face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 1 مارس 2022

الواقع العقائدي والواقع الحقيقي!

0 تعليق



ما معنى أن يأمر إنسانٌ إنسانًا آخر، بالإيمان بالله أو بالاعتقاد بوجود الله، إذا لم يتحقق الإيمان في نفس الثاني؟ هذا يعني أن الآمر يعتقد بأن الإنسان قادر على صنع قناعاته بقرار، وقادر على تكييف عواطفه ومشاعره حسب رغبته وإرادته ..، ولا شك أن هذا مجرد هراء أو وهم أو مرض نفسي لدى الآمر، أو هي ذريعة زائفة لقتل البشر أو لاستعبادهم باسم الله! تقنية الاعتقاد والإيمان .. لا يمكننا أن نأمر إنسانًا بأن يحس بالحرارة، لكن يمكننا أن نجعله يحس بالحرارة – إذا وفرنا الحرارة، وكان هو قادرًا على الإحساس بها! لا فرق بين عدم وجود الحرارة، وبين افتقاد الإنسان للأعصاب والمجسات التي تحس بالحرارة، في الحالتين الإنسان لن يحس بالحرارة، وهو ليس مذنبًا بذلك ..، والمنطق يقول بأن الحرارة تعتبر غير موجودة، وهي والعدم سواء – بالنسبة لهذا الإنسان ..، إذ ليست العبرة بوجود الشيء فقط، لكن العبرة بقدرة الإنسان على رصده! ما كان البشر ليتحدثوا يومًا عن وجود الشمس والقمر والفرق بينهما، لو كان كل البشر يفتقدون لحاسة البصر! لا معنى لأن نأمر الأعمى بالاعتقاد أو الإيمان بأن الوقت في هذه اللحظة هو ليل أو نهار! المصاب بالبرد، يمكنه وصف إحساسه به، لكن لا يمكنه نقل إحساسه للأصحاء من حوله بتقنية الاعتقاد والإيمان! لا يمكن لإنسان أن يعتقد بأنه مصاب بالبرد، ما لم يكن مصابًا به فعلاً! إنه ولكي يكون الإنسان قادرًا على صنع قناعاته وأحاسيسه، ينبغي أن يكون قادرًا على تجاوز المنطق، ولكي يكون كذلك ينبغي ألا يكون طبيعيًا ..، أي ينبغي أن يتم تحويله إلى إنسان آلي، وحينها لا يكون هناك معنى لما يقوله ولا قيمة لما يفعله، وسيان قبوله ورفضه! الإنسان الطبيعي لا يقول إلا ما يجده في نفسه، ولا يمكنه أن يعتقد أو يؤمن بما يشاء أو بالإكراه والأمر أو بالإغراء! لو كانت المشاعر والأحاسيس والقناعات تحدث بالأمر والإكراه أو بالرغبة، لما حدثت عملية طلاق واحدة .. فسيكفي أن يؤمر الزوج بحُب زوجته وقبول سلوكها، وأن يُكره على الإيمان بجمالها – بغض النظر عما يراه أمامه، وأن تؤمر الزوجة بالاعتقاد بأن زوجها الفقير والمنحرف، هو رجلٌ صالحٌ وصاحب ثروة ..، لتتوقف بذلك كل الخلافات الزوجية ولا يحدث طلاق أبدًا ..، بحسب تقنية الاعتقاد والإيمان، يمكن ألا يكون هناك إنسان واحد غبي، بل سيتحول كل البشر إلى علماء وفلاسفة، حيث ستصدر الأوامر لكل البشر بأن عليهم الاعتقاد بأنهم أذكياء، وعليهم الإيمان أن بإمكانهم استيعاب كل العلوم وتصور كل الأفكار! ​كل المشاكل والخلافات البشرية يمكن حلها بهذه التقنية لو كانت هذه التقنية قابلة للعمل بالفعل! تقنية الاعتقاد والإيمان بما يخالف الواقع والمنطق هي التي جعلت العرب والمسلمين أبطالاً بلا إنجازات، متقدمين بلا تقدم، منتصرين بلا نصر، وعلماء بلا عِلم، وإخوة أشقاء متباغضين متحاربين! في الحقيقة لا توجد في الطبيعة إرادة مستقلة عن تأثير قوانين الطبيعة ..، وقوانين الطبيعة تعمل وتقرر داخل الذرات والخلايا، وما سلوكنا وممارساتنا سوى تجسيد أو تعبير مُكبَّر لعمل قوانين الطبيعة داخلنا وتأثيرها الخارجي علينا .. الخضوع لقوانين الطبيعة يعني عدم امتلاكنا إرادة مستقلة نصنع بها رغباتنا ونقرر عبرها مشاعرنا ونتحكم من خلالها في سلوكنا ..، وهذا هو الواقع الحقيقي!

السبت، 19 فبراير 2022

الوجوديّة الطبيعيّة !

0 تعليق




معلوم أن ممارسة الوجود هي سلوك بشري مرتبط بالوعي، ما يعني أنه شيء آخر غير ممارسة الحياة والتي هي سلوك غريزي يشترك فيه البشر مع كل الكائنات الحية! لكن، من أكبر العيوب الطبيعية الخلقية المصاحبة للوعي أو لممارسة الوجود، هو القابلية للتوجيه المعنوي، وهو ما يعني القابلية للانقياد للآخرين، وبالتالي القابلية للوهم! هذا العيب سببه ضعف طبيعي وضعف مفتعل! الضعف الطبيعي ناجم عن وجود مساحات كبيرة خالية ومعتمة، في الوعي البشري، تعكس عدم الإحاطة بحقائق كل الأشياء والأمور (طبيعة الروح، بداية الكون ونهايته، المستقبل، ما بعد الموت، ..الخ)! كذلك ينجم الضعف الطبيعي عن الإحساس بالهزيمة الحتمية أمام الكثير من الأشياء المكتشفة (الكِبَر، المرض، النار، الكهرباء، السلاح، ..الخ). وهذا الإحساس الحقيقي بالضعف الواقعي، يؤدي إلى حدوث الضعف المفتعل، متمثلًا في المخاوف من المجهول! الضعف المفتعل هو ضعف ثقافي الطابع وخيالي بالأساس! مثلاً.. معظم البشر يخافون الموت، ويتمنون الخلود، وكثيرون منهم يُبررون ذلك بخوفهم مما بعد الموت – سواء عقاب أو فناء! ومع أن الأمر لا يبدو منطقيًا، حيث لا معنى للمبالغة في الخوف من الموت، ولا معنى إطلاقًا للخوف من العقاب والفناء، ولا حاجة للحلم بالخلود! ملاحظة: هذه المفاهيم تطرقنا لها تحت العنوان التالي.. ( ( بُعْبع الأديان ، ليس لغزًا ولا هو بمخيف!).). لكن في الواقع تم استغلال هذه المفاهيم لتوجيه الوعي البشري، فأصبح معظم البشر يُمارسون وجودهم بإيحاءات خارجية، مرتبطة بهذه المفاهيم وهذا الخوف المفتعل! التفجيرات الانتحارية وما شابهها، هي عبارة عن ممارسة للوجود، بتوجيه عقائدي! ممارسة العبث دون شعور بالمتعة ولا اعتبار للنتيجة، والهيام اللا منطقي بممارسة سلوك ما، والارتباط العاطفي المفرط بالأشخاص والرموز..، كل ذلك وما شابهه، هي ممارسات للوجود بتوجيهات أيديولوجية (نظريات)! ما يهمنا هنا هو إيضاح الخيار الثالث، الطبيعي، والكفيل بتحصين الوعي البشري ضد التوجيه! أساس هذا الخيار هو تفعيل الإدراك الذاتي، والقبول بنتائجه باعتبارها طبيعية وتعكس اختلافات حقيقية بين البشر! البشر عمومًا من حيث ممارسة الوجود، هم مصنَّفون بالضرورة إلى ثلاثة أصناف: إنسان عقائدي، إنسان وجودي مؤدلج، إنسان وجودي طبيعي! - المعتقدات الدينية تدعو لإعادة الوعي البشري إلى حالة السكون الكوني السابقة للوجود، وكأن ظهوره كان خطأً بالأساس! - النظريات الوجودية تدعو لوضع الوعي البشري في مهب رياح الوجود المادي، وكأن أداءه المنطقي قد توقف مع فشل المعتقدات! الوجودية الطبيعية تتحقق برفع التوجيه عن الوعي البشري العام، وتركه ينمو ويتموضع في الطبيعة بحرية وبشكل تلقائي، ويختار ما يناسبه من المعروض الفكري المتنافِس في الساحات الخاصة! معلوم أن ذوي القدرات الفكرية الخاصة والكبيرة، ليسوا محصنين ضد الخطأ، لكنهم قادرون على توجيه البُسطاء بالصواب والخطأ، ولذلك كثيرًا ما تنتشر أفكار خاطئة، تؤدي إلى انحرافات سلوكية اجتماعية، ثم يتراجع عنها مُطلِقوها لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن تُصبح موروثًا ثقافيًا بشريًا يصعب اجتثاثه! صاحب الفكرة يستطيع التراجع عنها، بينما المُوجَّه بها لا يملك القدرة على التراجع عنها..، ذلك لأن صاحب الفكرة طبيعي، بينما المُوجَّه لم يعد طبيعيًا! لذلك ينبغي أن تكون خطابات وحوارات المفكرين والفلاسفة والفقهاء، موجهة لأمثالهم، القادرين على كشف أخطائهم وصد توجيههم! إن المجال الفكري والفلسفي والتنظيري، هو ببساطة مجال للتنافس واستعراض المواهب كغيره من المجالات! - المعتقدات تُصوِّر الإنسان على هيئة مصيدة للخطايا، وساحة لتجارب الحُذاق! - النظريات الوجودية، تُصوِّر الإنسان على هيئة مادة وساحة مفتوحة للتجارب الذاتية! - الإنسان الوجودي الطبيعي، هو الذي يرفض كل أمر يخالف المنطق الطبيعي، بما في ذلك المصلحة! مثلاً .. المعتقدات الدينية تدعو إلى الأمانة والصِدق، لكن ليس من منطلق أن الأمانة والصِدق فضائل حري بالإنسان أن يتحلى بها، إنما من منطلق أنه على الإنسان أن يؤمن بأن الكذب والظلم والخِداع خِصال سيئة ينبغي محاربتها، وأن مصداق إيمانه هو أن يجعل من نفسه ميدانًا لمعركة يخوضها آخرون ضد الخطايا، تبدأ بجهله وتستمر ببؤسه وتنتهي بموته! ولذلك نجد المعتقدات تدعو للإيمان تحت الوصاية والترهيب والترغيب والتحقير، والاتهام القائم والشك الدائم، والمعاقبة المُهينة المُذِّلة – من أجل تحقيق فضيلة! إن مجرد الحاجة للاستعانة ببشر غير معصوم، لمراقبة ومحاسبة ومعاقبة وتوجيه بشر تائه، هو خلل أساسي كفيل بإفشال كل نظرية وكل معتقد! الفكر الذي لا يهدف أو لا يؤدي إلى تفعيل الإدراك الذاتي لدى البشر، هو فكر مرحلي، محكوم عليه منطقيًا بالفشل! النظريات الوجودية تقول إن ما تدعو له المعتقدات الدينية، ليست فضائل ولا قيمة لها ولا يمكن تحقيقها..، وهي محقة في ذلك نسبيًا، لكنها لم تطرح بديلًا منطقيًا! الوجودية الطبيعية، هي إدراك أن الأمانة فضيلة وذات قيمة، لكن الإطار الذي وضعته حولها المعتقدات الدينية، أظهر هذه الفضيلة على هيئة سلوك مرفوض فطريًا! الوجودية الطبيعية هي إدراك أن الصِدق سلوك بشري طبيعي، وأن الكذب خيار بشري اضطراري – سببه تحميل البشر المسئولية عن اختلافاتهم، والمبالغة غير المبررة وغير الواقعية في تكريم الكائن البشري، ما جعله يضطر للكذب كي يظهر بالصورة المثالية – العقائدية أو الفلسفية – التي لا نواقص بها – والتي لا وجود لها في الواقع! في الواقع لا أحد مُطالَب بفعل الصِدق، الجميع مُطالَبون فقط بعدم فعل الكذب! وطالما كان الكذب ممكنًا، يكون حديثنا وحوارنا مع مَنْ لا نثق بهم، هو مساهمة منا في فعل الكذب! الخلل المشترك بين المعتقدات الدينية والنظريات الوجودية، هو افتراض المساواة الفكرية بين البشر، وتجاهل الاختلافات الطبيعية، وتجاهل تأثير القوة اللا إرادية الكامنة فيهم! إن توجيه المختلفين، إلى اتجاه واحد، يعني توجيههم في اتجاهات مختلفة، وبلوغ نتائج مختلفة! ومخاطبة المختلفين، بخطاب واحد، يعني مخاطبتهم بخطابات مختلفة، وتحقيق أهداف مختلفة! لكن، مخاطبة المختلفين، بخطابات مختلفة بحسب اختلافاتهم، يعني مخاطبتهم بخطاب واحد، وبلوغ ذات النتيجة وتحقيق ذات الهدف – إذا كان ذلك هو الهدف! ليست الوجودية الطبيعية هي مجرد انتقاد الآخرين، إنما هي تفعيل النقد لديهم، لكي يشترك الجميع في تصحيح المسار! الوجودية الطبيعية هي إدراك أن تجاهل اختلافات البشر، أو تحميل البشر المسئولية عن اختلافاتهم، هو جهل مطبق، وهو سبب كل الانحرافات، وهو بمثابة دفع وإكراه للبشر على ممارسة الكذب واللا واقعية! دعوة البشر للإقبال على وجود يفتقر للمعنى، لا تختلف عن دعوتهم للعبث، ولا تختلف عن دعوتهم للانتحار دون سبب..؛ فهي حث لهم على السير دون تحديد اتجاه – ولذلك يتصادم البشر ببعضهم وبالأشياء وبالمآسي؛ هي تشويه لمشهد طبيعي بدعوى محبة الوجود البشري؛ هي توجيه وتدخل غير مبرر في وجود الآخرين – بما لا يُحقق لهم سعادة آنية ولا يكفل نتيجة مستقبلية! السبيل للخلاص من حالة الوهم والتوهان، هو ممارسة الوجودية الطبيعية! الوجودية الطبيعية هي البديل الطبيعي الواقع بين النظريات الوجودية المتطرفة وبين المعتقدات الدينية الساذجة والغير محصَّنة ضد سوء الفهم والاستغلال! كما أسلفنا، فإن الخلل المشترك بين المعتقدات الدينية والنظريات الوجودية، هو توحيد الخطاب بافتراض المساواة الفكرية بين البشر..، بينما في الواقع، الاختلاف بين البشر من حيث المقدرة الفكرية، هو كالاختلاف بين الصاحي والنائم! السطحيون، كالنائمين في دار تحترق، توشك النيران أن تلتهمهم، وآخرون يسعون لإنقاذهم، بينما هم غارقون في أحلامهم! المعتقدات الدينية تُخاطب الصاحي والنائم بذات الخطاب، فتعتبر صمت النائم بمثابة فهم وموافقة، وتعتبر تساؤل الصاحي بمثابة رفض ومكابرة! كذلك النظريات الوجودية تُخاطب الصاحي والنائم بذات الخطاب، فتعتبر صمت النائم بمثابة جهل، وتوهان الصاحي بمثابة استجابة! الوجودية الطبيعية هي التفريق بين المستويات الفكرية المختلفة طبيعيًا!

الرابحون على مقياس التنافس العكسي!

