face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الجمعة، 1 نوفمبر 2019

الذات الفاعلة والآخر المختلف!(1).



الطبيعي هو التعامل المنطقي مع الواقع، وذلك باستعمال المعلوم لاكتشاف المجهول! لكن ذلك لا يكفل السعادة ولا يعتد بالعواطف..، لذلك ظهرت نظريات الوهم! الوهم هو افتراض مجهول على مقاس العواطف والأحلام، واستعماله لتجاهل المعلوم! المعلوم هو الواقع، ولأن الإقرار بالواقع هو إقرار بوجود ما لا يُحقق أحلام الواهمين! لذلك يتعامى الواهمون عن سذاجة النظريات التي يؤمنون بها، لأنها تُمثِّل لهم تحقيق المستحيل، وهو تجاوز الواقع! نحن بحاجة إلى فقدان جزئي للوعي، لكي نتجاهل مأساة ونفتعل سعادة! خرج البشر بفضل هذه النظريات من عالم الواقع الكئيب إلى عالم الحُلم السعيد، فنظروا إلى صورة الواقع في مرآة الوهم، فبدا لهم الضعيف قويًا، والذليل عزيزًا، والفقير غنيًا، والميت حيًا، …الخ! ولذلك فإنه من الصعب- وربما من غير المعقول- محاولة إخراج الواهم من وهمه، لأنه يُعادل إخراج السعيد من سعادته! إن الواقع مرفوض لأنه معلوم، والحقيقة المفترضة مقبولة لأنها مجهولة! المعلوم.. لا مجال فيه للوهم والعاطفة والأماني، ومن هنا كان الواقع مرفوضًا! المجهول.. مجال يتسع لكل ما يمكن أن يأتي به الخيال، ومن هنا كان قبول الحقيقة! إن الحقيقة هي الواقع، في نظر الذين يصنعون الواقع! والحقيقة هي نقيض الواقع، في نظر ضحايا الواقع! والحقيقة هي النتيجة التي تُنصِف الجميع، في نظر الجميع! أما الحقيقة المطلقة، فهي مفهوم يعكس القلق، والقلق هو سِمة الحياة الذكية- التي يُمثل الإنسان الواقعي المنطقي قمتها على الأرض! يمكن اعتبار الوعي أو الذكاء نقمة على الإنسان، لأنه أنتج القلق، بطرحه لسؤال الحقيقة، وعجزه عن إيجاد الجواب! كذلك فإن الوعي أو الذكاء قد أصبح عائقًا يمنع الإنسان من قبول الجواب ما لم يكن في صالحه، وذلك لأن الوعي أو الذكاء هو مخترع السؤال، ولا يرضى بأقل من المشاركة في صنع الجواب! أمر آخر هام جدًا بشأن الذكاء، وهو أن البشر هم عبارة عن أوعية (جمع وعاء) مناسبة لعمل وتطور نوع من الذكاء الطبيعي، وبسبب تعدد هذه الأوعية، أصبح هذا الذكاء يُنافس ذاته، فبدا الذكاء وكأنه ينقلب على ذاته محاولاً وضع حد لتطوره، وذلك لأنه من طبيعة الذكاء رفضه الإقرار بالعجز، فأصبح الذكاء عند "س" من الناس، يرفض الإقرار بعجزه أمام الذكاء عند "ص" من الناس، فنشأت بذلك تشريعات قمع حرية التفكير والتعبير، ولعله من هنا بدأ الصراع على السلطة- من أجل تغليب فكر على فكر! الإنسان يتميز عن غيره من الموجودات بنوعية الوعي، والوعي هو إطار مناسب لتجميع وتنظيم وحفظ المعلومات والبيانات، بصورة تسمح للذكاء باستخدامها لإنتاج الأفكار! كل الموجودات الأخرى تمتلك نوعًا من الوعي، وقدرًا من الذكاء، لكنه نوع من الوعي عشوائي ومحدود، يُعيق ذكاءها من العمل والتطور! الحقيقة المطلقة التي يمكن أن يجتمع حولها البشر، هي عنصر افتراضي، إذا أُضيف إلى معادلة الوجود، يتحول الواقع إلى حقائق لا تحتمل التساؤل! صراع الإنسان مع البيئة وجهله بها ورفضه الإقرار بالعجز أمامها، هو الذي كان وراء طرحه للسؤال في الماضي، ولذلك جاء السؤال على مقاس جواب افتراضي يُحقق رغبات الإنسان ويُبعد مخاوفه، فأصبح هدفه من البحث هو الحصول على الجواب الذي يُريده، وليس الجواب الصحيح! ويتضح ارتباط سؤال الحقيقة وجوابها بالبيئة، من اختلاف معتقدات البشر اليوم بحسب اختلاف ثقافاتهم ومستوى معيشتهم ( اختلاف البيئة)! إن طلب الإنسان للحقيقة، هو تعبير عن قلق ناجم عن صراع بين الشعور بالقوة والإحساس بالعجز! كل النظريات (المعتقدات) المطروحة حول الحقيقة المطلقة، لم تُعالج القلق الحقيقي، هي عالجت القلق لدى أولئك الذين يتصنعون القلق درءًا لمسبة الغباء! الواقع يقول إن السواد الأعظم من البشر بُسطاء، لا يتجاوز اهتمامهم يوميات الحياة، لأن وعيهم محدود، لا يكفي لتطور الذكاء وطرح السؤال وإحداث القلق ذاتيًا! هؤلاء لم يتساءلوا ولم يقلقوا من تلقاء أنفسهم، ولو أنهم تُرِكوا وشأنهم لما تساءلوا ولما