face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 18 يناير 2022

الوجود الطبيعي والوجود المُكرَّم!!



 القول أو الاعتقاد بأن الإنسان عمومًا هو كائن مُكرَّم، هو ليس ضربًا من الوهم فحسب، بل هو افتراء
 وكذب صريح! إن المجتمعات البشرية لم تخلُ من المتسولين يومًا! ولا يمكن الجمع بين التسول والكرامة! فالمتسولون هم بشرٌ أذلاء دون أدنى ريب! ولا يقتصر مفهوم التسول على طلب المال لسد حاجة لحظية! بل إن طلب أي نوع من المساعدة هو صنفٍ أصيل من أصناف التسول والذل! ومن الأهمية هنا التفريق بين أصناف المتسولين الأذلاء! فالذي يطلب مساعدة الآخرين أو يقبل بها، في حين هو قادر على الاكتفاء والاستغناء عن الآخرين، هو صنف ذليل يعشق الذل، وربما كان مجبولاً على سلوك الذل وممارسة التسول! أما المتسول الذي يطلب المساعدة لأنه أضعف من أن يُغني نفسه عن التسول، فهو ليس مُدانًا لكنه ذليل! وربما تكون إدانته في قبوله بحياة الذل، وليس في تسوله! وهذا الواقع المُعاش، يدحض اعتقاد أتباع الأديان المختلفة، الذين يعتقدون ويؤمنون بأن الإنسان كائن حي مُكرَّم، وأنه يعود في خلقه ووجوده وتكريمه إلى مشيئة الخالق مباشرة! إن أصدق وصف للحياة، هو أقسى الأوصاف وأبشعها، وهو أن الحياة صفةٌ لا تليق إلا بالحيوانات عامة، وبالأقوياء من العقلاء خاصة! ذلك لأن الحياة باختصار هي أن يُدرك الحي معنى الكرامة والحرية ويعيشها ويُمارسها كالأقوياء من البشر، أو ألا يُدركها كالحيوانات! أما ما بينهما فليست حياة وليست لا حياة، بل هي مراحل طويلة ومملة من الإحساس بالخوف والأسى، وممارسة الوهم والجهل والكذب، يقضيها الحي العاقل الضعيف بانتظار الموت! الذين يُسَمُّون أنفسهم بالمتفائلين، وهم في الحقيقة ليسو سوى عاطفيين ضعفاء ومنهم الجهلاء..، يحلو لهؤلاء القول: إن فعل الصواب، وتحقيق الخير لنفسه ولبني جنسه، هو دافعه للفعل، وهو سبب تعلق الإنسان العاقل بالحياة وحبه لها رُغم صعوبتها ولا منطقيتها! لكن هذا القول أو هذا الاعتقاد ينطوي على مفارقات ومغالطات تدحض حُجَّته.. منها:

 * على اعتبار أن الإنسان لا يُدرك مآلات الأمور، فقد يكون ما يفعله خيرًا في ظاهره ونية فاعله، لكنه في جوهره عبارة عن إخراج لمارد الشر من قمقمه..، حيث إن ما هو خير اليوم، ربما أصبح هو مصدر الشر غدًا، ويصبح حينها الفاعل فاعل شر – بغض النظر عن نيته! والأهم أنه لن يكون بمقدور الفاعل إرجاع ما كان إلى ما كان!

 ** إن ما يدعوه الإنسان بفعل الخير، ما هو إلا أنانية بشرية مقيتة – بالنسبة لبقية الموجودات، فلا تقوم سعادة الإنسان وتعمير الأرض إلا بتدمير وحرق وتحوير الجماد، وقتل وافتراس الحيوان والنبات، وتلويث البيئة!

 *** إنه، وحتى تلك المستويات أو تلك الأصناف من أفعال الخير، والمتمثلة في التواصل الاجتماعي والمواساة وتقديم الخدمات المجانية – ظاهريًا-، فإن تصنيفها كأفعال خير ينطوي على مُغالطات كثيرة وكبيرة، ويخلو تمامًا من الأمانة العلمية، ويتجاهل مقتضيات المسئولية الأخلاقية..، فما يُسمَّى اصطلاحًا أو افتراضًا بأفعال الخير هنا، هي تحقيق مصالح ذاتية قبل كل شيء، فإقامة العلاقات يكون لتسهيل إنجاز مصالح الذات بالدرجة الأولى، فلا يفعل أحدهم الخير لغيره إلا إذا كان سيعود عليه هو بالنفع! والأدهى من ذلك هي محاولة إظهار الممارسات بغير حقيقتها..، إذ إن مرجعية هذه الأفعال – لدى جُلِّ البشر – وهُم المؤمنين- هي الخوف والطمع، فلا يفعلون الخير حُبّاً في الخير! وبذلك تكون أفعال الخير المفترضة، هي في أحسن الأحوال تجارة بين الإنسان – فاعل الخير المفترض-، وبين الإله..، وهي بالنتيجة تجارة، والتجارة أساسها تحقيق منفعة الذات وليس تحقيق الخير لأجل الخير أو لأجل الآخرين! بل قد يكون ضرر الآخرين هو مادة وطبيعة التجارة، مثل الإنسان الذي يقتل أخيه الإنسان أو يستعبده، ثمنًا لصفقة مربحة مع إله مزعوم..، فهنا يجتمع الشر والجهل لقتل الخير بذريعة فعل الخير! 

