face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الاثنين، 9 مايو 2022

بين العِلم والإيمان كما بين الواقع والخيال (2).



 ما هو الوجود؟ 
عندما يُقال الوجود، فإن المقصود إما أن يكون وجودًا عمليًا 
ماديًا – نقيضًا للغياب، أو أن يكون وجودًا فلسفيًا مطلقًا – نقيضًا للعدم! مفهوم الوجود المطلق بمعنى نقيض العدم المطلق، يمكن اعتباره مفهومًا افتراضيًا – لا واقعيًا، باعتبار أن الوجود قد كان، ولا معنى للحديث عن عدم مطلق محتمل سابق، في ساحة وجود مادي عملي آني! أما مفهوم الوجود بمعنى نقيض الغياب، فهو مفهوم عملي واقعي، ولعله الدلالة الصحيحة للفظة وجود! ومن هنا يكون الحديث عن الوجود بمعنى أنه نقيض العدم المطلق، هو من قبيل الترف الفكري لا أكثر! بالنسبة للإنسان، فإن كل شيء يمكن إدراكه بالحواس أو إثباته بالبرهان، فهو شيء موجود! والوجود بصفة عامة، يتجسد في الشكل والتأثير اللحظي أو المرحلي، الذي تكون عليه المادة أو الطاقة – المتحولة المتغيرة – بسبب خضوعها لقوانين الطبيعة! وقوانين الطبيعة يمكن تعريفها بأنها النتيجة الحتمية التي تنجم عن تلاقي مواد ذات خواص مختلفة! وبالتالي تكون قوانين الطبيعة هي القوة – الافتراضية – التي تمنح للموجودات أشكالها وسلوكها بحكم تلاقي المختلفات! 

 ما معنى الحياة؟
 عند مقارنة جماد (مادة ميتة) بكائن حي (مادة حية)، نلاحظ أنهما يتشابهان إلى حدٍّ كبير من حيث أن كليهما يتغير أو يتحول.. التحول في المادة الحية يكون سريعًا ومحسوسًا، بينما التحول في المادة الميتة يكون بطيئًا وغير محسوس..، لكن بالنتيجة كلاهما في حالة تحول مستمر! بشكل عام وظاهريًا، يبدو لنا أن الجماد يتغير أو يتحول بسبب عوامل خارجية..، بينما يتغير أو يتحول الكائن الحي ذاتيًا أو داخليًا- الكائن الحي يَستهلك ذاته-، وهذا هو معنى وحقيقة الحياة! أي أن الكائن أو الشيء الذي يَستهلك ذاته ولا يحتاج إلى عوامل خارجية كي يتحول من حال إلى حال، يوصف بأنه كائن حي؛ بينما الكائن أو الموجود الذي يبقى على حاله إذا لم تؤثر عليه عناصر خارجية، يوصف بالجماد! وإذا كان الأمر كذلك – ولعله كذلك – فإنه يمكننا وصف بعض الجمادات بأنها كائنات حية، حيث إنها تستهلك ذاتها وتتغير خواصها دون تأثير خارجي، وبصورة سريعة نسبيًا، وتتحول إلى أشياء أخرى مختلفة عن الأصل.. مثل العناصر الطبيعية المُشِعَّة! وربما لا نكون قد ابتعدنا عن الحقيقة والواقع كثيرًا، إذا قُلنا بأن بعض البشر يصح وصفهم بالجماد، من حيث أن سلوكياتهم وممارساتهم وقناعاتهم ومبادئهم التي تحدد هوياتهم، لا تنبع من ذواتهم، إنما تنبع من خارجهم! ولتوضيح ما يبدو أنه مفارقة هنا، عند القول بخضوع كل الموجودات لقوانين الطبيعة، وفي ذات الوقت القول بأن الكائن الحي ذاتي التحول والتغير، نقول: إن الكائن الحي هو عبارة عن اتحاد مجموعة من العناصر المختلفة، وبحسب قوانين الطبيعة فإن تلاقي العناصر ذات الخصائص المختلفة، يُحتِّم حصول التحول وظهور نتائج محددة وحتمية! وبهذا يكون التحول الذاتي عند الكائن الحي، هو نظرية صحيحة فقط عند النظر إلى الكائن الحي على أنه كتلة واحد، بينما يكون سلوك الكائن الحي نتيجة طبيعية لقوانين الطبيعة عند النظر إليه باعتباره اتحاد مجموعة من العناصر المختلفة المتفاعلة – وهذا هو الواقع الحقيقي 
. حياة البشر 
.. يمكننا أن نُعرِّف حياة البشر – بالعموم وليس بالمطلق- بأنها مستوياتٌ أو مراحل أربعة، من الانتظار الحقيقي المصحوب بفعل جزئي واستعداد افتراضي..،
 1- مرحلة الشعور بالحياة! وهي انتظار الصغار لمرحلة البلوغ، أملاً في إدراك ما يجهلونه، وتحقيق ما يعتقدون أن طفولتهم تحول دون تحقيقه!
