face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 26 مايو 2021

الاعتقاد.. معرفة مجازية وعِلم افتراضي!

0 تعليق


يوجد الملايين من البشر يعتقدون بأن البقرة حيوان مقدَّس! لكن لا أحد من البشر يعلم أو يعرف بأن البقرة حيوان مقدَّس..، حيث لا يوجد شيء يمنح القُدسية للبقر، وينفي القُدسية عن الماعز والإبل مثلاً! ولذلك يوجد مليارات من البشر لا يُقدِّسون البقرة! وهذا وضع طبيعي في علاقة البشر بكل المعتقدات على اختلافها! فلو أنه تحقق العِلم أو تمت المعرفة بقدسية البقرة، وثبت أمرها كما ثبتت كروية الأرض، لسلَّمَ أو صدَّق مليارات البشر بذلك، وقدَّسوا البقرة، ولما بقي الأمر مقتصرًا على الملايين المعتقدين به – ثقافةً وتوارثًا وتلقينًا – كما هو حاصل مع البقرة الهندية منذ آلاف السنين..، ومع غيرها من الأحجار والمواقع الجغرافية التي يتم تقديسها في معتقدات كثيرة! وهذا هو الفرق بين مفهوم العِلم والمعرفة في مقابل مفهوم الاعتقاد! وهنا يجدر القول، بأن الذي يُنكر حقيقة: أن الماء ضروري للحياة – مثلاً، يستحق صفة كافر أو جاحد أو غير سوي..، على اعتبار أنه أنكر عِلمًا وأمرًا أجمع عليه كل البشر، وهو قادر على التحقق منه بنفسه، والأهم أنه لا يستطيع دحضه! لكن الذي يُنكر مقدار سرعة الضوء – مثلاً، يكون قد أنكر معرفةً بشرية، هو غير قادر على تصورها وغير قادر على التحقق منها عمليًا، الأمر الذي لا يستوجب وصفه بأنه كافر أو غير سوي! أما الذي يُكذِّب أو لا يقتنع بقدسية البقرة، فيكون قد أنكر اعتقادًا يؤمن به بعض البشر دون برهان، وهو بذلك لم يُنكر عِلمًا ولا معرفةً ولا أمرًا عليه إجماع..، مما يعني أنه لا مبرر لوصفه بالكافر أو الجاحد أو غير السوي..، وهذا الأمر ينطبق على كل المعتقدات! …

