هيهات أن يبلغ الفقه الديني هذه الدقة أو يخضع لهذه المعايير الصارمة ..، إذ أن الفقهاء والكُهان لا يترددون في رمي بعضهم بالكذب والتدليس والجهل متى تعارضت آراؤهم وتصوراتهم وأهدافهم، والواقع يثبت أنه لا أحد منهم يُدرك شيئًا عن الحقيقة التي يتحدثون باسمها..، وكل ما يمتلكونه هو بساطة البشر وذعرهم من المجهول وعاطفتهم التي هي مصدر ضعفهم وهلاكهم!

خصوصية وهمية وعامية افتراضية… لا خلاف اليوم على أن البشر أُممٌ متعددة مختلفة، بغض النظر عن اتحادهم في الأصل من عدمه..، فالاختلافات البُنيوية والمقدرات والمواهب والهوايات، والميول والرغبات الفطرية، والمؤثرات الخارجية البيئية..، هي عوامل كفيلة بخلق اختلافات لا يمكن تجاهل نتائجها، رغم تجاهل البشر أو جهلهم بالاختلافات ذاتها! فالبشر أُمم مختلفة شأنهم شأن أُمم الطير والأسماك وغيرها، فليست الطيور أُمةً واحدة، بل هي أُممٌ يأكل بعضها بعضًا، وكذلك الأسماك وكل الكائنات، وكذلك البشر ..، لكن الخلاف هو حول مواصفات الأمم البشرية، فالتشابه أو شبه التطابق الخادع الذي يظهر على البشر، جعلهم يبحثون عن معايير خارجية لتحديد وتمييز الأمم البشرية عن بعضها..، فاستعملوا الأوطان واللغات والأديان والثقافات وغيرها كمعايير لتحديد أُمة الإنسان، متجاهلين أن هذه ليست معايير بل هي أقنعة زائفة يمكن بل ويجري ارتداؤها وخلعها وتركها أو تغييرها واستبدالها في كل وقت..، وأن المعيار الحقيقي لتحديد أُمَّة الإنسان هو معدن الإنسان الذي يُحدد هويته الذاتية ويطبع شخصيته، تلك البصمة التي لا يمكن تغييرها ولا تقليدها..، فالكاذب يبقى كاذبًا حتى لو ألبسوه أثواب وعمائم ولِحى الأديان كلها..، ويبقى الصادق صادقًا حتى لو لم يعتنق أو لم يسمع عن الأديان كلها، وكذلك الذكي والغبي والمخادع الأمين وغيرهم! إن تمييز البشر وتقسيمهم إلى خاصة وعامة في مجال الدين الذي هو مجال عام وليس مجال خاص، ما هو إلا جهل أو وهمٌ أو هو كذبٌ صريح! فالعامِّي في أي مجال هو الدخيل على ذلك المجال والذي هو ليس مُلزمًا بفهمه وتصديقه والعمل به..، أما المجال الذي لا مناص للإنسان من الالتزام بقوانينه والعمل بتعاليمه، فإنه من المغالطة والافتراء أن يوصف الإنسان بأنه عامِّي نسبة له! إن العوام بالمقياس العلمي، هم الدُخلاء على العِلم، والذين هم خارج مجال ذلك العِلم والجاهلين به، والذين هم ليسوا مُلزمين بنتائجه وقوانينه، والذين لا تُعيرهم تسميتهم بالعوام نسبة له، حيث إن لكل منهم مجاله المختلف الذي يجد فيه نفسه ويُحقق فيه ذاته ويُثبت وجوده! وكذلك العوام بمقياس السياسة، فهم كل العاملين خارج حقل السياسة، والجاهلين بشئونها وتاريخها، إلا أنَّ الاختلاف عن العِلم هو أن عوام السياسة مُلزمون بنتائجها وقوانينها بمعادلة الحاكم والمحكوم والقوي والضعيف، وليس بمعادلة الواجب أو القناعات والرغبة! قد يكتنف السياسة غموضٌ من حيث دقة البيانات والتفاصيل، لكن حروبها وعداواتها وعلاقاتها لا تكون إلا مع طرفٍ آخر معلوم للخاص والعام ..، ولعله من الأهمية بمكان أن نذكر هنا أن الساسة هم عوام في مجال العِلم، وأن العُلماء الحقيقيون قد يكونون عَوَامّاً في مجال السياسة..، أما في مجال الأديان، فإن العداوة والحرب قائمة على أَشُدِّها مقابل طرفٍ افتراضي وهمي اسمه الشيطان..، والعلاقات متينة مع جهات غيبية لم يُسمع لها صوت ولم تَستجب يومًا لدُعاء! وبالنتيجة فإنه لا معنى لصفةِ الخاص والعام في مجالٍ عام يتساوى الجميع في الجهل بنتائجه! …

