face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 17 مارس 2024

زادهم الله عِلماً، أم زادتهم بساطتنا جُرأةً؟

0 تعليق


- سيتحرر البُسطاء من ذهولهم ويستيقظ الغافلون من إغمائهم، عندما يُقرُّ رِجال المؤسسات الدينية في كل الأديان والطوائف، بأن فتاواهم واجتهاداتهم وتفسيراتهم، لا تعدو أن تكون وجهات نظر بشرية، لا قداسة لها ولا مجال لإثبات صحتها، وأنها ليست حُجَّة للبشر أمام الإله وليست مُلزمة لهم باسمه!
 - عندما نستحضر حقيقة أن مَنْ اعتاد سماع: زادكم الله عِلماً؛ كَبُر عنده وعزَّ عليه سماع: ربما كُنتَ مُخطئاً! ونحن نُدرك بالطبع، أنَّ ضعف الضعفاء ليس ميداناً لقياس قوة الأقوياء، وأن ذهول البُسطاء لا يجعل المُحدِّثين والناقلين علماء! 
سنتصور المشهد كاملاً، فمَنْ اعتاد سماع المديح والثناء، صَعُبَ عليه سماع النقد والهجاء؛ ومَنْ اعتاد تصدير النصائح وإصدار الأوامر، استنكف عن قبولها وأَنِفَ عن سماعها من سواه؛ ومَنْ اعتاد حياة الأوهام بطعم الأحلام، صار أضعف من أن يعيش حياة الواقع بطعم الحقيقة! 

 إن أحداث التاريخ التي غاب شهودها واندثرت شواهدها، وأمور الغيب التي لا مجال لإثباتها أو نفيها..، لا يمكن أن تُثبت حيالها شهادةُ البشر للبشر عِلماً أو تنفي عنهم جهلاً! 
ما مجال عِلم الفقهاء؟ إنه التاريخ الذي اندثرت شواهده، والغيب الذي استحال إدراكه فانتفت إمكانية إثباته! منذ أن كانت وسائل الإعلام والإطلاع والاتصال والتواصل شبه معدومة، كانت هذه المفارقة العجيبة تؤرق الكثيرين، وربما لا تزال! ذلك أن كل مَنْ اعتلى المنابر وتقدَّم الجُموع باسم الدين – أي دين وأي طائفة – لا يكاد يُكمل كلامه، سارداً رواية تاريخية أسطورية خرافية – من درجة ما بين الحقيقة والخيال، أو مُبدياً وجهة نظره الشخصية في أمرٍ غيبي – ظني- لا يملك البشر الجزم بصحته من عدمها؛ لا يكاد ذلك الإنسان يُكمل كلامه، حتى يبادره ويغمره الحضور، بالقول: زادك الله عِلماً! وكأنهم كانوا يعلمون مسبقاً أنَّ ما سيقوله عِلمٌ، وأنه من عند الإله – دون تحليل ودون تحقق من مصادر المعلومات وسلامة الفهم! وقد كان، وربما لا يزال الجميع يتجاهلون سؤالاً يطرح نفسه صارخاً: مَنْ يُقيِّم مَنْ؟ وما مرجعية الجميع؟ ما دليل السائل والمستمع على أن ما يقوله هذا الخطيب أو ذاك المتحدث باسم الدين، هو عِلمٌ، وأنه من عند الإله، حتى يشهدوا بصوابه، ويطلبوا له المزيد "زادك الله عِلماً"، ويقبل هو منهم ذلك متباهيًا زاهيًا بشعبيته من البُسطاء، وتأييد الضعفاء له! أليس جهلهم بما يقول، هو ما ولَّد لديهم الذهول؟ فهل جهل العوام وذهول البُسطاء، يجعل من المتحدث البليغ عالِماً جليلاً! هل يحمل الفقهاء بين أيديهم آيات عِلمٍ، عليها إمضاء الإله، كي يُقال لهم: زادكم الله عِلماً؟ أم إن اطِّلاع البشر على ما كتبه بشرٌ مثلهم، وإلمامهم بآراء من سبقوهم، يمنحهم شهادة القداسة، ويجعل منهم عُلماء سماويين إلهيين لا تجوز مراجعتهم ونقدهم! هل أنجز هذا الشيخ أو ذاك، بكلامهم، شيئاً عملياً مُدرَكاً محسوساً مُقاساً، يمكن تقييمهم من خلاله؟ أو هل تحقق ما يُثبت صحة إيمانهم – كقبول دعائهم مثلاً؛ فصَلُحت معيشة الناس أو اهتدى حُكامهم لما يُريده الفقهاء، أو توحدت أُمَّة أو تحررت أرض أو انهزم أعداء، أو …؟ أم إن كل ما فعلوه هو أنهم قالوا كلاماً منمقاً ساحراً، لامس ضعف الضعفاء وخاطب عواطف البُسطاء، دون أدنى دليل على صحته، وهو ذاته ما يقوله أمثالهم في كل الأديان والطوائف الأخرى، وهم جميعهم يدَّعون العلم الغيبي، ويتبادلون الاتهامات بالجهل والكفر والتدليس! فمِن أين لهذا الشيخ من هذا الدين وتلك الطائفة، ومن أين لأتباعه، أن ينفوا صفة العِلم والتقوى عن عالمٍ آخرٍ– من دينٍ آخرٍ أو طائفة أخرى، أو يُثبتوها لأنفسهم؟ أم إن المعادلة الفقهية، هي أنه إذا تناقضت وتضاربت أفكار وآراء الفقهاء، وعجزوا عن إقناع بعضهم، يتم إخضاعهم لآراء البُسطاء – كلٌّ حسب طائفته وعرقه ومكانه وزمانه -، فمن حصل منهم على شهادة البُسطاء له ( زادك الله علماً )، اكتفى بها، وعُدَّ عالماً في مجال الغيب، ناطقاً باسم الإله، يعلم مدخلات الجنة ومخرجات النار! عندما يتهم عالمٌ عالِماً آخر بالجهل والتدليس! فمن أين للبُسطاء التُبَّع ( في هذا الدين أو تلك الطائفة) القدرة أو الحق في أن ينفوا أو يُثبتوا اتهام ذاك العالم لهذا العالم..، هل يكون المعيار هنا هو: انصر فقيهك مُخطئاً أو صائباً؟ أليس المقياس الطبيعي والبديهي لتمييز وإثبات عِلم الإنسان من جهله، هو مواجهته لأمثاله وأنداده في مجال تخصصه، وحصوله على شهادتهم له بالعلم أو بالجهل؟ وبافتراض أن البُسطاء والجهلاء هم أقل من أن يُدركوا هذه الحقيقة، أفلا تُحتِّم الأمانة على العلماء أن يُقرّوا بأن تعدد الأديان والطوائف والمذاهب واختلافها إلى حد التناقض، وعجز العالم عن إقناع عالم مثله، أن ذلك يُبرر للناس تركهم ورفضهم جميعاً، حتى يُقنع أحدهم أو بعضهم بعضهم الآخر! ما هي حُجَّتك أيها التابع، وماذا ستكون إجابتك، إذا تبين أنك مُخطئ، وسُئلت عن سبب إقدامك على الأفعال والأقوال التي تُمارسها اليوم باسم الإله! هل تعتقد أن حُجَّتك شافية وأن إجابتك ستكون كافية، عندما تقول: إن الشيخ الفلاني قد أفتى بذلك! أليس الصواب هو الاحتكام إلى القواسم المشتركة بين عموم البشر، بدل الاحتكام إلى وجهات نظر متضاربة؟ كيف تعتقد بصحة ما يقوله فقيه (عالم) – من أي دين وأي طائفة-، وهم الذين عجزوا عن إقناع بعضهم، ولم يُفلحوا سوى في إقناع البُسطاء والضعفاء؟ ما الذي ألزمك بهذا الدين أو الطائفة أو فتوى هذا الشيخ دون غيره؟ ما هي معاييرك التي اخترت على أساسها الدين والطائفة والمذهب والفقيه؟ فإذا كُنتَ قادراً على التمييز والاختيار بين المذاهب وعلى تقييم الشيوخ، فإذن أنت قادر على الإفتاء! وإذا كُنتَ تعتقد بصواب إيمان التقليد والتلقين وعقيدة الوراثة، فأنت إذن تعتقد بصحة معتقدات وإيمان كل البشر – بمختلف الأديان والطوائف والمذاهب! وإذا لم تكن كذلك، فكيف تمنح طاعتك وولاءك، لمن لا دليل لديه يمنحه الحق في توجيهك؟ 

