face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الجمعة، 13 أكتوبر 2023

لماذا الموت؟ .. لأنه .. لماذا الحياة؟

0 تعليق


الحياة فرصة واحدة، الاستمتاع بها دون فهم، خيرٌ من فهمها دون استمتاع – حيث أنهما لا يجتمعان! 
 - اليقظة مثل العجز .. لا تُبرر الانتحار بل توجبه! 
 - الحقيقة هي الوهم الذي تموت قبل أن تُدرِك أنه وهم!
 - من لا يجيدون التفكير مضطرون للقبول بالحد الأدنى من الحقيقة – معتقدات دينية جاهزة\أوهام مُقنَّعة ..، مثلهم كمثل الذين لا يجيدون الأعمال الحرة فيقبلون بالحد الأدنى من الحياة - وظائف حكومية\بطالة مُقنَّعة! 
- قُبحٌ أن نحتاج لتذكير أحبابنا بمن نكون، أقبح منه أن نقابلهم بعد ذلك!
 - أن ترى نفسك في عين الصديق يومًا كغيرك من البشر، هي تمامًا مثلما ترى فجأةً كل البشر وهم لم يعودوا بشرًا!
 - الصبر على التفاهات أمرّ من الصبر على الشدائد! 
- لا بد لنا من التنازل عن حقنا في الاختلاء بأنفسنا، وعن جزء معتبر من الحياء والكرامة، بحيث يشهد الآخرون خروجنا ودخولنا دورات المياه، إذا أردنا أن ننجو من تهمة الجنون والاكتئاب! 
 - أكثر شيء يدفعني دائمًا للتعجيل بالرحيل، هو خوفي من أن أضطر للحديث والاستماع إلى بشرٍ أعرفهم ولا يعرفونني – أن تضطر لبذل جهد كبير تعرف سلفًا أنه من أجل لاشيء!
 - كيفما كان أسلوب تعاملنا مع الآخرين، فهو وسيلتنا الوحيدة لمعاقبة أنفسنا على وجودنا غير المبرر! 
 - إذا بدا لك الأبيض أسودًا فهو أسود حتى يبيض في نظرك! 
- حرارة لا تشعر بها ، لا وجود لها حتى لو أحرقت كل ما حولك! 
 - أن تكون موجودًا يعني أن تكون أنت مرجعية الأشياء لا العكس! 
 - أن تكون الأشياء هي معيار الإنسان لقياس الحقيقة، ذلك يعني أن الإنسان شيء من الأشياء - ليس مختلفًا عنها وليس بأفضلها – ولعل تلك هي الحقيقة!
 - دعوة عاقل للجنون أكثر عقلانية من دعوته للإيمان بما يخالف عقله!
 - إيماني بوجود شيء أجهل عنه كل شيء ..  يساوي ادعائي بمعرفة شيء لا وجود له!
 - كل شيء يحتاج إلى رعايتنا هو شيء غير حقيقي – حتى الله والحياة والعدل والجمال والحب والبُغض!
 - يُحزنني ضحك البشر أكثر من بكائهم – ربما لأن البكاء له ما يُبرره دائمًا!
 - موت الأطفال، جواب بكل اللغات للسائلين عن مغزى الحياة! 
 - الحياة خطأ مُركَّب والزواج حياة مُركَّبة والإنجاب زواج مُركَّب! 
 - أن يصبح العمل شرطًا للحياة، يعني أن تصبح الحياة غير مُبرَّرة!
 - أن يصبح الزواج جزءًا من الحياة، يعني أن يصبح الموت واجبًا أخلاقيًا! 
 - أن يصبح الرجل أبًا ، يعني ألا يعود صالحًا للحياة ولا للموت! 
 - أن تصبح المرأة أُمّاً يعني ألا تعود صالحة لأن تكون زوجة ولا صديقة! 
 - فقط عندما يخلعون أقنعة الدِين، يرى البشر بعضهم ويعرفون أنفسهم! 
 - لا يقوم معتقد إلا على حساب منطق!
 - حق رجل الدين الإسلامي على المسلمين مجرد دليل ظاهري يُثبت له إسلامهم، وهو الدليل الذي يمكن أن يُقدمه المسلم وغير المسلم .. أما حق المسلمين على رجل الدين فهو دليل باطني يُثبت لهم عقلانيته وصدقه وأمانته ورُشده وحياده ونزاهته وسداد رأيه وصواب اجتهاده وصحة إيمانه وقبول عمله، باعتبار أن طاعته تعني طاعة الله ..، وهو الدليل الذي لا يمكن أن يُقدمه رجل دين، ولذلك لجأ رجال الدين إلى مسرحية الخواص والعوام ثم انتقلوا إلى واقع التكفير والإرهاب صراحة! 
 - حياة الإنسان لا تكون إلا أداءً لأحد أدوارٍ أربعة: سيد، عبد، منافق، معتزل!
 - العدمية لا تعني خلو الحياة من القيمة، لكنها تحصر مغزى الحياة فيها- لا قيمة للحياة إلا ما يتحقق خلالها!
 - فلسفة الوجودية هي افتعال قيمة للحياة، فلسفة العدمية هي تصور أكبر قيمة ممكنة للحياة! 
 - مفهوم العدم يرتبط بالقيمة والغاية – المرتبطتين بالشعور والإدراك، ولا علاقة للعدم بالطاقة والمادة .. فلا تنبثق طاقة من عدم ولا تؤول مادة إلى عدم .. لكن تنبثق غاية من عدم وتؤول قيمة إلى عدم! 
 - الإرادة مثل المسئولية، كلاهما كذبة ترتدي ثوب الحقيقة أمام الأغبياء والضعفاء، وترقص عارية حين يختلي بها الأذكياء والأقوياء!
 - الانتحار شطبٌ حقيقي لديون مزورة، والحياة سدادٌ حقيقي لقرض وهمي وبأقساط مُذِلَّة غالبًا!
 - ينجح المرء في طريق خاطئ يختاره بنفسه، ويفشل في طريق صائب يختاره له غيره دون إدراك منه، ذلك لأن الإدراك يُنتج القناعة، والقناعة تُنتج التصحيح الذاتي!
 - المنطقيون مُحصَّنون ضد الأوهام والسعادة!
 - الكذب وهمٌ صادق، والصدق واقعٌ كاذب!
 - صِدقُ الإنسان مع غيره يساوي كذبه على نفسه، فقلما وُجِدوا من يصح أن نكون معهم صادقين، ونحن نعرف ذلك ونتجاهله عادةً! 
 - مأساتنا تكمن في أننا لسنا جميعًا ببغاوات، بينما يتم مبكرًا تلويننا جميعًا بألوان الببغاء! 
 - الببغاء يؤدي دورًا جادًا في مسرحية هزلية .. الكل يضحك استمتاعًا بأداء الببغاء إلا هو، فهو يُردد جادًا بانتظار نتيجة جادة غير الضحك الذي لا هدف للمسرحية غيره ..، ليظل الببغاء فخورًا بإنجاز لن يتحقق ولن يعرف هو ذلك قبل لحظة موته! 
 - الحياة وظيفة عبثية يتطلب أداؤها جهدًا كبيرًا وجادًا!
 - عندما أحتاج للتصالح مع الحياة، لا أجد لها حسنة عدا كونها اختيارية!
 - ثمة مأساة كامنة حيثما بدا نجاح .. النظرة إلى الإنسان ككيان مستقل مالك إرادة، هي دائمًا الخطأ الكامن خلف جهلنا به وتهويلنا من أمره .. الإنسان مجرد احتمال صَلُح أكثر من غيره لاستمرار عمل وتطور قوانين الطبيعة فيه .. تمامًا كما صلُحت الأرض للحياة دون غيرها من الكواكب! 
 - لم أجد شاهدًا على جمال الموت، ولا أحتاج شاهدًا على قُبح الحياة! 
 - أظنني حاولت افتعال الغباء مرات وفشلت، لتصديق هلوسة السفر عبر الزمن، فقط لأعيش حلم إبطال حدث ولادتي .. ذلك الخطأ الذي كان يمكن اجتنابه!
 - كل ولادة آدمية جديدة هي قضمة مكررة غير مبررة من تفاحة ملعونة معلومة اللعنة!
 - من الظلم ألا تعيش وحدك وألا تموت إلا وحدك! حقك في الموت لا يسمح لك حتى أقرب الأصدقاء بممارسته في حضوره!
 - يبدو الفرق بين الحياة والموت أكثر وضوحًا من هذه الزاوية: حتى الغريب يساعدنا على الحياة، حتى الصديق لا يساعدنا على الموت!
 - لو يعرف الانتحاريون الدينيون كم أغبطهم .. ففي عالم الحقيقة الزائفة هذا، لا شيء يضاهي وهمًا يمنحك نشوة حقيقية!
 - حياة دهر اختيارية أخف من حياة أسبوع إجبارية!
 - إذا كنا سنُبعث فإنه علي أن أقول: إنني سنُبعثون! فأنا إنسان آخر مختلف عن سابقه في كل مرحلة من مراحل حياتي .. إذا كانوا بعضي يستحقون العقاب فإن بعضي الآخر لا يكفيهم الاعتذار مع الثواب .. كل واحد منا هو أكثر من واحد، ربما لهذا السبب افترضت النظريات الدينية أن تكون ساحة البعث أكبر من عالمنا بكثير .. وحدهم من يموتون أطفالاً يصح بعثهم أفرادًا ومن دون معنى لعقابهم ولا ثوابهم ..، أي لا معنى ولا مبرر لبعثهم كما لم يكن هناك مبرر ولا معنى لخلقهم! 
- ليس من قبيل المصادفة أن يُكمِل جُل العدميين حياتهم حتى النهاية تمامًا كما يُكمل جل المؤمنين كفرهم حتى النهاية ..، اختلاف عناوين وتطابق مضامين!
 - هب أن إلهًا خلق بشرًا ليستعبدهم ويسجنهم جميعًا في كونه، فهل يمكنهم أن يكونوا غير عبيدٍ ومساجين؟ لماذا إذن كل هذا الضجيج؟ ليس ثمة غباء يضاهي غباء عبيد يتبادلون الاتهام بالتمرد، وهم جميعهم عاجزين مكبلين ومساجين!
 - ليس دقيقًا القول بأن رجال الأديان يرفضون مناقشتهم حول فلسفة معتقداتهم ومذاهبهم؟ هم فقط يشترطون تسجيل النتيجة لصالحهم مسبقًا!
 - الحياة تلزمنا بتمارين قاسية تمهيدًا للنوم فقط!
 - البشر يقرؤون فقط التاريخ العام الذي لا علاقة له بحياة الأفراد، لذلك تتكرر مآسيهم على أيديهم! -
 - إن كنت سأخاف وتعلق الأمر بالله فسيخيفني عدم وجوده، لكن الله الحقيقي لا يُخيفني مطلقًا، فهو لا يهبط إلى أقل من مقامه ليخيفني، يجب الحذر فقط من بشر يرتدون زي جُند الله المزيف!
 - لا يمكن لمن يمثلون الأديان أن يلتزموا الصدق والشفافية في خطابهم الديني، لأنهم مجبولون كغيرهم من البشر على الشعور بأن توريط البشر في الدين ممكن، بينما إقناعهم به ضربٌ من المستحيل!
 - أن تتعامل مع البشر يعني أن تعالجهم نفسيًا في كل معاملة، أو أن تفتعل الجنون ليؤدوا هم دور المعالج! 
 - وجود كثير من البشر مثل وجود كثير من الكائنات – نراها بريئة حتى وهي مؤذية ..، وجود لأجل العظة والتأمل عن بُعد لا للاتصال! 
 - إذا أرادت جماعة إسلامية اليوم، تطبيق الشريعة على مجتمع ما، فهذا يعني فتحًا جديدًا، وهذا أمر يجب تشجيعه وفرصة ينبغي استثمارها، لأن هذا يُمثل دخولًا جديدًا للإسلام .. أي لا مكان لحد الردة في هذه اللحظة، ما يعني أنه من حق ذلك المجتمع المسلم البقاء على معتقده الفاسد وعدم اعتناق معتقد تلك الجماعة، بينما يتحتم على الجماعة الالتزام بالشريعة الإسلامية بالاكتفاء بأخذ الجزية من ذلك المجتمع – الصاغر في كل الأحوال، مقابل حمايته، مع عدم تطبيق شريعتها عليه! 
 - عندما تصبح الحياة ذاتها في مقابل مبرراتها، أشبه بصخرة عظيمة يحملها الإنسان لأجل قتل نملة، أو مقابل الحصول على شربة ماء تزيد الظمآن ظمأً .. هناك يتوجب الانتحار! 
 - كنت دائمًا أحتفظ بأحزان مؤجلة، أحتاجها عندما توشك الحياة على خداعي بنعاس النسيان أو غثيان الأمل .. أقوم بتنشيطها لتكف الحياة عن الكذب والسخرية! 
- من استطاع احترام نفسه بنفسه لنفسه، وفَّر على نفسه جهدًا كبيرًا يتطلبه انتزاع احترام زائف من الآخرين!
 - الحياة دموع الطبيعة .. احتاجت الطبيعة للبكاء كما يحتاجه كل موجود .. فأوجدت الحياة لتبكي من خلالها .. لا أجد مبررًا آخر للحياة! أبدعت الطبيعة وذهبت بعيدًا في التعبير عن حزنها .. كان يمكن للطبيعة أن تكتفي بالموسيقى .. لكنها بحاجة لأجساد تتألم ودموع تسيل وقلوب تتحطم .. فكسرت كل منطق وجرحت كل جمال .. إنه مأتم الكون .. اصطدام أزل بأبد .. كلٌ يقتل كلًا .. كلٌ يواسي كلًا! 
 - فوق مقابرنا وفي مآتمنا الصغيرة، نرى كثيرين منا يضحكون، كذلك يضحك ويستمتع البشر في الحياة فوق الأرض!
 - الحياة تعبِّر عن خيبة الوجود وخلوه من المعنى، من خلال فقاعات كثيرة مثل الرجولة والبطولة والوطنية والطائفية، ومثل اصطياد الضباع للأرانب واصطياد الثعالب للفئران!
 - لم يكن سؤالي يومًا، لِمَ أنا هنا؟ دائمًا كان سؤالي: لِمَ لا أزال هنا؟ 
 - نجحت الطبيعة في تجسيد مأساتها في نظرات الأطفال، كأوضح وأصدق وأفظع ما تكون المأساة!
 - لا أصعب لدي من حياةٍ تخلو من حق الوحدة .. وحشة وجود البشر من حولي مؤلمة بما لا يُطاق .. لا أراهم إلا معزيين يواسون أنفسهم، تجمعهم محاولة ردم فاجعة قد انقضت أو استعداد لاستقبال نكبة قادمة دون مقدرة على فعل شيء، كل ما يمكنهم قوله وفعله هو اختلاق أدوار زائدة على هامش المأتم الكبير الدائم المنصوبة خيامه على الأرض أو مقبرة الأحياء! 
 - أشتاق إلى الوحدة كلما انتبهت إلى وجود بشر في المكان، ولأنه لا خيار لي غير الحياة بين البشر، أقوم عادةً بدعوة صديق حقيقي لزيارتي ..، الصديق الحقيقي هو الذي يمكننا الشعور بالوحدة في وجوده!
 - لو قُيِّض لأصناف البشر أن تتمايز وتحيا منفصلة عن بعضها، لاتضحت أمور كثيرة يجري إخفاؤها دائمًا في محاولة أزلية يائسة لتحقيق أسطورة وحدة الجنس البشري .. - السجون مفيدة للعبيد والأغبياء، تجمعهم مع الأحرار والأذكياء ..
 - لا أشك في قدوم العصر الذي تكون فيه ممارسة الجنس بين البشر إما مساوية للقتل أو مساوية للتحية ..، لكن لا يمكن لهذا الزيف المضطرب القائم الآن أن يستمر إلى الأبد!
 - وجود نساء غير جميلات هو لأداء الوظائف السياسية والأعمال الخيرية والتكاثر، والجميلات لتبرير الموت والحياة! 
 - معظم الرجال وجودهم مجرد خلل جيني ودليل على عبثية الحياة! 
 - ترويض البشر عبر حياة الأقفاص في الحدائق البشرية المسماة مُدن وهذه المحميات الاصطناعية المسماة دول ومجتمعات ..، يُخفي الحقائق والفوارق بينهم بطريقة رديئة تفرض العهر السلوكي، بما يمنح الكاذبين هيئة الصادقين، ويضع العابثين على منابر الناصحين، ويحول بين الواهمين ورؤية أوهامهم!
 - حُب الشُهرة نقص ظاهر وعدمية مخفية ..، تظهر العدمية ويختفي النقص عندما ينعدم الشعور بالحاجة لسماع صدى الأنا في الآخرين!
 - البشر عمومًا ثلاثة أصناف: عبيد مستغفلون، عبيد متطوعون، أحرار لم يعد بمقدورهم العودة للعبودية وهم الموتى!
 - فظاعات المتطرفين دينيًا لها معنى، مرفوضة لكن لها معنى، فحياة تقوم على تحريم الانتحار ينبغي أن تكون خالية من التساهل ..، لكن ما لا معنى له هو وجود مؤمنين لا يلزمهم من الدين سوى تحريم الانتحار! 
 - من حسن حظ المؤمنين أن دوران الشمس حول الأرض كان أمرًا بديهيًا وقت ظهور الديانات، لذلك لم تذكره صراحة، إذ لو فعلت وثبت اليوم العكس لأصبحت الأرض كافرة، ولأصبح الجهاد هو إيقاف دوران الأرض، فالمؤمنون لا يختبرون معتقداتهم بالواقع بل يختبرون الواقع بمعتقداتهم، فيُحطِّمون ويحجبون من الواقع الفعلي كل ما يتعارض مع معتقداتهم لجعلها واقعًا بديلاً أو الدمار والفناء، لأن إقرارهم بالواقع الفعلي يعادل إقرارهم بعدم وجودهم!
 - ما يسمونها معالجة بالمهدئات، هي ببساطة تغييب الوعي أو تخفيضه ليُصبح الإنسان كغيره من البشر أو ..!
 - اقبل أنت به أستاذًا ومرجعًا لك، يقبل بك رجل الدين محاورًا له!
 - ككل مستيقظ .. بديهي أن لا أجد للحياة مغزًى ، لكني لا أراها خالية تمامًا من المعنى، فالحياة لحظة طويلة، لحظة يقظة، لحظة ألم، يُدرك معها الإنسان نعمة العدم الآتي منه العائد له! 
 - هل الحياة أصل والموت استثناء؟ إذا كان معيارنا فطرة البشر، فالواقع ربما أثبت العكس! يكفي أن نرى معتقدات تُحرِّم، وحكومات تغلق مواقع تواصل وتمنع برامج إعلامية وتُقيم حواجز مادية على جسور لمنع البشر من الانتحار! إذا كان منع الإنسان من الانتحار هو بحجة عدم أهليته لإدراك الصواب، فينبغي إذن عدم محاسبته على بقية سلوكه! قد يأتي على الحكام ورجال الأديان عصرٌ يضطرون فيه لجعل كل القوانين والفتاوى مادية ..، كلها حواجز وأسوار وقيود وحظائر محروسة، يوضع فيها البشر لمنعهم من الانتحار وإرغامهم على ممارسة الحياة ..، بحجة أن كل البشر قد فقدوا الأهلية لإدراك الصواب!
 - هل الانتحار بسبب ضغوط الحياة انهزام؟ إذا اعتبرنا الأمر كذلك، إذن كل موت هو انهزام، فما الموت سوى انهيار الإنسان أمام ضغوط لم يقوَ على تحملها - جسديًا أو نفسيًا! يبدو الهدف من محاربة الانتحار جليًا، إنه كسر إرادة الإنسان ومنعه من التحرر التام، ولا شيء آخر!
 - أيهما يعتبر انهزامًا، الرضوخ للضغوط جُبنًا من الموت، أم مواجهة الموت رفضًا لذل الضغوط؟ في الحقيقة هناك تشوُّه في فلسفة الحياة والموت وعلاقة الإنسان بهما، ويبدو تشويهًا متعمدًا وليس تشوهًا .. الحياة المنطقية واقعية، والواقع يفرض الانتحار أحيانًا! والحياة الدينية وهم، وإحداث الوهم يتطلب وجود إرهاب! والحياة الطبيعية ثقافية، والجريمة جزء من كل الثقافات! بالنتيجة لا توجد حياة تخلو من الموت المفتعل – انتحارًا أو إرهابًا أو إجرامًا .. البشر يفتقدون لحياة طبيعية خالية من تراكمات ثقافية! قدرة البشر على قراءة التاريخ، مأساة لا تخلو من متعة! 
 - افتعال الحروب وممارسة الإجرام والإرهاب ..، كلها نتائج طبيعية جدًا، تعكس ارتفاع درجة وعي البشر بالحياة، وانخفاض مستوى إدراكهم للوجود! الكائنات الأخرى لديها انخفاض شديد في درجة الوعي بالحياة، وربما انعدام تام لإدراك الوجود!
 - لا بد من استمرار الحروب والإجرام والإرهاب كسلوك بشري حتمي ما دام البشر مختلفين .. لماذا؟ لأن المبررات المتاحة للحياة، مبررات سطحية لا تلبي حاجة كل البشر ..، لا تصلح جوابًا لكل البشر كمبرر لوجودهم ..، فلا بد من خداع بعضهم وإكراه بعضهم، ولا بد بالتالي من انتحار بعضهم وقتل بعضهم لبعضهم!
 - تقبيح الانتحار يدفع الذات لتبرير قتل الغير! 
- المجرمون والإرهابيون والمنتحرون قليلون مقارنة ببقية البشر، وهم ذاتهم المبدعون .. الموهوبون .. الموهبة هي ذاتها لدى هذه الأصناف، لكن النتيجة تحددها البيئة! - الموهبة تخرق المعتاد .. بحسب البيئة التي يوجد بها الموهوب تكون ماهيته ونهايته .. - مكافحة الإجرام والإرهاب والانتحار، هي محاولات لفرض جواب مستورد على سؤال ذاتي ..، لذلك لن يُكتب لهذه المكافحة النجاح أبدًا .. لا يستورد الجواب إلا من استورد السؤال قبله! من كان سؤاله ذاتيًا لا يكون جوابه إلا ذاتيًا ..، ما يصلح لإقناع العميان لا يصلح لإقناع المبصرين .. ما يصلح لإقناع العاجزين عن الحركة لا يصلح لإقناع القادرين على الحركة .. ما يصلح لإقناع العاجزين عن التفكير لا يصلح لإقناع المفكرين .. ما يصلح لإقناع الهزليين لا يصلح لإقناع الجديين .. لكي يتوقف الإجرام والإرهاب، لا بد من خلق بديل مكافئ لهما .. هو الانتحار .. لا بد من رد الاعتبار للانتحار بتشريعه وتمجيده باعتباره سلوكًا بشريًا محترمًا، لكي يصبح بديلًا لمن لا تنخدع أنفسهم بمبررات الحياة السطحية والعبثية والوهمية ..
 - الجديون لا يمكنهم ممارسة وجود هزلي!
 - ذوو الخيال الواسع لا يمكن سجنهم في حدود المعتقدات والثقافات! 
 - عندما لا يوجد هدف يستحق تحمل تفاهة الحياة، يحدث الانتحار! 
 - من قال بأن الحياة أصل والموت استثناء؟ لم يقلها العقل .. لم يقلها الواقع .. لم يقلها المنطق .. لم يقلها العِلم .. لم تقلها الفطرة .. لم تقلها الكرامة .. لم تقلها الطهارة .. لم يقلها الصدق .. لم تقلها الأمانة .. لم تقلها الشجاعة .. لم تقلها الحرية .. لم تقلها الطبيعة .. قالتها الجهالة .. قالتها البدائية .. قالتها المعتقدات .. قالتها الثقافات .. قالتها الأساطير .. قالها الضعف .. قالها التلقين .. قالها التعليم .. قالها التوجيه .. قالها الخوف .. قالتها الملذات .. قالها الكذب .. قالتها ممارسة المتساوين للوصاية على بعضهم .. 
 - ماذا صنع تقديس الحياة بالإنسان؟ جعل منه عبدًا لبني جنسه .. جعل منه كائنًا يُمارس الكذب والنفاق .. جعل منه كائنًا يرتدي ثوب الطهارة فوق جسد القذارة .. وثوب الكرامة فوق جسد المهانة ..
 - العاهرة امرأة تخلصت من عقدة المرأة، فبدت خالية من أسرارها الوهمية! الرجال لا يُقدِّرون العاهرة كما لا يقدرون بعضهم .. إنه حب التعالي ورفض المساواة! النساء يبغضن العاهرة لأنها فضحت أكذوبة أسرارهن!
 - لماذا يتناقض البشر كل هذا التناقض حيال موضوع الحياة والموت؟ لماذا يمارس بعض البشر الانتحار سلوكًا فعليًا، في حين يرفض غيرهم مجرد فكرة الانتحار؟ لأن الواقع – متمثلاً في اختلاف البشر، هو صاحب الكلمة الفصل في سلوك الإنسان، وليس الفرق بين فكرة الحياة وفكرة الموت النسبيتين! قد يكون المنتحرون في لحظة من اللحظات حملوا ذات القيمة للحياة وذات التصور للانتحار كغيرهم .. لكن عندما تتجلى حقيقة الوجود وتتجسد في الواقع على هيئة اللا معنى واللا قيمة .. أي اللا جدوى، حينها يكون المنطق هو صاحب القرار المناسب حيالها، فينفذه الإنسان في صورة انسجام وتناغم وتفاهم، يُفضي إلى الفراق بين الجسد والروح!
 - الانتحار نوع من الطلاق!
 - الواقع هو صاحب القرار فيما ينبغي وما لا ينبغي فعله، وليس الثقافات والمعتقدات والأساطير والمخاوف والأحلام والأوهام ..
 - المنهزمون أمام تهديدات المعتقدات، يصفون المنتحرين بالانهزاميين .. المنهزمون أمام أساطير الثقافات أعجز من أن يقروا بخضوعهم الفعلي للواقع .. المنهزمون أمام الموت، يعتبرون الانتحار هروبًا .. المنتحرون يرفضون الخضوع لواقع تفرضه أساطير الثقافات أو تهديدات المعتقدات أو وحشة الموت .. - إذا صرت أبًا، فلا تبالِ بعدها بأمر، قد فعلت ما لا يُغتفر .. - مأساةٌ أن تقف أمام وجودك، مؤلمٌ أن يجدك أبًا!

