face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 7 أكتوبر 2020

الإنسان والبشر .. اختلافات جوهرية!

0 تعليق



الأُمِّية لا تجعل الإنسان بشرًا، والتعليم والثقافة لا تجعل البشر إنسانًا..، هي معايير داخلية يختلف بها الإنسان عن الإنسان، والبشر عن البشر! التعليم والتثقيف روافد للأفكار، تخدمها لكن لا تصنعها! كل الروايات والقصص التاريخية والنظريات والدراسات الاجتماعية والنظريات الفلسفية والعلمية والدينية، جميعها تتحدث عن صنفين مختلفين من البشر – أعلى وأدنى-، وكلها تشترك في عدم تحميل المسئولية للأدنى عن دُنُوِّه، وعدم منح الفضل للأعلى في عُلُوِّه، وكلها تقول بأن الأعلى قادر على أداء وظائف الأدنى، وأن العكس غير صحيح! وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الاختلافات جوهرية وجذرية! مع ملاحظة أن: الأعلى قادر على إدراك ممارسات الأدنى، لكنه غير قادر على أدائها، تمامًا كما أن البشر قادر على إدراك ممارسات الحيوان لكنه غير قادر على أدائها – ترفعًا وليس عجزًا! النظريات الدينية على سبيل المثال، تقول: إن الإله يخلق ما يشاء، ويؤتي الحكمة من يشاء، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويؤتي المُلك من يشاء وينزعه ممن يشاء، ويجعل من يشاء عقيما..، الخ من اليشاءات! وهذا إقرار صريح بوجود اختلافات جسيمة بين البشر، لا يتساوون طالما كانت موجودة، ولا يمكنهم افتعالها ولا يمكنهم إخفاءها، لكنه كذلك تعبير عن عدم إدراك أسبابها، مما أدى إلى نسبتها إلى الإله – لمنع أي تساؤل حولها! هذه الـ(يشاءات) باللغة الدينية، تُعادل الاحتمالات التي يحتويها الـ(DNA) باللغة الطبيعية والعلمية! والنتيجة في الحالتين هي الإقرار بوجود قوة خفية (جينية) فاعلة قاهرة، تفرض على البشر أن يكونوا كائنات مختلفة، وليس مجرد مستويات مختلفة قابلة للتقارب! التناقض والارتباك واضح في طرح النظريات الدينية لموضوع الاختلاف ومحاولة معالجته.. فهي من جهة تعترف بأن الاختلاف كبير جدًا إلى درجة أنها نسبته إلى المشيئة الإلهية، ومن جهة تحاول إجبار البشر على تجاهله أو تجاوزه أو معالجته بالتقليد والتعلم والتدرب..، وفي ذلك من المفارقة ما يجعل الطرح غير منطقي وغير واقعي! فإذا كان الاختلاف (الضلال – مثلاً) ناجمًا عن إرادة إلهية، إذن يكون من العبث أن يُطلب من غير المهتدي منافسة المهتدي، لأن ذلك يُعادل الطلب من البشر منافسة الإله! وإذا كان بمقدور البشر أن يتجاوز الضلال المفروض عليه إلهيًا، ويصنع الهداية لنفسه بنفسه، يكون لا معنى للهداية والضلال الإلهيين! ولذلك نجد القائمين على الأديان اليوم يدعون إلى ما يعتقدون أنه طريق الهداية، وفي ذات الوقت يقولون: إن طريق الهداية معروف لكنه قد يؤدي إلى ذات النتيجة التي يؤدي لها طريق الضلال..، وهذا إقرار صريح بأنهم عاجزون عن التوفيق بين أطروحات نظرياتهم المتناقضة! من الواضح جدًا أن هذا الطرح المرتبك، إنما سببه محاولة المزج بين ثلاثة أمور متناقضة في نظرية واحدة، وهي: العدل الإلهي، واختلافات البشر اللاإرادية، والمحاسبة! معلوم أن الفقر هو الذي يُحدد سلوك الفقير! ومعلوم أنه من المستحيل التوفيق منطقيًا بين الاعتقاد بأن الإله سيُحاسب ويعاقب الأميين والبُسطاء والجُهلاء والحمقى، وبين دعوة الآخرين لمساعدتهم اليوم وعدم مؤاخذتهم والتجاوز عن أخطائهم! فإذا كان الإله سيُحاسبهم، فذلك يعني أنهم مُدرِكون للخطأ وقادرون على فعل الصواب، وبالتالي لا معنى لمعاملتهم كضعفاء أو جهلاء! وكمحاولة من هذه النظريات لتجاوز الاختلاف الذي لم تستطع تجاهله، خاطبت الأعلى وتعاطت معه بمنطق الإدراك – بالحُجَّة والدليل، بينما خاطبت الأدنى وتعاطت معه من خلال الوعي الغريزي – الخوف والطمع والإغراء، ..