face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 2 يونيو 2021

اللاهوت والناسوت!




يعتقد المؤمنون (أتباع الأديان الإبراهيمية – بشكل خاص)، بأن المسيح "عيسى ابن مريم" رسولٌ، بعثه الإله إلى بني إسرائيل، وأيده بمعجزات يصعب تصديق حدوثها- اليوم، ويصعب معها تكذيب رسالته ونبوءته في عصرها! والحقيقة أن الاعتقاد بولادته من غير أب، ومن أُم عذراء- ليست متزوجة وليست بغي، وكلامه في المهد، وإحياؤه الموتى، وغيرها، كلها خوارق لو أنها حدثت بالفعل- أو لنقل لو أنها تحدث اليوم على يد بشر، لاتَّبعه وسلَّم بنبوءته ورسالته كل مَنْ عاصره وكل مَنْ جاء بعده – باعتبار أن الجميع سيتمكنون من مشاهدته بفضل العلم والتقنية في عصرنا..، مع عِلمنا بأن المسلمين يعتقدون بأنه قد يأتي أو أنه حتماً سيظهر رجلٌ في آخر الزمان يدَّعي النبوة، وسيطلب من الناس اتِّباعه، وأنه سيقوم بفعل أشياء تخرق الناموس البشري (معجزات) شبيهة بمعجزات عيسى..، ويعتقد المسلمون بأن مَنْ يتَّبع ذلك الساحر الخارق ويعتبره رسولاً، فهو ضال وكافر وجزاؤه جهنم..، في حين أنَّ "عيسى ابن مريم" قد فعل ذات الشيء، ولم يُجرَّم مَنْ اتَّبَعه، بل تم تجريم الذين كفروا به، وتمسَّكوا برسالتهم ورسولهم السابق..، فما ذنب الذين كذَّبوا "عيسى" – رغم معجزاته – إذا كانت لديهم روايات وتوصيات وتعاليم منقولة لهم عن رسولهم – مثل رواية المسلمين – لا مجال لدحضها ولا لإثباتها، وتأمرهم بعدم الإيمان بمن يأتي من بعده- مهما تكن معجزاته وخوارقه..، تماماً كما يعتقد المسلمون اليوم- لاسيما وأنهم يعتمدون على روايات بشرية، لا وجود لها في كتابهم المقدَّس! فهل تكون معجزات الرُسُل مُطابقة لشعوذات السحرة..، ثم يُعاقَب الإنسان لعدم قدرته على التفريق بينها؟ وهل- بحسب الأديان- تكون رسالة البشر هي عبادة الإله أم فك ألغازه؟ وأما اعتقاد أتباع بعض الأديان بأن الإله سيُمكِّنهم- دون غيرهم- من كشف أسرار مشعوذ آخر الزمان، وأنهم سيجتنبون الوقوع في حبائله التي سيقع فيها غيرهم..، فليس ذلك سوى من قبيل ضحك الحُذاق على ذقون البُسطاء والضعفاء- من أجل المحافظة على بقاء كلٍّ في مكانه ومركزه..، حيث إن مثل هذه المغريات الوهمية التي تُخاطب العواطف وتُدغدغ الأحلام ولا مجال لإثبات صحتها، هي موجودة بشكل أو بآخر في كل الأديان والمعتقدات، ولا تختلف إلا باختلاف الثقافات والعادات بين الشعوب المختلفة! فلا يتمسَّك قومٌ بدينٍ ويرفضون غيره، إلا إذا ميَّزهم عن سواهم، وطمأنهم مما يخافونه، ووعدهم بما يحلمون به..، وجُل البشر يتجاهلون أنه إذا كان لا مجال لدحض ما يعتقدون به، فإنه لا مجال لإثباته أيضاً – وذلك هو الأهم..، حيث إن اعتقاد الإنسان بأمر ما، والاكتفاء به، سيحرمه ويمنعه من الخوض في سواه والبحث عن الحقيقة! والاعتقاد الجازم بصحة ما لا دليل على صحته، هو شأن السُذَّج والمغفلين والأغبياء، وهو ما لا ينبغي للعقلاء- خاصة في الأمور المصيرية! إن الاعتقاد بهذا الدين أو إتِّباع تلك الطائفة، هو شأن شخصي، أو لنقل هو أمر طبيعي – باعتبار أنه قاسم مشترك بين جُل البشر؛ أما ما لا يمكن فهمه أو قبوله من عاقل، فهو جزمه بصحة اعتقاده وبفساد معتقدات غيره-رغم علمه بأنهم جميعاً يسوقون ذات المبررات، ثم إصراره على عدم البحث والمقارنة، أي إصراره على عدم استعمال العقل! أما الاعتقاد بأن معجزات "عيسى" كانت خارقة إلى هذا الحد، لأن بني إسرائيل كان دأبهم تعجيز الرُسُل لإثبات رسالاتهم ،"وهو دأب العقلاء والباحثين عن الحقيقة"..، فهو تبرير ثقافي تاريخي لا يرقى إلى مستوى الإجابة! إذ لو كان الأمر تحدياً إلهياً لبني إسرائيل، إذن لخسروا الرهان وآمنوا جميعاً! وأما القول بأن معجزاته – كما معجزات كل الرُسُل- إنما هي لإقامة الحُجَّة على الكافرين..