الأربعاء، 4 أكتوبر 2023

الدعوة لإثبات الذات مؤامرة بحجم الوجود!

0 تعليق


دعوة الناس وحثهم على بذل الجهد من أجل الفعل و ردة الفعل، بغرض إثبات الوجود أو إثبات الذات، هو إعلان سافر واعتراف صريح من قِبل الدعاة، بعدم إيمانهم بوجود الخالق المُدبِّر! إن مسيرة وجود الإنسان وتفاصيل حياته، إما أنها محددةٌ مسبقاً، وليس بوسعه سوى الانتقال بين مراحل وجوده بحسب حيثياتها؛ فيكون سلوك الإنسان وممارساته هي تطبيق عملي زمني لبرنامج نظري قَبْلي، لا يمكن الخروج عنه؛ وأن النتائج محددة محصورة حتى لو تعددت خيارات الفعل؛ أو أن وجود الإنسان، ممثلاً بسلوكه وممارساته وأثره في محيطه، هو عبارة عن ردود أفعال وقرارات لحظية تحددها الحاجة والبيئة والإمكانات، وأن ما كان منها كان من الممكن ألا يكون، والعكس صحيح..، بما في ذلك الوجود المادي المحسوس للإنسان! فالواقع يقول إن ظهور أي إنسان إلى حيّز الوجود، قد حدث بإرادة ورغبة وقرار وفعل مباشر من إنسان آخر سبقه إلى الوجود؛ أو نتيجة خضوع أفراد لثقافة وإرادة مجتمع، وحث الناس لبعضهم على الإنجاب والتكاثر..، وهي عمليات من الممكن فعلها أو رفضها والامتناع عنها، والتحكم بواسطتها في وجود الإنسان من عدمه! والمفهوم أو القاسم المشترك، بين المجتمعات البشرية، هو أنه لا وجود للإنسان المستقل! حيث إنه في المجتمعات ذات الثقافات الدينية التي يتعطل فيها العقل عن العمل، يُنسبُ الفضل أو الأمر بوجود الإنسان الفرد، مباشرة إلى خالق الكون! وفي المجتمعات المتحررة التي يعمل فيها العقل، يُنسبُ الفضل في وجود الإنسان إلى والديه! وربما أن الحقيقة التي ينبغي أن يُقرَّ بها الجميع، هي أن وجود الإنسان الثاني هو خطيئة يقع إثمها على الإنسان الأول! فوجود الإنسان الثاني قد كان بفعل الإنسان الأول؛ وحيث أنه لا بد للإنسان الثاني من أن يتألم، أو يكون سبباً في ألم غيره..، وذلك ما تجاهله الإنسان الأول، فلم يحسب حسابه أو أنه قد فعله عن قصد، وتلك خطيئته التي ربما لا سبيل لغفرانها! أنا أُفكّر، إذاً أنا موجود! ماذا قصد القائل، وماذا فهم المرددون؟ ما مدى أمانة ودقة وفهم المترجمين لهذه المقولة الشائعة، وما أثر الخلط والعمد في ابتداع وتداول مثل هذه المفاهيم، على ثقافات البشر وعلاقاتهم، ومعتقدات وسلوكيات الأفراد؟ لا شك أن القائل فيلسوف عظيم، وأنه كان يُخاطب العقلاء الأحرار، الجادين في بحثهم عن حقيقة الوجود، والحاملين بالفطرة لآلية التفكير والتحليل، والقادرين على تقييم المَشَاهد وفرز الحقائق من المغالطات! ولا ريب أن المقولة الأصلية – كما صدرت عن قائلها – هي: أنا أشك إذن أنا موجود! وليست أنا أُفكر إذن أنا موجود! .. والفرق بين المعنيين كبير! فالتفكير – وإن اختلفت مستوياته – إلا أنه يمكن اعتباره لازمة للحياة، فمبادئ التفكير هي صفة تُميِّز الكائنات الحية عن الجمادات..، فالتردد – مثلاً – ومن ثم اتخاذ القرار بالسير في هذا الاتجاه أو سواه، هو نتيجة لعملية تفكير، وهو أمر تفعله كل الكائنات الحية – بصورة أو بأخرى! أما الشك في أن ما نراه وما نحس به هو بالضبط ما نعتقده، وأن صحة هذا الأمر من عدمها- خاصة الأمور التي أجمع البشر على صحتها حسب معايير بدائية سطحية متوارثة – لا بمعايير عصرية علمية مدروسة، واتفقوا على صوابها المحتمل رغم أضرارها المؤكدة..، هذا المستوى من التفكير، هو ما دعاه الفيلسوف بالشك! فالشك في وجود ما يُعتقد أنه موجود، يقود إلى إثبات ورؤية وجوده الحقيقي، بدل التعامل معه من خلال نظريات تاريخية متوارثة، لا نعرف الأسس التي قامت عليها! فقد كان هدف الفيلسوف، هو العودة بالعقل إلى نقطة الصفر، من أجل فهم الوجود ووضع أُسس علمية مبرهنة لوصفه، والانطلاق من قواعد جديدة مدروسة متفق عليها بين الحاضرين، بدل البناء على تراكمات الفلسفات القديمة التي لا تخلو من خرافات وأساطير – لا مجال لإثباتها أو نفيها! ولكننا هنا نناقش ما هو سائد بين غالبية البشر حول هذه المقولة العظيمة التي – ورغم انتمائها إلى العصر الحديث – إلا أنها لم تنجُ من مغالطات البشر وسوء فهمهم وتحريفهم لها – سواء جهلاً بها أو خوفاً على معتقداتهم منها أو عجزاً منهم عن إدراك أبعادها الفكرية والفلسفية- فقاموا بوضعها في قوالب اعتقاداتهم المسبقة، لتأخذ الشكل والحجم والقيمة التي أَلِفوها، ولا يحتملون تصور أو رؤية انهيارها – رغم عدم قدرتهم على الدفاع عنها بالحُجَّة والدليل..، وكأنهم يتعمدون الوهم خوفاً من الحقيقة! فكأن جهل الجهلاء وخُبث المؤدلجين والعاجزين، أراد لنا أن نفهم من قول الفيلسوف، أن الجائع ليس موجوداً، وكذلك الخائف والمُستعبَد، .. وغيرهم؛ إذ لا يملك الإنسان في جميع الأحوال إلا أن يُفكّر..، ولكن ما فائدة التفكير لدى هؤلاء، وهل هو هدف لذاته! أما إذا كان الوجود المراد إثباته بالتفكير، هو الوجود المُشـرّف أو المستقل..، فهل يكفي، أم هل يجب على الإنسان أن يُفكر ليُثبت وجوده – حتى لو لم يُخرج التفكير المكروب من كربه، فليظل الفقير فقيراً والسجين سجيناً، المهم أنه يُفكّر لكي يُعدُّ موجوداً .! فهل الوجود هو غاية في حد ذاتها! وفي هذه الحالة يكون الوجود أمراً متحققاً للإنسان في كل أحواله، وليس التفكير رمزاً ولا شرطاً لإثباته، ولا معنى لربط الوجود بالتفكير! فهل نفهم نحن، وهل يقصد الفيلسوف بالوجود "مادة الوجود" كمُعطى – من حيث هو نقيض للعدم؟ تلك المادة التي هي من تفرض وتُثبت وجودها في الأشياء ذاتياً، فتلفت الانتباه لها حيثما وُجدت في الطبيعة، .. في جثث الموتى وفي غباء الأغبياء وفي خضوع الخاضعين وخنوع الخانعين، وفي اختلاف الحيوانات وسلوكها وحقارة بعضها، وفي الجماد .. وغيرها! أم إن الفيلسوف والناقل والمُردد، جميعهم شركاء في مؤامرة اسمها "فِعْلُ الوجود"، تلك المؤامرة التي ربما كانت كل الذوات البشرية أطرافاً فيها وضحايا لها في آن! مؤامرةٌ حملت أجيال البشر- طوعاً أو كرهاً أو جهلاً – مهمة ترديدها وترسيخها وتوارثها! مؤامرة تُوهم الإنسان بأن له قيمة ثمينة يجهل كنهها وزمانها ومكانها. وأن قيمته تلك يُحددها أمرٌ آخر يجهله الإنسان، يُسمى فِعْلُ الوجود. وأن الإنسان ليس هو من يُحدد ما إذا كان موجوداً أم لا! وأن وجوده أمرٌ ضروري لتحقيق غاية لا يمكنه إدراك مُبرراتها ولا جني ثمارها! وأن رسالته الأبدية العظيمة المقدّسة هي إثبات وجوده في سنوات معدودة لا يعرف عددها ولا يملك الحق ولا المقدرة على اختيار زمان ومكان ولا امتلاك مقومات أداء رسالته تلك! مؤامرة توهم الإنسان بأنه وصي على أجيال الغد بمرتبة الإله المدرك لما يُريده الناس وما يصلح لهم دون استشارتهم، وأن عليه أن يرسم لهم – أو يُقيّدهم – بمنهج حياة لا يجدون عنه حِولا! فيحدد لهم أعداءهم وأصدقاءهم قبل أن يخرجوا إلى الوجود! وإمعاناً في التلاعب بعواطف الإنسان، تجعل المؤامرة من الآخرين خصماً وحكماً، مُشرِّعاً ومُحدداً، لقيمته ووجوده بقدر طاعته لهم واستفادتهم منه، أو استعبادهم له. فيمضي الواهم سنوات حياته المعدودة، محاولاً السيطرة على الآخرين واستعبادهم لينتزع اعترافهم بوجوده، .. إلى أن ينتهي به الأمر إلى هزيمة على يد واهمٍ آخر أشد منه قوة وإصراراً أو وهماً..؛ أو على يد الزمان، ليصبح وجوده في أية لحظة موضعاً للسخرية ومبعثاً للشماتة. ثم يُمسي ولا وجود لوجوده الذي أفنى حياته في إثباته، ويبقى ذكراه يبعث على الألم والأسى سواء كان في زمانه سيداً أو عبداً، مُحسناً أو مُسيئاً! أو يمضي حياته لاهثاً وراء الأمل في نيل رضا الآخرين عنه والظفر بإعجابهم، أو تحقيق إثارتهم ودهشتهم ليعترفوا له بالوجود الذي أثبتوه رغماً عنهم لمخلوقات أخرى لا ترى بالعين المجردة، واعترفوا به للحشرات والموتى والجماد دون اشتراط التفكير ودون استفادة منها، ودون سيطرة لها أو عليها! لقد تلاعب المتآمرون بخيوطها وتفننوا في حبك المؤامرة حتى سَخِرَت منهم الطبيعة، ووجدوا أنفسهم ضحايا لمؤامرتهم، وتبادلوا الأدوار مع الضحايا الذين حيكت المؤامرة للسيطرة عليهم واستغلالهم، فلم يعد بالإمكان الآن، إقناع الضحايا بأنهم ضحايا، حتى صدّق المتآمرون مؤامرتهم، وأضحى الجميع ضحايا ومتآمرين يتبادلون الأدوار في ذات المؤامرة. سَخِرت المؤامرة من الإنسان، حتى جعلته يبحث عن وجوده، متجاهلاً أنه في الحقيقة أضعف من أن ينفي وجوده، وأضعف من أن يُحدد لذاته أو لغيره قيمة! وأنّ الوجود هو الذي يُدلل على الموجود، ويُرغمه على الاعتراف بالوجود! لكن في عالم البشر عموماً، أن تكون مهمتك هي الإيقاع بإنسانٍ في هوى مؤامرةٍ فاتنة- وكل المؤامرات كذلك، لهُوَ أيسرُ لك وأقل عبئاً عليك من مجرد محاولة الإيقاع بينهما، بُغية إنقاذه منها! ذلك لأن مفاتن المؤامرة جذابة ومتجددة حسب طلب الضحية، فلا يُقاوم إغراؤها، ولا ينفد سرابها، ولا تكاد تظهر حقيقتها! إن أثقل الأمور وقعاً على النفس البشرية، وأبعدها احتمالاً للقبول عندها، وأوفرها حظاً بالرفض، هو إقناع الإنسان بوجود حقيقةٍ كان هو قد كرّس كل حياته لنفيها- كحقيقة وجود الوهم في حياة الإنسان، إلى درجة أن قناعاته الراسخة ربما كانت تستند إلى لا شيء! وأنه ربما كان ضحية عابرة في مؤامرة بحجم الوجود، يُنفّذ أجندتها على ذاته، طواعية وبإخلاص، وبلا مِنّة منه ولا مقابل من أحد. وتزداد مهمة المُنقذ تعقيداً إذا ارتبطت خيوط المؤامرة بمعتقدات الإنسان ومبادئه التي عاش وفقها ردحاً من عمره، رابطاً بها مصيره، مناضلاً من أجلها، مؤسساً صدقاته وعداواته على هديها! كمؤامرة يشترك فيها الجميع ضد الكل .. مُدركين وغير مُدركين. مؤامرة على درجة من الخبث، بأن تجعل المبصر يُكذّب بصره فيما يرى أمامه، ويُصدّق سمعه فيما يَنقل له عن أبصار الآخرين. مؤامرة تجعل الأعمى يُخاصم البصير، مدّعياً رؤية ما لا وجود له! المؤامرة الوجودية التي نشير لها هنا، هي مؤامرة إثبات الوجود، أو فعل الوجود، أو تحقيق القيمة، والتي يُضحّي الإنسان من أجلها براحته ونومه وماله وأحياناً كثيرة بحياته! المؤامرة التي أوهمت الإنسان بأن وجوده يتحدد بما يبذله من جهد لاستهلاك طاقته في إفناء ذاته! وأوهمته بأن قيمته الحقيقية هي إنجازٌ يُخلّد ذِكره بعد فناء جسده وأحاسيسه! وأن قيمته هي إنجاز يحصد ثماره الآخرون! فهي قيمة لا يشعر ولا يستمتع بها حاملها! هي قيمة لا تلتقي بصاحبها، فهي تنتظر موته لتظهر إلى الوجود! هي قيمة اسمية تتطاير متنقلة بين ألسنة قلة من البشر تجاذباً وتنافراً! هي قيمة يستهلك بناؤها من الإنسان عمره، بينما لا يحتاج هدمها سوى إلى كلمة تصدر عن عدو ذكي أو صديق غبي، لتشكك الإنسان في مصداقيته، أو تطعن في نزاهته، أو تحاسبه على زلاته في صباه، أو تشير بأي اتهام يكون قد فات الأوان واندثرت الشواهد لإثباته أو نفيه، أو تضيف حرفاً أو تحذفه لتحقيق التباس في الفهم. مؤامرة تولد غشاوة على القلوب، فتحجب عن الإنسان حقيقة أنه حتى الأنبياء والرُسُل الذين يؤمن الناس بأنهم مؤيدون من السماء، قد تم تجاوز تعاليمهم، وحصل اتهامهم والتشكيك في مصداقيتهم، ولم تُفلح حكمتهم ولم تصمد رسالتهم ولم تُفهم مقاصدهم..، فتفرق وتقاتل أتباعهم باسمهم ومن أجلهم، وزُورت كُتبهم وأحاديثهم، ولوثت نزاهة كلماتهم ودعواتهم بمزاجية البشر وتضارب مصالحهم .. وكل ذلك بدعوى إثبات وجود الموجود

