face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 3 يونيو 2021

أصل الخطأ اعتقاد بوجود صواب!

0 تعليق



كل ما يمكن فعله يمكن تبريره ..، لذلك لا فرق بين وصف سلوك ما بأنه لا ينبغي فعله، وبين وصفه بأنه لا يمكن فعله! الحق والصواب مفهومان خياليان، لا وجود فعلي لهما، ورغم ذلك أو لذلك هما سر كل مآسي البشر وخلافاتهم! عدم وجود الحق والصواب سببه الاعتقاد بوجودهما! الاعتقاد بوجود الحق والصواب جعل البشر بانتظار ظهورهما بدل إيجادهما! كل إنسان يعتقد بوجود مرجعية للحق والصواب، هو في قرارة نفسه يشعر بأن هذا الاعتقاد يبدو مجرد تأجيل للاعتراف بحقيقة – تأجيل بانتظار الخروج من موقف المهزوم، ليستطيع التحديق في وجه الواقع البشع! ما يحكم الحياة والوجود فعليًا هما القوة والضعف، أو تعادل القوى .. ولا شيء آخر! استطاع البشر تحقيق التوافق والتكامل جزئيًا، وهذا الإنجاز ناتج أساسًا عن تعادل القوى، وليس ناتجًا عن وجود مرجعية للحق والصواب! الإقرار بعدم وجود أصل لمفهومي الحق والصواب، لا يعني الفوضى والاحتكام للقوة، بل يعني إدراك الحاجة لخلق مرجعيات منطقية واقعية لتحقيق التوافق والتكامل! الحق والصواب ليسا هدفًا لذاتهما، بل الهدف هو تحقيق الاستقرار والتعايش السلمي والكريم للبشر! اعتماد البشر على مرجعيات وهمية، جعل قناعاتهم ومبادئهم وهمية مثل أحلامهم! فكرة الحق والصواب عبارة عن سراب فكري يعكس مخاوف وأحلام وقصور الإدراك البشري! الاعتقاد أو الإيمان بوحدة الأصل لكل الأشياء، هو إيمان بوحدة الحق والباطل، ووحدة الصواب والخطأ! لا يوجد شيء اسمه الصواب – مستقل ومناقض لشيء آخر مستقل اسمه الخطأ، كما لا يوجد شيء اسمه الحق – مستقل ومناقض لشيء آخر اسمه الباطل! الحق النسبي عبارة عن باطل نسبي .. الصواب النسبي عبارة عن خطأ نسبي .. ما الفرق بين الحق والصواب والحقيقة؟ العلاقة بين الحق والحقيقة، هي أن الحق يساوي مجموع أو محصلة الحقائق! الحق هو الأمر الذي تُسلِّم بصوابه كل الموجودات طوعًا ودون اعتراض، وهو ما لا وجود له بعد! الحقيقة هي البعض من الحق، والحقيقة الكاملة هي الحق، وهي الغير موجودة حتى الآن! - ما ينطبق على مفهوم الصواب ينطبق على الحق .. 
 - الإفراط في تقديس المعتقدات الدينية، هو محاولة لإعطاء صفة الوجود والكمال للصواب المنسوب لها .. - اضطر بابا الفاتيكان للإقرار بوجود أساطير وخرافات في المعتقدات المسيحية، وذلك تفاديًا لصدام مباشر رآه حتميًا وخاسرًا للكنيسة مع المنطق ..، وتفاديًا للاعتراف الصريح بنسبية الصواب .. نُسِب إلى البابا قوله: لا وجود لجهنم، وأن كل من يفعل الخير فهو مؤمن حتى لو كان ملحدًا، وقصة آدم وحواء مجرد أسطورة .. الخ!؛  مصدر  - اضطر المسلمون مبكرًا لإصدار فتاوى التكفير والتهديد بحد الرِدَّة وإهدار الدماء، ثم الإرهاب والقتل بأبشع الطرق والوسائل، كل ذلك لتخويف البشر ومنعهم من التساؤل حول حقيقة وجود شيء اسمه الصواب! - الاعتقاد بوجود الصواب، يقود إلى الجزم بوجوده .. والجزم بصواب الأمور يُبرِّر فرضها .. وتبرير فرض أمر يُسهِّل تبرير ما بعده، وهكذا حصل مع البشر حتى أصبح اليوم مقياس صواب الأمور هو مدى إمكانية فرضها – لا حقيقة صوابها .. أصبح فرض الأمور صواب، طالما أنه لا يؤدي إلى موت البشر .. يكاد الموت أن يصبح الحد الفاصل والوحيد بين الصواب والخطأ في أعراف البشر ..، وتكاد الحياة أن تصبح وحدها رمز الصواب – وليس دائمًا -، ففي أحيان كثيرة يقتطع الموت من نصيب الحياة، ليصبح الموت رمزًا للصواب والخطأ معًا! توجد حقائق عديدة تجعل كل صواب ناقص بالضرورة، ولعل أهم هذه الحقائق وأوضحها هو أن الإنسان ناقص، وأن هذا الإنسان الناقص لا يمكنه إلا أن يكون جزءًا أساسيًا من منظومة قياس وتحديد الصواب، وهذا يعني أنه لا يمكن أن توجد منظومة محايدة وكاملة لتحديد الصواب! لذلك فإنه لا معنى للحديث عن الصواب، لكن يمكن البحث والاتفاق حول صواب نسبي، بحيث يُحكم عليه من خلال نتائج يمكن للكل رصدها وقبولها، لا من خلال مرجعيات غيبية يفرض البعض على البعض تقديسها

الأربعاء، 2 يونيو 2021

اللاهوت والناسوت!

0 تعليق



يعتقد المؤمنون (أتباع الأديان الإبراهيمية – بشكل خاص)، بأن المسيح "عيسى ابن مريم" رسولٌ، بعثه الإله إلى بني إسرائيل، وأيده بمعجزات يصعب تصديق حدوثها- اليوم، ويصعب معها تكذيب رسالته ونبوءته في عصرها! والحقيقة أن الاعتقاد بولادته من غير أب، ومن أُم عذراء- ليست متزوجة وليست بغي، وكلامه في المهد، وإحياؤه الموتى، وغيرها، كلها خوارق لو أنها حدثت بالفعل- أو لنقل لو أنها تحدث اليوم على يد بشر، لاتَّبعه وسلَّم بنبوءته ورسالته كل مَنْ عاصره وكل مَنْ جاء بعده – باعتبار أن الجميع سيتمكنون من مشاهدته بفضل العلم والتقنية في عصرنا..، مع عِلمنا بأن المسلمين يعتقدون بأنه قد يأتي أو أنه حتماً سيظهر رجلٌ في آخر الزمان يدَّعي النبوة، وسيطلب من الناس اتِّباعه، وأنه سيقوم بفعل أشياء تخرق الناموس البشري (معجزات) شبيهة بمعجزات عيسى..، ويعتقد المسلمون بأن مَنْ يتَّبع ذلك الساحر الخارق ويعتبره رسولاً، فهو ضال وكافر وجزاؤه جهنم..، في حين أنَّ "عيسى ابن مريم" قد فعل ذات الشيء، ولم يُجرَّم مَنْ اتَّبَعه، بل تم تجريم الذين كفروا به، وتمسَّكوا برسالتهم ورسولهم السابق..، فما ذنب الذين كذَّبوا "عيسى" – رغم معجزاته – إذا كانت لديهم روايات وتوصيات وتعاليم منقولة لهم عن رسولهم – مثل رواية المسلمين – لا مجال لدحضها ولا لإثباتها، وتأمرهم بعدم الإيمان بمن يأتي من بعده- مهما تكن معجزاته وخوارقه..، تماماً كما يعتقد المسلمون اليوم- لاسيما وأنهم يعتمدون على روايات بشرية، لا وجود لها في كتابهم المقدَّس! فهل تكون معجزات الرُسُل مُطابقة لشعوذات السحرة..، ثم يُعاقَب الإنسان لعدم قدرته على التفريق بينها؟ وهل- بحسب الأديان- تكون رسالة البشر هي عبادة الإله أم فك ألغازه؟ وأما اعتقاد أتباع بعض الأديان بأن الإله سيُمكِّنهم- دون غيرهم- من كشف أسرار مشعوذ آخر الزمان، وأنهم سيجتنبون الوقوع في حبائله التي سيقع فيها غيرهم..، فليس ذلك سوى من قبيل ضحك الحُذاق على ذقون البُسطاء والضعفاء- من أجل المحافظة على بقاء كلٍّ في مكانه ومركزه..، حيث إن مثل هذه المغريات الوهمية التي تُخاطب العواطف وتُدغدغ الأحلام ولا مجال لإثبات صحتها، هي موجودة بشكل أو بآخر في كل الأديان والمعتقدات، ولا تختلف إلا باختلاف الثقافات والعادات بين الشعوب المختلفة! فلا يتمسَّك قومٌ بدينٍ ويرفضون غيره، إلا إذا ميَّزهم عن سواهم، وطمأنهم مما يخافونه، ووعدهم بما يحلمون به..، وجُل البشر يتجاهلون أنه إذا كان لا مجال لدحض ما يعتقدون به، فإنه لا مجال لإثباته أيضاً – وذلك هو الأهم..، حيث إن اعتقاد الإنسان بأمر ما، والاكتفاء به، سيحرمه ويمنعه من الخوض في سواه والبحث عن الحقيقة! والاعتقاد الجازم بصحة ما لا دليل على صحته، هو شأن السُذَّج والمغفلين والأغبياء، وهو ما لا ينبغي للعقلاء- خاصة في الأمور المصيرية! إن الاعتقاد بهذا الدين أو إتِّباع تلك الطائفة، هو شأن شخصي، أو لنقل هو أمر طبيعي – باعتبار أنه قاسم مشترك بين جُل البشر؛ أما ما لا يمكن فهمه أو قبوله من عاقل، فهو جزمه بصحة اعتقاده وبفساد معتقدات غيره-رغم علمه بأنهم جميعاً يسوقون ذات المبررات، ثم إصراره على عدم البحث والمقارنة، أي إصراره على عدم استعمال العقل! أما الاعتقاد بأن معجزات "عيسى" كانت خارقة إلى هذا الحد، لأن بني إسرائيل كان دأبهم تعجيز الرُسُل لإثبات رسالاتهم ،"وهو دأب العقلاء والباحثين عن الحقيقة"..، فهو تبرير ثقافي تاريخي لا يرقى إلى مستوى الإجابة! إذ لو كان الأمر تحدياً إلهياً لبني إسرائيل، إذن لخسروا الرهان وآمنوا جميعاً! وأما القول بأن معجزاته – كما معجزات كل الرُسُل- إنما هي لإقامة الحُجَّة على الكافرين..، فذلك أيضاً قول لا يرقى إلى مستوى الإجابة – إلا إذا كان المقصود بالكافرين الذين قامت عليهم الحُجَّة هم فقط أولئك الذين عاصروا وشاهدوا تلك المعجزات وكذَّبوا بها..، ولا حُجَّة على سواهم من اللاحقين ومن المعاصرين الذين لم يتسنَ لهم مشاهدة تلك المعجزات! أما القول بأن معجزات العصور السابقة، هي حُجَّة على أجيال العصور اللاحقة..، فذلك قول يدحض نفسه بنفسه؛ حيث إن الإيمان والاعتقاد بالمعجزات وبغير المعجزات لا يُورَّث! ولو صحَّ توريث الأديان والعقائد، إذن فلا حُجَّة لله على الضالين، الذين ضلوا بسبب اتِّباعهم واعتناقهم لما ورثوه عن أجدادهم وآبائهم من عقائد فاسدة – ظناً منهم أنها الحق، وربما يشمل ذلك كل البشر! 
 تقول الروايات، إنه وبسبب ذهول بني إسرائيل من حجم وغرابة معجزات نبيهم "عيسى ابن مريم"، لم يتردد بعضهم في تصنيفه إلهاً أو جزءاً من إله (إقنوم)، كما لم يجدوا بُدَّاً من تصنيفه كإنسان في ذات الوقت – بسبب ضعفه وحاجاته البشرية ومعرفتهم بأمه، ولذلك أطلقوا عليه هاتين الكلمتين في محاولة منهم لإيجاد تفسير لتلك الظاهرة.. ومعلوم أن المقصود بكلمتي لاهوت وناسوت، هو أن "عيسى ابن مريم"، كائن خاص، يُمثِّل اتحاد الجانب الإلهي من جهة الأب، مع الجانب الإنساني من جهة الأم؛ حيث يؤمن ويُصدّق المسلمون والمسيحيون، بأن"عيسى" هو كلمة الله وهو المؤيد بروح القدس..، ويعلمون أنه قد أشكل على بعض بني إسرائيل في حينه، استيعاب ولادته من أم عذراء ومن غير أب، وكذلك إحياؤه الموتى؛ فلم يجدوا تفسيراً لذلك إلا أن يكون ابناً للإله، أو أنه هو الإله ذاته. والحقيقة أن مُعجزات "عيسى"- إن صحَّت وثبتت- فهي لا تُخالف ناموس البشر العاديين فحسب، بل هي تستعصي على الفهم الفلسفي والفكري، ولا يمكن أن يكون فَهْمُ الذين آمنوا به من بني إسرائيل لها موضوعياً، ولا يمكن تفسيرها واستيعابها وإزالة اللبس فيها إلا في ضوء إيمان أعمى – لا واقعي لا منطقي لا عقلاني. وفي كل الأحوال، فإنه لا مناص للمؤمن بمثل هذه الأُحجية، من أن يُصدِّق بإمكانية أن يكون للإله ولد أو صاحبة، وأن تكون به حاجة لذلك، أو أن يتمثل في صورة إنسان، فَيُهان كما يُهان البشر. ولا شك أن كل مَـنْ يؤمن بصحة قصة "عيسى" وولادته من أُم بشرية وبنفخة إلهية في فرجها، فهو يؤمن بأن "عيسى" هو ابن مريم من جهة وهو ابن الله من جهة أخرى، مهما كابر وادَّعى ذلك المؤمن أنه يؤمن بغير هذه الحقيقة! 
إن ما يُقال عن "عيسى وأمه مريم"، ينبغي أن يُقال عن "آدم وزوجه حواء"، إذ أن ذات السؤال قائمٌ حول أُحجية الاعتقاد بخلق حواء من ضلع آدم، فلا معنى لكيفية ظهورها إلى الوجود إلا أن تكون ابنة إله – حيث إن البشر كان منهم الذكر- الأب " آدم"، في حين كانت منهم الأنثى- الأم " مريم" في حال "عيسى". والحقيقة أن ذات الأمر ينطبق على كل البشر، حيث إن الاعتقاد السائد هو أن آدم قد خلقه الله من تراب، ونفخ فيه من روحه، فكان آدم الذي يحمل روح الإله، وهو أبو الإنسان، وبذلك يكون كل البشر أبناءً لآدم وأحفاداً للإله! فكيف يفهم العقل السليم أن ينفخ إلهٌ من روحه في صلصال ليخلق إنساناً، وينفخ من روحه في إنسان ليخلق إنساناً آخر ؛ .. ثم يُجرَّم العقل أو يُتهم بالقصور إذا قال بأنهم أبناء الإله. ربما كان السؤال الأهم والأشمل، هو.. مَنْ يكون وماذا يكون الإنسان الضعيف الفقير المريض الميت، بالنسبة لإلهٍ يحمل الصفات المطلقة – كما تنص الأديان ويُردد الفقهاء..، مَنْ وماذا يكون، حتى يُرضي هذا الإنسان الإله بإيمانه، ويُغضبه بكفره، فيعاقبه الله بالنار أو يكافئه بالجنة، ويتخذ منه عدواً أو مُقرّباً وخليلا! إن الأمر لا يستقيم إلا أن يكون الإله الذي يتصوره الفقهاء أضعف من ذاك الذي يعتقد ويؤمن به البُسطاء!

