face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 1 يناير 2020

الرسالات (السماوية) والعقل ومعضلة سؤال الأزل!(1)

0 تعليق



ما خصوصية البشر، ولماذا هم هنا، وماذا بعد الموت؟ هل سيُعذب الخالق مخلوقاته؟ لماذا وكيف؟ - مؤمن طائفي، يتساءل، مستعرضًا ومتباهيًا بإيمانه: هل تعلم بأن الله سيجعل عذاب الحريق مصيراً أبدياً لبعض البشر- وهم الكافرين، وأنه سيجعل الجنة مقاماً خالداً لبعضهم الآخر- وهم المؤمنين حَقّاً؟ - مؤمن متحرر من قيود الفقه الطائفي، يُجيبه: أولاً: لاحظ أنك مُضطرٌ لاستعمال كلمة "حَقّاً"، وذلك اعتراف منك بأنه لا يوجد شيء واحد محدد متفق عليه اسمه الإيمان، إنما توجد معتقدات متعددة مختلفة، من الصعب نسبتها إلى إله واحد، وكل معتقد يعتبره أتباعه السبيل الصحيح للإيمان الحق..؛ فلو كان ما تقوله صحيحًا، أو لو كنت تُدرك ما تقول، لكان الإيمان أمرًا واضحًا في متناول كل البشر، ولكان المؤمنون أُمَّةً واحدة..، لكي تقوم الحُجَّة على غير المؤمنين، ولكي يكون وضوح العقاب متناسبًا مع وضوح الإيمان..، فليس من المعقول أن يتفق المؤمنون على نوع وحجم العقاب والثواب بهذا الوضوح، ويختلفون على نوع وحجم الإيمان الصحيح! لكن، وعلى افتراض أنَّ ما تقوله وتؤمن به، هو صحيح وبهذه الصورة..، فهل من العدل أن يُعذِّب الله مؤمنًا بسبب خطأ غير مقصود في إيمانه – لأنه انتمى إلى الدين أو الطائفة الخطأ عن غير قصد! وما الفرق إذن بين المؤمنين المخطئين في إيمانهم، وبين غير المؤمنين..، أليسوا جميعًا سيُعذَّبون – بحسب اعتقادك؟ وأين العدل في ذلك، أليسوا جميعًا يعتقدون أنهم يفعلون الصواب؟ فهل النار التي تتحدث عنها هي عقاب للناس بسبب جهلهم وعجزهم عن إدراك الحقيقة؟ وهل الجنة هي مكافأة لمن حالفهم الحظ بالصدفة؟ أنا أعلم أنه يوجد بين البشر جُهلاء، لكن لا أتصور أن يبلغ الجهل بالبشر مبلغًا يجعلهم يعتقدون أن بعضهم يرفضون الجنة ويطلبون النار – بحيث يكفرون وهم يعرفون أن الكفر سيُدخلهم النار، وأن الإيمان سيُدخلهم الجنة! ثانيًا :ولأنك تؤمن بالطائفية، فإنك لن تستوعب ولن تُحسن الحديث عن الإيمان العام للبشر وعلاقة المخلوقات بالخالق، لأنك مُبرمج فقهياً ولست حراً فكرياً! فأنت لا تعرف الدين إلا كما يصفه لك آخرون – كما حددوا لك طائفتك التي لا يمكنك تغييرها! فإيمانك هو صناعة بشرية وصدفة ثقافية تربوية جغرافية تاريخية..، فهو إيمان بالفقه الذي هو فكر بشري لا عصمة ولا قداسة له! فأنت تعبد إلهًا لا تعرفه، ولا تعرف حقه عليك إلا بواسطة آخرين، وهذا نوع من الشرك؛ كما أن إيمانك يحوي تطاولاً على الخالق، واتهام له بأنه سيُحاسب الناس على أمورٍ لا يفقهونها، وأنه هو الذي قدّر ألا يفقهها سوى البعض منهم! وبحسب إيمانك، فإن الله ينبغي أن يُكافئ الفقهاء والأهل والحكومات، فهم الذين لقنوك الإيمان وألزموك به، ولا فضل لك إذا صح إيمانك! وأما إذا ما كُنت مخطئاً في إيمانك وما ترتب عليه من سلوك وممارسات..