face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 5 يناير 2021

مَنْ هُم أهل الذِكر ومَنْ الذين لا يعلمون؟


 

فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ! هذا النص من القرآن، يُستدل به عادة، للإشارة إلى أمورٍ ثلاثة: الأمر الأول: أن المجتهدين والفقهاء والأئمة والخطباء المسلمين، هم أهل الذكر المعنيين في هذا النص، وأنه ينبغي سؤالهم وطاعتهم في أمور الدين ومعاملات البشر! الأمر الثاني: أن مفهوم "الذِكر" – هنا، يُشير إلى القرآن ذاته، أو هو العِلم الذي لا يمكن بدونه فهم القرآن وتفسيره؛ وأنه عِلمٌ لا ينبغي لأحدٍ من الناس، إلا لأولئك الذين يمتلكون قدرات ذهنية فكرية خاصة خارقة، منحها الله لهم ويسر لهم السبيل دون سواهم! وهنا في الحقيقة تبرز مفارقة كبيرة، وهي أنه حتى لو كان الأمر كذلك، فإن الاختلاف الجذري والجوهري بين الفقهاء والمذاهب والطوائف (سلفي، صوفي، إخواني، شيعي، ..الخ)، يستوجب أن يكون الإنسان العادي أفقه من كل الفقهاء، لكي يُحدد أيهم الصائب، أو أيهم المؤيد من عند الله..، فالفقهاء لا يحملون علامات أو براهين تميز المهتدي منهم من الضال – لكي يهتدي بهم الضال العادي..، ولعل هذا هو السبب الذي جعل جُل المسلمين يتجاهلون كل المذاهب عمليًا، وهو ذات السبب الذي جعل بعض المذاهب – كالسلفيين – يضطرون لاستخدام القوة والعنف والإرهاب، لتركيع البشر لمذهبهم لا لله! وهو ذاته الذي جعل الإخوان يسعون للسلطة لابتزاز البشر بُغية تركيعهم لمذهبهم لا لله! فجميعهم لا يحملون آية، ولا يملكون دليلاً ولا حُجَّة تُقنع البشر..، فإذا مُنِح البشر حرية الاختيار والمفاضلة بين المذاهب والطوائف، فستسقط كل المذاهب والطوائف بين عشية وضحاها..، ولذلك انقلبت الآية فأصبحت المذاهب والطوائف هي التي تذهب للبشر، وتفرض عليهم فقهها وأفكار منظريها بالقوة والخداع وباستغلال الحاجة المادية للبشر..، ما أحال المذاهب إلى مشاريع مادية دنيوية ربحية تنافسية، وليست مجال فكري وسبيل روحي لإيصال رسالة إلهية وإخلاء ذمة بشرية! الأمر الثالث: إشارة إلى غالبية المسلمين باعتبارهم لا يعلمون ما يعلمه أهل الذكر، وأن عليهم الاتباع والطاعة العمياء لاجتهادات وفتاوى أهل الذكر – وذلك حتى إذا أفتوا واجتهدوا بما يُخالف العقل والمنطق! .. انتهى. ومما يوجب التوقف ويُثير التساؤل هنا، هو أنه لا وجود لهذه الإشارات الثلاث في النص القرآني – موضع الاستدلال، بالمعنى المستدل لأجله والشائع بين المسلمين..، وأن الفقهاء لا شك يُدركون ذلك، والسؤال هو: لماذا لم يُحدد الفقهاء لعموم المسلمين، التفسير الصحيح والقصد من هذا النص، ولماذا لم يُفتوا بعدم جواز الاستدلال به في غير محله؟ إنه وحتى على افتراض أن فقهاء اليوم أو بعضهم، لا يستدلون بالتفسير الخاطئ لهذا النص، إلا أن هذا التفسير بالأساس لا شك أنه صادر عن فقيه، وينبغي أن يُصححه فقيه مثله..، فالسكوت عليه اليوم لا يختلف عن الإفتاء به أو إشاعته بالأمس! ليس من السهل اتهام كل الفقهاء بابتداع هذا التفسير الخاطئ أو بالتستر عليه، على أساس أن السبب هو عدم وجود صفة رسمية للفقاء، تمنحهم الحق في فرض آرائهم على الناس، وعدم وجود نص آخر يحث الناس أو يأمرهم بطاعة الفقهاء! فمن هم أهل الذِّكر، ومن هم الذين لا يعلمون، بحسب النص، وليس بحسب ما هو شائع ومستعمل في الثقافة العربية، وفي الفقه الإسلامي؟ وما هو الذِّكر؟ وهل من علاقة خاصة بين مفهوم "أهل الذِّكر"، والفقهاء! هنا نص قرآني يقول بأن القرآن مُيسَّر للذِّكر – وليس هو الذِّكر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }القمر17. وهنا نص قرآني آخر يقول، إن القرآن يُحدِث الذِكر وليس هو الذِكر ذاته: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً }طه113 . هنا نص قرآني يقول إن عدم القدرة على فهم القرآن هي عقوبة خاصة بالذين لا يؤمنون بالآخرة، وليس بالعرب أو بالناس أجمعين: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }الإسراء45 . {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} الإسراء46. فإذا كان القرآن غامضاً وفهمه عصياً حتى على العرب المسلمين؛ فما ذنب الأعاجم من غير العرب وغير المسلمين؟ وما السبيل لمن أراد منهم دخول الإسلام؟ أي الطوائف عليه أن يتّبع، وأنّى له أن يختار الطائفة أو الفرقة الناجية؟ أقول.. إن هذا النص القرآني واضح وصريح و يسير غير عسير (… فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ !)، وعلى افتراض صحة السياق الذي يُستعمل له، وأن أهل الذكر هم الفقهاء، فإن المستدلين به يتجاهلون أمرين أساسيين بارزين في هذا النص، وهما: (أ)- إن الخطاب ليس موجهاً لأهل الذكر، حتى يمنعوا غيرهم من تفسير القرآن والتحاور به وحوله! بل إن الخطاب موجه للذين لا يعلمون، فهم المطالبون بالبحث أو السؤال عما يجهلون! إذاً، فالذين يعتقدون بأنهم هم أهل الذكر، ليس من حقهم أن يُقرّروا بأن غيرهم لا يعلمون؛ أي أن الله قد شرّع بهذا النص، أن الإنسان أدرى بنفسه وأحق وأجدر من غيره في أن يُقرّر ما إن كان يعلم أو لا يعلم! فهو مسئولٌ عن ادعائه العلم، كما أنه مُطالبٌ بالسؤال عما يجهل، وهو مسئولٌ عن اختياره لمن يسأل! فالذين لا يعلمون إذاً، هم المسئولون وهم المطالبون بالإعلان عن أنفسهم، والمطالبون بالبحث عن أهل الذكر، وليس العكس! (ب)- إن الخطاب جاء بصيغة التشكيك في حقيقة أنهم لا يعلمون! .. (… إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ !)، أي أن الأمر ليس غامضاً وليس عسيراً عليكم حتى تجهلونه! وفي ذلك إشارة إلى أنه عليهم الإقرار أولاً وربما إثبات أنهم لا يعلمون، ثم إن لهم بعد ذلك أن يسألوا أهل الذكر! وفي هذا التشكيك، إشارة واضحة وقوية على أن الأمر الذي يعلمه أهل الذكر، هو أمرٌ مُتاحٌ في متناول الجميع إن شاءوا معرفته، وأنه ليس علماً خاصاً بأهل الذكر، وأن الذين لا يعلمون ربما كانوا يدّعون عدم العلم وليست حقيقة أنهم لا يعلمون، وإنما ادعوا عدم علمهم بالأمر للتشكيك في صدق الرسول! ( … فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ !) .. أما الأمر الأهم فهو يكمن في خطأ السياق الذي يُستدل فيه بهذا النص، ويتضح ذلك عند قراءة النص كاملاً .. يقول القرآن: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43. {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} الأنبياء7. فلا اختلاف ولا خلاف على أن المقصود بأهل الذكر هنا هم أتباع الديانات والكتب التي سبقت الإسلام والقرآن، كأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وغيرهم من أتباع الديانات والرُسل السابقين، والمقصود بالذين لا يعلمون هم أولئك الذين لم يُصدّقوا الرسول، والذين لم يتقبلوا فكرة أن يكون الرسول بشراً مثلهم! أي أولئك الذين يعتقدون بأن الرُسُل ينبغي أن يكونوا ملائكة، ولا يصح باعتقادهم أن يُخاطب الله بشراً ويبعثه رسولاً! الخطاب إذاً، موجه للمشككين في رسالة الرسول، وليس للمسلمين. وأهل الذكر هم أتباع الرُسُل والكتب والديانات السابقة، وليسوا المسلمين من أتباع محمد . فالخطاب كان في وجود الرسول، حيث لم يكن المسلمون في حاجة لسؤال أحدٍ والرسول بينهم! وموضوع الخطاب محدد، وهو أن بشرية الرسول هو أمرٌ طبيعي لا غرابة فيه، وهو معلوم لدى أتباع الرُسل كلهم! فالنص القرآني واضح الدلالة، فلا يصح الاستدلال به إلا عند مخاطبة المشككين والمكذبين برسالة الرُسُل؛ حيث قال لهم القرآن، إن عليهم أن يسألوا أتباع الديانات السابقة، ليعلموا أن كل الرُسُل السابقين كانوا رجالاً بشراً، ولم يكونوا ملائكة! {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43. فهل يجوز مُخاطبة المسلمين اليوم – المؤمنين برسالة محمد -، بما خاطب به القرآن المكذبين المشككين في رسالته : فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ! ويبقى السبب الحقيقي، والدافع الأساس، والمستفيد الرئيس من وراء قتل المنطق لدى الإنسان العربي باسم العروبة، وشل تفكير المسلم وتعطيل عقله باسم الإسلام، وإقناعه بأن عين الصواب وذروة سنام الإيمان هو أن يُصدّق ما لا يفهمه وما لا يُقنعه، وأن يقول ويفعل ما لا يقبله عقله! يبقى هذا الأمر سراً غامضاً، وخيالاً مُرعباً لمن أراد من العرب والمسلمين فهم الحقيقة .. إلى ما شاء الله ! فالاحتمالات كثيرة، لكن تبقى جذور هذه المأساة خفيّة، وجذوة سؤالها حيّة، والإجابة عليها عصيّة، والبحث عن الحكمة والحقيقة هو لب القضية

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