face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الاثنين، 4 مارس 2024

فلسفة الأحلام وخيبة الأمل ..



صحيح أن في كيان بعضنا من الأخطاء ما يكون في الصميم، فلا يكون إصلاحها ممكنًا ولا يمكن معها استمرار البقاء ..، كالأخطاء الهندسية في أساسات البناء، تلك التي تبرز ويزداد خطرها مع ارتفاع المباني، ولا تترك مجالاً لإصلاحها غير هدمها والفناء .. لكن ذلك لا يمنعنا من استخراج ما بالمُهدَّم من نفائس قبل هدمه! عندما نستيقظ متأخرين في الحياة، ونجد أنفسنا مكبلين، فلا نملك من وسائل ممارسة الوجود غير السمع والنظر والكلام .. ونشاهد أحلامنا وهي في طريقها لتصبح ذكريات حالم أو حقائق واهم .. عندها يملأنا إحساس صادق بأننا في عصر غير عصرنا، وعلينا مغادر المكان والزمان .. فنبحث في حنايا قلوبنا عن أقرب الناس إلى أرواحنا .. نجد أنفسنا نبحث بين الناس عمن يستحقون أحلامنا .. أولئك الذين كان وجودهم في حياتنا أشبه بتجسيدها .. نبحث عمن بنا حاجة لتركهم بسلام كحاجتنا للرحيل عنهم بسلام .. أولئك الذين نأتمنهم على أحلامنا ونأتمنها عليهم .. لنسلمهم بكل أمانة ومودة ووفاء وحب، كامل خبراتنا وما تبقى لدينا من رصيد الأمل .. كأنما بنا حاجة لبعث الحياة في أحلامنا من بعدنا .. كأنما وُجِدنا لضمان بقائها لا لتحقيقها .. هذا سبيلنا لنرحل بسلام .. ولعل بنا حاجة لذلك! فنقول لهم .. حذار أن يتسلل إلى وعيكم اليأس من بوابة الأحلام في ثياب الأحزان ووجوه الآلام .. حذار أن يخدعكم بحُجج الجراح ومستندات الأخطاء .. إن أخطاءنا ليست سوى علامات وجودنا .. وما جراحنا غير شهود إثبات حياتنا .. آلامنا دليل وجود آمالنا .. وما أحزاننا إلا مؤشر على حياة الحب فينا! النجاح في الحياة لا يعني خلوها من الأحزان والجراح .. فلسفة النجاح لا تتجسد في تحقق الأحلام .. فأحلام الإنسان أكبر من أن يسعها الزمان .. ذلك أن كل واحد منا يحمل داخله أرشيفًا جينيًا بأحلام كل البشر ..، يستعرضه فلا يرى لها نهاية .. يحتار أيها يختار، فيفقد الصواب .. فيفقد الأمل .. لكن هذه فلسفة الطبيعة في الإنسان! وما يبدو لنا في الواقع لغزًا محيرًا، قد لا نحتاج في الحقيقة لتفكيكه سوى لوقفة واعٍ والتفاتة مُدرِك .. إن كل واحد منا مهيأ سلفًا لكل الاحتمالات والصُدف .. هكذا اقتضى التطور الذي أوجدنا وميزنا عن سوانا .. أحلامنا التي تبدو على شاشة العواطف أمرًا يُربك الأذهان ويصارع الأيام .. حين نعرضها على شاشة الإدراك تبدو غير ذلك! إن مَشاهِدَ الأحلام تُعرَضُ على شاشة الخيال أمام الفكر، تمامًا كما تُعرَضُ على التلفاز مَشاهِدُ آلاف القنوات في لحظة واحدة أمام النظر .. تلك الأقمار والقنوات التي تبدو لنا وكأنما كلها تخاطبنا كلنا .. فيشعر كل واحد منا أن به حاجة لمشاهدتها جميعها .. بينما هي تخاطب كل الأذواق وكل الاحتياجات .. وتسعى بمجموعها لتحقيق أهداف متعارضة .. أهداف لا يمكن أن تجتمع مبرراتها في مخيلة فرد في ذات الوقت، ولا يسمح عمر الفرد ومعطياته بتجربتها جميعها .. فنختار من المعروض ما بمقدورنا مشاهدته ومتابعته وفهمه وتوظيفه لمصلحتنا .. لكننا نشعر بخيبة أمل مع كل مشهدٍ رائع نسمع به ولم نره .. في قناة موجهة لغيرنا .. لتصبح خيبة الأمل المفترضة تلك، حاجزًا يحجب عنا جمال المشاهد الرائعة في قنواتنا .. فنختزل أحلامنا فيما افتقدناه، ونفقد بذلك الاستمتاع بما كسبناه .. هنا نحتاج لوقفة الوعي والتفاتة الإدراك .. لنتذكر أن لاشيء يحمل قيمة في ذاته .. أننا نحن الذين نمنح الأشياء قيمتها .. حتى الحياة ذاتها نحن من يمنحها قيمةً أو يسلبها .. لنعرف أن من بين كل ما يُعرض أمامنا، يمكننا اختيار ما هو أنسب من سواه لنا .. بل ويمكننا جعله كذلك .. وأن عليه وحده ينبغي أن يكون تركيزنا وبه يكون اهتمامنا، لنجعل من متابعته وفهمه هدفنا .. ونجعل من رؤية غيره مجرد تسلية تمنحها الطبيعة لنا لسد أوقات فراغنا، ومتابعته وفهمه مسئولية غيرنا .. هنا نحتاج لوقفة الوعي والتفاتة الإدراك .. لنتذكر أن قيمة الذهب لا تنبع من مقاومته للصدأ، بل من سلبيته، من عدم تفاعله مع محيطه ! لنعرف أننا إذا أحسسنا أن بنا ميلاً للركض وراء لفت انتباه الآخرين، وانتظار إبداء إعجابهم بنا .. أننا بذلك إنما نسلمهم أمر سعادتنا دونما مبرر ولا اتفاق ولا ضمان .. إننا بذلك إنما نستجدي إعجابهم ليصبح شهادة إثبات لوجودنا .. وليس ذلك سوى عبودية مقنعة تسكننا .. علينا وبمقدورنا التحرر منها والانتصار لأنفسنا .. لا شيء أثمن وأفيد وأصلب من إقناع الذات بما هي! إننا حين نربط إحساسنا بوجودنا بأعداد المعترفين بنا، فإننا بذلك إنما نمنح الغرباء حق توجيهنا وإسعادنا وإتعاسنا ..، وليس ذلك سوى دليلٍ على أننا لا ننظر جيدًا للوجود من حولنا، فلم نُدرِك أن وجود أصدقاءٍ حقيقيين في حياتنا بعدد أصابع اليد، هو أكثر وزنًا في ميزان سعادتنا من إعجابٍ عابرٍ يبديه كل البشر بنا ..

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