face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأربعاء، 4 أكتوبر 2023

الدعوة لإثبات الذات مؤامرة بحجم الوجود!



دعوة الناس وحثهم على بذل الجهد من أجل الفعل و ردة الفعل، بغرض إثبات الوجود أو إثبات الذات، هو إعلان سافر واعتراف صريح من قِبل الدعاة، بعدم إيمانهم بوجود الخالق المُدبِّر! إن مسيرة وجود الإنسان وتفاصيل حياته، إما أنها محددةٌ مسبقاً، وليس بوسعه سوى الانتقال بين مراحل وجوده بحسب حيثياتها؛ فيكون سلوك الإنسان وممارساته هي تطبيق عملي زمني لبرنامج نظري قَبْلي، لا يمكن الخروج عنه؛ وأن النتائج محددة محصورة حتى لو تعددت خيارات الفعل؛ أو أن وجود الإنسان، ممثلاً بسلوكه وممارساته وأثره في محيطه، هو عبارة عن ردود أفعال وقرارات لحظية تحددها الحاجة والبيئة والإمكانات، وأن ما كان منها كان من الممكن ألا يكون، والعكس صحيح..، بما في ذلك الوجود المادي المحسوس للإنسان! فالواقع يقول إن ظهور أي إنسان إلى حيّز الوجود، قد حدث بإرادة ورغبة وقرار وفعل مباشر من إنسان آخر سبقه إلى الوجود؛ أو نتيجة خضوع أفراد لثقافة وإرادة مجتمع، وحث الناس لبعضهم على الإنجاب والتكاثر..، وهي عمليات من الممكن فعلها أو رفضها والامتناع عنها، والتحكم بواسطتها في وجود الإنسان من عدمه! والمفهوم أو القاسم المشترك، بين المجتمعات البشرية، هو أنه لا وجود للإنسان المستقل! حيث إنه في المجتمعات ذات الثقافات الدينية التي يتعطل فيها العقل عن العمل، يُنسبُ الفضل أو الأمر بوجود الإنسان الفرد، مباشرة إلى خالق الكون! وفي المجتمعات المتحررة التي يعمل فيها العقل، يُنسبُ الفضل في وجود الإنسان إلى والديه! وربما أن الحقيقة التي ينبغي أن يُقرَّ بها الجميع، هي أن وجود الإنسان الثاني هو خطيئة يقع إثمها على الإنسان الأول! فوجود الإنسان الثاني قد كان بفعل الإنسان الأول؛ وحيث أنه لا بد للإنسان الثاني من أن يتألم، أو يكون سبباً في ألم غيره..، وذلك ما تجاهله الإنسان الأول، فلم يحسب حسابه أو أنه قد فعله عن قصد، وتلك خطيئته التي ربما لا سبيل لغفرانها! أنا أُفكّر، إذاً أنا موجود! ماذا قصد القائل، وماذا فهم المرددون؟ ما مدى أمانة ودقة وفهم المترجمين لهذه المقولة الشائعة، وما أثر الخلط والعمد في ابتداع وتداول مثل هذه المفاهيم، على ثقافات البشر وعلاقاتهم، ومعتقدات وسلوكيات الأفراد؟ لا شك أن القائل فيلسوف عظيم، وأنه كان يُخاطب العقلاء الأحرار، الجادين في بحثهم عن حقيقة الوجود، والحاملين بالفطرة لآلية التفكير والتحليل، والقادرين على تقييم المَشَاهد وفرز الحقائق من المغالطات! ولا ريب أن المقولة الأصلية – كما صدرت عن قائلها – هي: أنا أشك إذن أنا موجود! وليست أنا أُفكر إذن أنا موجود! .. والفرق بين المعنيين كبير! فالتفكير – وإن اختلفت مستوياته – إلا أنه يمكن اعتباره لازمة للحياة، فمبادئ التفكير هي صفة تُميِّز الكائنات الحية عن الجمادات..