، فلا أدري كيف تتصور أنت الأمر! هل سيُحاسبك الله لأنك لم تستعمل عقلك الذي يُميّزك عن غيرك من المخلوقات؟ أم أنه سيُحاسب أولياء أمرك؟ ثالثًا: إنه من الغباء والحمق والجهل أن يُصدِّق الإنسان بأن الخالق سيُعذّب إنساناً بسبب عدم معرفته به، أو بسبب تكذيبه لبشرٍ لا يحملون آية مقنعة، وهو لا يعرف أنهم رُسُل من الإله! أو أن الله سيُكافئ إنساناً على فعلٍ هو الذي مكّنه من فعله! - فتساءل الطائفي: كيف تطعن في حقيقة يؤمن بها حوالي أربعة مليارات إنسان عاقل ..، يقصد المؤمنين من جُل أو كل الأديان المعروفة بالسماوية! - أجابه المتحرر: وكيف آمنت أنت بحقيقة يؤمن بها مليار من البشر فقط (يقصد المسلمين)، بينما يطعن فيها خمسة أضعافهم من البشر العقلاء – أيضاً؟ إنه لا يُمكننا وليس من حقنا أن نتخذ من إيماننا ذريعة لوصف كل من كفر بما نؤمن به بالغباء! فهو إنسان عاقل مفكر، ولكنه واقع تحت تأثير حب المعرفة وصدمة العجز المعرفي – ذلك الذي أعلن اعتقاده بعدم وجود خالق مُنشئ للكون أو للوجود المنظور! ولكننا نستطيع، بل وينبغي أن نصف بالغباء كل من يعتقد بأن الخالق بذاته، هو من سيُعذب مخلوقاته العاجزة بسبب جهلها به! لا يُمكن لعاقل طبيعي (غير مؤدلج) أن يُصدِّق أو يتصور بأن الخالق سيقف أمام مخلوقاته متفاخراً ومتحدياً، فيُكافئ قسماً منها، ويُعاقب القسم الآخر ..، إنه لا بد أجلُّ من ذلك وأسمى وأعلى وأكبر وأعظم! فسأل الطائفي: وكيف تتصور العقاب والثواب إذن؟ فأجابه المتحرر: أما الجواب الصريح والكامل، فهو يحتاج إلى منبرٍ حرٍ بالكامل، وفي مكان خالٍ من الوهم والواهمين، ويسمعه كل البشر في وقت واحد، وهذا ليس متوفراً على الأرض، وربما توفر مستقبلاً من على سطح كوكب آخر! ولا شك أنه سيوجد من يُجيب عن سؤالك حينها، أو أن كل البشر سيكونون يمتلكون الجواب آنذاك! أما ما يمكنني قوله لك الآن، فهو أن كل البشر الذين أراهم أمامي وأنا أولهم، ليس بينهم من هو أهل للجنة ولا للنار، وأرى أنهم ليسوا أهلاً سوى للشفقة! ولكن، وفي ضوء المعتقدات الدينية السائدة، وتماشياً معها واحتراماً لمشاعر المؤمنين، فإنه ربما يُمكننا أن نتصور العقاب والثواب على أنه تبادل للأدوار بين المخلوقات وفق معادلة كونية منطقية، لا يخرق ناموسها إلا من وضع قانونها وخلق عناصرها! فإذا كان الظلم والسيطرة اليوم من نصيب بعض البشر، على حساب بقية البشر وعلى حساب النار والحجر! فإن السيطرة غداً ستكون للنار، على حساب بعض البشر، فتحرقهم كما أحرقوا هم غيرهم اليوم!
: النفس العارفة، وتساؤلات الأزل!