الأحد، 24 سبتمبر 2023

الإنسان بين المأساة والوهم الكبير!

0 تعليق



هل البشر بحاجة لكشف حقائق مآسيهم، لأجل حلها؟ أم هم فقط
بحاجة للخروج من أوهامهم ليدركوا أنهم لا يعانون مآسٍ عصية على الفهم والحل كما يعتقدون، بقدر ما أنهم يقاسون آلامًا جُلها مفتعل، وبعضها ضروري لتبرير حياتهم واستمرارها؟ 
 
 المأساة هي كل واقع بشري مؤلم وغير مبرر منطقيًا، وغير معروف المصدر!
 

 وهم أو خطأ كبير، اعتبار الحياة والموت ثنائية! الحقيقة هي أن الحياة والموت بالنسبة للإنسان، درجات على سُلَّم الوجود، وليستا نقطتين! الحياة لا تبدأ عند الطفولة، والموت لا يبدأ عند الوفاة! الحياة بالنسبة للإنسان تبدأ عند الإدراك، والموت يبدأ عند فقدان الحرية والكرامة، وعند العجز عن الإبداع!
 

الوهم الكبير هو الاعتقاد بوجود أصل كوني لثنائيات الحق والباطل، الخير والشر، الصواب والخطأ، الهدى والضلال، .. الخ! الحقيقة هي أن هذه الثنائيات مجرد محاولات بشرية بدائية غير موفقة، وُضِعت للتقريب بين وجهات النظر المختلفة لفهم وتفسير وتبرير مأزق الوجود البشري! الموجود على الواقع ليست ثنائيات، بل فرضيات وتصورات لا حصر لها لكل واحدة من هذه الثنائيات، بما يعكس الاختلافات الطبيعية بين البشر وتضارب مصالحهم، ومعطيات وظروف كل حدث وكل حالة!
 

لعل الوهم الأكبر هو التصديق بأن كل البشر لديهم الرغبة لمعرفة الحقيقة والقدرة على مواجهتها .. فالواقع أن رغبة جل البشر في معرفة الحقيقة، يُقصد بها ضمان مصالحهم وتبديد مخاوفهم وتحقيق أحلامهم ..، وليس نتيجة مخالفة لذلك أو مجهولة!

أمثلة على الأوهام التي لا تكون إلا نتاج أُميَّة فكرية .. لا بد من أُميَّة فكرية، لكي نصدِّق نحن، ولكي يعتقد شخص عاقل مثل السيد إدوارد سنودن، بأنه قد اكتشف شيئًا جديدًا، بإبلاغه عن عمليات التجسس الأمريكية .. لا بد من أُمية فكرية لكي لا يُدرك السيد سنودن، بأنه لم يُخبر عن أمرٍ جديد، بل هو فقط خان الأمانة وأخبر عن تفاصيل أمرٍ معلوم مسبقًا، ومعمول به في كل دول وحكومات ومؤسسات العالم! 

لا بد من وضعهم في حالة موات فكري، لكي يقرر البؤساء الزواج وإنجاب تعساء، مع اعتقادهم بأن قرارهم وتعاسة أبنائهم كانت مشيئة إلهية!!
 

 نحتاج إلى أمية فكرية لكي نُصدِّق ونتابع بجد، أخبار محاربة الحكومات والمؤسسات للتهرب الضريبي في العالم، وننتظر القضاء على هذه الظاهرة الحتمية! فالعمل بحسب القانون، ودفع الضرائب بحسب القانون، يعني ببساطة أنه لا داعي ولا معنى للعمل! لأنه لا جدوى تستحق الجهد، يمكن انتظارها من أي عمل يتم وفق قانون ثابت! لذلك فإنه لا شيء قائم على المنطق الإنساني- لا العمل ولا القوانين! العمل قائم على إجادة فن الخداع، والقوانين قائمة على ادعاء محاربة الخداع! ببساطة لا توجد جدية لوقف الخداع .. لأن وقف الخداع يعني وقف العمل .. ووقف العمل يعني فضح خدعة تقوم عليها آمال البشر وأحلامهم .. أو أوهامهم التي هي سر تعلقهم بالحياة!

 لم تعد علاقتنا بالمشهد البشري مسألة قبول أو رفض، بل أصبحت مسألة تصديق وعدم قدرة على التصديق .. إننا أمام خيارين، إما عدم تصديق ما نراه، أو تغيير صورة الإنسان في أذهاننا لتتوافق مع الواقع!

 
إننا بحاجة إلى أُمية فكرية، لكي نصدِّق، بأن إنسانًا عاقلاً يسعى إلى السلطة، فقط ليترأس بشر مثله، وجلهم ضعفاء فقراء بُلهاء تعساء، ويعتبر فعله نجاحًا ومبعث فخر، ويعمل جاهدًا للمحافظة على بقائه أطول مدة ممكنة في ممارسة هذا الهراء وهذه الفضيحة الأخلاقية!

نحن بحاجة إلى أُمية فكرية لكي نُصدِّق بأنه كان هناك بشر بحاجة لظهور السيد جوليان أسانج وويكيليكسه، لكي يعلموا بأن السياسة ليست سوى لعبة كبيرة، وأن ملوكهم وحكامهم وسادتهم ليسوا سوى بشر عاديين مثلهم، يجهلون ويخافون ويكذبون، يخدعون ويُخدعون، يرشون ويرتشون!

 
 نحن بحاجة إلى سُبات فكري، لكي لا نُدرك أن جل القروض المصرفية إنما تُعطى لإنشاء ودعم مشاريع وشركات خاصة، تعمل بدون أرباح حقيقية ولمدة طويلة – بدعوى خلق فرص عمل، ثم تُغلق كل ملفاتها بمجرد إعلانها الإفلاس، لتحصل على قروض جديدة تحت أسماء جديدة، وتتكرر اللعبة!
 

نحن بحاجة إلى وهم كبير لكي نعتقد بضرورة أن يعمل كل البشر لكي تستمر الحياة أو لتحسين حياتهم، في المجتمعات الحديثة – مجتمعات الدولة والمواطن .. إنه كالاعتقاد بضرورة أن يكون كل البشر رسامين .. هو دفع للبشر وإكراه لهم على الكذب والتزوير والسرقة وممارسة البطالة المقنعة والإجرام .. إنه افتعال للحركة تبديدًا للسكون، منعًا لحدوث فراغ يطل منه السؤال ..

نحن بحاجة إلى سذاجة عميقة لكي نعتقد بعدم قدرة البشر على اجتثاث الفقر، فالأمر في غاية السهولة عمليًا، لكن هناك موانع منطقية، فالقضاء على الفقر يتطلب فضح خدعة تقوم عليها جل المعتقدات وتقوم عليها الدساتير والقوانين وكل المنظومات البشرية للحياة، وفضحها يعني إفراغ الحياة من مبرراتها الوهمية؛ ويمكن اكتشاف السر ببساطة من خلال ملاحظة أن أعداد المنتحرين في ألمانيا والسويد وسويسرا وأمريكا، هي أضعاف أضعاف أعداد المنتحرين من الفقراء المعدمين في الهند وباكستان وأفغانستان وأفريقيا وأمريكا الجنوبية والدول العربية والإسلامية!

إننا ولكي نُقر بوجود ما نراه في الواقع البشري، فإنه لا يمكننا إلا افتراض وجود لوبيات بشرية خلف كواليس العالم، تعمل على صناعة الأُمية الفكرية بين البشر، ونشرها والحفاظ على استمراريتها، لكي تتحكم نخبٌ في جموع بواسطة حمقى! لا بد من وجود أذكياء غير أمناء، يتوارثون الخبث كما يتوارثون السرية، يعملون على إيهام الحمقى بأنهم حكماء، وإيهام الضعفاء بأنهم أقوياء، والأذلاء بأنهم مكرمون، لكي يستمر وجود البشر مضحكًا  مبكيًا

الخلاصة ..
 الحياة مسرحية مقلوبة .. 
أعداد الممثلين فيها أضعاف أعداد المتفرجين .. 
المتفرجون يدركون أنها مسرحية .. 
والممثلون يعتقدون أنهم يعيشون واقعًا حقيقيًا!

الجمعة، 15 سبتمبر 2023

هكذا وَجدتُ الحياة والبشر ..

0 تعليق

 


حري بالإنسان أن يكون كتابًا لا ينطق إلا حين يُسأل .. لا مذياعًا يتكلم في غياب السامعين كما في حضورهم ..

القداسة الدينية مثل الحصانة الدبلوماسية .. لا تزيل عيوب البشر، هي فقط تعمينا عن رؤيتها أو تمنعنا من التصريح بما نرى .. حيثما رُفِعت الحصانة والقدسية، ظهرت العيوب جلية!

 طالما كان تعليم الإنسان، مسئولية إنسان مثله، فلا معنى للقول بمسئولية الأول عن معتقداته!

 البراغماتية هي أن تكذب أنت على الآخرين كذبة صغيرة بحجم الحدث كلما دعت الحاجة .. المبدئية هي أن تُصدِّق كذبة الآخرين عليك أو أن تكذب أنت عليهم، مقدمًا، كذبة واحدة كبيرة بحجم كل الأحداث القادمة ..

 العلمانية تعني حماية الدين من عبث البشر .. من أجل حماية البشر من سلاح الدين!

المقلدون وأتباع فقهاء الأديان، هم أُناس يستوردون قناعاتهم وسلوكهم من الخارج .. هم مجرد أسواق استهلاكية لبضاعة غيرهم الفكرية .. فإذا غيَّر المُصدِّر بضاعته، تغيَّرت بضاعة المستورد .. وهم بذلك أقل من أن يكونوا حاملي أمانة .. فهم مذنبون إن أخطئوا، ولا فضل لهم إن أصابوا!

 أن لا يكون الانتحار أحد خياراتك .. فذلك يعني أنك تقبل مسبقًا بكل ما هو ممكن من أجل الحياة .. بما في ذلك الكذب والظلم والغش والتزوير والخنوع وحياة الذل!

 لا معنى للحديث عن الكرامة والعدالة والإنسانية، في حياة تقوم على خادم ومخدوم من ذات الجنس! 

لا فرق بين الداعين للحياة والداعين للموت .. هؤلاء يريدون من يشاركهم ألم انتظار الموت! وأولئك يريدون من يشاركهم ألم اقتحام الموت!

 كل إصلاح عقائدي \ ديني، لا يمس لب القضية، لن يعدو أن يكون مذهبًا جديدًا يُضاف إلى قائمة مذاهب سابقة نجحت في تشتيت البشر وبث العداء بينهم .. المذاهب الدينية تولد كما تولد الأحزاب السياسية .. لب القضية هو أن كل ما لا يمكن إثباته عمليًا، ينبغي أن يوضع على قائمة الفرضيات لا قائمة الحقائق .. وهذا ما يتوقف دونه كل المجددين والمصلحين عادةً!
.. يوجد لدى فقهاء الأديان كلها وكلهم .. هواجس من الفكر لا توجد لدى غيرهم .. كأنهم يخشون أن يَخلق الفكر إلهًا أو شيطانًا غير الذي يعرفونه!

  نحن بالفعل بنا حاجة وجودية لتذوق الحزن .. ألسنا نمنح الأشياء في عقولنا قيمة بلا مبرر نعرفه .. لنحزن حين نراها في الواقع وهي خالية من كل قيمة! 
جُل البشر لا يجرؤون على فحص معتقداتهم .. خشية أن تكون زائفة 
. نحن مجرد كائنات حية كغيرنا من الكائنات .. ليس ثمة ما يميزنا وجوديًا بالقدر الذي ندعيه .. لا غاية عُليا وراء وجودنا طالما احتجنا لمن يقودنا .. لا يمكن لمن يحتفلون بأعياد ميلاد ملوكهم، أن يكون لديهم شعور بقيمة كونية .. لا يمكن أن تكون هناك غاية عليا من وراء وجودنا طالما أن تنافسنا البيني يُشعِرنا بالفخر والهزيمة!

. إذا دعوته للجنة، ورفض العاقل دعوتك وجب عليك التأكد من وجود جنتك! 
 إثباتًا ووفاءً للحب .. ربما يتوجب علينا إيلام أولئك الذين يحبوننا حقًا .. حين يقترب موعد رحيلنا .. لنُخفف عنهم ألم جرح الفراق! كثيرًا ما نسمع بوجود أشياء يستحيل وجودها في الوعي .. من قبيل .. وجود أبرياء يخشون عقاب إله عادل لا شيء يؤرق الصداقة كما تفعل بها الصراحة .. إنها امتحانها الحقيقي الذي يحول دون نجاحها عادةً الموت يُكرِّم الرائعين والعظماء .. والحياة تدفنهم أحياء! أن تتزوج زواجًا مباركًا دينيًا، يعني أن تُمارس الجنس دون متعة 
 إنسان يحتاج لمن يُذكِّره بشرفية الصدق وخسة الكذب، هو إنسان غير عاقل! 
 إنسان يقبل بمبدأ فعل الخير والصواب خوفًا من عقاب، هو إنسان أقل من أن يكون مسئولاً عن قناعاته! 
  حُجَر نوم الأزواج لدى الأُسر الدينية، ينبغي أن يتم تزيينها بصور رجال الدين .. إقرارًا بفضلهم في الترخيص لهم بالزواج .. وعرفانًا بدورهم في تعليمهم كيفية إشباع هذه الغريزة التي تشبعها الحيوانات دونما ترخيص ولا تعليم 

 الحياة والدين والسياسة .. أنجح وسيلة للدفاع عنها هو التعتيم الإعلامي على المعارضين ..  
أبسط فكرة هي اليقين .. إنه مثل النصيحة، حتى المتسول يمتلك منها الملايين .. لكن الشك لا يوجد خارجنا إلا عند الله .. ألم يُحدد لنا واجباتنا ولم يضمن لنا الجنة؟ ألم يُحذرنا من الشيطان ويُخفيه عنا؟
 الذي لا يضمن لي الجنة، ليس له أن يخاطبني باسم الله ... 
 أموت وبي رغبة شديدة ويائسة، لتذوق شعور أولئك الذين يمارسون الحياة طواعية وهم واعين، وليس الموت أحد خياراتهم المتاحة دائمًا .. هذا إن كان وجودهم ممكنًا! . 

 الإحساس باليأس مثل الإحساس بالسعادة .. ليس متاحًا لكل من امتلك أسبابه الظاهرة 
 ما يُسمَّى بالتفاؤل .. هو أمر غير ممكن بالنسبة لإنسان مُدرِك .. أن تكون متفائلاً وأنت مدرك، يعني أن تجعل من اللاشيء هدفًا لك، تحلم به وتشقى لتحقيقه ..  

 اثنان لا وجود لهما خارج خيال الواهمين .. عاقل يريد للحياة أن تكون بلا قيمة .. وساحر قادر على خلق غاية لما لا غاية منه ..

 إذا استيقظت ولم يكن بمقدورك إيقاظ الكل .. فلتتألم وحدك ولا توقظ أحدًا .. إن الحياة اليوم تعني التواصل مع الواهمين .. وإمكانية التواصل مع الواهمين لا تتجاوز تلك السنوات التي يمضيها العاقل واهمًا ..  أحيانًا لا يكون هناك مبرر جاهز للانتحار .. وأحيانًا يكون هناك مبرر للحياة .. 
 أنت تجاهل المنطق، وأنا أجعلك سعيدًا 
..
 الملهِم هو إنسان قال الكثير مما تهوى أنت سماعه ..  لكنه لم يُشبِع نهمك ..
 لا أحد يعرف ولا أحد يسأل .. سواهم .. لماذا يُجبَر المنتحرون على الموت سرًا أو بغتة؟ لماذا لا يُسمح بإقامة حفلات راقصة للانتحار؟ أليس الانتحار أشرف وأصدق وأكثر تبريرًا من جُل ممارسات البشر الأخرى؟ السبب هو أن البشر يريدون قتل آلامهم هم في الآخرين .. بانتحاره يقتل المنتحر آلامه هو .. وهذه خسارة لهم .. صُناع الثقافات يُقبِّحون الانتحار، ويدفعون الإنسان لفعل ما يبرر لهم قتله .. ليحصلوا على الشعور بفعل شيء .. إنها السادية في ثوب إنساني!  
 
