face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 20 ديسمبر 2020

هل الإنسان مُقيم في الطبيعة، أم هو جزء منها




قياسًا إلى غيره من الكائنات، يمتلك الإنسان وعيًا كبيرًا نسبيًا بنفسه وبما حوله! هذا الوعي ولَّد لدى الإنسان القديم شعورًا زائفًا بأنه كائن مستقل مختلف كليًا وجذريًا عما حوله، فأطلق اسم الطبيعة على كل ما عداه، واعتبر الطبيعة مجرد وعاء أو مكان له وليست مَنشأً له! من هنا انبثق وانتشر التصور الخاطئ لمفهوم الطبيعة، أو التعريف والفهم القاصر لما هو طبيعي، ولا يزال الأمر كذلك لدى الكثيرين حتى اليوم! الطبيعة: هي الأرض وما حولها وما عليها - باستثناء البشر – حسب التصور البشري الثقافي البسيط للطبيعة! ولذلك أصبح مفهوم الطبيعي: هو كل شيء موجود ولم يمسسه البشر بشكل مباشر أو غير مباشر..، هكذا هو المقصود بـ"الطبيعي" في العُرف البشري حتى اليوم! وهذا التعريف لمفهوم "الطبيعي"، هو تعريف صحيح نسبيًا، لكن التعامل معه دون إدراك لمدلوله، يؤدي إلى انحراف الوعي باتجاه اعتبار الإنسان كائن غير طبيعي، أي أنه ضيف على الطبيعية! إن الشذوذ يكون في الأشياء عن بعضها، لكن بالنسبة للطبيعة الأصل أو الطبيعة الكل، لا يمكن لشيء أن يشذ عنها، حيث لا يوجد في الطبيعة شيء غير طبيعي، لأن الطبيعة هي كل شيء موجود بسبب أو وفق قانون..، أي أن الشيء الشاذ عن الطبيعة هو ذلك الشيء الذي لا يخضع لقوانين الطبيعة..، وهو ما لا وجود له، ولا يمكن أن يكون له وجود في الطبيعة..، حيث إن وجود مثل هذا الشيء إما أن يُعطِّل عمل قوانين الطبيعة - وهذا ما لم يحصل، أو أن تسحقه قوانين الطبيعة فينعدم وجوده! فلسفيًا، الطبيعة هي القوة الكامنة في الأشياء والمسئولة عن تغيرها وتفاعلها؛ أو بمعنى آخر الطبيعة هي السر الذي يُدير عجلة الوجود! الطبيعة ليست هي ظاهر الطاقة والمادة، الطبيعة هي جوهر وخصائص الطاقة والمادة! علميًا، الطبيعة هي الفضاء والمادة والطاقة والقوانين الأزلية التي تحكمها؛ وهنا يتم تصنيف الكائن البشري على أنه الموجود الأكثر وعيًا والأكثر تعقيدًا من بين الموجودات الطبيعية - التي اكتشفها الإنسان حتى الآن؛ كما يمكن وصف الإنسان علميًا بأنه تركيبة معقدة واعية ذكية، أنتجتها فوضى الطبيعة - كأحد احتمالاتها! لمعرفة واقع البشر، وسبب أوهامهم، لنا أن نتصور أن كل الحيوانات متطابقة من حيث الشكل الخارجي، لكن بعضها يطير، وبعضها يزحف، وبعضها لا يعيش إلا في الماء! لو كان المشهد بهذا الشكل، لظن الكثيرون من البشر، أن كل الحيوانات يمكنها الطيران، وكلها يمكنها أن تمضي حياتها زاحفة، وكلها يمكنها العيش تحت الماء، لكن كل حيوان قرر واختار بنفسه سبيلًا للحياة، لم ترغمه الطبيعة عليه..، ويمكنه تغييره متى شاء! والحقيقة ليست كذلك، فعمل الطبيعة وقوتها المؤثرة على الأشياء داخلية كما هي ظاهرية، لكن اختلاف الحيوانات في الواقع خارجي وكبير، وهو ما أوهم بعض البشر بأن تأثير الطبيعة لا يكون إلا ظاهريًا، وأن الظاهر هو مقياس الاختلاف والتطابق! ولعل التشابه الخارجي والاختلاف الداخلي في النباتات أوضح، ويؤكد أن عمل الطبيعة في الأشياء، هو داخلي بالأساس، أو هو داخلي كما هو ظاهري! سلوك الواهمين (عقائديًا) من البشر اليوم، تجاه غيرهم من البشر، هو امتداد لسلوك الإنسان القديم تجاه الطبيعة عند بداية الوجود، وسيُغادر الواهمون الحياة مغادرة الحكيم، دون أن يدركوا أنهم كانوا يكرهون غيرهم من الناس ويُحاربونهم لأسباب هي من صنع الطبيعة، وليست من صُنعهم! يُحاسبون الإنسان على ثقافته وقناعاته، وكأنه قد صنع ذاته بذاته - جسدًا وروحًا! لا يُدرك الواهمون أنه لو جاز محاسبة الإنسان على قناعاته وثقافته وغرائزه..، لجازت محاسبته على لونه وعِرقه وطوله وفقره..