0 تعليق
مقياس التنافس العكسي، هو مقياس تحديد الفائز في تنافس البؤساء من أجل البقاء! وهو مقياس الواقع المُعاش، الذي يُبيِّن مقدرة البؤساء على التنازل عن حقوقهم الإنسانية للإبقاء على حياتهم الحيوانية! وقد حقق البشر نجاحات باهرة على هذا المقياس؛ حيث لم يعد البؤساء يتمسكون بشرط سوى شرط الحياة ذاتها- في سبيل الحصول على عمل أو سكن من أجل الحياة! فإذا أصبح الموت شرطًا أساسيًا للحصول على سكن أو عمل، فلا يمكننا الجزم بأن أحدًا سيقبل بذاك العرض- حتى الآن على الأقل! لكن طالما ظل الموت المباشر خارج الشروط، فإن لكل عرض زبائنه، بل إن صاحب العرض يحتاج إلى مقياس عكسي لتحديد الفائز بالعرض من بين المتقدمين- البؤساء المتنافسين تنازليًا؛ حتى أصبح البؤساء الفقراء أنفسهم مادةً ومجالاً لتنافس الشركات الكبرى، حيث تنقل مصانعها من دولة إلى أُخرى طلبًا للبؤساء الفقراء الذين يعملون ويعيشون على دولار واحد في اليوم- مثلاً..، وذلك في مشهد يُشبه تنقل البدو الرُحل بحيواناتهم وخيامهم من مكان إلى آخر طلبًا للماء والمراعي! وكما أنه يوجد من الأعشاب ما يتجاهلها البدو وترفضها حيواناتهم، فإنه كذلك يوجد بعض الأجناس من البؤساء الذين تتجاهلهم الشركات لأنهم يفتقدون للمهارة المطلوبة، فالقبول بالعمل مقابل دولار واحد في اليوم، ليس هو الشرط الوحيد للفوز على مقياس التنافس العكسي! وهنا أقول، ربما كانت الفطرة أو الغريزة، هي التي تقود البؤساء من البشر، إلى إلقاء المسئولية عن بؤسهم وفقرهم على عاتق الحكومات والدول! فالواقع أن البؤساء من البشر، قد تم تلقينهم بواسطة رجال المعتقدات، بأن عليهم أن يُنجبوا من الأبناء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا- بمعزل عن أي حسابات للظروف والواقع والمعطيات! ولقَّنوهم أن يعتقدوا بأنهم إنما يُنجبون الأنباء بأمر الإله ولخدمته وطاعته وعبادته، وأنه يتكفل برزقهم! وبذلك تم تعطيل المنطق لديهم، فانقطعت العلاقة المنطقية الطبيعية بين عدد الأبناء والإمكانات المادية المطلوبة لتوفير حياة حقوقية إنسانية لهم! والمنطق هنا يقول، بأن تساؤل ولوم وعتب البُسطاء، كان ينبغي أن يتم توجيهه إلى المفتي لا إلى الوزير! فالمفتي هو الذي أمر بالإنجاب وتعهد بالرزق! إلا أن بساطة البُسطاء تظهر جلية هنا، حيث أنهم يتصرفون برؤى وفتاوى رجال المذاهب والمعتقدات، بينما يُحملون المسئولية عن نتائج تصرفاتهم للدول والحكومات! لكن صوت الفطرة يعلو هنا – لصالح البُسطاء، ليقول بأن مسئولية الدول والحكومات قائمة – وإن لم تكن مباشرة، عن فقر وبؤس هؤلاء الضعفاء! فمسئولية الدول والحكومات تأتي من سماحها لرجال المعتقدات بتعطيل المنطق لدى البُسطاء! إلا أن المراوغة والتنصل من المسئولية، تبقى أيسر من حملها! فالدول والحكومات والتشريعات، تعترف بوجود المشكلة، وتعلم أسبابها الحقيقية، لكنها تتعاطى معها كما تتعاطى مع البراكين والزلازل، وكأنها مُعطى طبيعي لا مناص من التعايش معه- وليست خطأً بشريًا يمكن تفاديه! ولا يوجد تفسير للسماح بحدوث هذه المأساة، إلا أن يكون البؤساء ضحية لتآمر الحكومات والفقهاء! فكانت النتيجة هي ما نراه اليوم في معظم بقاع الأرض، حيث نشاهد أعدادًا هائلة من البشر لديهم استعداد تام للتنازل عن كامل حقوقهم الإنسانية، في سبيل المحافظة على حقهم الحيواني- وهو حقهم في البقاء على قيد الحياة طيلة المدة الزمنية التي تُحددها الطبيعة..، تحت أي ظروف وبأي شروط! فمهما تكن ظروف السكن والعيش وشروط العمل مجحفة ومهينة، فإنه يوجد بين البشر من يُزاحم عليها- ما دام الموت المباشر والآني ليس من بين شروطها! وذلك بسبب الفيض العددي للبشر، الذي أنهك الموارد وأربك الشروط المطلوبة للحياة الحقوقية، الأمر الذي أدى إلى ظهور ما أدعوه هنا بالتنافس السلبي أو التنافس العكسي، وهو تنافس البشر في التنازل عن الحقوق – من أجل البقاء على قيد الحياة! فتكاثر البشر غير المقنن وغير المحسوب، أدى إلى تحولهم من أفراد إلى كُتل بشرية، وبذلك انعدمت الحقوق الفردية..، مما أدى إلى التعامل مع الضعفاء والبُسطاء كقطعان بشرية متساوية- لا كأفراد مختلفين! وبالمقابل، أدى ذلك بعموم البشر إلى اللامبالاة بالمسئولية الفردية..؛ حتى وصل البشر إلى ما هم عليه اليوم، وهو تحولهم إلى أبناء قُصَّر لدى ولي الأمر الثاني- الدولة والحكومة-، حيث إن ولي الأمر الأول هم رجال المذاهب والطوائف..، فأصبح البشر يُلقون بالمسئولية على الحكومات والقوانين، عن التقصير والفشل في كل كبيرة وصغيرة! ومن الطبيعي أنه عندما تتعامل الدولة- بالتشريعات والقوانين- مع الشعب بصفة عامة، كأبناء قُصَّر لديها، حتمًا سينظرون هم لها كولي أمر ظالم ومسئول عن كل شيء! والواقع أن هذه نتيجة لتلك، فالتنازل عن الحقوق، سببه التكاثر غير المحسوب! والتكاثر غير المحسوب، سببه الطاعة العمياء لرجال الأديان والمعتقدات! حيث أصبح الفقهاء بمثابة موظفين إعلاميين لدى الحكومات والأقوياء، وظيفتهم تحريض الفقراء والضعفاء على إنجاب المزيد من البؤساء! وأصبح الآباء بمثابة معامل ومختبرات لدى المذاهب والفقهاء، وظيفتها إنجاب بشر فقراء ضعفاء بؤساء، لتستعملهم الحكومات كجنود ويستعملهم الأقوياء والأغنياء كعبيد أو كأدوات للتنظيف وآلات لحراسة الممتلكات وأسلحة للحروب! فسيطرة رجال الأديان على البُسطاء، سببه خلل في القوانين والتشريعات، مسئولة عنه الدول والحكومات!

الثلاثاء، 18 يناير 2022

الوجود الطبيعي والوجود المُكرَّم!!

1 تعليق


 القول أو الاعتقاد بأن الإنسان عمومًا هو كائن مُكرَّم، هو ليس ضربًا من الوهم فحسب، بل هو افتراء
 وكذب صريح! إن المجتمعات البشرية لم تخلُ من المتسولين يومًا! ولا يمكن الجمع بين التسول والكرامة! فالمتسولون هم بشرٌ أذلاء دون أدنى ريب! ولا يقتصر مفهوم التسول على طلب المال لسد حاجة لحظية! بل إن طلب أي نوع من المساعدة هو صنفٍ أصيل من أصناف التسول والذل! ومن الأهمية هنا التفريق بين أصناف المتسولين الأذلاء! فالذي يطلب مساعدة الآخرين أو يقبل بها، في حين هو قادر على الاكتفاء والاستغناء عن الآخرين، هو صنف ذليل يعشق الذل، وربما كان مجبولاً على سلوك الذل وممارسة التسول! أما المتسول الذي يطلب المساعدة لأنه أضعف من أن يُغني نفسه عن التسول، فهو ليس مُدانًا لكنه ذليل! وربما تكون إدانته في قبوله بحياة الذل، وليس في تسوله! وهذا الواقع المُعاش، يدحض اعتقاد أتباع الأديان المختلفة، الذين يعتقدون ويؤمنون بأن الإنسان كائن حي مُكرَّم، وأنه يعود في خلقه ووجوده وتكريمه إلى مشيئة الخالق مباشرة! إن أصدق وصف للحياة، هو أقسى الأوصاف وأبشعها، وهو أن الحياة صفةٌ لا تليق إلا بالحيوانات عامة، وبالأقوياء من العقلاء خاصة! ذلك لأن الحياة باختصار هي أن يُدرك الحي معنى الكرامة والحرية ويعيشها ويُمارسها كالأقوياء من البشر، أو ألا يُدركها كالحيوانات! أما ما بينهما فليست حياة وليست لا حياة، بل هي مراحل طويلة ومملة من الإحساس بالخوف والأسى، وممارسة الوهم والجهل والكذب، يقضيها الحي العاقل الضعيف بانتظار الموت! الذين يُسَمُّون أنفسهم بالمتفائلين، وهم في الحقيقة ليسو سوى عاطفيين ضعفاء ومنهم الجهلاء..، يحلو لهؤلاء القول: إن فعل الصواب، وتحقيق الخير لنفسه ولبني جنسه، هو دافعه للفعل، وهو سبب تعلق الإنسان العاقل بالحياة وحبه لها رُغم صعوبتها ولا منطقيتها! لكن هذا القول أو هذا الاعتقاد ينطوي على مفارقات ومغالطات تدحض حُجَّته.. منها:

 * على اعتبار أن الإنسان لا يُدرك مآلات الأمور، فقد يكون ما يفعله خيرًا في ظاهره ونية فاعله، لكنه في جوهره عبارة عن إخراج لمارد الشر من قمقمه..، حيث إن ما هو خير اليوم، ربما أصبح هو مصدر الشر غدًا، ويصبح حينها الفاعل فاعل شر – بغض النظر عن نيته! والأهم أنه لن يكون بمقدور الفاعل إرجاع ما كان إلى ما كان!

 ** إن ما يدعوه الإنسان بفعل الخير، ما هو إلا أنانية بشرية مقيتة – بالنسبة لبقية الموجودات، فلا تقوم سعادة الإنسان وتعمير الأرض إلا بتدمير وحرق وتحوير الجماد، وقتل وافتراس الحيوان والنبات، وتلويث البيئة!

 *** إنه، وحتى تلك المستويات أو تلك الأصناف من أفعال الخير، والمتمثلة في التواصل الاجتماعي والمواساة وتقديم الخدمات المجانية – ظاهريًا-، فإن تصنيفها كأفعال خير ينطوي على مُغالطات كثيرة وكبيرة، ويخلو تمامًا من الأمانة العلمية، ويتجاهل مقتضيات المسئولية الأخلاقية..، فما يُسمَّى اصطلاحًا أو افتراضًا بأفعال الخير هنا، هي تحقيق مصالح ذاتية قبل كل شيء، فإقامة العلاقات يكون لتسهيل إنجاز مصالح الذات بالدرجة الأولى، فلا يفعل أحدهم الخير لغيره إلا إذا كان سيعود عليه هو بالنفع! والأدهى من ذلك هي محاولة إظهار الممارسات بغير حقيقتها..، إذ إن مرجعية هذه الأفعال – لدى جُلِّ البشر – وهُم المؤمنين- هي الخوف والطمع، فلا يفعلون الخير حُبّاً في الخير! وبذلك تكون أفعال الخير المفترضة، هي في أحسن الأحوال تجارة بين الإنسان – فاعل الخير المفترض-، وبين الإله..، وهي بالنتيجة تجارة، والتجارة أساسها تحقيق منفعة الذات وليس تحقيق الخير لأجل الخير أو لأجل الآخرين! بل قد يكون ضرر الآخرين هو مادة وطبيعة التجارة، مثل الإنسان الذي يقتل أخيه الإنسان أو يستعبده، ثمنًا لصفقة مربحة مع إله مزعوم..، فهنا يجتمع الشر والجهل لقتل الخير بذريعة فعل الخير! 

حياة البشر.. يمكننا أن نُعرِّف حياة البشر – بالعموم وليس بالمطلق- بأنها مستوياتٌ أو مراحل أربعة، من الانتظار الحقيقي المصحوب بفعل جزئي واستعداد افتراضي..،

 1- مرحلة الشعور بالحياة! وهي انتظار الصغار لمرحلة البلوغ، أملاً في إدراك ما يجهلونه، وتحقيق ما يعتقدون أن طفولتهم تحول دون تحقيقه!

 2- مرحلة الإحساس بالحياة! وهي انتظار المراهقين وسعيهم لانتزاع إقرار المجتمع بوجودهم، وانتزاع حقهم في إشباع الغرائز وتلبية الشهوات والرغبات، والمنافسة على المراكز التي تُثبِتُ وجودهم وتُبرز تَمَيُّزهم – المفترض!

 3- مرحلة انتظار المجهول بعد تجاوز المعلوم! حيث يدخل الإنسان – بعد الزواج والإنجاب – ساحة الاستسلام رافعًا راية الرفض، مُكابرًا مُحاولاً تجاهل خيبة الظن التي لم تبرح حساباته في كل المحطات التي مرَّ بها!

