face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 28 نوفمبر 2019

الذات الفاعلة والآخر المختلف!(3).




لماذا تنتشر مظاهر الفوضى والعبث، بمجرد غياب
 السلطة السياسية في أي مجتمع بشري..، على الرُغم من وجود مفترض للوازع الديني والأخلاقي الذاتي- المستقل عن السلطة السياسية! الجواب: لأن غياب السلطة السياسية، يعني انتفاء الحاجة للتمثيل والتزييف عند البُسطاء والضعفاء- وهم الغالبية دائمًا! فسلوكهم الظاهري الموحد، الذي تفرضه عليهم القوانين والتشريعات والأعراف بواسطة السلطة..، لا يعكس طبيعتهم الحقيقية إنما يطمس اختلافاتهم الطبيعية! وأما مظاهر الالتزام الديني والأخلاقي، فهي في جُلها عبارة عن مُسكِّن وبديل احتياطي، يلجأ إليه الإنسان عادة، عند الضعف وغياب الحرية! بالطبع، ليس المقصود هنا، القول بأن الفوضى هي السلوك الطبيعي للبشر! فالإنسان مضطر للحياة الاجتماعية – ليس حُبًا فيها بالضرورة- إنما لأنه غير مُهيأ للحياة الفردية! والحياة الاجتماعية تتطلب مراعاة مصالح الآخرين، وهو ما يعني ضرورة الاتفاق على حد أدنى من الانضباط العام! لماذا إذن، ممارسة الفوضى بمجرد انهيار السلطة؟ إن الانفجار الفوضوي البشري الشرس، الذي يعقب انهيار كل سلطة عادة، هو ردة فعل عنيفة لكنها طبيعية وحتمية، فهي تعكس إعلان الآخر المقهور عن تحرره، وإعلان الذوات المغمورة عن وجودها! هو تصريف مفاجئ لمخزون كبير ومتراكم من الكبت والتزييف الإجباري! ولذلك نلاحظ تسارعًا وتنافسًا في ممارسة الفوضى لحظة سقوط السلطة، وذلك يعكس الخوف من رجوعها قبل تفريغ الشحنة! وليس بالضرورة أن تكون السلطة – أشخاص الرئيس والحكومة – هي المقصودة مباشرة بردة فعل البُسطاء والضعفاء الفوضوية، إنما المقصود كل ما هو مرفوض لديهم من تشريعات وعوائق خلقت الفوارق بينهم وبين الأقوياء والحُذاق – في وجود السلطة! وربما كان السبب لكل ذلك هو تلك القوانين والتشريعات والأعراف التي تتعامل مع البشر في المستويات الدنيا، كقطعان متساوية – لا كأفراد مختلفين!

البشر يُقرُّون باختلاف الحيوانات عن بعضها، ويتجاهلون اختلافاتهم! حقوق الحيوان، تعني توفير البيئة الطبيعية لكل صنف من أصناف الحيوان! والواقع أن الإنسان يُعاني من غياب البيئة الطبيعية أكثر من معاناة الحيوان! فالبشر بحاجة لإعلان عالمي لطبيعة الإنسان، وليس لحقوق الإنسان! الاختلافات الطبيعية بين الحيوانات خارجية، ولذلك كان أساس حقوق الحيوانات هو توفير بيئة طبيعية خارجية، تعكس اختلافاتها الخارجية! ولأن الاختلافات الطبيعية بين البشر داخلية، فإنه لا قيمة للحديث عن حقوق الإنسان ما لم يكن أساسها توفير بيئة طبيعية تعكس اختلافات البشر الداخلية! 
