face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الاثنين، 8 يناير 2024

أحرار بدرجة العبيد!




ثقافياً، ومن حيث الحريّة والعبودية، يُقسَّم البشر إلى
 عبدٍ و حر.
وفي ذلك مغالطة كبيرة وواضحة، لا يريد البشر الوقوف عندها، أو مناقشتها، تفادياً – ربما – لمواجهة حقيقة تُزيح الزيف عن كرامة كاذبة وحرية زائفة، يدعيها أو يتوهمها مَنْ يُسمّون بالأحرار.
فالحقيقة، هي أنه لا توجد حريّة حقيقية ولا كرامة صادقة، كما أنه لا توجد عبودية مُطلقة.
وما يتجاهله البشر عموماً، هو أن النسبة متقاربة جداً، وأوجه الشبه تكاد تكون متطابقة بين العبودية النسبية التي يرفضها الإنسان، والحرية المُزيَّفة التي يعيشها!
عنوان المقالة لا يصف هذه الحقيقة بدقة؛ فالوصف الدقيق هو أن جُلَّ البشر المتظاهرين بالحرية، هم في واقع حياتهم عبيد بدرجة تفوق عبودية العبيد المُقرين بعبوديتهم.
فمفهوم الإنسان العبد – لغوياً واجتماعياً ودينياً – هو إنسان يمتلكه إنسان مثله، يُدعى سيده؛ فلا يعصي العبد لسيده أمراً؛ ولا يمتلك العبد من أمره سوى قرار موته، وهو الأمر الذي يشترك فيه مع سيده؛ إذ أن السيد يمتلك قرار موت العبد ظلماً أو عدلاً!
بإجراء مقارنة عبر نظرة طبيعية واقعية – ليست متشائمة ولا كاذبة– لواقع حياة جُل البشر..؛
يمكننا ببساطة ملاحظة أن عبودية العبد الحقيقي- إذا جاز التعبير- أفضل من حرية الحر المُزيَّف.
ذلك أن عبودية العبد توجب على سيده توفير الحد الأدنى من ضرورات الحياة للعبد، وتُخلي العبودية مسئولية العبد من أعباء الحياة.
بينما الحرية المزيفة، لا تكفل لأصحابها ضرورات الحياة، ولا تُخلي مسئوليتهم من أعبائها، في حين أنها تضع مصيرهم بالكامل بين أيدي أسيادهم..، كما حصل مع أحرار أمريكا حين أضاءت الأزمة الاقتصادية الحالية، ظلام الحرية والكرامة المزيفتين؛
حيث رأينا الأحرار يقطنون خياماً، بجوار مساكن كانوا بالأمس يدّعون امتلاكها.
ورأينا أيدي الأحرار تمتد لتتلقف المساعدات!
في حين أن العبيد لم يمرّوا بهذه المأساة؛ ولو مرّوا بها لمروا بها كراماً معذورين!
ولكن لا عذر في المذلة، لمن ادّعى الحرية وتظاهر بالكرامة!
فالحر المُزيَّف – في واقع الأمر – لا يمتلك من أصول الحرية التي يدعيها، سوى قرار موته؛ وهو الأمر ذاته الذي يمتلكه العبد الحقيقي سواء بسواء، كما يمتلكه السادة في الحالتين.
فإذا كانت العبودية تعني أنَّ سعادة ومصير إنسان ما، تعتمد على مزاج وظروف إنسان آخـر!
فمن من البشر يقع خارج هذه الدائرة؟
وإذا كانت الحرية تعني حق الإنسان في فعل ما يشاء بنفسه وحياته.
فماذا تعني الحرية وماذا يعني التشريع للإنسان إذا كان تمتعه بذلك الحق يتطلب موافقة ورضا ومساعدة الآخرين.
- إننا لو تتبعنا مسيرة حياة الإنسان الحر – افتراضاً -، لوجدناه عبداً للدولة بما يُطابق عبودية العبد لسيده تماماً.