 4- مرحلة البحث عن الحياة! حيث يتساءل الإنسان، عندما تخور قواه ويكاد يُدركه اليأس ويرفضه المكان ويستعجله الزمان..، يتساءل: هل أنه كان حيّاً بالفعل فيما مضى من زمن! لكن ذلك غير صحيح، لأن معنى ذلك أن الحياة التي تم احتسابها عليه، هي فقط ذلك القلق الذي كان يملأه، والجُهد الذي كان يبذله، والسرور اللحظي الذي كان يختفي قبل أن تكتمل مَشاهده! أم إنه لم يكن حيّاً، بل كان يبحث عن شيء اسمه الحياة..، وهل عليه أن يَجدَّ ويجتهد في البحث عنه – أكثر من ذي قبل – فيما تَبقى له من قُدرة ومن زمن، وهو الهدف الذي لم يُحققه عندما كانت ظروفه أفضل! أم إن فلسفة الكينونة والحياة ونظرية الوجود المستقل التي يعتقدها ويعمل ويحلم ويُفكِّر الإنسان على أساسها، هي العنصر الذي يحمل القيمة الخطأ في معادلة وجود الإنسان..، وأن تلك الفلسفة والنظرية هي التي أعطت لكل النتائج انحرافها..، وأن الإنسان الفرد في حقيقته ربما لا يعدو أن يكون ذرة في جزيء أو خلية في نسيج، يؤدي وظيفة ثانوية تكميلية غير مباشرة، تتنافس على أدائها كل الخلايا المتشابهة، في جسد كائن مجهولٍ اسمه الحياة..، وأن جسد ذلك الكائن يُجَدِّد خلاياه بما يوافق مصلحته وغايته، وأن الخلية التي يَقِلُ عطاؤها، ينتهي دورها، ويُصبح وجودها عبئًا على الجسد، فيلفظها – حين يستغني عن خدماتها..، وكل الخلايا سيَقِلُّ عطاؤها وستُلفَظُ يومًا..، وذلك تمامًا ما تفعله كل الأجساد الحَيَّة مع خلاياها، حيث إنَّ الخلايا (كرات الدم البيضاء – مثلاً) تبدو ككائناتٍ تُفكِّر وتعمل كما لو كانت لها كيانات مستقلة ذاتية القرار..، بينما هي في الحقيقة خاضعة لآلية خارجة عن سيطرتها، تقوم تلك الآلية بتفعيل الخلايا وتوجيهها وحثها على الفعل والتكاثر وأداء دور معين، كما تقوم تلك الآلية بتجديد الخلايا – تدمير القديم واستحداث البديل..، فلو كان للخلايا كيانات مستقلة وذاتية القرار، لأصبح موتها انتحارًا، ولأصبح تكاثرها وأداؤها لدورها المميت غباءً..، وكذلك الإنسان! في المرحلة الأولى، يكون الإنسان مهووسًا بتعبئة الفراغات المعرفية، مدفوعًا بحب الاكتشاف وإدراك الجديد..، في المرحلة الثانية، يبدأ الإنسان بمطاردة أملٍ وهمي، مصدره ثقة مفرطة في النفس، تُبرِّرها حيوية مرحلية، تدفع الإنسان على الاعتقاد بجهل وضعف الآخرين..، والأساس في كل ذلك هو جهل الإنسان – شبه التام – بحقيقة ما يجري من حوله، وجهله المرحلي بحقيقة مكانته ومحدودية إدراكه ودوره وقدرته! في المرحلة الثالثة، يقل اهتمام الإنسان بمبدأ القناعة بما يفعل، حيث تدخل عناصر جديدة مجهولة القِيم في معادلة الفعل، حين يُصبح الإنسان يعمل لمصلحة غيره – بغض النظر عن رغبته وإرادته وحتى مقدرته -، حيث يتغاضى الوالدان عن قِسم كبيرٍ من حقوقهما وسعادتهما وقناعتهما، نزولاً عند حاجة الأبناء، ورضوخًا لعاطفة مصدرها الإحساس بالضعف الطبيعي والشعور الزائف بقوة وقيمة افتراضيتين وهميتين..، إن حجم الأسرة وخصوصية متطلباتها، هي التي تُحدد لولي الأمر الحد الأدنى من الجُهد الذي عليه أن يبذله، وحجم القلق الذي عليه أن يحمله! في المرحلة الرابعة، يكون الإرهاق قد نال من الإنسان، فلا يعود عقله وذاكرته وإمكاناته الذهنية والنفسية والجسمانية تُسعفه أو تسمح له بالتفكير بهدف إنتاج المعرفة، ولا حتى باستقبالها من خارجه! فَيَنصَبُّ جهده على تقليب محتويات الذاكرة، ويقتصر تفكيره على المقارنة بين نتائج التجارب السابقة، بحثًا عن أنسب المقاربات كإجابة نهائية لسؤاله عن كُنه الحياة..، ذلك السؤال الذي يتجدد ويزداد قوة بالتناسب الطردي مع ضعف الإنسان واقترابه من نهاية الطريق – وهو صِفر اليدين من أي قيمة وأي معنى وأي تعريف للحياة – التي كانت عنوانًا لكل ما بذله من جُهد وما أنفقه من زمن! في هذه المرحلة، يتطرف الإنسان ويتشدد ويتعصب إلى النتيجة التي يقع اختياره عليها من بين مخزوناته العقائدية..، فإذا كان الإنسان مؤمنًا بالبعث وحياة أخرى بعد الموت، يكون في آخر أيامه مُتطرفًا في إيمانه ملتزمًا واعظًا ناصحًا كأنه لم يكن مؤمنًا قبل ذلك..، وهو السلوك الذي يدعوه المؤمنون بالتوبة! ولعل الحقيقة هنا، هي أن ما يُسمَّى بالتوبة – خاصة في نهاية العُمر – هي ليست سوى إقرار من الإنسان بالفشل والصدمة وخيبة الظن، وبأنه لم يعد أمامه مُتَّسع من الوقت للبحث بنفسه أو لانتظار نتائج أبحاث الآخرين عن كُنه وقيمة الحياة، فيحسم أمره على التصديق بالحياة الأخرى، ويدعوها بالحياة الحقيقية والأبدية، ويُشدد على الربط بينها وبين الحياة التي يوشك على مغادرتها..، وذلك كعزاء أخير من الإنسان لنفسه وكورقة أخيرة يرميها في وجه اليأس دون المقدرة على التحقق من النتيجة، بل ودون المقدرة حتى على مجرد الخوض في تفاصيل واحتمالات النتيجة هذه المرة، مكتفيًا بتفاؤلٍ وأملٍ ليس لهما ما يُبررهما سوى الضعف واليأس اللذين لم يعد الإنسان قادرًا على إخفائهما!

الاثنين، 17 يناير 2022

ما الفرق بين وجودنا والحياة؟

1 تعليق



نحن مضطرون للتنفس، لكن لسنا مضطرين للقراءة ..، أو هذا ما يبدو لنا ظاهريًا .. الفعل الحياتي هو كل فعل غريزي وإجباري، ويفعله كل البشر دون استثناء ..، بينما الفعل الوجودي هو كل فعل منطقي اختياري، وليس الكل يفعله ..، أو هذا ما نراه في الواقع .. لكن الحقيقة شيء آخر، أو لنقل بأن الأمر سيبدو لنا مختلفًا إذا نظرنا له من زاوية أخرى وبرؤية أعمق، حيث سيبدو لنا أن كلا الفعلين إجباري، أو هو حتمي .. الفعل الحياتي هو التعبير عن الحياة ..، هو تعبير طبيعي حتمي عن الاختلاف بين الأحياء والأموات أو بين الكائن الحي والجماد ..، والفعل الوجودي هو التعبير عن الوجود ..، هو تعبير طبيعي حتمي عن الاختلاف بين إنسان وإنسان آخر أو بين كائن حي وكائن حي آخر ..، لولا الأفعال الوجودية لما ظهر الفرق بين الإنسان والحيوان ..، تمامًا كما أنه لولا الأفعال الحياتية لما كان هناك فرق بين الكائن الحي والجماد .. الفرق بين الإنسان والحيوان لا يستوجب تمجيدًا أو تقديسًا أو تفضيلاً للإنسان على الحيوان، فالإنسان ليس هو من صنع الفرق بينه وبين الحيوان، بل إن الفرق مجرد تحصيل حاصل لفعل قوانين الطبيعة، وأكثر من ذلك هو إثبات لتأثيرها القهري على الإنسان أكثر منه على الحيوان ..، إذ يمكننا القول بأن الحيوان قد استطاع إيقاف تطور الطبيعة داخله، فتجمدت عند حد معين، مما جعل الحيوانات تتمتع بكل ما يتمتع به الإنسان – لكن بحرية مطلقة يفتقدها الإنسان، وبدون العيوب التي يشتكي منها الإنسان، فتطور الطبيعة في الإنسان كان نقمة على الإنسان، وهو على كل حال سواء كان نعمة أو نقمة، فهو أمر لا فضل ولا ذنب للإنسان فيه، وما تمجيدنا للأذكياء وذمنا للأغبياء إلا عين الجهل والحمق والبدائية والغباء .. الإنسان والحيوان وغيرهما، عبارة عن ساحات أو مختبرات لتجارب قوانين الطبيعة .. لاشيء موجود إلا ويكون قد دفع ضريبة الوجود، وهي الخضوع التام لقوانين الطبيعة – حياتيًا ووجوديًا .. خضوعنا لقوانين الطبيعة في الأفعال الحياتية يبدو واضحًا أو تأثيرها علينا يبدو مباشرًا تقريبًا ..، إما أن نشرب أو نموت فورًا – مثلاً .. فعل الصيام هو ممارسة لفعل حياتي بصورة وجودية! لكن علاقة قوانين الطبيعة بأفعالنا الوجودية الحقيقية تبدو علاقة غير مباشرة، بسبب وجود بدائل عديدة من الأفعال الوجودية (غناء، رسم، كتابة، .. الخ)، وهذا ما أوجد الخلط لدى البشر، وجعلهم يتخيلون خطأً بأن لديهم إرادة الاختيار أو إرادة الفعل وعدم الفعل بمعزل عن أي تأثير داخلي أو خارجي ..، ولذلك يُحاسَب الإنسان على سلوكه، بينما في الحقيقة ينبغي أن يُعالج الجميع ولا يُحاسَب أحد .. إن كل ما يفعله الإنسان، ما هو إلا تعبير تلقائي واستجابة طبيعية، لما يجده لديه من حاجة لأداء أفعال حياتية وأخرى وجودية! أفعال حياتية .. تنفس، شرب، أكل، .. الخ! أفعال وجودية .. غناء، رسم، تجميل، تفكير، مساعدة الآخرين، استعباد الآخرين .. الخ! الأفعال الحياتية .. أدركنا مبرراتها بسهولة، فلم نعد نتساءل حولها، وذلك بسبب ارتباطها المباشر بحياتنا، وبسبب قِصر دورتها الزمنية، والسبب الأهم هو عدم وجود بدائل من هذه الأفعال .. مثلاً .. لو كانت أقصر مدة مطلوبة للإنسان بين كل شربة ماء وأخرى هي عشر سنوات، لما توقف البحث والسؤال عن سبب شربنا للماء! ولو كان هناك بديل لشرب الماء، بحيث كان بعضنا لا يحيا بغير الماء، بينما جُلنا يتناولون بديلًا آخر ولا يشربون الماء أبدًا ..، لو كان الواقع هكذا لما توقف السؤال عن سبب إصرار بعضنا على شرب الماء ..، ولو مات أحدهم بسبب نقص الماء، لتساءلنا لماذا لم يتناول البديل؟ لكن لأن الكل يمارسون فعل شرب الماء، ولا بديل عنه، لذلك لم يعد من معنى لطلب مبرر لهذا الفعل، وأصبح غياب الماء مبررًا للموت – لا جدال ولا خلاف حوله! الأفعال الوجودية .. كثرة البدائل في مجال الأفعال الوجودية، جعل السؤال حول دوافعها ومبرراتها لا يتوقف! مثلاً .. يمكن للرسام أن يحيا بدون غناء، لذلك يبدو منطقيًا لو أنه تساءل عن سبب الغناء! ولو قيل لنحات، بأن أحدهم قد انتحر لأنه مُنِع من القراءة والكتابة، ربما لا يستطيع تصور ذلك، ولا يرى انتحاره مبررًا! - يمكن لمن يجد نفسه في مساعدة الضعفاء أن يحيا بدون رسم، لذلك قد لا يرى مبررًا للرسم، وقد يرى أن الصواب هو أن يتحول الجميع إلى مساعدين للضعفاء وحسب! - لا يمكن للفيلسوف أن يتوقف ساعة عن التفكير في الوجود .. وبذلك يكون من المنطقي أن يتساءل: لماذا لا يفكر الآخرون مثله، بل كيف يمكنهم الوجود بدون تفكير مستمر؟ - تطور قوانين الطبيعة التي تعمل داخل خلايا وذرات الفلاسفة، جعلتهم يرون أفق المعرفة قبل غيرهم، ويرون سُبُلًا كثيرة وسهلة لتحسين حياة البشر، ولا يفهمون سبب تمسك البشر بأساليبهم التقليدية في الحياة، ويرون أن ذلك لا يمكن أن يكون إلا مقصودًا مفتعلاً، ولا يُدركون أنه ناتج عن غباء طبيعي قهري بفعل بساطة وعدم تطور قوانين الطبيعة التي تعمل داخل خلايا وذرات البشر التقليديين .. كل ذلك بسبب النظرة التقليدية للإنسان، تلك النظرة التي تعتبر الإنسان كيانًا واحدًا يمتلك إرادته، ولا يختلف عن غيره من البشر إلا برغبته وإرادته .. - المستبدون أو الذين لا يرون ضيرًا في استعبادهم لغيرهم من البشر، هم يفعلون ذلك بسبب خضوعهم لقوانين الطبيعة داخلهم، والتي لا تفرِّق من حيث المبدأ بين البشر والحيوان، ولذلك هم لا يرون فرقًا بين امتلاكهم لحيوان وامتلاكهم لإنسان .. - الاتفاق بين كل البشر على الوسطية ممكن، لكن الخطأ وعدم حصول الاتفاق هو بسبب الاعتقاد بأصولية المبادئ، أو محاولة تأصيل الأخلاق والمبادئ، واعتبارها كونية، والاعتقاد بأن الانحراف عنها لا يكون إلا تعمدًا للانحراف .. - الانتحار – بغض النظر عن السبب -، أو على سبيل المثال الانتحار بسبب العجز عن الإبداع، هو مثال واضح جدًا يبين خضوع الإنسان لقوانين الطبيعة، فهو عبارة عن تصادم بين قوانين الطبيعة داخل المبدع وقوانين الطبيعة خارجه، ما يؤدي إلى توقف القوانين الجزئية العاملة داخله، خضوعًا للقوانين العامة العاملة خارجة .. الانتحار بسبب العجز عن الإبداع، عادةً هو سبب انتحار الأذكياء المبدعين ..، لكن حتى الانتحار التقليدي بسبب الفقر مثلاً، هو انتحار بسبب عجز عن الإبداع كذلك .. الخلاصة .. بالنسبة للإنسان، الحياة ليست غاية لذاتها، إنما هي مجرد وسيلة لممارسة الوجود .. تطور الوعي لدى الإنسان وتحوله إلى إدراك، هو الذي استوجب ممارسة الأفعال الوجودية .. ممارسة الأفعال الوجودية أساسها حاجة لإحداث المعرفة .. الوعي هو امتلاك ذاكرة قادرة على تسجيل الأحداث والمَشاهِد والمعلومات، واستعادتها عند تشابه المواقف .. الإدراك ناتج عن اتصال الذاكرة بالخيال، ما يسمح باستعمال مخزون الذاكرة المحدود من المعرفة لإنتاج معارف جديدة .. الحيوان يكتفي بممارسة الحياة، لأن وعيه قد توقف عند المرحلة البدائية الأولية، ولم يتطور إلى إدراك .. الحيوان يمتلك ذاكرة، وبذلك فهو يمتلك وعيًا، لكنه غير مدرك لأنه لا يمتلك خيالاً .. الحيوان لا يتعامل مع ذات الموقف وذات المكان بذات الأسلوب في المرة الثانية والثالثة .. وهكذا .. النبات يمتلك ذاكرة، لكنه لا يمتلك وعيًا، لأنه غير متنقل!

الثلاثاء، 4 يناير 2022

المزاج الفاعل وآلية صُنع الوجود !