 تفضيل الحياة على الموت كان سيبدو مفهومًا ومقبولاً، لو كان بأيدينا فقدان الوعي والذاكرة متى نشاء ...
 رأيتُ الحياة سؤالًا .. متى تمت أو استحالت إجابته، تَحتم شطبه

 لا يمكننا إلا الإحساس بفراغٍ يستوطن أفئدتنا .. يجوب وجداننا طليقًا .. حاضر في كل مناسباتنا دونما دعوة .. يؤلمنا حيثما مسنا .. ذاك مقام محجوز لأحباب مفترضين .. يمتلئ الفراغ ويمسي ألمه مداعبة .. بدخول أحدهم إلى حياتنا فجأة .. ذاك هو الحب ..  
 
 لا تنتظر صدقًا ممن يخافك ولا تستغرب كذبًا ممن يجهلك ..   إذا كنت مغرمًا به أو يُمثِّل لك شيئًا هامًا .. فلا تبحث عن مدلول مصطلح إنسانية، في قواميس الفلسفة والمعرفة والحقيقة والمنطق .. ابحث عنه في قواميس الأدب والمعتقدات ..

 من مواصفات الداعية والمُحاوِر الديني، أنه .. - لا يجد حرجًا أن تكون رسالته التعريف بما لا يعرفه .. - يسأل بالمنطق ويجيب بالاعتقاد .. - لا يُفرِّق بين تكذيب البشر لبعضهم وبين الكفر بالله .. - لا يُفرِّق بين رفض حُجَّته لضعفها وبين الكفر بالله .. 
 
 إذا اجتمع لديك حماس وقدرة وحاجة لفعل شيء .. فافعله بلا تردد ولا تأجيل ولا تبالي .. إنه إن يكن خطأ، فإن ألمه لا يُذكر أمام ألم الندم إذا تركك الحماس والقدرة، واستفردت بك الحاجة له ..
 
 كثيرًا ما يقال .. هذا شيء يستحق أن نموت لأجله! وهذه مغالطة .. لأن الأشياء لا يعنيها موتنا لأجلها .. الصحيح أن يقال .. هذا شيء لا يمكننا الحياة بدونه .. وهذا يعني أن هنالك أشياء أعلى قيمةً من الحياة وجوديًا .. بينما لا شيء يعلو الموت قيمةً .. لكننا ورثنا ثقافة تجميل الحياة وتقبيح الموت .. ولذلك نقبل حياةً قوامها الذل والكذب والتفاهة!   أن يُبتلى المرء بداء الرفض والقبول الخشبيين .. لهو خير له من أن يُبتلى بعافية طلب الأسباب .. هذا مرض يستحق أن يُحمد عليه أي إله .. وتلك عافية تبرر الكفر بكل الآلهة ..  
.
. من منا لا يعرف بعضهم أو قرأ لهم أو سمع عنهم .. أولئك الذين يكفي أن تستمر الحياة من بعدهم .. لنعرف أنها بلا معنى ..
 لماذا يلفت انتباهنا ويثيرنا كل بروز؟ لكُثر ما بداخلنا من فراغات وحُفر ..
 من البلاهة التعويل على إثبات الحقيقة غدًا .. لأناسٍ لا يتجاوز بحثهم عنها اليوم المفاضلة بين أوهام مكشوفة! 
  إعجابنا بالجمال خارجنا مجرد تغطية لقبح داخلنا .. إنه مثل تعلق بعضنا بالحيوانات والأطفال .. كلها مشاعر تبدو طبيعية بريئة في الظاهر .. لكنها في الحقيقة ليست سوى أصداءٍ لجراحٍ نازفةٍ في الأعماق .. ضعفاء نحتمي بالأمان المحيط بكل جميل وكل ضعيف .. أو أقوياء نُظهر تواضعًا يعكس تباهيًا بقوتنا .. التباهي بالقوة يعكس إحساسًا قاتلاً بهزيمة في الأفق ..
 كل مآسينا سببها تعريفات خاطئة لمفهوم الإنسان .. إنه لو تُرِك مفهوم الإنسان دون تعريف موحد زائف .. لحمل كل واحد منا تعريفه الحقيقي فوق رأسه .. ولاصطف المتشابهون كلٌّ في مكانه الطبيعي .. ولاختفت كل هذه المشاهد الزائفة .. وهذا الزحام .. ولظهر تلقائيًا الجواب الحقيقي لكل سؤال .. ومن  حيث ظهر السؤال !
 في الوعي نظن أننا نبحث عن أصدقاء .. لكن في اللاوعي نحن نبحث عن ذواتنا .. نبحث عن أقرب الناس شبهًا بنا .. نحن نريد أن نرى أنفسنا من الخارج .. كأنما نريد أن نتحقق من وجودنا ..  وربما لخشيتنا من أن يكون حقيقيًا!
 كل ما نقوله ونفعله في الواقع .. مجرد تكرار لمحاولات ثبت فشلها .. لشغل وعينا عما يشغله في الحقيقة! 

 بعد الفراق يتبادل الأحباب المَنَّ بالحب .. كأنما كان لهم فضل في حدوثه!

 لو أن طبيبًا ابتكر عقارًا لعلاج داءٍ ما، ثم جاء طبيب آخر من ذات التخصص وفي ذات المستوى العلمي، وشكك في فاعلية وفي سلامة هذا العقار، وحذَّر من مضاعفات خطيرة لهذا العقار .. فإن المنطق يقول والواقع يؤكد، بأن عموم الناس لن يتناولوا هذا العقار، حتى يُقنع المختصون بعضهم بجدوى وسلامة هذا العقار .. وفي جميع الأحوال لا يتناوله البشر حتى تتم تجربته على كائنات أقل قيمة من البشر .. وهذا بالضبط ما يقوله المنطق في حالة الطوائف والمذاهب الدينية .. لكن مع الأسف ليس هذا هو الواقع .. ولذلك يتألم الناس ويموتون في كل زمان ومكان بسبب تناولهم لأفكار دينية لم تحظَ بإجماع المختصين، فأصبحوا فئران تجارب لهذه الأفكار!  

 الموت بصورة عامة هو امتداد طبيعي للحياة .. لكن في حال الإنسان، ليس الموت مجرد امتداد طبيعي للحياة، بل هو بديل طبيعي لها حين تفقد الحياة طبيعيتها .. الحياة تفقد طبيعيتها عند درجات معينة من الألم والعوز والفراغ والعجز .

 الشجاعة في الفكر عادة ما تؤدي إلى الموت انتحارًا .. مثلما أن الشجاعة في القتال تؤدي إلى الموت قتلاً ..

 إذا عرفت من أنت وماذا تريد، عادةً يكون الوقت قد فات لتتذوق ما عرفت ..
 في الحياة لسنا مخيرين سوى في الموت وليس دائمًا ..   ليس بمقدورنا حب الجميع .. وليس بمقدورهم فعل ما يجعلنا نحبهم .. لكن بمقدورنا ترك من لا نحبهم وشأنهم .. ترك بعض الناس وشأنهم يكون باجتنابهم .. بمقدورنا ألا نكره أحدًا، لأننا لا نعرف حقيقة أحد .. ولأنه لا أحد يعرف حقيقة شيء، ولا حتى حقيقة ذاته ..
لم أرَ في حياتي قط رؤى العين عجب .. لكني قرأتُ يومًا ما هو أعجب من عجب .. قرأتُ مقالةٍ لمفكرٍ أحسبه يعرف اسمًا من لقب .. فإذا به حائرًا يطلب أسباب تردي حالة العرب .. أوشكتُ بادئ الأمر أن أجيبه بمنطق الغرب .. لولا أن تداركت أمري وأدركت ما يجب .. وجدتُ الصمت أبلغ جوابًا من الخُطب .. لسائلٍ يتعثر بالأسباب باحثًا عن سبب ..  

 إذا وجدت أحدهم يخاطب شعبًا كما يخاطب فردًا .. فاعلم أنه ضحية ثقافة لا صاحب فكر ..

لو عاش البشر حقيقة أنهم كائنات معزولة في كون خال .. لكانت حياتهم غير هذه الحياة .. كانت حياتهم ستكون أجمل .. كان وجودهم سيكون حقيقيًا ..

 أبشع ما صنعته المعتقدات الدينية بالإنسان، أن أوهمته بعدم حاجته لأخيه الإنسان .. 
 
 أعمق جرح ألحقته المعتقدات الدينية بالقيم الإنسانية، أن أفرغت الخير والصواب والحب من قيمها الوجدانية، إذ ربطتها في مخيلة البشر بحساب وعقاب وثواب .. لقد أفرغت بذلك حياتنا من كل قيمة .. وجعلت وجودنا بلا أي معنى ..  
الفرق بين الحياة والموت .. هو فقط حركتنا في قبور الحياة، واستقرارنا في قبور الموت ..  

 القول بأننا في القرن الواحد والعشرين، لا يعني أننا قد تقدمنا كثيرًا عن أسلافنا باتجاه الحقيقة .. إننا ما نزال لا نرى من الوجود إلا ما يرانا .. نُبرر قِصر القامة، ولا نُبرر قِصر الإدراك .. نمنح الموت الرحيم لمن نرى جراحهم ونعرف آلامهم .. ونمنعه عمن تخفى عنا جراحهم ونجهل طبيعة آلامهم .
 أن تعيش سعيدًا يعني .. أن تكون ثريًا بالمال أو فقيرًا بالفكر  كل مشكلة لها حل آخر غير الموت، عدا اليقظة المتأخرة!
علاقة البشر بالمعتقدات الدينية مقلوبة .. يحمونها بدل أن يحتموا بها .. ذلك لأنهم ليسوا واثقين من رسوخ قواعدها وصلابة  جدرانها

. جمال الحياة مبالغ فيه، وقبح الموت مفترض! لو تُرِكت الحياة جنب الموت حيث وضعتها الطبيعة .. لبدت قبيحة مثله، أو بدا جميلاً مثلها! ما يشدنا للحياة، هي زينة زائفة نحن من يفترضها .. لكننا نعلم أنه ما في جسد الحياة من موضع يخلو من قبح!  

 المعنى يُرى من خارجه لا من داخله .. ونحن في عصر قد تفتت فيه أغلفة المعاني .. قد تفسخت فيه الأشياء وانسلخت عن معانيها .. نوشك أن نجد أنفسنا أمام مكونات المعاني لا أمام معانٍ مُخلَّقةٍ يمكن إدراكها

