face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 18 أبريل 2024

الكائن البشري بين العقل والعاطفة..

0 تعليق

الحياة ..

الكل يسعى في الحياة أو بالحياة مسارعاً ومنافساً، لأنه يرى جُلَّ مَنْ حوله يفعلون، لا لأنه أدرك ماذا أو لماذا يفعلون، ولا هم كذلك يدركون!

هل لحياة الإنسان صفة أو وصفاً أو شكلاً يشغل حيِّزاً مستقلاً عن ذاته!

كل نفيس، هو ذو قيمة لغيره لا لذاته! فهل يشذُّ الإنسان عن قاعدة النفائس هذه، ليعتبر أن مجرد وجوده، هو قيمة بحد ذاته لذاته!

القيمة ندركها والاستفادة نحصل عليها من الأشياء التي تقع خارج ذواتنا..، فهل حياتنا كذلك!

أَمْ إن جُل البشر يدركون وراضون بأن يكون وجودهم، ذا قيمة لغيرهم لا لذواتهم!

في معادلة أطرافها الإنسان والحياة ..، أيهما النفيس، وأين المستفيد؟

المنتفع من قيمة النفيس يبحث عن النفيس، وليس النفيس يعرض نفسه على المستفيد منه!
فهل تكون حياة الإنسان هي النفيس، وتكون هي ذاتها المستفيد؟

أم إن البشر يتنافسون فيما بينهم ويُغالب بعضهم بعضاً، ثم يتصورون أن انتصار البعض وهزيمة البعض الآخر، بمثابة شيء مستقل عنهم، اسمه الحياة!

البعض توهَّم أن للحياة قيمة تستحق العناء، والواقع أنه لا وجود لتلك القيمة إلا في معاناته!

البعض الآخر، وجد السلوى في مآسي غيره، فشغل نفسه بمساعدتهم بشتى الوسائل– على حساب القانون والمنطق والصدق والأمانة وعلى حساب حقوق آخرين أحياناً-، وتصوَّرَ أن تلك هي قيمة الحياة..، وهو في الحقيقة إنما يُخفف عن ذاته، بحضوره ومتابعته لأحداث مآسي الآخرين، ليرى نفسه وهو ليس الأضعف..، فجعل من مصادفته لبعض من يحتاجون مساعدته، برهاناً ودليلاَ على قيمته ورسالته في الوجود، معتقداً أن تلك القيمة المفترضة هي ما استوجب وجوده أساساً وهي ما يستحق بقاءه حياً!

القوة والضعف في حياة الإنسان، هما قيمتان نسبيتان، في معادلة افتراضية كل عناصرها بشر! فليس في قوة القوي النسبية والمؤقتة ما يُعطي لحياته معنى أو يجعل لها قيمة..، وليس في ضعف الضعيف ما يُبرر استمرار حياته!


لا يوجد بريء ومحتال بين البشر، ولكن يوجد مهزوم ويوجد منتصر!
لا يوجد على الأرض ملاكٌ ليؤتمن، فهل من معنى للبراءة أو مبرر للهزيمة، سوى الضعف أو الجهالة!

كثيراً ما تُباغتنا حقائق لا تُفارقنا .. ما بَرِحَت المكابرة تفضحنا، ما انفكت العاطفة تخذلنا، لكننا أبداً صامدون، وعلى عهدنا باقون .. نُكابرُ ونَسْخَرُ من المكابرين، نَكْذِبُ ونلعن الكاذبين!

بين النفوس الضعيفة والغبية، تنمو كل المعتقدات وتجد أتباعاً لها لا حصر لهم- حتى تلك الركيكة نصاً وإخراجا!

- أفواجٌ من الواهمين، وأمواج من المذعورين من كل شيء ومن لا شيء-، .. حتى أولئك البؤساء الذين لم تعطهم الحياة ما يُبرر اعتناقهم لمعتقد، ولا بُغضهم للموت - الذي ربما وُجِد لأجلهم!

- إن حقيقة وجود الموت، هي مبعث الارتباك الأزلي البادي بوضوح على سلوك جُل البشر! إن الفزع من الموت، هو ما يجعل أحدهم يتعمد ركوب أمواج الوهم، مُدَّعياً التضحية، قاذفاً بنفسه إلى الموت، طمعاً في حياة أخرى خالية منه، دون ضمان لبلوغ الغاية المفترضة!

السؤال: لو كان الخلود اليوم ممكناً ومتاحاً للجميع، هل كان أحدهم سيُضحي بحياته، من أجل مبدأ أو عقيدة، دون دليل محسوس يقبله ويفهمه العقل ويكفل النتيجة!

إن طلب الموت قبل أوانه، لا يكون نبيلاً صادقاً ومُشرِّفاً، إلا لدى أولئك الذين يرفضون الوجود لذاته، تعبيراً عن أخطاء أساسية فيه، بغض النظر عن وجود البديل من عدمه!


الكائن البشري بين العقل والعاطفة..

العاطفة، هي عقلٌ مُزيف، يستعمله البشر لإدارة علاقاتهم المزيفة!

لا يمكن للإنسان أن يكذب من خلال عقله الحقيقي، لأنه حينها يكون يتحدث مباشرة باسم الذات الحقيقية التي لا تحمل بذرة الزيف!

العاطفة، عبارة عن وسيط مخادع، حصل على صفقات مربحة في أسواق الضعفاء!

العاطفة، عبارة محطة مضطربة، يمر بها الإنسان عادة، في كل رحلة من رحلاته المكوكية بين محطتي الخوف والأمان!

لا يوجد عقل جمعي وعقل فردي – كما يُروِّج أعداء العقل-، ولكن يوجد عقل، وتوجد عاطفة الخوف والطمع والنفاق!

السارق والكاذب ، …، يستعملون العاطفة أمام الآخرين، فيستنكرون علناً ما يفعلونه خلسة، والكل مُدرك وصامت!

ذلك لأن الجميع يرفضون الاحتكام إلى العقل، خوفاً على مصالح يحميها الصيت المزيف، لا حرصاً على أخلاق ومبادئ مزعومة!

العاطفة هي جهل متنكر، وهي طمع مستتر، كما أنها ضعف سافِر!

العاطفة عُملة وهمية، متغيرة القيمة، تُصدرها الذات المزيفة، ويستعملهما الضعفاء في محلات مختلفة في أسواقهم الخيالية!

يتعامل الضعفاء بعملة العاطفة، لشراء راحة نفس زائفة، في محاولة يائسة لإخفاء اضطراب يملأ حياتهم، وفراراً مفضوحاً من مواجهة شبح الهزيمة الذي يُطاردهم..؛ وعادة ما تتم عملية البيع والشراء بعملة العاطفة، عندما يجد أحد الضعفاء نفسه في موقع قوة- قياساً إلى ضعيف آخر-، وهو الذي يكون قد وقع عليه الاختيار، لدفع فاتورة مأساة عشوائية كان من الممكن أن تُصيب غيره!

عندما يُظهر الإنسان تعاطفاً مع مآسي الآخرين وآلامهم، فليس ذلك تضامناً صادقاً منه، بل هو فزعه من شروط المأساة المتوفرة فيه، أي.. هو تعبير عن خوفه من المصير الذي يراه يتجسد أمامه، وهو ليس بمأمنٍ منه!

لكي تستحق العواطف منا، أن نعتبرها شعوراً إنسانياً فطرياً نبيلاً وصادقاً، ينبغي أولاً أن تؤدي إلى تجميد كل مظاهر الأفراح على الأرض إلى أن تتوقف كل المآسي على ظهرها..، فكل البشر اليوم جيران، فالجدران والحدود لم تعد تُخفي ما خلفها من مآسي!

التخلص من زيف العاطفة، والاحتكام إلى صدق العقل، يقتضي التصالح مع الموت، والإقرار بأنه خاتمة مستحقة لتجربة فاشلة، أو تجربة مجهولة في أحسن الأحوال!


مفهوم الإيمان، وأثره على سلوك المؤمنين وحياة الآخرين.. الإيمان هو القدرة على التصديق بوجود ما لا دليل على وجوده! ولذلك فإنه متى دخل العقل من الباب، خرج الإيمان من النافذة!

الإيمانُ أو عدم الإيمان، كلاهما شعور يعكس ردة فعل الإنسان تجاه ما يراه وما يسمعه..، تماماً كالخوف والحب والبُغض! ولا يملك الإنسان أن يُحدد شعوره أو يُقرره أو يرفضه، .. بل يجده أو لا يجده!يمكن أن يؤدي الخوف، والشعور بالضعف والهزيمة، إلى الإيمان بأي شيء- بحثاً عن أمل، وطلباً لإنصاف وطمأنينة مفترضة! وربما كان ذلك هو السبب الذي جعل كل الأديان تعزف على أوتار الترهيب والترغيب – في مخاطبتها للبشر.!

إذا كانت الكُتُب المقدّسة التي أوجدت أو فرضت الإيمان، لا يفهمها إلا قلة قليلة من البشر ..، إذن فهي موجهة لهم دون غيرهم، وهي بذلك حُجّة عليهم لا على سواهم!

العدل يقتضي أن تكون المحاسبة والعقاب والجزاء، لأولئك الفقهاء وحدهم، ولا معنى لمحاسبة الأتباع الرعاع- غير القادرين على فهم الكتب المقدسة!

لماذا يتم الحديث عن الإيمان والمؤمنين بهذه الصورة وهذه الجرأة، وبما يُشبه الطعن والتهجّم.!

لأن التواصل والتعامل مع البشر لا يكون إلا من خلال العقل!

ولأن الإيمان لا يلتقي مع العقل، بل لا يكون الإيمان إلا على حساب العقل دائماً!

وبذلك يُصبح من غير الممكن التعامل مع المؤمن وفق بديهيات العقل – إلا فيما ندر من الأمور، ومع البعض لا مع الكل!