0 تعليق



فلسفة وفيـزياء .. لماذا ينعدم المنطق عند المستوى الكمومي؟ معلوم أن ما يُعرف بالمستوى الكمومي، هو المستوى تحت الذري! وسُميَّ بالمستوى الكمومي لأن سلوك المكوِّن الواحد من مكونات هذا المستوى من إلكترونات ونيوترونات وغيرها، هو سلوك كمية واحدة وليس سلوك جسيم واحد – ! ولعل التسمية الأنسب والأدق لسلوك مكونات هذا العالم تحت الذري، هي: السلوك المزاجي! الذرة كوحدة واحدة، يمكن حساب نتائج سلوكها مسبقًا، لكن لا يمكن التنبؤ بسلوك أي من مكوناتها منفردًا .. وهذا عُدَّ أحد أوجه اللا منطق في المستوى الكمومي! المستوى الكمومي بمعنى من المعاني هو المستوى الفردي! وفي الواقع ليس فقط الذرة ومكوناتها، بل إن المنطق الذي يحكم سلوك أي كيان مركب، لا يمكن أن يحكم سلوك أي من مكوناته منفردًا، سواء كان هذا الكيان ذرة أو مجتمع بشري ..، علماء الفيزياء يؤكدون حقيقة ويرفضون فكرتها .. وهي أن سلوك الذرة منطقي، بينما سلوك مكوناتها غير منطقي ..، سلوك الإلكترون مثلاً! والحقيقة تبدو وكأنما العلماء يرفضون أمرًا لا يصح رفضه، لأنه هو ما ينبغي أن يكون، فسلوك مكونات الذرة يجب أن يكون مزاجيًا لا منطقيًا، لأن ذلك شرط لتكوُّن الذرة، وشرط لاختلاف خصائص المواد، إذ لو كان سلوك مكونات الذرة منطقيًا لاستحال وجودها – استحال تكونها – استحال نشوء الذرة من الأساس، واستحال اختلاف وتنوع المواد والأحياء؛ وحتى لو تكونت ذرات، فإنها ستكون معدومة الذاتية - الدينامية - ما لم يكن سلوك مكوناتها مزاجيًا! انعدام الدينامية في الأشياء، يعني انعدام قدرة الأشياء على الفعل، وهو ما يعني انعدام صفة الوجودية .. وهنا نؤكد على أمر نراه هامًا جدًا، وهو أن الذرة ليست أصغر شيء في الكون، لكنها أصغر شيء في الوجود! وهذا يعني أن الذرة هي أصغر شيء يحمل صفة الوجودية! صفة الوجودية تعني أن الشيء حدث وليس أصلاً .. وتعني صفة الوجودية أن الشيء يتكون أو يتألف من مكونات مختلفة، قابلة وآيلة للتفكك ..، والذرة هي أصغر شيء تتحقق فيه هذه المواصفات .. بينما كل مكون من مكونات الذرة لا ينبغي له، أي لا يمكنه أن يحمل صفة الوجودية، بل لا بد أن يحمل صفة الكونية .. أي صفة الأزلية والديمومة .. أي الكينونة! والمنطق رهن بالوجودية لا بالكونية ..، الكون أمرٌ منسوبٌ إلى المطلق، أما الوجود فهو شيء منسوب لنا .. منسوب لمعرفتنا وفهمنا وإدراكنا! السلوك المنطقي يفرضه اتحاد بين أشياء لا منطقية! فاتحاد أمزجة مختلفة ينتج عنه سلوك منطقي بالضرورة! لا منطق ولا حاجة للمنطق بدون اتحاد، ولا اتحاد إلا بين أمزجة مختلفة .. إذا اتحدت أمزجة متشابهة، فإن اتحادها يُسمَّى نموًّا وليس اتحادًا! بالنظر من الزاوية الكونية، فإن المنطق ليس سلوكًا طبيعيًا أبدًا، بل هو سلوك ظرفي يُعبِّر عن حدث ..، هذا الحدث هو انعدام الحرية في حيِّز ما من الكون ..، مما يعني أن هذا الحيِّز أصبح مشغولاً بشيء موجود مؤقتًا! المنطق ليس شرطًا لتكون الأشياء ونشوء الجماعات، بل هو نتيجة لتكون الأشياء ونشوء الجماعات ..، بل إن غياب المنطق عند لحظة النشوء والتكون، هو سبب وشرط لحصول النشوء والتكون .. لكن غياب المنطق عند لحظة النشوء، لا يعني عدم قدرتنا على تصور وفهم كيفية حدوث النشوء .. المنطق = مزاج محدود ، والمزاج = منطق لا محدود! المزاج أصل كوني، والمنطق استثناء وجودي .. المزاج نقيض المنطق، وهو الذي يُنتج المنطق .. المزاج يعني الحرية المطلقة لفعل كل ما هو ممكن دون قيود منطقية، وهذه صفة إطلاق، أي صفة كونية! بينما المنطق يعني الالتزام، وهي صفة المحدودية، أي صفة وجودية .. لا يمكن لشيء أن يحمل صفة الوجود (التشكل)، إلا بحصول توازن بين مكوناته المختلفة ..، وحصول توازن يعني بالضرورة نشوء معادلة منطقية تحكم سلوك المجموعة المتشكلة كي تظل متماسكة .. وهذا يعني أن المنطق هو نتيجة وشرط للوجود، وليس سلوكًا طبيعيًا للموجودات .. وبذلك، فإنه لا معنى للبحث عن المنطق في سلوك إلكترون أو فوتون منفردًا! 

 الأمزجة الفاعلة هي مكونات الكون الحرة .. المزاج الفاعل يكشف أسرار الوجود .. فما هو المزاج الفاعل؟ المزاج الفاعل = وحدة كونية، وليس شيئًا وجوديًا! الشيء الوجودي أو الشيء الموجود لا يكون إلا مركبًا، ويتألف من مكونات مختلفة الخصائص! الإلكترون، البروتون، النيوترون، الكوارك، الفوتون، .. .. الخ ..، هي وحدات كونية، أي أنها أمزجة فاعلة، أي أنها أصول، وليست مركبات مؤلفة من مكونات مختلفة الخصائص! المزاج الفاعل هو الذي يصنع قوانين الطبيعة المنطقية، وبذلك فهو لا يخضع للمنطق، لأن الخضوع للمنطق هو صفة وجودية وليس صفة كونية! من أين جاء المزاج الفاعل؟ الأمزجة الفاعلة هي وحدات كونية أزلية .. كينونة وأزلية المزاج الفاعل، ضرورة لنشوء الوجود ولحصول الدينامية في الموجودات بعد نشوئها ..، وكينونة وأزلية المزاج الفاعل ليست فرضية، بل هي حقيقة وجدناها متجسدة في مكونات العالم تحت الذري! المزاج الكوني تمثله الحرية في حياة البشر، ولذلك لا توجد دينامية – لا يحدث نشاط – لا يحصل إبداع حيثما غابت الحرية في المجتمعات البشرية .. 

 الذرة تحتوي الإلكترون، والذرة لا تتواجد في أكثر من مكان في ذات اللحظة، وبذلك فهي خاضعة للمنطق .. بينما الإلكترون سواء كان داخل الذرة أو خارجها، فإنه يبدو قادرًا على التواجد في أكثر من مكان في ذات اللحظة ..، وهذا خروج عن المنطق .. والأمر ذاته يحصل في أي مجتمع بشري، حيث لا يمكن لأي مجتمع أن يرفض الكذب ويقبله في الوقت ذاته، وهذا خضوع للمنطق .. لكن كل فرد من أفراد ذات المجتمع، قادر على حمل صفات رفض وممارسة ونبذ وقبول الكذب في الوقت ذاته ..، وهذا خروج عن المنطق!

 الإلكترون يتواجد في أكثر من موضع في ذات اللحظة .. كيف يكون ذلك صحيحًا، ولماذا لا يمكننا تصوره؟ الجواب .. أولاً: هذه النتيجة ليست نتيجة قياسات منطقية، لأن المنطق لا يستطيع قياس مثل هذه النتيجة .. فهذه النتيجة هي نتيجة مشاهدات وملاحظات اشتركت فيها عدة عناصر ليس بينها عنصر واحد مثالي .. بالإضافة إلى أن الإلكترون يتأثر بعمليات القياس والملاحظة، وبالتالي لا يمكن اعتماد هذه النتيجة كنتيجة علمية ونهائية لسلوك الإلكترون! ثانيًا: لعله ليس صحيحًا أبدًا افتراض إمكانية وجود أو إمكانية إحداث فراغ في أي مكان في الكون، من أجل دراسة السلوك الحقيقي للإلكترون والفوتون وغيرهما من مكونات ما يعرف بالمستوى الكمومي .. وعدم وجود فراغ، يعني أن الإلكترون والفوتون يعملان في وسط ما ، وليس ثمة مانع منطقي من أن يكون ذلك الوسط يعمل عمل المرايا، فيكون ظهور الإلكترون في في أكثر من مكان في الوقت ذاته، أمر طبيعي ومنطقي؛ وكذلك فإنه لا مانع أبدًا من أن يكون ذلك الوسط يعمل عمل الموصل بالنسبة لفوتون الضوء، وبالتالي يكون انتشار الضوء في كل الاتجاهات بذات السرعة، وسرعته الخيالية وكل ما يتعلق بالضوء، كلها عمليات منطقية وقابلة للفهم والتصور ببساطة كبيرة! ثالثًا: من المنطقي والمقبول جدًا أن نخرج بنتيجة لا منطقية لسلوك الإلكترون، لأننا نقيس سلوك الإلكترون بالمعيار الوجودي وليس بالمعيار الكوني ..، بينما الإلكترون وحدة كونية، وليس شيئًا وجوديًا! المعيار الوجودي هو المعيار المنطقي المحدود .. والمعيار الكوني هو المعيار المزاجي اللا محدود .. السلوك المنطقي يعني الخضوع لقوانين الطبيعة .. السلوك المزاجي يعني صُنع قوانين الطبيعة .. 

والآن .. هل صحيح أن الوجود غامض إلى الدرجة التي ليس بمقدورنا معها وضع تصور لفكرة نشوئه وآلية عمله، إلا بافتراض بداية غير منطقية بحيث لا يمكننا تخيلها مثل الانفجار العظيم، أو بافتراض أصل مقدَّس بحيث لا يمكننا ولا ينبغي لنا تخيله – مثل الإله؟ لعل الأمر يعتمد على مدى قدرتنا على التحرر من خلفياتنا الثقافية والعقائدية التي صنعت تصوراتنا التقليدية للوجود .. فإذا افترضنا الوجود أعقد من أن نفهمه، بدا لنا كذلك .. وإذا افترضناه أسهل من أن نجهله، بدا لنا كذلك .. 

 كل النظريات التي حاولت تفسير الوجود، انطلقت من استبعاد فكرتي الأزلية الزمنية واللا نهائية المكانية للوجود المادي المرصود، ثم عُمِّم الاستبعاد على كل شيء – مرصود وغير مرصود -، فاصطدمت كل النظريات باستحالة البداية التي ليس قبلها شيء! بالنتيجة لم تستطع أي نظرية استبعاد هاتين الفكرتين، فحاولت كل نظرية بلورة مفهوم الأزلية واللا نهائية، في صور مختلفة شكليًا عن غيرها من النظريات، لكن روح الفكرتين ظلت قائمة

 الحديث دائمًا، عن الوجود من وجهة نظر أحد عناصره والذي هو الإنسان .. كل النظريات بدون استثناء، اتفقت تلقائيًا على أن الوجود المادي المتشكل المرصود (مادة، طاقة، حياة) هو حدث وليس أزلاً، .. أي أن الوجود ظاهرة طارئة وليس أصلاً ..، وذلك باعتبار أن الموجود أو المتشكل، هو مركب، وكل مركب هو بالضرورة في حالة تفكك مستمرة .. أي أن مفهوم الوجود يعني مرحلة من مراحل تفكك الموجود! وحيث إنه لا مناص من أزلية البداية ولا نهائية المكان، فإنه لا معنى ولا حاجة لافتراض تصورات سحرية لنشوء الوجود وآلية عمله .. ليس جديدًا القول بأن الوجود المتشكل، هو عبارة عن تجمعات مادية، منتشرة في وعاء كوني أزلي لا نهائي، تملأه مادة فضائية .. السؤال هو: ما سر تشكل هذه التجمعات المادية – الحية وغير الحية؟ وهنا نقول بأن السر هو المزاج الفاعل! الوسط الذي يملأ الوعاء الكوني، يعج بوحدات كونية، وكل وحدة من هذه الوحدات الكونية، هي عبارة عن مزاج فاعل .. مشهد الوجود المادي المتشكل في الوعاء الكوني، بحسب هذا التصور يبدو كأسماك في مياه محيط! فإذا تصورنا وجود خلايا حية سابحة تملأ مياه المحيط، منها ما هو متجمع على هيئة أسماك، ومنها ما هو غير منظور – سابح على هيئته الخلوية .. فإنه وبذات الخيال يمكننا تصور وحدات كونية أزلية، تملأ الفضاء الكوني الأزلي اللانهائي ..، منها ما تجمع على هيئة كواكب ونجوم، ومنها ما ظل على هيئته الأولية البنائية – وحدات كونية – أمزجة فاعلة! 

 كل ما كان أصلًا بذاته، فهو مزاج كوني فاعل! الوجودية هي تجميع وتوحيد أمزجة مختلفة بالقوة .. القوة التي توحِّد الوحدات الكونية وتُنتِج الوجود، هي قوة ناتجة عن اختلاف خصائص الوحدات الكونية – تجاذب وتنافر مثلاً! صفة الوجودية تعني جهد مبذول ..، أي استهلاك متواصل لطاقة التوحيد حتى استنفادها، وصولاً للتحرر من ظاهرة الوجود المادي، والعودة إلى حالة الكينونة - التي أساسها انفصال الوحدات الكونية عن بعضها .. استهلاك الطاقة أثناء ظاهرة الوجود المادي، يعني خروج الطاقة من المادة، وانتشارها في الوسط الذي يملأ الوعاء الكوني .. وتحرر الوحدات الكونية بعد استنفاد طاقة التوحيد، يعني عودة الوحدات الكونية للتشبع بالطاقة من جديد! ما أسميناه هنا بالوحدة الكونية أو المزاج الفاعل، هو ذكاء محض .. إلكترون، كوارك، فوتون، .. الخ . يمكننا القول بأن الذرة الواحدة عبارة عن طاقة .. والطاقة هي كل شيء مرصود وغير ذي كتلة! الصوت = طاقة مسموعة! .. التفكير = طاقة مُدركة! الفوتون = طاقة منظورة! المجال المغناطيسي = طاقة معلومة! اتحاد عدد معين من الذرات يمنحها كتلة محسوسة، وحينها نسميها "مادة"!

