face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 18 يناير 2022

الوجود الطبيعي والوجود المُكرَّم!!

1 تعليق


 القول أو الاعتقاد بأن الإنسان عمومًا هو كائن مُكرَّم، هو ليس ضربًا من الوهم فحسب، بل هو افتراء
 وكذب صريح! إن المجتمعات البشرية لم تخلُ من المتسولين يومًا! ولا يمكن الجمع بين التسول والكرامة! فالمتسولون هم بشرٌ أذلاء دون أدنى ريب! ولا يقتصر مفهوم التسول على طلب المال لسد حاجة لحظية! بل إن طلب أي نوع من المساعدة هو صنفٍ أصيل من أصناف التسول والذل! ومن الأهمية هنا التفريق بين أصناف المتسولين الأذلاء! فالذي يطلب مساعدة الآخرين أو يقبل بها، في حين هو قادر على الاكتفاء والاستغناء عن الآخرين، هو صنف ذليل يعشق الذل، وربما كان مجبولاً على سلوك الذل وممارسة التسول! أما المتسول الذي يطلب المساعدة لأنه أضعف من أن يُغني نفسه عن التسول، فهو ليس مُدانًا لكنه ذليل! وربما تكون إدانته في قبوله بحياة الذل، وليس في تسوله! وهذا الواقع المُعاش، يدحض اعتقاد أتباع الأديان المختلفة، الذين يعتقدون ويؤمنون بأن الإنسان كائن حي مُكرَّم، وأنه يعود في خلقه ووجوده وتكريمه إلى مشيئة الخالق مباشرة! إن أصدق وصف للحياة، هو أقسى الأوصاف وأبشعها، وهو أن الحياة صفةٌ لا تليق إلا بالحيوانات عامة، وبالأقوياء من العقلاء خاصة! ذلك لأن الحياة باختصار هي أن يُدرك الحي معنى الكرامة والحرية ويعيشها ويُمارسها كالأقوياء من البشر، أو ألا يُدركها كالحيوانات! أما ما بينهما فليست حياة وليست لا حياة، بل هي مراحل طويلة ومملة من الإحساس بالخوف والأسى، وممارسة الوهم والجهل والكذب، يقضيها الحي العاقل الضعيف بانتظار الموت! الذين يُسَمُّون أنفسهم بالمتفائلين، وهم في الحقيقة ليسو سوى عاطفيين ضعفاء ومنهم الجهلاء..، يحلو لهؤلاء القول: إن فعل الصواب، وتحقيق الخير لنفسه ولبني جنسه، هو دافعه للفعل، وهو سبب تعلق الإنسان العاقل بالحياة وحبه لها رُغم صعوبتها ولا منطقيتها! لكن هذا القول أو هذا الاعتقاد ينطوي على مفارقات ومغالطات تدحض حُجَّته.. منها:

 * على اعتبار أن الإنسان لا يُدرك مآلات الأمور، فقد يكون ما يفعله خيرًا في ظاهره ونية فاعله، لكنه في جوهره عبارة عن إخراج لمارد الشر من قمقمه..، حيث إن ما هو خير اليوم، ربما أصبح هو مصدر الشر غدًا، ويصبح حينها الفاعل فاعل شر – بغض النظر عن نيته! والأهم أنه لن يكون بمقدور الفاعل إرجاع ما كان إلى ما كان!

 ** إن ما يدعوه الإنسان بفعل الخير، ما هو إلا أنانية بشرية مقيتة – بالنسبة لبقية الموجودات، فلا تقوم سعادة الإنسان وتعمير الأرض إلا بتدمير وحرق وتحوير الجماد، وقتل وافتراس الحيوان والنبات، وتلويث البيئة!

 *** إنه، وحتى تلك المستويات أو تلك الأصناف من أفعال الخير، والمتمثلة في التواصل الاجتماعي والمواساة وتقديم الخدمات المجانية – ظاهريًا-، فإن تصنيفها كأفعال خير ينطوي على مُغالطات كثيرة وكبيرة، ويخلو تمامًا من الأمانة العلمية، ويتجاهل مقتضيات المسئولية الأخلاقية..، فما يُسمَّى اصطلاحًا أو افتراضًا بأفعال الخير هنا، هي تحقيق مصالح ذاتية قبل كل شيء، فإقامة العلاقات يكون لتسهيل إنجاز مصالح الذات بالدرجة الأولى، فلا يفعل أحدهم الخير لغيره إلا إذا كان سيعود عليه هو بالنفع! والأدهى من ذلك هي محاولة إظهار الممارسات بغير حقيقتها..، إذ إن مرجعية هذه الأفعال – لدى جُلِّ البشر – وهُم المؤمنين- هي الخوف والطمع، فلا يفعلون الخير حُبّاً في الخير! وبذلك تكون أفعال الخير المفترضة، هي في أحسن الأحوال تجارة بين الإنسان – فاعل الخير المفترض-، وبين الإله..، وهي بالنتيجة تجارة، والتجارة أساسها تحقيق منفعة الذات وليس تحقيق الخير لأجل الخير أو لأجل الآخرين! بل قد يكون ضرر الآخرين هو مادة وطبيعة التجارة، مثل الإنسان الذي يقتل أخيه الإنسان أو يستعبده، ثمنًا لصفقة مربحة مع إله مزعوم..، فهنا يجتمع الشر والجهل لقتل الخير بذريعة فعل الخير! 

حياة البشر.. يمكننا أن نُعرِّف حياة البشر – بالعموم وليس بالمطلق- بأنها مستوياتٌ أو مراحل أربعة، من الانتظار الحقيقي المصحوب بفعل جزئي واستعداد افتراضي..،

 1- مرحلة الشعور بالحياة! وهي انتظار الصغار لمرحلة البلوغ، أملاً في إدراك ما يجهلونه، وتحقيق ما يعتقدون أن طفولتهم تحول دون تحقيقه!

 2- مرحلة الإحساس بالحياة! وهي انتظار المراهقين وسعيهم لانتزاع إقرار المجتمع بوجودهم، وانتزاع حقهم في إشباع الغرائز وتلبية الشهوات والرغبات، والمنافسة على المراكز التي تُثبِتُ وجودهم وتُبرز تَمَيُّزهم – المفترض!