فإذا كانت الحيوانات تسير وفق برنامج إلهي أو طبيعي ( يُسمَّى الفطرة)، فإن المؤمن يسير وفق برنامج بشري (يُسمَّى الفقه)! فالمؤمن هو كائن بشري مُبرمَج، لا يحتكم إلى العقل، بل يتصرف وفق برنامجه المسبق، والذي تتغير خصائصه حسب إعدادات وأيديولوجية وأهداف واضع البرنامج ..الفقيه أو المذهب أو الطائفة، …الخ!

والمتحدث عن الإيمان بهذه الصورة، هو – عادة – إنسان طبيعي يحتكم إلى العقل في تعامله مع البشر، ووجد نفسه مضطراً للتواصل والتعامل الرسمي واليومي مع المؤمنين، ووفق مقتضيات الإيمان!

ولأن الإيمان يخلق أُناساً غير أسوياء! يستكبرون بإيمانهم على غيرهم، ويترفعون بإيمانهم عن القوانين البشرية التي تُنظِّم علاقاتهم بالآخرين..،

تجد المؤمنين يمنون بإيمانهم، فينتظرون – بل ويطلبون – من الآخرين تقديرهم وتقديمهم على سواهم في كل الميادين، ومقياسهم الوحيد في ذلك هو إيمانهم..، كأنهم يؤمنون نيابة عن بقية البشر! كأن إيمانهم سيُدخل الآخرين الجنة!
كأن الإيمان درجة دنيوية، توجب على الآخرين تفضيل المؤمن وتمييزه عن سواه بغض النظر عن سلوكه وتخصصه وقدراته! كأنهم يقولون إن المنطق والقانون والذوق العام وحقوق الآخرين..، كلها ينبغي أن تتلاشى أمام إيمانهم!

كأنهم يؤمنون بإله قومي قبلي عشائري عنصري، يتحيز لبعض خلقه على حساب بعضهم الآخر!

كأن للمؤمن فضل في أعناق الآخرين بسبب إيمانه! كأن الإيمان ليس شأناً فردياً شخصياً وعلاقة خاصة بين المؤمن وما يؤمن به! على الرغم من أنه لا أحد يُمكنه الجزم بصحة إيمانه وقبوله، إلا أن المؤمنين - لاسيما المسلمين – يضعون الإيمان مقياساً لتقييم البشر، وللتفاضل بينهم، حتى داخل المؤمنين – حسب الطوائف والمذاهب والمدارس الفقهية!

وكلهم يشتركون في الاستهزاء واللامبالاة بالقانون الوضعي الذي يُنظم حياة البشر، لأنهم يعتقدون أن العبادات كفلت لهم الجنة، وأن الدعاء يكفل لهم حل المشاكل والأزمات الدنيوية ..، فباتوا يعتقدون أنه لا حاجة بهم للالتزام بالقوانين الوضعية، ولا حاجة بهم لاحترام الآخرين..، مما جعل الفوضى والعبث والسطحية والرياء، وأحياناً حتى الخبث والخداع والخيانة والتآمر، هي من صفات مجتمعات المؤمنين عادة، إلا ما نَدَر!

الأحد، 7 أبريل 2024

سهم الزمن والزمان ومفهوم الوقت والتوقيت

0 تعليق


لو لم تكن للشمس حركة ظاهرية منتظمة حول الأرض، لما وَجَدَ مفهوم الوقت سبيلاً إلى لغة البشر، ولما استوطن شبح الزمان مخيلتهم! فلو كانت كل الأشياء في الوجود ساكنة، أو تسير بسرعات متساوية ومنتظمة، لما كان لمفهوم الوقت والتوقيت وجودًا! كما أنه لو كانت كل الأشياء في الوجود شفافة، لما كان لمفهوم الظِل وجودًا! الوقت هو مفهوم افترضناه لنتصوَّر به أو نُجسِّد فيه حدثًا خياليًا، مُصاحبًا لكل حدثٍ حقيقي يقع خارجنا – ناتج عن حركة! عملية الشروق مثلاً، هي حدث حقيقي ناتج عن حركة، لكن وقت الشروق هو حدث خيالي، افترضنا أنه يحدث مُصاحبًا لعملية الشروق – كمصاحبة الظِل للمادة! فأصبحنا نقول وقت الشروق كما نقول ظل الشجرة! فإذا قُلنا إن الظِل يعني انعدام وجود الضوء في منطقةٍ ما حول المادة، يكون مفهوم وقت الشروق كذلك يعني انعدام حصول حدث مُصاحب لعملية الشروق! وإذا قُلنا إن وجود الظل هو إثبات لوجود المادة – لا لوجوده هو! كذلك يكون مفهوم وقت الشروق، هو إثبات لحدوث عملية الشروق- لا لحدوثه هو! فإذا قُلنا إن الظل هو العلاقة بين مادة معتمة ومصدر ضوء، كذلك نقول إن مفهوم الوقت هو العلاقة بين شيئين يسيران بسرعتين مختلفتين ومنتظمتين! لو تساوت سرعة الأرض وسرعة الشمس، أو لو أن سرعة إحداهما كانت عشوائية..، لما كان لمفهوم الوقت وجودًا ولا معنى! وبالنتيجة نقول، إنه لا وجود مستقل لمفهوم الوقت والظِل! معلوم أن مفهوم الوقت هو استغلال واستثمار بديهي، لانتظام الحركة الظاهرية للشمس حول الأرض! وأنه كان تلبية لحاجة البشر لتنظيم المعاملات وترتيب الأحداث الآنية والمستقبلية القصيرة – في نطاق تواجد الشمس أثناء النهار! ثم كان من السهل اختراع مفهوم اليوم والأسبوع والشهر والسنة! ثم أصبح من الممكن تدوين الأحداث، فصار بالإمكان توارث المعلومات والبيانات، فوُلِد معنى التأريخ والتاريخ، فأصبح للوقت ماضٍ يُذكر إلى جانب الحاضر! ثم صار السؤال عن بداية التاريخ وعن أحداث ما قبل التاريخ أمرًا منطقيًا! ثم صار السؤال عن بداية الوقت بصفة عامة، أمرًا منطقيًا فلسفيًا، فتبعه السؤال عن نهاية الوقت وكان سؤالاً فلسفيًا بحتًا، لكنه أكثر أهمية من السؤال عن البداية! فصار بذلك الوقت سجلاً تاريخيًا مقطوع البداية والنهاية، فجاء مفهوم الزمان الأسطوري الأبدي، ليحتوي مفهوم الوقت وأحداثه، وليُجيب عن سؤال البداية والنهاية، فأعطى السؤال أحقية الوجود، وأعطى الجواب أحقيقة الانعدام أو الاحتجاب! ومن مفهوم الزمان اشتُقَّ مفهوم الزمن – كبعضٍ من الزمان..، فمفهوم الزمان أعم وهو يحتوي مفهوم الزمن! فصار مفهوم الوقت مناسبًا للاستعمالات المحدودة المرتبطة بأحداث نحن مَنْ يُحدد بدايتها ونهايتها! وأصبح مفهوم الزمن أو الزمان مناسبًا للاستعمالات اللا محدودة المرتبطة بأحداث مجهولة البداية أو النهاية أو كليهما! ثم إن السؤال عن النهاية أصبح شأنًا عِلميًا، ويحظى باهتمام الجميع، لأن النهاية تخص كل الموجودين، ولأنه ربما يمكنهم الاستعداد لها أو المشاركة في صُنعها، بعكس البداية التي انقضت، ولم يعد من الممكن التأثير عليها أو الاستفادة منها – سوى لاستشراف النهاية! لذلك أصبح من الضروري ومن الممكن وضع نظريات وتصورات منطقية لنهاية الوقت، حيث إن الأمر لا يتجاوز وضع تصور لموت الوجود على غرار موت الإنسان، أو وضع تصور لغروب شمس الوجود على غرار غروب شمس اليوم! لكن، ولأن مفهوم الوقت كان في الأصل قد وُلِد ووُجِد في أذهان البشر وذاكرتهم، كنتيجة لحاجتهم له، وليس كنتيجة لوجود فعلي له..، لذلك، ولأنه لا وجود لشيء اسمه الوقت، فقد فشلت كل المفاهيم المنبثقة عنه، وفشل البشر فلسفيًا وعِلميًا في تصور بداية منطقية للوقت أو للزمان! السبب في فشلهم هو بحثهم عن بداية حقيقية عملية مادية، لمفهوم خيالي افتراضي نظري..، فهم بذلك يبحثون عن ماضي شيء لا حاضر له! ولعل نظرية الانفجار الكبير خير دليل على هذا الفشل، حيث إن هذه النظرية وفي مخالفة صريحة للمنطق، قد افترضت للزمان كما للمكان بداية ليس قبلها بداية، ولعلها رسمت هذه البداية على مقاس نهاية مفترضة – أمكن تصورها وليس من الممكن إثباتها! نقول الغروب، وهنا نتحدث عن حدث مادي وقع وليس عن شيء اسمه وقت! ونقول وقعت الحادثة عند أو بعد أو قبل الغروب، وهنا نتحدث عن مقارنة بين حدثين ماديين لا مكان لمفهوم الوقت بينهما! هذه العند أو البَعد أو البُعيد أو القبل أو القُبيل، هي ما اصطلحنا على تسميتها بالوقت! ولا يعني ذلك اعترافًا منا بأن شيئًا ماديًا أو نظريًا اسمه الوقت، كان حاضرًا عند حدوث الحدثين الماديين اللذين نُقارن بينهما! ثم تطور الأمر، فصنعنا بأنفسنا أحداثًا مادية متعاقبة بانتظام (الساعة الرملية) ثم ساعة ميكانيكية ثم إلكترونية، فأصبح لدينا معيارنا الخاص للأحداث، والمستقل عن المعيار الأصلي أو الأكبر (علاقة الأرض بالشمس)، فابتعد المشهد عن حقيقته التي هي مقارنة حدث بحدث، وأصبح يبدو وكأن هنالك شيء يمر أو يتدفق اسمه الوقت، وأن كل ما نفعله هو أننا نقيسه، بينما الحقيقة نحن الذين صنعنا شيئًا خياليًا اسمه الوقت، ثم صنعنا على مقاسه أجهزة تقيسه! وكل ذلك كان بهدف تحقيق التفاهم وتسهيل التعامل، لكنه تحول إلى مشهد زائف في ذاكرتنا، يُشير إلى وجود شيء اسمه الوقت نقيسه بالساعة! والصحيح والدقيق أن نستعمل لفظة توقيت وليس مفهوم وقت، وذلك لأن مفهوم الوقت قد أصبح يُعادل مفهوم الزمن من حيث الدلالة – لدى جُل البشر – هنا نتحدث عن الناطقين بالعربية! ولفظة "زمن" بالأصل لا يوجد منها اسم في اللغة العربية، إنما هي فعل أوصفة فقط، ولا تأتي بصيغة الاسم إلا عند اعتبارها مرادفة لمفهوم الزمان، وهو مفهوم تاريخي أسطوري..، زَمَانة = عاهة. زَمِنَ الشخص= طال مرضه. زَمِنَ = ضَعُفَ بكبر سن أو طول علة. زَمين = دائم المرض أو ضعيف من الكِبَر. ويُقال: شيخٌ زَمِن. وفي جميع الأحول، فإن مفهوم "الزمن" في صيغة الاسم، هو الآن مصطلح نُشير به إلى حدثٍ خطي قياسًا إلى حدثٍ خطي آخر – حيث إن مفهوم الزمن مشتق بالأصل عن مفهوم الزمان! (خطي يعني له استمرارية، وعكسه لحظي)! ما حصل هو أن مفهوم الزمن ومفهوم الزمان، قد أصبحا – وبدون مبرر- يُشيران إلى وجود شيء قائم بذاته اسمه الزمن أو الزمان، وهو وجود افتراضي أسطوري خيالي لا قيمة واقعية له! ولذلك أقول إن لفظة توقيت هي أدق من لفظة وقت، مع عِلمنا بأن لفظة وقت هي الأصل! فلفظة توقيت تُشير بداهةً ودون تركيز، إلى حدث فرعي ومنطقة جغرافية محدودة! وأصبح مفهوم الوقت كأنه الأصل العام الذي تتفرع منه التوقيتات الفرعية المحلية، حتى أصبح مفهوم الوقت ومن حيث الدلالة يُعادل مفهوم الزمن الذي يُعادل مفهوم الزمان الأسطوري! ولذلك أقول إن لفظة أو مفهوم توقيت أدق من مفهوم وقت، ومفهوم وقت أصح من مفهوم زمن، ومفهوم زمن مشتق من مفهوم الزمان، ومفهوم الزمان عبارة عن شيء خيالي كبير! يمكن اعتبار التوقيت بمثابة الذرة من مفهوم الزمان، والتوقيت عبارة عن مقارنة مباشرة لحدث مادي بحدث مادي! وبذلك يكون مفهوم "توقيت" هو الأصغر بين هذه المفاهيم، ومفهوم "زمان" هو الأكبر بين هذه المفاهيم الجغرافية الفلكية النظرية! فلفظة توقيت تُستعمل كمصطلح لوصف علاقة لحظية، بين حدث طارئ متغير وحدث ثابت من حيث التكرار! مقارنة الاستيقاظ بالشروق .. مثلاً! ومفهوم الوقت أصبح يُعادل مفهوم الزمن، وهو مصطلح يعكس مجموع توقيتات حصلت خلالها أحداث متشابهة أو متطابقة! مثلاً أقول: أنجزت كتابة هذا المقال خلال الزمن أو الوقت: من غروب الشمس حتى شروقها! هنا يبدو الزمن أو الوقت كشيء متواصل، وليس لحظي كالتوقيت، لكن في الواقع الزمن أو الوقت هنا، هو عبارة عن تجميع لعدد كبير من التوقيتات التي جرت خلالها أحداث متشابهة أو متطابقة – هي جزئيات الكتابة! فاستعمال مفهوم الزمن أو الوقت هنا، جاء للتسهيل – تمامًا مثل مصطلح الكتابة، فبدل أن أَذكُر كل الحروف والعلامات والرموز التي استعملتها وكم مرة استعملت كل واحد منها..، وبدل أن أَذكُر التوقيت لكل ضغطة زر في لوحة المفاتيح..، بدل كل ذلك اختصرت الموضوع فاستعملت كلمة كتابة كرمز لعدد الحروف والعلامات التي استعملتها، واستعملت كلمة زمن أو وقت كرمز لمجموع التوقيتات! كتابة = حروف+ أرقام+ إشارات+ رموز. زمن = وقت = (توقيت + … + توقيت)! زمان = زمن + … + زمن = وقت + …+ وقت. وبالنتيجة فإن كل ما يحصل في الواقع لا يعدو أن يكون مقارنة أحداث مادية، ولاشيء اسمه زمان ولا زمن ولا وقت، ولا حتى توقيت؛ إلا أن مصطلح توقيت هو أفضلها، من حيث أنه لا يُشير إلى غير ما وُضِع له، فلا يذهب بالوعي باتجاه الخيال! معلوم أنه توجد مفاهيم أخرى مثل مفهوم الدهر والعصر والحِقبة، وكلها عبارة عن تضخيم أو تجزئة أو تحوير لذات المعنى! مفهوم الدهر النظري بالنسبة لمفهوم الزمان النظري، يُعادل مفهوم الكون المادي بالنسبة لمفهوم الوجود المادي! فإذا كان هنالك شيء اسمه الزمان في الوجود، فسيُقابله شيء اسمه الدهر في الكون! الكون = مادة طاقة مكان، أبدية أزلية، غير محدودة. الوجود = مادة طاقة مكان، متغيرة متحولة، محدودة. هذا التحول والتغير في الوجود، هو الذي أوحى للبشر بافتراض مفهوم الزمان، كعنصر مسئول عن التغيُّر! لكن هذا التغيُّر تبين أنه عبارة عن تفاعل مادي طبيعي، بين مكونات المادة، يعكس مدى ملاءمتها وقدرتها على التماسك وأداء الوظيفة المترتبة على التماسك، تحت ظروف مختلفة! والأهم أنه تبين أن التغيُّر في المادة والطاقة، لا يعني فناءها، وأن كميتها في الوجود ثابتة لا تتغير، وبذلك لا يعود لمفهوم الزمان من معنى! وأعتقد أن الوصف الدقيق لأحداث الوجود المرتبطة بالبشر، هو مصطلح تعاقب الأجيال! فالجيل هو عبارة عن وصف مادي لأحداث مادية! وتعاقب الأجيال يعني تتابع وتواصل عمليات التغيُّر والتحول في المادة