 تساؤلات تطرح نفسها، ووجهات نظر.. معلومٌ أنه، لو اعترفت الأديان ببعضها لانهارت جميعها – خاصة التوحيدية، لأنها تقوم على الأُحادية – أي أن كل دينٍ يقوم على إقصاء الأديان الأخرى ونفي صحتها؛ وذلك لأنها تتبنى الاعتقاد بوحدة الأصل الإنساني ووحدانية الإله المُوجِد؛ وهذا الاعتقاد يستوجب توحيد التشريعات والمعتقدات؛ وتلك مُعضلة الأديان والطوائف!
 - من القواسم المشتركة بين كل الأديان والطوائف، أن اعتناقها واستمرار بقائها لا يكون إلا عن طريق الوراثة والتربية والتلقين والترهيب والترغيب، أو بالإكراه المباشر، وذلك استغلالاً لضعف الفرد البشري، وحاجته الضرورية لجماعة بعينها في مراحل حياته الأولى، فاعتناق الأديان والطوائف ليس اختيارياً، واستمرار بقائها ليس طبيعياً ولا يستند إلى حُجَّة أو برهان- كما يزعم مُنظروها!
 - قاسم مشترك آخر، هو فشلها في إقناع البشر بحُجَّتِها وقدسيتها، بدليل أنه لم يبلغ عدد أتباع أيٍّ من الأديان نسبة 25% من البشر- في أي عصر من العصور – تقريباً! فإذا أخذنا عصرنا كمثال، وألقينا نظرة على واقع الأديان اليوم، وعدد أتباع كل دين وكل رسول على حدة، فسنجد أن كل دين هو صناعة بشرية، وكل رسولٍ هو كاذبٌ أو واهم، باعتقاد 80% من سكان الأرض- تقريبًا! فإذا أضفنا إلى ذلك، حقيقة أن جُل العلماء والفلاسفة والمفكرين، لا يعتنقون أيٍّ من الأديان، ولا يؤمنون بصحتها ولا برسالة رُسُلها! وحيث إن العِلم ورأي الأغلبية العددية، هي أصحُّ وأصدق وأنسب المعايير المتوفرة والمستعملة بين البشر، للحكم على صواب الأمور من خطئها، وهي ليست في صالح اعتناق أيٍّ من الأديان؛ نستنتج أن اعتناق الأديان يجب أن يوضع في إطاره وحجمه الصحيح، فلا يخرج عن كونه خياراً شخصياً؛ أو أنه نظرية تشريعية لإدارة الحياة الاجتماعية للبشر العاجزين عن إدارة شئونهم! ولعل ضعف الإنسان وثقافة التجهيل والتهويل والتخويف من المستقبل والمجهول، التي ينشأ عليها الفرد في المجتمعات الدينية، هي ما يمنع جُل البشر من التنقّل بين الأديان والطوائف- واستعمالها كمسوغ اجتماعي يوفر الأمن ويحقق المصالح الآنية! ولعل الحاجة وغياب الحرية هما ما يمنع الإنسان من التفكير في رفضها جميعاً – كخيار شخصي يُحقق الذات! أما التلميح إلى إمكانية التوفيق بين الأديان والطوائف، واحتمال إقرارها بصحة الإيمان وفق أيٍّ منها – وهي المختلفة إلى حد التناقض-، فإن ذلك لا يُقال إلا اعتماداً على سذاجة وعواطف وضعف البشر؛ إذ ليس ذلك سوى إقرار صريح بعبثية الأمر، أو هو مؤشرٌ على وجود اعتقادٍ ضمني لدى أتباع الطوائف والأديان باحتمال تعدد الآلهة أو مزاجية الإله الواحد! فهل هو باحث عن الحقيقة أو مالك لها، أو هل يكون عاقلاً وأميناً وصادقاً مع نفسه – قبل غيره، ذلك الذي يدعو إلى عبادة إلهٍ يجهل كُنهه وغايته، أو يشك في أُحاديته، ويدَّعي أنه قادر على معرفة مُراد الإله دون اتصال به، ودون نتائج محسوسة يُدركها ويفهمها الآخرون؟ حريٌّ بنا نحن البشر العاديين، أن نطلب ممن يدَّعون العلم ويحملون لقب عُلماء، أن يُقنعوا بعضهم بعلمهم، قبل أن يطلبوا منا الإقرار بصحة آرائهم! فالعالم مَنْ أقرَّ بعلمه أمثاله، وليس العالم مَنْ أذهل البُسطاء بمفرداته اللغوية وألهب مشاعر العوام بخُطبه العاطفية الحماسية!
 إن سذاجة المحسوبين على العُقلاء، هي مطية الواهمين وسلاح الطامعين وزاد العابثين؛ وهي بذلك أشد ضرراً على سلوك البشر وعلاقاتهم، وأخطر على الحقيقة من جهل الجاهلين!

الاثنين، 4 مارس 2024

فلسفة الأحلام وخيبة الأمل ..

0 تعليق


صحيح أن في كيان بعضنا من الأخطاء ما يكون في الصميم، فلا يكون إصلاحها ممكنًا ولا يمكن معها استمرار البقاء ..، كالأخطاء الهندسية في أساسات البناء، تلك التي تبرز ويزداد خطرها مع ارتفاع المباني، ولا تترك مجالاً لإصلاحها غير هدمها والفناء .. لكن ذلك لا يمنعنا من استخراج ما بالمُهدَّم من نفائس قبل هدمه! عندما نستيقظ متأخرين في الحياة، ونجد أنفسنا مكبلين، فلا نملك من وسائل ممارسة الوجود غير السمع والنظر والكلام .. ونشاهد أحلامنا وهي في طريقها لتصبح ذكريات حالم أو حقائق واهم .. عندها يملأنا إحساس صادق بأننا في عصر غير عصرنا، وعلينا مغادر المكان والزمان .. فنبحث في حنايا قلوبنا عن أقرب الناس إلى أرواحنا .. نجد أنفسنا نبحث بين الناس عمن يستحقون أحلامنا .. أولئك الذين كان وجودهم في حياتنا أشبه بتجسيدها .. نبحث عمن بنا حاجة لتركهم بسلام كحاجتنا للرحيل عنهم بسلام .. أولئك الذين نأتمنهم على أحلامنا ونأتمنها عليهم .. لنسلمهم بكل أمانة ومودة ووفاء وحب، كامل خبراتنا وما تبقى لدينا من رصيد الأمل .. كأنما بنا حاجة لبعث الحياة في أحلامنا من بعدنا .. كأنما وُجِدنا لضمان بقائها لا لتحقيقها .. هذا سبيلنا لنرحل بسلام .. ولعل بنا حاجة لذلك! فنقول لهم .. حذار أن يتسلل إلى وعيكم اليأس من بوابة الأحلام في ثياب الأحزان ووجوه الآلام .. حذار أن يخدعكم بحُجج الجراح ومستندات الأخطاء .. إن أخطاءنا ليست سوى علامات وجودنا .. وما جراحنا غير شهود إثبات حياتنا .. آلامنا دليل وجود آمالنا .. وما أحزاننا إلا مؤشر على حياة الحب فينا! النجاح في الحياة لا يعني خلوها من الأحزان والجراح .. فلسفة النجاح لا تتجسد في تحقق الأحلام .. فأحلام الإنسان أكبر من أن يسعها الزمان .. ذلك أن كل واحد منا يحمل داخله أرشيفًا جينيًا بأحلام كل البشر ..، يستعرضه فلا يرى لها نهاية .. يحتار أيها يختار، فيفقد الصواب .. فيفقد الأمل .. لكن هذه فلسفة الطبيعة في الإنسان! وما يبدو لنا في الواقع لغزًا محيرًا، قد لا نحتاج في الحقيقة لتفكيكه سوى لوقفة واعٍ والتفاتة مُدرِك .. إن كل واحد منا مهيأ سلفًا لكل الاحتمالات والصُدف .. هكذا اقتضى التطور الذي أوجدنا وميزنا عن سوانا .. أحلامنا التي تبدو على شاشة العواطف أمرًا يُربك الأذهان ويصارع الأيام .. حين نعرضها على شاشة الإدراك تبدو غير ذلك! إن مَشاهِدَ الأحلام تُعرَضُ على شاشة الخيال أمام الفكر، تمامًا كما تُعرَضُ على التلفاز مَشاهِدُ آلاف القنوات في لحظة واحدة أمام النظر .. تلك الأقمار والقنوات التي تبدو لنا وكأنما كلها تخاطبنا كلنا .. فيشعر كل واحد منا أن به حاجة لمشاهدتها جميعها .. بينما هي تخاطب كل الأذواق وكل الاحتياجات .. وتسعى بمجموعها لتحقيق أهداف متعارضة .. أهداف لا يمكن أن تجتمع مبرراتها في مخيلة فرد في ذات الوقت، ولا يسمح عمر الفرد ومعطياته بتجربتها جميعها .. فنختار من المعروض ما بمقدورنا مشاهدته ومتابعته وفهمه وتوظيفه لمصلحتنا .. لكننا نشعر بخيبة أمل مع كل مشهدٍ رائع نسمع به ولم نره .. في قناة موجهة لغيرنا .. لتصبح خيبة الأمل المفترضة تلك، حاجزًا يحجب عنا جمال المشاهد الرائعة في قنواتنا .. فنختزل أحلامنا فيما افتقدناه، ونفقد بذلك الاستمتاع بما كسبناه .. هنا نحتاج لوقفة الوعي والتفاتة الإدراك .. لنتذكر أن لاشيء يحمل قيمة في ذاته .. أننا نحن الذين نمنح الأشياء قيمتها .. حتى الحياة ذاتها نحن من يمنحها قيمةً أو يسلبها .. لنعرف أن من بين كل ما يُعرض أمامنا، يمكننا اختيار ما هو أنسب من سواه لنا .. بل ويمكننا جعله كذلك .. وأن عليه وحده ينبغي أن يكون تركيزنا وبه يكون اهتمامنا، لنجعل من متابعته وفهمه هدفنا .. ونجعل من رؤية غيره مجرد تسلية تمنحها الطبيعة لنا لسد أوقات فراغنا، ومتابعته وفهمه مسئولية غيرنا .. هنا نحتاج لوقفة الوعي والتفاتة الإدراك .. لنتذكر أن قيمة الذهب لا تنبع من مقاومته للصدأ، بل من سلبيته، من عدم تفاعله مع محيطه ! لنعرف أننا إذا أحسسنا أن بنا ميلاً للركض وراء لفت انتباه الآخرين، وانتظار إبداء إعجابهم بنا .. أننا بذلك إنما نسلمهم أمر سعادتنا دونما مبرر ولا اتفاق ولا ضمان .. إننا بذلك إنما نستجدي إعجابهم ليصبح شهادة إثبات لوجودنا .. وليس ذلك سوى عبودية مقنعة تسكننا .. علينا وبمقدورنا التحرر منها والانتصار لأنفسنا .. لا شيء أثمن وأفيد وأصلب من إقناع الذات بما هي! إننا حين نربط إحساسنا بوجودنا بأعداد المعترفين بنا، فإننا بذلك إنما نمنح الغرباء حق توجيهنا وإسعادنا وإتعاسنا ..، وليس ذلك سوى دليلٍ على أننا لا ننظر جيدًا للوجود من حولنا، فلم نُدرِك أن وجود أصدقاءٍ حقيقيين في حياتنا بعدد أصابع اليد، هو أكثر وزنًا في ميزان سعادتنا من إعجابٍ عابرٍ يبديه كل البشر بنا ..

الخميس، 29 فبراير 2024

الإنسان سراب حي!

0 تعليق


نحن نرى السراب التقليدي، ونتخذ منه مثالًا للخداع .. لكن وصفنا له بالخادع هو مجرد وصف مجازي، لأننا  نعرف أنه لا يوجد شيء له كيان واحد، اسمه السراب، ويتعمد خداعنا، إنما هو مجرد انعكاس ظاهري ونتيجة حتمية لعمليات فيزيائية ذرية تتم في الخفاء- انكسار الضوء نتيجة مروره بين طبقات هواء مختلفة الحرارة! أما ما لا ندركه أو ما لم نعترف به حتى الآن، هو أنه في الحقيقة ليس فقط السراب التقليدي، بل إن كل شيء في الطبيعة هو عبارة عن سراب بصورة أو أخرى- بما في ذلك الإنسان .. 