حياة البشر.. يمكننا أن نُعرِّف حياة البشر – بالعموم وليس بالمطلق- بأنها مستوياتٌ أو مراحل أربعة، من الانتظار الحقيقي المصحوب بفعل جزئي واستعداد افتراضي..،

 1- مرحلة الشعور بالحياة! وهي انتظار الصغار لمرحلة البلوغ، أملاً في إدراك ما يجهلونه، وتحقيق ما يعتقدون أن طفولتهم تحول دون تحقيقه!

 2- مرحلة الإحساس بالحياة! وهي انتظار المراهقين وسعيهم لانتزاع إقرار المجتمع بوجودهم، وانتزاع حقهم في إشباع الغرائز وتلبية الشهوات والرغبات، والمنافسة على المراكز التي تُثبِتُ وجودهم وتُبرز تَمَيُّزهم – المفترض!

 3- مرحلة انتظار المجهول بعد تجاوز المعلوم! حيث يدخل الإنسان – بعد الزواج والإنجاب – ساحة الاستسلام رافعًا راية الرفض، مُكابرًا مُحاولاً تجاهل خيبة الظن التي لم تبرح حساباته في كل المحطات التي مرَّ بها!

 4- مرحلة البحث عن الحياة! حيث يتساءل الإنسان، عندما تخور قواه ويكاد يُدركه اليأس ويرفضه المكان ويستعجله الزمان..، يتساءل: هل أنه كان حيّاً بالفعل فيما مضى من زمن! لكن ذلك غير صحيح، لأن معنى ذلك أن الحياة التي تم احتسابها عليه، هي فقط ذلك القلق الذي كان يملأه، والجُهد الذي كان يبذله، والسرور اللحظي الذي كان يختفي قبل أن تكتمل مَشاهده! أم إنه لم يكن حيّاً، بل كان يبحث عن شيء اسمه الحياة..، وهل عليه أن يَجدَّ ويجتهد في البحث عنه – أكثر من ذي قبل – فيما تَبقى له من قُدرة ومن زمن، وهو الهدف الذي لم يُحققه عندما كانت ظروفه أفضل! أم إن فلسفة الكينونة والحياة ونظرية الوجود المستقل التي يعتقدها ويعمل ويحلم ويُفكِّر الإنسان على أساسها، هي العنصر الذي يحمل القيمة الخطأ في معادلة وجود الإنسان..، وأن تلك الفلسفة والنظرية هي التي أعطت لكل النتائج انحرافها..، وأن الإنسان الفرد في حقيقته ربما لا يعدو أن يكون ذرة في جزيء أو خلية في نسيج، يؤدي وظيفة ثانوية تكميلية غير مباشرة، تتنافس على أدائها كل الخلايا المتشابهة، في جسد كائن مجهولٍ اسمه الحياة..، وأن جسد ذلك الكائن يُجَدِّد خلاياه بما يوافق مصلحته وغايته، وأن الخلية التي يَقِلُ عطاؤها، ينتهي دورها، ويُصبح وجودها عبئًا على الجسد، فيلفظها – حين يستغني عن خدماتها..، وكل الخلايا سيَقِلُّ عطاؤها وستُلفَظُ يومًا..، وذلك تمامًا ما تفعله كل الأجساد الحَيَّة مع خلاياها، حيث إنَّ الخلايا (كرات الدم البيضاء – مثلاً) تبدو ككائناتٍ تُفكِّر وتعمل كما لو كانت لها كيانات مستقلة ذاتية القرار..، بينما هي في الحقيقة خاضعة لآلية خارجة عن سيطرتها، تقوم تلك الآلية بتفعيل الخلايا وتوجيهها وحثها على الفعل والتكاثر وأداء دور معين، كما تقوم تلك الآلية بتجديد الخلايا – تدمير القديم واستحداث البديل..، فلو كان للخلايا كيانات مستقلة وذاتية القرار، لأصبح موتها انتحارًا، ولأصبح تكاثرها وأداؤها لدورها المميت غباءً..، وكذلك الإنسان! في المرحلة الأولى، يكون الإنسان مهووسًا بتعبئة الفراغات المعرفية، مدفوعًا بحب الاكتشاف وإدراك الجديد..