، فهو لم يصنع أيًا منها، بل هو لا شيء سوى مجموع هذه المكونات الطبيعية التي يُكمِّل بعضها بعضًا، والتي يُطالب الواهمون بتغيير بعضها وترك بعضها الآخر، يُطالبون بمعاقبة بعضها بسبب سلوك بعضها الآخر (معاقبة الجسد بسبب سلوك النفس)..، ومحاسبة الإنسان على أي من مكوناته يعني - ببساطة - محاسبته على وجوده! - الطبيعة تتعامل مع الإنسان كأي مادة من مواد تجاربها العبثية، فلا تعبأ به أكان ملتزمًا أو عابثًا، خاملاً أو متفاعلاً، ألتهمته نيرانها أم أنعشته ملذاتها، حيث إن تجاربها وغايتها من الوجود أكبر من أن يُحيط بها أو يؤثر فيها عقل الإنسان ووعيه وذكاؤه..، فكما أن الطبيعة تفوق الإنسان وتحتويه ماديًا، فهي كذلك تفوقه وتحتويه وعيًا وذكاءً..، فهي التي أنتجته! - الطبيعة البشرية جزء من الطبيعة الأم، والطبيعة الأم عبارة عن قوة عمياء صماء، قوامها مزيج من الغرائز المتعددة، وهي تفعل وعلى الدوام كل ما تقتضيه اللحظة وحسب! وما لم يستوعبه بعض البشر بعد، وما لا يريد آخرون الإقرار به بعد، هو أن جُل بني جنسهم، إنما يستقون معاييرهم من الطبيعة الأم مباشرة، وأن هذا الأمر هو من مقتضيات الوجود والخضوع اللا إرادي لقوة الطبيعة القاهرة! - سلوك الإنسان قديمًا، تجاه مكونات الطبيعة من حوله، بدأ كسلوك حكيم، وجد نفسه فردًا في قبيلة بدائية لا قيادة لها، يُمارس كل أفرادها العبث والعشوائية بالفطرة - دون قصد ودون تفكير ودون اتفاق ودون اعتراض-، فيؤذون أنفسهم وما حولهم دون مبرر ودون شعور بالذنب أو بالخطأ ولا إحساس بالألم! ليمضي هذا الحكيم حياته مفكرًا مُحللاً، رافضًا للعبث، ناقدًا للعشوائية، مصححًا ناصحًا، باحثًا عن تفسيرات ومبررات، منتظرًا حدوث الوعي وسيادة المنطق، داعيًا للأخلاق، معاديًا للمتعة - ظنًا منه أن المتعة هي سبب العبث والشرور - متجاهلاً أن وجوده هو ليس سوى نتيجة لمتعة أو شهوة جنسية قضاها غيره..؛ ثم مكذبًا لنفسه فيما يراه، غير قادر على فهم عدم استجابة من حوله له، ثم يائسًا فناقدًا للمنطق، ثم صامتًا تائهًا، عاجزًا عن مواجهة الحقيقة..؛ ليجد في نهاية المطاف سبيلاً لخداع نفسه، فيفترض أنه هو بمفرده يُمثِّل القاعدة، بينما كل أفراد قبيلته عبارة عن شواذ قاعدة، وأنهم جميعًا موجودون في ساحة اختبار، لكنه وحده المقصود بالاختبار، وأن الآخرين عبارة عن مواد وأخطاء وخِدع لاختباره هو، وأن قناعاته وممارساته هي الصحيحة، وأنه لا بد من وجود عاقل يُراقب ويُسجل ما يحدث، وأنه سيُنصفه في نهاية المطاف..؛ هنا يتجاهل "الحكيم" ويتنكر لانتمائه للطبيعة - بما في ذلك أبويه اللذين أنجباه، فيظن نفسه مختلفًا جذريًا وكليًا عن كل ما ومَنْ حوله - وهذا يحصل في الواقع بسبب المعتقدات-، حيث يتكبر الابن المؤمن أحيانًا على أبويه باعتبارهما ضالين! يبقى الحكيم في قبيلته ويبقى الإنسان في طبيعته على هذه الحال إلى أن يسعفه الجنون أو يُغيِّبه الموت، ولا أحد في القبيلة ولا شيء في الطبيعة قد أعار انتباهًا لتصورات هذا ولا توجيهات ذاك، ولا أحد اهتم لجنونهما ولا يُفتقدان برحيلهما..؛ يُغادر الإنسان الطبيعة واهمًا كما يُغادر ذلك الحكيم الحياة، حيث يُغادرها وقد فاته أمر بسيط، وهو أن بحيرة الماء العذب إنما تُمثِّل الشذوذ الطبيعي عن القاعدة، عندما يكون كل ما حولها عبارة عن محيطات من المياه المالحة! فبالنظر إلى ضآلة حجمها وانعدام تأثيرها، فإن عذوبة مياه البحيرة لا تؤهلها لتكون محورًا لوجود غيرها..، وهذا هو حال الإنسان مع الطبيعة! فالشذوذ لا ينفي انتماء الشاذ للأصل، لكنه يحول دون أن يكون هذا الشاذ قاعدة أو أساسًا أو مقياسًا للصواب، أو هدفًا لقيام مشروع

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