الجمعة، 5 أبريل 2024

أقوال في الوجود والشهوات والمعرفة!

0 تعليق


علاقتي بالحياة .. كعلاقة زوج بزوجته القبيحة المريضة البلهاء .. أو علاقة زوجة بزوجها القبيح المريض الأبله .. حصل الزواج في حين غفلة .. قبل أن يستيقظ الضحية .. استيقظ فجأة ليجد نفسه في صميم المأساة .. عجزت زوجته عن إغرائه .. لم تستطع إثارته يومًا .. تعوزها كل مقومات الإغراء .. عالجها فلم تشفَ .. ألبسها فما اختفى عن ناظريه قبحها .. ثقفها فما ازدادت إلا بلاهةً وحمقًا .. ليس أمامه من سبيل غير الطلاق .. مثله أنا رميتُ طلاقي على الحياة ..

 مأساة الإنسان وخديعة القيمة الزائفة .. كل الحروب والمآسي التي يدفع ثمنها الإنسان، هي نتيجة حتمية لقيمة زائفة يعتقد أنه يحملها .. 
 - رجال الدين يمنحون الإنسان قيمة زائفة، ليدافع عن معتقداتهم باسمها .. 
 - ثقافة القبيلة تمنح الإنسان قيمة زائفة، ليدافع عن مصالح الآخرين باسمها .. 
 - أهل السياسة يمنحون الإنسان قيمة زائفة، ليدافع عن عروشهم باسمها ..
 - أهل الفنون والأدب والشعر، يمنحون الإنسان قيمة زائفة، لتسويق منتجاتهم .. 
 - من لم يجد لنفسه قيمة زائفة في كل المجالات، يفترض لنفسه قيمة، ويتحول إلى مجرم لتحقيق قيمته الزائفة .. 
 عندما ينتبه الغافلون، ويعترف المنتبهون، بزيف كل ما يجري، ويقرون بأنه لا قيمة لهذه الحياة، ولا غاية من هذا الوجود، إلا ما نعرفه ونراه .. حينئذ ستنتهي كل هذه المآسي والصراعات الحقيقية، القائمة للدفاع عن قيمة وهمية . .. 
 
الوجودية ليست أمرًا إيجابيًا ولا محمودًا .. هنالك أناس لديهم نزوع للموت ونفور من الحياة .. هؤلاء يحملون صفات كونية أكثر من تلك الوجودية .. لذلك هم يجدون لديهم رفضًا فطريًا للوجود .. وهذا أمر طبيعي، باعتبار أن الكون هو الذي يحتوي الوجود وليس العكس، فتدفعهم صفاتهم الكونية باتجاه التحرر من السجن الوجودي المتمثل في الحياة .. كل من لديه حس تلقائي لطلب المبررات ورفض العبث، فهو يحمل رفضًا للوجود، لأن الوجود قوامه العبث .. الوجود هو ظاهرة كونية، قائمة على القوة والتحطيم والاستهلاك والتغير العبثي .. ..
 
نحن افترضنا للحياة جمالاً وقيمةً وقدسيةً لا تمتلكها، فنزعنا بذلك القيمة والقدسية عن الموت دون مبرر، وصبغناه ببشاعة لا نمتلك برهانها! هذه الصورة الفكرية الموروثة، التي تُجمِّل الحياة وتُقبِّح الموت في أذهاننا دون برهان، هي بالضرورة تقيِّد تفكيرنا، وتقود خيالنا دائمًا باتجاه برهنة نتيجة نريدها ونفترضها مسبقًا، وتعمينا عن أي نتائج أخرى محتملة، يمكن أن نبلغها فيما لو كان بحثنا عن الحقيقة متحررًا من عقدة رفض الموت وعقدة حب الحياة!