 أنصار الحقِّ المُتحايلون، وإنسان الأحلام.. بحسب تعليمات مُشرِّعيها ومُفتييها وكهنتها، فقد كلفت الأديان الإنسان بما لا يُفهم ولا يُعقل ولا يُستطاع، وذلك تحت تهديد النار وإغراء الجَنَّة..، فخَلَقَت بذلك بشرًا يحملون بأذهانهم إنسانًا افتراضيًا هُلاميًا يمتثل لتعاليم الأديان تصوُّرًا وتخيُّلًا..، بينما في الواقع هم بشرٌ عاديون لا يستطيعون فعل المستحيل الذي تأمر به الأديان والذي تعهدوا بفعله، فكانت أخلاقهم خوفًا وطمعًا وليست إيمانًا ولا اقتناعًا بالأخلاق لذاتها ولأهميتها! فأصبحوا يعتقدون ما لا يفقهون ويفعلون ما يرفضون وينتظرون تحقق المستحيل ليفعلوا ما يعتقدون، واضطروا تحت ضغط الحاجة أحيانًا وبسبب الغُبن أحيانًا كثيرة، أن يُلبِسوا الأوهام والأحلام ثوب الفتاوى، فكلما ضاق بهم الحال برروا لأنفسهم ولأتباعهم ما يُحرِّمون على سواهم، فتجدهم يعتقدون بأن المُلك بيد الإله يؤتيه من يشاء وكذلك الرزق، وفي ذات الوقت يُشَرِّعون لأنفسهم ولأتباعهم الخِداع والكذب والتلاعب بالألفاظ وكتمان الحقائق وسَرِقة ونهب مال الدولة والمجتمع، بحُجَّة أن الدولة ليست عادلة..، ويفعلون الشيء ذاته في المجتمعات العادلة بحُجَّة أنها لا تقيم شرع الإله..، وكأنهم ليسوا مُطالبين بالصدق والأمانة والاستقامة إلا إذا توفرت لهم الجنة على الأرض..، ولا معنى ولا قيمة لإيمانهم بأنهم في دار امتحان! وفي محاولة لتجاوز الحق باسم الحق، فقد وضعوا نظرية أسموها قاعدة شرعية وكأنهم مخولون بوضع الشرائع المنسوبة للإله، وربما أفرغت هذه القاعدة معتقداتهم من مضمونها، إذ أفتوا بأن الضرورات تُبيح المحظورات..، والواقع أنه لا محظورة إلا ولها ضرورة تُبيحها! ولكن، تلافيًا للخطأ أو في الحقيقة إمعانًا فيه، جعلوا تحديد الضرورة من اختصاص الخاصة، وكأن عموم الناس لا يعرفون ما هي ضروراتهم، وكأن قدر العوام أن تكون عورات حياتهم مكشوفة أمام الخاصة، فإذا أراد العامي معرفة ضرورة أمره من عدمها، فإن عليه أن يكشف كل أوراقه ويُفشي أسرار حياته وأسرته أمام الخاصة كي يجدوا له الفتوى ويُحدِّدوا له مدى احتياجه بهذا الأمر من عدمه..، وكأن المفتي مَلكٌ كريمٌ معصومٌ ومكلَّفٌ أو مُباحٌ له الإطلاع على أسرار وخصوصيات الناس! إن للواقع إرادته التي تعمل وفق المنطق والحقيقة والموضوعية، فلا يعترف الواقع ومتطلبات الحياة بتعاليم الأديان ولا يعتد بأمزجة وتكهنات واختلافات وتعليمات رجالات الأديان..،


 . - المُلحدون.. لا شك أنَّ الدِين هو المسئول عن جُلِّ الخلافات والاختلافات البشرية، ومنها ظهور ما يُعرفُ بالملحدين أو المُشككين في وجود الإله..، فكل رسول وكل دِينٍ من الأديان قد أصبغ على إلهه مواصفات معينة، ثم أمر الناس باسم ذلك الإله بأوامر لا تتوافق مع مواصفات الإله..، فكان السؤال وكان العجز عن الجواب فكان التشكيك ومن ثم كان الإلحاد! ولذلك فإن التشكيك والإلحاد هما مُوَجَّهان بالأساس إلى آلهة الأديان ذات المواصفات البشرية المتناقضة، وليسا موجهين إلى الإله الحقيقي المطلق الذي لا يعلم البشر عنه شيئًا، والذي تتساوى أمام قدرته جميع مخلوقاته، فلا يختلف البشر عن بعضهم ولا يختلفون عن غيرهم من المخلوقات قياسًا له!