 العِلم يمكن تعريفه بأنه انتفاء الجهل بالأمر أو بالشيء..، فالعِلم هو الإحاطة بالأمر أو بالشيء، إلى الدرجة التي تنتفي عندها الحاجة للسؤال والبرهان! (العِلم غير قابل للتغيُّر بشكل طبيعي)! العِلم يترتب عليه التسليم بصحة الأمر! والمعلوم هو ما أدركه الجميع! مثلاً: كل البشر يعلمون أنه لا حياة بدون ماء! وكل إنسان يعلم بأنه سيموت! أما المعرفة فهي عِلم جزئي، حيث تعني عدم الجهل التام بالشيء! (المعرفة قابلة للتغيُّر)! المعرفة يترتب عليها التصديق بصحة الأمر! والمعروف هو ما تحقق من صحته البعض وصدَّق به الجميع! مثلاً: البشر يعرفون أن للقمر تأثير على الأرض! البشر يعرفون شيء اسمه الفلسفة، ويعرفون شيء اسمه الإلكترون! وأما الاعتقاد فهو تصور للحقيقة، من أجل استعمالها لتفسير أمر أو شيء، أو لتجاهل آخر! الاعتقاد يترتب عليه الإيمان بصحة الأمر! المعتَقَد، أمرٌ يُنبئ به فرد ويؤمن به بعض البشر – وليس كل البشر! مثلاً: بعض البشر يعتقدون بأن البقرة حيوان مقدَّس! بعض البشر يعتقدون بأن طائفتهم هي الفرقة الناجية، وكل ما عداهم في النار. بعض البشر يعتقدون بأن السماء تستجيب لدعاء البشر، وتلبي مطالبهم، رغم أنهم يدعون طوال حياتهم ولم يُستجب لهم!
. الإيمان في مجال الاعتقاد، يُقابله التصديق في مجال المعرفة، ويُقابله التسليم في مجال العِلم! التصديق يتحقق، بينما الإيمان يحصل! فالتصديق بأمرٍ ما، لا يتحقق إلا طواعية، ولا يكون بدون المعرفة ولا يسبقها، ولا يمكن أن يتحقق التصديق بفعل الخوف أو الطمع! بينما الإيمان بأمرٍ ما، فهو تصديق افتراضي أو مجازي، إذ لا يخضع الإيمان لمعايير التصديق..، حيث يمكن أن يحصل الإيمان دون تحقق أي شرط من شروط التصديق الحقيقي؛ فيمكن أن يحصل الإيمان تحت تأثير الخوف والطمع! ولذلك نقول بأن الإيمان يمكن أن يوجد دون أن يتحقق! بينما التصديق لا يمكن أن يوجد إلا إذا تحقق! تَحقُّقُ الشيء هو ظهوره للوجود، بشكل طبيعي، بفعل تحقق شروطه! بينما حصول الشيء، هو ظهوره للوجود بغض النظر عن تحقق شروطه! التحقق ذاتي، والحصول خارجي! المعرفة لا تكون إلا طواعية، ولا تتحقق بغير الحواس والبراهين! بينما الاعتقاد، هو على النقيض من المعرفة أو يكاد..، إذ لا ينبغي طلب البرهان من أجل حصول الاعتقاد، ولا وظيفة للحواس في هذا المجال! ولذلك يحق لنا القول بأننا نعلم أنه لا يمكن أن يحصل خلاف حول المعرفة والتصديق- بين البشر الطبيعيين- حيث إنها أمور طبيعية تتحقق تلقائيًا بتحقق شروطها، ولا معنى للإكراه فيها، إذ لا يمكن أن تتحقق المعرفة والتصديق بالإكراه! ولهذا أقول، أنه إذا توارثت جماعة بشرية، الإيمان والاعتقاد بصحة أمرٍ ما، فهو شيء يمكن فهمه – بغض النظر عن قبوله أو رفضه! أما اعتقاد تلك الجماعة بأن ذلك الأمر الذي تعتقده (اعتقاد وليس معرفة)، وتؤمن به (إيمان وليس تصديق)..، بأنه هو الحقيقة المطلقة أو هو ما ينبغي أن يكون، فذاك شيء آخر لا يمكن فهمه ولا ينبغي قبوله – إلا إذا تحوَّل اعتقادهم إلى معرفة- ليتحول بذلك إيمانهم إلى تصديق! العِلم هو الذي يجعل المريض يُقرر الذهاب إلى الطبيب! والمعرفة هي التي تجعل المريض المؤمن، يُفضِّل الطبيب المُلحد على الطبيب المؤمن! أما الاعتقاد، فهو الذي يجعل الإنسان يؤمن بصواب هذا الفقيه أو هذا المذهب أو تلك الطائفة أو ذاك الدين- لا سواه، دون دليل على صحة اختياره! ولذلك ينتقد ويرفض البشر معتقدات بعضهم البعض..، لكن لم يحصل ولا يمكن أن يحصل، انتقاد أو رفض من البشر للعِلم أو للمعارف بين بعضهم البعض! ذلك لأن المعارف، هي ما يتم إثباته بالدليل والبرهان، بحيث يكون لا معنى ولا حاجة لإنكاره..، فالمعرفة هي كل شيء يتم التصديق به بمجرد إدراكه! المعرفة تُفيد مالكها، وهي مطلوبة لجاهلها، لذلك لا يتم نشر المعرفة مجانًا! بينما المستفيد- المفترض- من المعتقدات، هو فقط الذي يعتنقها وليس الذي يجهلها، لذلك لا يتم نشر المعتقدات مجانًا فحسب، بل يتم نشرها بالترغيب والترهيب والتلقين والخِداع والإكراه..، الخ! 