 3- مرحلة انتظار المجهول بعد تجاوز المعلوم! حيث يدخل الإنسان – بعد الزواج والإنجاب – ساحة الاستسلام رافعًا راية الرفض، مُكابرًا مُحاولاً تجاهل خيبة الظن التي لم تبرح حساباته في كل المحطات التي مرَّ بها!

 4- مرحلة البحث عن الحياة! حيث يتساءل الإنسان، عندما تخور قواه ويكاد يُدركه اليأس ويرفضه المكان ويستعجله الزمان..، يتساءل: هل أنه كان حيّاً بالفعل فيما مضى من زمن! لكن ذلك غير صحيح، لأن معنى ذلك أن الحياة التي تم احتسابها عليه، هي فقط ذلك القلق الذي كان يملأه، والجُهد الذي كان يبذله، والسرور اللحظي الذي كان يختفي قبل أن تكتمل مَشاهده! أم إنه لم يكن حيّاً، بل كان يبحث عن شيء اسمه الحياة..، وهل عليه أن يَجدَّ ويجتهد في البحث عنه – أكثر من ذي قبل – فيما تَبقى له من قُدرة ومن زمن، وهو الهدف الذي لم يُحققه عندما كانت ظروفه أفضل! أم إن فلسفة الكينونة والحياة ونظرية الوجود المستقل التي يعتقدها ويعمل ويحلم ويُفكِّر الإنسان على أساسها، هي العنصر الذي يحمل القيمة الخطأ في معادلة وجود الإنسان..، وأن تلك الفلسفة والنظرية هي التي أعطت لكل النتائج انحرافها..، وأن الإنسان الفرد في حقيقته ربما لا يعدو أن يكون ذرة في جزيء أو خلية في نسيج، يؤدي وظيفة ثانوية تكميلية غير مباشرة، تتنافس على أدائها كل الخلايا المتشابهة، في جسد كائن مجهولٍ اسمه الحياة..، وأن جسد ذلك الكائن يُجَدِّد خلاياه بما يوافق مصلحته وغايته، وأن الخلية التي يَقِلُ عطاؤها، ينتهي دورها، ويُصبح وجودها عبئًا على الجسد، فيلفظها – حين يستغني عن خدماتها..، وكل الخلايا سيَقِلُّ عطاؤها وستُلفَظُ يومًا..، وذلك تمامًا ما تفعله كل الأجساد الحَيَّة مع خلاياها، حيث إنَّ الخلايا (كرات الدم البيضاء – مثلاً) تبدو ككائناتٍ تُفكِّر وتعمل كما لو كانت لها كيانات مستقلة ذاتية القرار..، بينما هي في الحقيقة خاضعة لآلية خارجة عن سيطرتها، تقوم تلك الآلية بتفعيل الخلايا وتوجيهها وحثها على الفعل والتكاثر وأداء دور معين، كما تقوم تلك الآلية بتجديد الخلايا – تدمير القديم واستحداث البديل..، فلو كان للخلايا كيانات مستقلة وذاتية القرار، لأصبح موتها انتحارًا، ولأصبح تكاثرها وأداؤها لدورها المميت غباءً..، وكذلك الإنسان! في المرحلة الأولى، يكون الإنسان مهووسًا بتعبئة الفراغات المعرفية، مدفوعًا بحب الاكتشاف وإدراك الجديد..، في المرحلة الثانية، يبدأ الإنسان بمطاردة أملٍ وهمي، مصدره ثقة مفرطة في النفس، تُبرِّرها حيوية مرحلية، تدفع الإنسان على الاعتقاد بجهل وضعف الآخرين..، والأساس في كل ذلك هو جهل الإنسان – شبه التام – بحقيقة ما يجري من حوله، وجهله المرحلي بحقيقة مكانته ومحدودية إدراكه ودوره وقدرته! في المرحلة الثالثة، يقل اهتمام الإنسان بمبدأ القناعة بما يفعل، حيث تدخل عناصر جديدة مجهولة القِيم في معادلة الفعل، حين يُصبح الإنسان يعمل لمصلحة غيره – بغض النظر عن رغبته وإرادته وحتى مقدرته -، حيث يتغاضى الوالدان عن قِسم كبيرٍ من حقوقهما وسعادتهما وقناعتهما، نزولاً عند حاجة الأبناء، ورضوخًا لعاطفة مصدرها الإحساس بالضعف الطبيعي والشعور الزائف بقوة وقيمة افتراضيتين وهميتين..، إن حجم الأسرة وخصوصية متطلباتها، هي التي تُحدد لولي الأمر الحد الأدنى من الجُهد الذي عليه أن يبذله، وحجم القلق الذي عليه أن يحمله! في المرحلة الرابعة، يكون الإرهاق قد نال من الإنسان، فلا يعود عقله وذاكرته وإمكاناته الذهنية والنفسية والجسمانية تُسعفه أو تسمح له بالتفكير بهدف إنتاج المعرفة، ولا حتى باستقبالها من خارجه! فَيَنصَبُّ جهده على تقليب محتويات الذاكرة، ويقتصر تفكيره على المقارنة بين نتائج التجارب السابقة، بحثًا عن أنسب المقاربات كإجابة نهائية لسؤاله عن كُنه الحياة..، ذلك السؤال الذي يتجدد ويزداد قوة بالتناسب الطردي مع ضعف الإنسان واقترابه من نهاية الطريق – وهو صِفر اليدين من أي قيمة وأي معنى وأي تعريف للحياة – التي كانت عنوانًا لكل ما بذله من جُهد وما أنفقه من زمن! في هذه المرحلة، يتطرف الإنسان ويتشدد ويتعصب إلى النتيجة التي يقع اختياره عليها من بين مخزوناته العقائدية..، فإذا كان الإنسان مؤمنًا بالبعث وحياة أخرى بعد الموت، يكون في آخر أيامه مُتطرفًا في إيمانه ملتزمًا واعظًا ناصحًا كأنه لم يكن مؤمنًا قبل ذلك..، وهو السلوك الذي يدعوه المؤمنون بالتوبة! ولعل الحقيقة هنا، هي أن ما يُسمَّى بالتوبة – خاصة في نهاية العُمر – هي ليست سوى إقرار من الإنسان بالفشل والصدمة وخيبة الظن، وبأنه لم يعد أمامه مُتَّسع من الوقت للبحث بنفسه أو لانتظار نتائج أبحاث الآخرين عن كُنه وقيمة الحياة، فيحسم أمره على التصديق بالحياة الأخرى، ويدعوها بالحياة الحقيقية والأبدية، ويُشدد على الربط بينها وبين الحياة التي يوشك على مغادرتها..، وذلك كعزاء أخير من الإنسان لنفسه وكورقة أخيرة يرميها في وجه اليأس دون المقدرة على التحقق من النتيجة، بل ودون المقدرة حتى على مجرد الخوض في تفاصيل واحتمالات النتيجة هذه المرة، مكتفيًا بتفاؤلٍ وأملٍ ليس لهما ما يُبررهما سوى الضعف واليأس اللذين لم يعد الإنسان قادرًا على إخفائهما!

