face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

الذات الفاعلة والآخر المختلف!(2).




نظرية لا تُفسِّر الوجود إلا بطمس بعض معالمه، لا يصح اعتبارها نظرية لكل الوجود! ودستور لا يستوعب البشر إلا بسحق بعضهم، لا يصح اعتباره دستورًا لكل البشر! فلو أن نظرية علمية، اشترطت استثناء الحديد من  معادلاتها، لكي تتعامل مع المعادن..، فإنها في أحسن الأحوال ستحصل على وصف: نظرية قاصرة أو ناقصة! أو أن نظرية اشترطت استثناء المشتري، لكي تضع معادلة لفهم ووصف الكواكب..، فهي نظرية قاصرة أو ناقصة! كذلك لو أن أحدهم جاء بدستور، وادَّعى أنه يصلح لكل البشر وأنه صالح لكل زمان ومكان، ثم اشترط قتل أو إكراه أو سلب إرادة كل من لا يقتنع بهذا هذا الدستور..، فإن مثل هذا الدستور لن يحصل حتى على صفة " دستور قاصر أو ناقص"، لأن وصفه الصحيح هو أنه: دستور وهمي عبثي لا إنساني استبدادي إجرامي بربري همجي كاذب مزور فاشل!
- المنتحرون دون تردد، والذين تسيل دموعهم دون تكلف، عند اصطدامهم الفردي المباشر بالمأساة العامة..، هؤلاء يفرضون احترامهم بدرجة كبيرة لا يبلغها سواهم! ذلك لأنهم يُجسِّدون الصورة النهائية للمشهد العام في مواقف فردية لحظية صادقة صادمة، متجاوزين مراحل العبث التي يتنافس حولها ويسعد بها الواهمون! - المنتحرون هم أناسٌ صادقون مع أنفسهم، لكنهم لا يستطيعون البُكاء عند الحاجة إلى البكاء، لذلك يُريقون دماءهم بدل الدموع!
 تكملة الموضوع.. إن حدوث القلق الطبيعي التلقائي، مرهون بنضوج الوعي بشكل طبيعي، فإذا لم ينضج الوعي، امتنع حدوث القلق التلقائي، وهذه حالة طبيعية لا ينبغي تلويثها بفرض القلق من الخارج! إن القلق يحدث عندما يشعر العاقل بأنه قادر على الفهم والفعل، ثم يصطدم بعجزه عن الفهم والفعل! إن إقرارنا بوجود الاختلاف بين البشر، وبعدم مسئوليتهم عنه، يُلزمنا بمبدأ: أنَّ ما يُحسب لإنسان لا يُحسب على غيره! فما يُبرر مدحنا لبعض البشر، لا يبرر لنا ذم غيرهم! إن ما استطاع جاليليو وكيبلر ودافنشي وآينشتاين وبوهر وستيفن هوكنج وأمثالهم، تصوره وفهمه وتحقيقه، هو مبرر لمدحهم، لكن من الطبيعي ألا يُعاب على غيرهم عدم قدرتهم على مجاراتهم، والأهم ألا يُكرَه بقية البشر على النفاق والرياء بالتظاهر بقدرتهم على تصور وفهم وتحقيق ما حققه أولئك العباقرة! هذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال في كل المجالات..، لكن مع الأسف ليس هذا هو الحال في مجال المعتقدات- مثلاً! فالإنسان في هذا المجال، يُذم ويُهان، فقط لأنه لم يستطع مجاراة غيره، أو لأنه لم يستوعب ولم يقتنع بما قالوه! ثم يُجبر ويُكره على الإقرار بأنه أقل قيمة منهم، أو يُكره على النفاق والتظاهر بأنه قد فهم واستوعب نظرياتهم واقتنع بها! لنا أن نتصور كيف تكون حياة وسلوك إنسان بسيط، وهو مُكره على الإقرار والتظاهر بأنه قد استوعب واقتنع بكل ما قاله واستوعبه ستيفن هوكنج في الفيزياء النظرية، وما قاله واستوعبه بوهر في فيزياء ما تحت