كل شيء مرصود في هذا الوجود، هو مجرد ظاهرة طبيعية، تشير إلى تجمع أشياء غير مرصودة - بما في ذلك الإنسان شكلاً وسلوكًا .. فليس سلوك الإنسان سوى انعكاس ظاهري ونتيجة حتمية لعمليات فيزيائية وكيميائية تتم في الخفاء- داخل الخلايا -، لا سيطرة للإنسان على نتائجها إلا كسيطرة السراب على مسبباته! لا يوجد شيء له كيان واحد (كتلة قوامها عنصر واحد) اسمه الإنسان ويمتلك إرادة مستقلة معزولة عن البيئة؛ بل الموجود هي شاشات طبيعية متنقلة تُسمَّى البشر، تعرض ما يحدث خلفها (داخلها) من عمليات فيزيائية وتفاعلات كيميائية تتأثر مباشرة وبالضرورة باختلاف الظروف من حولها .. الضوء عبارة عن مزاج وجد نفسه مقذوفًا في فضاء الوجود .. وليس الإنسان سوى مزاج وجد نفسه مقذوفًا في فضاء الحياة .. في الظروف الطبيعية المناسبة، يعكس الضوء صورًا طبيعية مناسبة للأشياء .. السلوك غير الخادع للضوء، هو تعبير حتمي عن مكونات وظروف تستوجب عدم الخداع .. والسلوك الخادع للضوء، هو كذلك تعبير حتمي عن مكونات وظروف تستوجب الخداع .. وكذلك سلوك إنسان الطبيعة، فهو دائمًا لا يكون إلا تعبيرًا حتميًا عن مكونات وظروف .. هذا سلوك إنسان الطبيعة .. لكن هناك إنسان آخر غير إنسان الطبيعة، هو إنسان المعتقدات، وهذا يعادل الضوء الموجه بشريًا، والذي يعتبر خادعًا ومخدوعًا في جميع الأحوال .. سلوك إنسان المعتقدات يعادل سلوك الضوء الموجه بشريًا - مثل الليزر وأضواء المسارح والأفلام، فهو ليس طبيعيًا سواء كان خادعًا أو غير خادع سلوك الإنسان بدايةً، يكون خاضعًا لبرمجية جيناته الوراثية، وهي برمجية تحتوي ترتيبًا ابتدائيًا لردات فعل الإنسان إزاء المواقف والأحداث المختلفة تحت ظروف معينة ..

 - الجينات الوراثية تتجسد في خصائص الخلايا المختلفة، وتعمل من خلال الخلايا ..
 - تحت ظروف معينة تتغير خصائص ذرات المعادن، فيتغير سلوك المعدن ككيان موحد ظاهريًا، وبذات المعنى تتغير خصائص خلايا الإنسان تحت ظروف معينة، فيتغير سلوك الإنسان ككيان موحد ظاهريًا ..
 - تغير خصائص الخلايا يعني تغيير ترتيب الجينات ..
 - التغيير الذي يطرأ على ترتيب الجينات يصبح ترتيبًا ابتدائيًا للأجيال القادمة .. 
- اختلاف سلوك البشر تحت ذات الظروف، يعكس اختلاف أولوياتهم بحسب ترتيب جيناتهم الوراثية ..
 - الجينات الوراثية تستوجب سلوكًا معينًا وثابتًا للإنسان تحت الظروف الطبيعية .. الظروف الطبيعية للجينات، هي الظروف التي تكونت تحتها الجينات ..
 - وقوع الإنسان تحت ظروف غير طبيعية، يُجبر الجينات داخل الخلايا على التأقلم، والتأقلم يعني التدرج في البدائل وصولاً إلى البديل المناسب لكل ظرف ..
 - الجينات تمثل الذاتية في الخلايا .. 
- الذاتية تعني ردات الفعل التلقائية تجاه البيئة .. 
- الانتحار عند الإنسان يعني استنفاد الخلايا لكل البدائل الممكنة للتأقلم مع البيئة!

الثلاثاء، 6 فبراير 2024

معايير إنسانية ومقاييس بشرية!

0 تعليق



وفق المعايير الإنسانية والمقاييس البشرية، يكون معظم الرؤساء والوزراء والمسئولين، وكل الساعين للشهرة بشرًا، وليسوا من أُمَّة الإنسان، ذلك لأنهم يتنافسون، والتنافس على أساس أن هزيمة الآخر معيار فوز هي صفة بشرية وليست صفة إنسانية، فجذب اهتمام الآخرين والنظر إليهم من فوق، هو أعلى قيمة وجودية يراها البشر، وهي أقصى مستوى يستطيع الوعي البشري قياسه واستيعابه – لكن ليس الوعي الإنساني! ربما كان وجود هاتين المفردتين (بشر ، إنسان)، المتشابهتين والمختلفتين في آن، في لغة واحدة، هو الأساس للفكرة والتسمية، لكن فكرة لا يدعمها الواقع، لا تقوم! أقول إن بعضنا إنسان وبعضنا بشر، لا بمعنى التقليل من شأن البعض لصالح البعض الآخر، لكن للتفريق بين المختلفين، من أجل وصف الواقع كما هو، لكي نتعاطى معه كما ينبغي! ماذا يعني وصفنا لأحدهم دون غيره، بأنه: مُفكِّر؟ هل يعني ذلك أن غيره قادر لكنه عازف عن التفكير؟ بالتأكيد لا، إنما ذلك يعني ببساطة، أن الآخر غير قادر على التفكير إلى المستوى الذي يجعلنا نشعر بوجود أفكاره، لنقول عنه إنه مفكِّر! وهذا سؤال واختلاف كبير، لا يمكن تجاوزه بمرور الكِرام – كما يقولون! لكن، كما أن الغائب عن الوعي، لا يمكن الحديث معه بخصوص حالته، إلا بعد أن يفيق منها! كذلك الغير قادر على التفكير، لا يستطيع إدراك حالته، لأن إدراكها يتطلب وعيًا أكبر مما لديه الآن! 

 مَنْ لا يؤتمن على ذاته، ينبغي ألا يؤتمن على غيره! قوانين كثيرة مُصاغة غرائزيًا ومطبقة على أساس أن كل الموجودين لا يُفكِّرون أو أنهم غائبون عن الوعي جزئيًا! وما يثير الدهشة، أن النتائج غالبًا ما تأتي متوافقة مع رؤية واضعي تلك القوانين، وهذا يعني أن جُل الموجودين بشرٌ، وأن جُل المشرعين بشرٌ! مثلاً: محاربة التدخين – بالقوانين وليس بالمعلومة، وفرض استعمال حزام الأمان أثناء قيادة المركبات الآلية – بالعقوبة وليس بالمعلومة! المنطقي والطبيعي، هو أن الإنسان الواعي البالغ العاقل الحُر، يصح أن يتم إبلاغه بضرر التدخين، وبأهمية حِزام الأمان..، لكن لا يصح فرضها عليه، حيث إنه إنسان مسئول، وهذه أمور تخصه ولا تتعلق بالآخرين، فإذا أراد إلحاق الضرر بنفسه، فلا أحد له حق الوصاية عليه..، حتى لو تم اعتبار سلوكه ضربًا من الانتحار! 
إن قوانين العقوبات في مثل هذه الأمور، هي عبارة عن تشريع وإعلان بأن البشر غير مُدرِكين! فهي ليست قوانين خاصة بالأطفال والمراهقين والمعتوهين! إنها ممارسة صريحة للوصاية العقلية، وهي قبيحة مذمومة عندما تكون موجهة ومطبقة على البالغين الأحرار، فهي فعل مهين ومشين، وهي طعن صريح في عقلانية البشر ووعيهم، واعتداء فاضح على حريتهم، وخدش متعمد لكرامتهم وذاتيتهم – وكأنها اختبار لدرجة الوعي لديهم!

 معلوم أنه يحق ويجب على الجهات المسئولة عن المجتمع، حماية العاقل من المعتوه، لكن لا معنى ولا تفسير لحماية الإنسان من ذاته، إلا الطعن في أهليته أن يكون ذاتًا مستقلة! والذي يقبل أن يُفرض عليه ربط حزام الأمان وعدم التدخين – من أجل مصلحته هو ..، ينبغي أن تتم حماية المجتمع منه – إذا كانت حماية المجتمع هي الغاية! ينبغي أن يُمنع من تقلد أي مسئولية..، فلا يحق له الزواج ولا تربية الأبناء ولا تعليم التلاميذ ولا علاج الناس.. ولا تُقبل شهادته..، ولا أي شيء! فالذي يعترف بأنه غير مؤهل ليؤتمن على ذاته.، كيف يؤتمن على مصالح الآخرين؟ إن الذي لا يجد حرجًا أو لا يتوقف عند مثل هذه الأمور، ولا يقرأها بهذه البساطة، هو الذي أدعوه هنا بالبشر، وهو الذي لا يستطيع إدراك موقعه، لأن وعيه أقل مما يتطلبه استقلال الذات وإدراك الوجود! 

 طالما ظل الاختلاط والخلط بين البشر والإنسان قائمًا، فإن أنواعًا من المشاكل والخلافات والمآسي ستظل قائمة..، فإذا كان المُشرِّع والمُنفِّذ إنسانًا، فسيعتبر أن كل الموجودين إنسان، وسيصطدم بالذوات البشرية! وإذا كان المُشرِّع والمُنفِّذ بشرًا، فسيعتبر أن كل الموجودين بشر، وسيُحطِّم الذوات الإنسانية!

 البشر هنا، هو ذاك المُسيَّر غريزيًا إلى درجة كبيرة، فلا سلطة له على الكثير من سلوكه، ولا وعي له بالكثير من قناعته..، ولهذا ظهرت الحاجة للقوانين والعقوبات، وظهرت الحاجة لمخاطبة البشر غريزيًا – وليس عقليًا ومنطقيًا، وذلك بمخاطبة غريزة الخوف والطمع فيهم – بأسلوب الترغيب والترهيب، ونجحت في توجيه البشر..، وهو الأمر الذي يرفضه الإنسان قطعًا! الإنسان لا يتقبل أن يُقال له من قبيل النصيحة: إن الكذب رذيلة وأن الصِدق فضيلة – إذا كان المقصود هو المعنى المباشر لهذه المفردات..، فهذه من البديهيات التي لا تُقال للمُدرِك الواعي! بينما لا يجد البشر غضاضة في اعتبارها نصيحة مقبولة، ولا يشعر بمسئولية تجاهها

الاثنين، 22 يناير 2024

فلسفة الحب وعمل الخير!

0 تعليق


عمل الخير فعل وجودي، والحب حاجة ذاتية!

من منظور منطقي وواقعي .. عمل الخير مثل الحب، كلاهما فعل صادر من الذات وعائد لها .. لا فضل للإنسان فيه!

عمل الخير نوع من ممارسة الوجود أو إثبات الذات!

الإنسان بحاجة لمن يقبل منه عمل الخير!

شعور الإنسان باستغناء كل الناس عنه، لا يقل ألمًا عن شعوره بأنه عالة على كل الناس!

الحب ليس تفضلاً من الحبيب على المحبوب، وكذلكعمل الخير!

نحن نحب قبل أن نعرف ماهية ومكان المحبوب، تمامًا كما أننا نعطش قبل أن نعرف ماهية ومكان الماء الذي سنشربه .. 

نشعر بالارتواء عندما نشرب الماء المناسب، وكذلك نشعر بالحب عندما نجد المحبوب المناسب ..

وكذلك عمل الخير، فنحن بنا حاجة لعمل الخير، قبل أن نعرف ماهية ومكان الطرف الآخر .. 