الاثنين، 17 يناير 2022

ما الفرق بين وجودنا والحياة؟

1 تعليق



نحن مضطرون للتنفس، لكن لسنا مضطرين للقراءة ..، أو هذا ما يبدو لنا ظاهريًا .. الفعل الحياتي هو كل فعل غريزي وإجباري، ويفعله كل البشر دون استثناء ..، بينما الفعل الوجودي هو كل فعل منطقي اختياري، وليس الكل يفعله ..، أو هذا ما نراه في الواقع .. لكن الحقيقة شيء آخر، أو لنقل بأن الأمر سيبدو لنا مختلفًا إذا نظرنا له من زاوية أخرى وبرؤية أعمق، حيث سيبدو لنا أن كلا الفعلين إجباري، أو هو حتمي .. الفعل الحياتي هو التعبير عن الحياة ..، هو تعبير طبيعي حتمي عن الاختلاف بين الأحياء والأموات أو بين الكائن الحي والجماد ..، والفعل الوجودي هو التعبير عن الوجود ..، هو تعبير طبيعي حتمي عن الاختلاف بين إنسان وإنسان آخر أو بين كائن حي وكائن حي آخر ..، لولا الأفعال الوجودية لما ظهر الفرق بين الإنسان والحيوان ..، تمامًا كما أنه لولا الأفعال الحياتية لما كان هناك فرق بين الكائن الحي والجماد .. الفرق بين الإنسان والحيوان لا يستوجب تمجيدًا أو تقديسًا أو تفضيلاً للإنسان على الحيوان، فالإنسان ليس هو من صنع الفرق بينه وبين الحيوان، بل إن الفرق مجرد تحصيل حاصل لفعل قوانين الطبيعة، وأكثر من ذلك هو إثبات لتأثيرها القهري على الإنسان أكثر منه على الحيوان ..، إذ يمكننا القول بأن الحيوان قد استطاع إيقاف تطور الطبيعة داخله، فتجمدت عند حد معين، مما جعل الحيوانات تتمتع بكل ما يتمتع به الإنسان – لكن بحرية مطلقة يفتقدها الإنسان، وبدون العيوب التي يشتكي منها الإنسان، فتطور الطبيعة في الإنسان كان نقمة على الإنسان، وهو على كل حال سواء كان نعمة أو نقمة، فهو أمر لا فضل ولا ذنب للإنسان فيه، وما تمجيدنا للأذكياء وذمنا للأغبياء إلا عين الجهل والحمق والبدائية والغباء .. الإنسان والحيوان وغيرهما، عبارة عن ساحات أو مختبرات لتجارب قوانين الطبيعة .. لاشيء موجود إلا ويكون قد دفع ضريبة الوجود، وهي الخضوع التام لقوانين الطبيعة – حياتيًا ووجوديًا .. خضوعنا لقوانين الطبيعة في الأفعال الحياتية يبدو واضحًا أو تأثيرها علينا يبدو مباشرًا تقريبًا ..، إما أن نشرب أو نموت فورًا – مثلاً .. فعل الصيام هو ممارسة لفعل حياتي بصورة وجودية! لكن علاقة قوانين الطبيعة بأفعالنا الوجودية الحقيقية تبدو علاقة غير مباشرة، بسبب وجود بدائل عديدة من الأفعال الوجودية (غناء، رسم، كتابة، .. الخ)، وهذا ما أوجد الخلط لدى البشر، وجعلهم يتخيلون خطأً بأن لديهم إرادة الاختيار أو إرادة الفعل وعدم الفعل بمعزل عن أي تأثير داخلي أو خارجي ..، ولذلك يُحاسَب الإنسان على سلوكه، بينما في الحقيقة ينبغي أن يُعالج الجميع ولا يُحاسَب أحد .. إن كل ما يفعله الإنسان، ما هو إلا تعبير تلقائي واستجابة طبيعية، لما يجده لديه من حاجة لأداء أفعال حياتية وأخرى وجودية! أفعال حياتية .. تنفس، شرب، أكل، .. الخ! أفعال وجودية .. غناء، رسم، تجميل، تفكير، مساعدة الآخرين، استعباد الآخرين .. الخ! الأفعال الحياتية .. أدركنا مبرراتها بسهولة، فلم نعد نتساءل حولها، وذلك بسبب ارتباطها المباشر بحياتنا، وبسبب قِصر دورتها الزمنية، والسبب الأهم هو عدم وجود بدائل من هذه الأفعال .. مثلاً .. لو كانت أقصر مدة مطلوبة للإنسان بين كل شربة ماء وأخرى هي عشر سنوات، لما توقف البحث والسؤال عن سبب شربنا للماء! ولو كان هناك بديل لشرب الماء، بحيث كان بعضنا لا يحيا بغير الماء، بينما جُلنا يتناولون بديلًا آخر ولا يشربون الماء أبدًا ..، لو كان الواقع هكذا لما توقف السؤال عن سبب إصرار بعضنا على شرب الماء ..، ولو مات أحدهم بسبب نقص الماء، لتساءلنا لماذا لم يتناول البديل؟ لكن لأن الكل يمارسون فعل شرب الماء، ولا بديل عنه، لذلك لم يعد من معنى لطلب مبرر لهذا الفعل، وأصبح غياب الماء مبررًا للموت – لا جدال ولا خلاف حوله! الأفعال الوجودية .. كثرة البدائل في مجال الأفعال الوجودية، جعل السؤال حول دوافعها ومبرراتها لا يتوقف! مثلاً .. يمكن للرسام أن يحيا بدون غناء، لذلك يبدو منطقيًا لو أنه تساءل عن سبب الغناء! ولو قيل لنحات، بأن أحدهم قد انتحر لأنه مُنِع من القراءة والكتابة، ربما لا يستطيع تصور ذلك، ولا يرى انتحاره مبررًا! - يمكن لمن يجد نفسه في مساعدة الضعفاء أن يحيا بدون رسم، لذلك قد لا يرى مبررًا للرسم، وقد يرى أن الصواب هو أن يتحول الجميع إلى مساعدين للضعفاء وحسب! - لا يمكن للفيلسوف أن يتوقف ساعة عن التفكير في الوجود .. وبذلك يكون من المنطقي أن يتساءل: لماذا لا يفكر الآخرون مثله، بل كيف يمكنهم الوجود بدون تفكير مستمر؟ - تطور قوانين الطبيعة التي تعمل داخل خلايا وذرات الفلاسفة، جعلتهم يرون أفق المعرفة قبل غيرهم، ويرون سُبُلًا كثيرة وسهلة لتحسين حياة البشر، ولا يفهمون سبب تمسك البشر بأساليبهم التقليدية في الحياة، ويرون أن ذلك لا يمكن أن يكون إلا مقصودًا مفتعلاً، ولا يُدركون أنه ناتج عن غباء طبيعي قهري بفعل بساطة وعدم تطور قوانين الطبيعة التي تعمل داخل خلايا وذرات البشر التقليديين .. كل ذلك بسبب النظرة التقليدية للإنسان، تلك النظرة التي تعتبر الإنسان كيانًا واحدًا يمتلك إرادته، ولا يختلف عن غيره من البشر إلا برغبته وإرادته .. - المستبدون أو الذين لا يرون ضيرًا في استعبادهم لغيرهم من البشر، هم يفعلون ذلك بسبب خضوعهم لقوانين الطبيعة داخلهم، والتي لا تفرِّق من حيث المبدأ بين البشر والحيوان، ولذلك هم لا يرون فرقًا بين امتلاكهم لحيوان وامتلاكهم لإنسان .. - الاتفاق بين كل البشر على الوسطية ممكن، لكن الخطأ وعدم حصول الاتفاق هو بسبب الاعتقاد بأصولية المبادئ، أو محاولة تأصيل الأخلاق والمبادئ، واعتبارها كونية، والاعتقاد بأن الانحراف عنها لا يكون إلا تعمدًا للانحراف .. - الانتحار – بغض النظر عن السبب -، أو على سبيل المثال الانتحار بسبب العجز عن الإبداع، هو مثال واضح جدًا يبين خضوع الإنسان لقوانين الطبيعة، فهو عبارة عن تصادم بين قوانين الطبيعة داخل المبدع وقوانين الطبيعة خارجه، ما يؤدي إلى توقف القوانين الجزئية العاملة داخله، خضوعًا للقوانين العامة العاملة خارجة .. الانتحار بسبب العجز عن الإبداع، عادةً هو سبب انتحار الأذكياء المبدعين ..، لكن حتى الانتحار التقليدي بسبب الفقر مثلاً، هو انتحار بسبب عجز عن الإبداع كذلك .. الخلاصة .. بالنسبة للإنسان، الحياة ليست غاية لذاتها، إنما هي مجرد وسيلة لممارسة الوجود .. تطور الوعي لدى الإنسان وتحوله إلى إدراك، هو الذي استوجب ممارسة الأفعال الوجودية .. ممارسة الأفعال الوجودية أساسها حاجة لإحداث المعرفة .. الوعي هو امتلاك ذاكرة قادرة على تسجيل الأحداث والمَشاهِد والمعلومات، واستعادتها عند تشابه المواقف .. الإدراك ناتج عن اتصال الذاكرة بالخيال، ما يسمح باستعمال مخزون الذاكرة المحدود من المعرفة لإنتاج معارف جديدة .. الحيوان يكتفي بممارسة الحياة، لأن وعيه قد توقف عند المرحلة البدائية الأولية، ولم يتطور إلى إدراك .. الحيوان يمتلك ذاكرة، وبذلك فهو يمتلك وعيًا، لكنه غير مدرك لأنه لا يمتلك خيالاً .. الحيوان لا يتعامل مع ذات الموقف وذات المكان بذات الأسلوب في المرة الثانية والثالثة .. وهكذا .. النبات يمتلك ذاكرة، لكنه لا يمتلك وعيًا، لأنه غير متنقل!