، فالتردد – مثلاً – ومن ثم اتخاذ القرار بالسير في هذا الاتجاه أو سواه، هو نتيجة لعملية تفكير، وهو أمر تفعله كل الكائنات الحية – بصورة أو بأخرى! أما الشك في أن ما نراه وما نحس به هو بالضبط ما نعتقده، وأن صحة هذا الأمر من عدمها- خاصة الأمور التي أجمع البشر على صحتها حسب معايير بدائية سطحية متوارثة – لا بمعايير عصرية علمية مدروسة، واتفقوا على صوابها المحتمل رغم أضرارها المؤكدة..، هذا المستوى من التفكير، هو ما دعاه الفيلسوف بالشك! فالشك في وجود ما يُعتقد أنه موجود، يقود إلى إثبات ورؤية وجوده الحقيقي، بدل التعامل معه من خلال نظريات تاريخية متوارثة، لا نعرف الأسس التي قامت عليها! فقد كان هدف الفيلسوف، هو العودة بالعقل إلى نقطة الصفر، من أجل فهم الوجود ووضع أُسس علمية مبرهنة لوصفه، والانطلاق من قواعد جديدة مدروسة متفق عليها بين الحاضرين، بدل البناء على تراكمات الفلسفات القديمة التي لا تخلو من خرافات وأساطير – لا مجال لإثباتها أو نفيها! ولكننا هنا نناقش ما هو سائد بين غالبية البشر حول هذه المقولة العظيمة التي – ورغم انتمائها إلى العصر الحديث – إلا أنها لم تنجُ من مغالطات البشر وسوء فهمهم وتحريفهم لها – سواء جهلاً بها أو خوفاً على معتقداتهم منها أو عجزاً منهم عن إدراك أبعادها الفكرية والفلسفية- فقاموا بوضعها في قوالب اعتقاداتهم المسبقة، لتأخذ الشكل والحجم والقيمة التي أَلِفوها، ولا يحتملون تصور أو رؤية انهيارها – رغم عدم قدرتهم على الدفاع عنها بالحُجَّة والدليل..، وكأنهم يتعمدون الوهم خوفاً من الحقيقة! فكأن جهل الجهلاء وخُبث المؤدلجين والعاجزين، أراد لنا أن نفهم من قول الفيلسوف، أن الجائع ليس موجوداً، وكذلك الخائف والمُستعبَد، .. وغيرهم؛ إذ لا يملك الإنسان في جميع الأحوال إلا أن يُفكّر..، ولكن ما فائدة التفكير لدى هؤلاء، وهل هو هدف لذاته! أما إذا كان الوجود المراد إثباته بالتفكير، هو الوجود المُشـرّف أو المستقل..، فهل يكفي، أم هل يجب على الإنسان أن يُفكر ليُثبت وجوده – حتى لو لم يُخرج التفكير المكروب من كربه، فليظل الفقير فقيراً والسجين سجيناً، المهم أنه يُفكّر لكي يُعدُّ موجوداً .! فهل الوجود هو غاية في حد ذاتها! وفي هذه الحالة يكون الوجود أمراً متحققاً للإنسان في كل أحواله، وليس التفكير رمزاً ولا شرطاً لإثباته، ولا معنى لربط الوجود بالتفكير! فهل نفهم نحن، وهل يقصد الفيلسوف بالوجود "مادة الوجود" كمُعطى – من حيث هو نقيض للعدم؟ تلك المادة التي هي من تفرض وتُثبت وجودها في الأشياء ذاتياً، فتلفت الانتباه لها حيثما وُجدت في الطبيعة، .. في جثث الموتى وفي غباء الأغبياء وفي خضوع الخاضعين وخنوع الخانعين، وفي اختلاف الحيوانات وسلوكها وحقارة بعضها، وفي الجماد .. وغيرها! أم إن الفيلسوف والناقل والمُردد، جميعهم شركاء في مؤامرة اسمها "فِعْلُ الوجود"، تلك المؤامرة التي ربما كانت كل الذوات البشرية أطرافاً فيها وضحايا لها في آن! مؤامرةٌ حملت أجيال البشر- طوعاً أو كرهاً أو جهلاً – مهمة ترديدها