الثلاثاء، 1 يونيو 2021

الإنسان والأديان، أسرار ومُفارقات (طائفة العَوَام) (١)

0 تعليق





كيف للعاقل أن يثق بوعودها بعد الممات، معتقداتٌ لم تتحقق براهينها في الحياة؟ - لماذا لم يجمع


 الرُسُل نصوص الوحي بأنفسهم- في حياتهم – في كتاب واحد، بل تركوا أمر جمعها من عدمه، خاضعًا لآراء واجتهادات واختلافات بشرٍ عاديين – حتى إنه كان من الممكن ألا يتم جمعها؟ - ما الفرق بين القول إن مصير الإنسان رهنٌ باجتهادات بشر، والقول إن الإنسان مكلفٌ بما ليس في وسعه؟
 - ما الذي كان يقصده الرُسُل، وما الذي فهمه البشر؟ ليس بين الرُسُل مَنْ تَرَكَ كِتابًا “مُقدَّسًا” مكتوبًا بخط يده، بل ليس بينهم مَنْ تَرَكَ كِتابًا مكتوبًا في حياته أو بأمره وبإشرافه، وإنما كُلُّ الكُتُبِ المُقدَّسة اليوم، كان قد اشترك في تجميع محتواها وكِتابتها – بما هي عليه اليوم – بشرٌ عاديون وبأمرٍ وإشرافٍ من بشرٍ عاديين، وذلك بعد وفاة الرُسُل ودون أمرٍ أو توصية منهم! جدير بالذكر أن المصادر التي تم تجميع محتويات الكُتُب المقدسة منها، هي مصادر بشرية غير معصومة – قابلة للنسيان والخلط والفقدان! إضافة لما سبق، فإن الرُسُل - أو بعضهم على الأقل – كانوا أُميين – لا يُجيدون القراءة والكتابة – مما اضطرهم إلى الاستعانة ببشر عاديين غير معصومين لكتابة ما يُوحى إليهم، مما يعني أن صحة المكتوب تعتمد في الجزء الأكبر منها على دقة ومهارة ومصداقية وأمانة بشرٍ آخرين عاديين، ولم يكن الأمر كله بيد الرُسُل! ومن المعلوم أن التزوير قد دخل ساحة أقوال وأحاديث الرُسُل، وإذا كان المزورون والكاذبون بشرًا عاديين، فإن المصححين كذلك كانوا بشرًا غير معصومين! كذلك فإنه من المعلوم أن الاختلافات والخلافات الجسيمة بين أتباع كل رسول، قد حدثت بعد وفاته مباشرة وبالتزامن مع كِتابة أو تدوين الكُتب المُقدَّسة! وحيث إن الكُتُب “المُقدَّسة” لا تُغني عن الأحاديث والأقوال التي تم اختراقها وتحريفها..، فقد أصبح حفظ الكُتُب “المُقدَّسة” من التحريف عديم الجدوى هو الآخر! مما يعني أن القول بأن الكُتُب المُقدَّسة هي حُجَّة الإله على البشر، هو قولٌ يحتاج إلى الوقوف عنده مطولًا، خاصة بالنسبة للأجيال التي لم تُعاصر الرُسُل! لعل هذه القواسم المشتركة بين الرُسُل والكُتُبِ المُقدَّسة، تعكس حِكمة وتحمل رسالة عظيمة وخطيرة إلى عموم الإنسان، لا يزال جُلُّ البشر غافلين عنها، ولا يزال رجال الأديان يتجاهلونها ويرفضون الوقوف عندها والخوض فيها والكشف عن أسرارها! إن اختلاف أهل التخصص الواحد حول الأمر الواحد في مجال تخصصهم، يطرح علامة استفهام كبيرة تَحول دون تصديقهم جميعًا!

 مُفارقات دينية! - مفارقة الإيمان والحياة الطيبة.. كيف يطمئن الإنسان إلى صحة وعود المعتقدات بعد الممات، إذا لم تتحقق وعودها في الحياة! ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) النحل97 لُغة هذا النص الديني صريحة ومباشرة، فهو على درجة من الوضوح بحيث أنه لا يحتمل اللبس أو الاختلاف ولا يحتاج إلى تفسير خاص..، لكن المفارقة هي أن واقع المؤمنين لا يُحقق الجزء الدنيوي من وعود هذا النص، مما يجعل ضمان تحقق الجزء الآخروي منه موضع تساؤل كبير وخطير..، فهو الجزء المصيري من الموضوع، وهو الجزء الذي يأتي بعد فوات الأوان! فكل المؤمنين تقريبًا يشكون بؤس حياتهم، ويرون الحياة الطيبة عند غير المؤمنين – افتراضًا! فهل يمكن الطعن في صحة إيمان وعمل كل أو جُلِّ المؤمنين..، إن ذلك يرفع الحصانة والقداسة عنها وينسف معتقدات المؤمنين ومعاييرهم للعمل الصالح.. في كل الطوائف والمذاهب! أم هل يمكن القول بأن الحياة الطيبة المقصودة في النص، هي حياة المؤمنين البائسة..، إذا كان الأمر كذلك فكيف ستكون الحياة الطيبة في الآخرة! ( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) الإسراء72 إن المفارقة هنا ظاهرة للعيان والنتيجة سالبة في الحالتين بالنسبة للمؤمنين، فإذا اعتبرنا أن الحياة الطيبة هي دليل الإيمان والعمل الصالح، يتحقق الشرط عند غير المؤمنين! وإذا اعتبرنا الإيمان والعمل الصالح شرطًا للحياة الطيبة، يتحقق الشرط عند غير المؤمنين أيضًا! -مفارقة الدُعاء، والهُدى والضلال! لن أتحدث هنا عن المغالطات المعروفة أو محاولات الفقهاء لتفسير عدم استجابة الدُعاء في الأمور الدنيوية – بأنها تأجيل أو استبدال للطلب برفع بلاء، ولكن سأتحدث عن أمورٍ ثلاثة هامة ترتبط بالدعاء، ولا تخضع لتفاسير الفقهاء، وهي: 1- حيث إن دُعاء المؤمن مستجاب: } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر 60 . هنالك فرق بين الاستكبار عنها وبين التقصير في العبادة..، والمؤمن المتهم بالضلال رغم عدم استكباره عن العبادة، ما ذنبه وما حيلته إذا لم يَهتدِ! ولماذا لا يُستجاب دعاؤه، إذا دعا الإله طالبًا الهداية..، حيث لا ينطبق هنا تفسير الفقهاء لعدم استجابة الدعاء بأنه تأجيل للاستجابة أو استبدال لها.. كما في الأمور الدنيوية! فهل إن ما سيهتدي له المؤمن بعد الدعاء يكون هو استجابة الدُعاء، وهو الهُدى، ويكون هو مشيئة الإله وهو الطريق الصحيح، بغض النظر عن احتمال اختلافه مع ما يعتقده المؤمنون! 2- كيف يعرف الإنسان أن الإله قد استجاب لدعائه وأنه قد هَداه، أم إن ما اهتدى إليه هي وسوسة شيطان وضلال..، طالما أن البشر غير قادرين على التفريق بين الضلال والهُدى.. بدليل أنهم جميعًا يدَّعون الهُدى، ويتبادلون الاتهامات بالضلال، ليس فقط بين الأديان المختلفة، بل داخل الدين الواحد، بل وداخل الطائفة الواحدة والمذهب الواحد – بما في ذلك الفقهاء! -3حيث إن استجابة الدعاء – حسب اعتقاد المؤمنين-، مرتبطة بصحة الإيمان..، فلماذا لا يُستعمل الدعاء كسبيل ووسيلة لإثبات صحة الإيمان من عدمها..، وبذلك لا يكون من الحكمة أن يستقر الإنسان على مذهبٍ واحد أو طائفة واحدة، بل ربما عليه أن يتنقل بين الأديان ومظاهر الإيمان حتى يُستجاب دعاؤه، وحينها يكون قد وجد الطريق الصحيح للإيمان! إذ ليس من المنطق ولا من العقل والحكمة، أن يمنح الدينُ الإنسانَ وسيلةً لقياس مدى صحة إيمانه، وتُثبت نتيجة القياس عدم صحة الإيمان، ومع ذلك لا يُحرِّك الإنسان ساكنًا! وهنا نلاحظ التشابه أو التقاطع بين استجابة الدعاء والحياة الطيبة، كنتائج حتمية – مفترضة – تترتب على صحة الإيمان! وهو أمرٌ على درجة من الأهمية لا ينبغي تجاهله سواء للباحثين عن الحقيقة أو أولئك الذين يَزعمون امتلاكها

 مفارقات فقهية.. بالإضافة إلى المفارقة الأساسية والمعروفة في الفقه أو في الفكر الديني، والتي مُلَخَصُها أن الفقه بالنتيجة هو مُجرد أفكار وتكهنات وآراء بشرية، لا دليل على صحتها، ولا مجال ولا آلية ولا معيار للحكم عليها والتحقق منها، ولا قُدسية لها ولا مرجعية سوى عقول الفقهاء، ولا عِصمة للفقهاء..، ولكن، ورُغم ذلك، تبقى تلك الأفكار والآراء مُلزِمة لأتباع المذاهب، مع أنها ليست حُجَّة بأيديهم ولا تكفل لهم النتيجة! توجد مفارقات أخرى لعلها أكبر وأخطر مما سبق..، 1 – مفارقة أنَّ أخطر التشريعات التي تَمسُّ حياة الإنسان وحرية العقيدة، كلها تشريعات فقهية غير منصوص عليها في الكتاب “المُقدَّس”، بل هي مُستقاة من خارجه..، مثل: رجم الزاني، و حَدِّ الرِدَّة، وحُكم الرِبا، وفرض التديُّن والعبادات على الأطفال والصبيان، والقول بأن الدين يؤخذ بالنقل لا بالعقل – (مع أنَّ النقل ليس سوى نِتاج عقل)، وتقسيم الناس إلى خواص يفقهون الدين وعوام لا يفقهونه، وتَرك البُسطاء يواجهون الصِعاب بعقولهم الضعيفة في كل شيء ما عدا الدين، فهم مُطالبون بأن يُمارسونه بحسب عقول الفُقهاء..، 2 – مفارقة الاختلاف والرحمة..الكتاب “المقدَّس” يقول (سورة الروم): { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{30} مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32}. هنا يُحذِّر الكتاب “المُقدَّس” من الفُرقة في الدين، بينما الواقع أن الفقهاء قد اختلفوا، وتَفرَّق الناس بسبب اختلافهم، وأصبح كل حزبٍ بما لديهم فَرِحِين، وقالوا إن الاختلاف رحمة، رُغم أن الكتاب “المقدَّس” يقول إن الاختلاف شِرك! 

 لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.. إن الإنسان المؤمن المتدين بدينٍ ما، والذي – ولسبب خارج عن علمه وإرادته أو قدرته- كان أضعف من أن يطرح السؤال، وأجهل من أن يطلب البرهان، وأجبن من أن يبحث عن الحقيقة، ويظن أن الدين الصحيح هو فقط ذلك المذهب والطائفة التي وجد أهله عليها، والذي ربما لا يعلم بتعدد واختلاف الأديان والمذاهب والطوائف..، مثل هذا الإنسان – إن وُجِد – فربما كان معفيًّا من الإيمان أصلًا، وفي أحسن الأحوال يكون إثمه على ولي أمره والعارفين من حوله، الذين لم يُخبروه بتعدد الأديان والطوائف والمذاهب، ولم يُخبروه بحقه ومسئوليته عن الاختيار- بحسب عقله وقدراته هو، والتي يقتضي العدل ألا يَتَعَبَّد ولا يُحاسَب إلا وِفقها! لكن الأمر مختلف تمامًا، مع المؤمن الآخر المُطَّلع، الذي يعلم بأن التراث والثقافة البشرية تحوي العديد من الأديان، وبأن دينه الذي ورثه عن أهله يضم العديد من الطوائف والمذاهب التي لا يمكن أن تكون جميعها على صواب..، مثل هذا الإنسان وبمقتضى العدل والمسئولية، يُصبح لِزامًا عليه أن يتحرى الدين والطائفة والمذهب الصحيح، وقد لا يجد ما هو صحيح بين الأديان والطوائف والمذاهب الجاهزة المعروضة المتنافسة التي يدحض بعضها بعضًا، حيث إنه ليس بينها مَنْ استطاع إقناع الآخرين بحُجَّته..، وينبغي أن يكون عقل الإنسان وبصيرته ومعلوماته الحاضرة المؤكدة هي المُرشد الوحيد له هنا- وليس رجال الأديان..، ذلك لأن رجال كل الأديان والطوائف والمذاهب يدَّعون بأن معتقدهم هو معتقد الفِرقة الناجية! 
 وحدة الدين واختلاف البشر! نظريًا، يخضع البشر- أتباع الأديان – بمختلف أنماطهم وطبقاتهم إلى تعاليم وتشريعات الدين المُوَحَّدَة! بينما عمليّاً، يخضع الدين لاختلافات البشر، حيث نشأت الطوائف والمذاهب المختلفة، لتعكس ميول ووجهات نظر وأصناف الأنماط البشرية واختلافاتها! يمكن وبسهولة، ملاحظة أن الأنماط والطبقات البشرية القوية والذكية، قد تمكنت من اختراق الوحدة والحصانة والقداسة والمبادئ الدينية، وفرضت هوياتها ورؤاها على الأديان، فتنازلت الأديان عن مبادئها، وشرَّعت للأقوياء حقهم في الاختلاف عبر التاريخ، فنشأت بذلك الطوائف والمذاهب، وهو الأمر المخالف للمبادئ التي تقوم عليها الأديان نظريًا..، ولذلك نلاحظ أن الأديان قد حافظت على صرامة مبادئها في مواجهة الفقراء والضعفاء والبُسطاء، حيث إن العديد من الطوائف والمذاهب قد ظهرت ثم اندثرت أو انحسرت، لأنها تُمَثِّل أنماط الضعفاء من البشر والذين كان بمقدور الأديان قمعهم، وقد فعلت ولا تزال. بمعنى أن تعدد الطوائف والمذاهب ليس هدفًا ولا سبيلًا دِينيّاً ولا تسامحًا من الأديان ولا هي رحمة اختلاف كما يُحاول البعض وصفها – في التفاف مفضوح حول الحقيقة، بما يعكس عجز أو وهم وربما تدليس المفسرين..، إن تعدد الطوائف والمذاهب واختلافها، يعكس تعدد واختلاف الأنماط البشرية التي خضعت لها الأديان..، وأكثر من ذلك أن الطوائف والمذاهب القائمة لا تعكس كل الأنماط البشرية، بل المؤكد هو وجود أنماط بشرية أخرى مختلطة مغمورة عاجزة عن إبراز هوياتها وانتزاع حقها في الاختلاف، وذلك بسبب ضعفها المرحلي واستغلال الدين لهذا الضعف! 
 ليست الغَرابة هناك بل هنا: لا غرابة في أن يتردد الإنسان أو حتى يُنكر وجود ما لا يُمكنه إدراكه.. بما في ذلك وجود الإله..، فحتى المؤمنون يعتقدون بأن العقل البشري لا يمكنه إدراك الإله..، وبالطبع فإن تقليد البشر للبشر وتصديقهم لبعضهم دون دليل ودون شاهد، ليس من العلم ولا من المعرفة في شيء، ولا يتحقق به اليقين المطلوب لصحة الإيمان، بل إن الاعتقاد بضرورة وجود وُسطاء بين الإنسان والإله هو نوع من الشرك والطعن في العدالة الإلهية! لكن الغرابة في أن تُنسب شرائع ظالمة إلى إله عادل..، كالحكم بجلد أو رجم الأحرار العقلاء، إذا أشبعوا غرائزهم بينهم بالتراضي..، بينما يُشرَّع للرجال سبي النساء أو شرائهن وامتلاكهن – مُلك يمين – والاستمتاع بهن رُغمًا عنهن ودون تحديد عدد ودون أي شرط أو قيد! فإذا تمت تسمية الأول زِنا، فهل يمكن تسمية الثاني سوى اغتصاب صريح! كذلك تشريع قطع يد الإنسان إذا استولى على شيء من ممتلكات إنسان آخر، وفي ذات الوقت التشريع بحق الإنسان في الاستيلاء على الإنسان ذاته – امتلاكه واستعباده (سَبي، شراء، مُلك يمين)..، فهل من معنى لذلك سوى أنَّ تكون حرية الإنسان وكرامته هي أقل ممتلكاته قيمةً – وفق هذه الشرائع! إن العجب كل العجب في أن يؤمن العاقل بما لا يُدركه العقل، ويتجاهل أخطاءً ومظالم يُدركها العقل.. وأن يتم ذلك باسم تشريع يُنسَبُ إلى إله يُخاطب العُقلاء.. أفلا تعقلون! 
 هل على الإنسان أن يَخشى الإله، ولماذا! وهل عليه أن يُعلن خشيته! هل يوجد شك في قوة الإله وضعف الإنسان – بالمقارنة! أم هل يوجد وجه للمقارنة أو احتمال أو مجال للمواجهة بين الإله والإنسان – حتى يتم تخويف الإنسان من الإله، ويُطلب منه الإقرار بذلك والإفصاح عنه! معلومٌ أن الإنسان وكأي كائن حي، هو مجبولٌ على الخشية والخوف من كل ما هو أقوى منه وأعظم..، بل إن الإنسان يزيد عن سواه من الكائنات في خوفه من المجهول! ومعلومٌ بأن الإنسان لا يجرؤ على عصيان أمر سيده وولي نعمته من البشر، ولا يخجل من إظهار طاعته وخضوعه للبشر، تَمَسُّكًا وطمعًا بحياةٍ زائلة، واجتنابًا لضررٍ أو ألمٍ أو تأجيلًا لساعة الموت المحتوم..، فبسبب قبول الإنسان للطاعة والخضوع لأمثاله من البشر، قد تم بناء المجتمع البشري والذي قوامه طاعة المرؤوس للرئيس، وطاعة العامل لرب العمل، وطاعة الصغير للكبير،…الخ. فكيف يمكن إذن أن نتصور أو أن يحصل عصيان من مثل هذا الإنسان للإله، خاصة إذا أدرك أن طاعته للإله ستمنحه حياةً أبدية في جنات نعيم، حيث لا عمل مُضني ولا رب عمل جهول، ولا رئيس ظالم ولا مرؤوس مظلوم؛ وأنَّ معصيته لهذا الإله ستؤدي به إلى الألم الذي يخشاه، وإلى تَذَوُّق الموت بحالٍ مستديمة! ما الحقيقة إذن! ولماذا يُتَهمُ الإنسان بمعصية الإله، وهو الذي لا يجرؤ على معصية البشر، ولا يخجل من إظهار طاعته وخضوعه لهم! الحقيقة هي أن الإنسان يجهل حقيقة الإله، ويجهل مراده منه، جهالة القاصر العاجز الضعيف لا جهالة المُقَصِّر أو العاصي أو المراوغ..، ورُغم أنه لا خلاف مُطلقًا على أن جهالة البشر تُحسبُ لهم لا عليهم، من حيث هي ناجمة عن قصورٍ خَلقي وضعفٍ بشري طبيعي وعجز حقيقي لا خداع فيه ولا استثناء منه لأحد..، إلا أن هذه الحقيقة الساطعة لم تُعجب رجال الأديان، فتنكروا لها، وجعلوا العجز والجهالة الفطرية لدى الإنسان بمثابة معصية للإله، واعتبروا مخالفة البشر لهم بمثابة مخالفة للإله..، ولا يمكن فهم هذا السلوك من قِبل رجال الأديان إلا على أنه خلط للمفاهيم، ولا يمكن تفسير ذلك إلا أن يكون التباسًا في المفاهيم، أنتج لديهم وهمًا مزمنًا متوارثًا، يُغذيه تَعصبُهم العِرقي لأسلافهم.. هذا على افتراض حسن الظن بهم..، وأما غير ذلك، فإنه لا يمكن أن يكون إلا خلطًا متعمدًا منهم للمفاهيم، بدافع غريزة البشر الفطرية لحب السلطة والسيطرة على بعضهم البعض..، وإنه لمن المؤسف في كل الأحوال، أن يُتَّخذَ الإله ذريعة لتحقيق غايات ومآرب أو تسويق أوهام بشرية..، لكن هذا واقع نعيشه ونراه، ولا يمكننا تجاهله! لم يستطع السابقون إقناع بعضهم بأفكارهم وتفسيراتهم وكُتُبهم، ولم يُقدِّس أحدهم أفكار وتفسيرات سلفه، وقد تفرقوا شيعًا ومذاهب شتى؛ وتلك الكُتُب والتفسيرات التي اختلف بها وحولها أهلها وواضعوها، هي التي يسعى رجال الأديان في كل عصرٍ لفرضها على اللاحقين بدعوى قداستها وخلوها من الخطأ، وبدعوى أن اختلاف السابقين رحمة للاحقين.. وكأن كل السابقين رُسُلٌ معصومون وكلامهم تنزيل مُحكم- رُغم اختلافهم حول الأمر الواحد! إنه لا أحد من البشر معصومٌ من الخطأ والوهم والابتلاء والفتنة والوسوسة والغرور والضعف والطمع..، ولا أحد منهم يمتلك الحقيقة المُبرهَنة! ولذلك فإنه لا أساس للأخذ بتفسير وفهم وأفكار وتكهنات أحدهم أو بعضهم، والجزم بخطأ غيرهم! إن الصواب الذي يَصحُّ اعتباره حُجَّةً على كل البشر، هو ما يستطيع كل البشر إدراكه واستيعابه، ويتفقون على صوابه! أما ما يقتصر استيعابه على بعضهم، ولا يقبله الآخرون إلا مُرغمين، فإنه من العبث اعتباره صوابًا..، وربما كانت نسبة المرفوض إلى المجهول لا تعدو أن تكون مُسوِّغًا لتسويقه وفرضه- ليس إلا! وربما كان القصد والغاية من الإصرار على التَمَسُّك بالمذاهب والطوائف رُغم تناقضاتها الصارخة، والتي لا يمكن أن تكون نتيجتها واحدة، ولا يمكن الجزم بأفضلية إحداها على الأخرى..، هو إرباك البشر وخلق روح التنافس والتحيِّز والفرقة في نفوسهم، كي يسهل تقسيمهم ومن ثم السيطرة عليهم! 
لماذا يكون على الإنسان الصادق النزيه الباحث عن الحقيقة، أن يخاف الإله العادل، بدل أن يطمئن به؟ لماذا يُراد للإنسان أن يعتقد بأن الاطمئنان بالإله، لا يكون صادقًا وصحيحًا إلا إذا كان من خلال وبموافقة ومباركة مذهب بشري مُعَيَّن! هل يحق أو هل ينبغي للإنسان أن يخشى إلا في حالاتٍ ثلاث، هي: أن يكون مُقبلًا على مجهول.. وليس الإله مجهولًا- بحسب الأديان! أو أن يكون مُقبلًا على ظالم.. وليس الإله ظالمًا- بحسب الأديان! أو أن يكون مُذنبًا ظالمًا عن عمد وبقصد الظلم.. وليس العاقل كذلك، وكفى بجهل الإنسان بالحقيقة مبررًا له لكل خطأ يفعله بظن أنه الصواب! وكفى بتعدد وتناقض أوجه الحقيقة التي يدعو لها رجال الأديان، حُجَّة لتركها جميعًا! ألا يحق بل ألا ينبغي للمذنب أن يطمئن، إذا أدرك أن مُحاسبه ومعاقبه إله رحيم عليم! فلماذا الخوف، ولماذا تخويف الضعفاء والبُسطاء وتهديدهم وترهيبهم باسم الإله، حتى أنهم باتوا يفعلون المعاصي إرضاءً للإله… خطف وقتل أبرياء، وإكراه الإنسان على إظهار الإيمان، الحث على كراهية الآخر، تكفير بعض الناس تقديس آخرين، …الخ! إن مبدأ الخوف من الإله يعني افتراض وجود نزعة الشر لدى الإله! يقول الفقه لدى بعض المؤمنين، بأن الخوف من الإله هو خوف خشية، وأن ذلك يعني خوف محبة! وفي هذا التفسير مغالطة متعمدة ومجانبة للصواب..، فالأديان تتوعد البشر بعذاب الإله- بالنار والجحيم، وإذا نضجت جلودهم بُدِّلت بجلود أُخرى، وليس لهم طعام إلا من ضريع، و…الخ، فهل بقي للمحبة والرحمة مكان! 
 لن يُطاع مَنْ يَأمرُ بغير المُستطاع.. قاعدة لا شواذ لها ولا استثناءات! حيث لا يُمكن للإنسان أو غير الإنسان، أن يفعل إلا ما يستطيع فعله، فإذا تجاوز الأمر طاقة المأمور خرج عن نطاق استطاعته واستحال عليه فعله، وبالتالي استحالت على المأمور طاعة الآمر- أيًّا يكن هذا وذاك..، - لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلا وِسعَها.. عبارة لا تُضيف للسامع جديدًا، لا خيرًا ولا شرًا! فهي عبارة بسيطةٌ، تُشير إلى أمرٍ بديهي وتُحَقِّقُ شرطًا طبيعيًا لا يُمكن تجاهله أو تجاوزه، وهو وجوب أن يكون التكليف في وِسع ومقدور المُكَلَّف لكي يقوم بما يُكَلَّف به! ولا معنى للقول بأنه من أسباب سعادة الإنسان، أن لا يُكَلَّف بما ليس في وسعه..، فذلك أمرٌ مُمتَنعٌ وجوبًا، ولا علاقة له بالسعادة والتعاسة! ولذا فإن الصواب هو القول، إنه لا يمكن للنفسِ أن تفعل إلا ما في وِسعها، فما فاق وِسعَها فهو- وقبل أن يكون ظُلمًا لها- هو أمرٌ لا يُراد له أن يكون، فلن تَحمِلَه نفسٌ ولن تفعله حتى لو أرادت ذلك..، فإن حَمَلَته أو فعلته- بأي صورة- صار في استطاعتها، ولم يَعُد خارج وِسعِها أو فوق طاقتها! فإذا عُدَّ الموتُ والضرر والألم بمثابة تكليف فوق الاستطاعة، إذن فكل الموجودات مُكلفةٌ بما يفوق استطاعتها وبدون استثناء، ولا معنى للخوف والدعاء! إنه، وبغضِّ النظر عن هوية صاحب التكليف وعدله من ظُلمه، فإن المُكلَّفَ لا يمكنه فعل ما يفوق طاقته!
 لماذا نقوم بتوجيه النقد واللوم إلى فقهاء لا نعرفهم؟ الجواب: لأنهم يؤذوننا بفتاواهم وهم لا يعرفوننا! لأننا مضطرون للتعامل مع الناس من حولنا! ولأن فقه الفقهاء وفتاواهم قد سلبت هؤلاء الناس عقولهم، وحولتهم إلى كائنات عقائدية لا تُمثِّل ذواتها، بل تعكس أفكار غيرها، هي أقرب إلى أجهزة تسجيل تحفظ ومكبرات صوت تُردِّد- لا منطق فيما تقول ولا حُجَّة ولا دليل، ولا مناص من سماعها، ولا مجال للحديث معها! 
 إيمانُ المُقَلِّدِ باطلٌ، وإيمان المُكرَه جريمة، وإيمان المغفلين عبث! هل من العدل أن يَخضع القارئ والأُمِّي، والمفكر والغبي، والفقير والغني، والضعيف والقوي، إلى ذات الامتحان، ويُطلب منهم الخروج بذات النتيجة..، والامتحان موضوع على مستوى قارئ مفكر غني قوي! ألا يستوجب الامتحان العادل، الالتزام بمبدأ تكافؤ الفُرص! فحيث إن الإنسان غير مسئول عن الفقر – مثلًا، ولا شك أن للفقر مضاعفاته وانعكاساته على مناحي حياة الإنسان وسلوكه- من الإحباط إلى الجهل إلى ضياع الفُرص…الخ، فهل يكون الإنسان مسئول عن مضاعفات الفقر هذه، والتي تحكم سلوكه وحياته كلها بما في ذلك مستوى ونوع تعليمه وثقافته وبالتالي قناعاته! لعله يوجد اتفاق تام بين العقل والمنطق من جهة، وبين كل أو جُل الأديان والطوائف والمذاهب – تقريبًا- من جهة أخرى، على أن إيمان المُقَلِّدِ باطلٌ، لأنه لا يحمل قيمة الإيمان الحقيقي، فلا ينفع صاحبه، حتى وإنْ فعل كل ما يفعله المؤمنون واجتنب كل ما يجتنبون! فالإيمان المعتمد هو المبني على المعرفة بالله، بما يُحقق اليقين والاطمئنان في القلب! لكن هذا الاتفاق العقلاني المنطقي شيء، وواقع جُلِّ المؤمنين شيء آخر..، حيث إن جُلَّ المؤمنين اليوم هم وارثون للإيمان، مُقلِّدون لغيرهم ولأهلهم ومجتمعاتهم، دون معرفةٍ ودون قدرة منهم على إنتاج المعرفة والقناعة، بل ودون قدرة من فقهائهم على إجابة أسئلة العوام بما يُحقق لهم القناعة واليقين..، بل ودون السماح للعوام بطرح سؤال صريح حول الإيمان والإله إلا بعد الإقرار بالإيمان بالإله، وحينها لا يكون التراجع عن الإيمان ممكنًا، فلا يكون للسؤال معنى ولا قيمة! إن الفقهاء في الواقع هم الذين يدعون بل ويأمرون بالتقليد، فليس قولهم بأن الدين ينبغي أن يؤخذ بالنقل لا بالعقل، سِوى دعوةٍ صريحةٍ للإيمان عبر التقليد، وهم الذين يعتقدون ويُقِرُّون بأن التقليد لا يُحقق الإيمان الصحيح الذي يتطلبه الدين! والحقيقة هي أنَّ رجال الأديان واقفون عاجزون أمام إشكالية الإيمان والتقليد، حيث إن إيمان التقليد لا يَصحُّ، وفي ذات الوقت لا يكون الإيمان إلا تقليدًا..، فمعرفة الإنسان للإله ليست في متناول الإنسان ولا حسب مزاجه، إنها عملية شعور وإحساس، فإما أن تحدث وتكون فيجدها الإنسان ولا يمكنه إنكارها، أو أنها لا تكون فلا يستطيع الإنسان إيجادها! إن معرفة الإله وتحقق الإيمان اليقيني به، هي مشاعر وأحاسيس كالخوف والحُب والغضب والرغبة..، فكما أنه لا يمكن للإنسان أن يخلق أو يُنتج هذه المشاعر والأحاسيس اللا إرادية، فكذلك هو الإيمان بالله! وكما أنه لا معنى ولا قيمة لاختلاق وتَصنُّع وتمثيل العِلم والمعرفة، فكذلك هي معرفة الإنسان للإله! وإذا كان العقل والذكاء والمقدرة الذهنية والتخيلية لدى الإنسان، هي المسئولة عن إنتاج الإيمان والمعرفة بالإله، فما ذنب مَنْ كان عقله أضعف، وذكاؤه أقل، ومقدرته الذهنية والتخيلية أدنى من أن تُحقق الهدف! ولكن وللأسف، وبدل الإقرار بهذه الحقائق الجَلية، فإنه يتم- وكمحاولة للخروج من هذه الإشكالية-، يتم الالتفاف لغويًا حول معنى التقليد وتعريف المُقَلِّدِ..، فالتقليد هو قبول القول دون دليل، لكن الفقهاء اعتبروا الإجماع بمثابة دليلٍ يصح به الإيمان، حيث أفتوا بأن المصير إلى الإجماع ليس تقليدًا، وبذلك اعتبروا أن إيمان مَن اتَّبع الجماعة صحيح رُغم أنه تقليد صريح! وهنا يكمن التحايل ويبرز الجهل والتجاهل، حيث إن الإجماع الذي يتحدثون عنه هو في الحقيقة إجماع على التقليد والتَعصُّب لا على العلم والمعرفة! وكذلك فإن الذين أجمعوا هم قِلة قليلة “فقهاء”، وقد أجمع كل فريقٍ منهم على تصديق ومؤازرة بعضهم البعض ورفض أفكار مخالفيهم، ولم يُجمعوا كلهم ولم يُجمعوا على بيِّنة تُقنِع غيرهم..، وأما البقية وهم الأغلبية فقد وجدوا أنفسهم مُلزمين بشروط الإيمان حُكمًا-تربويًا واجتماعيًا وعُرفيًا وقانونيًا-، فكان إيمانهم تحصيل حاصل، ولم يكونوا مُخيرين في أمرهم، ولا مجال لديهم لطلب الدليل ولا قدرة لديهم على استنباطه، حيث يُعتبر طلب الدليل بمثابة كُفرٍ لا يجرؤ أحد على فعله..، فليس إيمانهم سوى تقليدٍ مدفوعٍ بالجهل والخوف والطمع..، ولذلك نجد أن إيمانهم لم يُحقق الأخلاق والسلوك المفترضة في المؤمنين..، مما اضطر الفقهاء إلى تقسيم الناس إلى عامةٍ وخاصة! كذلك فإن كل المؤمنين اليوم، لم يمروا في حياتهم بمرحلة أو بمحطة اختيار العقيدة! بالإضافة إلى أمرٍ هام- ولعله أهم من كل ما سبق بخصوص التقليد -، وهو ما يترتب على اعتبار الإجماع حُجَّة ودليلًا على صحة الإيمان، فإذا اعتبرنا إجماع القوم حُجَّة بيد الفرد ودليلًا له وسبيلًا إلى الإيمان الصحيح، إذن فكل مَنْ اتَّبَعَ قومه فهو على صواب ولا إثم عليه.. أيًا يكن دينهم أو طائفتهم- ولا يمكن استثناء الملحدين والوثنيين وغيرهم من هذه القاعدة، وبذلك يكون الإيمان وراثة، والهُدى صُدفة! لعل الحقيقة هي أن التقليد لا يُنتج إيمانًا، وأنَّ ما يجري على أرض الواقع هو تلقين وتقليد صريح، ولكن لا بديل عنه!
 اختبار المصداقية.. حيث إن الاعتقاد السائد هو أن كل المؤمنين صادقون باعتقادهم واثقون من صحة أديانهم وعقائدهم، ولا يخشون اختبارها..، فإذا كان الأمر كذلك، فقد كان عليهم إثبات ذلك عن طريق تطبيق قواعد شرعية تتفق فيها الأديان والعقل، والتي من أهمها: أن إيمان المُقلِّدِ باطلٌ، وأن الصبي لا دين له! فالالتزام بذلك يُعتبر تحديًّا عادلًا وتنافسًا شريفًا لا يخشاه الصادقون الواثقون من سماوية دينهم وسلامة مذهبهم..، هذا الاختبار يُحتِّم على الجميع ترك الإنسان وشأنه في طفولته وصِباه، وتخييره بعد سِن الرُشد والبلوغ، ورفض أديان وإيمان وشرائع التقليد، وسياسة التلقين والإكراه واستغفال السُذَّج واستغلال براءة الأطفال المُتَّبَعَة اليوم في كل المجتمعات والأديان! فمن كان يقبل بالاحتكام للفطرة، فالفطرة هي الحَكَمُ في هذا الاختبار، فعندما يكون الإنسان مُخيَّرًا بحسب ما ترتضي فطرته دون تدخلات وتلقين، فإن ما يختاره سيكون هو دين الفطرة، وسيكشف مثل هذا الاختبار حقائق لا يمكن إخفاؤها بعد ذلك! أعتقد أن هذا الاختبار هو امتثال للفطرة البشرية الطبيعية التي يدَّعي الجميع احترامها، وهو امتحان حقيقي ومُنصِف لكل الطوائف والأديان! فمن كان يعتقد جازمًا بأن دينه هو دين الفطرة، وأن طائفته مؤيدة من السماء، فليس لديه سبب للخوف ورفض مثل هذا الاختبار الذي سيجعل الناس يدخلون في دينه أفواجا، وسيُثبت صِدقه وثقته بصحة اعتقاده من عدمها، فالصادقون المطمئنون إلى صحة عقيدتهم لا يترددون في قبول مثل هذا التحدي المفتوح وهذا الاختبار النزيه البسيط البريء، بل ويدعون له

