face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 24 سبتمبر 2023

الإنسان بين المأساة والوهم الكبير!




هل البشر بحاجة لكشف حقائق مآسيهم، لأجل حلها؟ أم هم فقط
بحاجة للخروج من أوهامهم ليدركوا أنهم لا يعانون مآسٍ عصية على الفهم والحل كما يعتقدون، بقدر ما أنهم يقاسون آلامًا جُلها مفتعل، وبعضها ضروري لتبرير حياتهم واستمرارها؟ 
 
 المأساة هي كل واقع بشري مؤلم وغير مبرر منطقيًا، وغير معروف المصدر!
 

 وهم أو خطأ كبير، اعتبار الحياة والموت ثنائية! الحقيقة هي أن الحياة والموت بالنسبة للإنسان، درجات على سُلَّم الوجود، وليستا نقطتين! الحياة لا تبدأ عند الطفولة، والموت لا يبدأ عند الوفاة! الحياة بالنسبة للإنسان تبدأ عند الإدراك، والموت يبدأ عند فقدان الحرية والكرامة، وعند العجز عن الإبداع!
 

الوهم الكبير هو الاعتقاد بوجود أصل كوني لثنائيات الحق والباطل، الخير والشر، الصواب والخطأ، الهدى والضلال، .. الخ! الحقيقة هي أن هذه الثنائيات مجرد محاولات بشرية بدائية غير موفقة، وُضِعت للتقريب بين وجهات النظر المختلفة لفهم وتفسير وتبرير مأزق الوجود البشري! الموجود على الواقع ليست ثنائيات، بل فرضيات وتصورات لا حصر لها لكل واحدة من هذه الثنائيات، بما يعكس الاختلافات الطبيعية بين البشر وتضارب مصالحهم، ومعطيات وظروف كل حدث وكل حالة!
 

لعل الوهم الأكبر هو التصديق بأن كل البشر لديهم الرغبة لمعرفة الحقيقة والقدرة على مواجهتها .. فالواقع أن رغبة جل البشر في معرفة الحقيقة، يُقصد بها ضمان مصالحهم وتبديد مخاوفهم وتحقيق أحلامهم ..، وليس نتيجة مخالفة لذلك أو مجهولة!

أمثلة على الأوهام التي لا تكون إلا نتاج أُميَّة فكرية .. لا بد من أُميَّة فكرية، لكي نصدِّق نحن، ولكي يعتقد شخص عاقل مثل السيد إدوارد سنودن، بأنه قد اكتشف شيئًا جديدًا، بإبلاغه عن عمليات التجسس الأمريكية .. لا بد من أُمية فكرية لكي لا يُدرك السيد سنودن، بأنه لم يُخبر عن أمرٍ جديد، بل هو فقط خان الأمانة وأخبر عن تفاصيل أمرٍ معلوم مسبقًا، ومعمول به في كل دول وحكومات ومؤسسات العالم! 

لا بد من وضعهم في حالة موات فكري، لكي يقرر البؤساء الزواج وإنجاب تعساء، مع اعتقادهم بأن قرارهم وتعاسة أبنائهم كانت مشيئة إلهية!!
 

 نحتاج إلى أمية فكرية لكي نُصدِّق ونتابع بجد، أخبار محاربة الحكومات والمؤسسات للتهرب الضريبي في العالم، وننتظر القضاء على هذه الظاهرة الحتمية! فالعمل بحسب القانون، ودفع الضرائب بحسب القانون، يعني ببساطة أنه لا داعي ولا معنى للعمل! لأنه لا جدوى تستحق الجهد، يمكن انتظارها من أي عمل يتم وفق قانون ثابت! لذلك فإنه لا شيء قائم على المنطق الإنساني- لا العمل ولا القوانين! العمل قائم على إجادة فن الخداع، والقوانين قائمة على ادعاء محاربة الخداع! ببساطة لا توجد جدية لوقف الخداع .. لأن وقف الخداع يعني وقف العمل .. ووقف العمل يعني فضح خدعة تقوم عليها آمال البشر وأحلامهم .. أو أوهامهم التي هي سر تعلقهم بالحياة!