الحب وعمل الخير هما هدايا الذات لنفسها بمناسبة وجودها أو إثباتًا لوجودها، وشهادة منها لنفسها بصوابها، وقبل ذلك هما بحث الذات عن ماهيتها!

الحب إشارة صادرة ابتداءً من كل إنسان – تلقائيًا لا إراديًا، دون أن يعلم الإنسان بوجود محبوبه!

الحب مثل الضوء، لا معنى ولا قيمة له، بل لا وجود له إلا بوجود أشياء تعكسه عند سقوطه عليها!

عندما يحصل الكسوف، لا يقتصر الظلام على الأرضوحدها، بل يعم الظلام كل ما حولها من فضاء، حتىيبدو لنا الكون بأسره مظلمًا .. لماذا؟

لأن الضوء لا معنى له بدون شيء يعكسه، والأرض وغلافها الجوي هما اللذان يعكسان ضوء الشمسليمنحانه القيمة وصفة الوجود التي نراها!

منطقيًا، ضوء الشمس يملأ الفضاء المحيط بالأرض!

لكن واقعيًا، إذا تم حجب ضوء الشمس عن الأرض،بدا كل ما حولها مظلمًا رغم أنه مليء بضوء الشمس،

ذلك لأن الضوء بالنسبة لحواسنا كبشر، لا معنى له  إلا بأشياء تعترض طريقه وتعكسه!

المحبوب إنسان يعكس إشارة الحب، فترتد إلينا حاملة  صورته ومكانه، تمامًا كما تعكس المرآة شعاع الضوء لترينا قوة الضوء وشكل وحجم ومكان المرآة التي عكسته ..

هذا يعني أنه لا معنى ولا منطق لحث الإنسان أو أمره بالحب وبعمل الخير .. فالحب مثل الإيمان، هو أمر لا إرادي، لا يستطيع الإنسان افتعاله إذا لم يجده في نفسه ..

وعمل الخير مثل الحب، هو حاجة نفسية للإنسان،لا قيمة له إذا جاء بدافع الطمع أو الخوف ..

 لا قيمة له إلا إذا جاء تلقائيًا!


عمل الخير عند غير المؤمنين هو هدية الذات لنفسها، بمناسبة وجودها، وإثباتًا لوجودها، وإشباعًا لحاجة نفسية عاطفية ربما تعكس خوفًا باطنيًا من مصير المحتاج لعمل الخير!

عمل الخير عند المؤمنين ينبغي أن يكون تعريفه أو وصفه، هو أنه هدية منهم للإله، شكرًا له على إيجاده لهم!

التعريف أو الوصف التقليدي لعمل الخير، الذي يربطه بالخوف من عقاب أو الطمع في ثواب، هو تعريف أو وصف خاطئ، لأنه ينال من كرامة الإنسان ويُفرغ عملالخير من قيمته ويضع الإله في موضع المحتاج للبشر!

أن نقول بأن الإله يقبل عمل الخير من الإنسان كهدية،

أصوب من أن نقول بأن الإله يأمر الإنسان بعمل الخير،

وأنه يفرح ويغضب بحسب عمل الإنسان، وأن الإنسان يخاف ويطمع لذلك يعمل الخير!

ربط عمل الخير بالخوف والطمع – كما بالكتب الدينية،  ليس موجهًا لكل المؤمنين، إنما ينبغي أن يكون موجهًا إلى شريحة من البشر، وهم الغير قادرين على استيعاب فلسفة الوجود وعمل الخير، تمامًا مثل خطاب التخويف الموجه للأطفال عند تربيتهم والحرص على سلامتهم!

الاثنين، 8 يناير 2024

أحرار بدرجة العبيد!

0 تعليق



ثقافياً، ومن حيث الحريّة والعبودية، يُقسَّم البشر إلى
 عبدٍ و حر.
وفي ذلك مغالطة كبيرة وواضحة، لا يريد البشر الوقوف عندها، أو مناقشتها، تفادياً – ربما – لمواجهة حقيقة تُزيح الزيف عن كرامة كاذبة وحرية زائفة، يدعيها أو يتوهمها مَنْ يُسمّون بالأحرار.
فالحقيقة، هي أنه لا توجد حريّة حقيقية ولا كرامة صادقة، كما أنه لا توجد عبودية مُطلقة.
وما يتجاهله البشر عموماً، هو أن النسبة متقاربة جداً، وأوجه الشبه تكاد تكون متطابقة بين العبودية النسبية التي يرفضها الإنسان، والحرية المُزيَّفة التي يعيشها!
عنوان المقالة لا يصف هذه الحقيقة بدقة؛ فالوصف الدقيق هو أن جُلَّ البشر المتظاهرين بالحرية، هم في واقع حياتهم عبيد بدرجة تفوق عبودية العبيد المُقرين بعبوديتهم.
فمفهوم الإنسان العبد – لغوياً واجتماعياً ودينياً – هو إنسان يمتلكه إنسان مثله، يُدعى سيده؛ فلا يعصي العبد لسيده أمراً؛ ولا يمتلك العبد من أمره سوى قرار موته، وهو الأمر الذي يشترك فيه مع سيده؛ إذ أن السيد يمتلك قرار موت العبد ظلماً أو عدلاً!
بإجراء مقارنة عبر نظرة طبيعية واقعية – ليست متشائمة ولا كاذبة– لواقع حياة جُل البشر..؛
يمكننا ببساطة ملاحظة أن عبودية العبد الحقيقي- إذا جاز التعبير- أفضل من حرية الحر المُزيَّف.
ذلك أن عبودية العبد توجب على سيده توفير الحد الأدنى من ضرورات الحياة للعبد، وتُخلي العبودية مسئولية العبد من أعباء الحياة.
بينما الحرية المزيفة، لا تكفل لأصحابها ضرورات الحياة، ولا تُخلي مسئوليتهم من أعبائها، في حين أنها تضع مصيرهم بالكامل بين أيدي أسيادهم..، كما حصل مع أحرار أمريكا حين أضاءت الأزمة الاقتصادية الحالية، ظلام الحرية والكرامة المزيفتين؛
حيث رأينا الأحرار يقطنون خياماً، بجوار مساكن كانوا بالأمس يدّعون امتلاكها.
ورأينا أيدي الأحرار تمتد لتتلقف المساعدات!
في حين أن العبيد لم يمرّوا بهذه المأساة؛ ولو مرّوا بها لمروا بها كراماً معذورين!
ولكن لا عذر في المذلة، لمن ادّعى الحرية وتظاهر بالكرامة!
فالحر المُزيَّف – في واقع الأمر – لا يمتلك من أصول الحرية التي يدعيها، سوى قرار موته؛ وهو الأمر ذاته الذي يمتلكه العبد الحقيقي سواء بسواء، كما يمتلكه السادة في الحالتين.
فإذا كانت العبودية تعني أنَّ سعادة ومصير إنسان ما، تعتمد على مزاج وظروف إنسان آخـر!
فمن من البشر يقع خارج هذه الدائرة؟
وإذا كانت الحرية تعني حق الإنسان في فعل ما يشاء بنفسه وحياته.
فماذا تعني الحرية وماذا يعني التشريع للإنسان إذا كان تمتعه بذلك الحق يتطلب موافقة ورضا ومساعدة الآخرين.
- إننا لو تتبعنا مسيرة حياة الإنسان الحر – افتراضاً -، لوجدناه عبداً للدولة بما يُطابق عبودية العبد لسيده تماماً.
- ولوجدنا الحر المزيف، عبداً للمجتمع بما يفوق عبودية العبد – تقريباً؛ فهو منافق في مظهره – ملابسه وحلاقته – إشباعاً لنظرات المجتمع وتفادياً لهمساته؛ فمظهر العبد لا يعيبه – من حيث هو عبد!
أما مظهر الحر فهو لا يعكس واقعه المادي، ولا حصيلته المعرفية، ولا قناعته الثقافية والفكرية، ولا يعكس حقيقة التزامه الديني، بل يعكس نفاقه وطاعته لسيده، وعبوديته للمجتمع – تلك التي يتجاهلها.
- ولو تتبعنا واقع الأجير في موقع عمله، لوجدناه عبداً لولي نعمته، بما يفوق عبودية العبد الحقيقي؛ فهو يرى النظرات الشامتة لسيده – المجتمع – في حال أنه ترك وظيفته ثمناً لكرامته؛ ولذلك فهو يتمسك بعبودية الوظيفة، ويتجرع آلامه، متغاضياً -اضطراراً لا خياراً -، عن سلوك سيده وممارساته وتهديداته له بالفصل، ومتظاهراً بالحرية والكرامة- نفاقاً مفضوحاً – أمام سيده –المجتمع- المترقب لإعلان حاجته وعوزه، ونفاقه المعلوم.
أما أغرب وأعجب درجات العبودية التي يعيشها الحر المزيف، فهي عبوديته عند سيده الديني – الطائفي!
فإذا كانت الدولة هي أكبر سيدٍ للإنسان، فإنها توفر له بشكل أو بآخر، وبدرجة أو أخرى، السبل المتعددة لبلوغ الحد الأدنى من حياة العبيد.
وسيده المجتمع، يضم الأصدقاء، وبعضاً ممن يعتقدون بكرامة الإنسان، فيجد عندهم بعض العزاء، وشيئاً من الأمل!
وسلوك سيده رب العمل، ربما يُبرره المقابل المادي الذي يتقاضاه ليسد به رمقه.
أما سيده الديني، فهو السيد الوحيد الذي لا يمتلك من مبررات الطاعة وأسباب السيادة سبباً واحداً.
فكل ما يفعله هذا السيد للإنسان، هو تجميل زيف الحرية والكرامة، واستيفاء درجة العبودية التي قد يغفل عنها السادة الآخرون.
فهو السيد الوحيد الذي لا يُساهم في حل مشكلات عبده بأدنى جهد.
وهو السيد الوحيد الذي يُحاول تجريد الأحرار من كل الحقوق – حتى تلك التي يمتلكها العبيد الحقيقيون- كقرار الموت.
فيُحرّم على الإنسان امتلاك قرار موته بنفسه، ليمتلكه هو، ويجعل من الإنسان عبداً وقنبلة موقوتة بيده يُهدد بها الأسياد الآخرين.
وهو السيد الوحيد الذي يُبرر عبودية الإنسان، فيوهم العبد بأنه حر، ويوهم الذليل بأنه كريم.
إن العبودية الحقيقية المُعلنة، هي الصفحة الوحيدة الصادقة في صفحات كتاب الحياة الكاذبة.
فالعبد الحقيقي هو إنسان مُستعبدٌ لدى سيدٍ واحد؛ بينما الحر المُزيف، هو عبدٌ متعدد ومتغير السادة!
والحرية التي يتوهمها الحر، ويظنها تُميّزه عن العبد، هي في الحقيقة ليست سوى أكذوبة كبرى؛ وهي عبارة عن المدة الزمنية والمسافة الجغرافية التي يتحرك فيها الإنسان متنقلاً بين مواقع أسياده، تنفيذاً لمخططاتهم.
وهذه المساحة لا يمتلكها العبد لأن سيده واحد، فلا يحتاج إلى التنقل!
فالإنسان عموماً، هو كائن يصنع من خياله جدراناً، ليحجب بها شعاع حقيقة تلفه، ويوهم ذاته قبل غيره، بمتعة النظر إلى تناسق ألوان التعاسة..، حتى إن الإنسان ليبدو كشبحٍ دميم، يتبنى الجمال، ويبني عالماً من الوهمِ المظلم، بحجارة من الكذب المضيء.