الثلاثاء، 4 يناير 2022

المزاج الفاعل وآلية صُنع الوجود !

0 تعليق



فلسفة وفيـزياء .. لماذا ينعدم المنطق عند المستوى الكمومي؟ معلوم أن ما يُعرف بالمستوى الكمومي، هو المستوى تحت الذري! وسُميَّ بالمستوى الكمومي لأن سلوك المكوِّن الواحد من مكونات هذا المستوى من إلكترونات ونيوترونات وغيرها، هو سلوك كمية واحدة وليس سلوك جسيم واحد – ! ولعل التسمية الأنسب والأدق لسلوك مكونات هذا العالم تحت الذري، هي: السلوك المزاجي! الذرة كوحدة واحدة، يمكن حساب نتائج سلوكها مسبقًا، لكن لا يمكن التنبؤ بسلوك أي من مكوناتها منفردًا .. وهذا عُدَّ أحد أوجه اللا منطق في المستوى الكمومي! المستوى الكمومي بمعنى من المعاني هو المستوى الفردي! وفي الواقع ليس فقط الذرة ومكوناتها، بل إن المنطق الذي يحكم سلوك أي كيان مركب، لا يمكن أن يحكم سلوك أي من مكوناته منفردًا، سواء كان هذا الكيان ذرة أو مجتمع بشري ..، علماء الفيزياء يؤكدون حقيقة ويرفضون فكرتها .. وهي أن سلوك الذرة منطقي، بينما سلوك مكوناتها غير منطقي ..، سلوك الإلكترون مثلاً! والحقيقة تبدو وكأنما العلماء يرفضون أمرًا لا يصح رفضه، لأنه هو ما ينبغي أن يكون، فسلوك مكونات الذرة يجب أن يكون مزاجيًا لا منطقيًا، لأن ذلك شرط لتكوُّن الذرة، وشرط لاختلاف خصائص المواد، إذ لو كان سلوك مكونات الذرة منطقيًا لاستحال وجودها – استحال تكونها – استحال نشوء الذرة من الأساس، واستحال اختلاف وتنوع المواد والأحياء؛ وحتى لو تكونت ذرات، فإنها ستكون معدومة الذاتية - الدينامية - ما لم يكن سلوك مكوناتها مزاجيًا! انعدام الدينامية في الأشياء، يعني انعدام قدرة الأشياء على الفعل، وهو ما يعني انعدام صفة الوجودية .. وهنا نؤكد على أمر نراه هامًا جدًا، وهو أن الذرة ليست أصغر شيء في الكون، لكنها أصغر شيء في الوجود! وهذا يعني أن الذرة هي أصغر شيء يحمل صفة الوجودية! صفة الوجودية تعني أن الشيء حدث وليس أصلاً .. وتعني صفة الوجودية أن الشيء يتكون أو يتألف من مكونات مختلفة، قابلة وآيلة للتفكك ..، والذرة هي أصغر شيء تتحقق فيه هذه المواصفات .. بينما كل مكون من مكونات الذرة لا ينبغي له، أي لا يمكنه أن يحمل صفة الوجودية، بل لا بد أن يحمل صفة الكونية .. أي صفة الأزلية والديمومة .. أي الكينونة! والمنطق رهن بالوجودية لا بالكونية ..، الكون أمرٌ منسوبٌ إلى المطلق، أما الوجود فهو شيء منسوب لنا .. منسوب لمعرفتنا وفهمنا وإدراكنا! السلوك المنطقي يفرضه اتحاد بين أشياء لا منطقية! فاتحاد أمزجة مختلفة ينتج عنه سلوك منطقي بالضرورة! لا منطق ولا حاجة للمنطق بدون اتحاد، ولا اتحاد إلا بين أمزجة مختلفة .. إذا اتحدت أمزجة متشابهة، فإن اتحادها يُسمَّى نموًّا وليس اتحادًا! بالنظر من الزاوية الكونية، فإن المنطق ليس سلوكًا طبيعيًا أبدًا، بل هو سلوك ظرفي يُعبِّر عن حدث ..، هذا الحدث هو انعدام الحرية في حيِّز ما من الكون ..، مما يعني أن هذا الحيِّز أصبح مشغولاً بشيء موجود مؤقتًا! المنطق ليس شرطًا لتكون الأشياء ونشوء الجماعات، بل هو نتيجة لتكون الأشياء ونشوء الجماعات ..، بل إن غياب المنطق عند لحظة النشوء والتكون، هو سبب وشرط لحصول النشوء والتكون .. لكن غياب المنطق عند لحظة النشوء، لا يعني عدم قدرتنا على تصور وفهم كيفية حدوث النشوء .. المنطق = مزاج محدود ، والمزاج = منطق لا محدود! المزاج أصل كوني، والمنطق استثناء وجودي .. المزاج نقيض المنطق، وهو الذي يُنتج المنطق .. المزاج يعني الحرية المطلقة لفعل كل ما هو ممكن دون قيود منطقية، وهذه صفة إطلاق، أي صفة كونية! بينما المنطق يعني الالتزام، وهي صفة المحدودية، أي صفة وجودية .. لا يمكن لشيء أن يحمل صفة الوجود (التشكل)، إلا بحصول توازن بين مكوناته المختلفة ..، وحصول توازن يعني بالضرورة نشوء معادلة منطقية تحكم سلوك المجموعة المتشكلة كي تظل متماسكة .. وهذا يعني أن المنطق هو نتيجة وشرط للوجود، وليس سلوكًا طبيعيًا للموجودات .. وبذلك، فإنه لا معنى للبحث عن المنطق في سلوك إلكترون أو فوتون منفردًا! 

 الأمزجة الفاعلة هي مكونات الكون الحرة .. المزاج الفاعل يكشف أسرار الوجود .. فما هو المزاج الفاعل؟ المزاج الفاعل = وحدة كونية، وليس شيئًا وجوديًا! الشيء الوجودي أو الشيء الموجود لا يكون إلا مركبًا، ويتألف من مكونات مختلفة الخصائص! الإلكترون، البروتون، النيوترون، الكوارك، الفوتون، .. .. الخ ..، هي وحدات كونية، أي أنها أمزجة فاعلة، أي أنها أصول، وليست مركبات مؤلفة من مكونات مختلفة الخصائص! المزاج الفاعل هو الذي يصنع قوانين الطبيعة المنطقية، وبذلك فهو لا يخضع للمنطق، لأن الخضوع للمنطق هو صفة وجودية وليس صفة كونية! من أين جاء المزاج الفاعل؟ الأمزجة الفاعلة هي وحدات كونية أزلية .. كينونة وأزلية المزاج الفاعل، ضرورة لنشوء الوجود ولحصول الدينامية في الموجودات بعد نشوئها ..، وكينونة وأزلية المزاج الفاعل ليست فرضية، بل هي حقيقة وجدناها متجسدة في مكونات العالم تحت الذري! المزاج الكوني تمثله الحرية في حياة البشر، ولذلك لا توجد دينامية – لا يحدث نشاط – لا يحصل إبداع حيثما غابت الحرية في المجتمعات البشرية .. 

 الذرة تحتوي الإلكترون، والذرة لا تتواجد في أكثر من مكان في ذات اللحظة، وبذلك فهي خاضعة للمنطق .. بينما الإلكترون سواء كان داخل الذرة أو خارجها، فإنه يبدو قادرًا على التواجد في أكثر من مكان في ذات اللحظة ..، وهذا خروج عن المنطق .. والأمر ذاته يحصل في أي مجتمع بشري، حيث لا يمكن لأي مجتمع أن يرفض الكذب ويقبله في الوقت ذاته، وهذا خضوع للمنطق .. لكن كل فرد من أفراد ذات المجتمع، قادر على حمل صفات رفض وممارسة ونبذ وقبول الكذب في الوقت ذاته ..، وهذا خروج عن المنطق!

