face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

ماهية الزمن كعنصر في الطبيعة والوجود!



هل يوجد شيء خارج مخيلة الإنسان، اسمه الزمن؟ ما طبيعة الزمن حسب نظرية النسبية؟ في  العام (2012) أنعقد أوّل مؤتمر دولي، حول دلالة مفهوم الزمن في العِلم والفلسفة والفكر الديني، وكان ذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومجرد الدعوة لعقد مؤتمر دولي في هذا العصر، حول مفهوم الزمن، يُثبت أن الذين يعتقدون أو يدَّعون معرفة وإدراك دلالة مفهوم الزمن، إنما هم في الواقع يقبعون خارج الزمن الذي يعتقدون معرفته! مفهوم الزمن يتم تداوله عادةً من خارجه، من حيث اختلاف الرؤى حول تصوره وأثره، وربما حول بدايته ونهايته! - هذه محاولة لتناول مفهوم الزمن من داخله، ومن الناحية الموضوعية والعملية، من حيث ماهيته ومدى واقعية وجوده كعنصر حقيقي في الطبيعة، وموقعه من الذات البشرية، وعلاقته بالأشياء المادية! الزمن المقصود هنا، ليس الزمن بمعنى الوقت أو التوقيت، فهذان المفهومان يمكن تصورهما بمعزل عن مفهوم الزمن، حيث إن التوقيت والوقت هما عبارة عن قياس معنوي بواسطة مقارنة أحداث مادية، بقصد ترتيب التعاملات وشئون الحياة – كقياس موعد استيقاظ الإنسان مقارنة بشروق الشمس، أو قياس موعد نومه مقارنة بغروبها، ثم تتم تسمية هذا القياس وهذه المقارنة: وقتًا أو توقيتًا..، وهي في الواقع عبارة عن أحداث مادية طبيعية يتكرر حدوثها في كون مطلق لانهائي..، وإطلاق مُسمَّى الوقت أو التوقيت على "مقارنة" بين أحداث مادية مختلفة، لا يعني وجود شيء أو عنصر اسمه الوقت أو التوقيت في الوجود أو في الطبيعة! الفروق بين مفهوم الوقت والتوقيت والزمن والزمان، تناولناها في موضع آخر بشيء من التفصيل! أما المقصود بالزمن هنا، فهو فقط ذلك السهم الخيالي المتجه من الماضي إلى المستقبل، والمشتق من مفهوم الزمان المرتبط بالمكان، والمنحوت أسطوريًا في ذاكرة الإنسان، والذي تتغير به وعبره وبسببه الأشياء – افتراضًا!
 ماهية الزمن.. يبدو التلازم واضحًا بين مفهوم الزمن، ومفهوم الوجود! فالذين يتصورون وجود شيء اسمه الزمن، هم أولئك الذين لا يُفرِّقون بين مفهوم الكون ومفهوم الوجود، إنما يرون أن لهما ذات الدلالة وذات الحقيقة! فهؤلاء لا يؤمنون بأزلية الكون واختلافه عن مفهوم الوجود، إنما يعتقدون بأنهما شيء واحد، وأن هذا الشيء له بداية ليس قبلها بداية..، ويعتبرونها البداية لكل شيء موجود الآن..، وبذلك يتصورون انطلاق ما يُشبه السهم الزمني، من تلك البداية باتجاه نهاية مفترضة. ومكمن الخلل في هذا التصور، هو أنهم يفترضون انطلاق بداية للوجود من العدم، متجاهلين استحالة نشوء وجود من عدم. والذين يُفرِّقون بين مفهوم الوجود ومفهوم الكون، ينبغي أن يكون تصورهم للأمر، كالتالي: إذا كان نشوء الوجود من العدم أمرًا ممكنًا، إذن فالوجود أزلي – باعتبار أن العدم أزلي، وفي هذه الحال يكون الزمن أزليًا! أو أنه ينبغي البحث عن شيء آخر سابق للعدم، يكون قد انبثق عنه العدم، وهكذا رجوعًا إلى ما لانهاية..، وهنا كذلك يكون الزمن قد انطلق منذ ما لانهاية! والأهم من كل ذلك، هو أنه لا معنى لمفهوم العدم الذي يمكن أن ينبثق عنه وجود! فإذا كان العدم يحتوي على إرادة تُقرِّر وتستطيع تحويله إلى وجود..، إذن هو ليس عدمًا، إنما هو وجود أزلي من نوع آخر، انبثق عنه هذا الوجود العابر..، وذاك الوجود الأزلي هو الذي ندعوه نحن بالكون ( نحن = المُفرِّقون بين مفهوم الكون ومفهوم الوجود)، والكون هنا يكون شيئًا آخرَ غير هذا الوجود المؤقت المحسوس المرصود! ولذلك نحن لسنا بحاجة لافتراض وجود شيء اسمه الزمن..، حيث إن الوجود عبارة عن جزء من الكون، والكون شيء أزلي أبدي مطلق، لا مكان لمفهوم الزمن فيه! فالوجود الحالي، يمكن تصويره وتصوره بأنه مجرد نبتة كونية، نمت وبرزت على مساحة معينة من سطح الكون، وستختفي – ليس بالفناء، إنما بعودة مكوناتها من حيث أتت، واندماجها مجددًا مع أديم الكون الأزلي الأبدي – دون أي أثر أو اعتبار لوجودها الاستثنائي الذي ظهر واختفى! وهنا نقول، إنه حتى لو افترضنا زمنًا محدودًا مستقطعًا من زمن أزلي أبدي مطلق-، فسيكون زمنًا افتراضيًا لا قيمة ولا اتجاه له..