- ولوجدنا الحر المزيف، عبداً للمجتمع بما يفوق عبودية العبد – تقريباً؛ فهو منافق في مظهره – ملابسه وحلاقته – إشباعاً لنظرات المجتمع وتفادياً لهمساته؛ فمظهر العبد لا يعيبه – من حيث هو عبد!
أما مظهر الحر فهو لا يعكس واقعه المادي، ولا حصيلته المعرفية، ولا قناعته الثقافية والفكرية، ولا يعكس حقيقة التزامه الديني، بل يعكس نفاقه وطاعته لسيده، وعبوديته للمجتمع – تلك التي يتجاهلها.
- ولو تتبعنا واقع الأجير في موقع عمله، لوجدناه عبداً لولي نعمته، بما يفوق عبودية العبد الحقيقي؛ فهو يرى النظرات الشامتة لسيده – المجتمع – في حال أنه ترك وظيفته ثمناً لكرامته؛ ولذلك فهو يتمسك بعبودية الوظيفة، ويتجرع آلامه، متغاضياً -اضطراراً لا خياراً -، عن سلوك سيده وممارساته وتهديداته له بالفصل، ومتظاهراً بالحرية والكرامة- نفاقاً مفضوحاً – أمام سيده –المجتمع- المترقب لإعلان حاجته وعوزه، ونفاقه المعلوم.
أما أغرب وأعجب درجات العبودية التي يعيشها الحر المزيف، فهي عبوديته عند سيده الديني – الطائفي!
فإذا كانت الدولة هي أكبر سيدٍ للإنسان، فإنها توفر له بشكل أو بآخر، وبدرجة أو أخرى، السبل المتعددة لبلوغ الحد الأدنى من حياة العبيد.
وسيده المجتمع، يضم الأصدقاء، وبعضاً ممن يعتقدون بكرامة الإنسان، فيجد عندهم بعض العزاء، وشيئاً من الأمل!
وسلوك سيده رب العمل، ربما يُبرره المقابل المادي الذي يتقاضاه ليسد به رمقه.
أما سيده الديني، فهو السيد الوحيد الذي لا يمتلك من مبررات الطاعة وأسباب السيادة سبباً واحداً.
فكل ما يفعله هذا السيد للإنسان، هو تجميل زيف الحرية والكرامة، واستيفاء درجة العبودية التي قد يغفل عنها السادة الآخرون.
فهو السيد الوحيد الذي لا يُساهم في حل مشكلات عبده بأدنى جهد.
وهو السيد الوحيد الذي يُحاول تجريد الأحرار من كل الحقوق – حتى تلك التي يمتلكها العبيد الحقيقيون- كقرار الموت.
فيُحرّم على الإنسان امتلاك قرار موته بنفسه، ليمتلكه هو، ويجعل من الإنسان عبداً وقنبلة موقوتة بيده يُهدد بها الأسياد الآخرين.
وهو السيد الوحيد الذي يُبرر عبودية الإنسان، فيوهم العبد بأنه حر، ويوهم الذليل بأنه كريم.
إن العبودية الحقيقية المُعلنة، هي الصفحة الوحيدة الصادقة في صفحات كتاب الحياة الكاذبة.
فالعبد الحقيقي هو إنسان مُستعبدٌ لدى سيدٍ واحد؛ بينما الحر المُزيف، هو عبدٌ متعدد ومتغير السادة!
والحرية التي يتوهمها الحر، ويظنها تُميّزه عن العبد، هي في الحقيقة ليست سوى أكذوبة كبرى؛ وهي عبارة عن المدة الزمنية والمسافة الجغرافية التي يتحرك فيها الإنسان متنقلاً بين مواقع أسياده، تنفيذاً لمخططاتهم.
وهذه المساحة لا يمتلكها العبد لأن سيده واحد، فلا يحتاج إلى التنقل!
فالإنسان عموماً، هو كائن يصنع من خياله جدراناً، ليحجب بها شعاع حقيقة تلفه، ويوهم ذاته قبل غيره، بمتعة النظر إلى تناسق ألوان التعاسة..، حتى إن الإنسان ليبدو كشبحٍ دميم، يتبنى الجمال، ويبني عالماً من الوهمِ المظلم، بحجارة من الكذب المضيء.

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