العِلم أساسه المعرفة، والمعرفة أساسها تفعيل العقل (الوعي)! أما الاعتقاد، فإن أساسه العاطفة، والعاطفة أساسها الضعف الكامن في النفس، والذي يُنتج ولاء وتعصب البشر للبشر! ولا يمكن أن يكون ولاء البشر أو عدم ولائهم لبعضهم، حُجَّةً لهذا أو حُجَّةً على ذاك..، فالأمر المصيري الفردي يتطلب حُجَّةً من جنسه وبحجمه! المعتقدات أساسها تعطيل العقل وتقديس الموروث! ولذلك ظلت الأرض مُسطَّحةً وثابتةً ومركزًا للكون، والشمس تدور حولها، وقُبة السماء تعلوها – رُغم أنف كوبر نيكس وجاليليو، وذلك باعتقاد كل البشر بحُكمائهم وفقهائهم وجهلائهم وضعفائهم وبحسب كُتب رُسُلهم وأنبيائهم..، لقد استمر هذا الاعتقاد سائدًا إلى أن أتت الفلسفة وفعَّلت العقل، فأنتج السؤال الذي شَكَّك في حقيقة هذه المُسلَّمات، ثم أثبتت المعرفة أن كل تلك المسلَّمات ما هي إلا اعتقادات متوارثة، لا أساس لها في الواقع، وأنها عبارة عن تخمينات وتفسيرات بدائية ظاهرية تعود بجذورها إلى العصور الأولى للوجود البشري! ولذلك اعتذرت الكنيسة لـ"جاليليو" عن محاكمتها وظلمها له بعد 359 عامًا، وبرَّأته من الهرطقة، وأقرَّت بصحة رؤيته لدوران الأرض حول الشمس (المحاكمة 1633)، (الاعتذار تم عام 1992)! ومن هنا وجب على العاقل أن يُبقي على كل الاحتمالات قائمة فيما يخص الحقيقة الكاملة! وبذلك يكون ترك الحقيقة في صورة سؤال، هو أصدق ما يمكن وأقصى ما ينبغي أن يُقال! فحُجَّة الذين يجزمون بعدم وجود خالق للكون – مثلاً -، لا تقل ضعفًا عن حُجَّة المؤمنين بوجوده! وأما الأضعف حُجَّة والأبعد عن العقلانية والواقعية والذين تعوزهم المصداقية والأمانة، فهُم أولئك الذين يدَّعون معرفة الخالق، ويؤمنون في الوقت ذاته بأن الإنسان ليس مؤهلاً لإدراك الخالق! وتكريسًا للوهم والجهل، نجد بعض العقائديين يُسمُّون التساؤلات الفطرية الطبيعية البديهية العفوية المرتبطة بوجود الوعي والذكاء،.. يُسمُّونها بالوساوس الشيطانية – ترهيبًا للضُعفاء -، فيُحذِّرون أتباعهم من السؤال ومن الإطلاع على ما لدى الآخرين من معلومات وحقائق..، وذلك لكي تبقى عقولهم معطلة، ويدورون في دائرة المعتقدات المُلغَّزة التي تستعمل عواطفهم وطمعهم وضعفهم للسيطرة عليهم، فيستمرون بذلك في إيمانهم بما لا يُعقل من الخرافات والأساطير! في حين أن غير المؤمنين، يحثون أبناءهم وأتباعهم على طلب الحقيقة والإطلاع على ما لدى الآخرين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا! فأي إله ذا الذي يُكافئ الطامعين ويَفرح بخوف الضعفاء منه والمقلِّدين، ويُعاقب العُقلاء على صِدقهم وبحثهم عن الحقيقة! 
- لماذا يرتكب المؤمنون، ما يُسمى بالمعاصي والذنوب، رُغم تظاهرهم بالخوف من نار الإله؟ ولماذا تكتفي شرائع الأديان بظاهر الإيمان، وتتغاضى عن حقيقة سلوك الإنسان؟ لأنهم يؤمنون ويعتقدون بما يُخالف فطرتهم، ولا بُدَّ للفطرة الداخلية من أن تتغلب على أي إيمان خارجي، وذلك أمرٌ طبيعي وحتمي، لكنه في شريعة بعض المؤمنين يُعتبر معصية، وذلك لكي يُبرروا اعتقادهم وفهمهم للحساب والعقاب والعبادة والحاجة للمغفرة، وكأن المصنوع يستطيع الخروج عن مشيئة الصانع!