، لا شك أنه لو كان عُمر كل إنسان يساوي وقت شروق واحد فقط، لأصبحنا نقول توقيت الإنسان وليس عُمر الإنسان، وحينها لا معنى لمفهوم الزمن! ومصطلح عُمْر الإنسان الآن، هو عبارة عن مجموع توقيتات افتراضية مصاحبة لـ 36500 عملية شروق حقيقية! وكما أن اللحظة أقل من أن تُحتسب في عمر الإنسان، وعُمر الإنسان الفرد أقل من أن يُحتسب في عُمر الوجود..، فإنه وبذات المعنى، يكون عُمر الوجود أقل من لحظة في عُمر الكون المطلق الأزلي الأبدي، وهو بذلك أقل من أن يُحتسب في عمر الكون، إذن يكون الزمن الحقيقي والعُمْر الحقيقي هو زمن أو عُمْر الكون، وهو أزلي أبدي مطلق – لا بداية ولا نهاية له، وبذلك فإنه لا قيمة ولا معنى لمفهوم الزمن ولا وجود لسهم الزمن في حياة البشر، وغير البشر – بالمفهوم الديني والثقافي التقليدي للزمن! أما مفهوم الزمن في الساحة العِلمية، فلعل أهم تصور له، هو ما جاء في النظرية النسبية!
 نظرية النسبية تقول بأن الزمن شيء موجود، وأنه عنصر أساسي متحد مع عنصر المادة، وأن هذا الخليط هو قوام الوسط الفضائي الذي يحوينا والذي تجري به وفيه وعليه كل عملياتنا الحياتية، والذي أسمته النظرية بالزمكان! وتقول نظرية النسبية إن لكل إنسان زمنه الخاص الذي يمكن أن يتباطأ ويتسارع متفاعلاً مع المادة وخاضعًا لقوانين الطبيعة! وبحسب هذه النظرية العلمية الفيزيائية، يكون الزمن عنصرًا له وجود فعلي في الطبيعة! وبحسب هذا التصور لمفهوم الزمن: يحق لنا التفكير في الحصول على كمية من عنصر الزمن الخالص، فتحضيره أو استخلاصه من الإنسان أو من مركب الزمكان يبدو ممكنًا – بحسب هذه النظرية! وهذا يعني أن الزمن عنصر قابل للتلوث والتنظيف، كما هو الحال مع المكان والمادة! ومعنى ذلك أن الحُفر التي نقع فيها أحيانًا، بعضها حُفر زمنية وليست كلها حُفر مكانية مادية، وذلك على اعتبار أن الموجود حولنا عبارة عن زمكان، وهو مركب من عنصري الزمن والمكان، وكما أن خلو الزمكان من المادة يترك حُفرة، كذلك يكون خلوه من الزمن ينبغي أن يترك حُفرة! ومعنى ذلك أن بعضًا من زمن الإنسان يمكن أن يتبقى بعد موته، تمامًا كما يتبقى بعضًا من ممتلكاته المادية، وبالتالي يمكن توريث الزمن! ويترتب على ذلك أنه يمكن للإنسان أن يقتطع جزءًا من زمنه – كذا سنة، فيتبرع بها أو يبيعها أو يرميها إذا كانت فاسدة- خاصة إذا كان المتبرع فقيرًا أو مجندًا إلزاميًا أو سجينًا- وذلك كما يفعل بأعضائه المادية عند الضرورة! ومعنى ذلك أيضًا، أن أحدهم قد يموت بسبب نقص في الزمن.. على غرار نقص في الأوكسجين! وعلينا أن نتوقع حصول نزاعات وحروب على الزمن، كما هو حاصل على المكان ومصادر الطاقة! ولا ينبغي أن نستغرب حصول ازدحام وتدافع بين أفراد معدودين من البشر، في صحراء الربع الخالي أو في الصحراء الكبرى، وذلك بسبب نقص حاد في الزمن – رغم غزارة المكان! وينبغي أن نستعد لاحتمال حصول جفاف زمني، يؤدي إلى شح في عنصر الزمن الصالح للاستهلاك البشري على الأرض – مع التزايد السكاني، كما هو الحال مع تناقص الغذاء البشري على الأرض! وربما يتوجب على المختبرات البدء في إجراء التجارب لإنتاج زمن صناعي- تمامًا كما أنتج البشر المكان اصطناعيًا في البحر، وكما أنشأوا مكانًا في الفضاء – المحطة الفضائية الدولية! وعلى البشر أن يدرسوا مدى صلاحية الزمن الحيواني والزمن النباتي للاستهلاك الآدمي، وربما وجدنا طريقة لتخزين أزمنة النباتات والحيوانات التي نُقرر إيقاف أزمنتها، أو نتغذى على أزمنتها كما نتغذى على مادتها! وليتوقع كل منا أن يظهر عليه تورم زمني، أو أن يُصاب بجفاف أو ضمور زمني، أو أن يحصل لديه تقلص زمني! وبالمحصلة، فإنه ولكي يكون هذا التصور العِلمي للزمن صحيحًا، فإن عملية فصل عنصر الزمن عن المكان ينبغي أن تكون ممكنة، وهذا ما لا يقبله العقل والمنطق، ولم يقل به العِلم – رغم قبول بعض العلماء لفكرة وجود مُركَّب الزمكان الناتج عن اتحاد الزمن بالمكان!

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