 لم تعد علاقتنا بالمشهد البشري مسألة قبول أو رفض، بل أصبحت مسألة تصديق وعدم قدرة على التصديق .. إننا أمام خيارين، إما عدم تصديق ما نراه، أو تغيير صورة الإنسان في أذهاننا لتتوافق مع الواقع!

 
إننا بحاجة إلى أُمية فكرية، لكي نصدِّق، بأن إنسانًا عاقلاً يسعى إلى السلطة، فقط ليترأس بشر مثله، وجلهم ضعفاء فقراء بُلهاء تعساء، ويعتبر فعله نجاحًا ومبعث فخر، ويعمل جاهدًا للمحافظة على بقائه أطول مدة ممكنة في ممارسة هذا الهراء وهذه الفضيحة الأخلاقية!

نحن بحاجة إلى أُمية فكرية لكي نُصدِّق بأنه كان هناك بشر بحاجة لظهور السيد جوليان أسانج وويكيليكسه، لكي يعلموا بأن السياسة ليست سوى لعبة كبيرة، وأن ملوكهم وحكامهم وسادتهم ليسوا سوى بشر عاديين مثلهم، يجهلون ويخافون ويكذبون، يخدعون ويُخدعون، يرشون ويرتشون!

 
 نحن بحاجة إلى سُبات فكري، لكي لا نُدرك أن جل القروض المصرفية إنما تُعطى لإنشاء ودعم مشاريع وشركات خاصة، تعمل بدون أرباح حقيقية ولمدة طويلة – بدعوى خلق فرص عمل، ثم تُغلق كل ملفاتها بمجرد إعلانها الإفلاس، لتحصل على قروض جديدة تحت أسماء جديدة، وتتكرر اللعبة!
 

نحن بحاجة إلى وهم كبير لكي نعتقد بضرورة أن يعمل كل البشر لكي تستمر الحياة أو لتحسين حياتهم، في المجتمعات الحديثة – مجتمعات الدولة والمواطن .. إنه كالاعتقاد بضرورة أن يكون كل البشر رسامين .. هو دفع للبشر وإكراه لهم على الكذب والتزوير والسرقة وممارسة البطالة المقنعة والإجرام .. إنه افتعال للحركة تبديدًا للسكون، منعًا لحدوث فراغ يطل منه السؤال ..

نحن بحاجة إلى سذاجة عميقة لكي نعتقد بعدم قدرة البشر على اجتثاث الفقر، فالأمر في غاية السهولة عمليًا، لكن هناك موانع منطقية، فالقضاء على الفقر يتطلب فضح خدعة تقوم عليها جل المعتقدات وتقوم عليها الدساتير والقوانين وكل المنظومات البشرية للحياة، وفضحها يعني إفراغ الحياة من مبرراتها الوهمية؛ ويمكن اكتشاف السر ببساطة من خلال ملاحظة أن أعداد المنتحرين في ألمانيا والسويد وسويسرا وأمريكا، هي أضعاف أضعاف أعداد المنتحرين من الفقراء المعدمين في الهند وباكستان وأفغانستان وأفريقيا وأمريكا الجنوبية والدول العربية والإسلامية!

إننا ولكي نُقر بوجود ما نراه في الواقع البشري، فإنه لا يمكننا إلا افتراض وجود لوبيات بشرية خلف كواليس العالم، تعمل على صناعة الأُمية الفكرية بين البشر، ونشرها والحفاظ على استمراريتها، لكي تتحكم نخبٌ في جموع بواسطة حمقى! لا بد من وجود أذكياء غير أمناء، يتوارثون الخبث كما يتوارثون السرية، يعملون على إيهام الحمقى بأنهم حكماء، وإيهام الضعفاء بأنهم أقوياء، والأذلاء بأنهم مكرمون، لكي يستمر وجود البشر مضحكًا  مبكيًا

الخلاصة ..
 الحياة مسرحية مقلوبة .. 
أعداد الممثلين فيها أضعاف أعداد المتفرجين .. 
المتفرجون يدركون أنها مسرحية .. 
والممثلون يعتقدون أنهم يعيشون واقعًا حقيقيًا!

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