الأحد، 7 يناير 2024

الإنسان .. واهمٌ لا يؤمن بالوهم!

0 تعليق


افتعال قضايا ومعالجتها، خير من حياة بلا قضية، هكذا يرى قادة الوجود البشري ومن يسوسون الحياة! هدف جل البشر في الحياة هو ألا يصبحوا أهدافًا، رغم إدراكهم أنهم أهداف في الواقع، وأنه تم تحقيقها بالفعل! 
عموم البشر لا يسعون إلى تحقيق شيء في الحياة، لأنه لاشيء يمكن تحقيقه فيها، والقادرون منهم على ممارسة الحياة دونما هدف، وحدهم المؤهلون للحياة!
 بعد مستوى معين من الوعي، يدرك الإنسان بأن الحياة عبءٌ ثقيل، لا يمكن تحملها دون هدف خارجها يبررها، أي أنه لا يستطيع اعتبار يوميات الحياة وضروراتها هدفًا لوجوده! وبعد مستوى معين من الإدراك، لا يستطيع الإنسان قبول الحياة حتى بوجود هدف خارجها، ما لم يكن هدفًا يتعلق بالوجود ككل، وقابل  للتحقق حسب إمكاناته!

 س- لماذا يحصل الإرهابيون على متطوعين بسهولة، بينما تضطر الحكومات إلى التجنيد الإجباري؟
 ج- بسبب ضعف مغريات الحكومات أمام مغريات الإرهابيين! كلاهما يقدم مبررات وهمية وحجج واهية لتجنيد البشر، لكن حُجَّة الحكومات مثل حُجَّة الوالدين، هما من الضعف والوهن بما لا يبرر الحياة ذاتها- ناهيك عن تبرير العمل فيها وبذل الجُهد لأجلها ..
 معتقدات الإرهابيين تبدو أهدافًا وجودية، تستحق الحياة وتُبرر الانتحار- حتى لو كان ما يفعلونه انحرافًا صريحًا وما يعتقدونه وهمًا مكشوفًا، لكنه يحمل مبررًا لممارسة الحياة وللعمل فيها ولو بنسبة ضئيلة، وهو المبرر الذي تفتقده الحياة تمامًا ويفتقده الوجود وكل نشاط بشري في الحقيقة!
 وكل أمرٍ يمنح الحياة مبررًا، فهو أمر يخاطب النفس البشرية بما ينقصها، فيغازلها ويذلل أمامها الصعاب، ولذلك يحصل الإرهابيون على المتطوعين بسهولة كبيرة وبأعداد كبيرة- خاصة من المراهقين والأميين وكل ضعاف الوعي والثقافة ومعدومي الإدراك!

 ما يُربك البشر هو أن الحياة أخذت طابع اللهو الجاد ، فالذين يقودون الوجود البشري، بمقدورهم وقف العنف والإرهاب وكل الصراعات، وتوحيد نظرة البشر للحياة، وذلك بمجرد البوح بحقيقة الحياة والوجود ..، لكنهم يخشون النتيجة، وهي أن تفقد الحياة قيمتها ويفقد الوجود هيبته في نفوس البشر، وبالتالي يفقدون هم مكاسبهم وقيمتهم المفتعلة، وقد تعم الفوضى، ولذلك هم يرون أن معالجة قضايا مفتعلة، خير من لا قضية! 
 كل ما يمكن أن يفعله ضعفاء البشر خلال حياتهم، هي محاولات لا تتوقف لتفادي الشر، أو لتخفيف ألمه عن أنفسهم ودفعه باتجاه رفاقهم ..، بانتظار موتهم جميعًا!
 المنتحرون مباشرة – دون وهم ودون لف ودوران، هم أناسٌ مبدعون، جاءوا في غير زمانهم أو في غير مكانهم وغير بيئتهم المناسبة، وكان لا بد أن ينتحروا، وليس في الأمر غرابة، فالعبث طبيعة الحياة، ومظاهر العبث في الوجود أكثر من أن تحصى، وليس الإنسان استثناءً!
 ربما تصلح المتعة المطلقة أن تكون هدفًا أو مبررًا للوجود، لكن مثل هذه المتعة ليست متاحة للكل، وليست متاحة كل الوقت، والمستمتعون بالحياة من البشر يمكن اعتبارهم شواذ القاعدة ..، كما أن المتعة التي يمكن أن توفرها الحياة لا تبرر دائمًا تحمل ما يصاحبها من عيوب ونقائص، ولا تبرر دفع كل الضرائب التي تستوجبها الحياة!
 فما مبررات الحياة إذن؟ مبررات الحياة مجرد أوهام، والأوهام لا تعجب ولا تقنع غير الواهمين! الحقيقة التي تأخر البشر في بلوغها، هي أنه لا معنى للحياة سوى إضاعة الوقت في تحسس الألم، وإهدار الجهد في صراعات متواصلة من أجل لاشيء!
 سؤال الوجود، وحده يمكن اعتباره مبررًا للحياة، ولعله لم يعد قائمًا اليوم، إلا في مخيلة الواهمين والغافلين! 
المعتقدات الدينية لم تجب منطقيًا ولا واقعيًا عن سؤال الوجود – قبل الموت ولا بعده، ولم تبرر الحياة .. المعتقدات اعتبرت الحياة نعمة واجبة الشكر، وفي ذات الوقت اعتبرتها مفروضة على الإنسان، ليس له حق رفضها، ولعل محاولة استيعاب هذه المفارقة بحد ذاتها، تصلح هدفًا للحياة لمن يؤمن بها، أو لعلها كذلك بالفعل! 
مبرر الحياة لدى الدينيين هو أن الحياة مفروضة، وأنه ليس من حق الإنسان التصرف في حياته ..، هذا هو السبب الوحيد الذي يقدمونه عادةً لرفض الانتحار ..؛ وهذا يعني أنه إذا ثبت لديهم أن الحياة ليست مفروضة، فسيكون الانتحار هو خيار الكثيرين منهم ..، وهذا يعني أنهم من حيث المبدأ ليسوا ضد الانتحار كفكرة وكفعل، وليس لديهم ما يبرر الحياة لذاتها! 
ومبرر الحياة لدى اللا دينيين هو الاستمتاع خلالها .. وهذا يعني أنه إذا لم تتوفر معطيات الاستمتاع، فإن الانتحار خيار قائم لديهم ..، ما يعني أنهم من حيث المبدأ لا يرفضون الانتحار كفكرة وكفعل، ولا يبررون الحياة لذاتها! إذن لا أحد يُبرر الحياة لذاتها، ولا أحد يرفض الانتحار كفكرة وكفعل من حيث المبدأ! 

 لماذا تتم محاربة الانتحار، مع عدم الرغبة أو عدم القدرة على ضمان حياة كريمة للإنسان؟ لماذا يُحارِب المؤمنون الحرية في الدنيا، مع عدم ضمان الجنة للإنسان في الآخرة؟ لأن التشريعات والقوانين وُضِعت لتمديد أو تمطيط وتبرير الحياة لا لتحسينها!
 حياة جل البشر ليس لها ما يبررها سوى غفلتهم!
 لا توجد أخلاق لأجل الأخلاق .. الأخلاق مجرد خوف وطمع! ما يبغضه المؤمنون وما يَدَّعون الاشمئزاز منه اليوم، هو ذاته ما يحلمون ويطمعون به غدًا! 
عندما يُدرِك البشر حقيقة أن الصواب هو، ما يمكن الاتفاق حوله – لا ما ينبغي الاتفاق حوله .. حينها فقط يدركون معنى الصواب، أو حينها فقط يكون هناك شيء اسمه الصواب! 

. هذه المرأة عاهرة، إذن الكل مأمور بنبذها، لكن لا أحد مأمور بتوفير سكن ومال وزواج لها، لكي لا تكون عاهرة! ولا أحد يحق له أن يتساءل ما الفرق بين الزنا وبين الزواج الشرعي .. لماذا يُمنع التساؤل؟ 
لأن الجواب هو: لا فرق حقيقي بينهما، فالفرق مفتعل وشكلي، كان قد فصَّله المشرعون على مقاس التشريعات الموضوعة فقط لتبرير وتمديد الحياة لا لتحسينها! 
عدد الزيجات غير محدد للمرأة في الحياة .. ومدة الزواج غير محددة .. وعِدة الطلاق كان مبررها هو التأكد من عدم حصول حمل، وهو الأمر الذي أصبح ممكنًا خلال دقائق، بل أصبح التأكد من عدمه ممكنًا مسبقًا – قبل الجِماع! إذن الفرق بين ما يعرف بالزواج الشرعي وما يُسمَّى بالزنا هو اختلاف عصور، اختلاف زمني، اختلاف سرعة فقط : ذاك زواج تقليدي بتكاليف وعقد مكتوب ..، وهذا زواج عصري بعقد شفوي! ذاك زواج وطلاق خلال أيام ..، وهذا زواج وطلاق خلال ساعات! والرجل ملزم بالإنفاق على المرأة في الحالتين! ماذا يعني الزنا إذن؟ الزنا هو الاغتصاب، وليس هذا الزواج العصري! 

البشر يؤدون أدوارًا تمثيلية في مسرحية الحياة .. مسرحية الضحية والمجرم والشرطي .. كثيرًا ما يؤدي كل فرد الأدوار الثلاثة في اليوم الواحد ..

الأربعاء، 3 يناير 2024

الذكاء الذري من الجماد إلى الإنسان!

0 تعليق

كل الكائنات الموجودة، من الجماد إلى الإنسان، تتمتع بالذكاء الذاتي، والذي مقره الخلايا والذرات..

(الذكاء الذاتي = الذكاء الذري)!

الذكاء الذري هو سر ومصدر قوة الطبيعة العمياء!

هو ذكاء، لأنه يعمل بمعادلات منطقية!

لكنه ذكاء أعمى، لأن نتائجه عبثية، أي ليست موجهة طبيعيًا لبلوغ هدف منطقي مُبرَّر!

هذا الذكاء الذري أو الذاتي هو منشأ الغرائز، والغرائز هي قوانين الطبيعة بصورة من الصور!