 المؤمنون بإله الأديان يعتقدون دون أدنى ريب، بأن أمر الله هو كن فيكون؛ ومع ذلك فهم يستعظمون مخلوقاته، ويرون في خلقها آية معجزة كأنهم يقيسون بمعايير البشر، إذ يختزلون إيمانهم بقدرته اللا متناهية، في خلقه لسمكة عجيبة الشكل، أو في دورة حياة بعوضة، أو جبل شاهق، الخ! فما أن يكتشف العلماء -غير المؤمنين عادة- سراً من أسرار الطبيعة، حتى يُبادر المؤمنون مهللين "سبحان الله"، وكأنهم بهذا الاكتشاف أو ذاك- فقط، تأكدوا من صحة إيمانهم وعظمة إلههم! فالمفارقة هنا واضحة وكبيرة، وتؤشر إلى تردد أو ضعف في الإيمان لدى أولئك المؤمنين..، لأنه لا مكان ولا معنى لأنْ يُعظّم الإنسان صانعاً بإحدى مصنوعاته، إذا كان مؤمناً متيقناً بأن ذلك الصانع قادر على صنع كل شيء، وأن ذلك المخلوق وسواه ما هو إلا نتيجة لأمر كن فيكون! ولعلنا لا نذيع سراً ولم نأتِ بجديد، إذا قلنا إن أي معادلةٍ يكون عناصرها خالق ومخلوق، أو الله والإنسان، فإنها لا يمكن بأي حال وبأي معنى أن تمنح الإنسان أو تقرّبه من قيمة الندّية في مقابل الله! فالإنسان في مقابل الله، هو أقل من أن يكون شيئاً، لكي يُغضب الله أو يُرضيه، ليستحق ناره أو جنته - كعقاب أو ثواب؛ وهو بالتالي ليس مؤهلاً سوى للشفقة وفق هذه المعادلة! المعادلة وعناصرها صحيحة، بحسب كل الأديان والطوائف والمذاهب..؛ والحديث هنا – عن ومع – البشر الطبيعيين الذين يستعملون العقل لفهم الأمور، حيث العقل هو سبيل التواصل وضمان التفاهم بين العقلاء! أما الذي يرفض العقل، ويستعمل بدلاً منه نظرية (عنزة ولو طارت)، فليس من العقل محاورته! العقلاء يعلمون أن المعادلة السابقة صحيحة، وإذا كان لدى البعض منهم اعتراض على النتيجة، فإننا ندعوهم لإلقاء نظرة متأنية على المشاهد البشرية من حولهم، ثم يحكموا بأنفسهم ..؛ فمن ذا الذي لا يعلم أن جُل المجتمعات بملايين ومليارات البشر، يُسيّرها ويُحدد مصائرها أفراد من البشر، تحت ضغط الحاجة وقلة الحيلة وانعدام البدائل – خاصة وأن الإنسان ليس مهيأً لأن يعيش منفرداً مستقلاً عن الجماعة، لكي يكون العدل قائماً في تحميله المسئولية عن سلوكه وممارساته-، فالإنسان يجد نفسه سجيناً لأمرٍ واقعٍ، لا دخل له في تكوينه ولا طاقة له على تغييره! وقد عاشت أجيال وأجيال من البشر واندثرت، وهي ترزح تحت حكم فرد أو أسرة واحدة! فهل هذه المليارات من الغثاء البشري الممتد على ضفاف العصور..، هل هم مؤهلون لمواجهة الله لمحاسبتهم، وحرقهم بالنار أو مكافئتهم بالجنة..، إن تلك الجموع البشرية السطحية التي تؤمن أو تكفر بحسب المعجزات الخارقة لسطحيتها، سواء كانت المعجزات قد جرت على يد رسول أو على يد ساحر- لا فرق؛ فالبسطاء الذين كانوا يؤمنون بما يقوله السحرة في عصر فرعون قبل ظهور موسى، ثم آمنوا بموسى عندما هزم السحرة، هم في الحقيقة كانوا مع الأقوى بسبب ضعفهم وسطحيتهم، ولم يكونوا مع الأصح، لأنه لا مرجعية لديهم يقيسون بها الصواب من الخطأ، سوى القوة والضعف! فهذه أو تلك الجموع البشرية التي اتبعت الرُسُل واعتنقت أديانهم كرهاً أو طوعاً، أو التي وصلتها أديان محرّفة فلم تدرِ أين الصواب من الخطأ، أو التي أُجبرت على اعتناق أديان حُكامها! هذه الزوائد البشرية العالقة طوال حياتها بأوامر الأقوياء من حولها، والتي لا تقوى على رفض أوامر أفراد من البشر- حُكام أو فقهاء..، هل هي في مستوى ثواب أو عقاب إلهي، وهل تستحق الجنة لضعفها، أم تستحق النار لجهلها! وهذه الجموع تشكّل كل البشرية، وعاشت وتعيش تحت قيادة ورحمة وشفقة أفراد من البشر ..، فكيف يكون الحال، عندما يكون الحديث عن فرد من هؤلاء الرعاع في مقابل خالق الكون! أي وجه للمقارنة، وأي فلسفة وثقافة، وأي غباء ذلك الذي يضع هذا المخلوق الضعيف الجاهل اللاهث خلف لقمة العيش في كفة، وخالق الكون الذي أمره كن فيكون في الكفة المقابلة! هل يتصور العاقل، أن يُحاسب الضعيف من أي ملة كانت، على النزعات الغريزية والثقافات البشرية التي وجد نفسه أسيراً لها، والتي حددت سلوكه وممارساته رغماً عنه! هل يُحاسب على الفقر وعدم اتفاق البشر ومنافساتهم التي اضطرته للتحايل والخداع والكذب والنفاق والغش والرياء.. درءاً للألم، وتمسكاً بالحياة التي يقول الفقهاء إنه لا يحق للإنسان التخلص منها 
 .