الأربعاء، 26 مايو 2021

الاعتقاد.. معرفة مجازية وعِلم افتراضي!

0 تعليق


يوجد الملايين من البشر يعتقدون بأن البقرة حيوان مقدَّس! لكن لا أحد من البشر يعلم أو يعرف بأن البقرة حيوان مقدَّس..، حيث لا يوجد شيء يمنح القُدسية للبقر، وينفي القُدسية عن الماعز والإبل مثلاً! ولذلك يوجد مليارات من البشر لا يُقدِّسون البقرة! وهذا وضع طبيعي في علاقة البشر بكل المعتقدات على اختلافها! فلو أنه تحقق العِلم أو تمت المعرفة بقدسية البقرة، وثبت أمرها كما ثبتت كروية الأرض، لسلَّمَ أو صدَّق مليارات البشر بذلك، وقدَّسوا البقرة، ولما بقي الأمر مقتصرًا على الملايين المعتقدين به – ثقافةً وتوارثًا وتلقينًا – كما هو حاصل مع البقرة الهندية منذ آلاف السنين..، ومع غيرها من الأحجار والمواقع الجغرافية التي يتم تقديسها في معتقدات كثيرة! وهذا هو الفرق بين مفهوم العِلم والمعرفة في مقابل مفهوم الاعتقاد! وهنا يجدر القول، بأن الذي يُنكر حقيقة: أن الماء ضروري للحياة – مثلاً، يستحق صفة كافر أو جاحد أو غير سوي..، على اعتبار أنه أنكر عِلمًا وأمرًا أجمع عليه كل البشر، وهو قادر على التحقق منه بنفسه، والأهم أنه لا يستطيع دحضه! لكن الذي يُنكر مقدار سرعة الضوء – مثلاً، يكون قد أنكر معرفةً بشرية، هو غير قادر على تصورها وغير قادر على التحقق منها عمليًا، الأمر الذي لا يستوجب وصفه بأنه كافر أو غير سوي! أما الذي يُكذِّب أو لا يقتنع بقدسية البقرة، فيكون قد أنكر اعتقادًا يؤمن به بعض البشر دون برهان، وهو بذلك لم يُنكر عِلمًا ولا معرفةً ولا أمرًا عليه إجماع..، مما يعني أنه لا مبرر لوصفه بالكافر أو الجاحد أو غير السوي..، وهذا الأمر ينطبق على كل المعتقدات! …

 العِلم يمكن تعريفه بأنه انتفاء الجهل بالأمر أو بالشيء..، فالعِلم هو الإحاطة بالأمر أو بالشيء، إلى الدرجة التي تنتفي عندها الحاجة للسؤال والبرهان! (العِلم غير قابل للتغيُّر بشكل طبيعي)! العِلم يترتب عليه التسليم بصحة الأمر! والمعلوم هو ما أدركه الجميع! مثلاً: كل البشر يعلمون أنه لا حياة بدون ماء! وكل إنسان يعلم بأنه سيموت! أما المعرفة فهي عِلم جزئي، حيث تعني عدم الجهل التام بالشيء! (المعرفة قابلة للتغيُّر)! المعرفة يترتب عليها التصديق بصحة الأمر! والمعروف هو ما تحقق من صحته البعض وصدَّق به الجميع! مثلاً: البشر يعرفون أن للقمر تأثير على الأرض! البشر يعرفون شيء اسمه الفلسفة، ويعرفون شيء اسمه الإلكترون! وأما الاعتقاد فهو تصور للحقيقة، من أجل استعمالها لتفسير أمر أو شيء، أو لتجاهل آخر! الاعتقاد يترتب عليه الإيمان بصحة الأمر! المعتَقَد، أمرٌ يُنبئ به فرد ويؤمن به بعض البشر – وليس كل البشر! مثلاً: بعض البشر يعتقدون بأن البقرة حيوان مقدَّس! بعض البشر يعتقدون بأن طائفتهم هي الفرقة الناجية، وكل ما عداهم في النار. بعض البشر يعتقدون بأن السماء تستجيب لدعاء البشر، وتلبي مطالبهم، رغم أنهم يدعون طوال حياتهم ولم يُستجب لهم!
. الإيمان في مجال الاعتقاد، يُقابله التصديق في مجال المعرفة، ويُقابله التسليم في مجال العِلم! التصديق يتحقق، بينما الإيمان يحصل! فالتصديق بأمرٍ ما، لا يتحقق إلا طواعية، ولا يكون بدون المعرفة ولا يسبقها، ولا يمكن أن يتحقق التصديق بفعل الخوف أو الطمع! بينما الإيمان بأمرٍ ما، فهو تصديق افتراضي أو مجازي، إذ لا يخضع الإيمان لمعايير التصديق..، حيث يمكن أن يحصل الإيمان دون تحقق أي شرط من شروط التصديق الحقيقي؛ فيمكن أن يحصل الإيمان تحت تأثير الخوف والطمع! ولذلك نقول بأن الإيمان يمكن أن يوجد دون أن يتحقق! بينما التصديق لا يمكن أن يوجد إلا إذا تحقق! تَحقُّقُ الشيء هو ظهوره للوجود، بشكل طبيعي، بفعل تحقق شروطه! بينما حصول الشيء، هو ظهوره للوجود بغض النظر عن تحقق شروطه! التحقق ذاتي، والحصول خارجي! المعرفة لا تكون إلا طواعية، ولا تتحقق بغير الحواس والبراهين! بينما الاعتقاد، هو على النقيض من المعرفة أو يكاد..، إذ لا ينبغي طلب البرهان من أجل حصول الاعتقاد، ولا وظيفة للحواس في هذا المجال! ولذلك يحق لنا القول بأننا نعلم أنه لا يمكن أن يحصل خلاف حول المعرفة والتصديق- بين البشر الطبيعيين- حيث إنها أمور طبيعية تتحقق تلقائيًا بتحقق شروطها، ولا معنى للإكراه فيها، إذ لا يمكن أن تتحقق المعرفة والتصديق بالإكراه! ولهذا أقول، أنه إذا توارثت جماعة بشرية، الإيمان والاعتقاد بصحة أمرٍ ما، فهو شيء يمكن فهمه – بغض النظر عن قبوله أو رفضه! أما اعتقاد تلك الجماعة بأن ذلك الأمر الذي تعتقده (اعتقاد وليس معرفة)، وتؤمن به (إيمان وليس تصديق)..، بأنه هو الحقيقة المطلقة أو هو ما ينبغي أن يكون، فذاك شيء آخر لا يمكن فهمه ولا ينبغي قبوله – إلا إذا تحوَّل اعتقادهم إلى معرفة- ليتحول بذلك إيمانهم إلى تصديق! العِلم هو الذي يجعل المريض يُقرر الذهاب إلى الطبيب! والمعرفة هي التي تجعل المريض المؤمن، يُفضِّل الطبيب المُلحد على الطبيب المؤمن! أما الاعتقاد، فهو الذي يجعل الإنسان يؤمن بصواب هذا الفقيه أو هذا المذهب أو تلك الطائفة أو ذاك الدين- لا سواه، دون دليل على صحة اختياره! ولذلك ينتقد ويرفض البشر معتقدات بعضهم البعض..، لكن لم يحصل ولا يمكن أن يحصل، انتقاد أو رفض من البشر للعِلم أو للمعارف بين بعضهم البعض! ذلك لأن المعارف، هي ما يتم إثباته بالدليل والبرهان، بحيث يكون لا معنى ولا حاجة لإنكاره..، فالمعرفة هي كل شيء يتم التصديق به بمجرد إدراكه! المعرفة تُفيد مالكها، وهي مطلوبة لجاهلها، لذلك لا يتم نشر المعرفة مجانًا! بينما المستفيد- المفترض- من المعتقدات، هو فقط الذي يعتنقها وليس الذي يجهلها، لذلك لا يتم نشر المعتقدات مجانًا فحسب، بل يتم نشرها بالترغيب والترهيب والتلقين والخِداع والإكراه..، الخ! 
العِلم أساسه المعرفة، والمعرفة أساسها تفعيل العقل (الوعي)! أما الاعتقاد، فإن أساسه العاطفة، والعاطفة أساسها الضعف الكامن في النفس، والذي يُنتج ولاء وتعصب البشر للبشر! ولا يمكن أن يكون ولاء البشر أو عدم ولائهم لبعضهم، حُجَّةً لهذا أو حُجَّةً على ذاك..، فالأمر المصيري الفردي يتطلب حُجَّةً من جنسه وبحجمه! المعتقدات أساسها تعطيل العقل وتقديس الموروث! ولذلك ظلت الأرض مُسطَّحةً وثابتةً ومركزًا للكون، والشمس تدور حولها، وقُبة السماء تعلوها – رُغم أنف كوبر نيكس وجاليليو، وذلك باعتقاد كل البشر بحُكمائهم وفقهائهم وجهلائهم وضعفائهم وبحسب كُتب رُسُلهم وأنبيائهم..، لقد استمر هذا الاعتقاد سائدًا إلى أن أتت الفلسفة وفعَّلت العقل، فأنتج السؤال الذي شَكَّك في حقيقة هذه المُسلَّمات، ثم أثبتت المعرفة أن كل تلك المسلَّمات ما هي إلا اعتقادات متوارثة، لا أساس لها في الواقع، وأنها عبارة عن تخمينات وتفسيرات بدائية ظاهرية تعود بجذورها إلى العصور الأولى للوجود البشري! ولذلك اعتذرت الكنيسة لـ"جاليليو" عن محاكمتها وظلمها له بعد 359 عامًا، وبرَّأته من الهرطقة، وأقرَّت بصحة رؤيته لدوران الأرض حول الشمس (المحاكمة 1633)، (الاعتذار تم عام 1992)! ومن هنا وجب على العاقل أن يُبقي على كل الاحتمالات قائمة فيما يخص الحقيقة الكاملة! وبذلك يكون ترك الحقيقة في صورة سؤال، هو أصدق ما يمكن وأقصى ما ينبغي أن يُقال! فحُجَّة الذين يجزمون بعدم وجود خالق للكون – مثلاً -، لا تقل ضعفًا عن حُجَّة المؤمنين بوجوده! وأما الأضعف حُجَّة والأبعد عن العقلانية والواقعية والذين تعوزهم المصداقية والأمانة، فهُم أولئك الذين يدَّعون معرفة الخالق، ويؤمنون في الوقت ذاته بأن الإنسان ليس مؤهلاً لإدراك الخالق! وتكريسًا للوهم والجهل، نجد بعض العقائديين يُسمُّون التساؤلات الفطرية الطبيعية البديهية العفوية المرتبطة بوجود الوعي والذكاء،.. يُسمُّونها بالوساوس الشيطانية – ترهيبًا للضُعفاء -، فيُحذِّرون أتباعهم من السؤال ومن الإطلاع على ما لدى الآخرين من معلومات وحقائق..، وذلك لكي تبقى عقولهم معطلة، ويدورون في دائرة المعتقدات المُلغَّزة التي تستعمل عواطفهم وطمعهم وضعفهم للسيطرة عليهم، فيستمرون بذلك في إيمانهم بما لا يُعقل من الخرافات والأساطير! في حين أن غير المؤمنين، يحثون أبناءهم وأتباعهم على طلب الحقيقة والإطلاع على ما لدى الآخرين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا! فأي إله ذا الذي يُكافئ الطامعين ويَفرح بخوف الضعفاء منه والمقلِّدين، ويُعاقب العُقلاء على صِدقهم وبحثهم عن الحقيقة! 
- لماذا يرتكب المؤمنون، ما يُسمى بالمعاصي والذنوب، رُغم تظاهرهم بالخوف من نار الإله؟ ولماذا تكتفي شرائع الأديان بظاهر الإيمان، وتتغاضى عن حقيقة سلوك الإنسان؟ لأنهم يؤمنون ويعتقدون بما يُخالف فطرتهم، ولا بُدَّ للفطرة الداخلية من أن تتغلب على أي إيمان خارجي، وذلك أمرٌ طبيعي وحتمي، لكنه في شريعة بعض المؤمنين يُعتبر معصية، وذلك لكي يُبرروا اعتقادهم وفهمهم للحساب والعقاب والعبادة والحاجة للمغفرة، وكأن المصنوع يستطيع الخروج عن مشيئة الصانع!