 تساهل أو إذعان القادرين على عدم الإذعان، للثقافات والأعراف والمعتقدات، التي تتجاهل اختلافات البشر الطبيعية، وتختزل سلوكهم في نمطٍ واحد، تفرضه على الكل، وتمنحه صفة السلوك السَوِي، لتُحرِّم أو تمنع أو تُسفِّه كل سلوك يُخالفه..، هذا التساهل أو الإذعان لا يمكن فهمه كقناعة لدى العارفين، ولا ضعف لدى القادرين! إنه إنما يعكس جهلاً أو رغبة، في دفع الضعفاء والبُسطاء لممارسة الكذب والخداع والنفاق..، فهؤلاء مضطرون لمحاكاة السلوك المفروض،.. أي تزوير المستند المطلوب لنيل الحد الأدنى من الاحترام- فيتظاهرون بتبني السلوك الذي يتجاهل اختلافاتهم ويصطدم بفطرتهم! وتكون النتيجة أو كانت، ظهور مجتمعات من الكاذبين والمنافقين والمخادعين، المجبرين على رفع شعار: السلوك البشري السَوِي المُوحَّد- طالما وُجِدت قوة تفرضه! فقد صار لزامًا على الإنسان أن يكون استثنائيًا لكي يعترف له الآخرون بأنه مختلف عنهم، وبأنهم يجهلونه..، وهو ما من شأنه حصوله على قيمة ذاتية وخصوصية يحترمها الآخرون، وتفرض عليه هو احترام ذاته..، وهو الأمر الذي لو تحقق بشكل طبيعي لكل إنسان، لما كان استقرار المجتمعات رهنًا بوجود سلطة سياسية! إنه ومن حيث المبدأ، لا فرق بين شجار الأطفال وملاكمة الكبار ومصارعة الثيران والتنافس على السلطة؛ فكل ما يجري في ميادين التنافس البشري بشري، هو بالأساس وبالنتيجة محاولات من كل الأطراف لانتزاع اعتراف بوجود اختلاف يجهله الآخرون..، وذلك في مقابل وضع قائم يرفض الإقرار بوجود الاختلاف أو يُسفِّه المختلف! كان التنافس سيكون طبيعيًا، لو أنه استمر كما كان بين الإنسان والجوع؛ بين الإنسان والطبيعة؛ بين الإنسان والمرض؛ بين الإنسان والجفاف، بين الإنسان والجهل..، الخ..، أي أنه تنافس في مجالات مختلفة ولغاية واحدة.. هي مصلحة وراحة الإنسان! وكان التطرف عندها سيكون مطلبًا إنسانيًا، لأنه يعني بلوغ أقصى ما يمكن بلوغه مما ينفع الإنسان! وكانت الوسطية- التي يطلبها البشر اليوم وقد استحال حدوثها- ستكون مرفوضة- باعتبارها كسلاً وتخاذلاً! بيد أن الأمر لا يستحق التجاهل، ولا يتطلب كل هذا الجُهد وكل هذه السلوكيات التنافسية البدائية، إنه يتطلب فقط سن تشريعات، تؤسس لإقرار الجميع بأن المجتمع البشري هو مجموع أفراد مختلفين لا إراديًا، وأنه لكل فرد منهم ما يميزه ويجعله مختلفًا عن سواه ومجهولاً لهم- بما يوجب احترام خصوصيته! أما عندما يتطلب الأمر من كل إنسان أن يكون قادرًا على تجاوز الواقع واستحضار الحقيقة (صُنع معجزة)، لكي ينتزع من الآخرين الإقرار بالواقع- لا بالحقيقة! فالحقيقة هنا لا تُدرك، إنما تُستحضر ليُدرك من خلالها الواقع! الواقع هو وجود الاختلاف بين البشر، أما الحقيقة فهي ما وراء هذا الاختلاف..، وهو ما لا يمكن إدراكه، أو ربما لا حاجة بالبشر لإدراكه- قياسًا إلى التكلفة! عندما يكون الأمر على هذه الحال، وهو كذلك، فهذا يعني أن الإقرار بالاختلافات الطبيعية بين البشر، أصبح ميزة لا يتمتع بها غير القادرين على انتزاعها! بينما يتم التعامل مع الغالبية العظمى من البشر كمستنسخين- لا يمكن أو لا يحق لهم أن يكونوا مختلفين، وبذلك تُسنُّ القوانين والتشريعات- التي تحكم عامة الناس- على مقاس فرد افتراضي، له مواصفات محددة! هذا الأمر يترتب عليه بالضرورة خرق تلك القوانين والتشريعات بواسطة المختلفين عن ذلك الفرد الافتراضي! والمختلفون هنا، يمكن أن يكونوا كل البشر! هذا الأساس الخاطئ، جعل من القوانين والتشريعات وسيلة لصنع إنسان وليس سبيلاً للتعامل مع الإنسان! إن الصواب والطبيعي هو أن لا نكون بحاجة لإثبات الواقع..؛ لكن إصرار المتنفذين من البشر على تجاهل وتجاوز الواقع، جعل من إثبات المثبت ضرورة! إن الواقع عبارة عن مرآة تعكس حقيقة – أي أنه مرآة تُثبت وجود حقيقة- لكن لا تُحقق إدراكها! البشر يتوارثون اعتقادًا خاطئًا، مفاده أن الآخر لا يمكن أن يكون إلا أحد احتمالات بشرية معدودة ومحصورة ومعروفة! 