 الإلكترون يتواجد في أكثر من موضع في ذات اللحظة .. كيف يكون ذلك صحيحًا، ولماذا لا يمكننا تصوره؟ الجواب .. أولاً: هذه النتيجة ليست نتيجة قياسات منطقية، لأن المنطق لا يستطيع قياس مثل هذه النتيجة .. فهذه النتيجة هي نتيجة مشاهدات وملاحظات اشتركت فيها عدة عناصر ليس بينها عنصر واحد مثالي .. بالإضافة إلى أن الإلكترون يتأثر بعمليات القياس والملاحظة، وبالتالي لا يمكن اعتماد هذه النتيجة كنتيجة علمية ونهائية لسلوك الإلكترون! ثانيًا: لعله ليس صحيحًا أبدًا افتراض إمكانية وجود أو إمكانية إحداث فراغ في أي مكان في الكون، من أجل دراسة السلوك الحقيقي للإلكترون والفوتون وغيرهما من مكونات ما يعرف بالمستوى الكمومي .. وعدم وجود فراغ، يعني أن الإلكترون والفوتون يعملان في وسط ما ، وليس ثمة مانع منطقي من أن يكون ذلك الوسط يعمل عمل المرايا، فيكون ظهور الإلكترون في في أكثر من مكان في الوقت ذاته، أمر طبيعي ومنطقي؛ وكذلك فإنه لا مانع أبدًا من أن يكون ذلك الوسط يعمل عمل الموصل بالنسبة لفوتون الضوء، وبالتالي يكون انتشار الضوء في كل الاتجاهات بذات السرعة، وسرعته الخيالية وكل ما يتعلق بالضوء، كلها عمليات منطقية وقابلة للفهم والتصور ببساطة كبيرة! ثالثًا: من المنطقي والمقبول جدًا أن نخرج بنتيجة لا منطقية لسلوك الإلكترون، لأننا نقيس سلوك الإلكترون بالمعيار الوجودي وليس بالمعيار الكوني ..، بينما الإلكترون وحدة كونية، وليس شيئًا وجوديًا! المعيار الوجودي هو المعيار المنطقي المحدود .. والمعيار الكوني هو المعيار المزاجي اللا محدود .. السلوك المنطقي يعني الخضوع لقوانين الطبيعة .. السلوك المزاجي يعني صُنع قوانين الطبيعة .. 

والآن .. هل صحيح أن الوجود غامض إلى الدرجة التي ليس بمقدورنا معها وضع تصور لفكرة نشوئه وآلية عمله، إلا بافتراض بداية غير منطقية بحيث لا يمكننا تخيلها مثل الانفجار العظيم، أو بافتراض أصل مقدَّس بحيث لا يمكننا ولا ينبغي لنا تخيله – مثل الإله؟ لعل الأمر يعتمد على مدى قدرتنا على التحرر من خلفياتنا الثقافية والعقائدية التي صنعت تصوراتنا التقليدية للوجود .. فإذا افترضنا الوجود أعقد من أن نفهمه، بدا لنا كذلك .. وإذا افترضناه أسهل من أن نجهله، بدا لنا كذلك .. 

 كل النظريات التي حاولت تفسير الوجود، انطلقت من استبعاد فكرتي الأزلية الزمنية واللا نهائية المكانية للوجود المادي المرصود، ثم عُمِّم الاستبعاد على كل شيء – مرصود وغير مرصود -، فاصطدمت كل النظريات باستحالة البداية التي ليس قبلها شيء! بالنتيجة لم تستطع أي نظرية استبعاد هاتين الفكرتين، فحاولت كل نظرية بلورة مفهوم الأزلية واللا نهائية، في صور مختلفة شكليًا عن غيرها من النظريات، لكن روح الفكرتين ظلت قائمة

 الحديث دائمًا، عن الوجود من وجهة نظر أحد عناصره والذي هو الإنسان .. كل النظريات بدون استثناء، اتفقت تلقائيًا على أن الوجود المادي المتشكل المرصود (مادة، طاقة، حياة) هو حدث وليس أزلاً، .. أي أن الوجود ظاهرة طارئة وليس أصلاً ..، وذلك باعتبار أن الموجود أو المتشكل، هو مركب، وكل مركب هو بالضرورة في حالة تفكك مستمرة .. أي أن مفهوم الوجود يعني مرحلة من مراحل تفكك الموجود! وحيث إنه لا مناص من أزلية البداية ولا نهائية المكان، فإنه لا معنى ولا حاجة لافتراض تصورات سحرية لنشوء الوجود وآلية عمله .. ليس جديدًا القول بأن الوجود المتشكل، هو عبارة عن تجمعات مادية، منتشرة في وعاء كوني أزلي لا نهائي، تملأه مادة فضائية .. السؤال هو: ما سر تشكل هذه التجمعات المادية – الحية وغير الحية؟ وهنا نقول بأن السر هو المزاج الفاعل! الوسط الذي يملأ الوعاء الكوني، يعج بوحدات كونية، وكل وحدة من هذه الوحدات الكونية، هي عبارة عن مزاج فاعل .. مشهد الوجود المادي المتشكل في الوعاء الكوني، بحسب هذا التصور يبدو كأسماك في مياه محيط! فإذا تصورنا وجود خلايا حية سابحة تملأ مياه المحيط، منها ما هو متجمع على هيئة أسماك، ومنها ما هو غير منظور – سابح على هيئته الخلوية .. فإنه وبذات الخيال يمكننا تصور وحدات كونية أزلية، تملأ الفضاء الكوني الأزلي اللانهائي ..، منها ما تجمع على هيئة كواكب ونجوم، ومنها ما ظل على هيئته الأولية البنائية – وحدات كونية – أمزجة فاعلة! 