- إن مِن البشر مَنْ لا يزالون يعتقدون بالمجهول ويُصلُّون للسماء طلبًا للاستسقاء! وغيرهم باتوا يُدركون مُسبقًا، كَيف وأين ومتى ينزل الماء! - وإن مِن البشر مَنْ لا يزالون يعتقدون بوجود شيء فوقهم اسمه السماء، يخشون وقوعه على الأرض يومًا ما! وغيرهم أضحوا يعرفون بأنه لا شيء فوق الأرض سوى الفضاء، وصاروا يعلمون أنه لا معنى ولا مكان لمفهوم "فوق أو تحت" بالنسبة لكوكب يدور حول نفسه سابحًا في فضاء!
- حيث إن العقائد تُحرِّم استعمال العقل في تفسير وفهم الدين! وحيث إن طاعة الأهل وطاعة حكماء المجتمع، هي واجب على كل إنسان، حسب كل العقائد والشرائع والأديان! إذن، لا مسئولية على عموم البشر، فكلهم أتباع ومأمورين وممنوعين من استعمال العقل، بما في ذلك الملحدين! ومن المفارقة أن ينتظر رِجال الأديان من الملحدين استعمال العقل لكي يؤمنوا، في الوقت الذي يمنعون فيه المؤمنين من استعمال العقل خوفًا من أن يُلحدوا! إن كل الأديان والمعتقدات، ليست قائمة – رُغم اختلافها وتشابه أتباعها، إلا بفضل هذه المفارقات المصحوبة بالأحلام والوعود!
كان جُلُّ البشر وإلى وقتٍ قريب، يعتقدون بالتدخل الإلهي المباشر واللحظي، في تكوين الأشياء وحصول الأحداث وتحديد نتائجها..، مع أن هذا الاعتقاد يتناقض مع إيمانهم بأن الإله هو الذي قدَّر للأحداث والأشياء مسبقًا كيف تكون؛ فأصبح اعتقادهم يعني أن الإله يتدخل لخرق مشيئته أو أنه يتراجع عن إرادته! ثم تقدَّمت المعرفة بفضل تطور العقل البشري، ليتجاوز الإنسان مرحلة تفسير الأحداث ويبلغ مرحلة التكهن بها قبل حدوثها، بل والتحكم بنتائجها..، حيث أثبت العِلمُ أن كل الأحداث والأشياء خاضعة بالضرورة لقوانين طبيعية ذات نتائج حتمية..، وأمام هذا التقدم العِلمي وما أثبته من حقائق لا مجال لتجاهلها، اضطر المؤمنون العقائديون إلى التراجع عن أهم مبادئهم، والتي كانت تستند إلى فرضية التدخل الإلهي المباشر واللحظي لتفسير الأحداث..، فقالوا بأن الإله هو مَنْ أوجد قوانين الطبيعة التي يخضع لها وجود الأشياء ونتائج الأحداث..، وهنا تجاهل صريح من المؤمنين العقائديين للقواعد التي قامت عليها الرسالات والأديان والمعتقدات..، حيث كان منظرو بعض الأديان يقولون بأن إثبات مصداقية الرُسُل وصحة الرسالات لا يقوم على الإقرار بسلطة قوانين الطبيعة، بل يقوم على تحطيم وخرق قوانين الطبيعة بواسطة المعجزات..، وكأن الإله الذي بعث الرُسُل قديمًا، ليس هو ذاته الذي وضع قوانين الطبيعة المكتشفة اليوم! فإذا كان الرُسُل والأنبياء يعلمون بأن قوانين الطبيعة مِن خَلق الإله، فما معنى وما قيمة وما مُبرِّر خرقهم لها بالمعجزات لإثبات صحة رسالاتهم؟ ولماذا لا تُخرق قوانين الطبيعة اليوم إكرامًا للمؤمنين!
