face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 27 يناير 2021

وهم الإرادة .. رسول أوهامنا المزمنة!







وجود بشر يحتاجون بالفعل إلى من يقتدون به سلوكًا وقناعةً واعتقادًا، هو دليل عدم أهليتهم للمسئولية، وبالتالي انعدام الإرادة لديهم، فلو كانوا أهلاً لاختيار من يقتدون به لما احتاجوا له! فهل حقًا يمتلك الكائن البشري إرادة، بما يجعله مسئولاً عن سلوكه وقراراته، ويمنحه قيمة خاصة؟ أم أن ما يميز البشر عن غيرهم هو فقط وعيهم بما يفعلون؟ وعي البشر بما يفعلون هو حقيقة، لكنه دليل ذاكرة تؤهلهم للاختيار والمفاضلة – لا دليل إرادة تؤهلهم للمسئولية، فهو مجرد وعي آني لا مستقبلي، بدليل حصول الفشل والندم عادةً! لا شك أن اعتقاد البشر بوجود إرادة لديهم، مصدره عدم معرفتهم لآلية صُنع القرارات فيهم! ماذا يقصد المسلمون بمفهوم الجهاد لنشر الدين بالسيف، ومفهوم حد الرِدَّة – مثلاً؟ هل يقصدون أن البشر لديهم إرادة دخول النار، وأن الإسلام أمر بكسر أو سلب إرادة البشر لإدخالهم الجنة؟ وهل تصح محاسبة مسلوب الإرادة – عقابًا أو ثوابًا؟ أم هل يصح افتراض إرادة لدى الإنسان بدخول النار؟ أم يقصدون أنه لا إرادة أساسًا لدى البشر، وأن سلوك البشر تفرضه عليهم القوة والحاجة؟ وهل هناك معنى لإيمان أو كفر من لا إرادة لديهم؟ وما المقصود بمراقبة سلوك عوام المسلمين بواسطة خواصهم، وتوجيههم باستمرار من المهد إلى اللحد؟ هل المقصود هو تصنيع بشر مسلمين وإيمان شكلي؟ إذا كان الأمر كذلك – وهو ما يقوله الواقع-، إذن يكون المقصود من الدين الإسلامي هو تحويل البشر إلى ملائكة بشرية أرضية بواسطة بعض البشر، وليس تبليغ البشر وامتحانهم – كما يزعمون! في كل الأحوال من الواضح تمامًا أنه لا قيمة ولا معنى إطلاقًا لإيمان تحت الإكراه – دخولاً أو ممارسة – سواء بسلب الإرادة أو بانعدامها! لكن لا شك أن ذلك الوهم المُسمَّى إرادة – سواء عند السالب أو المسلوب -، هو الداء الكامن خلف كل هذه المفارقات التي لا معنى لها سوى جهل البشر بأنفسهم، وبحثهم عن إرادتهم المزعومة على حساب بعضهم! إن ظاهر سلوك البشر يوحي بإرادة كاذبة، يُدرك كل إنسان أنه لا أصل لها في نفسه! الموظف الذي لا يلتزم عادةً بتوقيت عمله، هو كذلك لأنه يميل لا إراديًا لأن يكون غير ذلك لا لأنه أراد ذلك! مقارنة البشر ببعضهم تحت ذات الظروف، خطأ شأنه شأن إخضاع حيوانات مختلفة لذات الاختبار! - حقيقة الإرادة عند البشر، هي أنها نتيجة – لا قرار! عند بحثهم عن تفسير لسلوك الانتحار، اكتشف البشر أن إرادة بعضهم تُملى عليهم – وإن بدا أنهم يمتلكونها، وفي الحقيقة كل أفعال البشر مجرد انتحارات صغيرة! المسلمون يُبطلون الطلاق إذا صدر تحت ظروف خاصة، وفي الواقع لا يحدث طلاق إلا تحت ظروف خاصة! الإرادة – حتى بافتراض وجودها -، هي ليست قوة يمكن قياسها، وليست عضوًا ماديًا من أعضاء الجسد يمكن معاينتها ومعرفة متى تعمل ومتى تتعطل! منح فرصة للمسلم بالتراجع عن قرار طلاق حصل في ظروف اعتيادية، هو إقرار بأنه لا قيمة للإرادة المزعومة، إذ أنها لا تعني إدراك البشر لعواقب سلوكهم وتحت كل الظروف، مما استوجب تخويفهم بتحديد عدد مرات الطلاق، ما يعني أن التخويف يصنع الإرادة، .. .. أي أن إرادة الإنسان تُصنع خارجه! مأساة البشر ليست في أنهم لا يعون من الحقيقة إلا ما برز منها على السطح وفرض نفسه عليهم، .. مأساتهم في إلزامهم