face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

السبت، 22 مايو 2021

العدمية .. فكرة مدحوضة أم حقيقة مرفوضة؟




للمأساة طرافتها .. عدمية مؤمنة وإيمان عدمي .. في حين يحتدم صراع الفكر والحُجَّة بين مفكري الإيمان وفلاسفة العدمية، نجد عامة الناس من المؤمنين يتجاوزون سؤال الوجود دون حاجة لتفكير ولا معاناة، حيث إن سلوكهم على أرض الواقع يؤكد أن قناعاتهم مشتركة – مناصفة بين العدمية والإيمان وكأن لسان حالهم يقول: بما أن الحُجج متضادة ومتعادلة، فإن الحقيقة غير معروفة، لكن المؤكد هو أنه لن يُحرَم عدميٌ من بعث ولن يُعفى مؤمنٌ من عدم - حسب النتيجة – غير المعروفة حتى الآن! إن العبث في السلوك إنما يعكس عدمية في الاعتقاد ! لقد أصبح البشر مزدوجي الاعتقاد : كلامهم إيماني وسلوكهم عدمي !! السلوك العدمي مُترجَم على الأرض في حياة الناس بتقديم المكاسب على المعتقدات ..، فالعدمية تعني أنه لاشيء معروف غير الذي نعرفه في الواقع، ولاشيء نملكه غير الذي نملكه بالفعل، ولا قيمة لشيء إلا بقدر ما ينفعنا وفي حدود تعريفنا نحن للمنفعة وتحققها على الواقع .. وهذا ما يقوله سلوك جل البشر على الأرض! فرق كبير، كالفرق بين حل مشكلة وخلق مشكلة .. ذلك هو الفرق بين القول بأصولية الأخلاق .. وبين الدعوة للاتفاق على تشريع أخلاق لهدف واقعي! الصيغة الأولى تستفز غريزة التحدي لدى البشر، وتضع الأخلاق منهم موضع اختبار لا موضع تنفيذ، ولم يحدث أن صمد أمر أمام اختبار البشر ! يمكن أن يكون العدميون وغير العدميين يرفضون العدمية كفكرة في قرارة أنفسهم ..، أو لنقل ترتعد فرائص جُلهم فزعًا لمجرد محاولة التفكير فيها .. لكن ما قيمة الرفض إن كانت العدمية حقيقة؟ أو .. إذا كان نفيها غير ممكن؟ جميل أن يكون لوجودنا غاية، وأن تكون هناك حياة أخرى بعد الموت، وأن تكون أجمل من هذه الحياة .. لكن، هل أمكن إثبات ذلك؟ أم هل يمكننا خداع أنفسنا؟ بعض المفسرين ينفون صفة العدمية عن فلسفة نيتشه – مثلاً، رغم أنها فلسفة عدمية بامتياز .. بالطبع ليس التنظير للعدمية منقبة لنيتشه وليس إثباته لها مثلبة فيه ..، المهم ما هي الحقيقة؟ لكن حتى إن صحت التفسيرات التي تنفي العدمية عن فلسفة نيتشه، فإن ذلك ينفي عنه فقط صفة فيلسوف، ويجعله مفكر ..، فالغاية تسبق التفكير عند المفكر، بينما النتيجة تعقب التفكير عند الفيلسوف! العدمية الأخلاقية هي القول بانعدام المُثُل العليا للأخلاق ..، أي انعدام أصول الأخلاق، واعتبارها تفضيلات شخصية بما يحقق مصالح مختلفة ..، وهذا ما قال به وأكده أو أثبته نيتشه .. أما العدمية بصفة عامة – سواء عند نيتشه أو عند غيره من الفلاسفة، فهي ليست كما يفهم البعض بأنها نفي للمعنى والقيمة عن كل شيء بما في ذلك الإنسان، إنما العدمية هي نفي الغاية من الحياة والوجود! والفرق كبير بين نفي القيمة والمعنى وبين نفي الغاية! القيمة هي ما نشعر به من ذاتية، وما يمكننا توفيره من قيمة لأنفسنا في الواقع – قياسًا إلى غيرنا ..، والمعنى هو ما يفرضه المنطق الطبيعي المشترك بين البشر فطريًا، من معانٍ للأشياء والأحداث والسلوك .. أما الغاية من وجودنا فهي تتطلب وجود طرف خارجي كان مسئولاً عن إيجادنا، وله غاية من وجودنا ..، ووجود هذا الطرف لا يكون بالتمني، ووجوده في أحسن الأحوال محتمل ! الإيمان يعني نفي القيمة عن الحياة لصالح الغاية .. العدمية هي منح قيمة للحياة على حساب الغاية! لا بد أن نشير هنا إلى أنه ليست الفلسفة والفكر، بل المؤسسات الدينية هي المسئولة عن ظهور العدمية، وذلك بسبب مبالغة هذه المؤسسات في محاربة الفكر، وإفراطها في إكراه الإنسان على اعتناقها مع التضييق على حرياته، والتهويل في الوعيد، حتى أضحى التحقق من مسألة الدين أمرًا ملحًا، وأضحت العدمية خيارًا أقل مأساوية، خاصة في ظل عدم إمكانية إثبات أي منهما .. الواقع البشري اليوم في صالح العدميين، ويدفع باتجاه العدمية ..، وذلك باعتبار أن الأمر ليس تخييرًا .. من يريد العدمية، ومن يريد الغاية من الوجود؟ بل الأمر هو أن الاثنين ممتنعان عن الإثبات والنفي .. والذي يرى العدمية لن يُحرم من البعث إن كان هناك بعث، لكنه حتمًا سيكسب حريته اليوم !! أما الذي يعتقد بوجود إله وغاية، فإنه يخسر حريته اليوم، ولن يُعفى من العدمية إن كان العدم هو المصير! وقول الإسلام بأن دخول الجنة أو النار هو أمر لا يعتمد على عمل الإنسان، إنما يعتمد على رحمة الله، هو قول يراد منه تمكين المؤمنين من تجاوز المنطق حين يصطدم بالدين، لكنه صب في صالح العدمية! وأما بالنظر من زاوية الأمن والسلم البشري، فإن العدمية لا تستحق منا فقط عدم محاربتها، بل تستوجب الدعوة لها، لتفادي المآسي والفظاعات المترتبة على الإيمان بالأديان !! وبالنتيجة فإن الإنسان لم يختر بدايته ليختار نهايته .. والعدميون لا يختلفون عن الدينيين من حيث حتمية اطمئنانهم لصحة ما يعتقدون به .. فالإنسان لا يمكنه خداع نفسه .. وهذا هو الأهم.

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