نتائج حتمية.. إنه لمن الواقعية، الإقرار بوجود الاختلاف الباطني الفطري الطبيعي اللا إرادي بين البشر، كما هو الاختلاف الظاهر في عالم الحيوان والنبات والجماد! لا يمكن استعمال ذات المعايير لمحاسبة ومعاقبة المختلفين..، إلا في عالمٍ يسوده الجهل ويحكمه الظُلم! لكل إنسانٍ قدراتٍ وأجهزةِ قياسٍ وإدراكٍ – هي الحواس والوعي والقدرة على الفعل، وهي التي لا قيمة للإنسان بدونها، ولا شأن له في اختيارها، وهي المختلفة من إنسان لآخر..، لا مُبرر للإنسان ولا حاجة به لتجاوز عقله وتجاهل حواسه، كي يفترض ويتوهم أو يُصدِّق بوجود حقائق لا قدرة له على إدراكها والتحقق منها!
. الوجود والخَلق.. يمكن وصف كل الأشياء بأنها موجودات طبيعية، ويمكن وصف بعضها بأنها مخلوقات! لكن من المغالطة وصف كل الأشياء بأنها مخلوقات..، ذلك أن وصف أي شيء بأنه مخلوق يستوجب وجود خالق مُحدَّد مُدرَك- معلوم ومعروف، وهو ما ليس متحققًا دائمًا مع كل الأشياء..، إلا إذا كان المقصود بالخالق، هو: قوانين الطبيعة! إن ألفاظًا مثل: خَلْق وخالق ومخلوق، ترتبط في أذهان البشر بحسب ثقافاتهم ومعتقداتهم – لا بحسب معرفتهم بدلالاتها – التي تتغير عند ترجمتها من لغة إلى لغة أُخرى! إنه يصحُّ القول عن الإنسان بأنه مخلوق، فقط إذا كان المقصود بالخالق – هنا – والديه أو قوانين الطبيعة! بينما يصح دائمًا أن نقول عن الكرسي بأنه مخلوق، ذلك لأننا نعلم مَن خلقه ونعرف لماذا خلقه! لكن ليس من الصواب أن نقول عن الوادي أو الجبل بأنه مخلوق، ذلك لأننا لا نعلم مَن خلقه ولا نعرف لماذا خلقه – إلا إذا كُنا نقصد بالخالق -هنا- البراكين والرياح والأمطار وغيرها من الأشياء الخاضعة لقوانين الطبيعة والناجمة عنها! إن كل ما نراه من حولنا ما هي إلا موجودات طبيعية، أوجدتها قوانين الطبيعة التي بات العقل البشري يُحيط بقدرٍ كبيرٍ منها! لقد أنتج الإنسان جهاز الحاسوب، باستعمال مواد الطبيعة وقوانينها، وذلك بفضل العقل وبسبب الحاجة..، بينما يُنتج الإنسان الإنسان باستعمال قوانين الطبيعة، وذلك بفضل الفطرة وبسبب الغريزة! ومعنى ذلك أن الإنسان بحاجة إلى عقل خاص من أجل إنتاج حاسوب، لكنه ليس بحاجة للعقل مُطلقًا من أجل إنتاج إنسان! إن التكاثر هو نتيجة طبيعية لغريزة فطرية، وهو صفة حياتية تتمتع بها كل الكائنات الحية، ولا دخل للعقل فيها، إلا من حيث توجيه تلك الغريزة! إن التكاثر عند كل الكائنات الحية، لا يعدو أن يكون خضوعًا فطريًا لقوانين الطبيعة وغرائزها، ولذلك لا يوجد اختلاف بين البشر والحيوانات والحشرات في طريقة التكاثر! إن التكاثر ليس سوى استعمال فطري غريزي لمعادلة طبيعية عناصرها الذكورة والأنوثة! ولعل الاختلاف بين البشر والحيوان – مثلاً – في موضوع التكاثر، هو قدرة البشر على التكهن بمصير الأبناء قبل إنجابهم..، الأمر الذي لا يملكه الحيوان! أما الشعور بالمسئولية تجاه الأبناء بعد إنجابهم، فهو شعور غريزي طبيعي فطري تشترك فيه كل الكائنات الحية – كما تشترك في معرفة السبيل إلى التكاثر والمقدرة عليه! إن وصف الإنسان بأنه مخلوق، لا يكون وصفًا عِلميًا واقعيًا صادقًا، إلا إذا كان المقصود بالخالق هنا هم الوالدين أو قوانين الطبيعة!

