face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 8 أبريل 2021

ما ذنب الأبرياء؟

0 تعليق




غايتنا رؤية الوعي البشري، متحررًا من الوهم الثقافي والتوجيه الفكري!
في هذا العصر، بدأ الواقع يكشف تلقائيًا ومباشرةً عن حقائق منطقية مذهلة، مرتبطة بالحياة والوجود والوعي البشري..؛ حقائق عملية، ستُطيح حتمًا وقريبًا بالنظريات القديمة التي وضعت للكون والوجود تصورات بدائية، جعلت الوجود البشري خصمًا للمنطق، حيث فصلت الوجود عن الوعي، وربطت واقع ومصير الإنسان بمفاهيم: البراءة والذنب، والمكافأة والعقاب، وهو ما جعل البُسطاء يتساءلون كلما حل بهم بلاء، ما ذنب الأبرياء؟ من بين تلك الحقائق، تبرز حقائق أربع، أجدها عظيمة الدلالة والأثر في إعادة تشكيل وعي وقناعات الكائن البشري بذاته وحياته ووجوده وبالآخرين:
1- فزع الإنسان من الموت، ثبت أنه أمرٌ لا مُبرر له، فهو ليس أمرًا ذاتيًا ولا طبيعيًا، وأكثر من ذلك هو ليس أمرًا حقيقيًا، إنما هو مجرد وهم، بدليل أن إنسان اليوم قد تجاوز مرحلة الفزع من الموت، حيث أصبح الانتحار خيارًا طبيعيًا وسلوكًا بشريًا معتادًا!
 2- رُعب الإنسان من النار، هو الآخر ثبت أنه أمرٌ لا أصل له في النفس البشرية، فهو كالفزع من الموت – ليس ذاتيًا ولا طبيعيًا ولا حقيقيًا، إنما هو مجرد وهم، بدليل أن إنسان اليوم قد تجاوز مرحلة الرُعب المفتعل من عذاب النار، حيث بات إشعال النار في الجسد، سبيلاً بشريًا مفضلاً للانتحار، رغم وجود بدائل وسُبُل أُخرى للموت يُفترض أنها أقل إيلامًا من النار! هنا ينبغي ملاحظة أن: إحراق الجسد البشري بالنار، كان رمزًا للذنب – حسب المعتقدات، فصار رمزًا للبراءة في الواقع! كانت النار وسيلة خارجية لتخويف الإنسان بعد الموت؛ فأصبحت إحدى وسائله المحلية الإرادية لبلوغ الموت!
 3- إدراك الإنسان لحقيقة أن الحياة ليست نعمة ممنوحة له – كما كان يُلقَّن ويراد له أن يعتقد سابقًا -، فهو ببساطة لا يمتلك كيانًا واعيًا مستقلاً عن الحياة، لكي تُمنح له الحياة؛ إنما اتضح أن الحياة بصفة عامة، عبارة عن تفاعل كيميائي، يجري وفق معادلة طبيعية متزنة، فإذا اختل التوازن بين عناصر المعادلة، توقف التفاعل تلقائيًا ومنطقيًا، أي توقفت الحياة! والوعي لدى الإنسان هو أحد عناصر هذا التفاعل أو هذه المعادلة التي تُمثِّل الحياة، وهو كغيره من العناصر، فعلاقة الوعي بالحياة، هي تمامًا كعلاقة أي عضو من أعضاء الإنسان بالحياة- كالقلب والرئة والكلية – حيث يمكن لأي عضو أن يشل الحياة جزئيًا، ويمكن أن يوقفها تمامًا؛ وكذلك الوعي، فهو يشل الحياة جزئيًا (فقدان الوعي)؛ ويوقفها تمامًا (بقرار الانتحار)! والانتحار هو عبارة عن قرار تصحيحي يتخذه الوعي، يدل على أن التفاعل الكلي لمعادلة الحياة قد انحرف عن مساره، وأصبح استمراره غير طبيعي، فوجب إيقافه! نعتبر الانتحار قرارًا تصحيحيًا قاتلًا يتخذه الوعي عند الضرورة، كما نعتبر الألم الشديد قرارًا تصحيحيًا مؤلمًا يتخذه الإحساس عند الضرورة – عند حدوث خلل في الجسد – مرض أو جُرح أو كسر!
4- صفة العقلانية، القادرة على إحداث فرق ثابت، بين البشر وبقية الكائنات، ثبت أنها ليست صفة بشرية حقيقية دائمًا، بل هي في أحسن الأحوال مَلَكَة طبيعية لا إرادية يتصف بها عدد محدود جدًا من البشر..؛ وأن بقية البشر هم فقط قادرون على تقليد وتمثيل العقلانية وفي ظروف معينة..، بينما في الظروف الطبيعية ينعدم وجود العقلانية تمامًا في الكثير من الأحيان ولدى أغلب البشر! يمكن ملاحظة ذلك من خلال ما يجري من عراك وعبث وانحطاط في ملاعب الكرة وفي مدرجات المتفرجين، وفي قاعات بعض البرلمانات، وبين الأزواج وأفراد الأسرة الواحدة حين يختلفون..الخ، حيث يتضح أن الفرق ليس كبيرًا وليس ثابتًا بين البشر وبقية الكائنات- مما يعني أنه لا يوجد تصميم موحد للكائن البشري، يؤهله لأداء رسالة واحدة سامية- كما يعتقد الكثيرون! سلوك الإنسان أمام الآخرين يختلف تمامًا عن سلوكه منفردًا..، وهذا أمر معلوم ولا استثناء منه..، حتى أنه يصح اعتباره قاعدة لا شواذ لها! وسلوك الإنسان منفردًا هو سلوكه الطبيعي، أما سلوكه الاجتماعي فهو سلوك تفرضه الحاجة أو المصلحة..، ولذلك يتجاوزه أو يتجاهله الإنسان عند درجة معينة – بحساب الربح والخسارة – ويعود إلى سلوكه الطبيعي الفوضوي الحُر!