 وحدها القدرة على الفعل تبرر الفعل .. وحده العجز عن الفعل يبرر عدم الفعل .. ولا شيء آخر في الحقيقة .. كل ما يقال خلاف ذلك، مجرد أوهام أو أحلام وأكاذيب! مادية بدنية، معنوية عقلية .. كلها قوة! كل النقاشات البشرية، مجرد اختبار لقوة الذات، وجس لقوة الخصم! كل الحوارات، مجرد استعراضات للقوة التي تحسم كل أمر في نهاية المطاف! الألعاب والمسابقات مجرد استعراض واستخدام للقوة! حتى الضعفاء والجهلاء يستخدمون قوة الكذب! 
  
 الحياة مجرد شهوة كبيرة، استعملها البشر لتبرير شهوات صغيرة .. كل ما يحبه الإنسان في الحياة، بما في ذلك الحياة ذاتها، هي مجرد شهوات غرائزية، لا يوجد تبرير منطقي ولا غائي لأي منها .. كل ما فعله البشر، أنهم اعتبروا بعض الشهوات مبرَّرة لذاتها .. مثل الحياة .. ثم استعملوا شهوة الحياة لتبرير بعض الشهوات الأخرى .. كالأكل والشرب .. ثم استعملوا شهوة الحياة لتبرير وتقنين بعض الشهوات مثل ممارسة الجنس .. ومنعوا شهوات أخرى بحجة أنها مجرد شهوات .. مثل تعاطي المخدرات .. من حيث المنطق والغاية، لا يوجد ما يبرر أي شيء، ولا يوجد ما يمنع أي شيء، فكل شيء عبارة عن شهوات غرائزية ..  

 المعرفة .. المعرفة ليست بالضرورة أمرًا إيجابيًا ولا محمودًا .. الغرام بمعرفة أسرار وحقيقة الحياة والوجود والكون، يؤدي إلى الجنون غالبًا ! الإحساس بمعرفة حقيقة الحياة والوجود والكون، وبأنها مجرد عبث لا غاية منه .. يؤدي إلى الملل من الحياة! معرفة أسرار المادة والطاقة أدى إلى اختراعات، كانت على حساب قيمة الإنسان، ووسعت الفوارق بين البشر، وجاءت على حساب التعايش السلمي .. ادعاء معرفة الحقيقة من قبل رجال الأديان والمعتقدات، هو سبب جل الفظاعات والمآسي قديمًا وحديثًا .. المعرفة جعلت من تكاثر البشر أمرًا غير مبرر، حيث سد المال والآلة حاجة الإنسان للزواج والأبناء .. ولعل هذه أن تكون الحسنة الوحيدة للمعرفة، لكنها الثمرة الوحيدة التي لم يستمتع بها البشر من المعرفة بعد .. حب المعرفة هو عبارة عن شهوة .. عبارة عن غريزة شأنها شأن الغرائز الأخرى .. الجنسية وغيرها .. ومحاولة إشباع الشهوات هي أمر ممتع، لكنه ليس مبررًا منطقيًا، وليس مفيدًا ..، والأهم أنه غير ممكن التحقق، .. هو مجرد مطاردة سراب ..

الثلاثاء، 2 أبريل 2024

المحظور ما تحظره الطبيعة!

0 تعليق


لا شيء في الطبيعة يحمل بذور الحظر والاستحالة
 ذاتيًا!
ما يحظره المجتمع على الأطفال، وما يبدو لهم مجهولًا ومستحيلاً، يُصبح ممكنًا ومعلومًا ومباحًا لهم، بعد بلوغهم النِصاب الطبيعي!
بعضهم يموتون صغارًا – قبل بلوغ النِصاب الطبيعي، فلا يُدركون أن الحظر كان مفتعلاً وأن الاستحالة كانت مزيفة ومرحلية..، وتلك صورة مُصغَّرة لمراحل وجود الكائن البشري في الطبيعة!

أجيال كاملة من البشر، دُفِنت وفي ذاكرتها أشياء وأمور لا تُحصى من تلك المُصنَّفة ضمن المستحيلات والمحظورات والمجاهيل الطبيعية، وهي في الحقيقة ليست مستحيلات ولا محظورات ولا مجاهيل بذاتها، إنما تلك الأجيال هي التي غادرت المسرح قبل زوال السحر أو قبل رفع الحظر الطبيعي والزائف عن تلك الأشياء، أو قبل بلوغهم النصاب الطبيعي من الوجود والوعي!

نِصاب الوجود الفعلي (المدة الزمنية)، ونصاب الوعي الطبيعي، ليسا مرتبطين ببعضهما، فقد يتجاوز الإنسان مرحلة الطفول العُمرية، لكنه لا يتجاوز مرحلة الطفولة من حيث الوعي، وبذلك يموت كما يموت الأطفال – غير مُدرِك لزيف الحظر والاستحالة – التي لقنوها له وبات يعتقدها، وهي التي لا وجود لها سوى في مخيلته ومحتوى ذاكرته المصنوع!

في علاقة الإنسان بالطبيعة، كل شيء مباح وكل شيء متاح وممكن!

الحظر والاستحالة في الطبيعة، عبارة عن حواجز تنظيمية مرحلية، أساسها ضعف الإنسان، وهي محظورات لا تستثني أحدًا من البشر، فإذا رفعت الطبيعة حظرها عن أمر، رُفع أمام كل البشر في ذات اللحظة من ناحية الطبيعة، ليبقى استمرار الحظر خاضعًا لرغبات وثقافات البشر واختلافاتهم، فيستفيد بعضهم من رفع الحظر، ويستمر بعضهم ملتزمًا بالحظر بعد رفعه – تطوعًا أو جهلاً أو توهمًا أو نتيجة لثقافة جامدة ألزم نفسه أو ألزمه غيره بها!

حظر أو منع بعض السلوك والممارسات بحُجة أنها هدامة، وأن الصواب الطبيعي هو البناء لا الهدم..، هي حُجَّة واهية وشعار زائف، وهو حظر بدافع الجهل والوهم، أو هو حظر لغرض السيطرة..، فالطبيعة والحياة في جوهرها وظاهرها قائمة على الهدم والبناء، وبالهدم والبناء ظهر الإنسان إلى الوجود..، ولم تكن الطبيعة والحياة يومًا بانتظار بعض البشر ليُحددوا لها مسارها أو مستقبلها!

بعض البشر يُفضِّلون فلسفة: أن الطبيعة تُبيح للإنسان المحظورات تدريجيًا؛

وبعضهم يُفضِّلون فلسفة: أن الإنسان يتطور وينتصر على الطبيعة تدريجيًا؛

آخرون يُفضلون الاعتقاد بأن الإله هو الذي يُدير شئون الطبيعة والإنسان!

والنتيجة واحدة، وهي أن ما كان محظورًا على الإنسان يُصبح مباحًا له، وما كان مستحيلاً يُصبح ممكنًا، وما كان مجهولاً يُصبح معلومًا!

والأهم هو أن يُدرك الإنسان ويُقر بأنه أعجز من أن يُغيِّر جوهر الطبيعة أو مسارها، فهو ليس جذر الطبيعة ولا لُبَّها، إن الإنسان مجرد إفراز من إفرازات الطبيعة التي اقتضتها مرحلة معينة من مراحل تفاعلات مكوناتها!

يُضيف القادرون والواهمون من البشر محظورات من عندهم إلى قائمة المحظورات الطبيعية، بما يخدم مصالحهم أو ينشر رؤاهم ومعتقداتهم وأوهامهم!

لكن المحظورات الطبيعية مؤقتة وينتهي مفعولها بشكل منطقي عندما يبلغ البشر نصابًا معينًا، بينما محظورات البشر المصطنعة على بعضهم، ليس لها نصاب طبيعي تنتهي به، لذلك يفترض الواهمون أن محظوراتهم طبيعية لكنها أبدية!

وعندما تتعارض محظوراتهم المصطنعة مع الواقع والمنطق الطبيعي، يلجؤون إلى فرضها بالقوة وتجاوز المنطق والطبيعة، بنسبتها إلى أسباب ومبررات افتراضية من خارج الطبيعة والوجود!

كانت الطبيعة تحظر على الإنسان الطيران في الفضاء والتنفس تحت الماء – مثلاً- في بداية وجوده، في حين سمحت بذلك للحيوانات منذ اللحظة الأولى لوجودها..،
ثم بعد مرحلة معينة من عمر الوجود البشري، سمحت الطبيعة للإنسان بممارسة سلوك الحيوانات من طيران في الفضاء وتنفس تحت الماء!

ولو أن كل ما منحته الطبيعة للحيوان بالأساس ولم تمنحه للإنسان، صار محظورًا طبيعيًا على الإنسان، لما كان للإنسان أن يطير وأن يغطس اليوم!

سؤال: لماذا تقبل البشر سلوك الطيران والتنفس تحت الماء واعتبروه إنجازًا، ولم يقل أحد بأن هذه ممارسات حيوانية بالأساس، ولا ينبغي للإنسان إتيانها - كما فعلوا ويفعلون مع الكثير من السلوك والممارسات الأخرى؟

السبب: هو أن هذه الممارسات، كانت مُصنَّفة ضمن المستحيلات، مما أغنى الكاذبين عن إدراجها في قائمة محظوراتهم المفتعلة؛
لكن لما أصبحت هذه المستحيلات ممكنة، ولم يعد بالإمكان إعادة تصنيفها ضمن المحظورات، صنَّفها ضمن الإنجازات – حفظًا لماء الوجه!

والسبب الأساسي لقبول الكاذبين والواهمين لهذه التطورات، هو تمكنهم من استيعابها واستفادتهم المباشرة منها، والأهم هو شعورهم بأنها لا تشكل خطرًا على قائمة محظوراتهم التي يستعملونها للسيطرة على البُسطاء والضعفاء من البشر!