قوانين الطبيعة منطقية، لكنها عبثية – إذما قيست بمقياس الوعي والإدراك الإنساني!

الفرق بين الجماد والإنسان، هو الفرق بين الانصياع التام للذكاء الذري (عند الجماد)، وبين التحكم شبه التام في الذكاء الذري (لدى الإنسان)!

التحكم شبه التام في الذكاء الذري، يتمثل في قدرة الإنسان على توجيه الذكاء الذري لإنتاج أشياء ومنع أخرى!

وحيث إن البشر يقع بين الجماد والإنسان (من وجهة نظري)، لذلك فإن البشر يتحكم جزئيًا في الذكاء الذري (الغرائز)!

التحكم التام في الذكاء الذري، ممكن بالوعي والإدراك، لكن لا يتحقق إلا بوصل الذكاء الخاص بالذكاء العام (وصل الذكاء الذري بالذكاء الكوني)، وهذا ما تسعى له الذرات على مستوى الذكاء الذري الأعمى (سعي الذرات للاستقرار)..، وهو ذاته ما يسعى له الإنسان على مستوى الإدراك الواعي (السعي للكمال)..،

هذه حقيقة ماثلة، فإذا تعذر على بعضنا رؤيتها أو تصورها، فلعل ذلك يكون بسبب عدم تفعيل الإدراك!

عدم تفعيل الإدراك قد يكون طبيعيًا بسبب محدودية الوعي والخيال، وقد يكون مفتعلاً بسبب الإفراط في التركيز على ممارسة الحياة اليومية، وإهمالنا لممارسة الوجود العام، أو لعدم توفر البيئة المناسبة لممارسته!

إن انعدام الوعي والإدراك لدى النبات والحيوان – مع قابليتها للتكاثر والنمو، جعلها مادة مناسبة لعبث الذكاء الذري، فأنتج منها أصنافًا وأشكالاً عديدة، لا منطقية ولا مبرر لإنتاجها!

العبث يتمثل في وجود أصناف كثيرة من النباتات والحشرات والحيوانات التي لا مبرر لوجودها، والتي تبدو مشوهة أو معاقة خلقيًا، ما يجعل الكثير منها يموت بسبب عدم قدرته على التأقلم مع البيئة أو لعدم قدرته على المنافسة للحصول على أساسيات الحياة!

وجود الوعي والإدراك لدى البشر والإنسان، حَدَّ من تأثير الذكاء الذري عليهم، فأصبحت الاختلافات بينهم لا تكاد تُرى، وأصبح وجودهم يبدو مبررًا!

ظهر التأثير العبثي للذكاء الذري عند البشر والإنسان، بشكل واضح في أكثر من حالة، فأنتج منهم كائنات عشوائية لا مبرر لإنتاجها..؛

مثلاً: عندما كُنا نجهل تأثير تشابه فصائل دم الآباء على الأبناء، كُنا خاضعين للذكاء الذري، فتم إنجاب الكثير من البشر المشوهين خلقيًا!

انتهى تأثير الذكاء الذري على البشر ماديًا أو يوشك – بفضل وعي الإنسان، لكن لا يزال البشر خاضعًا بشكل شبه كامل للذكاء الذري – من حيث محدودية الوعي وانعدام الإدراك الذاتي!

وهذا يعني أن البشر مُسيَّرون ذريًا، فلا سلطة لهم على الكثير من سلوكهم، ولا وعي لديهم بالكثير من قناعتهم..، ولهذا ظهرت الحاجة للقوانين والعقوبات التي تُخاطب البشر غريزيًا – وليس عقليًا ومنطقيًا، وذلك بمخاطبة غريزة الخوف والطمع فيهم – بأسلوب الترغيب والترهيب، ونجحت في توجيه البشر..، وهو الأمر الذي يرفضه الإنسان قطعًا (الإنسان هو البشر الواعي المُدرِك (المنطقي)، الذي يُمارس الوجود ولا يكتفي بيوميات الحياة)!

الإنسان يعمل تلقائيًا على مقاومة تأثير الذكاء الذري فيه، وكأنها وظيفته الأساسية في الحياة!

ولذلك تكاد تتوحد المعايير والأفهام بين الإنسان والإنسان، دون الحاجة لحوار أو اتفاق، فالتوافق بينهم قائم بديهيًا على كل شيء تقريبًا!

الذكاء الذري فاعل ومؤثر دون مقاومة عند الجماد والنبات والحيوان، ودون مقاومة تُذكر عند البشر، لذلك فإن كل صنف من هذه الكائنات، يشهد اختلافات كبيرة وصراعات دائمة بين بني جنسه..، ذلك لأن طبيعة الذكاء الذري أنه يُنتج كائنات مختلفة داخل الجنس الواحد!

قد يتمكن الإنسان يومًا، من السيطرة على تأثير الذكاء الذري عند البشر، فيتوقف التشوه المعنوي ويكتمل الوعي والإدراك لدى البشر، فينعدم وجوده، ويُصبح كل الموجودين إنسانًا..، وتنعدم حينها كل أسباب الخلافات والصراعات التي نراها اليوم..، ويمكن اعتبار ذلك كمالًا أرضيًا أو نسبيًا – قياسًا إلى المفارقات القائمة الآن!

البشر هو الذي يجتنب المنطق ويخشى الإدراك، فيكتفي بما تجود به العشوائيات وما يمنحه التعاطي السطحي مع الأمور!

يمكننا تصور الإدراك والمنطق كالثروة، يمتلكها الإنسان والبشر، فيستمتع بها الإنسان، ويكتنزها البشر خوفًا من نفادها!

إن إدراك الوجود يتمثل في: حضور الرغبة، وامتلاك القدرة على السعي للكمال ورفض النقص، والإحساس بإمكانية الوصول!

الوجود بهذا المعنى، ليس هو القالب المناسب لتشكيل السعادة البشرية التقليدية!

الإحساس بالوجود يتمثل في امتلاك شعور طبيعي، يدفع إلى الإحساس بوجود قلق كوني أزلي!

وممارسة الوجود، تتمثل في إنتاج قلق ذاتي، يدفع باستمرار وإلحاح إلى الاتصال والاندماج بالقلق الكوني!

إن صعوبة استخلاص سعادة حقيقية من لهيب القلق الوجودي، يدفع بالبشر إلى تعويضها بجمع أكبر قدر ممكن من مجسمات السعادة المقلدة التي توفرها الحياة اليومية مجانًا – دون الحاجة للتفكير!

وظيفة الإدراك لدى الإنسان هي السعي الواعي باتجاه الكمال، وليس بالضرورة إدراك الكمال في حالة وعي!

من هنا أقول نحن مختلفون، بعضنا يفهم الوجود بهذا المعنى، وبعضنا يختزل الوجود في حياة محدودة، بوظائف روتينية، وتفسيرات تقليدية، وقوى عاطفية – إرادية ولا إرادية، وقناعات وهمية، ونظريات فلسفتها تقوم على إجابة السؤال قبل طرحه – بالحيلولة دون طرحه!

الإنسان والبشر سيبلغان ذات النتيجة، الفرق بينهما أن الإنسان يبلغها وهو يسعى لها، بينما يبلغها البشر وهو يخشى حصولها!

فكأن النتيجة تعني لأحدهما الكمال، وتعني للآخر الزوال!



الإنسان يسير فطريًا باتجاه الكمال، وسيبلغه مُدرِكًا أو غير مُدرِك، لأن الكمال قد يعني انعدام الوجود أو انعدام الوعي، مثلما أن كمال المتعة يكون بحصول النشوة، وحصول النشوة يعني انتهاء وجود المتعة!

الثلاثاء، 2 يناير 2024

نعتقد ما نريد، ولا حقيقة غير الذي نعلم!

0 تعليق

 


- س : هل تعترف بأن الفلسفة قد فشلت في إدراك الحقيقة؟

- ج : الفلسفة لا تُدرك ما نريد، لكن تُدرك ما يمكن وما ينبغي أن يكون، وتكشف زيف المزيف!
س : هل عرفت لماذا نحن البشر هنا، ولسنا في مكان آخر؟
ج : قد عرفتُ لماذا البشر هنا، لكنني لا أعرف بعد مَنْ نحن! 
إنَّ كل مَن وما وُجِدَ، وأدرك ذاته، بحيث قال عن نفسه "أنا فلا يُمكنه أن يكون إلا هُنا
إنَّ الـ"هُنا" هي دائمًا حيث توجد الـ" أنا "، فإذا صرنا هُناك صارت الهُناك هُنا!
فإذا كان لأحدٍ أن يبحث، فليبحث في أُحجية الـ"نحن"، .. ولا معنى للسؤال عن بديهية وجودنا هُنا!
فالنحن تعني مجموع الأنا..، ولا أعلم بوجود أنا لها أكثر من ذات واحدة حتى الآن، وواقع البشر يقول بأننا أعداء ولسنا فقط أنا وآخر، فلا مكان بيننا للنحن بعد !


س : ما هو الخيال؟
ج : الخيال هو أجمل وأصدق جانب من الواقع، وهو الجانب الذي لا نراه في الواقع!


س : ما هي الحقيقة؟


ج : الحقيقة هي اكتمال صورة منقوصة، وكل الصور منقوصة!


س: لماذا يُهمِل الفلاسفة أنفسهم عادة، فلا يهتمون لمظهرهم؟
ج: إن الفلاح والعامل وكل الذين تتطلب أعمالهم جُهدًا شخصيًا مباشرًا منهم، لا يمكنهم الاهتمام بمظهرهم أثناء ممارسة أعمالهم..، والفيلسوف في حالة ممارسة مستمرة لعمله!


س: ما الفرق بين الاعتقاد بالحقيقة وبين الإقرار بها؟
ج: الاعتقاد بالحقيقة هو افتراضها على مقاس المخاوف والأحلام!
أما الإقرار بالحقيقة فهو عدم افتعال المخاوف والأحلام!


س: هل تخشى حساب الإله وعِقابه الذي يعتقد به أتباع الأديان؟
ج: إنَّ عبدًا كان أهون عند سيده من أن يُعلِمه بواجبه، هو لا شك أهون عنده من أن يُحاسبه أو يُعاقبه!