 - المُشركون..1 أما ما يُسمَّى بالمشركين، فإنه لا وجود لهم بالمعنى المتداول بين الناس – لاسيما بين المسلمين-، حيث يتصور المسلمون بأن المشركين هم أُناس عُقلاء يعلمون بأن الإله واحد لكنهم لا يُقرُّون له بالوحدانية..، وهذا بالطبع وهم أو هو محض افتراء وخداع للبُسطاء يُكذِّبه الواقعُ قبل العقل والمنطق، إذ لا وجود بين البشر لمثل هؤلاء الحمقى، وإن وُجِدوا يكون قد رُفِع عنهم القلم حتمًا..، لكن الصحيح والثابت أنه لا وجود لهم إلا في مُخيلة الأغبياء والغافلين وعلى ألسنة الدُعاة الواهمين والمُخادعين، فليس الحديث عن المشركين إلا من قبيل الخِداع ومحاولة إيهام المُخَاطَبين بأنهم وحدهم قد نالوا رضا الإله عنهم، وأن عدم شِركِهم بالإله يدل على عقلانيتهم واستقامتهم، وأن ذلك إنجاز لهم ومكسب عظيم خير من الدنيا وما فيها..، والحقيقة أنه لا شيء من ذلك مُطلقًا ولا قيمة ولا نتيجة لما يفعله الحمقى سوى ما يجنيه المخادعون من استعبادهم للمغفلين والسُذَّج والضعفاء والواهمين..، ذلك أنهم استغفلوهم فباتوا يُنفِّذون ما يأمرونهم به وينتظرون تمييزًا لهم وجزاءً عظيمًا عند الإله دون غيرهم، بينما هم في الحقيقة لم يفعلوا سوى ما يفعله كل البشر، فلم يفعلوا شيئًا يستحقون به ما يُميِّزهم عند الإله ولا يستطيع كل البشر فعل شيء من ذاك القبيل والحجم..، وليس الاعتقاد بأن الإنسان يستطيع أن يفعل ما يُرضي الإله أو يُغضبه إلا طعنًا صريحًا في كمال الإله، وتضخيمًا لقيمة الإنسان في مقابل قيمة الإله.. وكأن الإنسان كائن يقع خارج الإرادة والمشيئة الإلهية، أو كأن الإله يُعاقب ذاته، فيخلق الإنسان ويُبرمجه على عصيانه ثم يُعاقبه على تنفيذه لبرنامج هو من صنعه وألزمه به! - المُشركون .. 2 أما إذا كان المقصود بالشرك هو مُخاطبة الإنسان للإله أو عبادته له بواسطة مخلوقاته وليس مباشرة، إذا كان هذا هو المقصود بالشرك إذن يكون المؤمنون بالأديان هم وحدهم المشركين على الأرض دون غيرهم..، ذلك أنهم لم يعرفوا الإله ولم يُخاطبوه ولم يعبدوه أصلًا إلا بواسطة الرُسُل..، ثم إن كل المؤمنين بعد الرُسُل وإلى اليوم، هم لا يعبدون الإله ولا يفعلون ولا يتركون شيئًا يرتبط بعلاقتهم بالإله إلا بواسطة وعبر ومن خلال وبمساعدة وبموافقة وبمباركة الكهنة والمشايخ والفقهاء..، فهل للشركِ معنىً آخر! - المُشركون والمُلحدون والمشككون في وجود الإله.. ليست هذه الأفكار والرؤى والمُسمَّيات سوى ردة فعلٍ طبيعية من عاقل يحترم عقله، على نظرياتٍ خاطبته وتجاهلت عقله! فلا توجد طوائف ولا مذاهب بين قُطعان الأغنام والماشية وأسراب الطيور، وبالمقابل لن تجد كتابًا أو مقالًا يحمل توقيع سمكةٍ أو قُنفذ ينتقد الأديان أو يُسائلها..