بينما ممارسات وتطورات أخرى، مثل إمكانية التدخل العِلمي في خلق الإنسان - إنتاج بشر بمواصفات حسب الطلب، وهو أيضًا ليس موجودًا على قائمة محظورات الكاذبين والواهمين، لأنهم كانوا يضعونه على قائمة المستحيلات الطبيعية..؛ لكن لما تبين لهم أنه ممكن ولم يعد مستحيلاً، تراجع الواهمون عن تحديهم، وسارعوا لإضافته إلى قائمة المحظورات بتاريخ رجعي..، وذلك لأنهم لم يستوعبوه كما استوعبوا الطيران في الفضاء والتنفس تحت الماء، وأدركوا أنهم لن يستفيدوا من هذا التطور، والأهم أنهم شعروا بأنه يُشكل خطرًا كبيرًا، ربما يؤدي إلى انهيار كامل لقائمة محظوراتهم المفتعلة..، حيث إنهم لو قبلوا بالتحدي وسمحوا بالتدخل في خلق البشر، وخسروا الرِهان كما هو متوقع، فسيفتضح أمر الكثير من محظوراتهم ومخاوفهم المفتعلة، مثل الحرص على عدم اختلاط الأنساب، الذي لن يكون له أي معنى في هذه الحال..، بل هو من المحظورات المفتعلة والمخترقة بالفعل، فزواج المثليين وإنجابهم  أطفالاً بمساعدة طبية، حيث يتم الحمل والإنجاب في الأُسرة المكونة من امرأتين؛ وكذلك عملية " تأجير الأرحام" التي تقوم بها بعض
النساء بمقابل مالي لصالح الأزواج المصابين بالعُقم، وغيرها..
كل هذه الوقائع قد خرقت هذا الحظر منذ سنوات وأثبتت أنه حظر مفتعل، حيث لم يترتب على خرقه ما يُخالف الطبيعة..، فالآن توجد بنوك تحتفظ بحيوانات منوية يتبرع بها متطوعون، وتوجد
نساء تبيع البويضات وتؤجر الأرحام..، وفي هذه  الحالات لا يُعرف
نسب الأبناء من جهة الأب أو من جهة الأم عند زواجهم مستقبلاً،
وهي عملية قائمة وناجحة وزبائنها بالألوف!
ليست هذه محاولة لتبرير هذه الممارسات، ولا هي إشارة
لقبولنا لها نفسيًا، إنما القصد هو إثبات أن المحظور الحقيقي
والشرعي هو ما تحظره الطبيعة، وهو الذي لا يمكن اختراقه،
وما عداه من محظورات فهي محظورات مفتعلة، ما انفك الواقع
يُثبت أنه لا أصل لها، ومآلها إلى اختراق وزوال!
لكن، ما لا يزال محظورًا وما يبدو مستحيلاً حتى الآن، هو إجماع كل البشر على هذه الحقيقة!
الحقيقة هي أن كل ما هو محظور اليوم سيُصبح مباحًا غدًا،
وكل ما هو مستحيل اليوم قد يُصبح ممكنًا غدًا، وكل ما هو مجهول اليوم سيُصبح معلومًا غدًا!
وكل ما هو محظور في مجتمع، مباح في مجتمعات أخرى!
ومعنى ذلك أنه لا محظور حقيقي إلا ما تحظره الطبيعة، وكل ما يُبذل من جهود للمحافظة على قائمة المحظورات البشرية المفتعلة، لا يعدو أن يكون إهدارًا للوقت والجُهد، وتعبيرًا عن جهل، وافتعالًا لمآس مرحلية، واختلاقًا للاختلافات والخلافات بين البشر، ومزيدًا من الحروب والعداوات والضحايا والعذابات والآلام، التي لا معنى ولا أثر لها في المسار الكلي للطبيعة والمشهد العام للوجود!

الأحد، 17 مارس 2024

زادهم الله عِلماً، أم زادتهم بساطتنا جُرأةً؟

0 تعليق


- سيتحرر البُسطاء من ذهولهم ويستيقظ الغافلون من إغمائهم، عندما يُقرُّ رِجال المؤسسات الدينية في كل الأديان والطوائف، بأن فتاواهم واجتهاداتهم وتفسيراتهم، لا تعدو أن تكون وجهات نظر بشرية، لا قداسة لها ولا مجال لإثبات صحتها، وأنها ليست حُجَّة للبشر أمام الإله وليست مُلزمة لهم باسمه!
 - عندما نستحضر حقيقة أن مَنْ اعتاد سماع: زادكم الله عِلماً؛ كَبُر عنده وعزَّ عليه سماع: ربما كُنتَ مُخطئاً! ونحن نُدرك بالطبع، أنَّ ضعف الضعفاء ليس ميداناً لقياس قوة الأقوياء، وأن ذهول البُسطاء لا يجعل المُحدِّثين والناقلين علماء! 
سنتصور المشهد كاملاً، فمَنْ اعتاد سماع المديح والثناء، صَعُبَ عليه سماع النقد والهجاء؛ ومَنْ اعتاد تصدير النصائح وإصدار الأوامر، استنكف عن قبولها وأَنِفَ عن سماعها من سواه؛ ومَنْ اعتاد حياة الأوهام بطعم الأحلام، صار أضعف من أن يعيش حياة الواقع بطعم الحقيقة! 

 إن أحداث التاريخ التي غاب شهودها واندثرت شواهدها، وأمور الغيب التي لا مجال لإثباتها أو نفيها..، لا يمكن أن تُثبت حيالها شهادةُ البشر للبشر عِلماً أو تنفي عنهم جهلاً! 
ما مجال عِلم الفقهاء؟ إنه التاريخ الذي اندثرت شواهده، والغيب الذي استحال إدراكه فانتفت إمكانية إثباته! منذ أن كانت وسائل الإعلام والإطلاع والاتصال والتواصل شبه معدومة، كانت هذه المفارقة العجيبة تؤرق الكثيرين، وربما لا تزال! ذلك أن كل مَنْ اعتلى المنابر وتقدَّم الجُموع باسم الدين – أي دين وأي طائفة – لا يكاد يُكمل كلامه، سارداً رواية تاريخية أسطورية خرافية – من درجة ما بين الحقيقة والخيال، أو مُبدياً وجهة نظره الشخصية في أمرٍ غيبي – ظني- لا يملك البشر الجزم بصحته من عدمها؛ لا يكاد ذلك الإنسان يُكمل كلامه، حتى يبادره ويغمره الحضور، بالقول: زادك الله عِلماً! وكأنهم كانوا يعلمون مسبقاً أنَّ ما سيقوله عِلمٌ، وأنه من عند الإله – دون تحليل ودون تحقق من مصادر المعلومات وسلامة الفهم! وقد كان، وربما لا يزال الجميع يتجاهلون سؤالاً يطرح نفسه صارخاً: مَنْ يُقيِّم مَنْ؟ وما مرجعية الجميع؟ ما دليل السائل والمستمع على أن ما يقوله هذا الخطيب أو ذاك المتحدث باسم الدين، هو عِلمٌ، وأنه من عند الإله، حتى يشهدوا بصوابه، ويطلبوا له المزيد "زادك الله عِلماً"، ويقبل هو منهم ذلك متباهيًا زاهيًا بشعبيته من البُسطاء، وتأييد الضعفاء له! أليس جهلهم بما يقول، هو ما ولَّد لديهم الذهول؟ فهل جهل العوام وذهول البُسطاء، يجعل من المتحدث البليغ عالِماً جليلاً! هل يحمل الفقهاء بين أيديهم آيات عِلمٍ، عليها إمضاء الإله، كي يُقال لهم: زادكم الله عِلماً؟ أم إن اطِّلاع البشر على ما كتبه بشرٌ مثلهم، وإلمامهم بآراء من سبقوهم، يمنحهم شهادة القداسة، ويجعل منهم عُلماء سماويين إلهيين لا تجوز مراجعتهم ونقدهم! هل أنجز هذا الشيخ أو ذاك، بكلامهم، شيئاً عملياً مُدرَكاً محسوساً مُقاساً، يمكن تقييمهم من خلاله؟ أو هل تحقق ما يُثبت صحة إيمانهم – كقبول دعائهم مثلاً؛ فصَلُحت معيشة الناس أو اهتدى حُكامهم لما يُريده الفقهاء، أو توحدت أُمَّة أو تحررت أرض أو انهزم أعداء، أو …؟ أم إن كل ما فعلوه هو أنهم قالوا كلاماً منمقاً ساحراً، لامس ضعف الضعفاء وخاطب عواطف البُسطاء، دون أدنى دليل على صحته، وهو ذاته ما يقوله أمثالهم في كل الأديان والطوائف الأخرى، وهم جميعهم يدَّعون العلم الغيبي، ويتبادلون الاتهامات بالجهل والكفر والتدليس! فمِن أين لهذا الشيخ من هذا الدين وتلك الطائفة، ومن أين لأتباعه، أن ينفوا صفة العِلم والتقوى عن عالمٍ آخرٍ– من دينٍ آخرٍ أو طائفة أخرى، أو يُثبتوها لأنفسهم؟ أم إن المعادلة الفقهية، هي أنه إذا تناقضت وتضاربت أفكار وآراء الفقهاء، وعجزوا عن إقناع بعضهم، يتم إخضاعهم لآراء البُسطاء – كلٌّ حسب طائفته وعرقه ومكانه وزمانه -، فمن حصل منهم على شهادة البُسطاء له ( زادك الله علماً )، اكتفى بها، وعُدَّ عالماً في مجال الغيب، ناطقاً باسم الإله، يعلم مدخلات الجنة ومخرجات النار! عندما يتهم عالمٌ عالِماً آخر بالجهل والتدليس! فمن أين للبُسطاء التُبَّع ( في هذا الدين أو تلك الطائفة) القدرة أو الحق في أن ينفوا أو يُثبتوا اتهام ذاك العالم لهذا العالم..، هل يكون المعيار هنا هو: انصر فقيهك مُخطئاً أو صائباً؟ أليس المقياس الطبيعي والبديهي لتمييز وإثبات عِلم الإنسان من جهله، هو مواجهته لأمثاله وأنداده في مجال تخصصه، وحصوله على شهادتهم له بالعلم أو بالجهل؟ وبافتراض أن البُسطاء والجهلاء هم أقل من أن يُدركوا هذه الحقيقة، أفلا تُحتِّم الأمانة على العلماء أن يُقرّوا بأن تعدد الأديان والطوائف والمذاهب واختلافها إلى حد التناقض، وعجز العالم عن إقناع عالم مثله، أن ذلك يُبرر للناس تركهم ورفضهم جميعاً، حتى يُقنع أحدهم أو بعضهم بعضهم الآخر! ما هي حُجَّتك أيها التابع، وماذا ستكون إجابتك، إذا تبين أنك مُخطئ، وسُئلت عن سبب إقدامك على الأفعال والأقوال التي تُمارسها اليوم باسم الإله! هل تعتقد أن حُجَّتك شافية وأن إجابتك ستكون كافية، عندما تقول: إن الشيخ الفلاني قد أفتى بذلك! أليس الصواب هو الاحتكام إلى القواسم المشتركة بين عموم البشر، بدل الاحتكام إلى وجهات نظر متضاربة؟ كيف تعتقد بصحة ما يقوله فقيه (عالم) – من أي دين وأي طائفة-، وهم الذين عجزوا عن إقناع بعضهم، ولم يُفلحوا سوى في إقناع البُسطاء والضعفاء؟ ما الذي ألزمك بهذا الدين أو الطائفة أو فتوى هذا الشيخ دون غيره؟ ما هي معاييرك التي اخترت على أساسها الدين والطائفة والمذهب والفقيه؟ فإذا كُنتَ قادراً على التمييز والاختيار بين المذاهب وعلى تقييم الشيوخ، فإذن أنت قادر على الإفتاء! وإذا كُنتَ تعتقد بصواب إيمان التقليد والتلقين وعقيدة الوراثة، فأنت إذن تعتقد بصحة معتقدات وإيمان كل البشر – بمختلف الأديان والطوائف والمذاهب! وإذا لم تكن كذلك، فكيف تمنح طاعتك وولاءك، لمن لا دليل لديه يمنحه الحق في توجيهك؟ 