- إن مِن البشر مَنْ لا يزالون يعتقدون بالمجهول ويُصلُّون للسماء طلبًا للاستسقاء! وغيرهم باتوا يُدركون مُسبقًا، كَيف وأين ومتى ينزل الماء! - وإن مِن البشر مَنْ لا يزالون يعتقدون بوجود شيء فوقهم اسمه السماء، يخشون وقوعه على الأرض يومًا ما! وغيرهم أضحوا يعرفون بأنه لا شيء فوق الأرض سوى الفضاء، وصاروا يعلمون أنه لا معنى ولا مكان لمفهوم "فوق أو تحت" بالنسبة لكوكب يدور حول نفسه سابحًا في فضاء!
- حيث إن العقائد تُحرِّم استعمال العقل في تفسير وفهم الدين! وحيث إن طاعة الأهل وطاعة حكماء المجتمع، هي واجب على كل إنسان، حسب كل العقائد والشرائع والأديان! إذن، لا مسئولية على عموم البشر، فكلهم أتباع ومأمورين وممنوعين من استعمال العقل، بما في ذلك الملحدين! ومن المفارقة أن ينتظر رِجال الأديان من الملحدين استعمال العقل لكي يؤمنوا، في الوقت الذي يمنعون فيه المؤمنين من استعمال العقل خوفًا من أن يُلحدوا! إن كل الأديان والمعتقدات، ليست قائمة – رُغم اختلافها وتشابه أتباعها، إلا بفضل هذه المفارقات المصحوبة بالأحلام والوعود!
كان جُلُّ البشر وإلى وقتٍ قريب، يعتقدون بالتدخل الإلهي المباشر واللحظي، في تكوين الأشياء وحصول الأحداث وتحديد نتائجها..، مع أن هذا الاعتقاد يتناقض مع إيمانهم بأن الإله هو الذي قدَّر للأحداث والأشياء مسبقًا كيف تكون؛ فأصبح اعتقادهم يعني أن الإله يتدخل لخرق مشيئته أو أنه يتراجع عن إرادته! ثم تقدَّمت المعرفة بفضل تطور العقل البشري، ليتجاوز الإنسان مرحلة تفسير الأحداث ويبلغ مرحلة التكهن بها قبل حدوثها، بل والتحكم بنتائجها..، حيث أثبت العِلمُ أن كل الأحداث والأشياء خاضعة بالضرورة لقوانين طبيعية ذات نتائج حتمية..، وأمام هذا التقدم العِلمي وما أثبته من حقائق لا مجال لتجاهلها، اضطر المؤمنون العقائديون إلى التراجع عن أهم مبادئهم، والتي كانت تستند إلى فرضية التدخل الإلهي المباشر واللحظي لتفسير الأحداث..، فقالوا بأن الإله هو مَنْ أوجد قوانين الطبيعة التي يخضع لها وجود الأشياء ونتائج الأحداث..، وهنا تجاهل صريح من المؤمنين العقائديين للقواعد التي قامت عليها الرسالات والأديان والمعتقدات..، حيث كان منظرو بعض الأديان يقولون بأن إثبات مصداقية الرُسُل وصحة الرسالات لا يقوم على الإقرار بسلطة قوانين الطبيعة، بل يقوم على تحطيم وخرق قوانين الطبيعة بواسطة المعجزات..، وكأن الإله الذي بعث الرُسُل قديمًا، ليس هو ذاته الذي وضع قوانين الطبيعة المكتشفة اليوم! فإذا كان الرُسُل والأنبياء يعلمون بأن قوانين الطبيعة مِن خَلق الإله، فما معنى وما قيمة وما مُبرِّر خرقهم لها بالمعجزات لإثبات صحة رسالاتهم؟ ولماذا لا تُخرق قوانين الطبيعة اليوم إكرامًا للمؤمنين!
نتائج حتمية.. إنه لمن الواقعية، الإقرار بوجود الاختلاف الباطني الفطري الطبيعي اللا إرادي بين البشر، كما هو الاختلاف الظاهر في عالم الحيوان والنبات والجماد! لا يمكن استعمال ذات المعايير لمحاسبة ومعاقبة المختلفين..، إلا في عالمٍ يسوده الجهل ويحكمه الظُلم! لكل إنسانٍ قدراتٍ وأجهزةِ قياسٍ وإدراكٍ – هي الحواس والوعي والقدرة على الفعل، وهي التي لا قيمة للإنسان بدونها، ولا شأن له في اختيارها، وهي المختلفة من إنسان لآخر..، لا مُبرر للإنسان ولا حاجة به لتجاوز عقله وتجاهل حواسه، كي يفترض ويتوهم أو يُصدِّق بوجود حقائق لا قدرة له على إدراكها والتحقق منها!
. الوجود والخَلق.. يمكن وصف كل الأشياء بأنها موجودات طبيعية، ويمكن وصف بعضها بأنها مخلوقات! لكن من المغالطة وصف كل الأشياء بأنها مخلوقات..، ذلك أن وصف أي شيء بأنه مخلوق يستوجب وجود خالق مُحدَّد مُدرَك- معلوم ومعروف، وهو ما ليس متحققًا دائمًا مع كل الأشياء..، إلا إذا كان المقصود بالخالق، هو: قوانين الطبيعة! إن ألفاظًا مثل: خَلْق وخالق ومخلوق، ترتبط في أذهان البشر بحسب ثقافاتهم ومعتقداتهم – لا بحسب معرفتهم بدلالاتها – التي تتغير عند ترجمتها من لغة إلى لغة أُخرى! إنه يصحُّ القول عن الإنسان بأنه مخلوق، فقط إذا كان المقصود بالخالق – هنا – والديه أو قوانين الطبيعة! بينما يصح دائمًا أن نقول عن الكرسي بأنه مخلوق، ذلك لأننا نعلم مَن خلقه ونعرف لماذا خلقه! لكن ليس من الصواب أن نقول عن الوادي أو الجبل بأنه مخلوق، ذلك لأننا لا نعلم مَن خلقه ولا نعرف لماذا خلقه – إلا إذا كُنا نقصد بالخالق -هنا- البراكين والرياح والأمطار وغيرها من الأشياء الخاضعة لقوانين الطبيعة والناجمة عنها! إن كل ما نراه من حولنا ما هي إلا موجودات طبيعية، أوجدتها قوانين الطبيعة التي بات العقل البشري يُحيط بقدرٍ كبيرٍ منها! لقد أنتج الإنسان جهاز الحاسوب، باستعمال مواد الطبيعة وقوانينها، وذلك بفضل العقل وبسبب الحاجة..، بينما يُنتج الإنسان الإنسان باستعمال قوانين الطبيعة، وذلك بفضل الفطرة وبسبب الغريزة! ومعنى ذلك أن الإنسان بحاجة إلى عقل خاص من أجل إنتاج حاسوب، لكنه ليس بحاجة للعقل مُطلقًا من أجل إنتاج إنسان! إن التكاثر هو نتيجة طبيعية لغريزة فطرية، وهو صفة حياتية تتمتع بها كل الكائنات الحية، ولا دخل للعقل فيها، إلا من حيث توجيه تلك الغريزة! إن التكاثر عند كل الكائنات الحية، لا يعدو أن يكون خضوعًا فطريًا لقوانين الطبيعة وغرائزها، ولذلك لا يوجد اختلاف بين البشر والحيوانات والحشرات في طريقة التكاثر! إن التكاثر ليس سوى استعمال فطري غريزي لمعادلة طبيعية عناصرها الذكورة والأنوثة! ولعل الاختلاف بين البشر والحيوان – مثلاً – في موضوع التكاثر، هو قدرة البشر على التكهن بمصير الأبناء قبل إنجابهم..، الأمر الذي لا يملكه الحيوان! أما الشعور بالمسئولية تجاه الأبناء بعد إنجابهم، فهو شعور غريزي طبيعي فطري تشترك فيه كل الكائنات الحية – كما تشترك في معرفة السبيل إلى التكاثر والمقدرة عليه! إن وصف الإنسان بأنه مخلوق، لا يكون وصفًا عِلميًا واقعيًا صادقًا، إلا إذا كان المقصود بالخالق هنا هم الوالدين أو قوانين الطبيعة!

الثلاثاء، 25 مايو 2021

افتعال الغموض لعرقلة الإدراك!

0 تعليق





إدراك حقيقة الوجود، يؤدي إلى الملل والسأم من الحياة ! هي مأساة، وهنالك من استغلها، بادعاء امتلاك واحتكار الحقيقة، ليوهم غيره بوجود مبرر خفي للحياة، ليستفيد هو من حياتهم البائسة!  الإنسان في سويسرا مخيَّر بين حياة كريمة، وبين مساعدته على الانتحار - (سياحة الانتحار)! وفي الدول العربية والإسلامية، الإنسان مُخيَّر بين حياة النفاق والملل وحياة التشرد والعوز، مع منع وتحريم الانتحار!!
البشر عمومًا صنفان: مُدرِكون وغير مُدرِكين ..، الفرق بينهما تمامًا كالفرق بين المبصر والأعمى! الغير مُدرِكون، صنفان: واهمون وبُسطاء ..، وكلاهما يقلِّد غيره أو يقوده غيره، لأنه غير قادر على استيعاب مشهد الوجود من حوله، لتكوين رؤيته وقناعاته بنفسه! البُسطاء: هم العاجزون عن تكوين قناعات خاصة بهم، وفي ذات الوقت محصنون فطريًا ضد قناعات غيرهم .. البسطاء هم الواقعيون، قناعاتهم متغيرة (براغماتيون)! الواهمون: هم العاجزون عن تكوين قناعات خاصة بهم، لكنهم غير محصنين ضد قناعات غيرهم، مما يجعلهم مستوردين لقناعات غيرهم، فتُصنع قناعاتهم دون إدراك منهم لحقيقة ودوافع ونتائج ممارساتهم .. الواهمون هم المقلدون المتعصبون لقناعات غيرهم .. قناعات الواهمين ثابتة دون مقدرة منهم على تبريرها! ولذلك لا معنى لمحاورة الواهمين مباشرة ..، فتغيير بضاعة المستورِدين تتم عن طريق إقناع المُصدِّرين!
 - أليس الغرض من الكلام هو إيصال الفكرة وحسب؟ لماذا إذن تعقيد الكلام وتلغيزه بالصور الأدبية والشعرية البلاغية واللا مباشرة، واستعمال المفردات الغريبة، على مستوى السياسيين والمثقفين والأدباء والشعراء والفقهاء والمفكرين والفلاسفة، وعند صياغة الحِكم والأمثال والنظريات والروايات، .. الخ؟ لماذا لا تكون اللغة بسيطة والكلام مباشرًا في هذه المستويات، كما هو الحال على مستوى بسطاء البشر؟ - ألا تفي المباني العادية، بأغراض السكن والعبادة؟ لماذا إذن تضخيم المباني وتنويعها وتعويجها وزخرفتها، في المساجد والكنائس والقصور، .. الخ؟ - لماذا يتم تغيير موديلات كل المصنوعات، بألوان وتعديلات شكلية سطحية لا تؤدي وظائف جديدة؟ هنالك دوافع ثلاثة، كانت بالأساس وراء كل هذا التعقيد الشكلي المتعمد في اللغة وفي غيرها من الأشياء في حياة البشر .. الدوافع الثلاثة هي: دفع الملل عن النفس البشرية، وإشباع رغبتها الشديدة في المعرفة، وعرقلة قدرتها على الإدراك ..، لأن الإدراك هو مسبب الملل! هذه الدوافع الثلاثة تحولت مع الأجيال إلى وسيلة خبيثة لتحقيق هدف واحد، هو سيطرة بعض البشر على بعضهم الآخر! يستعمل الحُذاق هذه الشكليات لتوجيه البُسطاء والواهمين، مثلما يستعملها البالغون لتوجيه الأطفال! الغرض من هذه الشكليات اللغوية والمادية، كالغرض من صناعة الأساطير، حيث لا قيمة لها في الحقيقة، سوى إبهار النفس البشرية وعرقلة اندفاعها المعرفي الطبيعي .. حقيقة الأمر أن النفس البشرية مجبولة على المنطق، ولذلك فهي بطبيعتها دائمة البحث والسؤال، عن سبب ومبرر وجودها في المكان والزمان .. وعدم حصول النفس البشرية على الجواب، يحرمها الاستقرار والجدية المطلوبان للحياة والعمل، حيث تشعر أن كل جهد تبذله قبل حصولها على الجواب، هو جهد غير مبرر، فتتوقف عن بذل أي جهد، وتتوقف بذلك الحياة! والنفس البشرية سريعة الملل من كل ما تفهمه وتستوعبه! فالنفس البشرية لا يوقفها إلا الغموض .. اختلاف البشر من حيث المقدرة الفكرية، جعل بعضهم ينتظر الجواب من غيره، وهذا دفع بعضًا آخر منهم لاستغلال هذا الانتظار، فظهروا من يفتعلون مبررات للحياة لإيهام من ينتظرون الجواب من غيرهم .. المبررات المفتعلة لم تقنع الجميع، وبذلك انقسم البشر عمليًا إلى أربعة أصناف، هي التي نشاهدها اليوم: صنف يدعي امتلاك واحتكار الحقيقة .. وصنف متسائل طوال الوقت، لم تقنعه المبررات المفتعلة .. وصنف مستورد للجواب، واهم متعصب لحقيقة مفترضة، يعيش بمبررات لا يُدرك حقيقتها .. وصنف سطحي براغماتي لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء .. الذين يدعون امتلاك واحتكار الحقيقة، يرون في المتسائلين خطرًا على مشروعهم، ولذلك يجندون الواهمين المتعصبين، لمحاربة المتسائلين، وهذا هو سر العداوات والمآسي والحروب الطائفية العقائدية! النفس البشرية بطبيعتها تتوقف عند كل أمرٍ لا تُدرك أسراره .. وهذا ما جعل من التعقيدات والتغييرات الشكلية، وسيلة بأيدي الحذاق لإبهار الغافلين .. مع مرور الأجيال، أصبح إبهار البُسطاء والواهمين، وسيلة لإقناعهم بالحياة والوجود في الزمان والمكان ..، وأصبح بذلك إبهارهم والسيطرة عليهم واستعمالهم كأشياء بشرية، غايةً ومبررًا لحياة الحذاق منهم! توقف النفس البشرية عند الغموض، ليس حبًا أو ميلاً طبيعيًا للغموض، لكن أملاً في العثور على الجواب! وفي الحقيقة، النفس البشرية لا تتوقف إلا مؤقتًا عند الغموض وما لا تدرك أسراره من الأمور والأشياء، إذ سرعان ما تفترض للمجهول تفسيرًا يناسبها لكي تتجاوزه! لكن اختلاف البشر من حيث الإدراك وعدم الإدراك، جعل بعضهم بمثابة الغموض المتجدد الذي يستوقف بعضهم الآخر دائمًا .. ولذلك فإن كل من تحرر فكريًا، واستوعب حقيقة الحياة، شعر بالملل، وأدرك أنه لا مبرر للحياة سوى أحد أمرين: إما مجرد استمتاع بالحياة، أو تغيير العالم بتوحيد ثقافة البشر! تغيير العالم هو الهدف الذي جُنَّ بسببه وهلك دونه كل الفلاسفة والمفكرين الكبار تقريبًا ..، وهو ذاته الهدف الذي يتم اليوم من أجله تشريع القتل غدرًا والإرهاب وتجنيد الانتحاريين الإسلاميين ..، مع الفارق الكبير بين رؤى ووسائل ودوافع الفلاسفة والإسلاميين! وكذلك الاستمتاع بالحياة، فهو يختلف من إنسان لآخر، فهنالك من يكتفي بالحد الأدنى منه، وهناك من لا يرضى بالقليل .. وبسبب هذه الاختلافات ينتحر أحيانًا بعض البشر، ويتمسك غيرهم بالحياة، رغم أنه تبدو لنا شروط الحياة متوفرة للمنتحرين، وشروط الانتحار متحققة لدى المتمسكين بالحياة!