الثلاثاء، 25 مايو 2021

افتعال الغموض لعرقلة الإدراك!

0 تعليق





إدراك حقيقة الوجود، يؤدي إلى الملل والسأم من الحياة ! هي مأساة، وهنالك من استغلها، بادعاء امتلاك واحتكار الحقيقة، ليوهم غيره بوجود مبرر خفي للحياة، ليستفيد هو من حياتهم البائسة!  الإنسان في سويسرا مخيَّر بين حياة كريمة، وبين مساعدته على الانتحار - (سياحة الانتحار)! وفي الدول العربية والإسلامية، الإنسان مُخيَّر بين حياة النفاق والملل وحياة التشرد والعوز، مع منع وتحريم الانتحار!!
البشر عمومًا صنفان: مُدرِكون وغير مُدرِكين ..، الفرق بينهما تمامًا كالفرق بين المبصر والأعمى! الغير مُدرِكون، صنفان: واهمون وبُسطاء ..، وكلاهما يقلِّد غيره أو يقوده غيره، لأنه غير قادر على استيعاب مشهد الوجود من حوله، لتكوين رؤيته وقناعاته بنفسه! البُسطاء: هم العاجزون عن تكوين قناعات خاصة بهم، وفي ذات الوقت محصنون فطريًا ضد قناعات غيرهم .. البسطاء هم الواقعيون، قناعاتهم متغيرة (براغماتيون)! الواهمون: هم العاجزون عن تكوين قناعات خاصة بهم، لكنهم غير محصنين ضد قناعات غيرهم، مما يجعلهم مستوردين لقناعات غيرهم، فتُصنع قناعاتهم دون إدراك منهم لحقيقة ودوافع ونتائج ممارساتهم .. الواهمون هم المقلدون المتعصبون لقناعات غيرهم .. قناعات الواهمين ثابتة دون مقدرة منهم على تبريرها! ولذلك لا معنى لمحاورة الواهمين مباشرة ..، فتغيير بضاعة المستورِدين تتم عن طريق إقناع المُصدِّرين!
 - أليس الغرض من الكلام هو إيصال الفكرة وحسب؟ لماذا إذن تعقيد الكلام وتلغيزه بالصور الأدبية والشعرية البلاغية واللا مباشرة، واستعمال المفردات الغريبة، على مستوى السياسيين والمثقفين والأدباء والشعراء والفقهاء والمفكرين والفلاسفة، وعند صياغة الحِكم والأمثال والنظريات والروايات، .. الخ؟ لماذا لا تكون اللغة بسيطة والكلام مباشرًا في هذه المستويات، كما هو الحال على مستوى بسطاء البشر؟ - ألا تفي المباني العادية، بأغراض السكن والعبادة؟ لماذا إذن تضخيم المباني وتنويعها وتعويجها وزخرفتها، في المساجد والكنائس والقصور، .. الخ؟ - لماذا يتم تغيير موديلات كل المصنوعات، بألوان وتعديلات شكلية سطحية لا تؤدي وظائف جديدة؟ هنالك دوافع ثلاثة، كانت بالأساس وراء كل هذا التعقيد الشكلي المتعمد في اللغة وفي غيرها من الأشياء في حياة البشر .. الدوافع الثلاثة هي: دفع الملل عن النفس البشرية، وإشباع رغبتها الشديدة في المعرفة، وعرقلة قدرتها على الإدراك ..، لأن الإدراك هو مسبب الملل! هذه الدوافع الثلاثة تحولت مع الأجيال إلى وسيلة خبيثة لتحقيق هدف واحد، هو سيطرة بعض البشر على بعضهم الآخر! يستعمل الحُذاق هذه الشكليات لتوجيه البُسطاء والواهمين، مثلما يستعملها البالغون لتوجيه الأطفال! الغرض من هذه الشكليات اللغوية والمادية، كالغرض من صناعة الأساطير، حيث لا قيمة لها في الحقيقة، سوى إبهار النفس البشرية وعرقلة اندفاعها المعرفي الطبيعي .. حقيقة الأمر أن النفس البشرية مجبولة على المنطق، ولذلك فهي بطبيعتها دائمة البحث والسؤال، عن سبب ومبرر وجودها في المكان والزمان .. وعدم حصول النفس البشرية على الجواب، يحرمها الاستقرار والجدية المطلوبان للحياة والعمل، حيث تشعر أن كل جهد تبذله قبل حصولها على الجواب، هو جهد غير مبرر، فتتوقف عن بذل أي جهد، وتتوقف بذلك الحياة! والنفس البشرية سريعة الملل من كل ما تفهمه وتستوعبه! فالنفس البشرية لا يوقفها إلا الغموض .. اختلاف البشر من حيث المقدرة الفكرية، جعل بعضهم ينتظر الجواب من غيره، وهذا دفع بعضًا آخر منهم لاستغلال هذا الانتظار، فظهروا من يفتعلون مبررات للحياة لإيهام من ينتظرون الجواب من غيرهم .. المبررات المفتعلة لم تقنع الجميع، وبذلك انقسم البشر عمليًا إلى أربعة أصناف، هي التي نشاهدها اليوم: صنف يدعي امتلاك واحتكار الحقيقة .. وصنف متسائل طوال الوقت، لم تقنعه المبررات المفتعلة .. وصنف مستورد للجواب، واهم متعصب لحقيقة مفترضة، يعيش بمبررات لا يُدرك حقيقتها .. وصنف سطحي براغماتي لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء .. الذين يدعون امتلاك واحتكار الحقيقة، يرون في المتسائلين خطرًا على مشروعهم، ولذلك يجندون الواهمين المتعصبين، لمحاربة المتسائلين، وهذا هو سر العداوات والمآسي والحروب الطائفية العقائدية! النفس البشرية بطبيعتها تتوقف عند كل أمرٍ لا تُدرك أسراره .. وهذا ما جعل من التعقيدات والتغييرات الشكلية، وسيلة بأيدي الحذاق لإبهار الغافلين .. مع مرور الأجيال، أصبح إبهار البُسطاء والواهمين، وسيلة لإقناعهم بالحياة والوجود في الزمان والمكان ..، وأصبح بذلك إبهارهم والسيطرة عليهم واستعمالهم كأشياء بشرية، غايةً ومبررًا لحياة الحذاق منهم! توقف النفس البشرية عند الغموض، ليس حبًا أو ميلاً طبيعيًا للغموض، لكن أملاً في العثور على الجواب! وفي الحقيقة، النفس البشرية لا تتوقف إلا مؤقتًا عند الغموض وما لا تدرك أسراره من الأمور والأشياء، إذ سرعان ما تفترض للمجهول تفسيرًا يناسبها لكي تتجاوزه! لكن اختلاف البشر من حيث الإدراك وعدم الإدراك، جعل بعضهم بمثابة الغموض المتجدد الذي يستوقف بعضهم الآخر دائمًا .. ولذلك فإن كل من تحرر فكريًا، واستوعب حقيقة الحياة، شعر بالملل، وأدرك أنه لا مبرر للحياة سوى أحد أمرين: إما مجرد استمتاع بالحياة، أو تغيير العالم بتوحيد ثقافة البشر! تغيير العالم هو الهدف الذي جُنَّ بسببه وهلك دونه كل الفلاسفة والمفكرين الكبار تقريبًا ..، وهو ذاته الهدف الذي يتم اليوم من أجله تشريع القتل غدرًا والإرهاب وتجنيد الانتحاريين الإسلاميين ..، مع الفارق الكبير بين رؤى ووسائل ودوافع الفلاسفة والإسلاميين! وكذلك الاستمتاع بالحياة، فهو يختلف من إنسان لآخر، فهنالك من يكتفي بالحد الأدنى منه، وهناك من لا يرضى بالقليل .. وبسبب هذه الاختلافات ينتحر أحيانًا بعض البشر، ويتمسك غيرهم بالحياة، رغم أنه تبدو لنا شروط الحياة متوفرة للمنتحرين، وشروط الانتحار متحققة لدى المتمسكين بالحياة!