الأربعاء، 1 مارس 2023

لماذا نترك أثرًا في حياةٍ نرفضها؟

0 تعليق


- لا أفهم لماذا يُحارَب التدخين وشركات صناعة التبغ، بينما يحارب فقط الإرهاب ولا تحارب شركات صناعة الإرهاب (المعتقدات) ..، مع العلم أنه حتى محاربة التدخين ليست مبررة، فهو شأن شخصي، ويمكن للآخرين اجتناب مضاره، بينما الإرهاب ليس شأنًا شخصيًا ولا يمكن للآخرين اجتناب مضاره – فلا مضار له إلا على الآخرين! كيف يتم تغريم بشر بمليارات الدولارات بسبب تمثيلهم لشركة أنتجت ما قتل إنسان، بينما لا يتم تغريم بشر مثلهم يُمثلون أُمَّة تُنتج ما يقتل آلاف البشر كل يوم؟ - كل تضحية بالنفس هي نوع من الانتحار، هي نزعة فطرية للموت – للتخلص من إرهاق الوعي – كالنزوع للنوم للتخلص من إرهاق اليقظة .. شعارات التضحيات ومبرراتها مجرد أقنعة ومحفزات .. ما يجعل الانتحار التقليدي مرفوضًا هو فقط كونه سافر الوجه جاحظ العينين خالٍ من المجاملة، وهذه هي مأساة كل حقيقة، فالحقائق مرفوضة لخلوها من الغموض والكذب الذي هو أساس كل قيمة وكل أمل في الحياة .الذين يُضحُّون بأرواحهم لا يرون نتائج تضحياتهم، والذين يأتون من بعدهم يرون عبث تضحيات السابقين ولا يرون عبث تضحياتهم هم، لذلك هو مستمر مسلسل عبث التضحيات بالأرواح من أجل لا شيء .. إذا تكررت الحياة وعُرِضت نتائج التضحيات، فإن الذين انتحروا بلا مواربة – فقط تحت عنوان تخليص الذات من عبث الحياة – هؤلاء وحدهم من سيعيدون الكَرَّة! - الطاعة التقليدية للوالدين مثل العبادة التقليدية للآلهة، كلاهما قمع للفطرة ودفع للمنطق بالاتجاه المعاكس .. الصواب أن يعتذر الآباء للأبناء والآلهة للأحياء عن ظلمهم لهم بالحياة، لكن لعل استحالة وجود اعتذار يناسب حجم المأساة هو ما دفع البشر إلى قلب الآية، فَسنُّوا سُنةً تُناقِض الفطرة، إذ ألزموا المظلوم بشكر الظالم، مفترضين أن في تمرده الحتمي من العزاء ما يعوضه، فالتمرد يولد لدى البلهاء داخل سجنهم شعورًا زائفًا بأنهم قد انتقموا لأنفسهم بأن ناموا مراتٍ على جنوبهم وليس على ظهورهم دائمًا كما أمرهم سجانهم! - جادّاً لا من باب التهكم أقول: إنني أشهد بأن في عنق كل من يحترم نفسه، واجب امتنان للحركات الإسلامية، لتذكيرها لنا على الدوام بوجوب مغادرة الحياة باعتبارها عبثية بشعة كريهة لا تليق بمن يحترمون أنفسهم .. من في العالم اليوم لا يعلم ببشاعة سلوك الإسلاميين في كل مكان ضد حياة وحرية وكرامة الإنسان؟ .. ويتم ذلك باسم الحق والأخلاق .. ليست الحياة كريهة بسبب وجود الإسلاميين فيها، بل هي دائمًا كانت كذلك، لكننا نغفل عن هذا أحيانًا، وأحيانًا أخرى نبدو كمن يتحجج غريزيًا بمسئوليات اجتماعية وواجبات إنسانية تطيل مدة بقائنا في الحياة أكثر مما ينبغي، وما تلك الذرائع وغيرها سوى أضغاث أفكار ودلالات جهل وضعف ..، فحاجة أبنائنا لنا كانت عدم إنجابهم وليس التباكي عليهم بعد وقوع الجريمة ..، وإصلاح البشرية لا يتحقق إلا أن تفرضه الطبيعة فرضًا لا باتفاق البشر، فالعبث سمة الحياة والبشر كغيرهم من الكائنات، فلا مبرر للحياة إذن سوى الغباء أو العبث ..، ولعل أسوأ مبررات الحياة هو الاعتقاد بأنها إجبارية لا اختيارية، فهذا يُفرغها من كل معنى ممكن، إذ يجعل الإنسان فيها شيئًا من الأشياء لا حيّاً من الأحياء .. لذلك أقول إن الإسلاميين رُسُل الطبيعة لتذكير الغافلين، كي لا يلوم الكريم إلا نفسه حين يُهان في حياة قوامها المهانة والعبث ..، ما يُميِّز الإسلاميين هو تحطيمهم للمنطق دون مواربة – تحطيمه لكونه صواب لا لكونه خطأ .. تحطيمه بقصد تحطيمه لا بزعم إصلاح الحياة كما يدعي غيرهم! إن الحياة إما أن تَقتل أو تُقتل أو أن تعيش صاغرًا .. مغادرة الحياة ليست جبنًا من مواجهة أعداء ولا هروبًا من أداء واجب، لكن أن تَقتل أو تُقتل هو سلوك حيواني لا يليق بالإنسان، وهو ما يفعله البشر منذ أن وُجِدوا على الأرض ودون جدوى ..، أن تقتل غيرك هو أمرٌ أسهل من أن تقتل نفسك، لكن نسبة أن تكون مخطئًا بقتلك لغيرك لا يمكن أن تكون صفرًا، أما أن تقتل نفسك فيمكن أن تكون ..، لذلك كان قتل الذات دائمًا أصعب من قتل الغير، ولذلك كان الانتحار دائمًا سلوك النبلاء والصادقين، فهو خالٍ من الطمع والرياء، وخالٍ من كل شك وتوهم .. واقعيًا ومنطقيًا لا يمكن وصف المنتحر إلا بأنه شجاع، وليس كل المنتحرين فاشلين – فمنهم أنجح الناجحين، ودينيًا ينبغي تحريم وصف الانتحار بأنه فشل في الحياة، فإدانة المصنوع بالفشل تعود على الصانع "الخالق" .. فإذا كان ولا بد من وصف الانتحار، فينبغي وصفه بأنه نقد ورفض وتحدٍ من الحياة لإرادة الوجود .. لكن يبدو جليًا وجود من يهوون ممارسة الغباء بيننا، ولديهم المقدرة على ذلك، ومنهم من يبدعون- لعل الجبن والضعف والجهالة والأوهام أسبابهم، لعلهم معذورون! - سلوك العالم المتقدم حيال ما يجري على الأرض اليوم، لم يعد وصفه بالمتحضِّر والمتمدن ممكنًا، إنه سلوك الجبناء والأغبياء والعابثين بكل بساطة ووضوح! - نحتاج إلى جنون رحيم على غرار الموت الرحيم، فالعقل عند وجوب الجنون كما الحياة عند وجوب الموت! - ليس أسهل ولا ألذ من العبث، خاصة أنه لا يحتاج إلى سبب ولا تفكير .. هكذا بهذه البساطة يجد الإنسان نفسه عاقلاً ومتورطًا في الحياة بمسئولياتها وتساؤلاتها، وهو عبارة عن نتيجة عشوائية لعبث غيره وعدم درايتهم وعدم اكتراثهم بعواقب ما يفعلون .. هكذا بهذه اللا مسئولية أنجبونا وكررنا نحن الخطأ .. كأن الكل ينتقم من أبويه بإنجابه لبنيه .. يعشق الرجال والنساء بعضهم فيُنجبون حاضنات مآسٍ! أن يولد الإنسان فذلك مجرد عبث بالنسبة للوالدين، لكنها أم الكوارث بالنسبة له – كل المآسي مجتمعة في حدث .. ولادة الإنسان مثل الفقر، كل ما يعقبها نتاج لها، لا معنى للبحث عن أسباب أخرى، ولا توجد تفسيرات منطقية لمآسٍ ناجمة عن عبث وعشوائية .. إذا أُغلِق باب النقاش حول إمكانية الرجوع إلى ما قبل الحياة، فالخيار المتبقي هو القفز مباشرة إلى ما بعدها .. الحياة مجرد ميدان لسخرية الإنسان من نفسه وعبثه مع غيره .. أي إساءة يتلقاها المرء خلال حياته لا يصح أن توصف بغير المزاح، ولا ينبغي أن تثير فيه غير الضحك .. أليست مزحة أن يُساء إلى إنسان قابع في جهنم، برميه بحفنات من جمرها على وجهه وعلى قفاه؟ وهل يمكن أن يُساء إلى إنسان قابع في الحياة، سوى برميه على وجهه وقفاه بحفنات من مكونات الحياة؟ الإساءة هي إدخال الأول إلى جهنم والثاني إلى الحياة، وليس ما يترتب على الدخول .. ردُّ العبثِ بعبثٍ مثله عبثٌ مثله .. رد الإساءة يكون برفضها، بمغادرة مكانها، بقطع طريق عودتها – لا بتبادل شتائم العبث في موطنه ومع أهله .. رد الإساءة كبير بكِبر حجمها، لذلك ينتحر الكُرماء ولذلك لا يقوى على الانتحار كل من شاء! - كل ما نفعله لأجل الحياة لا يكون إلا تقليدًا لآخرين .. كل مَن كوَّن رأيه الخاص كَفَّ عن فعل شيء يربطه بالحياة التقليدية ..، هذا الرأي الخاص هو الفلسفة .. عادةً تقود الفلسفة الإنسان إلى ترك الخيار للحياة تفعل به ما تشاء، لتنقلب بذلك الأدوار، فتبدو الحياة حريصة على بقاء الإنسان – لا العكس كما هو سائد ومعتاد .. - الفلسفة ليست خيارًا خاضعًا لإرادة الإنسان .. كل إنسان يتفلسف مثلما أنه قد وُلِد .. الفلسفة مسار حياة باتجاه معين أو إلى نهاية محددة .. الفلسفة التي توصف بأنها لا منتهية هي تلك التي ترسم مسارًا واحدًا ومصيرًا واحدًا لكل البشر، والممتنع فيها أو اللا منتهي هو جمع البشر وليس ثمرة الفلسفة .. الفلسفة شأن فردي بحكم الواقع لا بحكم الفكرة .. - أتباع بعض الديانات يختلقون الذرائع لقتل البشر بينما يُسمُّون أنفسهم رُسُل الحقيقة والسلام، ويعتقدون ذلك .. ما يبدو لنا مفارقة وجهلًا وهمجية في هذا السلوك، قد يكون عين المنطق والعلم والإنصاف بالنسبة للحقيقة من منظور قوانين الطبيعة والوجود .. كيف ذلك؟ في كل الأحوال الحياة تخلو من المنطق والمبررات ولا تليق بمن يحترم نفسه – إذا كنا جادين وقادرين على ممارسة الصدق الصارم مع أنفسنا .. لكن استتباب السلام وسيادة القانون، قد يزيفان المشهد ويُخفيان عنا حقيقة الحياة التي نعلمها، حتى يتوهم الكل بأن الحياة منطقية ومبررة، وتضعف بذلك دوافع مغادرتها، ويجد المنطقيون أنفسهم يمارسون الحياة كغيرهم – لا عن قناعة لكن لفقدانهم حماسة المغادرة .. إجلاء هذا الوهم هو ما تطلب وجود رُسُل السلام لقتل السلام، كي لا ينخدع بالحياة من لا ينبغي خداعهم .. - للمذاهب الدينية اليوم، وظائف أساسية ثلاث، هي أهم وأوضح ما يمكن ملاحظته على الواقع: فرض طاعة من لا يمتلكون ما يُبرر طاعتهم .. فرض قتل من يمتنعون عن ارتكاب ما يُبرر قتلهم .. فرض كراهية من لا يفعلون إلا ما يوجب محبتهم! - امتثالك للتعاليم الدينية يعني أن تجد لك طريقة عاجلة للموت - غير الانتحار، أو أن تجد سبيلاً للجنون لتُرفَع عنك أقلام السيد وسياط العبيد! - الاعتقاد هو كأن تُصدِّق بأنك مؤتمنٌ على حقيبة تحوي نفائس دون أن تراها ..، والإيمان هو ألا تُفكِّر بفتحها لتتأكد من محتواها حتى لو قالت لك كل المؤشرات بأنها فارغة .. ما يجهله هذا المؤتمَن الحريص على أمانته المفترضة، هو أنه تجوز محاسبته على فقدان النفائس حتى لو كانت الحقيبة فارغة أصلاً، لأن اتفاقية الاعتقاد لا تنص على المحافظة على الحقيبة بغض النظر عن محتواها، إنما تنص على الشهادة والإقرار باحتوائها على نفائس! - أجمل علاقة تربطنا بالحياة تكون في المرحلة التي لا نعرفها خلالها - تلك التي تسبق العقل والوعي - ربما لأنها الأقرب إلى أصلنا .. الغيبوبة، الموت، اللا وجود، وهي العلاقة الوحيدة التي يمكننا تبريرها باعتبارنا غير مسئولين عنها! - لست قلقًا بشأن نسيانها، فحيثما ذهبت وجدت ما ومن يُذكِّرني بأسباب رفض الحياة واعتزال البشر! - السؤال لماذا وُلِدت، الجواب لكي تموت، وكل ما بينهما مجرد أنواع مختلفة من الحشو لملء الفراغ! - قِلةٌ من البشر تربطهم علاقة جيدة بالحياة مدة إقامتهم المؤقتة فيها أو إقامتها المؤقتة فيهم – شواذ قاعدة .. أما سوادهم فهم بين مرفوضٍ من الحياة ورافضٍ لها! - من حيث المبدأ، كل عاقل لا بد أن يرفض الحياة، فالمنطق يمنعنا من قبول ما نُقحم فيه دون استشارتنا ولا نعلم له مغزى، لكن غالبية البشر يواصلون الحياة حتى النهاية لأسباب مختلفة ..، فالأحرار المُنعَّمون ليسوا مضطرين للمغادرة قبل أن يتشبعوا بالاستمتاع بما وجدوا أنفسهم فيه من عبث ممتع، وكثيرون منهم غادروا مختارين وتركوا المُتع بعد أن تشبعوا فكرًا أو ثراءً .. المتورطون في حياة غيرهم مضطرون للتمديد قدر إمكانهم ..، وهناك المرعوبون من فكرة الموت بسبب ضعفهم وسطحيتهم، فهؤلاء لا خيار لهم سوى انتظاره ليقتحمهم رغمًا عنهم كما اقتحمتهم قبله الحياة ..، وأما الأكثرية فهم الذين يَحملون الحياة لا يمارسونها - لا يشعرون بها بقدر ما يخوضونها نيابة عن غيرهم لا أصالةً عن أنفسهم - الذين يعتقدون أنهم مأمورون بالحياة لا مُزوَّدون بها! - لماذا كانت الحياة؟ لأنها أحد احتمالات الوجود الكثيرة! - لماذا كان الموت؟ لأن التغير هو أساس الوجود، وهو الذي أوجد الحياة، فكان لا بد للتغير من أن يوجِد الموت كآخر تغير في عملية الحياة! - لولا خيار الانتحار، لأصبحت أسطورة الألم الذي لا يُطاق حقيقة ماثلة حتى قبل أو دون حدوث ألم! - إذا قرأنا فلسفة الحياة والموت في ضوء الرؤية الدينية للكون، فإن الفكرة والغاية الأقدر على إقناعنا، هي فقط ممارسة الإله للموت خارجه - باعتبار أن الموت هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن للإله ممارسته على نفسه! - دينيًا، لا ينبغي استبعاد فكرة أن تكون خطيئة الإنسان هي فقط تشبثه بالحياة، حيث لا يوجد مبرر منطقي للحياة سوى خوض تجربة الموت، وربما كان التعجيل بالموت فضيلة! - الداء أن نولد والشفاء أن نموت والحياة دواؤنا المُر! - داء البؤساء غير مبرر فجاء دواؤهم الأشد مرارةً! - أن نولد يعني أن يتم تلقيحنا بالموت .. منا من يتحمل آلام حمل موته، ومنا من يُفضِّل إجهاضه! - ما يربطنا بالحياة هي جهالة نُسميها حب المعرفة! - حب المعرفة مثل اعتناق المعتقدات، قد يصلح لملء فراغات الحياة لكن ليس لتبريرها! - الحقيقة تتغير في نظر الإنسان الفرد مع تغير مراحل حياته، وكذلك تتغير الحقيقة بتغير الأجيال والعصور .. القول بأن هناك دائمًا ما لا نعرفه عن حقيقة الوجود، يعني أن كل ما ينقضي من أحداث يُختم بختم العبث .. الماضي مجرد بنية تحتية وتمهيد للمستقبل دائمًا .. لا يظهر مذهب ديني إلا بطعنه في حقيقة مذهب سابق .. أحدث نسخة من الحقيقة سيدركها آخر جيل من البشر! - لسنا من يقرر الوقوف أو عدم الوقوف عند بوابات الحقيقة، بل هي التي تستوقف بعض البشر دون غيرهم! - إذا لم نجد خارج السجن ما يستحق لهفتنا للخروج، فذلك لا يُبرر لنا إنكار فضل من ساعدنا على الخروج! - لم أفهم ماذا كان يقصد شيوران بهجره للفلسفة ودعوته لرفضها وقوله بأن لا فائدة منها أو لا قيمة لها! هل الفلسفة سوى وجهة النظر؟ ألا يعني الكف عن الفلسفة الكف عن الكتابة والكلام؟ الكف عن الفلسفة يعني المعاناة في صمت! فهل توقف شيوران يومًا عن إبداء وجهة نظره في الإنسان والوجود والعالم والحياة؟ - الوظيفة الأساسية للفلسفة هي أن نعرف بواسطتها المحطات الوهمية في طريق الحياة، فلا نتوقف عندها! - ليست الفلسفة عاجزة عن توجيهنا إلى طريق الوجود الخالي من الإشارات الخادعة، بل نحن العاجزون عن سلوكه! كل منا ينأى بنفسه عن أن يكون الأول أو الوحيد السالك لدرب النجاة الصامت .. إننا وبسبب ضعفنا نفضِّل درب الهلاك الصاخب بضجيج الضحايا على درب النجاة الموحش بصمته فقط! ربما لهذا السبب قال شيوران بأنه لا حاجة بنا للفلسفة! - التعليم الموجه هو تحويل للإنسان من انبثاق طبيعي إلى صناعة بشرية - من كيان أساسي إلى كيان فرعي! - التعليم الطبيعي لا يتجاوز تعلم القراءة والكتابة! - لا يقلقني وجود المجرمين في الحياة، فالمجرم حيوان مفترس، مقابلته تكون عادةً مرة واحدة تنتهي بموت أحدنا، ويمكن اجتناب هذه المقابلة دائمًا .. لكن يقلقني وجود الأغبياء، فالغبي لا يقتلك لكنه يجرحك كلما قابلك، وأنت لا تستطيع وخزه لتجعله يشعر بجُرمه فهو لا يشعر، ولا يمكنك إلا مقابلته دائمًا – نظرًا لتوفره في كل مكان باعتباره أليفًا! - من الوهم الاعتقاد بأن البشر عاجزون عن التفاهم، فهو ممكن حتى بتقليد الحيوانات، لكنه مرفوض لأنه يُسفِّه تفاضلهم الزائف الذي يُبرر تنافسهم العبثي! - الحيوانات لا ترتكب فعل القتل إلا من أجل الحياة .. وتلك دلالة على التوافق التلقائي بين الحياة واللا عقل! يتفرد الكائن العاقل بقتل جنسه لأجل الموت .. هذا التفرد يُخبرنا بطبيعة العلاقة الوجودية بين العقل والحياة، بوصفها علاقة رفضٍ متبادلٍ ميدانها الإنسان! - كل ما يُنجزه الإنسان يمكن إدراجه تحت عنوان: محاولات اللحاق بالحيوان .. فالطبيعة زودت الحيوانات بكل ما تحتاجه مباشرة، بينما زودت البشر بإمكانية تقليدها لصنع ما يحتاجونه .. لذلك نجح البشر نسبيًا في صنع ما هيأتهم الطبيعة لصنعه وسبقتهم الحيوانات لفعله، وفشلوا كليًا فيما افترضوه لأنفسهم من خصوصية الكرامة والرسالة! - تقديس الحياة يستوجب تقديس الدعارة عندما تكون سبيلاً وحيدًا للحياة - ولطالما كانت كذلك وهي باقية! - الحياة أشبه بزوج أو زوجة قبيحة الخلقة، تقبيلها يتطلب كف البصر ومباشرتها تستوجب إطفاء النور وإشعال الخيال، بانتظار ظروف مناسبة للطلاق! - تحقيق نجاح في الحياة مثل تصحيح خطأ لغوي في مقالة خاطئة ..، كلما ازداد عدد التصحيحات ازداد الخطأ وضوحًا! - الحياة خطأ وجودي، صححته الطبيعة بالموت! - إذا كان هناك من سيُحاسَبون على حياتهم، فلا شك أن هناك من سيُعتَذَر لهم عنها! - كرامة الإنسان مثل إيمانه، لا يُمثلها في الواقع سوى مكانها الذي يظهر شاغرًا كلما تطلب الموقف وجودها! - لا أحد يكون المتسول وبإمكانه أن يكون المتصدق! - كثرة الكلام عن الأخلاق مجرد نعي لها عند المتكلمين، مثل كثرة كلام الفقراء عن المال، والضعفاء عن القوة! - الزواج نظرية ناجحة لإفشال حياة الرجل، وفاشلة لإنجاح حياة المرأة! - هنالك صنف من النساء نادر الوجود، أولئك اللائي يُدركن كأغلب الرجال أن الزواج مثل الحياة يتطلب جهودًا مضنية وتضحيات مؤلمة فقط للحفاظ عليه! - الزواج خطأ مفتعل، أفرغ حياة البشر من نكهتها الطبيعية، حوَّلها من رحلة ممتعة إلى إقامة مملة! - جُل البشر يفهمون الحياة ويمارسونها على أنها فن تجاوز المِحَن حتى الموت .. ولو سألوا أنفسهم: لماذا؟ لتوقفوا عند أول مِحنة! - البشر تكبروا على الطبيعة، وفشلوا في إيجاد مبرر غيرها لحياتهم، مما اضطرهم لتشريع العبث خلف الكواليس ومنعه أمامها! - دعوة إنسان للإيمان بمعتقد ما، تعني دعوته للشعور بما لا يشعر به ..، وتكفيره يعني تكذيبه – كي لا نقول يعني محاسبته ومعاقبته على شعوره اللا إرادي! - لا يمكن الفصل بين الإسلام والإرهاب، طالما بقي المسلمون يخشون على دينهم حرية العقيدة، ويُخفونه في دهاليز الرِدَّة! - اتفاق فقهاء المسلمين على تشريع حد الرِدَّة، يمنح المتشددين منهم الحق في تمثيل الإسلام دون غيرهم! - الوسطية في الدين وجهة نظر لا واقعية، وحل تلفيقي لمأزق التطرف الحتمي! - الوسطية الطبيعية ممكنة فقط عبر العودة إلى الطبيعة، .. أي .. اعتبار الاعتقاد حقًا – لا واجبًا .. وتقديس حق الاعتقاد – لا تقديس المعتقدات! بسبب لعنة التكفير المنبثقة عن فلسفة حد الرِدَّة، لا غرابة في أن يخسر العرب إسلامهم وعروبتهم معًا، يوجد اليوم ِمن غير العرب مَن بات يُكفِّر العرب، سيعود العرب إلى عروبتهم كُفارًا بعد أن تكون قد ماتت، و لن يذكرهم العالم إلا بكونهم سبب لعنة الإرهاب! - يصبح البشر جنسًا واحدًا، فقط عندما يصبح انتماء كل فرد منهم إلى كوب الأرض لا إلى جزء من الأرض! - عندما تتمكن من كسر حاجز التعصب لديك، سترى أن في قومك ما تبغضه وفي غيرهم ما تحبه، وحينها تعرف سر اللعبة، ولن تكون ضحيتها بعد ذلك! - علاقة الإنسان بالمعتقدات علاقة المسحور بالسحر، والواهم بالوهم! - إذا اعتقدتَ بقدرة صخرةٍ صماء على شفائك، فإنها ستفعل، أو بالأحرى فإن شفاءك سيحصل، أو بالأصح فإن إحساسك سيتجاهل الألم تكيفًا مع حاجتك ورغبتك! - كُتُب التاريخ تختزل قرونًا من الزمان وأجيالاً من البشر في حرف "ثم"، فتبدو أحداث دهر كما لو كانت أجزاءً لقصة واحدة وقصيرة! - كُتُب التاريخ تُقلِّص التفاصيل وتُضخِّم النتائج .. وتُخفي ملايين البشر وتُبرز أفرادًا بلا عيوبهم .. كل ذلك لإيهام الغافلين بحكاية أبطال أسطوريين وأمجاد خرافية صنعها أسلافهم – ليسعوا هم عبثًا لصنعها! - أهم من أن تكون وجهة نظرك صحيحة ومُقنِعة، أن يكون مُجادلك مثلك باحث عن الحقيقة لا مدعي امتلاكها! - المرفوض فطريًا وحده الذي يحتاج إلى قوة تفرضه، ويزول بزوالها! - الالتزام بالدين والقانون لا يعني الوقوف عندهما، بل يعني تخطِّيهما دون لمسهما، حيث إن الوقوف عندهما يعني توقف الحياة - هذا ما يقتضيه الواقع وهذا ما يفعله المتدينون ومحبو الحياة! - البشر ليسوا بحاجة للدين لتنظيم حياتهم، فغرائزهم وحاجاتهم المشتركة كفيلة بذلك، لكنهم بحاجة للدين لافتعال التميز وتبرير استغفالهم واستعبادهم لبعضهم، ولم يُفلح يومًا دين من الأديان في غير ذلك! - ما يحتاجه الناس فعلاً، لا يحتاج إلى دعاية وفرض، يحتاج فقط أن يكون موجودًا، وليكن تحت التراب! - أمام الخطر الداهم، يتساوى الإنسان والحيوان، كلاهما يتخلى عن أقرب الأقارب لينجو بنفسه! - التحضّر الإنساني والإيمان الديني لم يمنعا البشر من الصراع غير الشريف على السلطة والثروة، .. لماذا؟ لأن الظاهر شيء والجوهر شيء آخر .. الظاهر تحضّر وإيمان، بينما الجوهر شعور حقيقي بأنه لا معنى للحياة إلا ما يحققه البشر على حساب بعضهم! لماذا لا يكون الصراع شريفًا؟ لأن الصراع الشريف لا يُفضِّل أحدًا على آخر، بل يمنح ذات الحق لكل الأطراف، حيث لا يوجد طرف يفتقد لكل الشروط ولا يوجد طرف يُلبي كل الشروط! - لم ينجح البشر يومًا في جعل أخلاقهم المفتعلة واقعًا طبيعيًا في حياتهم، كانت دائمًا حدود وهمية لا يتوقفون عندها ولا يتذكرونها إلا بالحراسة المشددة حولها! - عندما تصبح الأخلاق صفة بشرية حقيقية، لن يقبل أحد على نفسه أن يتقدم ليحكم غيره، وستكون كل الصراعات معكوسة - دفاع عن الآخر ضد الذات! - رجم امرأة واحدة حتى الموت، يُثبت أن شيوع النساء أكثر أخلاقيةً وتكريمًا للإنسان من منظومة الزواج! - عندما يكون للمرأة حسابها الخاص بها في الحياة، لتكتب سيرة حياتها بنفسها وتضع صورتها كما تحب أن يراها الآخرون، تصبح أقدر وأحرص من الرجل على فهم وحماية الشرف – باعتباره هو منتهك الشرف! - لا شيء يمكن أن ينجزه عبدٌ لنفسه سوى النيل من سيده - حتى ولو على حساب العبد، فالهدف إذلال السيد لا تكريم العبد، ولعل هذا ما تفعله النساء المستعبدات! - التعاطف والترابط الاجتماعي غريزة عند كل الأحياء، تكاد تموت عند البشر وحدهم، لأنهم أرادوا فصلها عن الطبيعة وتحويلها إلى إنجاز ديني أو واجب أخلاقي! - الحياة الطبيعية هي حياة اللحظة التي تمارسها الحيوانات والنباتات بالفطرة، وليست حياة الزمن التي يتوهمها البشر بسبب خدعة الذاكرة .. حياة الزمن هي حياة المبادئ، والمبادئ هي تلك الأوهام التي تتلاشى عند المآزق والمغانم الكبيرة والمؤكدة! - عدم مرور الإنسان باختبار حقيقي، يجعله يتوهم بأن مبدئيته حقيقة! - إنسان مزاجي يعني إنسان طبيعي بلا قناع – تغيراته الطبيعية يمكن ملاحظتها بسهولة ولحظة حدوثها! - غير المزاجيين هم أناس مزاجيون، يرتدون أقنعة سميكة، تعيق غيرهم عن ملاحظة مزاجيتهم! - حياة جل البشر مجرد قرابين لمعتقداتهم، الكل يبحث عن هدف يُقنعه بتفجير نفسه - جسديًا أو أخلاقيًا! - بسبب قيمة وهمية ضاعت على البشر فرصة حياة طبيعية ذات قيمة حقيقية واقعية! - واضعو معايير الأخلاق مثل واضعي القوانين، لا بد أن يكونوا خارج دائرة تطبيقها! - بعد أن ينتهي كل شيء، ستتوقف كل المآسي والآلام، وتختفي منظمات حقوق الإنسان، لكن ليس قبل ذلك! - الشكل الموحد للبشر خدع الفلاسفة فافترضوا أن كل البشر يفكرون مثلهم، وأفكار الفلاسفة الجميلة عن البشرية أوهمت البشر بأن الفلاسفة مثلهم! - لا يزال جل البشر يجهلون أو يرفضون الإقرار بحقيقة أن الفلاسفة مجرد شواذ للقاعدة البشرية! - عموم البشر يفتقدون للذات الفلسفية الحاملة للشك، ولذلك هم مستوردون جيدون للقناعات المعلبة الجاهزة! - الإنسانية ليست صفة بشرية مثل الحياة على الأرض ؛ الإنسانية شيء أنجزه بعض البشر مثلما أنجز غيرهم الوصول إلى القمر – إن كان أيٌّ منهما قد حدث! - الزواج مسرحية هزلية ممنوع فيها الضحك، تؤدي فيها المرأة دور العبد المُكرَّم، والرجل دور السيد الذليل! - خطؤنا غير مقصود، لكننا مدينون لأبنائنا باعتذار! - من أدخل غيره سجن الحياة، فإن أقل ما يتوجب عليه فعله تكفيرًا عن خطيئته، أن يفتح لهم باب الخروج، ويتحمل وزر انتحارهم كما اقترف إثم إنجابهم! - من أصبح أبًا لم يعد صالحًا لأكثر من ذلك – مجرد مُربي ضحايا أو جلادين، حري به أن يخجل ويندم ويرحل حالما أَدرك جُرمه وأصلح منه ما استطاع، قبل أن يرى من خطيئته ما لا يمكنه تحمله ولا إصلاحه! - أن تنصح أحدهم بعدم الانتحار، يعني أن تعطيه طرقًا متعددة لإضاعة الوقت وتجرع الآلام، بانتظار الموت بطريقة أخرى، هي أشد إيلامًا عادةً! - شروط الموت أصعب من شروط الحياة، إذا تحققت فليس من الحكمة تفويتها، فالحياة بعدها مجازفة! - موت اختياري أمرٌ يمكن تحمله، لكن حياة إجبارية أمرٌ أكبر من طاقة الإنسان! - لو أن أول عاقل تزوج، تكلم وقال الحقيقة وأجاد الوصف، لما تزوج بعده عاقل، .. وكذلك أول أب! - إذا أبدى أحدهم إعجابه بنا أو حبه لنا، فإنه يجدر بنا التريث وكتمان الشعور وعدم الاستعجال بالسرور، فغالبًا ما يكون السبب هو غباءه أو حاجته، وليس فهمه لنا وجدارتنا بإعجابه أو حبه كما نتوهم عادةً! - لا تنفك الحياة تهمس بأذن محاميها: سأفضحك يومًا! - تقبيح البشر للممارسات الجنسية هو تقبيح للحياة، فالمتعة الجنسية وحدها القادرة على تبرير الحياة حتى في الجنة! - الفرق بين قوانين البشر الأخلاقية وقانون الغاب، هو أن قانون الغاب لا يتجاهل ضعف الحيوانات الضعيفة، ولا يُحمِّلها مسئولية ضعفها، فلا يفرض عليها الحياة وفق معايير الحيوانات القوية - لا يُجبرها على الرياء! - فلسفة الحياة هي الحقيقة اللا منطقية – اللعبة الجادة، لهذا السبب يرفضها المبدعون وينتحرون عادةً، لأنهم محكومون فطريًا لا اختياريًا بالحقيقة المنطقية! - الحياة أشبه بمونديال رياضي، مجرد ألعاب ولاعبين، لكن لا بد من وجود حُكام حقيقيين، وبطاقات صفراء وحمراء حقيقية، وتخطيط دقيق للملاعب، ومُدد زمنية محددة للمباريات، .. الخ، .. كل هذا الجِد والتعب من أجل أن تكون الألعاب ألعابًا حقيقية ..، الفائز لا يكسب سوى لعبة، والخاسر لا يخسر سوى لعبة، لكن الفوز والخسارة يبدوان حقيقيين ..، هذا هو السهل الممتنع عند المبدعين في علاقتهم بلعبة الحياة الحقيقية! - كأنما الحياة مؤسسة، عموم البشر مجرد عمال فيها، تهمهم فقط رواتبهم، لا تهمهم قانونية المؤسسة من عدمها، بينما يؤدي المبدعون دور محاميي المؤسسة! - تبدو مفارقة الحياة قد كُتِبت بلغة لا يُجيد قراءتها غير المبدعين، ولا يمكنهم إلا قراءتها، فكان إبداعهم أشبه باللعنة عليهم! ليس فهم فلسفة الحياة ومفارقاتها معضلة، المعضلة في ضرورة مع استحالة التوفيق بين رفضها وممارستها! كل البشر – تقريبًا – يُمارسون الكذب وكل يوم ..، لكن كلهم – بدون تقريبًا – يرفضون وصفهم بالكاذبين! يمكن اعتبار عموم البشر محظوظين بعدم توقفهم عند هذه المفارقات السافرة التي تُمثِّل مذاق الحياة، لكن لا يمكن وصف سلوكهم هذا بالصواب العقلاني! جُل ما يكتبه وما يفعله المبدعون طوال حياتهم، هي صور مختلفة تُعبِّر عن محاولاتهم لتبرير وعقلنة فكرة الحياة أو فكرة اللعبة الجادة هذه، بقصد استساغتها من أجل قبولها منطقيًا .. وهو ما لا يتحقق لهم أبدًا! - يمكننا معرفة قيمة الزواج من خلال كونه متاحًا للكل، وقيمة التكاثر من خلال كونه رمزًا لتفاخر الفقراء ومجال نجاحهم الوحيد ..، وكذلك نعرف قيمة الحياة! - نحن في الأصل نُحب كل البشر، لكن بعضهم يمنحنا الفرصة للتعبير عن حبنا له وبعضهم لا يمنحنا فرصة، وبعضهم يُجبرنا على البوح بحبنا له وبعضهم يُجبرنا على كتمان الحب! - نحن ضحايا لقوة الذاكرة وضعف الإحساس لدينا .. ولادة إنسان وموت إنسان هي مجرد حالة مُكبَّرة لولادة خلية وموت خلية داخل أجسامنا .. عدم إحساسنا بموت الخلايا داخلنا يحرمنا الكثير .. انعدام هذا الإحساس يحرمنا خوض تجربة الموت أثناء الحياة والوعي .. عندما نتمكن من الإحساس بموت الخلايا داخلنا، نصبح في حالة خوض مستمر لتجربة الموت والحياة، ويصبح موتنا التقليدي مجرد موت جماعي للخلايا، فلا يعود الموت معضلة أو لغزًا كما يبدو الآن لجُل البشر! إحساسنا المتواصل بالحياة هو إحساس بوجود أحدث أو آخر خلايا استجدت فينا دائمًا ..، أي هو إحساس بحياة الخلايا المتجددة في كل لحظة .. الحياة لحظية وليست خطية كما نتصور .. الشيء الوحيد الخطي أو المتصل فينا هي الذاكرة .. عندما نفقد الذاكرة لا يعود الموت يشغلنا أو يخيفنا، ذلك لأنه لا يعود للماضي والمستقبل حضور في وعينا ولا تأثير علينا، فتصبح مخاوفنا وقناعاتنا لحظية فقط ، وهذا في الحقيقة هو ما ينبغي أن يكون عليه الحال دائمًا، فالحياة حالة من حالات الوجود، والوجود يعني تغير لحظي مستمر لا مكان فيه لماضٍ ولا لمستقبل - مجرد حاضر متجدد باستمرار! نحن البشر وحدنا دون غيرنا من الكائنات، صرنا نتاج ثقافات وضحايا معتقدات ولم نعد أبناء طبيعة .. نحن إذن ضحايا لقوة الذاكرة وضعف الإحساس لدينا، فهل نتمكن يومًا من الإحساس بموت الخلايا فينا، ونخوض بذلك تجربة الموت، ويموت بذلك اللغز؟ أو نتحكم بذاكرتنا فلا نتذكر إلا ما نريد، أو نجعل ذاكرتنا لحظية فقط، فلا يُحزننا خيال ماضٍ لا وجود له في الكون، ولا يخيفنا وهم مستقبل لا يمكنه أن يتجاوز في الحقيقة هذه اللحظة التي نحن فيها دائمًا؟ - مأساة الإرهابيين أو المتطرفين دينيًا، تكمن في أنهم مرفوضون بسبب صِدقهم مع غيرهم ومع دِينهم! - إذا امتدحت معتقدك بما يخالف حاضره وماضيه، فأنت تجهله أو أنك تتحدث عن حُلمك لا عن معتقدك! - الوسطية في الدِين تعني استعمال الدين لا تطبيقه، ولذلك هي فاشلة دائمًا! - الدِين يأمر الأقوياء من أتباعه صراحةً، باستعباد أو قتل الضعفاء الأبرياء من أتباعه ومن غيرهم، فهو قائم على الإكراه أساسًا وما كان ليستمر لولا ذلك، إذن فالصواب هو أن يُستعبد أو يُقتل الضعفاء الأبرياء، أو أن يُعاد النظر في الدِين، أما الحديث عن الوسطية فليس صوابًا، بل هو مجرد تحايل على البشر والدين! - لا تكون الحياة إلا ناقصة، ولا يكون الموت إلا كاملاً، لذلك ينتحر كل من يعشق الكمال، ويموت كل من تقترب خبرته في الحياة من الاكتمال! - نحن نفتعل أسبابًا للحياة ونصنع لها دعائم اجتماعية، لأننا نعرف ونشعر في قرارة أنفسنا بأنها تفتقد للمبرر! - إذا عاش الحذر بين الأصدقاء، ماتت الصداقة! - إذا دخل الكذب بين الأزواج، أصبح زواجهم مجرد كذبة تنتظر مناسبة تفضحها! - إذا فقدت قدرتك على الصمت والوحدة، فهذا يعني أنك قد قلت سابقًا ما لا ينبغي قوله وفعلت ما لا ينبغي فعله، وما هوسك بالكلام والاختلاط الآن سوى محاولات لمحو ما قد كان، وهو ما لن يحصل أبدًا، لكن جهودك لن تذهب سُدًى، فهي حتمًا ستفاقم الأمور يومًا بعد يوم، وسيعلم بأمرك من لم يكن يعلم! - لا تدَّعِ السعادة وأنت التعيس ولا الحزن وأنت السعيد، فإنك إن كنت ستحاسب فعلى الكذب وحده ولا شيء غيره، فكل ما عدا الكذب تحصيل حاصل! - شعورك بالألم مع كل خطأ عابر تفعله، هو دليل توهم لديك بأن مجاملات الناس لك تعكس حقيقة مشاعرهم تجاهك، فتحرص أنت عليها بإيذاء نفسك دون مبرر! - كل هدف تنجزه لتوهم نفسك بأنه مبرر لحياتك، تفعل ذلك وأنت تعلم بأن هناك الآلاف غيرك متأهبين لإنجازه، ينتظرون غيابك لتبرير حياتهم بهدفك، وكلكم تعلمون أن إنجازه وعدم إنجازه سيان، فلا يوجد هدف عام للوجود البشري، ولا مغزى ولا قيمة لحياة الأفراد! - السؤال المنطقي والطبيعي هو لماذا وُلِدت وليس لماذا أموت، فالاستثناء هي الحياة وليس الموت! - ليس دقيقًا القول بأننا لا نعرف شيئًا عن الموت، فالموت ببساطة هو ما كنا عليه قبل الحياة ..، نحن تمامًا كالمعادن، بل نحن ضربٌ من المعادن، نتواجد في الطبيعة على شكل جزيئات منفصلة في مناجمنا، يتم استخراجنا وتصنيعنا واستعمالنا بحسب خبرة وحاجة من يستخرجنا ومن يستعملنا، ثم تنتهي صلاحيتنا، فمنا ما يتم تحنيطه للاحتفاظ به مُصنَّعًا .. أي منعه من العودة سريعًا إلى حالته الأولى، ومنا ما يُرمى ليعود بشكل أسرع إلى حالة سكونه الأولى، ومنا ما يُعاد تدويره وتصنيعه؛ فلاشيء ولا أحد يتشكل ويخرج إلى الوجود بهيئته النهائية من تلقاء نفسه ليكون مسئولاً عن وجوده، أو ليُبرر اعتداده بنفسه وتمسكه بوجوده وحياته! - الجزع من الموت لصالح الحياة سببه اختيارية الحياة وجبرية الموت، لا أفضلية الحياة على الموت! - نتساءل، أيهما أنسب أن يوصف بالمرض: كآبة العارف أم سعادة السطحي؟ أيهما أنسب أن يوصف بالهروب: انتحار الرافض للعبث أم حياة الخائف من الموت؟ - انتحار الرجل المتزوج، عادة يعني فقط تحديد تاريخ الدفن، أما قرار الموت فيكون قد اتخذه يوم أن أصبح زوجًا، ونفَّذه يوم أن أصبح أبًا! - الأبناء هم جهل الآباء مُجسَّمًا! - إذا انتحر إنسان عربي مسلم على الطريقة البشرية التقليدية، فهذا ينبغي أن يُحسب له ويشاد به باعتباره سلوكًا بشريًا – على الأقل .. - العروبة حالة مَرَضية عِرقية، لعلها تَشوُّه جيني، المصابون بها يعتقدون أن المنطق مجرد كلمة تقال لا صدى لها في الواقع ولا ينبغي أن يكون لها، وأن الحق هو ما يُحقق مصالحهم هم دون غيرهم، وأن كل العالم يعرف ذلك ومقتنع به .. تكمن خطورة هذه الحالة في قدرتها على الانتقال لغير العرب عبر المعتقدات الدينية .. عند تحليل سلوك البشر في علاقتهم بالحياة والموت وبالعالم والوجود وبالمنطق والواقع، ينبغي استثناء الإنسان المسلم عامة والعربي خاصة، لأنه ببساطة يحمل مبررات كل سلوك ممكن، فلتفسير وتبرير أي سلوك، يكفي إثبات أن فاعله إنسان وعربي ومسلم في الوقت ذاته .. في الحقيقة، الإنسان العربي المسلم مجرد سلوك في صورة إنسان، ولا معنى لسؤال السلوك عن ذاته، ولا قيمة لتحليله دون معرفة فاعله، والفاعل مجهول دائمًا، فليس الفاعل هو الدين ولا العِرق ولا الثقافة ولا التربية والتعليم ولا العادات، ولا يوجد فاعل آخر! المسلمون ينتحرون بتفجير أنفسهم في بعضهم، ويَقتلون بعضهم ذبحًا لمجرد اختلافات مذهبية فقهية اجتهادية ..؛ وهذا سلوك لا يمكن تفسيره إلا بُغضًا للإنسانية وتسفيهًا للحياة ونزوعًا لقتلها ؛ بينما باقي العالم يهدد المسلمين بمحاكمات إنسانية عادلة لا تتجاوز عقوبتها السجن المؤبد لمن تثبت عليه جريمة قتل عمد ودون سبب! عدم توقف العالم عند هذه المفارقة الإنسانية - هذا الاختلاف العربي الإسلامي عن بقية البشر- في النظرة إلى الموت والحياة والإنسانية، هو أهم أسباب تفشي ظاهرة الإرهاب وسهولة تجنيد الإرهابيين، وهو ما يؤخر يقظة العرب والمسلمين! الموضوع ليس سلوك قلة من المتطرفين، بل هو سلوك عربي إسلامي عام، بدليل عدم وجود مظاهر رفض لهذا السلوك في الشارع العربي المسلم، هذا الشارع الذي خرق الأعراف والمواثيق والقوانين وحطَّم السفارات وأحرق الممتلكات رفضًا لصور مسيئة لرسول الإسلام نُشِرت في صحيفة أجنبية ..؛ هذا يعني أن الشعور العربي والإسلامي لا يرى في ذبح البشر وتفجيرهم أمرًا غريبًا، أي أنهم يتقبلون هذا السلوك ويباركونه، أو أنهم أجهل وأبعد عن البشرية من أن يشعروا ببشاعة هذا السلوك .. وهذا يعني أن العرب والمسلمين يحملون جينًا خاصًا يؤدي إلى فقدان الحس الإنساني وإلى رفض المنطق البشري!