 تساؤلات تطرح نفسها، ووجهات نظر.. معلومٌ أنه، لو اعترفت الأديان ببعضها لانهارت جميعها – خاصة التوحيدية، لأنها تقوم على الأُحادية – أي أن كل دينٍ يقوم على إقصاء الأديان الأخرى ونفي صحتها؛ وذلك لأنها تتبنى الاعتقاد بوحدة الأصل الإنساني ووحدانية الإله المُوجِد؛ وهذا الاعتقاد يستوجب توحيد التشريعات والمعتقدات؛ وتلك مُعضلة الأديان والطوائف!
 - من القواسم المشتركة بين كل الأديان والطوائف، أن اعتناقها واستمرار بقائها لا يكون إلا عن طريق الوراثة والتربية والتلقين والترهيب والترغيب، أو بالإكراه المباشر، وذلك استغلالاً لضعف الفرد البشري، وحاجته الضرورية لجماعة بعينها في مراحل حياته الأولى، فاعتناق الأديان والطوائف ليس اختيارياً، واستمرار بقائها ليس طبيعياً ولا يستند إلى حُجَّة أو برهان- كما يزعم مُنظروها!
 - قاسم مشترك آخر، هو فشلها في إقناع البشر بحُجَّتِها وقدسيتها، بدليل أنه لم يبلغ عدد أتباع أيٍّ من الأديان نسبة 25% من البشر- في أي عصر من العصور – تقريباً! فإذا أخذنا عصرنا كمثال، وألقينا نظرة على واقع الأديان اليوم، وعدد أتباع كل دين وكل رسول على حدة، فسنجد أن كل دين هو صناعة بشرية، وكل رسولٍ هو كاذبٌ أو واهم، باعتقاد 80% من سكان الأرض- تقريبًا! فإذا أضفنا إلى ذلك، حقيقة أن جُل العلماء والفلاسفة والمفكرين، لا يعتنقون أيٍّ من الأديان، ولا يؤمنون بصحتها ولا برسالة رُسُلها! وحيث إن العِلم ورأي الأغلبية العددية، هي أصحُّ وأصدق وأنسب المعايير المتوفرة والمستعملة بين البشر، للحكم على صواب الأمور من خطئها، وهي ليست في صالح اعتناق أيٍّ من الأديان؛ نستنتج أن اعتناق الأديان يجب أن يوضع في إطاره وحجمه الصحيح، فلا يخرج عن كونه خياراً شخصياً؛ أو أنه نظرية تشريعية لإدارة الحياة الاجتماعية للبشر العاجزين عن إدارة شئونهم! ولعل ضعف الإنسان وثقافة التجهيل والتهويل والتخويف من المستقبل والمجهول، التي ينشأ عليها الفرد في المجتمعات الدينية، هي ما يمنع جُل البشر من التنقّل بين الأديان والطوائف- واستعمالها كمسوغ اجتماعي يوفر الأمن ويحقق المصالح الآنية! ولعل الحاجة وغياب الحرية هما ما يمنع الإنسان من التفكير في رفضها جميعاً – كخيار شخصي يُحقق الذات! أما التلميح إلى إمكانية التوفيق بين الأديان والطوائف، واحتمال إقرارها بصحة الإيمان وفق أيٍّ منها – وهي المختلفة إلى حد التناقض-، فإن ذلك لا يُقال إلا اعتماداً على سذاجة وعواطف وضعف البشر؛ إذ ليس ذلك سوى إقرار صريح بعبثية الأمر، أو هو مؤشرٌ على وجود اعتقادٍ ضمني لدى أتباع الطوائف والأديان باحتمال تعدد الآلهة أو مزاجية الإله الواحد! فهل هو باحث عن الحقيقة أو مالك لها، أو هل يكون عاقلاً وأميناً وصادقاً مع نفسه – قبل غيره، ذلك الذي يدعو إلى عبادة إلهٍ يجهل كُنهه وغايته، أو يشك في أُحاديته، ويدَّعي أنه قادر على معرفة مُراد الإله دون اتصال به، ودون نتائج محسوسة يُدركها ويفهمها الآخرون؟ حريٌّ بنا نحن البشر العاديين، أن نطلب ممن يدَّعون العلم ويحملون لقب عُلماء، أن يُقنعوا بعضهم بعلمهم، قبل أن يطلبوا منا الإقرار بصحة آرائهم! فالعالم مَنْ أقرَّ بعلمه أمثاله، وليس العالم مَنْ أذهل البُسطاء بمفرداته اللغوية وألهب مشاعر العوام بخُطبه العاطفية الحماسية!
 إن سذاجة المحسوبين على العُقلاء، هي مطية الواهمين وسلاح الطامعين وزاد العابثين؛ وهي بذلك أشد ضرراً على سلوك البشر وعلاقاتهم، وأخطر على الحقيقة من جهل الجاهلين!

الاثنين، 4 مارس 2024

فلسفة الأحلام وخيبة الأمل ..

