face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 25 مايو 2021

افتعال الغموض لعرقلة الإدراك!






إدراك حقيقة الوجود، يؤدي إلى الملل والسأم من الحياة ! هي مأساة، وهنالك من استغلها، بادعاء امتلاك واحتكار الحقيقة، ليوهم غيره بوجود مبرر خفي للحياة، ليستفيد هو من حياتهم البائسة!  الإنسان في سويسرا مخيَّر بين حياة كريمة، وبين مساعدته على الانتحار - (سياحة الانتحار)! وفي الدول العربية والإسلامية، الإنسان مُخيَّر بين حياة النفاق والملل وحياة التشرد والعوز، مع منع وتحريم الانتحار!!
البشر عمومًا صنفان: مُدرِكون وغير مُدرِكين ..، الفرق بينهما تمامًا كالفرق بين المبصر والأعمى! الغير مُدرِكون، صنفان: واهمون وبُسطاء ..، وكلاهما يقلِّد غيره أو يقوده غيره، لأنه غير قادر على استيعاب مشهد الوجود من حوله، لتكوين رؤيته وقناعاته بنفسه! البُسطاء: هم العاجزون عن تكوين قناعات خاصة بهم، وفي ذات الوقت محصنون فطريًا ضد قناعات غيرهم .. البسطاء هم الواقعيون، قناعاتهم متغيرة (براغماتيون)! الواهمون: هم العاجزون عن تكوين قناعات خاصة بهم، لكنهم غير محصنين ضد قناعات غيرهم، مما يجعلهم مستوردين لقناعات غيرهم، فتُصنع قناعاتهم دون إدراك منهم لحقيقة ودوافع ونتائج ممارساتهم .. الواهمون هم المقلدون المتعصبون لقناعات غيرهم .. قناعات الواهمين ثابتة دون مقدرة منهم على تبريرها! ولذلك لا معنى لمحاورة الواهمين مباشرة ..، فتغيير بضاعة المستورِدين تتم عن طريق إقناع المُصدِّرين!
 - أليس الغرض من الكلام هو إيصال الفكرة وحسب؟ لماذا إذن تعقيد الكلام وتلغيزه بالصور الأدبية والشعرية البلاغية واللا مباشرة، واستعمال المفردات الغريبة، على مستوى السياسيين والمثقفين والأدباء والشعراء والفقهاء والمفكرين والفلاسفة، وعند صياغة الحِكم والأمثال والنظريات والروايات، .. الخ؟ لماذا لا تكون اللغة بسيطة والكلام مباشرًا في هذه المستويات، كما هو الحال على مستوى بسطاء البشر؟ - ألا تفي المباني العادية، بأغراض السكن والعبادة؟ لماذا إذن تضخيم المباني وتنويعها وتعويجها وزخرفتها، في المساجد والكنائس والقصور، .. الخ؟ - لماذا يتم تغيير موديلات كل المصنوعات، بألوان وتعديلات شكلية سطحية لا تؤدي وظائف جديدة؟ هنالك دوافع ثلاثة، كانت بالأساس وراء كل هذا التعقيد الشكلي المتعمد في اللغة وفي غيرها من الأشياء في حياة البشر .. الدوافع الثلاثة هي: دفع الملل عن النفس البشرية، وإشباع رغبتها الشديدة في المعرفة، وعرقلة قدرتها على الإدراك ..، لأن الإدراك هو مسبب الملل! هذه الدوافع الثلاثة تحولت مع الأجيال إلى وسيلة خبيثة لتحقيق هدف واحد، هو سيطرة بعض البشر على بعضهم الآخر! يستعمل الحُذاق هذه الشكليات لتوجيه البُسطاء والواهمين، مثلما يستعملها البالغون لتوجيه الأطفال! الغرض من هذه الشكليات اللغوية والمادية، كالغرض من صناعة الأساطير، حيث لا قيمة لها في الحقيقة، سوى إبهار النفس البشرية وعرقلة اندفاعها المعرفي الطبيعي .. حقيقة الأمر أن النفس البشرية مجبولة على