الذرية! إن سلوك الإنسان المُكره على إظهار القلق، يكون كسلوك الحاسوب المُكره على تشغيل برنامج هو ليس معدًا لتشغيله، فيكون بحاجة لتدخل المشغل في كل خطوة، وفي النهاية يعجز الجهاز عن العمل تمامًا، ويُصبح أداة جامدة- تُستعمل ولا تعمل! إن التربية والتلقين باسم التوعية، هي في الواقع قتل وتحريف متعمد للوعي الطبيعي، من أجل خلق قلق مزيف لدى الإنسان، يجعله بحاجة دائمة لتدخل أولئك الذين خلقوا لديه القلق المزيف، وهذا ما يفعله الدُعاة مع البُسطاء! بينما القلق الطبيعي الناتج عن وعي طبيعي، يُحصِّن الإنسان ضد التزييف والتخويف، فلا يقبل إلا إجابة طبيعية مكتملة الأركان عن تساؤلاته، وهو يُفضِّل البقاء في دائرة الحيرة الصادقة على الخروج إلى فضاء الأحلام والاعتقاد! إن الحقيقة المطلقة التي يستقيم بها الوجود، ربما أمكن استنباطها من حياة الحيوانات، حيث إنها لا تعرف القلق! الحيوانات تعرف الخوف، والخوف غريزة مرتبطة بالحياة والوعي! الخوف قلق لحظي، والقلق خوف مستمر! القلقون ينظرون إلى بقية البشر- الذين يستمتعون بحياتهم- كأن ليس فيها ما يستوجب القلق- على أنهم سُذَّج بُسطاء، لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن القلقين يحسدون البُسطاء على بساطتهم، والتي لا يمكن أن تكون إلا حقيقية، فالقلق إما أن يكون أو لا يكون، فهو ليس إراديًا وليس موضوعًا للمزاح! إن القلق يمكن تصديره رغم أنه مُكلِف، بينما البساطة لا يمكن استيرادها رغم أنها مجانية! القلق يأتي نتيجة طبيعية لنضوج الوعي، وقد ينشأ القلق بسبب موقف معين أو نتيجة انتباه مفاجئ! بينما البساطة هي وضع ابتدائي قابل للتغير، لكنه غير قابل للاستعادة بعد التغير! ولذلك فإن إصرار النخبة من البشر على تأصيل وعقلنة المبادئ، كان لا بد أن يُنتج لدى البُسطاء الكذب والنفاق؛ ذلك لأنه ولكي تسير الحياة لدى جُل البشر، فهي تستوجب البراغماتية واللا مبدئية – حيث إن الالتزام بالمبادئ يصطدم مع المصالح بالضرورة، وحيث إن النخبة من البشر قد افترضوا أن المبادئ عنصر أساسي من الإنسانية، فلم يكن أمام البُسطاء والضعفاء الغير قادرين على دفع فاتورة المبادئ، ومن أجل إثبات انتمائهم للإنسانية، سوى التظاهر بالمبدئية، فكان الكذب والنفاق! وكذلك فإن ترسيخ الاعتقاد بوجود حقيقة مطلقة مستقلة، كان لا بد أن يُفضي إلى الموت أو إلى الجنون لدى الصادقين! فإذا كان الإنسان على درجة كافية من الوعي، تؤهله لطرح السؤال، وتبنى مشروع البحث عن الحقيقة المطلقة، بذاته ولذاته، فإنه حتمًا سينتهي إلى الانتحار إذا لم يسبقه الجنون! وإذا كان الانتحار موتًا ماديًا، فإن الجنون موت معنوي، فالنتيجة واحدة في كل الأحوال! أما الذين ادَّعوا معرفة الحقيقة المطلقة كمشروع للآخرين، فهم مستثنون من قاعدة الانتحار والجنون، لأن حقيقتهم مصطنعة ومفصلة على مقاسهم؛ ومع ذلك فهم يُبررون ويُشرِّعون قتل الآخرين الذين يتعارض وجودهم مع حقيقتهم المزعومة ..