 2- مرحلة الإحساس بالحياة! وهي انتظار المراهقين وسعيهم لانتزاع إقرار المجتمع بوجودهم، وانتزاع حقهم في إشباع الغرائز وتلبية الشهوات والرغبات، والمنافسة على المراكز التي تُثبِتُ وجودهم وتُبرز تَمَيُّزهم – المفترض!
 3- مرحلة انتظار المجهول بعد تجاوز المعلوم! حيث يدخل الإنسان – بعد الزواج والإنجاب – ساحة الاستسلام رافعًا راية الرفض، مُكابرًا مُحاولاً تجاهل خيبة الظن التي لم تبرح حساباته في كل المحطات التي مرَّ بها!
 4- مرحلة البحث عن الحياة! حيث يتساءل الإنسان، عندما تخور قواه ويكاد يُدركه اليأس ويرفضه المكان ويستعجله الزمان..، يتساءل: هل أنه كان حيّاً بالفعل فيما مضى من زمن! لكن ذلك غير صحيح، لأن معنى ذلك أن الحياة التي تم احتسابها عليه، هي فقط ذلك القلق الذي كان يملأه، والجُهد الذي كان يبذله، والسرور اللحظي الذي كان يختفي قبل أن تكتمل مَشاهده! أم إنه لم يكن حيّاً، بل كان يبحث عن شيء اسمه الحياة..، وهل عليه أن يَجدَّ ويجتهد في البحث عنه – أكثر من ذي قبل – فيما تَبقى له من قُدرة ومن زمن، وهو الهدف الذي لم يُحققه عندما كانت ظروفه أفضل! أم إن فلسفة الكينونة والحياة ونظرية الوجود المستقل التي يعتقدها ويعمل ويحلم ويُفكِّر الإنسان على أساسها، هي العنصر الذي يحمل القيمة الخطأ في معادلة وجود الإنسان..، وأن تلك الفلسفة والنظرية هي التي أعطت لكل النتائج انحرافها..، وأن الإنسان الفرد في حقيقته ربما لا يعدو أن يكون ذرة في جزيء أو خلية في نسيج، يؤدي وظيفة ثانوية تكميلية غير مباشرة، تتنافس على أدائها كل الخلايا المتشابهة، في جسد كائن مجهولٍ اسمه الحياة..، وأن جسد ذلك الكائن يُجَدِّد خلاياه بما يوافق مصلحته وغايته، وأن الخلية التي يَقِلُ عطاؤها، ينتهي دورها، ويُصبح وجودها عبئًا على الجسد، فيلفظها – حين يستغني عن خدماتها..، وكل الخلايا سيَقِلُّ عطاؤها وستُلفَظُ يومًا..، وذلك تمامًا ما تفعله كل الأجساد الحَيَّة مع خلاياها، حيث إنَّ الخلايا (كرات الدم البيضاء – مثلاً) تبدو ككائناتٍ تُفكِّر وتعمل كما لو كانت لها كيانات مستقلة ذاتية القرار..، بينما هي في الحقيقة خاضعة لآلية خارجة عن سيطرتها، تقوم تلك الآلية بتفعيل الخلايا وتوجيهها وحثها على الفعل والتكاثر وأداء دور معين، كما تقوم تلك الآلية بتجديد الخلايا – تدمير القديم واستحداث البديل..، فلو كان للخلايا كيانات مستقلة وذاتية القرار، لأصبح موتها انتحارًا، ولأصبح تكاثرها وأداؤها لدورها المميت غباءً..، وكذلك الإنسان! في المرحلة الأولى، يكون الإنسان مهووسًا بتعبئة الفراغات المعرفية، مدفوعًا بحب الاكتشاف وإدراك الجديد..