المنطق، ولذلك فهي بطبيعتها دائمة البحث والسؤال، عن سبب ومبرر وجودها في المكان والزمان .. وعدم حصول النفس البشرية على الجواب، يحرمها الاستقرار والجدية المطلوبان للحياة والعمل، حيث تشعر أن كل جهد تبذله قبل حصولها على الجواب، هو جهد غير مبرر، فتتوقف عن بذل أي جهد، وتتوقف بذلك الحياة! والنفس البشرية سريعة الملل من كل ما تفهمه وتستوعبه! فالنفس البشرية لا يوقفها إلا الغموض .. اختلاف البشر من حيث المقدرة الفكرية، جعل بعضهم ينتظر الجواب من غيره، وهذا دفع بعضًا آخر منهم لاستغلال هذا الانتظار، فظهروا من يفتعلون مبررات للحياة لإيهام من ينتظرون الجواب من غيرهم .. المبررات المفتعلة لم تقنع الجميع، وبذلك انقسم البشر عمليًا إلى أربعة أصناف، هي التي نشاهدها اليوم: صنف يدعي امتلاك واحتكار الحقيقة .. وصنف متسائل طوال الوقت، لم تقنعه المبررات المفتعلة .. وصنف مستورد للجواب، واهم متعصب لحقيقة مفترضة، يعيش بمبررات لا يُدرك حقيقتها .. وصنف سطحي براغماتي لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء .. الذين يدعون امتلاك واحتكار الحقيقة، يرون في المتسائلين خطرًا على مشروعهم، ولذلك يجندون الواهمين المتعصبين، لمحاربة المتسائلين، وهذا هو سر العداوات والمآسي والحروب الطائفية العقائدية! النفس البشرية بطبيعتها تتوقف عند كل أمرٍ لا تُدرك أسراره .. وهذا ما جعل من التعقيدات والتغييرات الشكلية، وسيلة بأيدي الحذاق لإبهار الغافلين .. مع مرور الأجيال، أصبح إبهار البُسطاء والواهمين، وسيلة لإقناعهم بالحياة والوجود في الزمان والمكان ..، وأصبح بذلك إبهارهم والسيطرة عليهم واستعمالهم كأشياء بشرية، غايةً ومبررًا لحياة الحذاق منهم! توقف النفس البشرية عند الغموض، ليس حبًا أو ميلاً طبيعيًا للغموض، لكن أملاً في العثور على الجواب! وفي الحقيقة، النفس البشرية لا تتوقف إلا مؤقتًا عند الغموض وما لا تدرك أسراره من الأمور والأشياء، إذ سرعان ما تفترض للمجهول تفسيرًا يناسبها لكي تتجاوزه! لكن اختلاف البشر من حيث الإدراك وعدم الإدراك، جعل بعضهم بمثابة الغموض المتجدد الذي يستوقف بعضهم الآخر دائمًا .. ولذلك فإن كل من تحرر فكريًا، واستوعب حقيقة الحياة، شعر بالملل، وأدرك أنه لا مبرر للحياة سوى أحد أمرين: إما مجرد استمتاع بالحياة، أو تغيير العالم بتوحيد ثقافة البشر! تغيير العالم هو الهدف الذي جُنَّ بسببه وهلك دونه كل الفلاسفة والمفكرين الكبار تقريبًا ..، وهو ذاته الهدف الذي يتم اليوم من أجله تشريع القتل غدرًا والإرهاب وتجنيد الانتحاريين الإسلاميين ..، مع الفارق الكبير بين رؤى ووسائل ودوافع الفلاسفة والإسلاميين! وكذلك الاستمتاع بالحياة، فهو يختلف من إنسان لآخر، فهنالك من يكتفي بالحد الأدنى منه، وهناك من لا يرضى بالقليل .. وبسبب هذه الاختلافات ينتحر أحيانًا بعض البشر، ويتمسك غيرهم بالحياة، رغم أنه تبدو لنا شروط الحياة متوفرة للمنتحرين، وشروط الانتحار متحققة لدى المتمسكين بالحياة!

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