الاثنين، 3 يناير 2022

عداوتنا للموت وصداقتنا للحياة .. لماذا؟

1 تعليق



لا يمكننا بأي حال أن نتجاهل حقيقة مُرَّة، هي أن حب الحياة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسطحية التفكير، وبقدرة الإنسان على تحمل الإهانة وقبول العبث .. فالحياة تقوم على المزج بين التبرير والعبث، والكذب والصدق، والجد والهزل، والكرامة والمهانة .. ولذلك فإن الذي يجد لديه رفضًا حقيقيًا للمهانة والعبث، يجد لديه بالضرورة رفضًا مستمرًا ومتزايدًا للحياة! المتدينون المتطرفون في تدينهم، هم بشرٌ حسموا أمرهم في موضوع غير محسوم .. ومثلهم المتمسكون بالحياة تحت كل الظروف، الرافضون للموت كخيار وبديل طبيعي لها .. هم كلهم مجرد ضحايا ثقافات – لا مدركو حقائق .. سواء كانوا مثقفين أو غير مثقفين! صفة مثقف ليست مدحًا للإنسان بالضرورة .. فلا يخلو مثقف من تعصب أعمى لثقافة دون غيرها! ما يمكن اعتباره مدحًا للإنسان هو صفة التحرر الفكري، تلك التي تعني عدم الجزم بصواب الأمور قبل اكتمالها – على غرار عدم الجزم بحقيقة الإنسان قبل موته ..، حيث أنه قابل للتغير ما دام حيًا!
 لماذا نتشبث بحياةٍ تطردنا، ونرفض موتًا يحتضننا؟ عداوتنا للموت عبارة عن تعصب ثقافي، مثلها كمثل حبنا للحياة .. لا يمكن تبرير أي منهما! الانتقال من طلب الحياة إلى رفضها، ومن رفض الموت إلى طلبه، هو كالانتقال من معتقدٍ إلى آخر، لا يحتاج سوى إلى تفعيل الفكر لكشف خدعة المعتقد الموروث! لو كانت الحياة جميلة وحبها فطريًا، لما احتاجت لطلاء عقائدي وتزيين ثقافي متواصل طوال الوقت .. ولو كان الموت أمرًا كريهًا بالفطرة، لما احتاج لحملات تشويه مستمرة، وقوانين تمنع الترويج له إعلاميًا! ولو كان الانتحار أمرًا يدل على هشاشة الذات – كما يتبجح بذلك البعض بكل وقاحة وقلة حياء .. لما اشتهر به الفلاسفة والمتميزون! إن مما لا شك فيه، أنه لو شُنَّت حملة إعلامية لصالح الموت، معاكسة للحملة التقليدية الداعية دون مبرر لحب الحياة ..، لرأينا الناس يقبلون على كرامة الموت أفواجًا، بدل إقبالهم الآن على ذل الحياة أفواجًا! إن ما يجعل أعداد البشر تتزايد ليس هو جمال أو صواب الحياة، بل هو تزايد أعداد المواليد الذين تُقرَّر حياتهم نيابة عنهم ويُورَّطون في الحياة دون استشارتهم! وقلة أعداد المنتحرين سببها اضطرارهم للانتحار فرادى وخلسة، بسبب الحرب الشرسة ضد ثقافة الانتحار لصالح ثقافة الحياة .. فلو أن المجال الإعلامي والثقافي والتعليمي مفتوح أمام الدعوة للموت كما هو مفتوح أمام الدعوة للحياة، لتغيرت المعادلة لصالح الموت وبالنتيجة لصالح كرامة الإنسان! إن الحث المستمر على حب الحياة، والمحاربة المستمرة لثقافة الانتحار، فيه ما يدل ويؤكد بوضوح كبير أن الأمر ليس طبيعيًا أبدًا .. إن الأمر أشبه باعتناق المعتقدات من رفضها .. فالدعوة للمعتقدات تحمل طابع حب مصلحة الإنسان، لكن الإصرار على فرضها يُثبت وجود خديعة بالأمر، ويُشرعن وصاية عاقل على عاقل كأقبح ما تكون الوصاية! إن أسوأ ما يمكن أن يترتب على الموت هو الفناء، وهو أفضل من الحياة بالنسبة لجُل البشر وفي كل العصور .. وإذا أخذنا باحتمال صحة نظرية الوجود متعدد الأبعاد والعوالم، فإن الموت لا يعني الفناء، إنما يعني الانتقال إلى الحياة في مستوى آخر هو أكثر أبعادًا وأعلى من مستوى وجودنا ثلاثي الأبعاد أو ذي الأبعاد الأربعة! لماذا إذن حب البشر للحياة ونفورهم من الموت؟ لا يوجد مبرر منطقي ولا سبب واقعي لذلك إطلاقًا .. هو الوهم والخديعة الثقافية، ولا شيء آخر .. هنالك أمران متلازمان في حياة الإنسان، لا يوجدان لدى غيره من الكائنات الحية .. هما: الإحساس بألم الذل، والقدرة على الانتحار !!! قوانين الطبيعة منعكسة في الأعراف البشرية، تقول بأن حياة الإنسان الذليل هي حياة غير طبيعية! لماذا يقبل الإنسان بحياة ذليلة – غير طبيعية؟ لأنه الكائن الوحيد القابل للإصابة بالوهم ..، والوهم داء من جنس الإدراك، فلا يصيب غير الإنسان .. لذلك وعلى الرغم من إحساسه بالحاجة الوجودية للكرامة، إلا أنه يمارس حياة الذل والمهانة طواعية! الوهم يتمثل في حب الحياة، والنفور من الموت! لماذا يعتبر ذلك وهمًا، وكيف ينشأ هذا الوهم؟ هو وهمٌ لأنه حُبٌّ لفكرة الحياة – وليس للحياة ذاتها؛ وخوفٌ مفتعل من فكرة الموت – لا من الموت ذاته! كيف ذلك؟ معلوم أن جُل البشر موزعين بين حياة الجهل والكد والشقاء المتواصل، والفقر والبطالة والروتين الممل والخوف من فقدان الوظيفة، والذل والتملق لرب العمل والتشرد والعوز والتسول واليأس والسجون وتهريب الممنوعات، والتجنيد الإلزامي - الرسمي والقذر، والعبودية المُقنَّعة والهجرة غير الشرعية، .. الخ .. فلو كان حب البشر للحياة حبًا طبيعيًا، ولو كان حبًا للحياة ذاتها، لما وجد أي من هؤلاء في قلبه ذرة حب لحياةٍ بهذه الصورة البشعة البغيضة المؤلمة ..؛ لكن الأمر مجرد وهم بحب فكرة الحياة – لا حب حقيقي للحياة ذاتها ! ومعلوم كذلك أن خيارات الإنسان في الحقيقة هي ليست بين الحياة والموت، بل هي دائمًا بين الموت في هذه اللحظة، وبين الموت في أي لحظة قادمة .. وأكثر من ذلك، فإن خيارات الإنسان هي بين الموت في هذه اللحظة بالطريقة والوسيلة التي يختارها لنفسه، وبين الموت في أي لحظة قادمة قد تكون بطريقة بشعة وبوسيلة مؤلمة .. وأكثر من ذلك، فإن خيارات الإنسان هي بين الموت في هذه اللحظة بالطريقة والوسيلة التي يختارها، وبين احتمال إعاقته في أي لحظة قادمة، بحيث لا يعود قادرًا على ممارسة الحياة ولا على الانتحار، ليمضي بقية أيامه متألمًا مستجديًا الآخرين تطبيق قانون الموت الرحيم بحقه، وقد يسمع ويرى بأم عينه الملل منه باديًا على وجوه الآخرين الذين أصبح وجوده عالة عليهم، ولا يملك لنفسه شيئًا .. هذه الصورة المنطقية الواقعية للحياة ولخيارات الإنسان الحقيقية، هي التي يتم إخفاؤها ليظهر المشهد المزيف، والفكرة الخبيثة، فيبدو الأمر وكأنه مفاضلة بين حياة جميلة وبين موت بغيض .. إن حبنا الزائف للحياة، ونفورنا الزائف من الموت، هي اليد الكاذبة التي تؤلمنا، وهي التي يمسكنا منها العدو والمجرم والإرهابي والدكتاتور ورب العمل … الخ ..، فنطيعهم ونتبعهم حيث يريدون .. المأساة تكمن في الخديعة، فهذه اليد الجريحة ليست حقيقية وليست عالقة بنا، .. هي مجرد وهم ثقافي .. إنها يد مزيفة، أوهمونا بأنها لنا وبأنها مؤلمة، ومسكونا منها، فتبعناهم حيثما قادونا ! من أين لهذه الحياة أن تحظى بحب 100% من البشر، وهي التي يستمتع بها 10% منهم، على أكتاف ودموع وآلام ودماء ومذلة الـ 90% الباقين .. منذ أن قامت؟ ومن أين للموت أن يكون ذلك الشبح المخيف الذي نخشى رؤيته، فنحتمي منه بحياة الذل والألم، وهو الماثل أمامنا في كل خطوة نخطوها؟ إن صانعي الثقافات والمعتقدات البشرية، من واهمين ومستفيدين مرحليًا من الحياة، هم من افترضوا للحياة جمالاً وقيمةً وقدسيةً هي لا تمتلكها، فنزعوا بذلك القيمة والقدسية عن الموت دون مبرر، وصبغوه ببشاعة لا يمتلكون برهانها ..، ولقنوا هذه الأفكار والأوهام للصغار والبُلهاء .. فانطلقت المأساة المسماة حب الحياة .. هذه الصورة الفكرية الموروثة، التي تُجمِّل الحياة وتُقبِّح الموت في أذهاننا دون برهان، هي بالضرورة تقيِّد تفكيرنا، وتقود خيالنا دائمًا باتجاه برهنة نتيجة يريدها ويفترضها مسبقًا المستفيدون من تلك الصورة، وتعمينا عن أي نتائج أخرى محتملة، يمكن أن نبلغها فيما لو كان بحثنا عن الحقيقة متحررًا من عقدة رفض الموت وعقدة حب الحياة!
 .. علاقتي بالحياة .. كعلاقة زوج بزوجته القبيحة المريضة البَلهاء .. أو علاقة زوجة بزوجها القبيح المريض الأبله .. حصل الزواج في حين غفلة .. قبل أن يستيقظ الضحية .. استيقظ فجأة ليجد نفسه في صميم المأساة .. عجزت زوجته عن إغرائه .. لم تستطع إثارته يومًا .. تعوزها كل مقومات الإغراء .. عالجها فلم تشفَ .. ألبسها فما اختفى عن ناظريه قبحها .. ثقفها فما ازدادت إلا بلاهةً وحمقًا .. لم يعد يريد منها غير الخلاص منها .. وليس لذلك من سبيل غير الطلاق .. كذلك هي علاقتي بالحياة .. لم تستطع يومًا إغرائي بالبقاء .. لا أجد أنها تستحق المشي خطوة واحدة لأجلها .. ليس بها ما يستحق تصفيف الشعر لأجله سوى لقاء الأصدقاء الحقيقيين الذين تكاد تخلو منهم .. أمارسها كمسئولية وقعتُ بها .. لذلك قررتُ طلاقها .. وأصبحت علاقتي بها علاقة انتظار الفرصة المناسبة للطلاق

السبت، 19 يونيو 2021

الذكاء وتقديس الحياة .. تناسب عكسي!

0 تعليق


واقعيًا، لا تحمل الحياة قيمةً بذاتها، بل هي مجرد وسيلة للمتعة أو سبيل لتحقيق هدف .. فإذا انعدمت المتعة واستحال الهدف، فقدت الحياة مبررات استمرارها .. وباختلاف البشر تختلف طبيعة وسقف المطالب .. فمتعة السطحيين وأهدافهم لا تتجاوز سطحيتهم .. ومتعة المدركين وأهدافهم لا تقل عمقًا عن إدراكهم .. الأهداف كالمتعة لا تكون إلا دنيوية، وبذلك لا تكون إلا مختلفة، حيث استحال الاتفاق على هدف ديني موحد! منطقيًا، لا يمكن أن تكون الغاية من وجود البشر واحدة، بينما هم مختلفون من حيث السطحية والعمق المعرفي، إلى هذا الحد الذي نراه ونعرفه! لا يكون ذكاء الإنسان إلا على حساب قيمة الحياة! كلما زاد وعي الإنسان بحقيقة ما حوله، كلما هبطت قيمة الحياة في نظره! إدراك حقيقة الوجود ككل، يولد الملل التام من الحياة! الذين يحدث لديهم الملل من الحياة، تصبح مواصلتهم لها بشكل تقليدي ضربٌ من المستحيل! الإقبال على الحياة بعد حدوث الملل، يتطلب توفر ظروف خاصة تحجب أو تُبدد الملل! إدراك حقيقة الوجود لا يعني بلوغ كل الحقائق حِسِّيًا، بل يتمثل في ذهنية خاصة لدى الإنسان، قادرة على استيعاب المشهد الواقعي الحسي وإكماله بتصور ذهني منطقي متكامل للوجود ككل! تقديس الحياة هو أمر لا أساس علمي أو منطقي له! تقديس الحياة جاء كإحدى فرضيات وتصورات الخيال والإدراك البشري، أثناء اصطدامه المبكر بمأزق الوجود! تقديس الحياة يتناسب عكسيًا مع قوة الإدراك والخيال! تقديس الحياة مجرد فرضية تحولت إلى اعتقاد ثم حلم ثم صار هدفًا، حتى آل اليوم إلى مشروع وجود بيد القلة الحاذقة من البشر، مادته الخام هي الغالبية السطحية التائهة الواهمة الحالمة من البشر! لا شيء على أرض الواقع يعكس أو يبرر تقديس الحياة، سوى ظاهره الشكلي المحمي بالقوة والخداع لا بالمنطق والبرهان، والذي يعج بالثغرات والمضاعفات السلبية التي تفوق إيجابياته! جل البشر يتم خداعهم أو إرغامهم على تقديس الحياة، فيُمنع بعضهم من قتل أنفسهم، ويُمنع آخرون من قتل بعضهم، ويُدفع آخرون لقتل غيرهم ..، وكل هذا العبث والتناقض وغيره كثير، يتم تحت عنوان قدسية الحياة! - من السذاجة - مثلاً، الاعتقاد بأن البشر عاجزون عن وقف الموت الناجم عن الإرهاب والحروب، فعمليًا الأمر ممكن ببساطة، بمجرد وقف بيع الأسلحة للأغبياء والواهمين والمتخلفين ..، صُنَّاع الأسلحة ليسوا هم الإرهابيين وليسوا هم المتحاربين عادةً ..، والإرهابيون والمتحاربون ليسوا هم الذين يرسمون المشهد وليسوا هم من يقود مركب البشرية …. لماذا تقديس الحياة والسماح بقتلها في الآن ذاته؟ لماذا محاربة الانتحار من جهة، ومساعدة البشر على قتل بعضهم من جهة أخرى؟ السبب هو أن حياة جُل البشر ليست لصالحهم وليست مبررة بالأساس، لكنها مطلوبة وضرورية لغيرهم، ولأسباب غير نبيلة ليس أقلها الأنانية! ولكي تقبل هذه الأغلبية بالحياة كمواد بشرية، كان لا بد من إظهار الحياة بصورة مقدسة في نظرهم .. ولكي تبدو الحياة جميلة كان لا بد من ذم الموت .. ولكي تبدو لهم الحياة مبررة وممكنة، كان لا بد من إلهائهم وإيهامهم بأهداف تستحق الحياة والجهد، ولا يكون ذلك إلا بدوران عجلة الاقتصاد، وبذلك تشكل المشهد كما أراده الحُذاق المسيطرون، وكان منه تقديس الحياة نظريًا والسماح بقتلها عمليًا! الحياة عبارة عن نتيجة بديهية حتمية لقانون طبيعي- شأنها شأن الصدأ والمغنطة والتجمد والتبخر، .. الخ! صناعة الحياة بالأساس ليست ناجمة عن إدراك وإرادة، بل هي مجرد انصياع أعمى لغريزة ذاتية، ثم تم تأطير وتسويق هذه الصناعة بشريًا – بفضل الإدراك والخيال، على أنها عملية إرادية منطقية، لإشباع شهوة جنسية ولتلبية حاجة اجتماعية، ثم تم استغلال صناعة الحياة لإشباع الشهوة العقائدية، ثم تم توجيهها لإشباع الشهوات السياسية والاقتصادية والفلسفية، .. الخ! ليس هناك حد أدنى للإدراك والخيال، مطلوب لصناعة الحياة وممارستها والاستمرار فيها ..، حيث يمكن اعتبار الخيال والإدراك معدومين لدى النبات والحيوان، ومع ذلك توجد لديهما الرغبة والقدرة على صنع الحياة وممارستها والاستمرار فيها حتى الرمق الأخير .. لكن .. هنالك حد أعلى من الإدراك والخيال، لا ينبغي تجاوزه، لكي تكون صناعة الحياة وممارستها والاستمرار فيها أمورًا ممكنة .. حيث إنه وبعد حد معين من الإدراك والخيال، يحدث الملل، فلا تعود الحياة التقليدية ممكنة .. صناعة ولا ممارسة .. ومن ذلك نلاحظ أن جُل الفلاسفة لا يتزوجون زواجًا تقليديًا، ولا يُنجبون أبناءً، ولا يُكملون حياتهم بشكل تقليدي .. حيث تنتهي حياتهم غالبًا بانتحار أو جنون أو إعدام .. من الواضح أنه بحسب القانون الطبيعي الذي يحكم علاقة الحياة بالإدراك والخيال، الصحيح هو أن يتأخر أو يتزامن نضوج الإدراك والخيال لدى الإنسان مع اكتمال تجربته في الحياة وخبرته في الوجود – أي مع انتهاء عمره الافتراضي، بحيث لا يحدث الملل من الحياة إلا مع توقف الحياة طبيعيًا .. لكن ورضوخًا للقانون الطبيعي العام، الذي مفاده أن لكل قاعدة شواذ – بسبب تعدد الاحتمالات في كل شيء، فإنه يحصل أن ينضج الإدراك والخيال لدى بعض البشر مبكرًا، فيسأمون الحياة قبل الأوان الافتراضي، وهؤلاء هم المنتحرون بدافع أو بسبب الملل من الحياة .. الانتحار بدافع الملل من الحياة، هو الانتحار الإرادي المادي (قتل النفس)! الانتحار بسبب الملل من الحياة، هو الانتحار اللا إرادي المعنوي (الجنون)! كذلك يحصل أن يكتمل العمر الافتراضي لبعض البشر قبل أن ينضج لديهم الإدراك والخيال، فلا يحدث لديهم الملل من الحياة، ولذلك يتمسكون بها حتى آخر رمق - شأنهم شأن غيرهم من الكائنات التي تفتقد الإدراك والخيال!

السبت، 5 يونيو 2021

معنى الشريعة ومعنى أن تكون مسلمًا!