 ما ذنب الأبرياء؟ مع كل تفجير انتحاري إرهابي في أي مكان في العالم، ومع حدوث كل مأساة أو جريمة يرتكبها البشر، ويذهب ضحيتها أبرياء، يتطوع الكثيرون عادةً بالتساؤل: ما ذنب الأبرياء؟ .. لكن، لا أحد يتبرع بالجواب! ليس لصعوبة الجواب، إنما، أولاً: لأن المطروح يبدو تساؤلًا وليس سؤالاً، وكأن المتسائل هنا لا ينتظر جوابًا، إنما يقصد التعبير عن مفارقة يراها أمامه، .. بمعنى أن ما يحدث أمامه في الواقع، ينبغي ألا يحدث بحسب معتقده وثقافته، لكنه يحدث! ثانيًا: لا أحد يتبرع بالجواب، لأن الثقافة السائدة والقوى المسيطرة على المشهد، كلها تدفع باتجاه الإبقاء على الغموض قائمًا، لأن حيرة هؤلاء البُسطاء المتسائلين هي غاية تلك الثقافة وهدف تلك القوى! من الملاحظ أن هذا التساؤل لا يُطرح إلا عندما يكون الضحايا الأبرياء المفترضون بشرًا، والجاني أو المذنب المفترض بشرًا..؛ وكأن ضحايا الكوارث الطبيعية من البشر، ليسوا أبرياءً أو ليسوا بشرًا..، لذلك لا أحد يقول عنهم: ما ذنب الأبرياء؟ وكأنه لا يوجد ضحايا أبرياء في عالم الحيوان والنبات، فلا أحد يتساءل حول مأساتهم! والأهم، هو أن هذا التساؤل يُطرح بثقة كبيرة، وكأن سلامة البريء ومعاقبة المذنب هي قاعدة وجودية كونية مؤكدة ويقوم عليها الوجود البشري! بينما المؤكد هو أن هذا التصور لا يعدو أن يكون وهمًا متوارثًا، مبنيًا على تفسير بدائي للوجود البشري، وهو في أحسن الأحوال حُلم في مخيلة الضعفاء والمتحضرين من البشر، لكنه ليس من أهداف الطبيعة ولا من قواعد الوجود، ولذلك لم يتجاوز مرحلة الحُلم، حيث إنه لم يتجسد في الواقع إلا بنسب محدودة وبمجهودات بشرية خاصة، لم يُكتب لها النجاح لتصبح واقعًا بشريًا أرضيًا عامّاً! هذا التساؤل يُطرح دائمًا ويُوجِّه إلى مجهول، فهو ليس موجهًا للبشر، وليس موجهًا للإله..، وفي هذه المفارقات تكمن الأسرار! ما ذنب الأبرياء؟ طرح هذا التساؤل لا يعكس صدمة لدى المتسائل، بقدر ما يعكس اعتقادًا مسبقًا لديه! والطبيعي هو أن يُعيد المتسائل النظر في اعتقاده، الذي لو كان صحيحًا لما اضطر للتساؤل! فالمتسائل هنا يعتقد بصحة أمرين: الأمر الأول: وجود بشر أبرياء، وبشر غير أبرياء! الأمر الثاني: أن الشر لا يكون إلا عقابًا لذنب..