، فلا يفعل ذلك سوى الإنسان، ولم يفعل ذلك إلا دفاعًا عن هويته التي أرادت الأديان طمسها وإعادة تشكيلها بما يتوافق مع رؤى رجالاتها! إنَّ التناقضات التي تمتلئ بها كُتُب الأديان حول وصف الإله.. رحيم وفي ذات الوقت منتقم ( شديد العقاب)، بكل شيء عليم وفي ذات الوقت سيسأل الإنسان ويحاسبه بالميزان، وأنَّ أعضاء الإنسان ستشهد عليه – وكأن الإنسان شيء آخر غير أعضائه، وكأن الذي سيُعذَّبُ شيء آخر غير الأعضاء، وكأن الإله بحاجةٍ لشهادة الأرجل والأيادي، وكأن…الخ، وإنَّ اختصاص الأديان بمخاطبة العاقل وإلزامها له بتعاليم وطقوس وتشريعات لا يفهمها ولا يقبلها العقل، وخلو كُتُب الأديان من أي برهان أو آية أو سبيل لإثبات صحتها…الخ، وجود هذه التناقضات ونسبتها للإله، هو الذي أوجد التساؤلات عن كُنه الإله وعن حقيقة وجوده وأحاديته! فلو لم تكن هناك الأديان لكانت ربما رؤية الإنسان للإله اليوم لا تقوم إلا على إحدى وجهتي نظر لا أكثر..، - إما اعتقاد بوجوده كقوة منطقية خَفيَّة، تُسيِّر الكون وتَحكم سلوك الموجودات، وأنَّه ربما لها غاية لا تُدركها المخلوقات، وأنها أكبر وأعظم وأعقد من أن تَغضَبَ أو تَرضى بما تفعله مخلوقاتها الضعيفة..، - أو يكون تَعَادُلٌ في المُعطيات وتضادٌ في الأفكار.. يُترجم إلى الشعور والقول بـ لا أدري! فليس الخوض في شأن الإله إنكارًا أو تشكيكًا سوى ردة فعل على مَنْ ادَّعى معرفته بالإله ولم يستطع إثبات ادِّعائه، واكتفى بالتهديد والترهيب والترغيب باسمه! 

. قانون الإنصاف الطبيعي.. لماذا يؤمن أتباع الأديان بأن دعوة المظلوم مُستجابة ولو كان كافرًا؟ ولماذا يؤمنون بأن الإله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويهزم الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة؟ وكيف يعتقدون بأن أعمال الإنسان لا تُحسبُ له إذا لم يكن مؤمنًا بدينهم..، وفي ذات الوقت يعتقدون بأن الإله يقتص للكافر وينصره إذا كان مظلومًا! الحقيقة أنه لم يجد أتباع الأديان بُدّاً من الإقرار بوجود معادلة وآلية منطقية تحكم الكون وتفرض العدل، ولا تخضع لتعاليم أديانهم، ورغم ذلك تَغلُبُ عليهم أنانيتهم فيتجاهلون واقعًا يرونه وحقائق يؤمنون بها، فيتمنى ويُحاول كل فريق منهم أن يُثبت أن العدل والحقَّ دائمًا حيث هو وحيثما تحققت مصالحه ورؤاه، وأن يكون الظُلم والخسران حيث يوجد الآخرون..، وما ذلك إلا بسبب جهل وضعف البشر الذي يدعوهم إلى تضخيم الأنا على حساب الحقيقة! 

 هل ينبغي الطعن في الإيمان والأديان، والدعوة إلى الكفر والإلحاد؟ الإجابة، كلا! فليس الطعن في الإيمان والأديان، ولا الدعوة للكفر بها والإلحاد، من شأن العُقلاء..، ولا تختلف عن ذلك الدعوة إلى الأديان والإيمان والتعصُّب إلى المعتقد دون دليل وبرهان! إن الأهم من هذا كله هو الدعوة والبحث عن الحقيقة، من أجل أن يعيش الإنسان الحقيقة، من أجل أن يكون الإنسان حقيقي ويتعامل مع إنسان حقيقي! إن ما يعني الإنسان من الإنسان هو سلوكه وممارساته معه – خاصة تلك التي تؤذيه دون مبرر..، وليس إيمانه أو إلحاده، التي هي شئون خاصة تخضع لقناعات وثقافات وحتى اعتبارات شخصية! وهنا حقيقة لا ينبغي ولا يمكن للصادقين إخفاءها، وهي أن المعاملات والأخلاق بين مَنْ لا يعرفون ديانات بعضهم، بما في ذلك التعامل مع الملحدين، هو التعامل الحقيقي مع الإنسان الطبيعي الحاضر الموجود والذي يُعبِّر عن ذاته وقناعاته – بغض النظر عن صحة اعتقاده من عدمها! بينما التعامل مع المؤمنين المُلزمين بتجاوز العقل وتجاهل التفاعل مع الواقع، والمجبرين على استعمال نظرية الاعتقاد المسبق عن الآخرين، والذين هم بالضرورة لا يرون البشر إلا من خلال اعتقاداتهم هم، هو تعامل مع إنسان غير طبيعي، إنسان يستمد سلوكه ويستورد قناعاته من خارجه، فلا يعني له صِدق الآخرين وأمانتهم معه شيئًا، فهو يراهم من خلال قناعات آخرين! إنها حقيقة لا ينبغي تجاهلها، ذلك أن المؤمن تقليدًا وخوفًا وطمعًا، هو إنسان مشوه وغير سَوي..