النفس العارفة … هو مصطلح فلسفي قديم استعمله الفلاسفة والمفكرون، واستعملوا نقيضاً له مصطلح النفس الجاهلة! وهم بذلك قد حصروا كل أنماط الإنسان في ثنائية العارف والجاهل، من حيث وعي الإنسان وقدرته على فهم ذاته وتحديد موقعها ورسالتها في الوجود! وهي محاولة ضمن محاولات الإنسان المتكررة للإجابة على تساؤلات الأزل، التي أرّقت الحكماء منذ الأزل، وحافظت على حداثتها في كل عصر،" ما خصوصية البشر، ولماذا هم هنا، وماذا بعد الموت"؟ وأعتقد أن هذه المحاولة لم تختلف عن غيرها من حيث النتيجة! إذ لا تزال التساؤلات قائمة صامدة ترفض اعتبار مثل هذه المحاولات إجابة لها! وأعتقد أن تساؤلاتنا الأزلية هذه، قد عصفت بنظرية النفس العارفة، وأجبرت الجميع على حمل هوية النفس الجاهلة، بسبب إصرارهم على إغلاق الأبواب أمام أنفسهم، وعدم إفساح المجال أمام الفكر للبحث عن بدائل! لقد عجزت النفس العارفة عن الإتيان بإجابة يقينية لهذه التساؤلات؛ واكتفت بالسفر في ربوع الخيال، لتعود محملة بصورٍ بديعة لأحلامٍ جميلة، كدليل على خصوبة الخيال ليس إلا؛ إذ لا برهان على صحة رؤاهم ولا مجال لتحققها! وكمحاولة للتملّص من لعنة الفشل وصدمة الواقع، أوهم الحالمون أنفسهم بأنهم عارفون، ونعتوا غيرهم بالجاهلين، ونسجوا على مقاسهم مصطلح النفس العارفة! ومن وجهة نظري المتواضعة، فإن التثنية التي ترتكز عليها هذه النظرية، لتصنيف النفس البشرية، هي ليست الخلل الوحيد الذي يعتريها، ولكنها -أي التثنية – تشكل الخلل الأكبر والأبرز في هذه النظرية! فالثنائية، هي تصنيف مصطنع قاصر وغير طبيعي، لا تعوزه مسحة البدائية، ولا لمحة الهروب إلى الأمام! إذ حتى لو سلمنا بوجود النفس العارفة، فإننا لم نضع بذلك تعليلاً لوجود النفس الجاهلة، ومدى مسئوليتها عن جهلها، وما فضل النفس العارفة في معرفتها ووعيها..، خاصة وأن مجال النظرية هو البحث في أعظم الأمور وأدق الأسرار، وهو سر الوجود ومصير المخلوق وعلاقته بالخالق! أما القول بوجود جهلاء بين البشر، فإنه لا يحتاج إلى نظرية، فالجهلاء موجودون، ويتكلمون لغة الجهل بطلاقة وفصاحة وحسب العصر الذي هم فيه، بحيث يفهمهم الجميع ويُدركون أنهم جهلاء! فاليوم مثلاً، الذي يرمي علبة سجاير أو علبة عصير فارغة، من نافذة سيارته، على طريق عام، هل يحتاج إلى نظرية لإثبات أنه جاهل! ومن كانت درجة جهله فائقة الوضوح إلى هذا الحد- وكثير ما هم-، فهل ننتظر منه أن يتفكر أو أن يعرف رسالته من تلقاء نفسه! ليس الإشكال هنا! ولكن من الواضح، أن واضع فكرة النفس العارفة والنفس الجاهلة، لم يكن حراً في تفكيره، بل كان يخدم إيماناً مسبقاً لديه! وهو بهذه الفكرة إنما يحاول تطويع الواقع لإثبات صحة إيمانه! فهو كمن وضع افتراضاً، وأثبته بـ(لو أن) ! كذلك تفتقر نظرية التصنيف الثنائي للأنفس، إلى الدقة والنضوج، من حيث إنها لم تتسع لأنماط البشر باختلاف وتعدد مستوياتهم، بل اختزلت تشعب وتنوع وتفاوت السلم المعرفي العريض، في ثنائية: نفس عارفة وأخرى جاهلة! كما أن الأمانة غائبة في هذه النظرية، والغبن حاضر فيها بقوة، فهي تتجاهل حاجة الوجود البشري إلى التفاوت والتنوع المعرفي، وتجمع المتناقضات واختلاف الاهتمامات في بوتقة واحدة، تُسميها النفس الجاهلة! ولا تعير اهتماماً للضعف الإجباري والضرورات!