 أن تكون كاتبًا يعني أن تعيش الموت وتموت الحياة! الكتابة شكل من أشكال الحياة، يتطلب استمرارها عدم الغفلة لحظة واحدة عن التوهم بأن وهمًا ما قد يتحقق! - لعل الصيغة الدقيقة والتامة لسؤال العنوان، وهو سؤال مطروح بالفعل، هي: نحن الذين نزعم بأن الحياة لا تُمثِّل لنا سوى لحظة ضجر طويلة .. لماذا لا نغادرها بصمت؟ .. لماذا نخاطب عالمًا نرفضه؟ لماذا نبذل جهدًا لنترك أثرًا في وجودٍ فضَّلنا عليه العدم؟ في الحقيقة الصورة الكاملة للمسألة أكبر من أن تُختزل في سؤال بهذه البساطة ..، لكن لا غرابة، فوضوح النتائج عادةً ما يُخفي صعوبة بلوغها وطول الطريق! لسنا مغرمين بترك أثر من بَعدنا، لكننا في الواقع لسنا سوى أثر لغيرنا، ولا مناص للأثر من أن يترك أثرًا! كان وجودنا مجرد خطأ ارتكبه غيرنا، وليست بعض آثارنا التي نتركها سوى تكرار لذات الخطأ .. خطابنا موجه لأنفسنا ولبعضنا وللقادمين منا – لا لعالمٍ نعرفه ويجهلنا، ونجد لجهله بنا بدل العذر ألفًا! ليس الكلام والكتابة والأفكار سوى إفرازات حتمية للحياة، ولسنا سوى أقلام الحياة وألسنتها وتجلياتها، فما نحن إلا الحياة تفعل بذاتها ما تشاء! يمضي الإنسان عادةً مرحلة من حياته تحت قيادة غيره خاضعًا لتوجيههم، بحكم عامل السن والعادات الاجتماعية والظروف الاقتصادية وغيرها .. هذه المرحلة من الحياة ليست كبيرة لكنها الأهم، حيث فيها توضع الأسس، وتُتخذ قرارات مصيرية عن غير خبرة، وعليها يعتمد ما بعدها ..، أهمها المعتقد الديني والتخصص العلمي والزواج وإنجاب الأبناء .. جُل من استيقظوا وجدوا حياتهم قد أُفرِغت من مغزاها سلفًا .. كثير من الفلاسفة والمفكرين ساعدتهم البيئة والثقافة على النجاة من محاذير هذه المرحلة، فأمضوا حياتهم أحرارًا غير مكبلين، وكفى بذلك مبررًا ومساعدًا على الاستمرار في الحياة برغبة وبدونها بمغزى وبدونه .. في الحقيقة نحن الواقعيين لا نزعم، لا ندَّعي، لا نكابر، لا نخادع أنفسنا ولا ننافق غيرنا، بل نحن نعي ونعني تمامًا ما نقول حين نقول بأننا لا نرى في الحياة سوى صرخة سأم! ما نقوله وما نفعله في كل يوم، لا نعتبره أكثر من ندم وعقاب لأنفسنا على ما كان منا قبله! لكن .. كان لا بد لنا من أن نمارس الحياة كي نرفضها! تبدأ الحياة لا إرادية ثم تتحول إلى مسئولية ثم اختيارية! مجازًا نفصل ذواتنا عن الحياة، لنقول إن الحياة قد عجزت عن إغرائنا .. الحقيقة هي أن الحياة قد عجزت عن تبرير ذاتها فينا، فما نحن سوى الحياة! 