، وبغض النظر عما هو الحل وما هو البديل، فإن هذه حقيقة مُعاشة لا يغفلها ولا يجهلها إلا جاهلٌ أو كاذبٌ أو واهم أو مُتعصب ومُقَلِّدٌ أعمى! ونقول لأولئك الذين يعتبرون أن أدنى تساؤل حول المعتقدات أو محاولة إصلاحها هو بمثابة تشكيك بها، وأنهم لا يقبلون التشكيك فيما بين أيديهم، إلا في وجود البديل الجاهز! نقول لهم..، إن غياب الطريق البديل، لا يُبرر السير في طريقٍ ثَبُتَ خطؤه أو يعوزه الدليل! ليس العاقل بالذي يطلب اطمئنانًا أساسه التجاهل والتغابي! فإذا رأى الإنسان أن ضعفه المعرفي وعدم تخصصه، هو سبب يجعله يضع ثقته وأمله في المتخصصين..، فإن عليه أن يتذكر بأن المتخصصين كُثُرٌ وأنهم ليسوا متفقين، ولا يمكن لغير المتخصص أن يطعن في مقدرة وحرص بعضهم لصالح البعض الآخر! إن الذين يُحاولون إقناعك بصحة هذا الدين وهذا المذهب وهذه الطائفة على حساب غيرها، هم بشرٌ عاديون لا يختلفون قيد أُنملةٍ عن الآخرين الذين يطعنون في صحة ذات الدين وذات المذهب وذات الطائفة..، ليبقى القرار لك والمسئولية على عاتقك! إنه ليس ثمة خطأ يوازي الجزم بصحة ما لا دليل على صحته! فإن كان السير في هذا الطريق سببه غياب البديل وليس وجود ووضوح الدليل، فإن ذلك لا يُلغي حق المسافر في التساؤل، ولا يُسقط عنه واجب السؤال ومسئولية البحث! إن ضعف الحُجَّة لدى المتخصصين يبرز من خلال تحذيرهم لأتباعهم من الإطلاع على ما لدى خصومهم! إن الواثق من سلامة منهجه وقوة حُجَّته، هو الذي يدعو أتباعه للإطلاع على حُجج خصومه، وليس الذي يدَّعي الصواب ويحتكر المعلومة ويُهدد ويُحذِّر من الإطلاع والسؤال! إن كُلَّ دُعاة الأديان والطوائف والمذاهب يدَّعون امتلاك الحقيقة، فإذا اعتقدت أن بعضهم يريد بك خيرًا وبعضهم يُريد بك شرًا، فتذكر أنهم جميعًا يدعون أهلهم وأبناءهم وأصدقاءهم إلى ذات الأمر الذي يدعونك له! فإن قُلتَ لعل بعضهم واهمون فإنك لا تدري أيهم الوهمين! إن مَنْ كانت حُجَّته الحِرص والثقة في المتخصصين، لا ينبغي أن يتجاهل أنه لن يكون أكثر حِرصًا ولا أبلغ حُجَّةً من المتخصصين المخالفين لمذهبه وطائفته ودينه! ويبقى أن نتذكر أن افتراض العدل يستوجب ألا يُعاقب الباحث عن الحقيقة إذا ضلَّ سبيلها، طالما كانت النية خالصة وصادقة والأمانة حاضرة! فلا ذنب لمن بذل جهده ولم يبلغ النتيجة، ولا فضل لمن بلغ نتيجة لا يُدرك حقيقتها! فإذا لم يستحق الأول العقاب بسبب عجزه، فهل يستحق الثاني الثواب على لامبالاته! إن تَمَيُّز الإنسان بالعقل، والاتفاق والإقرار بأن العقل هو سبب ومناط التكليف، يستوجب ألا يفعل الإنسان العاقل للغد ما لا يستطيع تبريره اليوم!

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