 كل ما كان أصلًا بذاته، فهو مزاج كوني فاعل! الوجودية هي تجميع وتوحيد أمزجة مختلفة بالقوة .. القوة التي توحِّد الوحدات الكونية وتُنتِج الوجود، هي قوة ناتجة عن اختلاف خصائص الوحدات الكونية – تجاذب وتنافر مثلاً! صفة الوجودية تعني جهد مبذول ..، أي استهلاك متواصل لطاقة التوحيد حتى استنفادها، وصولاً للتحرر من ظاهرة الوجود المادي، والعودة إلى حالة الكينونة - التي أساسها انفصال الوحدات الكونية عن بعضها .. استهلاك الطاقة أثناء ظاهرة الوجود المادي، يعني خروج الطاقة من المادة، وانتشارها في الوسط الذي يملأ الوعاء الكوني .. وتحرر الوحدات الكونية بعد استنفاد طاقة التوحيد، يعني عودة الوحدات الكونية للتشبع بالطاقة من جديد! ما أسميناه هنا بالوحدة الكونية أو المزاج الفاعل، هو ذكاء محض .. إلكترون، كوارك، فوتون، .. الخ . يمكننا القول بأن الذرة الواحدة عبارة عن طاقة .. والطاقة هي كل شيء مرصود وغير ذي كتلة! الصوت = طاقة مسموعة! .. التفكير = طاقة مُدركة! الفوتون = طاقة منظورة! المجال المغناطيسي = طاقة معلومة! اتحاد عدد معين من الذرات يمنحها كتلة محسوسة، وحينها نسميها "مادة"!