السبت، 22 مايو 2021

العدمية .. فكرة مدحوضة أم حقيقة مرفوضة؟

0 تعليق



للمأساة طرافتها .. عدمية مؤمنة وإيمان عدمي .. في حين يحتدم صراع الفكر والحُجَّة بين مفكري الإيمان وفلاسفة العدمية، نجد عامة الناس من المؤمنين يتجاوزون سؤال الوجود دون حاجة لتفكير ولا معاناة، حيث إن سلوكهم على أرض الواقع يؤكد أن قناعاتهم مشتركة – مناصفة بين العدمية والإيمان وكأن لسان حالهم يقول: بما أن الحُجج متضادة ومتعادلة، فإن الحقيقة غير معروفة، لكن المؤكد هو أنه لن يُحرَم عدميٌ من بعث ولن يُعفى مؤمنٌ من عدم - حسب النتيجة – غير المعروفة حتى الآن! إن العبث في السلوك إنما يعكس عدمية في الاعتقاد ! لقد أصبح البشر مزدوجي الاعتقاد : كلامهم إيماني وسلوكهم عدمي !! السلوك العدمي مُترجَم على الأرض في حياة الناس بتقديم المكاسب على المعتقدات ..، فالعدمية تعني أنه لاشيء معروف غير الذي نعرفه في الواقع، ولاشيء نملكه غير الذي نملكه بالفعل، ولا قيمة لشيء إلا بقدر ما ينفعنا وفي حدود تعريفنا نحن للمنفعة وتحققها على الواقع .. وهذا ما يقوله سلوك جل البشر على الأرض! فرق كبير، كالفرق بين حل مشكلة وخلق مشكلة .. ذلك هو الفرق بين القول بأصولية الأخلاق .. وبين الدعوة للاتفاق على تشريع أخلاق لهدف واقعي! الصيغة الأولى تستفز غريزة التحدي لدى البشر، وتضع الأخلاق منهم موضع اختبار لا موضع تنفيذ، ولم يحدث أن صمد أمر أمام اختبار البشر ! يمكن أن يكون العدميون وغير العدميين يرفضون العدمية كفكرة في قرارة أنفسهم ..، أو لنقل ترتعد فرائص جُلهم فزعًا لمجرد محاولة التفكير فيها .. لكن ما قيمة الرفض إن كانت العدمية حقيقة؟ أو .. إذا كان نفيها غير ممكن؟ جميل أن يكون لوجودنا غاية، وأن تكون هناك حياة أخرى بعد الموت، وأن تكون أجمل من هذه الحياة .. لكن، هل أمكن إثبات ذلك؟ أم هل يمكننا خداع أنفسنا؟ بعض المفسرين ينفون صفة العدمية عن فلسفة نيتشه – مثلاً، رغم أنها فلسفة عدمية بامتياز .. بالطبع ليس التنظير للعدمية منقبة لنيتشه وليس إثباته لها مثلبة فيه ..، المهم ما هي الحقيقة؟ لكن حتى إن صحت التفسيرات التي تنفي العدمية عن فلسفة نيتشه، فإن ذلك ينفي عنه فقط صفة فيلسوف، ويجعله مفكر ..، فالغاية تسبق التفكير عند المفكر، بينما النتيجة تعقب التفكير عند الفيلسوف! العدمية الأخلاقية هي القول بانعدام المُثُل العليا للأخلاق ..، أي انعدام أصول الأخلاق، واعتبارها تفضيلات شخصية بما يحقق مصالح مختلفة ..، وهذا ما قال به وأكده أو أثبته نيتشه .. أما العدمية بصفة عامة – سواء عند نيتشه أو عند غيره من الفلاسفة، فهي ليست كما يفهم البعض بأنها نفي للمعنى والقيمة عن كل شيء بما في ذلك الإنسان، إنما العدمية هي نفي الغاية من الحياة والوجود! والفرق كبير بين نفي القيمة والمعنى وبين نفي الغاية! القيمة هي ما نشعر به من ذاتية، وما يمكننا توفيره من قيمة لأنفسنا في الواقع – قياسًا إلى غيرنا ..، والمعنى هو ما يفرضه المنطق الطبيعي المشترك بين البشر فطريًا، من معانٍ للأشياء والأحداث والسلوك .. أما الغاية من وجودنا فهي تتطلب وجود طرف خارجي كان مسئولاً عن إيجادنا، وله غاية من وجودنا ..، ووجود هذا الطرف لا يكون بالتمني، ووجوده في أحسن الأحوال محتمل ! الإيمان يعني نفي القيمة عن الحياة لصالح الغاية .. العدمية هي منح قيمة للحياة على حساب الغاية! لا بد أن نشير هنا إلى أنه ليست الفلسفة والفكر، بل المؤسسات الدينية هي المسئولة عن ظهور العدمية، وذلك بسبب مبالغة هذه المؤسسات في محاربة الفكر، وإفراطها في إكراه الإنسان على اعتناقها مع التضييق على حرياته، والتهويل في الوعيد، حتى أضحى التحقق من مسألة الدين أمرًا ملحًا، وأضحت العدمية خيارًا أقل مأساوية، خاصة في ظل عدم إمكانية إثبات أي منهما .. الواقع البشري اليوم في صالح العدميين، ويدفع باتجاه العدمية ..، وذلك باعتبار أن الأمر ليس تخييرًا .. من يريد العدمية، ومن يريد الغاية من الوجود؟ بل الأمر هو أن الاثنين ممتنعان عن الإثبات والنفي .. والذي يرى العدمية لن يُحرم من البعث إن كان هناك بعث، لكنه حتمًا سيكسب حريته اليوم !! أما الذي يعتقد بوجود إله وغاية، فإنه يخسر حريته اليوم، ولن يُعفى من العدمية إن كان العدم هو المصير! وقول الإسلام بأن دخول الجنة أو النار هو أمر لا يعتمد على عمل الإنسان، إنما يعتمد على رحمة الله، هو قول يراد منه تمكين المؤمنين من تجاوز المنطق حين يصطدم بالدين، لكنه صب في صالح العدمية! وأما بالنظر من زاوية الأمن والسلم البشري، فإن العدمية لا تستحق منا فقط عدم محاربتها، بل تستوجب الدعوة لها، لتفادي المآسي والفظاعات المترتبة على الإيمان بالأديان !! وبالنتيجة فإن الإنسان لم يختر بدايته ليختار نهايته .. والعدميون لا يختلفون عن الدينيين من حيث حتمية اطمئنانهم لصحة ما يعتقدون به .. فالإنسان لا يمكنه خداع نفسه .. وهذا هو الأهم.

الجمعة، 21 مايو 2021

الحياة إيمان والوجود إدراك!