السبت، 22 مايو 2021

العدمية .. فكرة مدحوضة أم حقيقة مرفوضة؟

0 تعليق



للمأساة طرافتها .. عدمية مؤمنة وإيمان عدمي .. في حين يحتدم صراع الفكر والحُجَّة بين مفكري الإيمان وفلاسفة العدمية، نجد عامة الناس من المؤمنين يتجاوزون سؤال الوجود دون حاجة لتفكير ولا معاناة، حيث إن سلوكهم على أرض الواقع يؤكد أن قناعاتهم مشتركة – مناصفة بين العدمية والإيمان وكأن لسان حالهم يقول: بما أن الحُجج متضادة ومتعادلة، فإن الحقيقة غير معروفة، لكن المؤكد هو أنه لن يُحرَم عدميٌ من بعث ولن يُعفى مؤمنٌ من عدم - حسب النتيجة – غير المعروفة حتى الآن! إن العبث في السلوك إنما يعكس عدمية في الاعتقاد ! لقد أصبح البشر مزدوجي الاعتقاد : كلامهم إيماني وسلوكهم عدمي !! السلوك العدمي مُترجَم على الأرض في حياة الناس بتقديم المكاسب على المعتقدات ..، فالعدمية تعني أنه لاشيء معروف غير الذي نعرفه في الواقع، ولاشيء نملكه غير الذي نملكه بالفعل، ولا قيمة لشيء إلا بقدر ما ينفعنا وفي حدود تعريفنا نحن للمنفعة وتحققها على الواقع .. وهذا ما يقوله سلوك جل البشر على الأرض! فرق كبير، كالفرق بين حل مشكلة وخلق مشكلة .. ذلك هو الفرق بين القول بأصولية الأخلاق .. وبين الدعوة للاتفاق على تشريع أخلاق لهدف واقعي! الصيغة الأولى تستفز غريزة التحدي لدى البشر، وتضع الأخلاق منهم موضع اختبار لا موضع تنفيذ، ولم يحدث أن صمد أمر أمام اختبار البشر ! يمكن أن يكون العدميون وغير العدميين يرفضون العدمية كفكرة في قرارة أنفسهم ..، أو لنقل ترتعد فرائص جُلهم فزعًا لمجرد محاولة التفكير فيها .. لكن ما قيمة الرفض إن كانت العدمية حقيقة؟ أو .. إذا كان نفيها غير ممكن؟ جميل أن يكون لوجودنا غاية، وأن تكون هناك حياة أخرى بعد الموت، وأن تكون أجمل من هذه الحياة .. لكن، هل أمكن إثبات ذلك؟ أم هل يمكننا خداع أنفسنا؟ بعض المفسرين ينفون صفة العدمية عن فلسفة نيتشه – مثلاً، رغم أنها فلسفة عدمية بامتياز .. بالطبع ليس التنظير للعدمية منقبة لنيتشه وليس إثباته لها مثلبة فيه ..، المهم ما هي الحقيقة؟ لكن حتى إن صحت التفسيرات التي تنفي العدمية عن فلسفة نيتشه، فإن ذلك ينفي عنه فقط صفة فيلسوف، ويجعله مفكر ..، فالغاية تسبق التفكير عند المفكر، بينما النتيجة تعقب التفكير عند الفيلسوف! العدمية الأخلاقية هي القول بانعدام المُثُل العليا للأخلاق ..، أي انعدام أصول الأخلاق، واعتبارها تفضيلات شخصية بما يحقق مصالح مختلفة ..، وهذا ما قال به وأكده أو أثبته نيتشه .. أما العدمية بصفة عامة – سواء عند نيتشه أو عند غيره من الفلاسفة، فهي ليست كما يفهم البعض بأنها نفي للمعنى والقيمة عن كل شيء بما في ذلك الإنسان، إنما العدمية هي نفي الغاية من الحياة والوجود! والفرق كبير بين نفي القيمة والمعنى وبين نفي الغاية! القيمة هي ما نشعر به من ذاتية، وما يمكننا توفيره من قيمة لأنفسنا في الواقع – قياسًا إلى غيرنا ..، والمعنى هو ما يفرضه المنطق الطبيعي المشترك بين البشر فطريًا، من معانٍ للأشياء والأحداث والسلوك .. أما الغاية من وجودنا فهي تتطلب وجود طرف خارجي كان مسئولاً عن إيجادنا، وله غاية من وجودنا ..، ووجود هذا الطرف لا يكون بالتمني، ووجوده في أحسن الأحوال محتمل ! الإيمان يعني نفي القيمة عن الحياة لصالح الغاية .. العدمية هي منح قيمة للحياة على حساب الغاية! لا بد أن نشير هنا إلى أنه ليست الفلسفة والفكر، بل المؤسسات الدينية هي المسئولة عن ظهور العدمية، وذلك بسبب مبالغة هذه المؤسسات في محاربة الفكر، وإفراطها في إكراه الإنسان على اعتناقها مع التضييق على حرياته، والتهويل في الوعيد، حتى أضحى التحقق من مسألة الدين أمرًا ملحًا، وأضحت العدمية خيارًا أقل مأساوية، خاصة في ظل عدم إمكانية إثبات أي منهما .. الواقع البشري اليوم في صالح العدميين، ويدفع باتجاه العدمية ..، وذلك باعتبار أن الأمر ليس تخييرًا .. من يريد العدمية، ومن يريد الغاية من الوجود؟ بل الأمر هو أن الاثنين ممتنعان عن الإثبات والنفي .. والذي يرى العدمية لن يُحرم من البعث إن كان هناك بعث، لكنه حتمًا سيكسب حريته اليوم !! أما الذي يعتقد بوجود إله وغاية، فإنه يخسر حريته اليوم، ولن يُعفى من العدمية إن كان العدم هو المصير! وقول الإسلام بأن دخول الجنة أو النار هو أمر لا يعتمد على عمل الإنسان، إنما يعتمد على رحمة الله، هو قول يراد منه تمكين المؤمنين من تجاوز المنطق حين يصطدم بالدين، لكنه صب في صالح العدمية! وأما بالنظر من زاوية الأمن والسلم البشري، فإن العدمية لا تستحق منا فقط عدم محاربتها، بل تستوجب الدعوة لها، لتفادي المآسي والفظاعات المترتبة على الإيمان بالأديان !! وبالنتيجة فإن الإنسان لم يختر بدايته ليختار نهايته .. والعدميون لا يختلفون عن الدينيين من حيث حتمية اطمئنانهم لصحة ما يعتقدون به .. فالإنسان لا يمكنه خداع نفسه .. وهذا هو الأهم.

الجمعة، 21 مايو 2021

الحياة إيمان والوجود إدراك!

0 تعليق




في نظر الإنسان، الحياة لا تستحق أن تكون غاية لذاتها، ولذلك هو يراها مجرد طاقة لممارسة الوجود، والوجود مجرد نافذة للإطلالة على الكون..، فإن لم تكن الطاقة كافية أو لم تكن الرؤية ممكنة وممتعة ومجدية..، أدرك أن إيقاف تبديد الطاقة أولى من إهدارها، وإغلاق النافذة أجدى من الكذب على الذات وعلى الآخرين! البشر غير قادر على تصور غاية للحياة، لذلك هو يكتفي بتصورات الآخرين، ويُمارس الحياة على أنها غاية لذاتها! بعضنا يبحث عن أسباب الوجود، وبعضنا لا يسأل عن أسباب الوجود! لذلك يرفض بعضنا الإقرار بأسباب لا تُقنعه، بينما يؤمن آخرون بأي سبب يُقال لهم.. لأنهم لم يسألوا ابتداءً، ولا ينوون الالتزام لاحقًا، أو أنهم لا يُدركون حجم استحقاقات الإيمان ..، فإذا ترعرع أحدهم صُدفةً حيث يؤمنون بقدسية البقر آمن مثلهم بقدسية البقر، وإذا ترعرع صُدفةً حيث يؤمنون بقدسية الحجر آمن مثلهم بقدسية الحجر! الإنسان لا يؤمن، الإنسان يعرف فيُصدِّق، أو يُدرك فيعلم ويُسلِّم! لذلك يُفضِّل بعضنا الموت على إظهار إيمان زائف! البشر يؤمن لأنه لا يعرف ولا يُدرك..، ولذلك يُفرَض على البشر الالتزام بما آمنوا به – بالعقوبات والترهيب والترغيب..، وهذا يُثبت أنه لا قيمة لإيمانهم ولا صحة لما آمنوا به! فلو كان إيمانهم صحيحًا، لما احتاجوا للمراقبة والمتابعة لإكراههم على الالتزام بما آمنوا به! ولو كان ما آمنوا به صحيحًا، لعرفه أو أدركه غيرهم وصدَّقوا به، وتوقفوا عن البحث، وربما انتفت الحاجة للوجود! 

 بفلسفة الإنسان والبشر، وعند النظر إلى الاختلافات بيننا، يمكننا أن نقول: إنه لا حاجة للحوار بين إنسان وإنسان، ولا قيمة لحوار بين بشر وبشر، ولا جدوى من حوار بين إنسان وبشر! الحوار بين إنسان وإنسان لا يكون إلا في موضوع الوجود والكون، وما عدا ذلك فهي بديهيات، أو موضوعات لا يتجاوز الحوار حولها تبادل المعلومات والتسلية! الحوار بين بشر وبشر لا قيمة له، لأن القوي يرى في الحوار مجرد سبيل لفرض إرادته وإملاء شروطه ونشر رؤيته، والضعيف يرى في الحوار مجرد سبيل لمعرفة عنوان وموضوع النفاق الذي عليه ممارسته! الحوار بين الإنسان والبشر، يمكن اعتباره تجسيدًا لما يُعرف بحوار الطُرشان! يرفض البشر الحوار المنطقي.. لماذا؟ لأنه يكشف عدم قدرتهم على الإدراك، فيبدون أقرب إلى مرحلة الحيوان منها إلى مرحلة الإنسان، ولذلك يرفضون الحوار المنطقي، ويدافعون عن بشريتهم بأسلوب وشراسة الحيوان! موقع الإنسان إلى البشر، أشبه بموقع الكبير إلى الصغير، أو البالغ إلى القاصر، أو المفكر إلى المعتوه! ليس المقصود هنا، أن كل الموجودين اليوم هم مصنَّفون إلى بشر وإنسان، إنما الحديث هو عن الفاعلين المؤثرين في المشهد البشري، ومن لهم رأي في الحياة ورؤية للوجود! معظم الموجودين اليوم هم عبارة عن كائنات بشرية غير مُصنَّفة - لأنها غير فاعلة-، ولذلك يحسبها الإنسان امتدادًا طبيعيًا له، ويحسبها البشر رعية ومخزونًا استراتيجيًا لهم! عند مستوى معين من الوعي، تكون هذه الكائنات فاعلة، فتظهر ملامحها، وعندئذٍ يكون تصنيفها ممكنًا! هذه الكائنات البشرية غير المُصنَّفة، هي التي يتنافس البشر من أجل السيطرة عليها وبرمجتها وتصنيفها..، عقائديًا وسياسيًا وقوميًا، وحتى فنيًا ورياضيًا وتجاريًا وأمنيًا وعسكريًا..الخ. محاربة المسلمين لما يُعرف بالتنصير، ومحاربة السُنَّة للتشيع، ومحاربة الشيعة للتسنن، ومحاربة العروبة للصهيونية، ومحاربة النازية للسامية، وأسلوب حجب القنوات الفضائية، وحتى المواقع الإباحية..، الخ، كل هذه الممارسات والثقافات، تدخل تحت عنوان التنافس البشري على الكائنات البشرية غير المُصنَّفة، بقصد برمجتها وتوجيهها، باعتبارها كائنات بشرية خام، قابلة للتصنيع والتشكيل بحسب رغبة المالك أو المستعمر أو الظافر بها أو أول الواصلين من المستثمرين! لا وجود لمثل هذه الوصاية والمخاوف والهواجس والثقافات، في مجتمعات الإنسان! ولعل وجه الشبه هنا واضح بين الكبار والقاصرين من البشر؛ فممارسة الوصاية بحجة الخوف من استغلالهم – عادة تكون على القاصرين، بينما هذه الممارسات تتم خوفًا على البشر البالغين - في المجتمعات البشرية!

الخميس، 8 أبريل 2021

ما ذنب الأبرياء؟

0 تعليق




غايتنا رؤية الوعي البشري، متحررًا من الوهم الثقافي والتوجيه الفكري!
في هذا العصر، بدأ الواقع يكشف تلقائيًا ومباشرةً عن حقائق منطقية مذهلة، مرتبطة بالحياة والوجود والوعي البشري..؛ حقائق عملية، ستُطيح حتمًا وقريبًا بالنظريات القديمة التي وضعت للكون والوجود تصورات بدائية، جعلت الوجود البشري خصمًا للمنطق، حيث فصلت الوجود عن الوعي، وربطت واقع ومصير الإنسان بمفاهيم: البراءة والذنب، والمكافأة والعقاب، وهو ما جعل البُسطاء يتساءلون كلما حل بهم بلاء، ما ذنب الأبرياء؟ من بين تلك الحقائق، تبرز حقائق أربع، أجدها عظيمة الدلالة والأثر في إعادة تشكيل وعي وقناعات الكائن البشري بذاته وحياته ووجوده وبالآخرين:
1- فزع الإنسان من الموت، ثبت أنه أمرٌ لا مُبرر له، فهو ليس أمرًا ذاتيًا ولا طبيعيًا، وأكثر من ذلك هو ليس أمرًا حقيقيًا، إنما هو مجرد وهم، بدليل أن إنسان اليوم قد تجاوز مرحلة الفزع من الموت، حيث أصبح الانتحار خيارًا طبيعيًا وسلوكًا بشريًا معتادًا!
 2- رُعب الإنسان من النار، هو الآخر ثبت أنه أمرٌ لا أصل له في النفس البشرية، فهو كالفزع من الموت – ليس ذاتيًا ولا طبيعيًا ولا حقيقيًا، إنما هو مجرد وهم، بدليل أن إنسان اليوم قد تجاوز مرحلة الرُعب المفتعل من عذاب النار، حيث بات إشعال النار في الجسد، سبيلاً بشريًا مفضلاً للانتحار، رغم وجود بدائل وسُبُل أُخرى للموت يُفترض أنها أقل إيلامًا من النار! هنا ينبغي ملاحظة أن: إحراق الجسد البشري بالنار، كان رمزًا للذنب – حسب المعتقدات، فصار رمزًا للبراءة في الواقع! كانت النار وسيلة خارجية لتخويف الإنسان بعد الموت؛ فأصبحت إحدى وسائله المحلية الإرادية لبلوغ الموت!
 3- إدراك الإنسان لحقيقة أن الحياة ليست نعمة ممنوحة له – كما كان يُلقَّن ويراد له أن يعتقد سابقًا -، فهو ببساطة لا يمتلك كيانًا واعيًا مستقلاً عن الحياة، لكي تُمنح له الحياة؛ إنما اتضح أن الحياة بصفة عامة، عبارة عن تفاعل كيميائي، يجري وفق معادلة طبيعية متزنة، فإذا اختل التوازن بين عناصر المعادلة، توقف التفاعل تلقائيًا ومنطقيًا، أي توقفت الحياة! والوعي لدى الإنسان هو أحد عناصر هذا التفاعل أو هذه المعادلة التي تُمثِّل الحياة، وهو كغيره من العناصر، فعلاقة الوعي بالحياة، هي تمامًا كعلاقة أي عضو من أعضاء الإنسان بالحياة- كالقلب والرئة والكلية – حيث يمكن لأي عضو أن يشل الحياة جزئيًا، ويمكن أن يوقفها تمامًا؛ وكذلك الوعي، فهو يشل الحياة جزئيًا (فقدان الوعي)؛ ويوقفها تمامًا (بقرار الانتحار)! والانتحار هو عبارة عن قرار تصحيحي يتخذه الوعي، يدل على أن التفاعل الكلي لمعادلة الحياة قد انحرف عن مساره، وأصبح استمراره غير طبيعي، فوجب إيقافه! نعتبر الانتحار قرارًا تصحيحيًا قاتلًا يتخذه الوعي عند الضرورة، كما نعتبر الألم الشديد قرارًا تصحيحيًا مؤلمًا يتخذه الإحساس عند الضرورة – عند حدوث خلل في الجسد – مرض أو جُرح أو كسر!
4- صفة العقلانية، القادرة على إحداث فرق ثابت، بين البشر وبقية الكائنات، ثبت أنها ليست صفة بشرية حقيقية دائمًا، بل هي في أحسن الأحوال مَلَكَة طبيعية لا إرادية يتصف بها عدد محدود جدًا من البشر..؛ وأن بقية البشر هم فقط قادرون على تقليد وتمثيل العقلانية وفي ظروف معينة..، بينما في الظروف الطبيعية ينعدم وجود العقلانية تمامًا في الكثير من الأحيان ولدى أغلب البشر! يمكن ملاحظة ذلك من خلال ما يجري من عراك وعبث وانحطاط في ملاعب الكرة وفي مدرجات المتفرجين، وفي قاعات بعض البرلمانات، وبين الأزواج وأفراد الأسرة الواحدة حين يختلفون..الخ، حيث يتضح أن الفرق ليس كبيرًا وليس ثابتًا بين البشر وبقية الكائنات- مما يعني أنه لا يوجد تصميم موحد للكائن البشري، يؤهله لأداء رسالة واحدة سامية- كما يعتقد الكثيرون! سلوك الإنسان أمام الآخرين يختلف تمامًا عن سلوكه منفردًا..، وهذا أمر معلوم ولا استثناء منه..، حتى أنه يصح اعتباره قاعدة لا شواذ لها! وسلوك الإنسان منفردًا هو سلوكه الطبيعي، أما سلوكه الاجتماعي فهو سلوك تفرضه الحاجة أو المصلحة..، ولذلك يتجاوزه أو يتجاهله الإنسان عند درجة معينة – بحساب الربح والخسارة – ويعود إلى سلوكه الطبيعي الفوضوي الحُر!