0 تعليق


صحيح أن في كيان بعضنا من الأخطاء ما يكون في الصميم، فلا يكون إصلاحها ممكنًا ولا يمكن معها استمرار البقاء ..، كالأخطاء الهندسية في أساسات البناء، تلك التي تبرز ويزداد خطرها مع ارتفاع المباني، ولا تترك مجالاً لإصلاحها غير هدمها والفناء .. لكن ذلك لا يمنعنا من استخراج ما بالمُهدَّم من نفائس قبل هدمه! عندما نستيقظ متأخرين في الحياة، ونجد أنفسنا مكبلين، فلا نملك من وسائل ممارسة الوجود غير السمع والنظر والكلام .. ونشاهد أحلامنا وهي في طريقها لتصبح ذكريات حالم أو حقائق واهم .. عندها يملأنا إحساس صادق بأننا في عصر غير عصرنا، وعلينا مغادر المكان والزمان .. فنبحث في حنايا قلوبنا عن أقرب الناس إلى أرواحنا .. نجد أنفسنا نبحث بين الناس عمن يستحقون أحلامنا .. أولئك الذين كان وجودهم في حياتنا أشبه بتجسيدها .. نبحث عمن بنا حاجة لتركهم بسلام كحاجتنا للرحيل عنهم بسلام .. أولئك الذين نأتمنهم على أحلامنا ونأتمنها عليهم .. لنسلمهم بكل أمانة ومودة ووفاء وحب، كامل خبراتنا وما تبقى لدينا من رصيد الأمل .. كأنما بنا حاجة لبعث الحياة في أحلامنا من بعدنا .. كأنما وُجِدنا لضمان بقائها لا لتحقيقها .. هذا سبيلنا لنرحل بسلام .. ولعل بنا حاجة لذلك! فنقول لهم .. حذار أن يتسلل إلى وعيكم اليأس من بوابة الأحلام في ثياب الأحزان ووجوه الآلام .. حذار أن يخدعكم بحُجج الجراح ومستندات الأخطاء .. إن أخطاءنا ليست سوى علامات وجودنا .. وما جراحنا غير شهود إثبات حياتنا .. آلامنا دليل وجود آمالنا .. وما أحزاننا إلا مؤشر على حياة الحب فينا! النجاح في الحياة لا يعني خلوها من الأحزان والجراح .. فلسفة النجاح لا تتجسد في تحقق الأحلام .. فأحلام الإنسان أكبر من أن يسعها الزمان .. ذلك أن كل واحد منا يحمل داخله أرشيفًا جينيًا بأحلام كل البشر ..، يستعرضه فلا يرى لها نهاية .. يحتار أيها يختار، فيفقد الصواب .. فيفقد الأمل .. لكن هذه فلسفة الطبيعة في الإنسان! وما يبدو لنا في الواقع لغزًا محيرًا، قد لا نحتاج في الحقيقة لتفكيكه سوى لوقفة واعٍ والتفاتة مُدرِك .. إن كل واحد منا مهيأ سلفًا لكل الاحتمالات والصُدف .. هكذا اقتضى التطور الذي أوجدنا وميزنا عن سوانا .. أحلامنا التي تبدو على شاشة العواطف أمرًا يُربك الأذهان ويصارع الأيام .. حين نعرضها على شاشة الإدراك تبدو غير ذلك! إن مَشاهِدَ الأحلام تُعرَضُ على شاشة الخيال أمام الفكر، تمامًا كما تُعرَضُ على التلفاز مَشاهِدُ آلاف القنوات في لحظة واحدة أمام النظر .. تلك الأقمار والقنوات التي تبدو لنا وكأنما كلها تخاطبنا كلنا .. فيشعر كل واحد منا أن به حاجة لمشاهدتها جميعها .. بينما هي تخاطب كل الأذواق وكل الاحتياجات .. وتسعى بمجموعها لتحقيق أهداف متعارضة .. أهداف لا يمكن أن تجتمع مبرراتها في مخيلة فرد في ذات الوقت، ولا يسمح عمر الفرد ومعطياته بتجربتها جميعها .. فنختار من المعروض ما بمقدورنا مشاهدته ومتابعته وفهمه وتوظيفه لمصلحتنا .. لكننا نشعر بخيبة أمل مع كل مشهدٍ رائع نسمع به ولم نره .. في قناة موجهة لغيرنا .. لتصبح خيبة الأمل المفترضة تلك، حاجزًا يحجب عنا جمال المشاهد الرائعة في قنواتنا .. فنختزل أحلامنا فيما افتقدناه، ونفقد بذلك الاستمتاع بما كسبناه .. هنا نحتاج لوقفة الوعي والتفاتة الإدراك .. لنتذكر أن لاشيء يحمل قيمة في ذاته .. أننا نحن الذين نمنح الأشياء قيمتها .. حتى الحياة ذاتها نحن من يمنحها قيمةً أو يسلبها .. لنعرف أن من بين كل ما يُعرض أمامنا، يمكننا اختيار ما هو أنسب من سواه لنا .. بل ويمكننا جعله كذلك .. وأن عليه وحده ينبغي أن يكون تركيزنا وبه يكون اهتمامنا، لنجعل من متابعته وفهمه هدفنا .. ونجعل من رؤية غيره مجرد تسلية تمنحها الطبيعة لنا لسد أوقات فراغنا، ومتابعته وفهمه مسئولية غيرنا .. هنا نحتاج لوقفة الوعي والتفاتة الإدراك .. لنتذكر أن قيمة الذهب لا تنبع من مقاومته للصدأ، بل من سلبيته، من عدم تفاعله مع محيطه ! لنعرف أننا إذا أحسسنا أن بنا ميلاً للركض وراء لفت انتباه الآخرين، وانتظار إبداء إعجابهم بنا .. أننا بذلك إنما نسلمهم أمر سعادتنا دونما مبرر ولا اتفاق ولا ضمان .. إننا بذلك إنما نستجدي إعجابهم ليصبح شهادة إثبات لوجودنا .. وليس ذلك سوى عبودية مقنعة تسكننا .. علينا وبمقدورنا التحرر منها والانتصار لأنفسنا .. لا شيء أثمن وأفيد وأصلب من إقناع الذات بما هي! إننا حين نربط إحساسنا بوجودنا بأعداد المعترفين بنا، فإننا بذلك إنما نمنح الغرباء حق توجيهنا وإسعادنا وإتعاسنا ..، وليس ذلك سوى دليلٍ على أننا لا ننظر جيدًا للوجود من حولنا، فلم نُدرِك أن وجود أصدقاءٍ حقيقيين في حياتنا بعدد أصابع اليد، هو أكثر وزنًا في ميزان سعادتنا من إعجابٍ عابرٍ يبديه كل البشر بنا ..

الخميس، 29 فبراير 2024

الإنسان سراب حي!

0 تعليق


نحن نرى السراب التقليدي، ونتخذ منه مثالًا للخداع .. لكن وصفنا له بالخادع هو مجرد وصف مجازي، لأننا  نعرف أنه لا يوجد شيء له كيان واحد، اسمه السراب، ويتعمد خداعنا، إنما هو مجرد انعكاس ظاهري ونتيجة حتمية لعمليات فيزيائية ذرية تتم في الخفاء- انكسار الضوء نتيجة مروره بين طبقات هواء مختلفة الحرارة! أما ما لا ندركه أو ما لم نعترف به حتى الآن، هو أنه في الحقيقة ليس فقط السراب التقليدي، بل إن كل شيء في الطبيعة هو عبارة عن سراب بصورة أو أخرى- بما في ذلك الإنسان .. 

كل شيء مرصود في هذا الوجود، هو مجرد ظاهرة طبيعية، تشير إلى تجمع أشياء غير مرصودة - بما في ذلك الإنسان شكلاً وسلوكًا .. فليس سلوك الإنسان سوى انعكاس ظاهري ونتيجة حتمية لعمليات فيزيائية وكيميائية تتم في الخفاء- داخل الخلايا -، لا سيطرة للإنسان على نتائجها إلا كسيطرة السراب على مسبباته! لا يوجد شيء له كيان واحد (كتلة قوامها عنصر واحد) اسمه الإنسان ويمتلك إرادة مستقلة معزولة عن البيئة؛ بل الموجود هي شاشات طبيعية متنقلة تُسمَّى البشر، تعرض ما يحدث خلفها (داخلها) من عمليات فيزيائية وتفاعلات كيميائية تتأثر مباشرة وبالضرورة باختلاف الظروف من حولها .. الضوء عبارة عن مزاج وجد نفسه مقذوفًا في فضاء الوجود .. وليس الإنسان سوى مزاج وجد نفسه مقذوفًا في فضاء الحياة .. في الظروف الطبيعية المناسبة، يعكس الضوء صورًا طبيعية مناسبة للأشياء .. السلوك غير الخادع للضوء، هو تعبير حتمي عن مكونات وظروف تستوجب عدم الخداع .. والسلوك الخادع للضوء، هو كذلك تعبير حتمي عن مكونات وظروف تستوجب الخداع .. وكذلك سلوك إنسان الطبيعة، فهو دائمًا لا يكون إلا تعبيرًا حتميًا عن مكونات وظروف .. هذا سلوك إنسان الطبيعة .. لكن هناك إنسان آخر غير إنسان الطبيعة، هو إنسان المعتقدات، وهذا يعادل الضوء الموجه بشريًا، والذي يعتبر خادعًا ومخدوعًا في جميع الأحوال .. سلوك إنسان المعتقدات يعادل سلوك الضوء الموجه بشريًا - مثل الليزر وأضواء المسارح والأفلام، فهو ليس طبيعيًا سواء كان خادعًا أو غير خادع سلوك الإنسان بدايةً، يكون خاضعًا لبرمجية جيناته الوراثية، وهي برمجية تحتوي ترتيبًا ابتدائيًا لردات فعل الإنسان إزاء المواقف والأحداث المختلفة تحت ظروف معينة ..

 - الجينات الوراثية تتجسد في خصائص الخلايا المختلفة، وتعمل من خلال الخلايا ..
 - تحت ظروف معينة تتغير خصائص ذرات المعادن، فيتغير سلوك المعدن ككيان موحد ظاهريًا، وبذات المعنى تتغير خصائص خلايا الإنسان تحت ظروف معينة، فيتغير سلوك الإنسان ككيان موحد ظاهريًا ..
 - تغير خصائص الخلايا يعني تغيير ترتيب الجينات ..
 - التغيير الذي يطرأ على ترتيب الجينات يصبح ترتيبًا ابتدائيًا للأجيال القادمة .. 
- اختلاف سلوك البشر تحت ذات الظروف، يعكس اختلاف أولوياتهم بحسب ترتيب جيناتهم الوراثية ..
 - الجينات الوراثية تستوجب سلوكًا معينًا وثابتًا للإنسان تحت الظروف الطبيعية .. الظروف الطبيعية للجينات، هي الظروف التي تكونت تحتها الجينات ..
 - وقوع الإنسان تحت ظروف غير طبيعية، يُجبر الجينات داخل الخلايا على التأقلم، والتأقلم يعني التدرج في البدائل وصولاً إلى البديل المناسب لكل ظرف ..
 - الجينات تمثل الذاتية في الخلايا .. 
- الذاتية تعني ردات الفعل التلقائية تجاه البيئة .. 
- الانتحار عند الإنسان يعني استنفاد الخلايا لكل البدائل الممكنة للتأقلم مع البيئة!

الثلاثاء، 6 فبراير 2024

معايير إنسانية ومقاييس بشرية!

0 تعليق



وفق المعايير الإنسانية والمقاييس البشرية، يكون معظم الرؤساء والوزراء والمسئولين، وكل الساعين للشهرة بشرًا، وليسوا من أُمَّة الإنسان، ذلك لأنهم يتنافسون، والتنافس على أساس أن هزيمة الآخر معيار فوز هي صفة بشرية وليست صفة إنسانية، فجذب اهتمام الآخرين والنظر إليهم من فوق، هو أعلى قيمة وجودية يراها البشر، وهي أقصى مستوى يستطيع الوعي البشري قياسه واستيعابه – لكن ليس الوعي الإنساني! ربما كان وجود هاتين المفردتين (بشر ، إنسان)، المتشابهتين والمختلفتين في آن، في لغة واحدة، هو الأساس للفكرة والتسمية، لكن فكرة لا يدعمها الواقع، لا تقوم! أقول إن بعضنا إنسان وبعضنا بشر، لا بمعنى التقليل من شأن البعض لصالح البعض الآخر، لكن للتفريق بين المختلفين، من أجل وصف الواقع كما هو، لكي نتعاطى معه كما ينبغي! ماذا يعني وصفنا لأحدهم دون غيره، بأنه: مُفكِّر؟ هل يعني ذلك أن غيره قادر لكنه عازف عن التفكير؟ بالتأكيد لا، إنما ذلك يعني ببساطة، أن الآخر غير قادر على التفكير إلى المستوى الذي يجعلنا نشعر بوجود أفكاره، لنقول عنه إنه مفكِّر! وهذا سؤال واختلاف كبير، لا يمكن تجاوزه بمرور الكِرام – كما يقولون! لكن، كما أن الغائب عن الوعي، لا يمكن الحديث معه بخصوص حالته، إلا بعد أن يفيق منها! كذلك الغير قادر على التفكير، لا يستطيع إدراك حالته، لأن إدراكها يتطلب وعيًا أكبر مما لديه الآن! 