0 تعليق




في نظر الإنسان، الحياة لا تستحق أن تكون غاية لذاتها، ولذلك هو يراها مجرد طاقة لممارسة الوجود، والوجود مجرد نافذة للإطلالة على الكون..، فإن لم تكن الطاقة كافية أو لم تكن الرؤية ممكنة وممتعة ومجدية..، أدرك أن إيقاف تبديد الطاقة أولى من إهدارها، وإغلاق النافذة أجدى من الكذب على الذات وعلى الآخرين! البشر غير قادر على تصور غاية للحياة، لذلك هو يكتفي بتصورات الآخرين، ويُمارس الحياة على أنها غاية لذاتها! بعضنا يبحث عن أسباب الوجود، وبعضنا لا يسأل عن أسباب الوجود! لذلك يرفض بعضنا الإقرار بأسباب لا تُقنعه، بينما يؤمن آخرون بأي سبب يُقال لهم.. لأنهم لم يسألوا ابتداءً، ولا ينوون الالتزام لاحقًا، أو أنهم لا يُدركون حجم استحقاقات الإيمان ..، فإذا ترعرع أحدهم صُدفةً حيث يؤمنون بقدسية البقر آمن مثلهم بقدسية البقر، وإذا ترعرع صُدفةً حيث يؤمنون بقدسية الحجر آمن مثلهم بقدسية الحجر! الإنسان لا يؤمن، الإنسان يعرف فيُصدِّق، أو يُدرك فيعلم ويُسلِّم! لذلك يُفضِّل بعضنا الموت على إظهار إيمان زائف! البشر يؤمن لأنه لا يعرف ولا يُدرك..، ولذلك يُفرَض على البشر الالتزام بما آمنوا به – بالعقوبات والترهيب والترغيب..، وهذا يُثبت أنه لا قيمة لإيمانهم ولا صحة لما آمنوا به! فلو كان إيمانهم صحيحًا، لما احتاجوا للمراقبة والمتابعة لإكراههم على الالتزام بما آمنوا به! ولو كان ما آمنوا به صحيحًا، لعرفه أو أدركه غيرهم وصدَّقوا به، وتوقفوا عن البحث، وربما انتفت الحاجة للوجود! 

 بفلسفة الإنسان والبشر، وعند النظر إلى الاختلافات بيننا، يمكننا أن نقول: إنه لا حاجة للحوار بين إنسان وإنسان، ولا قيمة لحوار بين بشر وبشر، ولا جدوى من حوار بين إنسان وبشر! الحوار بين إنسان وإنسان لا يكون إلا في موضوع الوجود والكون، وما عدا ذلك فهي بديهيات، أو موضوعات لا يتجاوز الحوار حولها تبادل المعلومات والتسلية! الحوار بين بشر وبشر لا قيمة له، لأن القوي يرى في الحوار مجرد سبيل لفرض إرادته وإملاء شروطه ونشر رؤيته، والضعيف يرى في الحوار مجرد سبيل لمعرفة عنوان وموضوع النفاق الذي عليه ممارسته! الحوار بين الإنسان والبشر، يمكن اعتباره تجسيدًا لما يُعرف بحوار الطُرشان! يرفض البشر الحوار المنطقي.. لماذا؟ لأنه يكشف عدم قدرتهم على الإدراك، فيبدون أقرب إلى مرحلة الحيوان منها إلى مرحلة الإنسان، ولذلك يرفضون الحوار المنطقي، ويدافعون عن بشريتهم بأسلوب وشراسة الحيوان! موقع الإنسان إلى البشر، أشبه بموقع الكبير إلى الصغير، أو البالغ إلى القاصر، أو المفكر إلى المعتوه! ليس المقصود هنا، أن كل الموجودين اليوم هم مصنَّفون إلى بشر وإنسان، إنما الحديث هو عن الفاعلين المؤثرين في المشهد البشري، ومن لهم رأي في الحياة ورؤية للوجود! معظم الموجودين اليوم هم عبارة عن كائنات بشرية غير مُصنَّفة - لأنها غير فاعلة-، ولذلك يحسبها الإنسان امتدادًا طبيعيًا له، ويحسبها البشر رعية ومخزونًا استراتيجيًا لهم! عند مستوى معين من الوعي، تكون هذه الكائنات فاعلة، فتظهر ملامحها، وعندئذٍ يكون تصنيفها ممكنًا! هذه الكائنات البشرية غير المُصنَّفة، هي التي يتنافس البشر من أجل السيطرة عليها وبرمجتها وتصنيفها..، عقائديًا وسياسيًا وقوميًا، وحتى فنيًا ورياضيًا وتجاريًا وأمنيًا وعسكريًا..الخ. محاربة المسلمين لما يُعرف بالتنصير، ومحاربة السُنَّة للتشيع، ومحاربة الشيعة للتسنن، ومحاربة العروبة للصهيونية، ومحاربة النازية للسامية، وأسلوب حجب القنوات الفضائية، وحتى المواقع الإباحية..، الخ، كل هذه الممارسات والثقافات، تدخل تحت عنوان التنافس البشري على الكائنات البشرية غير المُصنَّفة، بقصد برمجتها وتوجيهها، باعتبارها كائنات بشرية خام، قابلة للتصنيع والتشكيل بحسب رغبة المالك أو المستعمر أو الظافر بها أو أول الواصلين من المستثمرين! لا وجود لمثل هذه الوصاية والمخاوف والهواجس والثقافات، في مجتمعات الإنسان! ولعل وجه الشبه هنا واضح بين الكبار والقاصرين من البشر؛ فممارسة الوصاية بحجة الخوف من استغلالهم – عادة تكون على القاصرين، بينما هذه الممارسات تتم خوفًا على البشر البالغين - في المجتمعات البشرية!