 ما ذنب الأبرياء؟ مع كل تفجير انتحاري إرهابي في أي مكان في العالم، ومع حدوث كل مأساة أو جريمة يرتكبها البشر، ويذهب ضحيتها أبرياء، يتطوع الكثيرون عادةً بالتساؤل: ما ذنب الأبرياء؟ .. لكن، لا أحد يتبرع بالجواب! ليس لصعوبة الجواب، إنما، أولاً: لأن المطروح يبدو تساؤلًا وليس سؤالاً، وكأن المتسائل هنا لا ينتظر جوابًا، إنما يقصد التعبير عن مفارقة يراها أمامه، .. بمعنى أن ما يحدث أمامه في الواقع، ينبغي ألا يحدث بحسب معتقده وثقافته، لكنه يحدث! ثانيًا: لا أحد يتبرع بالجواب، لأن الثقافة السائدة والقوى المسيطرة على المشهد، كلها تدفع باتجاه الإبقاء على الغموض قائمًا، لأن حيرة هؤلاء البُسطاء المتسائلين هي غاية تلك الثقافة وهدف تلك القوى! من الملاحظ أن هذا التساؤل لا يُطرح إلا عندما يكون الضحايا الأبرياء المفترضون بشرًا، والجاني أو المذنب المفترض بشرًا..؛ وكأن ضحايا الكوارث الطبيعية من البشر، ليسوا أبرياءً أو ليسوا بشرًا..، لذلك لا أحد يقول عنهم: ما ذنب الأبرياء؟ وكأنه لا يوجد ضحايا أبرياء في عالم الحيوان والنبات، فلا أحد يتساءل حول مأساتهم! والأهم، هو أن هذا التساؤل يُطرح بثقة كبيرة، وكأن سلامة البريء ومعاقبة المذنب هي قاعدة وجودية كونية مؤكدة ويقوم عليها الوجود البشري! بينما المؤكد هو أن هذا التصور لا يعدو أن يكون وهمًا متوارثًا، مبنيًا على تفسير بدائي للوجود البشري، وهو في أحسن الأحوال حُلم في مخيلة الضعفاء والمتحضرين من البشر، لكنه ليس من أهداف الطبيعة ولا من قواعد الوجود، ولذلك لم يتجاوز مرحلة الحُلم، حيث إنه لم يتجسد في الواقع إلا بنسب محدودة وبمجهودات بشرية خاصة، لم يُكتب لها النجاح لتصبح واقعًا بشريًا أرضيًا عامّاً! هذا التساؤل يُطرح دائمًا ويُوجِّه إلى مجهول، فهو ليس موجهًا للبشر، وليس موجهًا للإله..، وفي هذه المفارقات تكمن الأسرار! ما ذنب الأبرياء؟ طرح هذا التساؤل لا يعكس صدمة لدى المتسائل، بقدر ما يعكس اعتقادًا مسبقًا لديه! والطبيعي هو أن يُعيد المتسائل النظر في اعتقاده، الذي لو كان صحيحًا لما اضطر للتساؤل! فالمتسائل هنا يعتقد بصحة أمرين: الأمر الأول: وجود بشر أبرياء، وبشر غير أبرياء! الأمر الثاني: أن الشر لا يكون إلا عقابًا لذنب..، أي أنه لا ينبغي للشر أن يطال الأبرياء! والواقع يقول لهذا المتسائل وبالدليل، إن أحد الأمرين اللذين تعتقدهما أو كلاهما ليس صحيحًا، فإما أن الكل مذنبون ولا يوجد أبرياء، أو أن الشر لا علاقة له بالبراءة والذنب، أو أنه لا وجود لمفهوم البريء والمذنب في الطبيعة! والحقيقة هي أن المتسائل هو الذي بحاجة لاستبدال ثقافة الأبرياء والمذنبين، أو على الأقل ضبط هذين المفهومين بدقة، لكي يكونا واقعيين! فهل يوجد أبرياء؟ .. الجواب: ربما، ولكن! وهل يوجد مذنبون؟ .. الجواب: ربما، ولكن! فلكي يكون هناك بريء ومذنب، ويكون للبريء فضل في براءته، ويكون المذنب مسئولاً عن ذنبه، لا بد أن يكون الاثنان طبيعيان، ويحتكمان إلى معايير موحدة ومفهومة ومحل اتفاق! فالبراءة غير المطلقة ليست براءة، والذنب غير المطلق ليس ذنبًا..، لأن كليهما موجهان ثقافيًا واجتماعيًا تربويًا بيئيًا، حيث يقومان على ثقافة الربح والخسارة.. أي على معتقدات الخوف الطمع..؛ والخاضعون لهذه المعايير لا يكونون طبيعيين، وبالتالي ليس الأبرياء أبرياء حقيقيين؛ وليس المذنبون مذنبين حقيقيين! والصحيح هو التخلص من ثقافة الوهم، ثقافة المذنب والبريء..، لتحل محلها ثقافة الواقع، ثقافة المخطئ والمصيب، المبنية على معايير الحاضر والمنطق والمعلوم والمفهوم والممكن والمتاح والمتفق عليه! فيكون المصيب، مَنْ يفعل الصواب عن بينة، ويفعله لأنه صواب وحسب! والمخطئ، مَنْ يفعل الخطأ عن بينة، ويفعله لأنه خطأ وحسب! وحينها لا يكون التساؤل مجرد تعبير عن حيرة، ولا يكون السؤال موجهًا إلى مجهول! وحينها تكون مكافأة المصيب ومعاقبة المخطئ مبررة، إن وُجِد المُخطئ آنذاك!

 المعتقدات والتخويف بالنار: مفهوم النار، لن يعود ذلك البعبع المخيف كما كان، والذي كان مجرد التهديد به كعقاب بعد الموت، كفيلاً بجعل الإنسان يمضي حياته متنازلًا عن عقله وعن حقوقه، سعيدًا ببؤسه، مُطيعًا مُنفذًا آليًا لكل ما يُملى عليه من شروط مُذلة، مُبديًا إيمانه بما لا يفهمه، وتصديقه لما لا يعقله، واعتناقه لمعتقدات بدائية وطقوس صورية يرفضها الوعي وتتعارض مع أبسط قواعد المنطق والعقلانية! الآن، وبعد أن كسر الإنسان حاجز الرُعب من النار التقليدية، قد يضطر رجال الأديان والمعتقدات إلى إعادة تفسير كُتبهم وآياتهم، لتطوير نوع العقاب، وقد يُصبح التفسير الجديد للنار هو أنها نار نووية وليست نار تقليدية!

الأربعاء، 27 يناير 2021

وهم الإرادة .. رسول أوهامنا المزمنة!

0 تعليق






وجود بشر يحتاجون بالفعل إلى من يقتدون به سلوكًا وقناعةً واعتقادًا، هو دليل عدم أهليتهم للمسئولية، وبالتالي انعدام الإرادة لديهم، فلو كانوا أهلاً لاختيار من يقتدون به لما احتاجوا له! فهل حقًا يمتلك الكائن البشري إرادة، بما يجعله مسئولاً عن سلوكه وقراراته، ويمنحه قيمة خاصة؟ أم أن ما يميز البشر عن غيرهم هو فقط وعيهم بما يفعلون؟ وعي البشر بما يفعلون هو حقيقة، لكنه دليل ذاكرة تؤهلهم للاختيار والمفاضلة – لا دليل إرادة تؤهلهم للمسئولية، فهو مجرد وعي آني لا مستقبلي، بدليل حصول الفشل والندم عادةً! لا شك أن اعتقاد البشر بوجود إرادة لديهم، مصدره عدم معرفتهم لآلية صُنع القرارات فيهم! ماذا يقصد المسلمون بمفهوم الجهاد لنشر الدين بالسيف، ومفهوم حد الرِدَّة – مثلاً؟ هل يقصدون أن البشر لديهم إرادة دخول النار، وأن الإسلام أمر بكسر أو سلب إرادة البشر لإدخالهم الجنة؟ وهل تصح محاسبة مسلوب الإرادة – عقابًا أو ثوابًا؟ أم هل يصح افتراض إرادة لدى الإنسان بدخول النار؟ أم يقصدون أنه لا إرادة أساسًا لدى البشر، وأن سلوك البشر تفرضه عليهم القوة والحاجة؟ وهل هناك معنى لإيمان أو كفر من لا إرادة لديهم؟ وما المقصود بمراقبة سلوك عوام المسلمين بواسطة خواصهم، وتوجيههم باستمرار من المهد إلى اللحد؟ هل المقصود هو تصنيع بشر مسلمين وإيمان شكلي؟ إذا كان الأمر كذلك – وهو ما يقوله الواقع-، إذن يكون المقصود من الدين الإسلامي هو تحويل البشر إلى ملائكة بشرية أرضية بواسطة بعض البشر، وليس تبليغ البشر وامتحانهم – كما يزعمون! في كل الأحوال من الواضح تمامًا أنه لا قيمة ولا معنى إطلاقًا لإيمان تحت الإكراه – دخولاً أو ممارسة – سواء بسلب الإرادة أو بانعدامها! لكن لا شك أن ذلك الوهم المُسمَّى إرادة – سواء عند السالب أو المسلوب -، هو الداء الكامن خلف كل هذه المفارقات التي لا معنى لها سوى جهل البشر بأنفسهم، وبحثهم عن إرادتهم المزعومة على حساب بعضهم! إن ظاهر سلوك البشر يوحي بإرادة كاذبة، يُدرك كل إنسان أنه لا أصل لها في نفسه! الموظف الذي لا يلتزم عادةً بتوقيت عمله، هو كذلك لأنه يميل لا إراديًا لأن يكون غير ذلك لا لأنه أراد ذلك! مقارنة البشر ببعضهم تحت ذات الظروف، خطأ شأنه شأن إخضاع حيوانات مختلفة لذات الاختبار! - حقيقة الإرادة عند البشر، هي أنها نتيجة – لا قرار! عند بحثهم عن تفسير لسلوك الانتحار، اكتشف البشر أن إرادة بعضهم تُملى عليهم – وإن بدا أنهم يمتلكونها، وفي الحقيقة كل أفعال البشر مجرد انتحارات صغيرة! المسلمون يُبطلون الطلاق إذا صدر تحت ظروف خاصة، وفي الواقع لا يحدث طلاق إلا تحت ظروف خاصة! الإرادة – حتى بافتراض وجودها -، هي ليست قوة يمكن قياسها، وليست عضوًا ماديًا من أعضاء الجسد يمكن معاينتها ومعرفة متى تعمل ومتى تتعطل! منح فرصة للمسلم بالتراجع عن قرار طلاق حصل في ظروف اعتيادية، هو إقرار بأنه لا قيمة للإرادة المزعومة، إذ أنها لا تعني إدراك البشر لعواقب سلوكهم وتحت كل الظروف، مما استوجب تخويفهم بتحديد عدد مرات الطلاق، ما يعني أن التخويف يصنع الإرادة، .. .. أي أن إرادة الإنسان تُصنع خارجه! مأساة البشر ليست في أنهم لا يعون من الحقيقة إلا ما برز منها على السطح وفرض نفسه عليهم، .. مأساتهم في إلزامهم لأنفسهم بتكهناتهم لما خفي منها دون مبرر! ما لا يكتشفه البشر من موجبات السلوك يتجاهلون وجودها، ويعتبرون السلوك حرًا اختياريًا إراديًا، هكذا وُجِد مفهوم الإرادة، والفعل العمد، والمسئولية، .. الخ، إلى أن افترض البشر لأنفسهم قيمة كونية حملت معها مسئوليات ومآسٍ جسيمة لا أساس ولا مبرر لها، فقط استنادًا إلى امتلاكهم إرادة مزعومة – وهمية! لو كانت آلية صنع كل القرارات لديهم، واضحة وكبيرة بحجم ووضوح عوامل قرار الانتحار، لرآها كل البشر، ولأدركوا أنه لا يوجد لديهم شيء اسمه إرادة، ولتغير بذلك مشهد الوجود البشري من الأساس، وهو ما ينبغي أن يكون، وهو ما سيكون حتمًا! البشر ما زالوا مثل سائق يسير ليلًا بأضواء التوقف، لا يرى ما أمامه حتى يصطدم به ..؛ فلو ينظر البشر أمامهم – لا بأضواء العبقرية الكاشفة، بل فقط بأضواء العفوية الصادقة، لكن بقصد أن يروا ما أمامهم كما هو، لا بقصد أن يتخيلوا ويعتقدوا ما أمامهم كما يريدون ؛ إذا حصل ذلك فلن يكونوا بحاجة لانتظار تتابع واكتمال المراحل لبلوغ أمورٍ محتومة، وبلوغها ممكن في كل مرحلة، وببلوغها تنتهي مآسٍ قائمة لا مبرر لقيامها! لا معنى لإرادة بدون مسئولية، ولا مسئولية تنشأ عن إرادة عمياء! كثيرًا ما يندم البشر على أفعالٍ أتوها بمحض إرادتهم المفترضة وفي ظروف اعتيادية، ما يعني أن الإرادة المزعومة لا تعني إدراك الإنسان لعواقب ما يفعل، وهذا يعني أن السلوك مجرد قرارات تلقائية تفرزها معطيات وظروف، ليس من المنطق أن تترتب عليها مسئولية! سلوك الجماد يُصنع داخل ذراته وبينها، وسلوك الكائن الحي يُصنع داخل خلاياه وبينها! الكائن البشري ذو الكيان الصانع لإرادته، المستقل عنها، المسيطر عليها من خارجها، هو كائن خيالي يحمل صفات الإله، لا يمكن أن يكون له وجود! لكي يمتلك الكائن إرادة، ينبغي أن يكون قد أوجد نفسه بنفسه! وعي الكائن البشري وإدراكه وتذكره لما يفعل، لا يعني أنه الفاعل من خارج الفعل، إنما هو يتجسد في الفعل! علاقة الكائن البشري بإرادته، هي علاقة أعضائه ببعضها وعلاقة جسده بما حوله- علاقة تفاعلية تكاملية! لا بد أن يشعر الإنسان بالبرد لكي تتكون لديه حاجة ثم إرادة للتدفئة، ثم لا بد أن تتوفر لديه إمكانية ذاتية وخارجية لصنع التدفئة لكي يصنعها! الإنسان مجرد وعاء تتفاعل مكوناته مع محيطها! ما يبدو أو ما يُسمَّى بالإرادة لدى بعض البشر أكثر من غيرهم، متمثلة في إصرارهم على إحداث أمر ما بأي ثمن وبأي جهد - إحداث تدفئة مثلاً، هي إرادة اسمية شكلية، تُعبِّر عن عوامل خارجية وداخلية – ليس الإنسان فيها سوى إطار خارجي ..، فإذا صحَّ اعتبارها إرادة، إذن تقابلها لدى الآخرين إرادة تَحمُّل البرد - لقناعتهم بعدم بضرورة التدفئة مقابل ذلك الجهد والثمن؛ لكن الحقيقة ليس الأمر تفعيل إرادة هنا وتعطيلها هناك، إنما هو في الحالتين خضوع تلقائي لقناعات لا إرادية! القناعات تصنع قرارات البشر، والبشر لا يصنعون قناعاتهم! بعض البشر يعجز عن إحداث التدفئة ويموت بردًا، وليس بعد الموت من محفِّز للإرادة لو كان لها وجود ؛ وليس من المنطق أن يُحسب على العاجز عجزه! إرادة البشر ليست حقيقية، هي مجرد وصف مجازي لظاهرة سلوكية حتمية، تمثل حصيلة تلاقي عوامل خارجية قاهرة ومساعدة بمعطيات داخلية تعمل ذاتيًا! مفهوم الإرادة ليس له أساس فلسفي ومنطقي، فأساسه عقائدي ثقافي اجتماعي تحفيزي – جماعي لا فردي! الفرد يُدرك في قرارة نفسه أنه مُكرهٌ في كل قراراته، ولا حضور ولا سيطرة لإرادة حقيقية له فيها! الانتحار فعل فردي عادةً، والبشر لا يعتبرون فعل الانتحار ناجمًا عن إرادة – غالبًا، إنما يبحثون له عن دوافع ومسببات يُحمِّلونها مسئولية القرار والفعل من وراء الإرادة ؛ .. لماذا؟ لأن بهم حاجة لتكريس فكرة تطمئنهم - بغض النظر عن حقيقتها من عدمها -، وهي فكرة أن حب الحياة يمثل إرادة مشتركة بين كل البشر، وأن ذلك دليل وجود شيء اسمه إرادة يُثبت قدسية الحياة وخصوصية البشر ؛ فإذا تم اعتبار الانتحار سلوكًا ناجمًا عن إرادة، وهو ضد الحياة، إذن الحياة ليست مقدَّسة كما يحبونها أن تكون، أو أن البشر يختلفون في أمور وجودية أساسية، أو أن حبهم للحياة ليس وليد إرادة لديهم، ونزع الإرادة منهم يعني سقوط المسئولية عنهم، وبالنتيجة ضياع حلم الخصوصية والقيمة الكونية المفترضة للبشر ..؛ كل هذه حقائق، لكن البشر قد اعتادوا وتوارثوا ثقافة محاربتها والنفور منها ومحاولة دحضها أو إخفائها وتجريم الاقتراب منها، ما جعلهم يستعملون المنطق واللا منطق في سبيل فرض ثقافة وجود الإرادة وثقافة قدسية الحياة! لهذا السبب، نرى دعاة الحياة أو عبيدها من البشر، يحاولون نزع صفة الإرادة عن الانتحار، أو نزع صفة الإنسانية عن المنتحر ..، وكل ذلك مجرد عبث سيتوقف يومًا ويزول معه وهم الإرادة المزمن! 
 ماذا عن الأعمال التطوعية، أليست دليل إرادة؟ كلا ليست كذلك، وتسميتها بالتطوعية، هو إقرار ودليل على أن كل ما عداها إجباري! حتى بافتراض أن الأعمال التطوعية نتاج إرادة، فهي لا تمثل شيئًا يُذكر في حياة البشر، وهي بذلك مجرد إثبات أن كل ممارسات البشر لا إرادية ..؛ لكن حتى ما يُعرف بالأعمال التطوعية هي ليست إرادية ..؛ عمل إجباري يعني أن الظروف التي أجبرت الإنسان على فعله ظاهرة قاهرة معلومة! عمل تطوعي يعني فقط أن دوافعه ومسبباته ليست مادية وليست قاهرة آنيًا، لكنه ليس بدون قوة خلفه تدفع الإنسان إلى فعله! 
 كيف يتشكل الإنسان وإرادته المزعومة؟ يتولى الوالدان مهمة إظهار كائن بشري إلى حيِّز الوجود، بمواصفات مجهولة ..؛ تستلمه طبيعة هي أقوى تأثيرًا وأعقد وأكبر من أن يُحيط بها البشر علمًا – ناهيك عن التحكم بها ..؛ تصطدم عوامل البيئة الخارجية بمواصفات الوليد الداخلية، فتتشكل آلية صنع السلوك لديه .. تُعاقِب الحكومات الأهل على سلوك أبنائهم، اعتقادًا من الجميع بأن الأهل هم المسئولون عن صناعتها ..؛ يلوم الأهل رفاق السوء اعتقادًا منهم بأنهم حرَّفوها ..؛ يلجأ الأهل إلى رجال الدين وعلماء النفس والاجتماع لإصلاح سلوك الأبناء، لعلمهم بقدرة هؤلاء على صنعها وتوجيهها، وتوهمًا منهم بوجود معيار للصواب ..؛ وما كل هذا اللغط والهرج والمرج سوى إثبات أن إرادة البشر تُصنع خارجهم، ولا صحة لامتلاكهم لها ..؛ إن بشرًا يحيك حاذقهم إرادة غافلهم، ويفرض قويهم إرادة ضعيفهم، ويطمس كبيرهم إرادة صغيرهم، ويصنع ذكيهم إرادة غبيهم، .. الخ؛ بشر يصنعون إرادة بعضهم، ثم يعتبرونها مستقلة ..؛ بشر تصنعهم ظروف وتُملي عليهم قراراتهم، وبعضهم ظروف لبعضهم الآخر ..؛ بشرٌ تصنع الحاجة والخوف والجهل والطمع قناعاتهم، وقناعاتهم تصنع قراراتهم ..؛ بشر تقودهم غرائز لا يوقفها سوى خوف من عواقب ..؛ بشر هذه هي حقيقة كنههم، أنى تكون لهم إرادة تبرر مسئوليتهم عن سلوكهم