، فذلك أيضاً قول لا يرقى إلى مستوى الإجابة – إلا إذا كان المقصود بالكافرين الذين قامت عليهم الحُجَّة هم فقط أولئك الذين عاصروا وشاهدوا تلك المعجزات وكذَّبوا بها..، ولا حُجَّة على سواهم من اللاحقين ومن المعاصرين الذين لم يتسنَ لهم مشاهدة تلك المعجزات! أما القول بأن معجزات العصور السابقة، هي حُجَّة على أجيال العصور اللاحقة..، فذلك قول يدحض نفسه بنفسه؛ حيث إن الإيمان والاعتقاد بالمعجزات وبغير المعجزات لا يُورَّث! ولو صحَّ توريث الأديان والعقائد، إذن فلا حُجَّة لله على الضالين، الذين ضلوا بسبب اتِّباعهم واعتناقهم لما ورثوه عن أجدادهم وآبائهم من عقائد فاسدة – ظناً منهم أنها الحق، وربما يشمل ذلك كل البشر! 
 تقول الروايات، إنه وبسبب ذهول بني إسرائيل من حجم وغرابة معجزات نبيهم "عيسى ابن مريم"، لم يتردد بعضهم في تصنيفه إلهاً أو جزءاً من إله (إقنوم)، كما لم يجدوا بُدَّاً من تصنيفه كإنسان في ذات الوقت – بسبب ضعفه وحاجاته البشرية ومعرفتهم بأمه، ولذلك أطلقوا عليه هاتين الكلمتين في محاولة منهم لإيجاد تفسير لتلك الظاهرة.. ومعلوم أن المقصود بكلمتي لاهوت وناسوت، هو أن "عيسى ابن مريم"، كائن خاص، يُمثِّل اتحاد الجانب الإلهي من جهة الأب، مع الجانب الإنساني من جهة الأم؛ حيث يؤمن ويُصدّق المسلمون والمسيحيون، بأن"عيسى" هو كلمة الله وهو المؤيد بروح القدس..، ويعلمون أنه قد أشكل على بعض بني إسرائيل في حينه، استيعاب ولادته من أم عذراء ومن غير أب، وكذلك إحياؤه الموتى؛ فلم يجدوا تفسيراً لذلك إلا أن يكون ابناً للإله، أو أنه هو الإله ذاته. والحقيقة أن مُعجزات "عيسى"- إن صحَّت وثبتت- فهي لا تُخالف ناموس البشر العاديين فحسب، بل هي تستعصي على الفهم الفلسفي والفكري، ولا يمكن أن يكون فَهْمُ الذين آمنوا به من بني إسرائيل لها موضوعياً، ولا يمكن تفسيرها واستيعابها وإزالة اللبس فيها إلا في ضوء إيمان أعمى – لا واقعي لا منطقي لا عقلاني. وفي كل الأحوال، فإنه لا مناص للمؤمن بمثل هذه الأُحجية، من أن يُصدِّق بإمكانية أن يكون للإله ولد أو صاحبة، وأن تكون به حاجة لذلك، أو أن يتمثل في صورة إنسان، فَيُهان كما يُهان البشر. ولا شك أن كل مَـنْ يؤمن بصحة قصة "عيسى" وولادته من أُم بشرية وبنفخة إلهية في فرجها، فهو يؤمن بأن "عيسى" هو ابن مريم من جهة وهو ابن الله من جهة أخرى، مهما كابر وادَّعى ذلك المؤمن أنه يؤمن بغير هذه الحقيقة! 
إن ما يُقال عن "عيسى وأمه مريم"، ينبغي أن يُقال عن "آدم وزوجه حواء"، إذ أن ذات السؤال قائمٌ حول أُحجية الاعتقاد بخلق حواء من ضلع آدم، فلا معنى لكيفية ظهورها إلى الوجود إلا أن تكون ابنة إله – حيث إن البشر كان منهم الذكر- الأب " آدم"، في حين كانت منهم الأنثى- الأم " مريم" في حال "عيسى". والحقيقة أن ذات الأمر ينطبق على كل البشر، حيث إن الاعتقاد السائد هو أن آدم قد خلقه الله من تراب، ونفخ فيه من روحه، فكان آدم الذي يحمل روح الإله، وهو أبو الإنسان، وبذلك يكون كل البشر أبناءً لآدم وأحفاداً للإله! فكيف يفهم العقل السليم أن ينفخ إلهٌ من روحه في صلصال ليخلق إنساناً، وينفخ من روحه في إنسان ليخلق إنساناً آخر ؛ .. ثم يُجرَّم العقل أو يُتهم بالقصور إذا قال بأنهم أبناء الإله. ربما كان السؤال الأهم والأشمل، هو.. مَنْ يكون وماذا يكون الإنسان الضعيف الفقير المريض الميت، بالنسبة لإلهٍ يحمل الصفات المطلقة – كما تنص الأديان ويُردد الفقهاء..، مَنْ وماذا يكون، حتى يُرضي هذا الإنسان الإله بإيمانه، ويُغضبه بكفره، فيعاقبه الله بالنار أو يكافئه بالجنة، ويتخذ منه عدواً أو مُقرّباً وخليلا! إن الأمر لا يستقيم إلا أن يكون الإله الذي يتصوره الفقهاء أضعف من ذاك الذي يعتقد ويؤمن به البُسطاء!

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