 المشوار الفكري لا ينطلق إلا بسبب خطأ ، ولا يبدأ إلا بخطأ، وليس الصواب سوى توقفه في النهاية! لولا وجود المآسي والآلام في الحياة، وشكاوى البشر وتذمرهم من غياب الحقيقة، .. أي لولا وجود خطأ ، ما كان وجود المفكرين والفلاسفة! لكن ثمة خطأ لا مناص لأي مفكر من الوقوع فيه أو بالأحرى الانطلاق منه، وهو الاعتقاد بأن كل البشر يبحثون عن ذات الحقيقة، ويطلبون ذات الصواب، وأن مقياسهم للحقيقة والصواب مشترك، وهو المنطق والواقع .. البشر لا يبحثون عن حقيقة يجهلونها، هذه هي الحقيقة التي يجهلها كل مفكر بدايةً وبالضرورة، ولا يُدركها عادةً إلا متأخرًا .. في الواقع البشر يبحثون عن حقائق وليس عن حقيقة واحدة، فكل فرد وكل جماعة بشرية، عادةً يبحثون عن الحقيقة التي تعني أو تساوي برهانًا يؤكد صحة تصوراتهم وتخيلاتهم، وليس حقيقة قد تُحطم أحلامهم، وتساويهم بباقي البشر! 
 تتعدد مبررات التمسك بالحياة وطلب الموت، وتختلف من إنسان لآخر – مؤمن وغير مؤمن، غني مستمتع وفقير يحيا على أمل الغِنى، عالم وجاهل، .. الخ، لكن بالنتيجة لا يمكن لأي من هؤلاء المختلفين نزع صفة العبث عن هذه الحياة! هناك من يرى بأن حب الحياة هو شعور تلقائي لا إرادي يمكن تسميته بالمرض الحياتي - مرتبط بكنه الحياة، وتحمله كل الكائنات الحية أساسًا، وهو يحمل في باطنه رغبة في الموت لا في الحياة، حيث إنه يدفع الأحياء إلى التلذذ بالألم والشقاء والإرهاق، وهو ما يمكن رصده عند الإنسان من خلال رفضه للراحة - متمثلاً في كرهه للفراغ وقلقه السريع منه، ما يدفعه دائمًا للبحث عن أي شيء يبذل به جهدًا حتى لو كان ما سيفعله خالٍ سلفًا من المغزى والغاية والمبرر كخلو الحياة ذاتها! منا من يرى في الحياة مجرد خطأ وقعنا به عن غير إرادة منا، لجهالةٍ وربما سوء نية لدى من أوقعنا فيه؛ خطأ كان يمكن ألا يحدث، لكن حدث ما هو أسوأ، حيث كرر أغلبنا ذات الخطأ وأوقع غيره فيما وقع فيه هو .. الخطأ يُصبح مُركبًا ومضاعفًا إذا أورث المخطئ ثقافته لضحاياه، فعلى الأقل ينبغي ترك الأبناء يعبثون مبكرًا لعلهم لا يُكررون الخطأ .. إن مجرد إطالة مدة بقاء الجاني رفقة المجني عليهم يورثهم ثقافته، بينما انتحار الجاني قد يورث المجني عليهم ثقافة إصلاح الخطأ! بعضنا يرى في الحياة صوابًا ونعمة لا ينغصها سوى الموت .. ومنا من لا يقوى على مجرد الحديث عن الحياة لولا اطمئنانه بوجود الموت في نهايتها وفي يده .. لسنا متفقين على تمييز ما يُعرف اصطلاحًا بالصواب والخطأ – في أمور كثيرة، فالكل يرى نفسه مظلومًا، والكل يرى الصواب فيما يفعله هو، ودائمًا يرى أخطاءً غير مبررة فيما يفعله غيره، وليست رؤيتنا للحياة والموت بمنأى عن هذا الاختلاف الطبيعي اللا إرادي العبثي! 
- لو كان لمفهوم الزمن وجود، لكان: ما حدث في الأزل لم يحدث بعد، وما سيحدث في الأبد لن يحدث أبدًا! الوجود يقبع بين بداية لم تبدأ ونهاية لن تنتهي! لمعرفة مغزى الحياة نحتاج أن نتذكر أمرًا لم يحدث!
 - بتدخلنا أو بدونه، كل مشكلة مآلها إلى حل .. كل ما نقوم به هي مفاضلات بين نتائج متساوية، كالمفاضلة بين حياة زائلة وموت حتمي!
 - صراعات البشر هي صراعات وهمية حول حلول لا صراعات حقيقية بسبب مشاكل كما يتوهمون! - كل لعبة ستنتهي كما انتهت من قبل، وسيصل الجميع إلى ذات النقطة ويجنون ذات المجد الذي هو اللاشيء! - شعارات الدين والوطنية هي مجرد وسائل لبلوغ السلطة للخروج من مرتبة مواطن – سواء عَلِم رافعو هذه الشعارات بهذه الحقيقة أو أنها تقودهم من وراء الوعي! - حياة المواطن المحكوم بالقانون هي درجة على سُلَّم الوجود البشري، كل من يتجاوزها يرفض العودة لها، لأنها كعودة الحر عبدًا بعد تحرره! - لا يوجد مواطن إلا ولديه نظرية لحل مشاكل وطنه .. ومصلحة الوطن في نظر كل مواطن هي مصلحته الشخصية مُكبَّرة .. - ما يريده منك الآخرون دائمًا هو ما تريده أنت منهم دائمًا، لذلك لن يُرضيك أحد ولن يرضى عنك أحد بالصورة التي تنتظرها! - لا يزال جل البشر يرددون ذات الأقوال ويكررون ذات الأفعال عبر كل الأجيال، لأن شيئًا لم يتحقق بعد، ولأن البديل هي الحقيقة والحقيقة هي الواقع دائمًا! - تتودد الحياة لمن يسخرون منها وتسخر ممن يتوددون لها! - أصدقاء الحزن لا يُخشى عليهم من شيء غير السعادة! - لا فرق بين أن يتزوج المرء وبين أن يُجن، سوى أن الأول جنون بشهادة العقل! - أن تبغض الموت يعني أنك تعرفه – عشته يومًا أو أنك تعيشه الآن، لكن لا معنى لبغضك شيئًا تجهله! - أن ترفض الحياة يعني أنك قد مللتها! - أن تحب الحياة يعني أنك لم تحصل عليها بعد! - أحلام ما بعد الموت امتداد لأحلام ما قبله .. كلها أوهام ممكنة! - عند درجة الإدراك – أي ما بعد المعرفة – تصبح الأشياء شفافة، .. لا تعود قابلة للرصد! - تجريد الأشياء من قيمتها يعني تجريد أنفسنا من دورها الوجودي! - لماذا لا ندرك الحقيقة النهائية لأي شيء؟ لأن الحقيقة طاقة، والإدراك طاقة مثلها، فإذا التقتا اندمجتا أو سحقت إحداهما الأخرى، فلا يحصل الإدراك أو لا يلتقي الإدراك بالحقيقة أبدًا! - بحثنا لا ينبغي أن يكون عن الحقيقة ذاتها، بل عن المسافة الحرجة التي تفصلنا عنها بما يجعل شعورنا بها موجودًا – لا يقيننا بوجودها متحققًا

الاثنين، 9 يناير 2023

الوجود .. بُعد مزاجي وبُعد منطقي!

0 تعليق


ما نعرفه عن قوانين الطبيعة، أو ما اعتدنا أن ندعوها
 بقوانين الطبيعة، هي في الحقيقة نتائج قوانين الطبيعة وليست هي قوانين الطبيعة ذاتها! قوانين الطبيعة تتواجد وتعمل في البُعد المزاجي، وليس في البُعد المنطقي الذي نتواجد فيه نحن! قوانين الطبيعة هي التي أنتجت المنطق الذي نعرفه، لذلك لا يحكمها المنطق المحدود الذي أنتجته! قوانين الطبيعة ليست عشوائية، لكنها تعمل ببدائل لا محدودة من المنطق، لذلك تبدو لنا عشوائية، أو قياسًا لمحدودية خيالنا وذاكرتنا تعتبر قوانين الطبيعة مزاجية وليست منطقية! ما اتفق العلماء على تسميته بالكوارك مثلاً، هو أحد قوانين الطبيعة، وهو يتواجد ويعمل في البُعد المزاجي، ولديه من البدائل – الفعل و ردَّات الفعل – كل ما هو ممكن حيال كل موقف وتحت كل الظروف التي يمكن أن يتواجد ويعمل فيها في كل لحظة! قوانين الطبيعة بأنواعها وكمياتها وخصائصها هي أزلية أبدية ..، هذا ما يبدو لنا، وهذا ما يمكننا تصوره، ولا يوجد مانع منطقي يعارض ذلك .. القول باحتمال وجود مصنع أو مصدر واحد، هو الذي أنتج قوانين الطبيعة، هو احتمال منطقي، لكن لا حاجة بنا لافتراضه، ولا قدرة لنا على إثبات وجوده، ووجوده كعدم وجوده بالنسبة لنا، لأنه لا يمكننا التواصل معه، ولأننا مضطرون للتواصل مع نتائج قوانين الطبيعة مباشرة، ولا نعرف وسيطًا أو وصيًا عليها، وقوانين لم تخبرنا بمصدرها، وسواء كانت القوانين ذاتها أزلية أو كان لها مصدر أزلي، فالأمر سيان بالنسبة لنا، خاصة وأن فرضية المصدر الواحد لن تخرجنا من مأزق أو حتمية الأزلية والأبدية! كل ما نراه ونعرفه وكل ما يمكننا رصده وقياسه والتعاطي معه منطقيًا، فهو واقع في البُعد المنطقي لا في البُعد المزاجي! البُعد المزاجي هو البُعد الذي تتواجد فيه الوحدات الكونية البنائية الأولية، التي باتحادها تتكون الذرات، فيتشكل الوجود، ويظهر المنطق كنتيجة لاتحادها، وكسلوك حتمي للتوازن بين مكوناتها - التوازن الذي أدى إلى وجودها .. وهذا هو البُعد المنطقي! بصرف النظر عن التسميات وعن طبيعة المُسمَّى، فإنه يمكننا وضع تصور منطقي مفهوم، للآلية التي تعمل بها قوانين الطبيعة في بُعدها المزاجي، والتي أنتجت بُعدنا المنطقي المادي .. مثلاً، تحدث العلماء عن شيء أسموه بوزون هيقز، واعتبروه مسئولاً عن تشكل المادة – تماسك الذرات وإنتاج كتلة! بصرف النظر عن التسمية كما أسلفنا، وبصرف النظر عن إدراكنا لطبيعة بوزون هيقز من عدمها، إلا أنه منطقيًا يمكننا القول بأن وجود كمية محدودة من بوزون هيقز في الكون هي فرضية منطقية وممكنة .. ومحدودية بوزون هيقز، تجعل كمية المادة في الكون محدودة ..، رغم توفر المكونات الأخرى .. وهذا يجعل من وجود الكواركات وغيرها من الوحدات الكونية أو الأمزجة الفاعلة أو قوانين الطبيعة، غير مرصودة لدينا أو أنها خارج منطقنا المحدود المحكوم ببوزون هيقز، لأنها تتواجد في بُعدها المزاجي، وتحتاج إلى بوزون هيقز لكي تتحد، وتأخذ شكلاً منطقيًا محدودًا، لكي تدخل البُعد المنطقي، ليكون بمقدورنا رصدها أو الإحاطة بمعادلات سلوكها! إذن تكوُّن المادة يتطلب قوانين طبيعة، وهي متوفرة بكثرة، لكنه كذلك يتطلب بوزون هيقز (مادة لاصقة) وهو متوفر بكمية محدودة ..، لكنه متوفر، ولذلك تكونت المادة ..، ومن المادة نشأت الحياة، ومن الحياة ظهر الإنسان .. الإنسان كغيره من الموجودات، ما هو إلا مادة قوامها ذرات، وكل ذرات الوجود مشحونة بالطاقة، وكلها نتاج لقوانين الطبيعة، وبالتالي فإن سلوكها منطقي حتمًا! سلوك منطقي، يعني أن لكل فعل ردة فعل محددة وثابتة، في الظروف المتطابقة! وحيث إن الإنسان كائن حي، فإن ذراته متجمعة في خلايا حية، وبذلك فهو معمل كيميائي متنقل تجري داخله تفاعلات كيميائية طوال حياته، نتائجها تتأثر حُكمًا بظروف التفاعل – ظروف تواجد الإنسان! قوانين الطبيعة تعمل داخل الذرات والخلايا، وهي التي تحكم وتحدد سلوك الأشياء في هذا الوجود، وليس الإنسان سوى شيء من جملة الأشياء! نتائج قوانين الطبيعة هي هذه التوازنات الطبيعية المنطقية الحتمية، التي يفرضها التقاء واتحاد عناصر مختلفة الخصائص، بحسب ظروف ومعطيات كل لحظة! عناصر مختلفة الخصائص، يعني ذراتها مختلفة! هل الإنسان هو الكائن الوحيد الواعي على الأرض؟ الإنسان ليس هو الكائن الوحيد الواعي على الأرض، بل إن كل شيء له نصيب ودرجة من الوعي، لكن الإنسان له النصيب الأوفر من الوعي قياسًا لغيره من الموجودات في البُعد المنطقي! البُعد المنطقي هو البُعد الوجودي، أي البُعد الذي تشغله الأشياء المُركَّبة، وليس الأشياء البسيطة! الأشياء المركبة هي الأشياء المتكونة من اتحاد عناصر مختلفة، أي أنها حادثة وآيلة للتفكك والزوال! الذرة، الإنسان، الجبل .. الخ = أشياء مركبة! الأشياء المركبة محكومة بالمنطق وجوبًا، لأن اتحاد مكوناتها لا يكون إلا بحدوث توازن بينها، وهذا التوازن هو الذي ينعكس على شكل معادلة منطقية تحكم سلوك هذه الأشياء في شكلها النهائي المرصود .. البُعد المزاجي هو البُعد الكوني، أي البُعد الذي تشغله الأشياء البسيطة! الأشياء البسيطة هي الأشياء الأولية التي لا تتكون من عناصر مختلفة ..، أي أنها كائنة أزلاً وأبدًا .. إلكترون، فوتون، كوارك، .. الخ = أشياء بسيطة! الأشياء البسيطة لا تحتكم للمنطق، بل هي مزاجية وجوبًا، لأنه لا يوجد توازن بين مكوناتها، لأنها لا تتكون من مكونات مختلفة أصلاً .. لماذا كان فارق الوعي لصالح الإنسان في البُعد المنطقي؟ لأن الوعي نتيجة طبيعية للتنقل والمشاهدة، والإنسان هو أكثر الموجودات تنقلاً ومشاهدة في البُعد المنطقي! الوعي باختصار، هو مجموع التجارب أو حصيلة الخبرة .. الوعي عبارة عن مجموع الصور المخزنة في الذاكرة، والتي تشكل مرجعية للقياس عند اتخاذ القرارات .. الوعي يتحول إلى إدراك بعد حد معين .. الوعي والإدراك مقرهما الذاكرة .. الوعي والإدراك قابلان للانتقال بالوراثة – جزيئًا – إلى الأجيال اللاحقة، أشبه بتوارث الغرائز .. لكن الغرائز تنتقل كاملة وليس جزئيًا، لأنها سابقة للوعي والإدراك، والأهم أن مقر الغرائز ليس الذاكرة القابلة للإصابة بالخلل، إنما مقرات الغرائز هي الذرات والخلايا التي لا بد أن تظل كلها أو بعضها صحيحًا سليمًا حتى آخر يوم من حياة الكائن الحي ..، وهذا ما يجعل الغرائز تنتقل كاملة بين الأجيال .. الإنسان أكثر وعيًا من الحيوان، بسبب فارق عدد المشاهدات ونوعيتها! الحيوان أكثر وعيًا من النبات، لذات السبب! النبات أكثر وعيًا من الجماد، لذات السبب! الإنسان والحيوان أكثر وعيًا من غيرهما، بفضل قدرتهما على التنقل، ومشاهدة الكثير من الأشياء والأحداث .. مجيء الإنسان أو الحيوان في المرة الثانية يختلف عن مجيئه في المرة الأولى لذات المكان .. في المرة الثانية يستعمل الحيوان خبرته التي اكتسبها في المرة الأولى، فيدخل مباشرة من الباب أو يذهب إلى مكان الماء مباشرة .. الخ ..، أي أن الحيوان قد تكوَّن لديه وعي بذلك المكان .. في المستوى أو في العالم تحت الذري، أو مكونات ما يُعرف بالعالم الكمومي، هي أكثر وعيًا من البشر، لأنها أكثر منهم حركة وتنقلاً! الإلكترون مثلاً، لديه من البدائل والخيارات حيال كل موقف أكثر بكثير مما لدى الإنسان، لأنه أكثر وعيًا من الإنسان، لأنه أسرع من الإنسان حركة وتنقلاً! عند مستوى معين من السرعة يتحول المنطق إلى مزاج، وهذا هو واقع الحال في المستوى الكمومي .. المنطق = عدد محدود من الأمزجة .. المزاج = عدد لا محدود من بدائل المنطق .. عند المستوى المزاجي، أو في البُعد المزاجي، تصبح البدائل لا نهائية .. المستوى المزاجي هو المستوى الفاعل أو البُعد الخلاق، وهو الذي تتواجد فيه الوحدات الكونية من إلكترونات ونيوترونات وبروتونات وكواركات وفوتونات وغيرها .. البُعد المنطقي الذي يتواجد فيه الإنسان، انبثق عن البُعد المزاجي الذي تتواجد فيه الوحدات الكونية الأولية .. إذا أخذنا الإلكترون – كممثل للأشياء البسيطة أو الوحدات الكونية أو الأمزجة الفاعلة، وأخذنا الإنسان كممثل للأشياء المركبة أو الأشياء المنطقية ..، فإنه يمكننا القول بأن الإلكترون لا بد أن يكون لديه وعي أكثر مما لدى الإنسان بكثير، بل بما لا يقارن .. وعي الإنسان محكوم بالتجربة والخبرة، أما الإلكترون فإنه يعمل كما لو كان لديه وعي مسبق بكل شيء .. الإنسان يعمل في البُعد المنطقي، بينما الإلكترون يعمل في البُعد المزاجي .. الأشياء التي تعمل في البُعد المزاجي، تكتسب التجربة والخبرة الكاملة لحظيًا، أي أنها تختبر كل البدائل والخيارات الممكنة لحظيًا، في كل حدث وكل حالة هي بها، لأنها هي التي تصنع الحدث وتحدد الحالة، وهي التي صنعت الإنسان كحدث أو كحالة ضمن خياراتها اللا محدودة .. الأشياء التي تتواجد في البُعد المنطقي تحتاج أن تمارس التجربة عمليًا لتكتسب الخبرة، ليكون قرارها وتعاطيها أسرع في المرة الثانية مع ذات الحدث وذات الحالة