، أي أنه لا ينبغي للشر أن يطال الأبرياء! والواقع يقول لهذا المتسائل وبالدليل، إن أحد الأمرين اللذين تعتقدهما أو كلاهما ليس صحيحًا، فإما أن الكل مذنبون ولا يوجد أبرياء، أو أن الشر لا علاقة له بالبراءة والذنب، أو أنه لا وجود لمفهوم البريء والمذنب في الطبيعة! والحقيقة هي أن المتسائل هو الذي بحاجة لاستبدال ثقافة الأبرياء والمذنبين، أو على الأقل ضبط هذين المفهومين بدقة، لكي يكونا واقعيين! فهل يوجد أبرياء؟ .. الجواب: ربما، ولكن! وهل يوجد مذنبون؟ .. الجواب: ربما، ولكن! فلكي يكون هناك بريء ومذنب، ويكون للبريء فضل في براءته، ويكون المذنب مسئولاً عن ذنبه، لا بد أن يكون الاثنان طبيعيان، ويحتكمان إلى معايير موحدة ومفهومة ومحل اتفاق! فالبراءة غير المطلقة ليست براءة، والذنب غير المطلق ليس ذنبًا..، لأن كليهما موجهان ثقافيًا واجتماعيًا تربويًا بيئيًا، حيث يقومان على ثقافة الربح والخسارة.. أي على معتقدات الخوف الطمع..؛ والخاضعون لهذه المعايير لا يكونون طبيعيين، وبالتالي ليس الأبرياء أبرياء حقيقيين؛ وليس المذنبون مذنبين حقيقيين! والصحيح هو التخلص من ثقافة الوهم، ثقافة المذنب والبريء..، لتحل محلها ثقافة الواقع، ثقافة المخطئ والمصيب، المبنية على معايير الحاضر والمنطق والمعلوم والمفهوم والممكن والمتاح والمتفق عليه! فيكون المصيب، مَنْ يفعل الصواب عن بينة، ويفعله لأنه صواب وحسب! والمخطئ، مَنْ يفعل الخطأ عن بينة، ويفعله لأنه خطأ وحسب! وحينها لا يكون التساؤل مجرد تعبير عن حيرة، ولا يكون السؤال موجهًا إلى مجهول! وحينها تكون مكافأة المصيب ومعاقبة المخطئ مبررة، إن وُجِد المُخطئ آنذاك!

 المعتقدات والتخويف بالنار: مفهوم النار، لن يعود ذلك البعبع المخيف كما كان، والذي كان مجرد التهديد به كعقاب بعد الموت، كفيلاً بجعل الإنسان يمضي حياته متنازلًا عن عقله وعن حقوقه، سعيدًا ببؤسه، مُطيعًا مُنفذًا آليًا لكل ما يُملى عليه من شروط مُذلة، مُبديًا إيمانه بما لا يفهمه، وتصديقه لما لا يعقله، واعتناقه لمعتقدات بدائية وطقوس صورية يرفضها الوعي وتتعارض مع أبسط قواعد المنطق والعقلانية! الآن، وبعد أن كسر الإنسان حاجز الرُعب من النار التقليدية، قد يضطر رجال الأديان والمعتقدات إلى إعادة تفسير كُتبهم وآياتهم، لتطوير نوع العقاب، وقد يُصبح التفسير الجديد للنار هو أنها نار نووية وليست نار تقليدية!