، في المرحلة الثانية، يبدأ الإنسان بمطاردة أملٍ وهمي، مصدره ثقة مفرطة في النفس، تُبرِّرها حيوية مرحلية، تدفع الإنسان على الاعتقاد بجهل وضعف الآخرين..، والأساس في كل ذلك هو جهل الإنسان – شبه التام – بحقيقة ما يجري من حوله، وجهله المرحلي بحقيقة مكانته ومحدودية إدراكه ودوره وقدرته! في المرحلة الثالثة، يقل اهتمام الإنسان بمبدأ القناعة بما يفعل، حيث تدخل عناصر جديدة مجهولة القِيم في معادلة الفعل، حين يُصبح الإنسان يعمل لمصلحة غيره – بغض النظر عن رغبته وإرادته وحتى مقدرته -، حيث يتغاضى الوالدان عن قِسم كبيرٍ من حقوقهما وسعادتهما وقناعتهما، نزولاً عند حاجة الأبناء، ورضوخًا لعاطفة مصدرها الإحساس بالضعف الطبيعي والشعور الزائف بقوة وقيمة افتراضيتين وهميتين..، إن حجم الأسرة وخصوصية متطلباتها، هي التي تُحدد لولي الأمر الحد الأدنى من الجُهد الذي عليه أن يبذله، وحجم القلق الذي عليه أن يحمله! في المرحلة الرابعة، يكون الإرهاق قد نال من الإنسان، فلا يعود عقله وذاكرته وإمكاناته الذهنية والنفسية والجسمانية تُسعفه أو تسمح له بالتفكير بهدف إنتاج المعرفة، ولا حتى باستقبالها من خارجه! فَيَنصَبُّ جهده على تقليب محتويات الذاكرة، ويقتصر تفكيره على المقارنة بين نتائج التجارب السابقة، بحثًا عن أنسب المقاربات كإجابة نهائية لسؤاله عن كُنه الحياة..، ذلك السؤال الذي يتجدد ويزداد قوة بالتناسب الطردي مع ضعف الإنسان واقترابه من نهاية الطريق – وهو صِفر اليدين من أي قيمة وأي معنى وأي تعريف للحياة – التي كانت عنوانًا لكل ما بذله من جُهد وما أنفقه من زمن! في هذه المرحلة، يتطرف الإنسان ويتشدد ويتعصب إلى النتيجة التي يقع اختياره عليها من بين مخزوناته العقائدية..، فإذا كان الإنسان مؤمنًا بالبعث وحياة أخرى بعد الموت، يكون في آخر أيامه مُتطرفًا في إيمانه ملتزمًا واعظًا ناصحًا كأنه لم يكن مؤمنًا قبل ذلك..، وهو السلوك الذي يدعوه المؤمنون بالتوبة! ولعل الحقيقة هنا، هي أن ما يُسمَّى بالتوبة – خاصة في نهاية العُمر – هي ليست سوى إقرار من الإنسان بالفشل والصدمة وخيبة الظن، وبأنه لم يعد أمامه مُتَّسع من الوقت للبحث بنفسه أو لانتظار نتائج أبحاث الآخرين عن كُنه وقيمة الحياة، فيحسم أمره على التصديق بالحياة الأخرى، ويدعوها بالحياة الحقيقية والأبدية، ويُشدد على الربط بينها وبين الحياة التي يوشك على مغادرتها..، وذلك كعزاء أخير من الإنسان لنفسه وكورقة أخيرة يرميها في وجه اليأس دون المقدرة على التحقق من النتيجة، بل ودون المقدرة حتى على مجرد الخوض في تفاصيل واحتمالات النتيجة هذه المرة، مكتفيًا بتفاؤلٍ وأملٍ ليس لهما ما يُبررهما سوى الضعف واليأس اللذين لم يعد الإنسان قادرًا على إخفائهما!

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