لأنفسهم بتكهناتهم لما خفي منها دون مبرر! ما لا يكتشفه البشر من موجبات السلوك يتجاهلون وجودها، ويعتبرون السلوك حرًا اختياريًا إراديًا، هكذا وُجِد مفهوم الإرادة، والفعل العمد، والمسئولية، .. الخ، إلى أن افترض البشر لأنفسهم قيمة كونية حملت معها مسئوليات ومآسٍ جسيمة لا أساس ولا مبرر لها، فقط استنادًا إلى امتلاكهم إرادة مزعومة – وهمية! لو كانت آلية صنع كل القرارات لديهم، واضحة وكبيرة بحجم ووضوح عوامل قرار الانتحار، لرآها كل البشر، ولأدركوا أنه لا يوجد لديهم شيء اسمه إرادة، ولتغير بذلك مشهد الوجود البشري من الأساس، وهو ما ينبغي أن يكون، وهو ما سيكون حتمًا! البشر ما زالوا مثل سائق يسير ليلًا بأضواء التوقف، لا يرى ما أمامه حتى يصطدم به ..؛ فلو ينظر البشر أمامهم – لا بأضواء العبقرية الكاشفة، بل فقط بأضواء العفوية الصادقة، لكن بقصد أن يروا ما أمامهم كما هو، لا بقصد أن يتخيلوا ويعتقدوا ما أمامهم كما يريدون ؛ إذا حصل ذلك فلن يكونوا بحاجة لانتظار تتابع واكتمال المراحل لبلوغ أمورٍ محتومة، وبلوغها ممكن في كل مرحلة، وببلوغها تنتهي مآسٍ قائمة لا مبرر لقيامها! لا معنى لإرادة بدون مسئولية، ولا مسئولية تنشأ عن إرادة عمياء! كثيرًا ما يندم البشر على أفعالٍ أتوها بمحض إرادتهم المفترضة وفي ظروف اعتيادية، ما يعني أن الإرادة المزعومة لا تعني إدراك الإنسان لعواقب ما يفعل، وهذا يعني أن السلوك مجرد قرارات تلقائية تفرزها معطيات وظروف، ليس من المنطق أن تترتب عليها مسئولية! سلوك الجماد يُصنع داخل ذراته وبينها، وسلوك الكائن الحي يُصنع داخل خلاياه وبينها! الكائن البشري ذو الكيان الصانع لإرادته، المستقل عنها، المسيطر عليها من خارجها، هو كائن خيالي يحمل صفات الإله، لا يمكن أن يكون له وجود! لكي يمتلك الكائن إرادة، ينبغي أن يكون قد أوجد نفسه بنفسه! وعي الكائن البشري وإدراكه وتذكره لما يفعل، لا يعني أنه الفاعل من خارج الفعل، إنما هو يتجسد في الفعل! علاقة الكائن البشري بإرادته، هي علاقة أعضائه ببعضها وعلاقة جسده بما حوله- علاقة تفاعلية تكاملية! لا بد أن يشعر الإنسان بالبرد لكي تتكون لديه حاجة ثم إرادة للتدفئة، ثم لا بد أن تتوفر لديه إمكانية ذاتية وخارجية لصنع التدفئة لكي يصنعها! الإنسان مجرد وعاء تتفاعل مكوناته مع محيطها! ما يبدو أو ما يُسمَّى بالإرادة لدى بعض البشر أكثر من غيرهم، متمثلة في إصرارهم على إحداث أمر ما بأي ثمن وبأي جهد - إحداث تدفئة مثلاً، هي إرادة اسمية شكلية، تُعبِّر عن عوامل خارجية وداخلية – ليس الإنسان فيها سوى إطار خارجي ..، فإذا صحَّ اعتبارها إرادة، إذن تقابلها لدى الآخرين إرادة تَحمُّل البرد - لقناعتهم بعدم بضرورة التدفئة مقابل ذلك الجهد والثمن؛ لكن الحقيقة ليس الأمر تفعيل إرادة هنا وتعطيلها هناك، إنما هو في الحالتين خضوع تلقائي لقناعات لا إرادية! القناعات تصنع قرارات البشر، والبشر لا يصنعون قناعاتهم! بعض البشر يعجز عن إحداث التدفئة ويموت بردًا، وليس بعد الموت من محفِّز للإرادة لو كان لها وجود ؛ وليس من المنطق أن يُحسب على العاجز عجزه! إرادة البشر ليست حقيقية، هي مجرد وصف مجازي لظاهرة سلوكية حتمية، تمثل حصيلة تلاقي عوامل خارجية قاهرة ومساعدة بمعطيات داخلية تعمل ذاتيًا! مفهوم الإرادة ليس له أساس فلسفي ومنطقي، فأساسه عقائدي ثقافي اجتماعي تحفيزي – جماعي لا فردي! الفرد يُدرك في قرارة نفسه أنه مُكرهٌ في كل قراراته، ولا حضور ولا سيطرة لإرادة حقيقية له فيها! الانتحار فعل فردي عادةً، والبشر لا يعتبرون فعل الانتحار ناجمًا عن إرادة – غالبًا، إنما يبحثون له عن دوافع ومسببات يُحمِّلونها مسئولية القرار والفعل من وراء الإرادة ؛ .. لماذا؟ لأن بهم حاجة لتكريس فكرة تطمئنهم - بغض النظر عن حقيقتها من عدمها -، وهي فكرة أن حب الحياة يمثل إرادة مشتركة بين كل البشر، وأن ذلك دليل وجود شيء اسمه إرادة يُثبت قدسية الحياة وخصوصية البشر ؛ فإذا تم اعتبار الانتحار سلوكًا ناجمًا عن إرادة، وهو ضد الحياة، إذن الحياة ليست مقدَّسة كما يحبونها أن تكون، أو أن البشر يختلفون في أمور وجودية أساسية، أو أن حبهم للحياة ليس وليد إرادة لديهم، ونزع الإرادة منهم يعني سقوط المسئولية عنهم، وبالنتيجة ضياع حلم الخصوصية والقيمة الكونية المفترضة للبشر ..؛ كل هذه حقائق، لكن البشر قد اعتادوا وتوارثوا ثقافة محاربتها والنفور منها ومحاولة دحضها أو إخفائها وتجريم الاقتراب منها، ما جعلهم يستعملون المنطق واللا منطق في سبيل فرض ثقافة وجود الإرادة وثقافة قدسية الحياة! لهذا السبب، نرى دعاة الحياة أو عبيدها من البشر، يحاولون نزع صفة الإرادة عن الانتحار، أو نزع صفة الإنسانية عن المنتحر ..، وكل ذلك مجرد عبث سيتوقف يومًا ويزول معه وهم الإرادة المزمن! 
 ماذا عن الأعمال التطوعية، أليست دليل إرادة؟ كلا ليست كذلك، وتسميتها بالتطوعية، هو إقرار ودليل على أن كل ما عداها إجباري! حتى بافتراض أن الأعمال التطوعية نتاج إرادة، فهي لا تمثل شيئًا يُذكر في حياة البشر، وهي بذلك مجرد إثبات أن كل ممارسات البشر لا إرادية ..؛ لكن حتى ما يُعرف بالأعمال التطوعية هي ليست إرادية ..؛ عمل إجباري يعني أن الظروف التي أجبرت الإنسان على فعله ظاهرة قاهرة معلومة! عمل تطوعي يعني فقط أن دوافعه ومسبباته ليست مادية وليست قاهرة آنيًا، لكنه ليس بدون قوة خلفه تدفع الإنسان إلى فعله! 
 كيف يتشكل الإنسان وإرادته المزعومة؟ يتولى الوالدان مهمة إظهار كائن بشري إلى حيِّز الوجود، بمواصفات مجهولة ..؛ تستلمه طبيعة هي أقوى تأثيرًا وأعقد وأكبر من أن يُحيط بها البشر علمًا – ناهيك عن التحكم بها ..؛ تصطدم عوامل البيئة الخارجية بمواصفات الوليد الداخلية، فتتشكل آلية صنع السلوك لديه .. تُعاقِب الحكومات الأهل على سلوك أبنائهم، اعتقادًا من الجميع بأن الأهل هم المسئولون عن صناعتها ..؛ يلوم الأهل رفاق السوء اعتقادًا منهم بأنهم حرَّفوها ..؛ يلجأ الأهل إلى رجال الدين وعلماء النفس والاجتماع لإصلاح سلوك الأبناء، لعلمهم بقدرة هؤلاء على صنعها وتوجيهها، وتوهمًا منهم بوجود معيار للصواب ..؛ وما كل هذا اللغط والهرج والمرج سوى إثبات أن إرادة البشر تُصنع خارجهم، ولا صحة لامتلاكهم لها ..؛ إن بشرًا يحيك حاذقهم إرادة غافلهم، ويفرض قويهم إرادة ضعيفهم، ويطمس كبيرهم إرادة صغيرهم، ويصنع ذكيهم إرادة غبيهم، .. الخ؛ بشر يصنعون إرادة بعضهم، ثم يعتبرونها مستقلة ..؛ بشر تصنعهم ظروف وتُملي عليهم قراراتهم، وبعضهم ظروف لبعضهم الآخر ..؛ بشرٌ تصنع الحاجة والخوف والجهل والطمع قناعاتهم، وقناعاتهم تصنع قراراتهم ..؛ بشر تقودهم غرائز لا يوقفها سوى خوف من عواقب ..؛ بشر هذه هي حقيقة كنههم، أنى تكون لهم إرادة تبرر مسئوليتهم عن سلوكهم

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