، في المرحلة الثانية، يبدأ الإنسان بمطاردة أملٍ وهمي، مصدره ثقة مفرطة في النفس، تُبرِّرها حيوية مرحلية، تدفع الإنسان على الاعتقاد بجهل وضعف الآخرين..، والأساس في كل ذلك هو جهل الإنسان – شبه التام – بحقيقة ما يجري من حوله، وجهله المرحلي بحقيقة مكانته ومحدودية إدراكه ودوره وقدرته! في المرحلة الثالثة، يقل اهتمام الإنسان بمبدأ القناعة بما يفعل، حيث تدخل عناصر جديدة مجهولة القِيم في معادلة الفعل، حين يُصبح الإنسان يعمل لمصلحة غيره – بغض النظر عن رغبته وإرادته وحتى مقدرته -، حيث يتغاضى الوالدان عن قِسم كبيرٍ من حقوقهما وسعادتهما وقناعتهما، نزولاً عند حاجة الأبناء، ورضوخًا لعاطفة مصدرها الإحساس بالضعف الطبيعي والشعور الزائف بقوة وقيمة افتراضيتين وهميتين..، إن حجم الأسرة وخصوصية متطلباتها، هي التي تُحدد لولي الأمر الحد الأدنى من الجُهد الذي عليه أن يبذله، وحجم القلق الذي عليه أن يحمله! في المرحلة الرابعة، يكون الإرهاق قد نال من الإنسان، فلا يعود عقله وذاكرته وإمكاناته الذهنية والنفسية والجسمانية تُسعفه أو تسمح له بالتفكير بهدف إنتاج المعرفة، ولا حتى باستقبالها من خارجه! فَيَنصَبُّ جهده على تقليب محتويات الذاكرة، ويقتصر تفكيره على المقارنة بين نتائج التجارب السابقة، بحثًا عن أنسب المقاربات كإجابة نهائية لسؤاله عن كُنه الحياة..، ذلك السؤال الذي يتجدد ويزداد قوة بالتناسب الطردي مع ضعف الإنسان واقترابه من نهاية الطريق – وهو صِفر اليدين من أي قيمة وأي معنى وأي تعريف للحياة – التي كانت عنوانًا لكل ما بذله من جُهد وما أنفقه من زمن! في هذه المرحلة، يتطرف الإنسان ويتشدد ويتعصب إلى النتيجة التي يقع اختياره عليها من بين مخزوناته العقائدية..، فإذا كان الإنسان مؤمنًا بالبعث وحياة أخرى بعد الموت، يكون في آخر أيامه مُتطرفًا في إيمانه ملتزمًا واعظًا ناصحًا كأنه لم يكن مؤمنًا قبل ذلك..، وهو السلوك الذي يدعوه المؤمنون بالتوبة! ولعل الحقيقة هنا، هي أن ما يُسمَّى بالتوبة – خاصة في نهاية العُمر – هي ليست سوى إقرار من الإنسان بالفشل والصدمة وخيبة الظن، وبأنه لم يعد أمامه مُتَّسع من الوقت للبحث بنفسه أو لانتظار نتائج أبحاث الآخرين عن كُنه وقيمة الحياة، فيحسم أمره على التصديق بالحياة الأخرى، ويدعوها بالحياة الحقيقية والأبدية، ويُشدد على الربط بينها وبين الحياة التي يوشك على مغادرتها..، وذلك كعزاء أخير من الإنسان لنفسه وكورقة أخيرة يرميها في وجه اليأس دون المقدرة على التحقق من النتيجة، بل ودون المقدرة حتى على مجرد الخوض في تفاصيل واحتمالات النتيجة هذه المرة، مكتفيًا بتفاؤلٍ وأملٍ ليس لهما ما يُبررهما سوى الضعف واليأس اللذين لم يعد الإنسان قادرًا على إخفائهما!

1 تعليق:

Unknown يقول...

ارجوك استمر بالكتابة لا تتوقف ارجوك لقد غيرت نظ تي للحياة انا يوميا ادخل لاتابع لو أنزلت مقال جديد واذا سمحت لي بنشر مقالاتك حتى تعلم البشرية كم هم مخدوعون استمر بالكتابة

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