الاثنين، 3 يناير 2022

عداوتنا للموت وصداقتنا للحياة .. لماذا؟

1 تعليق



لا يمكننا بأي حال أن نتجاهل حقيقة مُرَّة، هي أن حب الحياة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسطحية التفكير، وبقدرة الإنسان على تحمل الإهانة وقبول العبث .. فالحياة تقوم على المزج بين التبرير والعبث، والكذب والصدق، والجد والهزل، والكرامة والمهانة .. ولذلك فإن الذي يجد لديه رفضًا حقيقيًا للمهانة والعبث، يجد لديه بالضرورة رفضًا مستمرًا ومتزايدًا للحياة! المتدينون المتطرفون في تدينهم، هم بشرٌ حسموا أمرهم في موضوع غير محسوم .. ومثلهم المتمسكون بالحياة تحت كل الظروف، الرافضون للموت كخيار وبديل طبيعي لها .. هم كلهم مجرد ضحايا ثقافات – لا مدركو حقائق .. سواء كانوا مثقفين أو غير مثقفين! صفة مثقف ليست مدحًا للإنسان بالضرورة .. فلا يخلو مثقف من تعصب أعمى لثقافة دون غيرها! ما يمكن اعتباره مدحًا للإنسان هو صفة التحرر الفكري، تلك التي تعني عدم الجزم بصواب الأمور قبل اكتمالها – على غرار عدم الجزم بحقيقة الإنسان قبل موته ..، حيث أنه قابل للتغير ما دام حيًا!
 لماذا نتشبث بحياةٍ تطردنا، ونرفض موتًا يحتضننا؟ عداوتنا للموت عبارة عن تعصب ثقافي، مثلها كمثل حبنا للحياة .. لا يمكن تبرير أي منهما! الانتقال من طلب الحياة إلى رفضها، ومن رفض الموت إلى طلبه، هو كالانتقال من معتقدٍ إلى آخر، لا يحتاج سوى إلى تفعيل الفكر لكشف خدعة المعتقد الموروث! لو كانت الحياة جميلة وحبها فطريًا، لما احتاجت لطلاء عقائدي وتزيين ثقافي متواصل طوال الوقت .. ولو كان الموت أمرًا كريهًا بالفطرة، لما احتاج لحملات تشويه مستمرة، وقوانين تمنع الترويج له إعلاميًا! ولو كان الانتحار أمرًا يدل على هشاشة الذات – كما يتبجح بذلك البعض بكل وقاحة وقلة حياء .. لما اشتهر به الفلاسفة والمتميزون! إن مما لا شك فيه، أنه لو شُنَّت حملة إعلامية لصالح الموت، معاكسة للحملة التقليدية الداعية دون مبرر لحب الحياة ..، لرأينا الناس يقبلون على كرامة الموت أفواجًا، بدل إقبالهم الآن على ذل الحياة أفواجًا! إن ما يجعل أعداد البشر تتزايد ليس هو جمال أو صواب الحياة، بل هو تزايد أعداد المواليد الذين تُقرَّر حياتهم نيابة عنهم ويُورَّطون في الحياة دون استشارتهم! وقلة أعداد المنتحرين سببها اضطرارهم للانتحار فرادى وخلسة، بسبب الحرب الشرسة ضد ثقافة الانتحار لصالح ثقافة الحياة .. فلو أن المجال الإعلامي والثقافي والتعليمي مفتوح أمام الدعوة للموت كما هو مفتوح أمام الدعوة للحياة، لتغيرت المعادلة لصالح الموت وبالنتيجة لصالح كرامة الإنسان! إن الحث المستمر على حب الحياة، والمحاربة المستمرة لثقافة الانتحار، فيه ما يدل ويؤكد بوضوح كبير أن الأمر ليس طبيعيًا أبدًا .. إن الأمر أشبه باعتناق المعتقدات من رفضها .. فالدعوة للمعتقدات تحمل طابع حب مصلحة الإنسان، لكن الإصرار على فرضها يُثبت وجود خديعة بالأمر، ويُشرعن وصاية عاقل على عاقل كأقبح ما تكون الوصاية! إن أسوأ ما يمكن أن يترتب على الموت هو الفناء، وهو أفضل من الحياة بالنسبة لجُل البشر وفي كل العصور .. وإذا أخذنا باحتمال صحة نظرية الوجود متعدد الأبعاد والعوالم، فإن الموت لا يعني الفناء، إنما يعني الانتقال إلى الحياة في مستوى آخر هو أكثر أبعادًا وأعلى من مستوى وجودنا ثلاثي الأبعاد أو ذي الأبعاد الأربعة! لماذا إذن حب البشر للحياة ونفورهم من الموت؟ لا يوجد مبرر منطقي ولا سبب واقعي لذلك إطلاقًا .. هو الوهم والخديعة الثقافية، ولا شيء آخر .. هنالك أمران متلازمان في حياة الإنسان، لا يوجدان لدى غيره من الكائنات الحية .. هما: الإحساس بألم الذل، والقدرة على الانتحار !!! قوانين الطبيعة منعكسة في الأعراف البشرية، تقول بأن حياة الإنسان الذليل هي حياة غير طبيعية! لماذا يقبل الإنسان بحياة ذليلة – غير طبيعية؟ لأنه الكائن الوحيد القابل للإصابة بالوهم ..، والوهم داء من جنس الإدراك، فلا يصيب غير الإنسان .. لذلك وعلى الرغم من إحساسه بالحاجة الوجودية للكرامة، إلا أنه يمارس حياة الذل والمهانة طواعية! الوهم يتمثل في حب الحياة، والنفور من الموت! لماذا يعتبر ذلك وهمًا، وكيف ينشأ هذا الوهم؟ هو وهمٌ لأنه حُبٌّ لفكرة الحياة – وليس للحياة ذاتها؛ وخوفٌ مفتعل من فكرة الموت – لا من الموت ذاته! كيف ذلك؟ معلوم أن جُل البشر موزعين بين حياة الجهل والكد والشقاء المتواصل، والفقر والبطالة والروتين الممل والخوف من فقدان الوظيفة، والذل والتملق لرب العمل والتشرد والعوز والتسول واليأس والسجون وتهريب الممنوعات، والتجنيد الإلزامي - الرسمي والقذر، والعبودية المُقنَّعة والهجرة غير الشرعية، .. الخ .. فلو كان حب البشر للحياة حبًا طبيعيًا، ولو كان حبًا للحياة ذاتها، لما وجد أي من هؤلاء في قلبه ذرة حب لحياةٍ بهذه الصورة البشعة البغيضة المؤلمة ..؛ لكن الأمر مجرد وهم بحب فكرة الحياة – لا حب حقيقي للحياة ذاتها ! ومعلوم كذلك أن خيارات الإنسان في الحقيقة هي ليست بين الحياة والموت، بل هي دائمًا بين الموت في هذه اللحظة، وبين الموت في أي لحظة قادمة .. وأكثر من ذلك، فإن خيارات الإنسان هي بين الموت في هذه اللحظة بالطريقة والوسيلة التي يختارها لنفسه، وبين الموت في أي لحظة قادمة قد تكون بطريقة بشعة وبوسيلة مؤلمة .. وأكثر من ذلك، فإن خيارات الإنسان هي بين الموت في هذه اللحظة بالطريقة والوسيلة التي يختارها، وبين احتمال إعاقته في أي لحظة قادمة، بحيث لا يعود قادرًا على ممارسة الحياة ولا على الانتحار، ليمضي بقية أيامه متألمًا مستجديًا الآخرين تطبيق قانون الموت الرحيم بحقه، وقد يسمع ويرى بأم عينه الملل منه باديًا على وجوه الآخرين الذين أصبح وجوده عالة عليهم، ولا يملك لنفسه شيئًا .. هذه الصورة المنطقية الواقعية للحياة ولخيارات الإنسان الحقيقية، هي التي يتم إخفاؤها ليظهر المشهد المزيف، والفكرة الخبيثة، فيبدو الأمر وكأنه مفاضلة بين حياة جميلة وبين موت بغيض .. إن حبنا الزائف للحياة، ونفورنا الزائف من الموت، هي اليد الكاذبة التي تؤلمنا، وهي التي يمسكنا منها العدو والمجرم والإرهابي والدكتاتور ورب العمل … الخ ..، فنطيعهم ونتبعهم حيث يريدون .. المأساة تكمن في الخديعة، فهذه اليد الجريحة ليست حقيقية وليست عالقة بنا، .. هي مجرد وهم ثقافي .. إنها يد مزيفة، أوهمونا بأنها لنا وبأنها مؤلمة، ومسكونا منها، فتبعناهم حيثما قادونا ! من أين لهذه الحياة أن تحظى بحب 100% من البشر، وهي التي يستمتع بها 10% منهم، على أكتاف ودموع وآلام ودماء ومذلة الـ 90% الباقين .. منذ أن قامت؟ ومن أين للموت أن يكون ذلك الشبح المخيف الذي نخشى رؤيته، فنحتمي منه بحياة الذل والألم، وهو الماثل أمامنا في كل خطوة نخطوها؟ إن صانعي الثقافات والمعتقدات البشرية، من واهمين ومستفيدين مرحليًا من الحياة، هم من افترضوا للحياة جمالاً وقيمةً وقدسيةً هي لا تمتلكها، فنزعوا بذلك القيمة والقدسية عن الموت دون مبرر، وصبغوه ببشاعة لا يمتلكون برهانها ..، ولقنوا هذه الأفكار والأوهام للصغار والبُلهاء .. فانطلقت المأساة المسماة حب الحياة .. هذه الصورة الفكرية الموروثة، التي تُجمِّل الحياة وتُقبِّح الموت في أذهاننا دون برهان، هي بالضرورة تقيِّد تفكيرنا، وتقود خيالنا دائمًا باتجاه برهنة نتيجة يريدها ويفترضها مسبقًا المستفيدون من تلك الصورة، وتعمينا عن أي نتائج أخرى محتملة، يمكن أن نبلغها فيما لو كان بحثنا عن الحقيقة متحررًا من عقدة رفض الموت وعقدة حب الحياة!
 .. علاقتي بالحياة .. كعلاقة زوج بزوجته القبيحة المريضة البَلهاء .. أو علاقة زوجة بزوجها القبيح المريض الأبله .. حصل الزواج في حين غفلة .. قبل أن يستيقظ الضحية .. استيقظ فجأة ليجد نفسه في صميم المأساة .. عجزت زوجته عن إغرائه .. لم تستطع إثارته يومًا .. تعوزها كل مقومات الإغراء .. عالجها فلم تشفَ .. ألبسها فما اختفى عن ناظريه قبحها .. ثقفها فما ازدادت إلا بلاهةً وحمقًا .. لم يعد يريد منها غير الخلاص منها .. وليس لذلك من سبيل غير الطلاق .. كذلك هي علاقتي بالحياة .. لم تستطع يومًا إغرائي بالبقاء .. لا أجد أنها تستحق المشي خطوة واحدة لأجلها .. ليس بها ما يستحق تصفيف الشعر لأجله سوى لقاء الأصدقاء الحقيقيين الذين تكاد تخلو منهم .. أمارسها كمسئولية وقعتُ بها .. لذلك قررتُ طلاقها .. وأصبحت علاقتي بها علاقة انتظار الفرصة المناسبة للطلاق