الأربعاء، 20 يناير 2021

إله الحاجة وإله الحقيقة!

1 تعليق





غايتنا ، رؤية الوعي البشري متحررًا من السجن الثقافي والتوجيه الفكري!
 مفهوم الإله = مفهوم الحقيقة! الإيمان = الحاجة للاطمئنان! آمن بالإله = أقرَّ بحاجته للاطمئنان! توحيد الإله = توحيد الحقيقة! في أحاديثنا وحواراتنا وكتاباتنا، تعودنا وربما كنا مضطرين لاستعمال لفظة "الإله"، بينما نحن نقصد "الحقيقة"! ثقافيًا، لفظة "إله" أصبحت تعني مجموع الحقائق أو خلاصة الحقائق أو مصدر الحقائق! في الواقع ما يهمنا هو أن ننقل للآخر صورة طبق الأصل عن الفكرة التي لدينا، ولذلك كثيرًا ما نستعمل المفردات الأقدر على إيصال الفكرة ثقافيًا، وليس بالضرورة المفردات الأنسب لغويًا لطرح الفكرة! استعمال لفظة "حقيقة" هو الأنسب لغويًا هنا، لكنه عادةً يذهب بوعي المُخاطَبين وتفكيرهم إلى اتجاهات مختلفة، الأمر الذي يحول دون وصول فكرة موحدة للكل، لذلك نضطر لاستعمال لفظة "الإله" لتركيز الوعي وتوحيد اتجاه التفكير ..، لكن في الواقع نحن لا نتحدث عن إله محدد نعرفه ونستطيع تصوره، إنما نقصد ذلك الموضوع الكامل – افتراضًا، أو تلك الفكرة الناقصة – واقعيًا، والذي أو التي تحوز على اهتمام كل البشر فطريًا، والتي هي الحقيقة المطلقة التي يطمئن لها كل الضعفاء ..، والضعف قرين الوعي! الإله بهذا المعنى، لا شك أنه ليس بحاجة للمتاجرة بكرامة وآلام البؤساء، ليحصل على ولاء الأقوياء والأغنياء والواعظين - كما تصوره المعتقدات! فمفهوم الإله لا بد أن يكون أبعد ما يكون عن هذه المسرحية الهزيلة - مضمونًا وإخراجًا، والتي تصور الإله وهو يمنح المال والقوة والمعرفة لبعض البشر، لكي يتقربوا بها إليه، من خلال مآسي وجهل وحيرة وآلام البعض الآخر، والذين جعلهم ذات الإله فقراء وضعفاء وجهلاء، لا لذنب اقترفوه، إنما فقط لكي يكونوا مادة للتجربة أو جسرًا للعبور بين الإله وبين الأقوياء والأغنياء والوعاظ ..؛ والحقيقة أن الإله ليس بحاجة لاختبار البشر أصلاً، وليس البشر في مستوى اختبار إلهي – بالمعنى المطلق للإله! إن هذا الطرح السطحي وهذا التفسير البشري البدائي للوجود وللغاية من الحياة، يدعونا إلى السؤال عن تعريف الإله، فهذا يُثبت أننا لسنا متفقين على مفهوم الإله! وفق هذه النظريات، يبدو تعريف الإله، بأنه عبارة عن كائن بشري أسطوري متسلط، على هيئة رجل خارق للمواصفات البشرية المعتادة – لا أكثر! وأنه ليس هو الحقيقة المطلقة، ولا يريد الحقيقة، إنما يريد انتزاع إقرار البشر واعترافهم بقوته وجبروته، ويريد تحقيق ذلك بصورة مُذلة مهينة للبشر بما يُشبع غروره، وكأنه غير واثق من قوته، فجعل من العبث بالوعي البشري مادة أو موضوعًا له للتسلية، واتخذ من مآسي وآلام البشر وتملقهم وخضوعهم اللا منطقي له، سببًا للوجود البشري! فإذا كان الأمر كذلك، إذن لا بد من وجود إله آخر حقيقي، مواصفاته مطلقة، يتساوى أمامه البشر وغير البشر، وذلك هو الذي يجهله الجميع معرفيًا، ويؤمنون به فطريًا! في الأصل لا بُد أن يكون كل البشر مؤمنين فطريًا، ومؤمنين بإله واحد! لكن، هذا الإيمان الفطري بإله واحد، ليس مصدره وحيًا ولا رسولاً ولا معرفةً ولا إدراكًا، إنما هو نتيجة حتمية لشعور لاإرادي يتملك الإنسان، يُشعره بالحاجة لإيجاد وسيلة لمواجهة الهواجس والمخاوف من المجهول، والتي هي مصاحبة للوعي بالضرورة! معلوم أنه لولا الوعي، لما كانت الهواجس ولا المخاوف، ولما كانت هناك حاجة ولا معنى لمفهوم الاطمئنان لدى الإنسان! ومعلوم أن الوعي مصدر اطمئنان بقدر ما يعلم ويأمن، وهو مصدر مخاوف وهواجس بقدر ما يجهل ويخشى! لذلك فإنه وبغض النظر عن ماهية ومُسمَّى مصدر الاطمئنان – أكان إلهًا أو سواه-، فالأساس هو أن الكائن الواعي محتاج فطريًا ومنطقيًا للبحث عن الاطمئنان..؛ والاطمئنان لا يتحقق في وجود الوعي إلا بانتفاء الضعف والمجهول – عمليًا، أو بوجود قوة مطلقة تحمي الكائن الواعي، أو تُنجده كلما دعاها! وريثما يتمكن الوعي من تجاوز الضعف وكشف المجهول واقعيًا، كان بحاجة عاجلة لوجود تلك القوة - ولو نظريًا – للمحافظة على توازنه، فإن لم توجد وجب افتراضها- بغض النظر عن حقيقة وجودها من عدمه- وهذا ما كان ..؛ تلك القوة هي التي اتفق البشر لاحقًا عبر الأجيال على تسميتها بالإله! الإيمان هنا يكون بإله الحاجة البشرية وليس بإله الحقيقة الكونية ..، وهذا بالطبع لا ينفي ولا يُثبت وجود الإله الحقيقة! الفطرة البشرية الطبيعية لم تعد موجودة اليوم، أو لم تعد تعمل منذ ظهور الأديان وانتشارها، وذلك بسبب التلقين العقائدي المُبكِّر والممنهج، الذي تمارسه المؤسسات الدينية المختلفة على البشر، الأمر الذي يؤدي إلى توجيه الفطرة فلا تعود معيارًا طبيعيًا! من المستحيل اليوم، إيجاد فطرة بشرية طبيعية يمكن اختبارها في موضوع الإيمان بالإله الحقيقة! موضوع الإله اليوم، يصعب الخوض فيه بحيادية، إذ لا بد من الوقوع تحت تأثير خلفية عقائدية وتصور معين مسبق للإله ومبتغاه! المشكلة الكبرى في علاقة البشر بمفهوم الإله، ظهرت مع تعدد الأديان والتقائها في الزمان والمكان، وما صاحبه من ظهور مؤسسات بشرية ذات طابع ديني، استثمرت مفهوم الدين للسيطرة على البشر، ما أدى إلى التنافس بينها على استقطاب الأتباع، الأمر الذي استوجب طعنها في مصداقية بعضها البعض ..، مما أدى تلقائيًا إلى بروز تساؤلات تتراوح بين إمكانية تعدد الآلهة واحتمالية ضعف الفكرة من أساسها ..؛ وحيث إنه لا دين يخلو من العيوب، فقد أدى انتقاد الأديان لبعضها إلى ظاهرة انتقال البشر بينها، الأمر الذي أدى إلى استعمال مفهوم الإله لتخويف البشر وتحذيرهم من ترك الدين – سواء بالانتقال إلى دين آخر أو بتركها جميعًا-، ومن هنا تغيرت المعادلة في علاقة البشر بالإله، فلم يعد مفهوم الإله مصدر اطمئنان للإنسان كما كان في الأصل وكما ينبغي أن يكون دائمًا، بل أصبح مصدر خوف يستعمله رجال الدين للسيطرة على البُسطاء ..؛ والواقع أنه مهما تكن حقيقة مفهوم الإله، فالأصل هو أنه لا مجال لمقارنته بالبشر- حتى يتم تصويره كخصم لهم وتخويفهم به! لكن، ولأن استعمال مفهوم الإله لتخويف البشر هو أمر غير منطقي وغير واقعي، لذلك لم يستجب معظم البشر للتخويف والتحذير باسم الإله! ولأن الإله الذي تم استعماله لتخويف البشر هو إله الحاجة وليس الإله الحقيقة، لذلك لم يستجب هو الآخر لتصورات البشر الذين استعملوه لتخويف غيرهم! ولكي لا يظهر رجال الدين بمظهر الواهم أو الكاذب، اضطروا لتطوير تصوراتهم وعلاقتهم الخاصة المفترضة بالإله، فادعوا أن الإله قد كلفهم بتنفيذ مشيئته في تخويف البشر وتأديبهم، فأصبحوا يُهددون ويبطشون ويقتلون باسم الإله أو نيابة عنه! وهنا أصبح مفهوم الإله عالة على الوعي، حيث أصبح الإله عبارة عن سلاح وتشريع وصلاحيات مطلقة بيد بعض البشر، يستعملونه لإرهاب واستعباد بقية البشر، ففقد مفهوم الإله صورته الجميلة كمصدر للاطمئنان، وأصبح وجوده مصدرًا للهواجس والمخاوف، بل أصبح وجوده مصدرًا للآلام والمآسي الآنية ..؛ بذلك أصبحت الهواجس والمخاوف الطبيعية المصاحبة للوعي، والتي استوجبت وجود الإله أصلاً، أصبحت أقل عبئًا على الإنسان من الإله، الأمر الذي أفقد مفهوم الإله مبرر وجوده لدى المتضررين منه، بل أصبحت الحاجة ماسة لإثبات عدم وجوده – وذلك كسبيل وحيد لدحض التكليف الإلهي المفترض، الذي يستعمله البعض لإرهاب واستعباد البعض الآخر .. من هنا نشأت فكرة الإلحاد والكُفر بالإله الحقيقة – رغم عدم معرفة الملحدين به! إن بحث الكائن الواعي كان دائمًا عن الاطمئنان، وقد وجده بادئ الأمر في مفهوم الإله، لكن عندما تحول مفهوم الإله إلى مصدر للفزع والرُعب بحسب أيديولوجيا بعض الأديان وجهل القائمين عليها، اضطر الوعي البشري للبحث عن بديل للإله يوفر له الاطمئنان ويحميه من استغلال رجال الدين لمفهوم الإله! ولأن مفهوم الإله قد تعددت صوره وأهدافه بعدد الأديان، فلم يعد من المقبول ولا من المقنع افتراض إله آخر أو إله جديد يُعيد للإنسان الاطمئنان بمفهوم الإله كما كان قبل تعدد الأديان ..، لذلك كان البديل هو محاولة إلغاء فكرة الإله، واستبدالها بفكرة العدم ..، حيث أصبح خيار المساواة السلبية يبدو أفضل من خيار التنافس غير المتكافئ! فرجال الأديان احتكروا أسرار العلاقة بالإله، وبالغوا في التضييق على البشر حتى كادوا يجعلوهم آليين لا ذوات لهم! ففضَّل الكثيرون من البشر خيار الفوز الآن مع احتمال الخسارة غدًا، على خيار الخسارة الآن مع احتمال الفوز غدًا! بالنسبة للبشر، إثبات وجود الإله لا يختلف عن إثبات عدم وجوده، فكلاهما محاولات فلسفية واستقرائية واستنباطية لا يمكن برهنتها! لذلك وجد الملحدون الاطمئنان في افتراض العدمية، كبديل لاستعباد رجال الدين لهم باسم الإله! وفي الواقع لا أحد يعرف الإله الحقيقة – لا الملحدون ولا المؤمنون! والإله الذي أنكره الملحدون هو إله الحاجة الذي تم تصويره واستغلاله على أنه إله الحقيقة، فبدا الملحدون وكأنهم يُنكرون وجود الإله الحقيقة الذي يجهله الجميع، وهذا غير صحيح، فالملحدون من خطابهم يتضح أنهم يُنكرون وجود الإله الظالم العابث الذي يسمح لبعض البشر بالسيطرة على بعضهم الآخر، ولا يُنكرون وجود إله يجهله الجميع