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2022

الصِدقية الذاتية والمعيار الفطري للحقيقة!

0 تعليق



 .. الصِدقية في اللغة، هي مطابقة القول للعمل! الصِدقية الذاتية، يمكن تعريفها، بأنها اعتناق الإنسان لعقيدة الحقيقة، وما يستوجبه ذلك من التزام شخصي ذاتي بسلوك الصِدق- بغض النظر عن المنفعة! والتزام الصِدق كسلوك، هو في الواقع أمر يتجاوز القول باللسان إلى الفعل..، فلا يكون الإنسان صادقًا وسارقًا – مثلاً، إذ لا بد للسارق من أن يُبيِّت نية الإنكار.. أي الكذب! نقول صِدقية ذاتية وليس صِدقًا ذاتيًا، ذلك ليشمل المعنى القول والعمل! الصِدقية إذن هي تقديم الحقيقة على المصلحة في ميدان التعامل والتواصل البشري! وبهذا المعنى يكون من باب أَولى حِرص الإنسان على طلب الحقيقة في علاقته المفترضة بالإله، ويكون الشعور بالاطمئنان هنا تحصيل حاصل؛ فإذا كانت الحقيقة لا تكفل المصلحة بالضرورة، فإنها لا تتعارض مع العدالة حتمًا؛ وهذا هو مصدر الالتزام وسِر الاطمئنان، في حال الصِدقية الذاتية! إنه لا يمكننا بأي حال، إلا اعتماد المنطق في تقييم علاقة الحقيقة بالعدالة، بما يعني وجوب تحقق العدالة بإنصاف الصادقين؛ ذلك لأن البديل هو افتراض الظُلم، وفي أحسن الأحوال افتراض المزاجية والعشوائية والعبث، والمحصلة في الحالتين هي انعدام الرؤية وحتمية التخبط، وهذا بدوره يلغي كل الثوابت ويجعل كل الاحتمالات قائمة، ويُفضي بالضرورة إلى نتيجة مفادها أن أي اعتقاد وأي سلوك يمكن أن يؤدي إلى أي نتيجة! قال أحدهم: الكذب يهدم الحُب، والصِدق يمنع الحرب! مما لا شك فيه أن كل مَن يتمتع بالصِدقية الذاتية، لا يمكن أدلجته أو خِداعه وتحويله من إنسان طبيعي واقعي باحث عن الحقيقة، إلى إنسان أجوف متعصب – يدَّعي أو يتوهم امتلاك الحقيقة! وبذلك يمكننا إثبات أن افتقارهم للصِدقية الذاتية، هو ما يجعل المتطرفين يحرصون على إلحاق الضرر بغيرهم، ولا يحرصون على التحقق من مدى صواب معتقداتهم وفتاواهم، التي تحضهم على ازدراء وقتل الآخرين! إن من عوامل انتشار الوهم على حساب الحقيقة، هو عدم إدراك الكثيرين لحقيقة أن الصِدق قرين الشك، وأن الكذب قرين اليقين! فالحقيقة الوحيدة المؤكدة والمشتركة بين البشر في هذا الكون، هي أنه لا أحد يُدرك الحقيقة المطلقة! ومن ذلك، أن فقهاء المعتقدات والمذاهب لا يجرؤون على القَسَم والجزم بصحة إيمانهم وقبول أعمالهم ودخولهم الجَنة! إن ترسيخ حقيقة الشك، وفضح أكذوبة اليقين، كفيل باجتثاث الوهم، وتحرير وعي البُسطاء من سيطرة أفكار الحُذاق..، حيث إن مجرد عدم الجزم بحقيقة ونتائج الأمور، هو قوة كافية لتفعيل العقل، ودافع للبحث والتفكير والتثبت وطلب الحقيقة، وبالتالي رفع مستوى الوعي والتحلي بالمسئولية لدى أضعف البشر قدرة على التفكير! وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة أن كل الحروب الكبيرة والصراعات الصغيرة، جميعها لا يمكن أن تقوم وتستمر إلا إذا تمت تغذيتها بالكذب وادعاء اليقين- من كل الأطراف أو من أحدها-، وذلك لاجتناب التحقق وللتغطية على السبب الحقيقي، والذي عادة ما يكون مصلحة لفئة محدودة من البشر – مصلحة عاجلة أو آجلة -، وقد تكون المصلحة وهمًا ناجمًا عن كذبة تاريخية متوارثة؛ وفي كل الأحوال لا بد من اللجوء إلى الكذب وادعاء اليقين لاختلاق سبب مباشر لإيقاد الحروب والصراعات واستمرارها..، عودة إلى أصل الموضوع قالوا: اجتنب الكاذب كما تجتنب المجنون، فكلاهما ليس منطقيًا! الصِدقية في الأصل، صفة بشرية أساسية، وينبغي أن تكون ذاتية، إذ لا يمكن فرضها من الخارج! ولذلك فإن كل إنسان طبيعي لا بد له من أن يَفترض تلقائيًا وجود الصِدقية الذاتية لدى غيره، كشرط مُسبق لكل حوار وكل تعامل جاد بين البشر الطبيعيين، إذ لو افترض أحد الأطراف الكذب في الطرف الآخر، أو لو أن أحدهم أَقرَّ مسبقًا بأنه ليس صادقًا، فإن الطبيعي والمتوقع هو أن يتوقف الحوار الجاد أو التعامل قبل أن يبدأ، حيث لا جدوى ولا قيمة لأي أمر يخلو من الصِدق! ولعل من البديهي القول إن الصِدق قرين الجِد، فلا حاجة لصِدقٍ في هزل، ولا وجود لجِدٍّ دون صِدق..، ولذلك فإن النفاق يستوجب المزج بين الجِد والهزل! ترتبط الصِدقية الذاتية بالحقيقة ارتباطًا بُنيويًا وشرطيًا، فكل مَنْ يتصف بالصِدقية الذاتية، هو بالضرورة باحث عن الحقيقة دون أدنى اعتبار للنتائج، والعكس صحيح! كل المتصفين بالصِدقية الذاتية – عادةً، تتغير قناعاتهم ومساراتهم وسلوكياتهم في مستقبل حياتهم، ذلك لأنهم سيكتشفون أن ما قيل لهم في بداية حياتهم وشكَّل قناعاتهم وميولهم، لم يكن دقيقًا أو لم يكن صادقًا، وبذلك تسقط عندهم كل الثوابت المستوردة، وذلك بمجرد اكتشافهم أن الأهل وأولياء الأمر كانوا يوجهونهم أو يلهمونهم المبادئ والثوابت والمُسلَّمات، لدوافع تربوية لا يُشترط فيها الحقيقة والمصداقية، لكنها قُدِّمت لهم على أساس الحقيقة والمصداقية، واكتشاف ذلك هو بمثابة اكتشاف خديعة بالنسبة لذوي الصِدقية الذاتية! لماذا لا توجد عقوبة للكذب في أي تشريع – تقريبًا؟ لعل السبب في ذلك، هو أن وضع عقوبة للكذب في مجتمع ما، هو إقرار بوجود وانتشار والكذب في ذلك المجتمع، بينما الكذب يُفترض ألا يكون موجودًا في أي مجتمع إنساني؛ لأن وجوده ينفي القيمة الإنسانية الأخلاقية عن ذلك المجتمع! جدير بالذكر أن كل ما يلحق بالإنسان من ضرر، بواسطة إنسان آخر (سرقة، قتل، اغتصاب، ..الخ)، يمكن معالجته لدى المتضرر، أو معالجته بإلحاق ضرر يُعادله بالطرف الآخر..، إلا الكذب! ولذلك يدفع ذوي الصِدقية الذاتية ضريبة باهظة مقابل صِدقهم، حيث يقعون فرائس سهلة للكاذبين المخادعين الذين يستغلون صِدقيتهم دون رادع! لكن، وبالمقابل يكون انتقامهم وردة فعلهم عنيفة عندما يكتشفون الكذب، فهم يعتبرون الكذب جريمة تمس الشرف والكرامة – خاصة إذا تم ارتكابها باستغلال علاقة أو إذا أدى الكذب إلى الطعن في صِدقيتهم! معلوم أنه لا توجد عقيدة ولا ثقافة ولا تشريع ولا عُرف، يأمر أتباعه بالكذب، أو يمتدح الكذب، أو يحط من قيمة الصِدق! لذلك كان من الطبيعي أن يظهر أناسٌ يتصفون بالصِدقية الذاتية في مختلف الأعراق والثقافات، حيث تلتقي طِباعهم الفطرية وصِفاتهم الوراثية مع التربية الاجتماعية- التربية تنبذ الكذب وتحض على الصِدق في كل الأعراف والثقافات والمعتقدات! قال أحدهم: أدرَكتُ كل شيء فخَسِرتُ كل شيء! لعل صاحبنا بهذه الجملة وبهذا المعنى، قد اختزل واختصر مستقبل ومآل كل مَنْ يتصف بالصِدقية الذاتية، وذلك عندما يقع في طفولته ضحية للثقافات الشعبوية والمُسَلَّمات الخرافية والشعارات القومية، ويصطدم لاحقًا بأنه ربما كان الوحيد الذي صدَّق كل ما كان يُقال له، وأن جُله كان كذبًا! ذوو الصِدقية الذاتية، يعتقدون فطريًا، بأنه لا يمكن لإنسان طبيعي أن يكذب تحت ظروف اعتيادية؛ ولا يتصورون إمكانية وجود علاقات إنسانية وروابط اجتماعية يتخللها الكذب! لذلك هم يُصدِّقون كل ما يُقال لهم في بداية حياتهم، ولا يسعون للتحقق من صِدقيته؛ لكنهم مع الخبرة العملية يدركون عدم صِدقية ما قيل لهم، فيُصدمون به، ولا يُدركون له تفسيرًا، ويعتبرونه من شواذ القاعدة! فإذا تعددت حالات الكذب معهم وتراكمت صدماتهم، فهم لا يُغيرون مبادئهم حيال الكذب والصدق، لكن يُغيرون معاييرهم في التعامل مع البشر، وغالبًا ما تكون ردة فعلهم هي الانزواء واعتزال المجتمع! سؤال: لماذا هُم كذلك؟ جوابهم: لماذا غيرهم ليسوا كذلك؟ والواقع أنهم كذلك لأنهم طبيعيون! لكن لماذا غيرهم ليسوا كذلك، ربما لأنهم ليسوا طبيعيين، وربما لا جواب الآن! إن الطبيعي والمتعارف عليه والسائد، هو أن كل ولي أمر ينصح ويأمر بالصدق، ويُحذِّر من الكذب؛ حتى الأب الكاذب والأم الكاذبة ينصحون ويحثون ويأمرون أبناءهم بالصدق، ويُعاقبونهم على الكذب! وبذلك، يكون إصرار ذوي الصِدقية الذاتية، على الربط بين الصِدق والفطرة والطبيعة.. أمرًا مفهومًا ومبررًا! ويكون نفورهم من الكذب، وتجريمهم له، واعتبارهم له شيئًا دخيلاً على الطبيعة..، أمرًا مفهومًا ومبررًا كذلك! قد يبدو للبعض منا، بأن ذي الصِدقية الذاتية، هو إنسان مثالي خيالي طوباوي! لكن في الواقع، هم ليسوا كذلك، بل هم واقعيون عمليون علميون! إنهم يعتقدون بأن كل المعاملات التي تستوجب الكذب، لا بد أن تكون معاملات ثانوية يمكن الحياة بدونها، وأن المعاملات الأساسية الضرورية لحياة الإنسان لا بد أن تكون ممكنة دون الحاجة للكذب..، وإلا فإن كل المبادئ ينبغي إسقاطها، حيث لا قيمة ولا أساس لمبدأ يخلو من الصدق! ذوو الصِدقية الذاتية، لا يقولون بأنه يجب على الإنسان ألا يكذب، بل يعتقدون بأن الإنسان الطبيعي غير قادر على الكذب في الظروف الاعتيادية! والظروف غير الاعتيادية، القادرة على دفع الإنسان إلى الكذب (إغراءً أو إكراهًا)، هي تلك المستويات التي لا يكون الإنسان طبيعيًا عندما يقع تحت تأثيرها، وهي أقصى حالات الفزع أو أقصى حالات الإغراء! الفزع: من الموت أو من العذاب.. مثلاً! الإغراء: يكون ماديًا، ويكون جنسيًا! مثلاً: من المتوقع أن يكذب الإنسان، إذا كان سيجني من وراء الكذب ما يغير حياته من متسول إلى مليونير! ولذلك فإن الأمانة أمام مثل هذا الإغراء، تُعدُّ خرقًا للعادة، ويُعدُّ فاعلها رمزًا للأخلاق! إذن من المفهوم ألا يكون الإنسان طبيعيًا إذا وقع تحت تأثير مثل هذه الظروف فوق الاعتيادية، وبالتالي يُتوقع منه الكذب؛ لكن ما دون ذلك من ظروف، فهي ظروف اعتيادية، وهي بالضرورة أقل من أن تُخرج الإنسان عن حالته الطبيعية؛ والمتوقع دائمًا هو أن تصمد قوة الصِدقية الذاتية الطبيعية لدى كل إنسان طبيعي أمام الظروف الاعتيادية..، هكذا يُفكر ويعتقد المتصفون بالصِدقية الذاتية! هم يعتقدون بتبرير ممارسة الكذب في الظروف الاعتيادية في حالة واحدة فقط، وهي أن يتفق الجميع على ممارسة الكذب في معاملاتهم، فحينها لا يتضرر أحد من الكذب، حيث تغيب الثقة وتصبح الحياة هزلية خالية من الجِد، لا مكان فيها للخداع والنصب والاحتيال..، وهذا ما لا يُلبي حاجة الكاذبين..، فيرفضونه بذريعة حرصهم على فضيلة الصِدق! إن الواقع ليس كما يعتقد ذوو الصدقية الذاتية، ولذلك يبدأ مشوار مأساتهم بمجرد بلوغهم مرحلة الحياة العملية، واضطرارهم لممارستها ومعاملة الآخرين مباشرة- دون مساعدة ودون وسيط-، حيث تتراكم صدماتهم، بتلاشي الشعارات وظهور زيف الحقائق المزيفة، وتتحطم المعايير وتتساقط المبادئ أمام أعينهم، وبأيدي دُعاتها! يمكن وصف ذوي الصِدقية الذاتية بأنهم متطرفون في مواقفهم، لكن تطرفهم مبرر! ويمكن فهم وتبرير تطرفهم بسهولة، حيث إنهم يُصدِّقون بالسجية كل ما يُقال لهم؛ وهم بطبيعتهم يبحثون عن الحقيقة دون أدنى اعتبار للنتائج؛ وحيث إن كل ما يُلقَّن لهم في طفولتهم، يُلقَّن لهم على أساس أنها حقائق مُبرهنة ومؤكدة، ومن بينها أن الصِدق فضيلة، وأن الكذب رذيلة! ثم إنهم يصطدمون باندثار الصِدق تقريبًا، وانتشار الكذب بين الناس في كل المعاملات وعلى كل المستويات، عندها يتسرب إليهم الشك في كل شيء، وينزعون صفة الحقيقة عن كل شيء، ويبدأون في طرح التساؤلات حول كل شيء، فإذا مُنعوا من طرح بعض الأسئلة، حينها تتحول شكوكهم إلى حقائق معاكسة لكل ما قيل لهم! ومن هنا يبدأ بحثهم في كل شيء ومن الصفر، حيث يفقدون الثقة في كل مَنْ عداهم، ويبدأون مشوار البحث عن الحقيقة بأنفسهم ولأنفسهم، وبذلك يبدأ صدامهم مع الوجود والحقائق والآخرين ومع الكذب والكاذبين! ولعل هذا ما جعل صاحبنا يقول: أدرَكتُ كل شيء فخَسِرتُ كل شيء! ولعله ذات السبب الذي أوحى إلى فيلسوف آخر بالقول: إن الحقيقة هي كل ما لا يمكن دحضه، لا كل ما يمكن إثباته! جدير بالقول هنا، إن كل الفلاسفة والمفكرين الأحرار، هم بالضرورة يتمتعون بالصِدقية الذاتية!