س: ألا ترى في الأديان وأتباعها من حولك، بلاغاً لك من الإله وحُجّة عليك؟
ج: إنني أعلم وأُقرُّ بوجود الخِداع، وأستطيع أن أفهم لماذا يُخادع الإنسان غيره!
لكنني لا أفهم كيف ولماذا يُخادع المُدرِك ذاته!
إن إدراك الإنسان وسلوكه يقعان بين الغريزة والعقل؛ واعتناق الأديان ليس غريزيًا، وخطابها لا يستجيب للعقل!
إن السؤال ينبغي توجيهه لمن يعتنقون الأديان ويدعون لها، وليس للباحثين عن الحقيقة:
كيف يطلب العاقل من غيره، إعطاء الولاء لسيدٍ مجهولٍ – هو ذاته لا يعرفه، ويعجز حتى عن تخيله! 
فما الذي يدعون له، وما الذي يعبدونه؟
وكيف لعاقلٍ صادقٍ أن يخشى عقابًا من سيدٍ عادلٍ، وكل جُرمه أنه أقرَّ بجهله بأمرٍ هو في الواقع يجهله!
وكيف يُخادع العاقل الصادق نفسه ويعبث بالحقيقة، ألا يُدرك العاقل حقيقة دوافعه، ألا يجهل حقيقة مَنْ دعاه وما يدعو له؟


س: ما الفرق بين الخوف والجُبن؟ ولماذا يُعيَّر الجبان بجبنه – وهو الذي لم يختر أن يكون جبانًا؟
ج: الخوف هو شكل العلاقة ونتيجة المعادلة بين ضعف طبيعي وقوة طبيعية!
أما الجُبن فهو التراجع عن مبادئ اختيارية في ميادينها..،
فالجُبن هو ظهور الصورة الحقيقية لواقع مزيف خادع!
وبذلك لا يكون الإقرار بالضعف جبنًا، لكن من الجبن ادعاء القوة كذبًا! 
ومن هنا يُمكننا تعريف الخوف بأنه جُبنٌ لا إرادي، وتعريف الجُبن بأنه خوف إرادي!


س: إلى أي حدٍّ ترى الإنسان مسئولاً عن سلوكه وقناعاته؟
جإلى الحدِّ الذي يكون عنده الطفل مسئولاً عن سلوكه وقناعاته!
س: وهل تصح مقارنة البالغين بالأطفال؟
ج: تصح، إذا صحَّت مقارنة الإنسان بالإله!
إنه لئن كان عُذرنا للطفل حين يُخطئ، هو أن سلوكه ناجم عن براءة وتقليد وتلقين..، فهل سلوك البالغين سوى نتيجة سذاجة وتقليد وتلقين!
 وهل مفهوم العقل البشري سوى ذاكرة يُكتب عليها ثقافات وقناعات وعادات ومعتقدات الأهل والسابقين، لتكون موجهًا للإنسان ومعيارًا لسلوكه!
إن بلوغ الإنسان وخبراته لا تجعله في مأمنٍ من الوقوع فريسة للخداع والجهل!
إنه يمكن خداع الشيخ العجوز وإخافته، تمامًا كما يمكن خداع الطفل وإخافته!
إن الفوارق النسبية بحسب حجم التجربة بين الأطفال والبالغين، لا تغير من النتيجة والحقيقة شيئًا!
ولذا، فإن الاعتقاد بمسئولية الإنسان البالغ عن سلوكه، لا يختلف عن الاعتقاد بمسئولية الطفل عن سلوكه!
إنه ولكي يكون الإنسان مسئولاً عن سلوكه وممارساته..، فإنه كان ينبغي أولاً أن يكون عقله سابقًا لتجاربه، وأن يكون الإنسان متقدمًا على قناعاته، ومُدركًا لحقيقتها قبل أن تُصبح قناعاته..، ثم يكون قادرًا على تحقيقها..، 
وحيث إن هذه الشروط ليست متحققة، فلا تكون مسئولية الإنسان عن سلوكه وممارساته، إلا مجازًا، ونسبيًا في أحسن الأحوال!
إن مرور الإنسان بمراحل العمر يجعله يمر بنتائج سابقة لعقله وقناعاتٍ تَفُوق إدراكه..، فينبهر بها، ويستند لها في قراراته،
ثم إن الإنسان يُدرك أخطاء كل مرحلة، بعد تجاوزها، وبعد فوات الأوان!
فإذا كان المقصود بمسئولية الإنسان عن سلوكه، هو مسئوليته عن آخر مرحلة بلغها..، فإن ذلك عبثٌ وجهل ووهمٌ عظيم..،
فهل تَمَكَّن الإنسان من تجاوز المرحلة الأخيرة حتى يُدرك أخطاءه بها!
إن القيمة الكاذبة والمسئولية الافتراضية التي يعتقد الإنسان بأنه يحملها – نتيجة التلقين المبكر الذي يسبق التجربة الشخصية العملية المباشرة -،
تلك القيمة الكاذبة والمسئولية الافتراضية التي يعتقدها الإنسان مُبكرًا ويبني حياته على أساس صحتها، فلا يعود قادرًا على الفكاك من خيالها..، هي التي تجعله يرفض الموت ويطلب تمديد الحياة، اعتقادًا منه بإمكانية بلوغ مرحلة يُدرك خلالها الحقيقة، ويُميز الصواب من الخطأ، ليفي بالتزامات مسئوليته المفترضة، ويمتلك الإمكانات التي تؤهله لإدراك قيمته المزعومة..، 
وليست المسئولية العظيمة والقيمة الكبيرة للإنسان في أساسها سوى أوهام وتصورات افتراضية لا مكان لها على أرض الواقع!
لكن متعة وسهولة حياة الوهم، تجعلها أقرب إلى قلوب الضعفاء من حياة الحقيقة..، فتجدهم ينفرون من الحقيقة وينجذبون إلى العقيدة!
ومن أمثلة ذلك، نجد أتباع المعتقدات الغيبية، يُكثرون من العبادات ويتفننون في ممارسة الطقوس.. نظرًا لسهولة أدائها ولاعتقادهم بجزيل عطائها؛ 
بينما يقل عطاؤهم في المعاملات ويفشلون في امتحان الصدق والأمانة.. وذلك لصعوبة الإيفاء باستحقاقاتها، وشعورهم بضآلة مردودها- قياسًا إلى تكلفتها..،
ومنهم من يعتقد بأن الإكثار من التذلل للإله بالعبادات، يُعوِّض النقص في الأمانة والمعاملات.. وكأنهم يعبدون بشرًا يحتاج لولائهم – وليس إلهًا يختبر حقيقتهم!
إن الإنسان صناعة بشرية خالصة..، وإن كل فرد بشري هو عبارة عن حلقة إضافية في سلسلة بشرية..، 
إن الإنسان تحت مجهر الحقيقة والمسئولية، يبدو كدُمية حيَّة، مُبرمجة بمعايير ثقافية ومؤثرات بيئية وعناصر تربوية وضوابط عقائدية وإمكانات عشوائية!
إن الإنسان في كل مرحلة من مراحل حياته، يُدرك أخطاء المرحلة السابقة، ويرفض كماً كبيرًا من سلوكه وقناعاته السابقة!
فكيف يكون الإنسان مسئولاً عن آخر مراحل حياته، والتي هي عبارة عن نتيجة حتمية للمراحل السابقة، والتي بات هو ذاته يرفضها – بعد أن تجاوزها وأدرك أخطاءها!
إن ضعف الإنسان وطبيعة حياته والمدة الزمنية التي يعيشها، لا تؤهله لامتلاك الخبرة الكافية ولا الإمكانات ولا الحصانة ضد الحاجة والخوف والجهل، لكي يكون أهلاً لحمل أي قدرٍ من المسئولية عن سلوكه!



- لا يوجد شكل طبيعي محدد لحياة البشر ولا نتيجة



مُنتظرة من وجودهم، إنما هو دهاء الحُذاق والأقوياء 



والكبار منهم، الذين رسموا ويرسمون للحياة إطارًا حتى



تبدو وكأن من ورائها غاية سامية لا تقبل العبث، حيث



يختلقون رموزًا ومناسبات وهمية، ويجمعون حولها 
 


الضعفاء والأغبياء والصغار، ويضعون لها الضوابط 


والمسلمات والمحرمات والممنوعات التي تمنع العبث..؛  وليس ذلك بسبب جِدِّية الأمر، إنما لكي تكون حقوق العبث محفوظة للحُذاق والأقوياء والكبار!

من المناسبات والرموز الوهمية المختلقة: الدولة السياسية، المجتمع الأخلاقي، المعتقدات والطقوس، التعليم التلقيني والأكاديمي، الزواج التقليدي، …الخ.
إنهم بذلك إنما يصبغون جدران الوجود، بألوانٍ متعددة من الطلاء، بما يُناسب أحلامهم ويعكس مخاوفهم، وليس بينها ما يحمل قيمة أو يُمثِّل حقيقة تصمد أمام اختبار!
إنهم 
يفتعلون ضجيجًا خارجهم، هربًا من رُعب صمتٍ يملأهم!
قد يقول قائلوماذا عساهم أن يفعلوا غير ذلك لتبديد الخوف والصمت؟
الجواب: ليس الخطأ في أن يحلم ويرسم ويتخيل الإنسان ما يشاء، لكن الخطأ في أن يُصدِّق هو أو أن يُحاول خِداع غيره أو إكراههم على تصديق أن ما يتمناه صار واقعًا، وأن ما كان يخشاه صار عدمًا..، وهو يعلم أن الحقيقة غير ذلك!
إن الأمر أشبه بسلوك الكاذبين الذين يحثون بعضهم على أخذ أكاذيبهم على محمل الجد..،
إنه أشبه بالحماس الذي يكتنف الأطفال أثناء لعبهم، فيُنسيهم حقيقة أنهم يلعبون، فيدب بينهم الخلاف وتنشأ الصراعات وتسيل الدماء دفاعًا عن حقوق العبث ومناطق نفوذ اللعب، ويعتبرون استهزاء الكبار بموضوع خلافهم بمثابة استهزاء بهم!


بالاعتقاد يمكن أن يسعد البائسون ببؤسهم، ويفخر الأذلاء بذلهم..



ولا يطلب الحقيقة غير الصادقين!

- أطال الله عُمرك..، خطاب عاطفي يولد اعتقادًا زائفًا!
- أنت ستموت يومًا..، حقيقة يُدركها العقل وتخشاها العاطفة!
- ستُبعثُ بعد الموت، وستُحاسَب ويُغفر لك، وستدخل الجَنَّة وتعيش فيها مُخلَّدًا..، اعتقاد يُخاطب الضعف، يهدف إلى تجاهل الواقع!

- أنت لا تحمل من القيمة، ولا تستطيع من الفعل، ولا تُدرك من الحقيقة، ما يؤهلك للحساب والجَنَّة..، حقيقة ماثلة، لا يراها الواهمون!
- نحن نعرف الغاية من وجودنا ونُدرك رسالتنا – بغض النظر عن غياب الدليل وانعدام البرهان..، اعتقادات!
ونعلم المعادلة التي تُحدد نتائج الأفعال، ونغض الطرف عن الواقع..، نتائج اعتقادات!

- نحن لا نُدرك سوى أننا موجودون، ونعلم كيف تم وجودنا، والأمانة تُحتِّم علينا ألا نقول إلا ما نعلمه، وألا نَشهد بما لم نشهده..، حقائق يُدركها الجميع!