عرف القلق لهم سبيلا! لكن، جاءهم مَنْ أوعز لهم بأن عليهم أن يتساءلوا وأن يقلقوا، وبأن ذلك هو ما يُميز الإنسان عن سواه من الموجودات. ولأن البُسطاء أعجز من أن يُدافعوا عن بساطتهم، فلم يجدوا بُدًّا من تقليد التساؤل وتَصَنُّع القلق! ولأن التساؤل لم يكن من إنتاجهم، فكان من الطبيعي أن يكون جوابه كذلك مستوردًا! ولذلك سَهُل إقناع البُسطاء، حيث لا يتطلب إقناعهم سوى جواب غامض يُربك ذكاءهم الذي عجز أصلاً عن طرح السؤال وإنتاج القلق! توارث البُسطاء ثقافة استيراد القلق الجاهز والجواب المعلَّب، وتوارث الحُذاق وظيفة تصدير القلق والجواب، وبذلك وجد جُل البشر أنفسهم ملزمين بطاعة وتقديس كل من يدعي امتلاك سر الحقيقة، وهو في الواقع إما كاذب أو أنه ضحية وهم، لا يمتلك سوى مهارة المراوغة وفن التهرب من الجواب الصادق! لكن بساطة البُسطاء لها وجهان، فهي التي سهَّلت على الآخرين إقناعهم، وهي ذاتها التي تُسهِّل على البُسطاء تجاهل وتجاوز ما تعهدوا للآخرين بالالتزام به، ولذلك يضطر الدُعاة إلى الاستمرار في مخاطبة البُسطاء ترهيبًا وترغيبًا. إن البُسطاء لا يتصنعون البساطة، فهي طبيعتهم التي لا يتقنون سواها، لذلك وبمجرد غياب الداعية أو الخطيب، ما يلبث البُسطاء أن يعودوا إلى ممارسة حياتهم المَرِحة الخالية من التساؤل والقلق! إن الذي يدعي امتلاك الجواب، يستطيع إقناع مَنْ يتصنع القلق، لكنه يعجز عن إقناع مَنْ يتملكه القلق! ولأن من طبيعة الذكاء رفض الإقرار بالعجز ولو كان قائمًا، لذلك يرفض المُدعي الإقرار بضعف حُجَّته أمام المتسائل الحقيقي الباحث عن الحقيقة، فيلجأ إلى المراوغة بتخوينه أو اتهامه بالضلال، أو محاولة الإيهام بأن الإله لم يشأ هدايته – وكأنما يطلب منه مقاومة مشيئة الإله، .. إلى آخره من المراوغات التي لا تحجب عيوب المُدعي، بقدر ما تُثبت الصِدق والأمانة وقوة الحُجة لدى المتسائل- في بحثه عن الحقيقة! ويُمعن المُدعون بمعرفة الحقيقة، في خداع أنفسهم ومراوغة الآخرين، حتى أنهم يقلبون المعادلة، فيتخذون من تصديق البُسطاء لهم، دليلاً على صحة نظرياتهم! حيث يُفاخر المُدَّعي، بقوة حُجَّته التي أقنعت أعدادًا غفيرة من البُسطاء، اللاهثين خلف أي تفسير لهذا القلق المصطنع الذي وجدوه أمامهم كعادة متوارثة تستمد قداستها من تعصب الإنسان لأسلافه لا من علاقتها بالحقيقة! إن قلق الذين يتصنعون القلق، لا يتعدى قناعتهم الآنية بضرورة اتخاذ قرار يواكب تسارع الزمن- قبل فوات الأوان- فمحدودية الأعمار في نظرهم لا تسمح بالانتظار! ومن هنا نجد أن كل جماعة بشرية اعتنقت النظرية المتوفرة والمتوارثة لديها، وبسبب غياب البديل لا بسبب حضور البرهان! إن حاجة البشر لنظرية مُبرهَنة تُعطي لحياتهم معنى، وعدم وجود نظرية مطلقة، أوجدا فراغًا فكريًا، جعل كل جماعة بشرية تتمسك بنظريتها، وتسعى لإثبات صحتها وتغليبها على ما سواها، وبذلك انطلقت الصراعات العقائدية! من الطبيعي أن عدم وجود منافس لإنسان أو لنظرية ما في مجال ما، يجعلها تحتكر الحقيقة في ذلك المجال، مهما كانت عيوبها! لكن مجرد وجود المنافس- مهما كان ضعفه-، سينتقص من حقيقة الطرف الآخر! لذلك كانت الصراعات العقائدية نتيجة طبيعية وحتمية لوجود التنافس، وهدفها إلغاء المنافس! لكن اختلاف البشر كان وما يزال كفيلًا بإيجاد أتباع لكل نظرية، وبالتالي إعطاء إمكانية وليس شرعية الوجود لكل المتنافسين! ولأنه لا أحد يمتلك الحقيقة الخالية من العيوب، لذلك أصبح تركيز المتنافسين في مجال الحقيقة ينصب على تضخيم عيوب الآخر! قالوا في مدح نظرية الديمقراطية مثلاً، أنها أسوأ نظام باستثناء جميع الأنظمة! وذلك لأنها تتفرد بمزايا حسنة لا يستطيع منافسوها إنكارها، لكنها ليست خالية من العيوب! الصراعات العقائدية حولت النظريات إلى أيديولوجيات! النظرية عبارة عن وجهة نظر تفترض الصواب، مطروحة للنقاش، تقبل النقد والتصحيح، تهدف إلى حل مشكلة! بينما الأيديولوجية، هي وجهة نظر تعتقد الصواب، مطروحة للتنفيذ، لا تقبل النقد والتصحيح، تهدف إلى تغيير واقع!

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