0 تعليق



المُطالبة بتطبيق الشريعة عند المسلمين، هي نسخة دينية من صراع البشر على السلطة السياسية
 في كل مكان، الفكرة فيهما أو الهدف منهما هو احتلال موقع المُراقِب والخروج من موقع المراقَب، لكي يستطيع الإنسان فعل ما يمنعه هو عن الآخرين! لماذا يحرص البعض على المطالبة بتطبيق الشريعة دون غيرهم؟ من هم هؤلاء؟ وما مآربهم الحقيقية؟ ما معنى أن يكون بعض المسلمين أكثر إسلامًا أو إيمانًا من غيرهم؟ هل هناك معيار أو مقياس لتحديد الإيمان الحقيقي من المزيف؟ مَن مِن زعماء وفقهاء الجماعات الإسلامية المطالِبة بتطبيق الشريعة يمكنه إثبات أنه ليس كافرًا وأنه ليس مجرد مستغل للإسلام؟ لا أحد يمكنه إثبات أنه مسلم أو مؤمن! الكل يمكنه ادعاء ما يشاء، والظهور كما يشاء! الكل (مسلم وغير مسلم) يمكنه أن يكون ملتحٍ، وحافظًا للقرآن والأحاديث، ومرددًا لأفكار وفلسفات واجتهادات قديمة ..، وليس في ذلك ما يُثبت إسلامه أو صحة إيمانه! - تطبيق الشريعة، ورقة رابحة دائمًا بيد من يستعملها، تمنحه قوة ومصداقية وشرعية من لاشيء؛ هذه الورقة تستعملها دائمًا قلة من المسلمين ضد الأكثرية في أي مجتمع مسلم؛ هي ورقة رابحة بسبب غموضها لدى البعض ربما، وبسبب ما تحمله من إشارات محرجة يعرفها الكل ويخشى افتضاحها لأنها محسوبة على كل المسلمين؛ هذا في الظاهر، أما في الحقيقة فلاشيء من هذا، لا غموض ولا إشارات، لا مصداقية ولا شرعية، مجرد أوهام وخدع وفزاعات خاوية ..
 - المطالبة بتطبيق الشريعة لا تظهر في مجتمعات مسلمة يتفشى فيها الفساد والرذيلة والإجرام أكثر من غيرها، لكي يُقال بأن عدم تطبيق الشريعة هو السبب! المطالبة بتطبيق الشريعة تظهر في مجتمعات مسلمة محافظة ومستقرة، لا تشكو سوى الفقر والجهل اللذين لا توجد لهما حدود ولا حلول في الشريعة! كل المؤمنين مجبرون على ارتداء ذات القناع الإيماني في العلن، وممارسة بشريتهم الطبيعية في الخفاء وأمام الأصدقاء ..، وكل ما عدا ذلك هو مجرد كذب وأوهام أو مزايدات وابتزاز باستغلال للدين! هل المسلمون مخيرون في إسلامهم أصلاً حتى يتم فحص إيمانهم؟ الحقيقة هي أن كل المسلمين ليسوا مخيرين في إسلامهم، وهذا يعني أنهم مجبرون على النفاق، ولذلك هم يتوقعون من بعضهم الخداع أو يدركون أن هذا هو واقع الحال، مما أوجد دائمًا من يستعمل هذه الورقة كوسيلة للمزايدة والظهور، أما تطبيق الشريعة فهو كعدمه أمام النفاق، فالنفاق هو الغالب دائمًا حيثما حل! السؤال الذي ينبغي طرحه في هذا الشأن، هو: هل كل من يقول عن نفسه بأنه مسلم ويحفظ القرآن ويمتلك قوة، يصبح من حقه ممارسة الوصاية على الضعفاء ومن لا يحفظون القرآن من المسلمين – أي استعبادهم بطريقة مُحجَّبة (مقنَّعة)؟ إذا كانت الإجابة عند المسلمين هي نعم، إذن يكون زعماء تنظيم القاعدة ومن يُسمون أنفسهم بتنظيم الدّولة الإسلامية و أنصار الشريعة وبوكو حرام وطالبان وغيرهم من الجماعات، من حقهم استعباد كل المسلمين تطبيقًا لتعاليم الإسلام، ومن حقهم مقاتلة بقية المسلمين باعتبارهم عبيدًا مارقين عن أسيادهم لا عن الله! أما إذا كان الجواب لا ، وأن حقيقة إسلام وإيمان حتى أكبر الفقهاء لا يمكن التحقق منها إلا يوم القيامة، وأن صحة أي مذهب وأي اجتهاد لا يمكن التحقق منها إلا يوم القيامة ..، إذن ينبغي على المسلمين وقف هذا العبث باسم الإسلام والشريعة! ينبغي وقف الحديث العام باسم الدين حتى يتم الاتفاق على كيفية التعامل به بما يضمن عدم استغلاله – جهلاً أو عمدًا .. ينبغي اعتبار كل من يسعى لفرض وجهة نظره الدينية بالقوة هو إنسان كاذب متسلق مستغل، أو واهم أو معتوه! لماذا المطالبة بتطبيق الشريعة في مصر – مثلاً؟ هل هي غير مطبقة؟ هل هنالك أمر مُحرَّم إسلاميًا .. أي أنه غير مباح في السعودية، ومباح في مصر - مثلاً؟ كلا ..، لا يوجد، ولم يوجد يومًا! هل تطبيق الشريعة في السعودية جعلها خالية من الخمر والسرقة والعلاقات الجنسية المحرمة ..الخ؟ كلا، لم ولن يحصل، فهذه سلوكيات بشرية لها أسبابها التي لا تعترف بدين ولا شريعة ولا قانون! البنوك الربوية – مثلاً .. هل يوجد بديل للقروض الربوية غير الكذب والخداع والتحايل والفقر والسرقة والتسوُّل؟ كلا، لا يوجد بديل، ولو وُجِدت قروض بدون فوائد لانتهت القروض الربوية تلقائيًا! لماذا لا تُطالِب المجتمعات المسلمة كلها بتطبيق الشريعة، لتقطع الطريق على المتسلقين والإرهابيين؟ هل جُل المسلمين مرتدون، أو يمارسون السرقة والإباحية والقتل ويشربون الخمر، ولذلك هم يخشون تطبيق الشريعة – يخشون صرامة العقوبات (الحدود)؟ لا يمكن أن يكون هذا هو السبب، فهذا أمر غير موجود وغير مبرر! الرِدَّة عن الإسلام – مثلاً .. لا يمكن إثباتها على أحد ولا نفيها عن أحد – بتطبيق الشريعة أو بدونها ..؛
 من هو المرتد الحقيقي؟ المرتد هو الذي يدخل الإسلام برغبته بعد بلوغه سن الرشد، ويوافق على عدم الرِدَّة ثم يقرر الرِدَّة، وليس المرتد هو من يُفرض عليه الإسلام منذ طفولته، ويقرر الخروج منه بعد بلوغه ..، وللعلم هذا ما يقوله الأزهر! لكن وحتى بافتراض أن المرتد هو كل من يخرج من الإسلام، فإنه لا أحد مضطر للإعلان عن رِدَّته ..؛ فالنفاق والرياء ليسا من شروط الإيمان بل هما من شروط الحياة في المجتمعات المسلمة .. الإسلام أساسًا قائم على الإكراه لا على الاختيار- فلماذا العبث والمجاهرة بالرِدَّة؟ مجرد أن يكون الإنسان غير قادر على تغيير دينه، هو أمر يُفرغ إيمانه من كل معنى! الأمر أشبه بالتجنيد الإجباري، حيث لا قيمة للتطوع طالما أن التجنيد إجباري! الإسلام قائم على إكراه كل المسلمين بدون استثناء – المرتد منهم وغير المرتد ..؛ الإسلام قائم على إكراه المسلمين لبعضهم على اعتناق الإسلام ..؛ لا فضل لمسلم بإسلامه ولا قيمة لإيمانه، فالإسلام أساسه طاعة بشر لبشر وليس طاعة بشر لله ..؛ اعتناق الإسلام عن طيب خاطر لا يحول دون تكفير المسلم لمجرد رفضه اجتهاد فقيه ما أو أخذه باجتهاد فقيه آخر، أو رفضها جميعها، أو أخذه بها جميعها ..، فكل مسلم هو كافر في نظر أحد المذاهب دائمًا ..؛ كل المسلمين متهمون دائمًا بالكفر والرِدَّة، فما الذي يدفع المرتد للإعلان عن رِدته، لا سيما وأن المسلمين- خاصة العرب منهم – معتادون على العبودية، فلا فرق بين طاعة دكتاتور سياسي نفاقًا وخوفًا من بطشه وبين اعتناق الإسلام نفاقًا وخوفًا من بطشه، فنحن المسلمين مُكرَهون على كل شيء حتى الحياة ذاتها! - السرقة مثلاً .. مُجرَّمة ومرفوضة ومحاربة دائمًا وفي كل المجتمعات البشرية – مسلمة وغير مسلمة! - الزنا الحقيقي (الاغتصاب) أو المجاهرة بممارسة الجنس بحيث يمكن أن يشهده أربعة شهود، هي أمور مرفوضة ومنبوذة ومحاربة دائمًا وبأقصى العقوبات وفي كل المجتمعات البشرية مسلمة وغير مسلمة! - شرب الخمر لا يمكن القضاء عليه لمن أراده في الخفاء من المسلمين وغير المسلمين، ولم تخلُ منه بلاد المسلمين يومًا حتى أيام الرسول والصحابة والتابعين، وهو مقنن لدى غير المسلمين ومحارب في كل بلاد المسلمين اليوم! بهذا المعنى الذي هو الواقع، لا فائدة ولا مانع من تطبيق الشريعة، ولا حاجة للخوف منها، أو بالأحرى ليس هناك من يخشى تطبيقها ..، ولذلك نقول بأنه ينبغي على كل المجتمعات المسلمة المطالبة بتطبيق الشريعة لكي لا يجد الإرهابيون والتكفيريون مبررًا لذبح المسلمين وجرهم إلى الخلف بذريعة تطبيق الشريعة!

الجمعة، 4 يونيو 2021

الإنسان والأديان، أسرار ومفارقات (طائفة العَوَام)(٢)

0 تعليق



الصّرع هو مجموعة من الاضّطرابات العصبيّة نتيجةً اضّطراب في الإشارات الكهربائيّة في خلايا المُخ وتؤدّي إلى نوبات متكرّرة ، أحد الأساليب التّي تمّ ابتكارها لعلاج الصّرع ، هو فصل الاتّصال-جراحيّاً- بين نصفيّ المخ ( الأيمن و الأيسر ) عبر عمليّة قطع الجّسم الثفني ( Corpus Callosum)‏ تُسمى ؛" فغر الجسم الثفني " و الذي من شأنه ِتَقلِيل النّوبات بشكلٍ كبيرٍ ، لكن المفارقة هنا هو أن قطع الاتصال بين نصفي المُخّ ينتج عنه ما يُمكن وصفه بانقسام الإنسان إلى شخصين مختلفين ، كل" نصف" له شخصيّة منفصلة عن النّصف الآخر ، أظهرت دراسة بعض المرضى أنّ نصفه مُلحد ، و نصفه الآخر مؤمن

فهل يكون الإنسان مؤمنًا وكافرًا في الوقت ذاته؟ وماذا عن الثّواب و العقاب ؟ هل سيدخل نصفه الجنّة و النّصف الآخر سيدخل النّار؟ من هو هذا الإنسان ؛ هل هو نصفه الأيْمن أم نصفه الأيسر 