القناعات التي تتكون نتيجة المعتقدات،هي إجابات افتراضية عن تساؤلات واقعية!
هي مثل الأحلام الجميلة، تُريح النفس الضعيفة – رُغم أنها لا تُغير الواقع ولا تصنعه!
ولكن، ولأنه لا بديل عن الاعتقاد إلا الحقيقة، ولأن الحقيقة لا تأبه بالمشاعر ولا تعمل بالعواطف، ولا تُشرك السائل في اختيار الجواب..،
ولأن المعتقدات نقيض الحقائق، حيث إنها تُفصِّل الجواب على مقاس السائل، فتؤمِّن الخائف، وتؤمِّل الحالم، وتَعِدُ الطامع، وتُوهم السامع..،
لذلك انتشرت المعتقدات وكثر أتباعها، وانحسرت الحقائق وقلَّ الطلب عليها!

- هل يوجد أصل لمفهوم التطرف أو الغلو أو التشدد الديني  لدى بعض أتباع الأديان، تجاه غيرهم من البشر؟
- الجواب البديهي والمختصر: لا يوجد أصل لهذا المفهوم إلا في مخيلة الواهمين وعلى ألسنة الجهلة والساخرين!
وليس القبول بوجوده، واستعماله لغويًا ومجازًا من قِبل المدركين، إلا تهرُّبًا من دفع فاتورة المفهوم الحقيقي للسلوك البشري والعلاقات البشرية!
إن القائلين بهذا المفهوم، كأنما يُسلِّمون من حيث المبدأ بصحة تقسيم البشر إلى رجال أديان و رَعِيَّة جاهلة..، وهذا بالطبع يتنافى كلية مع مبدأ أهلية كل البشر للتكليف والحساب!
إن وصف سلوك الأغبياء والعابثين والواهمين والإرهابيين، بأنه تطرف وتشدد وغلو، هو ضحك مفضوح على العقول، وهو جهل في أحسن الأحوال!
إن القول بهذا الوصف وهذا المفهوم المسخ، هو تبرير للجريمة، وتسويق للمؤامرة!
إنه تجاوز وتحايل لئيم على أصل المشكلة ..،
إنها مؤامرة خبيثة مفضوحة، يُنفذها أغبياء ويتستر عليها الأذكياء والأقوياء، بهدف الإبقاء على معتقد سعادة البائسين وكرامة الأذلاء!
إنه وبترديد هذا المفهوم المغلوط، والذي تمت صياغته ونشره في عصور الجهل والخوف البشري – عندما كان الإنسان يجهل جُلَّ ما حوله..،

تمكَّن العابثون والطامعون الساعون للمجد على أكتاف الغافلين، من إقناع الأغبياء بممارسة العبودية وادعاء الحرية، وتمكنوا من إيهام المهزومين بالشعور بالنصر..، فأصبح الواهمون يتجاهلون حقائق يعيشونها لصالح أوهام يعتقدونها!
إن الذي يجري باسم الأديان والطوائف، ليس سوى استهتار بكينونة الإنسان، وتطاول على حقوقه وكرامته المفترضة!
إنه، وحتى على افتراض صحتها ..، فكان ينبغي أن تكون الأديان هي التي أعقبت الإنسان وجاءت لهدايته، وليس الإنسان هو الذي جاء لإصلاح الأديان!
فإذا فشلت الأديان في هداية الإنسان، فكيف يُصلح الإنسان الأديان- وهي التي جاءت لإصلاحه؟

- رفع سقف الآمال يؤدي بالإنسان إلى افتعال المجهول، والمجهول عدو الواهمين..،
فيتوهم الإنسان الخوف وتزداد حاجته للأمان، مما يُحيل الخوف الطبيعي جُبنًا اصطناعيًا، ويجعل الوهم حقيقة في مخيلة الحالمين!
- افتراض الأمل في غياب الحقيقة، هو أوضح صورة للوهم!
- اضطرار الإنسان للقبول بإجابات افتراضية على تساؤلات واقعية، هو دليل على ضآلة رسالته في الوجود!
- ليست الشجاعة أو المعلومة، بل المصداقية، هي ما ينقص الإنسان لكي يرفض الوهم ويعيش الواقع!
- خوف البشر من المجهول، هو المادة التي تتغذى عليها كل المعتقدات!

الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي..
عالم الإنترنت، والواقع البشري..، أيهما الحقيقي، وأيهما الافتراضي!
كثيرة هي العناصر المُلحقة بالإنسان، والتي تبدو أساسية في حياته وشخصيته ..، 
بينما هي في الواقع عناصر افتراضية مرحلية متغيرة، لا تعكس هوية وحقيقة حاملها ..، منها: الاسم، الجنسية، المعتقد والديانة، الوطن، اللغة، الوظيفة، مجال التخصص العلمي والعملي، الحالة الاجتماعية، العادات والتقاليد، …الخ؛
والغريب اللافت في هذا الأمر، هو أن الكثيرين من البشر لا يزالون يفترضون أن هذه العناصر الاصطناعية المرحلية المتغيرة في حياة الإنسان، وتلك الصفات التي تسبق حاملها أو تُفرض عليه أو يكتسبها بصورة عشوائية أو اضطرارية..، 
يفترضون أنها أساسٌ صحيح لإدراك وتقييم حقيقة وهوية حاملها، ومن ثم يعتبرونها أرضية ومنطلقًا سليمًا لوصف الواقع البشري بأنه "واقع حقيقي"!
والحقائق التي يتجاهلها هؤلاء، وما أكثر الهؤلاء..،
هي أن الوجود المادي الظاهري المحسوس للإنسان، هو فقط كل ما يُمكن إثباته واعتباره حقيقة وحيدة مُدركة متفق عليها عن الإنسان، وهي الحقيقة التي يتم التأكد منها بموت الإنسان..، إذ لولا حقيقة الموت لكان حتى الوجود المادي للإنسان محل تساؤل وتشكيك!
وأما الحقيقة التي ربما يجهلها الكثيرون، فهي أن معاملات الإنسان للآخرين وتقييمه لهم، لا تنطلق ولا تستند إلى الواقع مباشرة، وإنما تستند إلى صورتين وهميتين افتراضيتين يرسمهما الإنسان في مخيلته عادةً..،
الصورة الأولى.. تُمثِّل مقامه لدى الآخرين، والصورة الثانية تُمثِّل حقيقة الآخرين لديه!
ويستند الإنسان في رسم وتحجيم وتلوين الصورة الأولى، إلى ما يُظهره الآخرون له من تقدير لشخصه في حضوره، وما يقولونه عن أنفسهم – وهو مدح دائمًا..، وهذه معطيات لا تعكس الحقيقة بالضرورة، ولا يمكن التحقق منها إلا بتجارب عملية!
وأما الصورة الثانية، والتي تُمثِّل حقيقة الآخرين لدى الإنسان، فإنه يستند في رسمها وتلوينها وتأطيرها، إلى العناصر سالفة الذكر ( الاسم، الجنسية، الدين، الطائفة، المستوى التعليمي، المنصب، …الخ).
وما يتجاهله أو يجهله الكثيرون هنا، هو أن هذه العناصر خادعة، حيث يمكن امتلاكها كما يمكن ادعاؤها وإخفاؤها واستغلالها..، وهي بالتالي لا تعكس ولا تُحدد حقيقة حاملها!
وبالنتيجة تُصبح تلك الصور، مصدرًا للخصومات والأحزان!
فتلك الصور الافتراضية، هي التي توهم الإنسان بقدرته على تنبؤ وتوقع سلوك الآخرين ونتائج معاملاته معهم..، ومن ثم وقوعه ضحية للصدمة وخيبة الظن، عندما تأتي النتائج بغير ما كان يعتقد ويظن!
ولكن، وبسبب الوهم البشري المزمن في هذا المجال، فإن الإنسان يذهب مباشرة لتجريم الآخرين، واعتبارهم قد افتعلوا الخطأ عمدًا واستهانة به – على افتراض صحة تنبؤاته وتوقعاته-، وذلك بدلاً من الإقرار بخطأ توقعاته وخطأ الصور التي رسمها واستند إليها، وأن ذلك جُرمه هو لا جُرمهم!
إن التعامل البشري المباشر دون الاستناد إلى صورٍ مسبقة، يتجسد ويتضح في معاملات الإنسان مع الغُرباء دون وسيط!
ولعل المجتمعات المتحضرة والعقلانية، قد تجاوزت أو تكاد، هذه المرحلة العاطفية التي لا يزال يتخبط في أوهامها البدائيون!
هذا هو حال وحقيقة الواقع البشري، والذي يفترضونه واقعًا حقيقيًا..،
بينما يعتبرون واقع الإنترنت عالمًا افتراضيًا، وهو في الواقع أجدر بصفة العالم الحقيقي!
إن الهوية في عالم الإنترنت، هي الهوية الفكرية، وهي التي تُعبِّر بصدق عن حاملها!
فقد غض الإنترنت البصر، وتجاوز الساحات التي يمكن للإنسان أن يكذب ويُخادع ويُخدع في دهاليزها؛
وانطلق هذا الفضاء من حيث لا حاجة للكذب ولا مجال للخداع!
ففي عالم الانترنت، كل المعطيات والمعلومات مطروحة أمام الكل، والكل شاهدٌ، والكل قاضٍ، والكل له حرية إبداء الرأي وحرية اتخاذ القرار بما يتوافق ويعكس هويته الحقيقية!
إنه، وبظهور ساحة الانترنت، فقد افتضح أمر إخفاء المعلومة، وبَطُل مفعول سحر احتكار الحقيقة!
بفضل عالم الإنترنت والحاسوب، لم يعد بإمكان المشعوذين ادعاء الكرامات!
بفضل عالم الإنترنت، سقطت ورقة التوت عن عورات أولئك الذين اختلقوا وكرسوا مفهوم البُسطاء، ومفهوم الخاصة والعامة..، كي يُبقوا البشر رهنًا لكراماتهم وذكائهم المزعوم، 
أولئك الذين وضعوا معايير المعرفة بما يُناسب ظروفهم وما لا يُناسب غيرهم..،
فاشترطوا على الضعفاء والفقراء والدراويش، قراءة واستيعاب وحفظ عشرات المجلدات من الروايات والكتب التاريخية، قبل أن يُفكروا مجرد التفكير في الحديث عن الفكر والمعرفة!
ها هي اليوم القواميس اللغوية، والمراجع التاريخية، والمعلومات في كل المجالات، ووجهات النظر العلمية والفكرية والفلسفية والدينية، في متناول الجميع..،
فهل ما تزال بالعاقل المكلف حاجة لإتباع وتقديس مكلفٍ مثله!
وهل يكون الواقع الذي أوجد هذه الحقائق، واقعًا افتراضيًا..، ويكون الواقع الذي يحجر على الفكر ويفسح المجال للكذب واحتكار المعلومة، هو الواقع الحقيقي؟