، وبالنتيجة فإن الحقيقة التي لا يستوعبها الإنسان إلا بالانتحار أو بالجنون؛ والحقيقة التي لا تستوعب البشر إلا بقتل بعضهم، هي حقائق وهمية يرفضها الوجود الطبيعي! في المجتمعات البشرية الأكثر تمدنًا وتطورًا، بدأوا بإلغاء عقوبة الإعدام مهما يكن جُرم الإنسان؛ وهذا مؤشر على أنهم بلغوا من الوعي درجة، أدركوا معها أن الحقيقة تظل ناقصة ما لم تستوعب الجميع..، وهذه هي أقرب نقطة إلى الحقيقة المطلقة بلغها البشر حتى اليوم! بحسب القانون الطبيعي، لا يوجد فرق من حيث النتيجة، بين قتل "س" من الناس بحكم القانون، وقتل "ص" على يد إنسان آخر! الفرق الواقعي هو أن "س" قد قُتِل، لأن جماعة كبيرة قوية من البشر قد أجازوا قتله، بينما "ص" قد أجاز قتله واحد أو مجموعة صغيرة من البشر! في الحالتين، يكون مبرر القتل هو رؤية بشرية محدودة- قد تكون خاطئة وقد تكون صائبة! ما أردتُ قوله، هو أن قتل الإنسان للإنسان، ومهما كانت مبرراته وحيثياته، فهو في أحسن الأحوال إجراء تنظيمي للمحافظة على شكل معين للمجتمع البشري، وفق رؤية مجموعة من البشر، لكن لا علاقة له بالحقيقة المطلقة! فاتفاق المعتقدات والأعراف البشرية، على أن الإنسان هو العنصر المركزي في الوجود، لا يصح معه تشريع قتله بأي حال من الأحوال! إن الشريعة التي لا تقوم إلا على جثث بعض البشر، لا يصح اعتبارها شريعة لكل البشر! كما أن النظرية التي تشترط إلغاء بعض عناصر الوجود، لا يصح اعتبارها نظرية لكل الوجود! الوجود بشكل عام، والوجود البشري بشكل خاص، يبدو كمحاولة عملية فاشلة، لمحاكاة، حقيقة نظرية مفترضة! الوجود انقسم على نفسه مرتين بسبب الإنسان: الإنسان، هو أحد عناصر الوجود، تفوَّق بذكائه على بقية العناصر، فتمرَّد الجزء على الكل، حيث أصبح الإنسان يتعامل مع الوجود، كمراقب له لا كجزء منه ..، وبهذا يكون الوجود قد انقسم على نفسه – المرة الأولى! ثم انقسم الإنسان على نفسه، عندما نصَّب الأكثر ذكاءً من البشر، أنفسهم، أوصياء على بقية البشر- الأقل ذكاءً ..، وبهذا يكون الوجود قد انقسم على نفسه للمرة الثانية! إن بحث الإنسان الدائم عن الحقيقة، هو إقرار منه، بأنه جزء من مشهد مزيف، وفي أحسن الأحوال هو جزء شبه معلوم من مشهد غامض! أقول بأن الإنسان جزء شبه معلوم، لأن غيره جزء شبه مجهول، فالإنسان يمتلك اللغة، ويستطيع التعبير عن ذاته دون حاجة لإخضاعه لتجربة معملية، لكنه يظل تعبيرًا ناقصًا إما بسبب نقص المعرفة، أو عدم الرغبة، أو ضعف اللغة، أو غياب المصداقية التامة! أما غير الإنسان، فكلها أشياء لا نعرف عنها إلا ما استطعنا انتزاعه منها دون إرادتها، وبقدر معرفتنا بخصائصها، ولذلك فهي أقرب إلى المجهول منها إلى المعلوم! هذا كله، يُعتبر واقعًا ماثلًا بالنسبة للبعض منا، لا يمكن تجاهله أو نسيانه! والبعض الآخر من البشر- الذين لا يرون هذا الواقع الماثل-، لو أنهم تمكنوا من استحضار هذا الواقع على صورة حقيقة في أذهانهم، لما أصبح الاختلاف الطبيعي مصدرًا للخلاف المصطنع

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