هل ينوب إنسان عن الإله في الحُكم بكُفر وإيمان إنسان مثله؟ المُعلَن والطبيعي والبديهي في شأن الكفر والإيمان بالإله والرُسُل والأديان، هو أن الأمر خيار للإنسان، وأن الذي يُدرك حقائق الأمور ويُحاسب ويُكافئ هو وحده الإله! وحيث إن الإيمان وفق كل الأديان، يستوجب الاعتقاد بأنه لا أحد ينوب عن أحد في الحساب والجزاء، إذن لا أحد ينوب عن أحد في الكفر والإيمان! لكن مأساة الإنسان في عُرف المؤمنين والأديان (خاصة لدى المسلمين)، تتجاوز إنكار ورفض حقه في حرية العقيدة وخياره بين الكفر والإيمان، والتحايل على النصوص الصريحة في هذا الشأن، لتبلغ غاية في الغرابة..، إذ تجد أحدهم يعتقد ويرى نفسه ويُعلن ويقول عن نفسه بنفسه بأنه مؤمن، وتجد من الآخرين مَنْ يراه كافرًا، ولا يكتفي بتكفيره، بل ويحكم بقتله..، وكأن بعض البشر مؤهلين ومكلفين ومزودين بأجهزة وآليات ملائكية لقياس وتقييم وتحديد إيمان الآخرين من كفرهم، ومنهم مَنْ جعلوا من أنفسهم خزنة للنار في الدنيا! فإذا اختلف إنسان معهم على أمر فقهي استنباطي عقلي – لا يمكن الفصل فيه..، تراهم يحكمون بكفر مَنْ خالفهم، رغم أنه يعلن إيمانه..، وكأن تعريف الكفر هو مخالفة البشر للبشر، أو مخالفة الضعفاء للأقوياء .. وكأن ليس الإنسان هو الأعلم بنفسه وقلبه – ما إن كان مؤمنًا أم كافرًا! هذه المفارقة، تكشف عن حقيقة هي على درجة من الخطورة، وهي اعتقاد بعض المؤمنين بأنهم مُلَّاكٌ للدين دون غيرهم، وأن بقية المؤمنين ليسوا رعايا عندهم فحسب، بل وعبيد لديهم!
طائفةُ العَـوَام ومَذاهبُ الخَوَاص.. العوام هي صفة تُطلقُ على عامة الناس، ونقيضها صفة الخواص أو الخاصة وتُطلق على النُخبة أو عِليةِ القوم! مِن مرادفات صِفةِ العوام.. الغوغاء، الدَهماء، الهمج، الرعاع، السُوَقَة، البُسطاء، ورجل الشارع…، وكلها صِفات تدل على جَهالة وبساطة وسذاجة أو فوضوية ولا انضباطية وعبثية سلوك الموصوف بها؛ وهي صِفات ترتبط عادةً أو هي نتيجة لتدنِّي المستوى المعرفي والتعليمي والمعيشي للإنسان! في لغة السياسة والعِلم، تُستعمل صفة رجل الشارع للإشارة إلى العوام، ولعلها أكثر هذه الألفاظ أدبًا مع الإنسان واحترامًا له، إذ أنها تُشير إلى الإنسان أو المواطن الذي يدفع فاتورة أخطاء السياسة أو العِلم أو يجني ثمار رُشدِها وهو لا يفقهها ولا يعمل بها! فصِفة رجل الشارع هي بمثابة تَبرئة للإنسان من المسئولية عن السلبيات المُصاحبة للعِلم وعن أخطاء الساسة والسياسة! في ساحة الأدب والثقافة والدِين، تُستعمل بقية الألفاظ، وكلها تحط من قدر الإنسان، وتحمله المسئولية عن جهله وضعفه! طائفة العوام.. العوام هم أتباع طائفة واحدة وإنْ تعددت واختلفت أديانهم..، وهي أكبر الطوائف البشرية على الإطلاق، وهي القاسم أو الخلل المشترك بين كل الأديان، وتضم ما يزيد عن 95% من أتباع كل دين..، عقيدة أتباع طائفة العوام الدينيين.. الواحد من أتباع طائفة العوام، هو كل إنسان يعتقد أو أُجبِرَ على الاعتقاد بأنه مُكلَّف برسالةٍ ربانية إلهية سماوية، وأنه غير مؤهل لفهمها، وأنه مسئولٌ ومُحاسبٌ ومُعاقبٌ عن عدم فهمه وأدائه لها، وأنه – ولهذا السبب – هو محتاجٌ إلى وسيط بشري كاهن، فقيه، شيخ، …الخ-، يُحدِّد له ماذا يريد الإله منه؛ ويعتقد العامي بأن الوسيط لن ينوب عنه في الحساب والمسئولية رغم أنه قد ناب عنه في فهم الرسالة وتحديث قائمة واجباتها ومُحرَّماتها، فبات على العامي أن يعتقد بأنه هو مَنْ سيُحاسَبُ إذا أخطأ الوسيط؛ ويَعتقد العامي بأن حسابه سيكون بدقة متناهية، وأنه قد يُعذَّبُ أشد العذاب وقد يخلد فيه مُهانا، إذا أخفق في فهم وأداء الرسالة التي لا يمكنه فهمها، والتي قد يكون إخفاقه فيها بسبب خطأ الوسيط أو خطأ في اختيار الوسيط – الذي لا يحمل تخويلًا إلهيًا ولا يوجد مقياس معياري يُقاس به صوابه من خطئه، ولا يوجد بديلٌ ولا مناصٌ من إتِّباعه. ويعتقد العامي بأنه إذا نجح في أداء الرسالة فإنه سيُكافأ بجنة الأحلام – مقابل طاعته للوسيط البشري لا للإله – باعتبار أنه لم يفقه مُراد الإله إلا بفضل الوسيط ؛ ويعتقد بأنه غير مؤهل للمقارنة والتفضيل بين الوُسطاء الإلهيين، ومع ذلك فهو المسئول إذا اتَّبع الوسيط الخطأ. ورغم أن العامي لا يمتلك آلية اختيار الوسيط، إلا أنه مُجبَرٌ على الاعتقاد بأن عدم طاعته للوسيط الذي تأتي به الصُدفة، هو بمثابة عصيان مباشر للإله، وأن إتِّباعه للوسيط الخطأ هو كذلك عصيان مباشر للإله! ويعتقد بأن الصُدفة التي أوجدته بهذا المجتمع دون سواه، تلك الصُدفة التي جعلت من هذا الشيخ وهذه الطائفة وهذا المذهب دِينًا للعامي وسبيلًا له، هذه الصُدفة هي الحق المبين؛ ويعتقد بأن الصُدفة الأخرى- توأم الصدفة الأولى- والتي أوجدت غيره في مجتمعٍ آخر وطائفة أو دِينٍ آخر ومذهبٍ وشيخٍ آخر، تلك الصُدفة هي الضلال المبين؛ ويعتقد بأن الإله قد أراد به الخير وهداه قبل أن يُولد.. إذ أوجده حيث ينبغي أن يوجد المُهتدون كي يُدخله الجَنَّة؛ ويعتقد العامي بأن ذات الإله قد أراد بالآخرين شرًا، فأضلَّهم قبل أن يولدوا.. إذ أوجدهم حيث ينبغي أن يوجد الضالون كي يُعذِّبهم! ويعتقد العامي بأن إتِّباعه وطاعته للشيوخ والأهل الذين وَجَدَ نفسه بينهم ولم يخترهم، هو واجبٌ عليه وحُجَّة له، بينما ذات الأمر لا ينبغي لغيره من أتباع الطوائف والمذاهب الأخرى، فإن أطاعوا شيوخهم وأهلهم فذلك حُجَّةً عليهم لا لهم! ويعتقد بأن هذه المغالطات المفضوحة التي يسخر منها المجانين فضلًا عن العُقلاء..، يعتقد بأنها أساس القضاء الإلهي وأنها منتهى العدل والإنصاف والكرم؛ فكل من كانت هذه حاله وهذه عقيدته فهو من أتباع طائفة العوام!
مذاهب الخواص الدينيين .. بعد أن استعمل الخواص غِربال الفقه لفصل العوام وتمييز الخواص عنهم، واتفقوا وأجازوا لأنفسهم القول بأن العوام هُم بشر لا يفقهون، وأنهم رغم ذلك محاسبون ومعاقبون ومكلفون برسالة لا يمكنهم فهمها، وأن ذلك لا يتناقض مع العدل الإلهي – بحسب شرائع وتعاليم الأديان..، بعد أن خَلُص الخواص من أمر تصنيف العوام، التفتوا إلى بعضهم فوجدوا ذات المعضلة ماثلة بينهم، وهي المعضلة التي أوجدت أو أفرزت أو ولَّدت مصطلح العَوَام، وهي معضلة الرفض الفطري لدى الإنسان العاقل للتنازل عن هويته، ورفضه استبدالها بالانقياد والانصياع والخضوع غير المشروط لغيره، وهو الأمر الذي استطاع الخاصة إلزام العوام به باستعمال عصا النار وجزرة الجنة! عندما احتدم الاختلاف والخلاف بين الخواص ووصل الأمر إلى حد التناقض الذي لا يمكن أن يمرر حتى على العوام رغم جهلهم وجبنهم ورعبهم، فهو تناقض مكشوف لا يمكن أن يوصِل إلى ذات النتيجة مع ذات الإله..، وعندما بدأ الخاصة بتصنيف بعضهم، فوصف كل طرف الطرف الآخر بأن مكانه بين العَوَام، ونزعوا عن بعضهم الحق في صِفة ومكانة الخاصة..، عندها خشي الخاصة من افتضاح أمرهم أمام العوام، وأدركوا أن ذلك سيؤدي إلى تمرد العوام – باعتبار أنه قد تبيَّن أن لا أحد يمتلك الحقيقة -، وإلا لكان الخاصة أولى بالاتفاق أو إقناع بعضهم – إذا كانت الرسالة واحدة وكلهم مهيئون لفهمها-، فالخاصة يُفترض فيهم أن يكونوا مُدرِكين قبل أو دون غيرهم لمعنى الاختلاف حول أمرٍ محدد تستوجب الحقيقة والمصلحة أن يجتمع حوله ويلتزم به الجميع؛ وباعتبار أن الخاصة يدَّعون بأنهم مؤهلون لفهم الرسالة الإلهية - حسب الفقه والشرائع والتعاليم الدينية ..، عند هذا الحد تدارك الخاصة أمرهم- معتمدين ومتسلحين بجهل العوام الذي كانوا قد أقنعوهم به مسبقًا والذي كان سببًا في تسميتهم بالغوغاء، وكان مبررًا لإقصائهم من المشاركة في محاولة الفهم والتحليل والإفتاء- رغم اختلاف الخاصة..، ولإنقاذ الموقف وحِفظ ماء وجه الخواص أمام العوام، تدخلت الثقافة البشرية وابتدعت نظرية المذاهب، فأصبح – وبموجب نظرية مذاهب الخواص-، يحق للخاصة الاختلاف الكامل والفاضح حول الأمر الواحد، ولا يحق للعوام الاعتراض أو مجرد التساؤل..، بل إن كل ما بقي متاحًا أمام طائفة العوام، هو أن يتوزع أفرادها بين مذاهب الخواص المتناقضة لتحقيق النصاب لها، وأن يُمنِّي كل فريق نفسه بأنه الفرقة الناجية! وعلى اعتبار أن الصُدفة ولا شيء غير الصُدفة هي مقياس العوام لإتِّباع الخواص، وحيث إن المصانع العشوائية العمياء التي تُنتج العوام لا تتوقف عن الإنتاج، وحيث إن أعداد العوام أضعاف أعداد الخواص – بسبب الشروط التعجيزية التي ابتكرها وابتدعها الخاصة على مقاسهم، والتي من بينها حث الفقراء والبؤساء على التكاثر وإنجاب المزيد من التُعساء - كي لا يُزاحمهم العوام على الخصائص التي تُمكِّنهم من قيادة البشر وحصد المزايا الحياتية..، وكي يحصل كل مذهبٍ على النصاب من العوام ..، لذلك أصبح – بعد أن لم يكن – اختلاف مذاهب الخواص شرعيًا، واختلاف العوام لعنة تُطاردهم، فيعبدون الإله وفق مذاهب الخواص المختلفة المتناقضة، ويفعلون ما يؤمرون ولا أحد يكفل لهم النتيجة! لقد اختلفت الأديان أيما اختلاف، واختلف وتصارع أتباع الدين الواحد، وأتباع الطائفة الواحدة، وكفَّر بعضهم بعضًا، إلى الحدِّ الذي بات معه الجزم بأحد أمرين ليس ممكنًا فحسب، بل بات أمرًا بديهيًا ظاهرًا ومُلِحَّا لكل حُرٍّ ذي عقل ..، فإما أنَّ كل الأديان ليست من عند الإله وإنما هي أوهام أو هي فلسفات بشرية تمت نسبتها إلى الغيب بقصد تسويقها..، أو أنَّ كل دين وكل قوم لهم إلههم الذي خاطبهم وخصَّهم بالهداية دون غيرهم، أي ليست كل الأديان من عند ذات الإله!

عُلماء غيب .. عندما يوصف الفُقهاء والكهنة بأنهم علماء، فإنه لا معنى ولا مجال لهذا الوصف إلا إذا كان المقصود أنهم علماء غيب، وحينها يكون تصديقهم وطاعتهم وإتِّباعهم هي أمور طوعية شخصية عاطفية أو تعاطفية، لا تستند إلى برهان ولا تُلزِم الجميع ..، فالغيب هو المجال الذي يمكن لكل مَنْ شاء أن يقول فيه وعنه ما يشاء، فهو المجال الذي لا يمكن إدراك أو إثبات نتائجه ولا يمكن التحقق من صحة أقوال العاملين فيه ولا حاجة لإضاعة الوقت وبذل الجُهد لإقناع الواهم بأنه واهم ..، وهذا هو حال الفقهاء والكُهان، إذ لا يمكن التحقق من صحة ما يقولون وما يعتقدون ويتخيلون، وعليه فإنه لا معنى لالتزام الآخرين بأحلامهم وتخيلاتهم! أما وصفهم بأنهم علماء وحسب أو علماء دِين، فإن في ذلك مغالطة مفضوحة وربما تدليس متعمد ..، فقد ارتبط مفهوم العِلم والعُلماء في أذهان الناس بالحقيقة، حيث إن نتائج العِلم الحقيقي لا تتضارب وأقوال وقناعات العُلماء الحقيقيين لا تتناقض..، ولذلك فإنه ما أن يُقال بأن هذا الأمر أو هذه المعلومة قد قال بها عالِم، حتى يُبادر الناس إلى تصديقها، لعلمهم أنه لو لم تكن حقيقة لتصدى لها علماء آخرون ودحضوها قبل أن يسمع بها العامة، فالعالِم الحقيقي لا يُخاطب العامة أساساً ولا يَحفل بانبهار البُسطاء، وليست له غاية إلا إثبات صِحة نظرية ما أو خطئها، ولا ينتهي اختلاف العُلماء الحقيقيين إلا بالاتفاق والإذعان للحقيقة..، فأين فقهاء الأديان من ذلك حتى يُوصفوا بالعُلماء ويوصف مجالهم بالعِلم..، هيهات أن يبلغ الفقه الديني هذه الدقة أو يخضع لهذه المعايير الصارمة ..، إذ أن الفقهاء والكُهان لا يترددون في رمي بعضهم بالكذب والتدليس والجهل متى تعارضت آراؤهم وتصوراتهم وأهدافهم، والواقع يثبت أنه لا أحد منهم يُدرك شيئًا عن الحقيقة التي يتحدثون باسمها..، وكل ما يمتلكونه هو بساطة البشر وذعرهم من المجهول وعاطفتهم التي هي مصدر ضعفهم وهلاكهم!

خصوصية وهمية وعامية افتراضية… لا خلاف اليوم على أن البشر أُممٌ متعددة مختلفة، بغض النظر عن اتحادهم في الأصل من عدمه..، فالاختلافات البُنيوية والمقدرات والمواهب والهوايات، والميول والرغبات الفطرية، والمؤثرات الخارجية البيئية..، هي عوامل كفيلة بخلق اختلافات لا يمكن تجاهل نتائجها، رغم تجاهل البشر أو جهلهم بالاختلافات ذاتها! فالبشر أُمم مختلفة شأنهم شأن أُمم الطير والأسماك وغيرها، فليست الطيور أُمةً واحدة، بل هي أُممٌ يأكل بعضها بعضًا، وكذلك الأسماك وكل الكائنات، وكذلك البشر ..، لكن الخلاف هو حول مواصفات الأمم البشرية، فالتشابه أو شبه التطابق الخادع الذي يظهر على البشر، جعلهم يبحثون عن معايير خارجية لتحديد وتمييز الأمم البشرية عن بعضها..، فاستعملوا الأوطان واللغات والأديان والثقافات وغيرها كمعايير لتحديد أُمة الإنسان، متجاهلين أن هذه ليست معايير بل هي أقنعة زائفة يمكن بل ويجري ارتداؤها وخلعها وتركها أو تغييرها واستبدالها في كل وقت..، وأن المعيار الحقيقي لتحديد أُمَّة الإنسان هو معدن الإنسان الذي يُحدد هويته الذاتية ويطبع شخصيته، تلك البصمة التي لا يمكن تغييرها ولا تقليدها..، فالكاذب يبقى كاذبًا حتى لو ألبسوه أثواب وعمائم ولِحى الأديان كلها..، ويبقى الصادق صادقًا حتى لو لم يعتنق أو لم يسمع عن الأديان كلها، وكذلك الذكي والغبي والمخادع الأمين وغيرهم! إن تمييز البشر وتقسيمهم إلى خاصة وعامة في مجال الدين الذي هو مجال عام وليس مجال خاص، ما هو إلا جهل أو وهمٌ أو هو كذبٌ صريح! فالعامِّي في أي مجال هو الدخيل على ذلك المجال والذي هو ليس مُلزمًا بفهمه وتصديقه والعمل به..، أما المجال الذي لا مناص للإنسان من الالتزام بقوانينه والعمل بتعاليمه، فإنه من المغالطة والافتراء أن يوصف الإنسان بأنه عامِّي نسبة له! إن العوام بالمقياس العلمي، هم الدُخلاء على العِلم، والذين هم خارج مجال ذلك العِلم والجاهلين به، والذين هم ليسوا مُلزمين بنتائجه وقوانينه، والذين لا تُعيرهم تسميتهم بالعوام نسبة له، حيث إن لكل منهم مجاله المختلف الذي يجد فيه نفسه ويُحقق فيه ذاته ويُثبت وجوده! وكذلك العوام بمقياس السياسة، فهم كل العاملين خارج حقل السياسة، والجاهلين بشئونها وتاريخها، إلا أنَّ الاختلاف عن العِلم هو أن عوام السياسة مُلزمون بنتائجها وقوانينها بمعادلة الحاكم والمحكوم والقوي والضعيف، وليس بمعادلة الواجب أو القناعات والرغبة! قد يكتنف السياسة غموضٌ من حيث دقة البيانات والتفاصيل، لكن حروبها وعداواتها وعلاقاتها لا تكون إلا مع طرفٍ آخر معلوم للخاص والعام ..، ولعله من الأهمية بمكان أن نذكر هنا أن الساسة هم عوام في مجال العِلم، وأن العُلماء الحقيقيون قد يكونون عَوَامّاً في مجال السياسة..، أما في مجال الأديان، فإن العداوة والحرب قائمة على أَشُدِّها مقابل طرفٍ افتراضي وهمي اسمه الشيطان..، والعلاقات متينة مع جهات غيبية لم يُسمع لها صوت ولم تَستجب يومًا لدُعاء! وبالنتيجة فإنه لا معنى لصفةِ الخاص والعام في مجالٍ عام يتساوى الجميع في الجهل بنتائجه! …