الخ! وهي محاولة أثبتت الاختلاف ولم تُحقق النظرية! فإذا كان المقصود من وجود البشر هو عبادة الإله لا أكثر، فلماذا هذا الاختلاف الكبير؟ ولماذا هذا المزج بين المختلفين مع عدم وجود مقياس في متناول الجميع يُحدد الهداية من الضلال؟ معلوم أن الخطاب الغرائزي لا يُخاطب الإدراك، إنما يُخاطب الوعي من خلال الغرائز، فيثيرها أو يستحثها لتقود الجسد الواعي إلى أداء فعل أو قول معين! وغني عن القول إن الخطاب الغرائزي مرفوض أخلاقيًا، فلا يتقبل الإنسان استعماله إلا اضطرارًا، ولا يكون إلا مع الحيوانات وصغار البشر والمعتوهين! فإذا تم استعمال هذا الأسلوب المرفوض أخلاقيًا، مع كبار البشر الطبيعيين، فذلك يعني أنه قد تم تصنيفهم ضمن قائمة الحيوانات وصغار البشر والمعتوهين! إننا لا نتحدث عن شواذ قاعدة، إنما عن شرائع ودساتير وقوانين تُخاطب مجتمعات بشرية كاملة من خلال الغرائز! وهذا يعني أن الخطاب السائد في المجتمع البشري، هو خطاب غرائزي، وفي ذلك اعتراف بأن الاختلافات بين كبار البشر وصغارهم والحيوانات، هي اختلافات طفيفة لا يمكن الاعتماد عليها في سن التشريعات، وأنه لا يمكن التحقق منها إلا بالتجربة العملية..، ولذلك فإن الخطاب الغرائزي المتمثل في التهديد بالعقوبات والإغراء بالمكافآت يسري على كبار البشر كما على صغارهم، كما على الحيوانات..، لكن لا يسري ولا يكون فاعلاً في حال الإنسان! ليس الحديث عن الاختلاف بين الفلاسفة والأغبياء، أو الأميين والعلماء، ولا بين المرؤوسين والرؤساء، ولا اختلاف الرجال عن النساء! المطروح هنا، والذي أزعم أنني إنما أصوغ به ما يقوله الواقع بأمانة، هو أن المجتمع البشري يتكون من أمتين مختلفتين خلقيًا جينيًا، متداخلتين عِرقيًا، هما: أُمة الإنسان، وأُمة البشر! وأن التعاطي معهما تشريعيًا كأمة واحدة، وعدم الفصل بينهما، هو سبب جُل المآسي والخلافات والصراعات، وعدم الاستقرار الاجتماعي في كل المجتمعات البشرية! السجن والإبعاد والنفي واللجوء السياسي، هي أمثلة واقعية لعملية الفصل بين هذين الصنفين المختلفين، لكنها عمليات تتم بصور فردية ظرفية اضطرارية، ولم يتم التوقف عندها واستعمالها كحلول استباقية ومعالجة طبيعية لمشاكل مزمنة تعاني منها كل المجتمعات البشرية! والواقع أن التعاطي مع الأمر بالفصل بين المختلفين على أوسع نطاق، هو أمر ممكن ومنطقي وأخلاقي، لكن ينبغي أولاً الإقرار بوجود هذين الكائنين المختلفين، وإثبات أن الاختلافات بينهما تتجاوز الاختلافات الطبيعية السطحية بين أبناء الجنس الواحد! إن الوعي الإنساني يستوعب الوعي البشري، لكن التفكير الإنساني لا يحتوي التفكير البشري، لأن التفكير الإنساني يبدأ من حيث يتوقف التفكير البشري..، لذلك لا يفهم ولا يتوقع بعضنا معظم سلوكيات بعضنا الآخر اللامنطقية، ويسعى لمعرفة أسبابها باعتبارها أمراضًا نفسية أو ظواهر اجتماعية غريبة..، حتى يبدو وكأنه غبي وعاجز أمام ممارسات من هم أقل منه وعيا وإدراكًا..، بينما الحقيقة أن هذا الحائر إنسان، ويتعاطى مع ممارسات بشرية بمعايير إنسانية، وهذه الممارسات البشرية وفق المعايير الإنسانية يتم تصنيفها في المستوى الحيواني، لذلك لا يذهب تفكيره في ذلك الاتجاه ولا يهبط إدراكه إلى تلك المستويات! هذا اللبس لدى الإنسان، سببه الاعتقاد السائد (الخاطئ) بأنه لا يوجد كائن بين الإنسان والحيوان، أي لا توجد مرحلة تعلو المرحلة الحيوانية وتدنو المرحلة الإنسانية!