 مَنْ لا يؤتمن على ذاته، ينبغي ألا يؤتمن على غيره! قوانين كثيرة مُصاغة غرائزيًا ومطبقة على أساس أن كل الموجودين لا يُفكِّرون أو أنهم غائبون عن الوعي جزئيًا! وما يثير الدهشة، أن النتائج غالبًا ما تأتي متوافقة مع رؤية واضعي تلك القوانين، وهذا يعني أن جُل الموجودين بشرٌ، وأن جُل المشرعين بشرٌ! مثلاً: محاربة التدخين – بالقوانين وليس بالمعلومة، وفرض استعمال حزام الأمان أثناء قيادة المركبات الآلية – بالعقوبة وليس بالمعلومة! المنطقي والطبيعي، هو أن الإنسان الواعي البالغ العاقل الحُر، يصح أن يتم إبلاغه بضرر التدخين، وبأهمية حِزام الأمان..، لكن لا يصح فرضها عليه، حيث إنه إنسان مسئول، وهذه أمور تخصه ولا تتعلق بالآخرين، فإذا أراد إلحاق الضرر بنفسه، فلا أحد له حق الوصاية عليه..، حتى لو تم اعتبار سلوكه ضربًا من الانتحار! 
إن قوانين العقوبات في مثل هذه الأمور، هي عبارة عن تشريع وإعلان بأن البشر غير مُدرِكين! فهي ليست قوانين خاصة بالأطفال والمراهقين والمعتوهين! إنها ممارسة صريحة للوصاية العقلية، وهي قبيحة مذمومة عندما تكون موجهة ومطبقة على البالغين الأحرار، فهي فعل مهين ومشين، وهي طعن صريح في عقلانية البشر ووعيهم، واعتداء فاضح على حريتهم، وخدش متعمد لكرامتهم وذاتيتهم – وكأنها اختبار لدرجة الوعي لديهم!

 معلوم أنه يحق ويجب على الجهات المسئولة عن المجتمع، حماية العاقل من المعتوه، لكن لا معنى ولا تفسير لحماية الإنسان من ذاته، إلا الطعن في أهليته أن يكون ذاتًا مستقلة! والذي يقبل أن يُفرض عليه ربط حزام الأمان وعدم التدخين – من أجل مصلحته هو ..، ينبغي أن تتم حماية المجتمع منه – إذا كانت حماية المجتمع هي الغاية! ينبغي أن يُمنع من تقلد أي مسئولية..، فلا يحق له الزواج ولا تربية الأبناء ولا تعليم التلاميذ ولا علاج الناس.. ولا تُقبل شهادته..، ولا أي شيء! فالذي يعترف بأنه غير مؤهل ليؤتمن على ذاته.، كيف يؤتمن على مصالح الآخرين؟ إن الذي لا يجد حرجًا أو لا يتوقف عند مثل هذه الأمور، ولا يقرأها بهذه البساطة، هو الذي أدعوه هنا بالبشر، وهو الذي لا يستطيع إدراك موقعه، لأن وعيه أقل مما يتطلبه استقلال الذات وإدراك الوجود! 

 طالما ظل الاختلاط والخلط بين البشر والإنسان قائمًا، فإن أنواعًا من المشاكل والخلافات والمآسي ستظل قائمة..، فإذا كان المُشرِّع والمُنفِّذ إنسانًا، فسيعتبر أن كل الموجودين إنسان، وسيصطدم بالذوات البشرية! وإذا كان المُشرِّع والمُنفِّذ بشرًا، فسيعتبر أن كل الموجودين بشر، وسيُحطِّم الذوات الإنسانية!

 البشر هنا، هو ذاك المُسيَّر غريزيًا إلى درجة كبيرة، فلا سلطة له على الكثير من سلوكه، ولا وعي له بالكثير من قناعته..، ولهذا ظهرت الحاجة للقوانين والعقوبات، وظهرت الحاجة لمخاطبة البشر غريزيًا – وليس عقليًا ومنطقيًا، وذلك بمخاطبة غريزة الخوف والطمع فيهم – بأسلوب الترغيب والترهيب، ونجحت في توجيه البشر..، وهو الأمر الذي يرفضه الإنسان قطعًا! الإنسان لا يتقبل أن يُقال له من قبيل النصيحة: إن الكذب رذيلة وأن الصِدق فضيلة – إذا كان المقصود هو المعنى المباشر لهذه المفردات..، فهذه من البديهيات التي لا تُقال للمُدرِك الواعي! بينما لا يجد البشر غضاضة في اعتبارها نصيحة مقبولة، ولا يشعر بمسئولية تجاهها

الاثنين، 22 يناير 2024

فلسفة الحب وعمل الخير!

0 تعليق


عمل الخير فعل وجودي، والحب حاجة ذاتية!

من منظور منطقي وواقعي .. عمل الخير مثل الحب، كلاهما فعل صادر من الذات وعائد لها .. لا فضل للإنسان فيه!

عمل الخير نوع من ممارسة الوجود أو إثبات الذات!

الإنسان بحاجة لمن يقبل منه عمل الخير!

شعور الإنسان باستغناء كل الناس عنه، لا يقل ألمًا عن شعوره بأنه عالة على كل الناس!

الحب ليس تفضلاً من الحبيب على المحبوب، وكذلكعمل الخير!

نحن نحب قبل أن نعرف ماهية ومكان المحبوب، تمامًا كما أننا نعطش قبل أن نعرف ماهية ومكان الماء الذي سنشربه .. 

نشعر بالارتواء عندما نشرب الماء المناسب، وكذلك نشعر بالحب عندما نجد المحبوب المناسب ..

وكذلك عمل الخير، فنحن بنا حاجة لعمل الخير، قبل أن نعرف ماهية ومكان الطرف الآخر .. 

الحب وعمل الخير هما هدايا الذات لنفسها بمناسبة وجودها أو إثباتًا لوجودها، وشهادة منها لنفسها بصوابها، وقبل ذلك هما بحث الذات عن ماهيتها!

الحب إشارة صادرة ابتداءً من كل إنسان – تلقائيًا لا إراديًا، دون أن يعلم الإنسان بوجود محبوبه!

الحب مثل الضوء، لا معنى ولا قيمة له، بل لا وجود له إلا بوجود أشياء تعكسه عند سقوطه عليها!

عندما يحصل الكسوف، لا يقتصر الظلام على الأرضوحدها، بل يعم الظلام كل ما حولها من فضاء، حتىيبدو لنا الكون بأسره مظلمًا .. لماذا؟

لأن الضوء لا معنى له بدون شيء يعكسه، والأرض وغلافها الجوي هما اللذان يعكسان ضوء الشمسليمنحانه القيمة وصفة الوجود التي نراها!

منطقيًا، ضوء الشمس يملأ الفضاء المحيط بالأرض!

لكن واقعيًا، إذا تم حجب ضوء الشمس عن الأرض،بدا كل ما حولها مظلمًا رغم أنه مليء بضوء الشمس،

ذلك لأن الضوء بالنسبة لحواسنا كبشر، لا معنى له  إلا بأشياء تعترض طريقه وتعكسه!

المحبوب إنسان يعكس إشارة الحب، فترتد إلينا حاملة  صورته ومكانه، تمامًا كما تعكس المرآة شعاع الضوء لترينا قوة الضوء وشكل وحجم ومكان المرآة التي عكسته ..

هذا يعني أنه لا معنى ولا منطق لحث الإنسان أو أمره بالحب وبعمل الخير .. فالحب مثل الإيمان، هو أمر لا إرادي، لا يستطيع الإنسان افتعاله إذا لم يجده في نفسه ..

وعمل الخير مثل الحب، هو حاجة نفسية للإنسان،لا قيمة له إذا جاء بدافع الطمع أو الخوف ..

 لا قيمة له إلا إذا جاء تلقائيًا!


عمل الخير عند غير المؤمنين هو هدية الذات لنفسها، بمناسبة وجودها، وإثباتًا لوجودها، وإشباعًا لحاجة نفسية عاطفية ربما تعكس خوفًا باطنيًا من مصير المحتاج لعمل الخير!

عمل الخير عند المؤمنين ينبغي أن يكون تعريفه أو وصفه، هو أنه هدية منهم للإله، شكرًا له على إيجاده لهم!

التعريف أو الوصف التقليدي لعمل الخير، الذي يربطه بالخوف من عقاب أو الطمع في ثواب، هو تعريف أو وصف خاطئ، لأنه ينال من كرامة الإنسان ويُفرغ عملالخير من قيمته ويضع الإله في موضع المحتاج للبشر!

أن نقول بأن الإله يقبل عمل الخير من الإنسان كهدية،

أصوب من أن نقول بأن الإله يأمر الإنسان بعمل الخير،

وأنه يفرح ويغضب بحسب عمل الإنسان، وأن الإنسان يخاف ويطمع لذلك يعمل الخير!

ربط عمل الخير بالخوف والطمع – كما بالكتب الدينية،  ليس موجهًا لكل المؤمنين، إنما ينبغي أن يكون موجهًا إلى شريحة من البشر، وهم الغير قادرين على استيعاب فلسفة الوجود وعمل الخير، تمامًا مثل خطاب التخويف الموجه للأطفال عند تربيتهم والحرص على سلامتهم!