 أنصار الحقِّ المُتحايلون، وإنسان الأحلام.. بحسب تعليمات مُشرِّعيها ومُفتييها وكهنتها، فقد كلفت الأديان الإنسان بما لا يُفهم ولا يُعقل ولا يُستطاع، وذلك تحت تهديد النار وإغراء الجَنَّة..، فخَلَقَت بذلك بشرًا يحملون بأذهانهم إنسانًا افتراضيًا هُلاميًا يمتثل لتعاليم الأديان تصوُّرًا وتخيُّلًا..، بينما في الواقع هم بشرٌ عاديون لا يستطيعون فعل المستحيل الذي تأمر به الأديان والذي تعهدوا بفعله، فكانت أخلاقهم خوفًا وطمعًا وليست إيمانًا ولا اقتناعًا بالأخلاق لذاتها ولأهميتها! فأصبحوا يعتقدون ما لا يفقهون ويفعلون ما يرفضون وينتظرون تحقق المستحيل ليفعلوا ما يعتقدون، واضطروا تحت ضغط الحاجة أحيانًا وبسبب الغُبن أحيانًا كثيرة، أن يُلبِسوا الأوهام والأحلام ثوب الفتاوى، فكلما ضاق بهم الحال برروا لأنفسهم ولأتباعهم ما يُحرِّمون على سواهم، فتجدهم يعتقدون بأن المُلك بيد الإله يؤتيه من يشاء وكذلك الرزق، وفي ذات الوقت يُشَرِّعون لأنفسهم ولأتباعهم الخِداع والكذب والتلاعب بالألفاظ وكتمان الحقائق وسَرِقة ونهب مال الدولة والمجتمع، بحُجَّة أن الدولة ليست عادلة..، ويفعلون الشيء ذاته في المجتمعات العادلة بحُجَّة أنها لا تقيم شرع الإله..، وكأنهم ليسوا مُطالبين بالصدق والأمانة والاستقامة إلا إذا توفرت لهم الجنة على الأرض..، ولا معنى ولا قيمة لإيمانهم بأنهم في دار امتحان! وفي محاولة لتجاوز الحق باسم الحق، فقد وضعوا نظرية أسموها قاعدة شرعية وكأنهم مخولون بوضع الشرائع المنسوبة للإله، وربما أفرغت هذه القاعدة معتقداتهم من مضمونها، إذ أفتوا بأن الضرورات تُبيح المحظورات..، والواقع أنه لا محظورة إلا ولها ضرورة تُبيحها! ولكن، تلافيًا للخطأ أو في الحقيقة إمعانًا فيه، جعلوا تحديد الضرورة من اختصاص الخاصة، وكأن عموم الناس لا يعرفون ما هي ضروراتهم، وكأن قدر العوام أن تكون عورات حياتهم مكشوفة أمام الخاصة، فإذا أراد العامي معرفة ضرورة أمره من عدمها، فإن عليه أن يكشف كل أوراقه ويُفشي أسرار حياته وأسرته أمام الخاصة كي يجدوا له الفتوى ويُحدِّدوا له مدى احتياجه بهذا الأمر من عدمه..، وكأن المفتي مَلكٌ كريمٌ معصومٌ ومكلَّفٌ أو مُباحٌ له الإطلاع على أسرار وخصوصيات الناس! إن للواقع إرادته التي تعمل وفق المنطق والحقيقة والموضوعية، فلا يعترف الواقع ومتطلبات الحياة بتعاليم الأديان ولا يعتد بأمزجة وتكهنات واختلافات وتعليمات رجالات الأديان..،


 . - المُلحدون.. لا شك أنَّ الدِين هو المسئول عن جُلِّ الخلافات والاختلافات البشرية، ومنها ظهور ما يُعرفُ بالملحدين أو المُشككين في وجود الإله..، فكل رسول وكل دِينٍ من الأديان قد أصبغ على إلهه مواصفات معينة، ثم أمر الناس باسم ذلك الإله بأوامر لا تتوافق مع مواصفات الإله..، فكان السؤال وكان العجز عن الجواب فكان التشكيك ومن ثم كان الإلحاد! ولذلك فإن التشكيك والإلحاد هما مُوَجَّهان بالأساس إلى آلهة الأديان ذات المواصفات البشرية المتناقضة، وليسا موجهين إلى الإله الحقيقي المطلق الذي لا يعلم البشر عنه شيئًا، والذي تتساوى أمام قدرته جميع مخلوقاته، فلا يختلف البشر عن بعضهم ولا يختلفون عن غيرهم من المخلوقات قياسًا له!

 - المُشركون..1 أما ما يُسمَّى بالمشركين، فإنه لا وجود لهم بالمعنى المتداول بين الناس – لاسيما بين المسلمين-، حيث يتصور المسلمون بأن المشركين هم أُناس عُقلاء يعلمون بأن الإله واحد لكنهم لا يُقرُّون له بالوحدانية..، وهذا بالطبع وهم أو هو محض افتراء وخداع للبُسطاء يُكذِّبه الواقعُ قبل العقل والمنطق، إذ لا وجود بين البشر لمثل هؤلاء الحمقى، وإن وُجِدوا يكون قد رُفِع عنهم القلم حتمًا..، لكن الصحيح والثابت أنه لا وجود لهم إلا في مُخيلة الأغبياء والغافلين وعلى ألسنة الدُعاة الواهمين والمُخادعين، فليس الحديث عن المشركين إلا من قبيل الخِداع ومحاولة إيهام المُخَاطَبين بأنهم وحدهم قد نالوا رضا الإله عنهم، وأن عدم شِركِهم بالإله يدل على عقلانيتهم واستقامتهم، وأن ذلك إنجاز لهم ومكسب عظيم خير من الدنيا وما فيها..، والحقيقة أنه لا شيء من ذلك مُطلقًا ولا قيمة ولا نتيجة لما يفعله الحمقى سوى ما يجنيه المخادعون من استعبادهم للمغفلين والسُذَّج والضعفاء والواهمين..، ذلك أنهم استغفلوهم فباتوا يُنفِّذون ما يأمرونهم به وينتظرون تمييزًا لهم وجزاءً عظيمًا عند الإله دون غيرهم، بينما هم في الحقيقة لم يفعلوا سوى ما يفعله كل البشر، فلم يفعلوا شيئًا يستحقون به ما يُميِّزهم عند الإله ولا يستطيع كل البشر فعل شيء من ذاك القبيل والحجم..، وليس الاعتقاد بأن الإنسان يستطيع أن يفعل ما يُرضي الإله أو يُغضبه إلا طعنًا صريحًا في كمال الإله، وتضخيمًا لقيمة الإنسان في مقابل قيمة الإله.. وكأن الإنسان كائن يقع خارج الإرادة والمشيئة الإلهية، أو كأن الإله يُعاقب ذاته، فيخلق الإنسان ويُبرمجه على عصيانه ثم يُعاقبه على تنفيذه لبرنامج هو من صنعه وألزمه به! - المُشركون .. 2 أما إذا كان المقصود بالشرك هو مُخاطبة الإنسان للإله أو عبادته له بواسطة مخلوقاته وليس مباشرة، إذا كان هذا هو المقصود بالشرك إذن يكون المؤمنون بالأديان هم وحدهم المشركين على الأرض دون غيرهم..، ذلك أنهم لم يعرفوا الإله ولم يُخاطبوه ولم يعبدوه أصلًا إلا بواسطة الرُسُل..، ثم إن كل المؤمنين بعد الرُسُل وإلى اليوم، هم لا يعبدون الإله ولا يفعلون ولا يتركون شيئًا يرتبط بعلاقتهم بالإله إلا بواسطة وعبر ومن خلال وبمساعدة وبموافقة وبمباركة الكهنة والمشايخ والفقهاء..، فهل للشركِ معنىً آخر! - المُشركون والمُلحدون والمشككون في وجود الإله.. ليست هذه الأفكار والرؤى والمُسمَّيات سوى ردة فعلٍ طبيعية من عاقل يحترم عقله، على نظرياتٍ خاطبته وتجاهلت عقله! فلا توجد طوائف ولا مذاهب بين قُطعان الأغنام والماشية وأسراب الطيور، وبالمقابل لن تجد كتابًا أو مقالًا يحمل توقيع سمكةٍ أو قُنفذ ينتقد الأديان أو يُسائلها..، فلا يفعل ذلك سوى الإنسان، ولم يفعل ذلك إلا دفاعًا عن هويته التي أرادت الأديان طمسها وإعادة تشكيلها بما يتوافق مع رؤى رجالاتها! إنَّ التناقضات التي تمتلئ بها كُتُب الأديان حول وصف الإله.. رحيم وفي ذات الوقت منتقم ( شديد العقاب)، بكل شيء عليم وفي ذات الوقت سيسأل الإنسان ويحاسبه بالميزان، وأنَّ أعضاء الإنسان ستشهد عليه – وكأن الإنسان شيء آخر غير أعضائه، وكأن الذي سيُعذَّبُ شيء آخر غير الأعضاء، وكأن الإله بحاجةٍ لشهادة الأرجل والأيادي، وكأن…الخ، وإنَّ اختصاص الأديان بمخاطبة العاقل وإلزامها له بتعاليم وطقوس وتشريعات لا يفهمها ولا يقبلها العقل، وخلو كُتُب الأديان من أي برهان أو آية أو سبيل لإثبات صحتها…الخ، وجود هذه التناقضات ونسبتها للإله، هو الذي أوجد التساؤلات عن كُنه الإله وعن حقيقة وجوده وأحاديته! فلو لم تكن هناك الأديان لكانت ربما رؤية الإنسان للإله اليوم لا تقوم إلا على إحدى وجهتي نظر لا أكثر..، - إما اعتقاد بوجوده كقوة منطقية خَفيَّة، تُسيِّر الكون وتَحكم سلوك الموجودات، وأنَّه ربما لها غاية لا تُدركها المخلوقات، وأنها أكبر وأعظم وأعقد من أن تَغضَبَ أو تَرضى بما تفعله مخلوقاتها الضعيفة..، - أو يكون تَعَادُلٌ في المُعطيات وتضادٌ في الأفكار.. يُترجم إلى الشعور والقول بـ لا أدري! فليس الخوض في شأن الإله إنكارًا أو تشكيكًا سوى ردة فعل على مَنْ ادَّعى معرفته بالإله ولم يستطع إثبات ادِّعائه، واكتفى بالتهديد والترهيب والترغيب باسمه! 

. قانون الإنصاف الطبيعي.. لماذا يؤمن أتباع الأديان بأن دعوة المظلوم مُستجابة ولو كان كافرًا؟ ولماذا يؤمنون بأن الإله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويهزم الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة؟ وكيف يعتقدون بأن أعمال الإنسان لا تُحسبُ له إذا لم يكن مؤمنًا بدينهم..، وفي ذات الوقت يعتقدون بأن الإله يقتص للكافر وينصره إذا كان مظلومًا! الحقيقة أنه لم يجد أتباع الأديان بُدّاً من الإقرار بوجود معادلة وآلية منطقية تحكم الكون وتفرض العدل، ولا تخضع لتعاليم أديانهم، ورغم ذلك تَغلُبُ عليهم أنانيتهم فيتجاهلون واقعًا يرونه وحقائق يؤمنون بها، فيتمنى ويُحاول كل فريق منهم أن يُثبت أن العدل والحقَّ دائمًا حيث هو وحيثما تحققت مصالحه ورؤاه، وأن يكون الظُلم والخسران حيث يوجد الآخرون..، وما ذلك إلا بسبب جهل وضعف البشر الذي يدعوهم إلى تضخيم الأنا على حساب الحقيقة! 

 هل ينبغي الطعن في الإيمان والأديان، والدعوة إلى الكفر والإلحاد؟ الإجابة، كلا! فليس الطعن في الإيمان والأديان، ولا الدعوة للكفر بها والإلحاد، من شأن العُقلاء..، ولا تختلف عن ذلك الدعوة إلى الأديان والإيمان والتعصُّب إلى المعتقد دون دليل وبرهان! إن الأهم من هذا كله هو الدعوة والبحث عن الحقيقة، من أجل أن يعيش الإنسان الحقيقة، من أجل أن يكون الإنسان حقيقي ويتعامل مع إنسان حقيقي! إن ما يعني الإنسان من الإنسان هو سلوكه وممارساته معه – خاصة تلك التي تؤذيه دون مبرر..، وليس إيمانه أو إلحاده، التي هي شئون خاصة تخضع لقناعات وثقافات وحتى اعتبارات شخصية! وهنا حقيقة لا ينبغي ولا يمكن للصادقين إخفاءها، وهي أن المعاملات والأخلاق بين مَنْ لا يعرفون ديانات بعضهم، بما في ذلك التعامل مع الملحدين، هو التعامل الحقيقي مع الإنسان الطبيعي الحاضر الموجود والذي يُعبِّر عن ذاته وقناعاته – بغض النظر عن صحة اعتقاده من عدمها! بينما التعامل مع المؤمنين المُلزمين بتجاوز العقل وتجاهل التفاعل مع الواقع، والمجبرين على استعمال نظرية الاعتقاد المسبق عن الآخرين، والذين هم بالضرورة لا يرون البشر إلا من خلال اعتقاداتهم هم، هو تعامل مع إنسان غير طبيعي، إنسان يستمد سلوكه ويستورد قناعاته من خارجه، فلا يعني له صِدق الآخرين وأمانتهم معه شيئًا، فهو يراهم من خلال قناعات آخرين! إنها حقيقة لا ينبغي تجاهلها، ذلك أن المؤمن تقليدًا وخوفًا وطمعًا، هو إنسان مشوه وغير سَوي..، وبغض النظر عما هو الحل وما هو البديل، فإن هذه حقيقة مُعاشة لا يغفلها ولا يجهلها إلا جاهلٌ أو كاذبٌ أو واهم أو مُتعصب ومُقَلِّدٌ أعمى! ونقول لأولئك الذين يعتبرون أن أدنى تساؤل حول المعتقدات أو محاولة إصلاحها هو بمثابة تشكيك بها، وأنهم لا يقبلون التشكيك فيما بين أيديهم، إلا في وجود البديل الجاهز! نقول لهم..، إن غياب الطريق البديل، لا يُبرر السير في طريقٍ ثَبُتَ خطؤه أو يعوزه الدليل! ليس العاقل بالذي يطلب اطمئنانًا أساسه التجاهل والتغابي! فإذا رأى الإنسان أن ضعفه المعرفي وعدم تخصصه، هو سبب يجعله يضع ثقته وأمله في المتخصصين..، فإن عليه أن يتذكر بأن المتخصصين كُثُرٌ وأنهم ليسوا متفقين، ولا يمكن لغير المتخصص أن يطعن في مقدرة وحرص بعضهم لصالح البعض الآخر! إن الذين يُحاولون إقناعك بصحة هذا الدين وهذا المذهب وهذه الطائفة على حساب غيرها، هم بشرٌ عاديون لا يختلفون قيد أُنملةٍ عن الآخرين الذين يطعنون في صحة ذات الدين وذات المذهب وذات الطائفة..، ليبقى القرار لك والمسئولية على عاتقك! إنه ليس ثمة خطأ يوازي الجزم بصحة ما لا دليل على صحته! فإن كان السير في هذا الطريق سببه غياب البديل وليس وجود ووضوح الدليل، فإن ذلك لا يُلغي حق المسافر في التساؤل، ولا يُسقط عنه واجب السؤال ومسئولية البحث! إن ضعف الحُجَّة لدى المتخصصين يبرز من خلال تحذيرهم لأتباعهم من الإطلاع على ما لدى خصومهم! إن الواثق من سلامة منهجه وقوة حُجَّته، هو الذي يدعو أتباعه للإطلاع على حُجج خصومه، وليس الذي يدَّعي الصواب ويحتكر المعلومة ويُهدد ويُحذِّر من الإطلاع والسؤال! إن كُلَّ دُعاة الأديان والطوائف والمذاهب يدَّعون امتلاك الحقيقة، فإذا اعتقدت أن بعضهم يريد بك خيرًا وبعضهم يُريد بك شرًا، فتذكر أنهم جميعًا يدعون أهلهم وأبناءهم وأصدقاءهم إلى ذات الأمر الذي يدعونك له! فإن قُلتَ لعل بعضهم واهمون فإنك لا تدري أيهم الوهمين! إن مَنْ كانت حُجَّته الحِرص والثقة في المتخصصين، لا ينبغي أن يتجاهل أنه لن يكون أكثر حِرصًا ولا أبلغ حُجَّةً من المتخصصين المخالفين لمذهبه وطائفته ودينه! ويبقى أن نتذكر أن افتراض العدل يستوجب ألا يُعاقب الباحث عن الحقيقة إذا ضلَّ سبيلها، طالما كانت النية خالصة وصادقة والأمانة حاضرة! فلا ذنب لمن بذل جهده ولم يبلغ النتيجة، ولا فضل لمن بلغ نتيجة لا يُدرك حقيقتها! فإذا لم يستحق الأول العقاب بسبب عجزه، فهل يستحق الثاني الثواب على لامبالاته! إن تَمَيُّز الإنسان بالعقل، والاتفاق والإقرار بأن العقل هو سبب ومناط التكليف، يستوجب ألا يفعل الإنسان العاقل للغد ما لا يستطيع تبريره اليوم!