. لماذا نستغرب سلوك الآخر عندما يخالف توقعاتنا؟ لأننا نعتقد أننا نعلم كل المعطيات والخلفيات التي تصنع سلوك الآخر، ولذلك نعتقد أن سلوك الآخر لا بد وأن يكون في متناول تخيلاتنا وحساباتنا..، وإذا خالف توقعاتنا وجب انتقاده أو عقابه..، فلكي تكون توقعاتنا صحيحة، كان لا بد أن نفترض أن سلوك الآخر المخالف لتوقعاتنا هو انحراف متعمد! نحن كذلك، لأن وعينا – سواء عن قصد أو عن جهل- قد تم توجيهه وتصنيعه ليكون أقل من أن يستوعب وجود ذات أخرى مستقلة ومختلفة عن ذاتنا! فنحن نقر للآخر بالوجود المادي المنفصل عنا-فحسب! نحن لا نعترف باستقلال الآخرين عنا كذوات نجهلها، بل ككائنات نعرفها ويمكننا أو يحق لنا أو من واجبنا احتواؤها! نحن نعرف الآخر من خلال صورة نرسمها له في أذهاننا، وليس من خلال وجوده وسلوكه الفعلي في الواقع! نحن نرسم للآخر صورة في أذهاننا بمجرد أن يدخل مجال الإدراك لدينا- عن طريق المجتمع، التعليم، الإعلام، الثقافة، التاريخ، ..الخ؛ ثم نقوم بتضمين تلك الصورة كل المواصفات التي نعتقد مسبقًا أنه ينبغي أن يحملها الآخر ولا يمكن له الخروج عنها؛ ثم نتخذ من تلك الصورة مقياسًا للأصل! وبالتالي فإن رفضنا لسلوك الآخر، هو تعبير عن رفضنا للواقع، وعن خيبة أملنا في الحقيقة التي ظهرت بغير ما كُنا نتوقع ونرغب! هذا السلوك من الأنا تجاه الآخر، يمكن اعتباره حالة مَرَضية بشرية متوارثة؛ حيث يتوارث البشر اعتقادًا خاطئًا، مفاده أن الآخر عبارة عن واحد من احتمالات بشرية معدودة ومحصورة ومعروفة! لذلك توجب على الآخر أن يكون استثنائيًا، لكي نُقر له بوجود مستقل ومختلف عنا! فصار لزامًا على الآخر أن يكون سيدًا، رئيسًا، مَلِكًا، عالِمًا، غنيًا، مشهورًا، ..الخ، لكي تعترف له الأنا بأنه مختلف عنها وأنها تجهله! إثبات الذات للآخرين يكون بإثبات الاختلاف عنهم! والواقع أن الأنا تشعر بأن أي قيمة تُعطيها لأي آخر، إنما تكون على حسابها ومن رصيدها؛ لذلك كان سعي الأنا دائمًا باتجاه التقليل من شأن وقيمة الآخر؛ وكان سعي الآخر دائمًا باتجاه فرض التنافس لانتزاع نصيبه من القيمة المفترضة والمتنازع عليها عمليًا! ولذات السبب، نحن نمنُّ على الأحباب والأصدقاء بما نُقرُّ به لهم من قيمة- ممثلة في مكانتهم لدينا؛ ونفخر بمكانتنا لديهم- لأنها تُمثِّل لنا إقرارًا منهم بجزء من قيمتنا المُجزَّأة- التي نبحث عن أشلائها في كل مكان وبأي وسيلة! ولذات