 النفس العارفة.. وجهة نظر.. مصطلح النفس العارفة كان يمكن أن يكون ذا دلالة أعمق وأدق، لو كان يرمز إلى ذلك الإنسان العاقل الذي أدرك أنّ مجهولاً خارجه يُخاطب مجهولاً داخله، دون إذنه ودون أن يفهم هو فحوى الخطاب! بمعنى أن يُشير المصطلح إلى إنسان يتساءل، لا إلى إنسان عارف؛ فالمعرفة تتطلب برهاناً من العارفين، ولا يكون برهانها بتجهيل الآخرين .

تساؤلات الأزل: " ما خصوصية البشر، ولماذا هم هنا، وماذا بعد الموت!"؟ إن مجرد تكرار هذه التساؤلات على لسان الإنسان أو مسامعه، لا يلفت انتباهه فحسب بل يصعقه، ليجد نفسه أمام تساؤلاتٍ مصيرية بحجم الكون، ترتعد لسماعها فرائص الصناديد والعتاة رعباً، وتنفضُّ لهيبتها مجالس الحكماء جهلاً، ولا تترك كلماتها معنىً لثنائية علماء وجهلاء، ويُعاد بها النظر في معتقدات ومسلّمات مضت عليها دهور وأزمان، واندثرت على طريقها أجيال من البشر.. من بُسطاء حالمين، وأشرار عابثين، وأخيار واهمين، ومنافقين وصادقين، وغيرهم! تساؤلات تستوطن وجدان الإنسان؛ لتصطدم بها كل وسائل ومحاولات المعرفة فتتشتت من حولها، وتبقى التساؤلات متباهية بمسحتها الحزينة الصادقة التي لم يُفلح تجاهل الإنسان لها في إخفاء أثرها الملازم لسعادته اللحظية السطحية العبثية! تلتقي عند هذا السؤال الكبير، ثلاث من وسائل المعرفة، حيث تتقابل كل الرسالات (السماوية)، مع جل النظريات الفكرية الأكاديمية، مع طاقات العقول الفردية الحرة الطليقة " المحايدة "! نقطة الالتقاء، هي التساؤل حول: " المسبب الأساسي والسبب المنطقي "، لهذا الوجود الثانوي ذي المشهد العبثي .. للإنسان! تختلف وسائل المعرفة الثلاث منهجياً، رغم اتفاقها في الهدف! - فطريقة الرُسُل والرسالات (السماوية)، هي الإعلان المباشر والتبليغ الشخصي الملزم، بضرورة الإيمان الغيبي بوجود خالق في السماء، تجب على الإنسان عبادته وفق طقوس شكلية معينة! - أما منهجية النظريات الفكرية الأكاديمية، فهي محاولة تجزئة الوجود إلى مكوناته الأساسية، بالعودة إلى الوراء، واستعمال الصور لمحاكاة الحقائق، والاستناد والبناء على أفكار ومحاولات ونظريات بشرية سابقة! - في حين أن سبيل العقول الفردية المحايدة، هو البحث عن الحقيقة في زمنها الحاضر، اعتماداً بالأساس على التجارب والملاحظات الفردية الخاصة ومعطيات الواقع، وانطلاقاً من نقطة الصفر، مع اصطحاب الحرية التامة التي تسمح بالنظر في جميع الاتجاهات، دون تقيد بمحظورات ومُسلمات نسبية، ومع استعداد مطلق لقبول الجواب الحائز على موافقة المنطق المشترك للبشر! من السهولة ملاحظة نقاط التقاطع والتوازي بين الوسائل المعرفية الثلاث، ..