الأسباب، نحن ندَّعي معرفتنا بالآخر، ونرفض الإقرار بأنه مجهول لنا، ذلك لأن الإقرار بجهلنا به هو إقرار ضمني بأن له قيمة ووجود مستقل عنا، وفي ذلك إقرار بنقص فينا، ولذلك نرفضه! لو أن إدراكنا للوجود البشري، توقف عند اتفاقنا على وجود ظاهري يتكون من: أنا وآخرين؛ لكانت علاقة الأنا بالآخر طبيعية، وليست اصطناعية كما هي الآن! وذلك باعتبار أن الإدراك الظاهري للوجود هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة حتى الآن! لكن الأمر تجاوز إدراك الأنا لوجود الآخر، إلى اعتقاد الأنا بمعرفة ماهية الآخر..، وبسبب هذا الاعتقاد الخاطئ..، شهدت العلاقات البشرية إخفاقات وصدامات ومظالم- ما تزال قائمة! ومن أهم النتائج المترتبة على هذا الاعتقاد الخاطئ، والتي نلمسها في الواقع: 1- ظهور ثقافة الوصاية الفكرية..، وكان ذلك نتيجة حتمية لاعتقاد الأنا بمعرفة الآخر؛ حيث إنه قد نتج عن هذا الاعتقاد، حق الأنا في التكهن بسلوك الآخر، فأصبح كل سلوك من الآخر مخالفًا لتكهنات الأنا، هو بمثابة انحراف متعمد ومرفوض- في نظر الأنا! 2- تشريع الصدام بين الأنا والآخر..، الصدام في حدود تضارب المصالح المعلومة، هو أمر طبيعي وجزء من القانون العام للوجود، لكن ومع اكتشاف عناصر القوة وامتلاكها، لم تعد الأنا القوية تكتف بانتقاد سلوك الآخر الضعيف- المخالف لتكهناتها، ولم تعد تكتف بصدام المصالح الطبيعي..؛ فإحساس الأنا بالقدرة على توجيه الآخر وتحديد سلوكه، أشعرها بأن لها الحق في تصويب الآخر، واتخذت من ذاتها ومصالحها معيارًا لما ينبغي أن يكون، فأصبح التصويب يُعادل الإخضاع، فكان تشريع الصدام وتبريره! 3- ظهور مفهوم الـ ( نحن ) إلى حيِّز الوجود الثقافي والاجتماعي- على الرغم من استحالة وجوده في الواقع! حيث إن مفهوم الـ(نحن) يُشير إلى مجموع (الأنا)، وتلك مغالطة، إذ لا يمكن جمع الأنا، ولا يمكن أن يوجد أكثر من أنا واحدة، فكل ما هو موجود عبارة عن أنا واحدة- وكل ما عداها هم آخرون بالنسبة لها! من الواقع، يمكننا القول بأن البشر يتوزعون ثقافيًا بين ثلاث نظريات افتراضية- في علاقة الأنا بالآخر: - نظرية تعتبر الآخر موجودًا ماديًا، ومعلوم الهوية! - نظرية تعتبر الآخر موجودًا ماديًا، لكنه مجهول الهوية! - نظرية تعتبر الوجود المادي للآخر مجرد فرضية، وبالتالي فهو مجهول الهوية حُكمًا

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