، حيث: - تتقاطع المعارف الثلاث في الهدف، وهو استنطاق الجواب الصامت لإسكات السؤال الصاخب، واجتثاث الغموض والعبث والخوف والألم والحزن والبغض من حياة المجتمع العاقل! - بينما تتقاطع (الرسالات السماوية) مع النظريات الفلسفية الأكاديمية، في تحديد النتيجة مسبقاً، ثم برهنتها لاحقاً! وتشذ العقول المحايدة عن ذلك، حيث إن النتيجة عندها تعقب البرهان، لا تسبقه! - كذلك تتقاطع العقول المحايدة مع النظريات الأكاديمية، في عدم فرض النتيجة على الآخرين! الأمر الذي تشذ عنه الرسالات (السماوية)، التي تتبنى مبدأ الإلزام المقدّس.. بقناعة أو بدونها! (الرسالات السماوية) إذن، تتفرد بعملية إلزام الإنسان عامة، بضرورة اعتناقها واعتماد مناهجها ونتائجها كإجابة نهائية مقدّسة للسؤال حول" مسبب الوجود وغايته"، وهي تدعو أتباعها صراحة إلى تسفيه وبُغض وكراهية غيرهم! وهي تتبنى مبدأ الإلزام رغم إقرارها بأنها لا تُحدد سبيلاً واضح المعالم يوصل إلى مصير محسوب النتائج! ومع إقرار أتباعها – بمن فيهم الرُسُل- بأن فهمها ليس في متناول الجميع، ولم يحظ بالاتفاق والإجماع حتى بين المخلصين من أنصارها! والرسالات (السماوية) تعتمد اللغة الأمنية (استعارة من قاموس السياسة)، فهي تستعمل لغة الترهيب والترغيب بما في الغيب، بدل لغة الإقناع بما في الواقع! وهذه إحدى أهم نقاط ضعفها! وعملية الإلزام كبديل عن الإقناع، هي عملية من الخطورة بمكان، حتى أنها تكاد تُعيد السؤال الأساسي إلى نقطة البداية، وتُجرّد الرسالات (السماوية) من مصداقيتها؛ بل إنها تُعيد طرح السؤال بصورة أقوى وأكثر تعقيداً من ذي قبل! فعملية الإلزام ترفع عن العاقل صفة المسئولية، ولا تترك قيمة ولا معنى لميزة العقل! هذه النتائج التي تطرحها أو تُفضي لها وتفرضها الرسالات (السماوية)، والتي تُخفي جزءاً كبيراً من الجواب الذي ينتظره الإنسان، وتُبقي على جزء كبير من السؤال الذي يؤرقه، وعملية الإلزام بها، كل ذلك يجعل الرسالات (السماوية)، عرضة للتساؤلات حتى بين أتباعا والمؤمنين بها – كلما سنحت الفرصة للتساؤل! ولكن الأمر المؤكد الذي يجهله البعض، ويتجاهله الكثيرون بشأن (الرسالات السماوية)، هو أن عملية الإيمان الإلزامي والتصديق الإجباري بها والاعتناق الآلي والتطبيق البروتوكولي لها، هي في الواقع أفكار طارئة وثقافات دخيلة على أصول الرسالات؛ فهي ليست من صلب ولا من أهداف ولا يمكن أن تكون من أخلاق رسالات (سماوية)؛ ويمكن أن تكون حلولاً تلفيقية مستعجلة، وملحقات متأخرة، وردود أفعال عشوائية، أتت كمضاعفات لأحداث وتطورات زمنية تاريخية! وكل ذلك يمكن اعتباره أثر جانبي، ونتيجة متوقعة لتلك البقية الباقية التي لم تغطها الرسالات (السماوية) من السؤال الأساسي؛ وذلك الجزء الجوهري الذي ظل محجوباً من الجواب، والذي بقي متعذراً على الإنسان بلوغه بعد الرسالات كما قبلها.. سواء بسواء! بهذا المعنى، وبهذا الواقع، نلاحظ أن الجزء الممتنع من السؤال، والذي لم تجب عنه النظريات الفلسفية الأكاديمية والعقول الفردية المحايدة – بعد! نلاحظ أنه قد بقي ممتنعاً وعصياً وقائماً حتى في ساحة الرسالات (السماوية