وترسيخها وتوارثها! مؤامرة تُوهم الإنسان بأن له قيمة ثمينة يجهل كنهها وزمانها ومكانها. وأن قيمته تلك يُحددها أمرٌ آخر يجهله الإنسان، يُسمى فِعْلُ الوجود. وأن الإنسان ليس هو من يُحدد ما إذا كان موجوداً أم لا! وأن وجوده أمرٌ ضروري لتحقيق غاية لا يمكنه إدراك مُبرراتها ولا جني ثمارها! وأن رسالته الأبدية العظيمة المقدّسة هي إثبات وجوده في سنوات معدودة لا يعرف عددها ولا يملك الحق ولا المقدرة على اختيار زمان ومكان ولا امتلاك مقومات أداء رسالته تلك! مؤامرة توهم الإنسان بأنه وصي على أجيال الغد بمرتبة الإله المدرك لما يُريده الناس وما يصلح لهم دون استشارتهم، وأن عليه أن يرسم لهم – أو يُقيّدهم – بمنهج حياة لا يجدون عنه حِولا! فيحدد لهم أعداءهم وأصدقاءهم قبل أن يخرجوا إلى الوجود! وإمعاناً في التلاعب بعواطف الإنسان، تجعل المؤامرة من الآخرين خصماً وحكماً، مُشرِّعاً ومُحدداً، لقيمته ووجوده بقدر طاعته لهم واستفادتهم منه، أو استعبادهم له. فيمضي الواهم سنوات حياته المعدودة، محاولاً السيطرة على الآخرين واستعبادهم لينتزع اعترافهم بوجوده، .. إلى أن ينتهي به الأمر إلى هزيمة على يد واهمٍ آخر أشد منه قوة وإصراراً أو وهماً..؛ أو على يد الزمان، ليصبح وجوده في أية لحظة موضعاً للسخرية ومبعثاً للشماتة. ثم يُمسي ولا وجود لوجوده الذي أفنى حياته في إثباته، ويبقى ذكراه يبعث على الألم والأسى سواء كان في زمانه سيداً أو عبداً، مُحسناً أو مُسيئاً! أو يمضي حياته لاهثاً وراء الأمل في نيل رضا الآخرين عنه والظفر بإعجابهم، أو تحقيق إثارتهم ودهشتهم ليعترفوا له بالوجود الذي أثبتوه رغماً عنهم لمخلوقات أخرى لا ترى بالعين المجردة، واعترفوا به للحشرات والموتى والجماد دون اشتراط التفكير ودون استفادة منها، ودون سيطرة لها أو عليها! لقد تلاعب المتآمرون بخيوطها وتفننوا في حبك المؤامرة حتى سَخِرَت منهم الطبيعة، ووجدوا أنفسهم ضحايا لمؤامرتهم، وتبادلوا الأدوار مع الضحايا الذين حيكت المؤامرة للسيطرة عليهم واستغلالهم، فلم يعد بالإمكان الآن، إقناع الضحايا بأنهم ضحايا، حتى صدّق المتآمرون مؤامرتهم، وأضحى الجميع ضحايا ومتآمرين يتبادلون الأدوار في ذات المؤامرة. سَخِرت المؤامرة من الإنسان، حتى جعلته يبحث عن وجوده، متجاهلاً أنه في الحقيقة أضعف من أن ينفي وجوده، وأضعف من أن يُحدد لذاته أو لغيره قيمة! وأنّ الوجود هو الذي يُدلل على الموجود، ويُرغمه على الاعتراف بالوجود! لكن في عالم البشر عموماً، أن تكون مهمتك هي الإيقاع بإنسانٍ في هوى مؤامرةٍ فاتنة- وكل المؤامرات كذلك، لهُوَ أيسرُ لك وأقل عبئاً عليك من مجرد محاولة الإيقاع بينهما، بُغية إنقاذه منها! ذلك لأن مفاتن المؤامرة جذابة ومتجددة حسب طلب الضحية، فلا يُقاوم إغراؤها، ولا ينفد سرابها، ولا تكاد تظهر حقيقتها! إن أثقل الأمور وقعاً على النفس البشرية، وأبعدها احتمالاً للقبول عندها، وأوفرها حظاً بالرفض، هو إقناع الإنسان بوجود حقيقةٍ كان هو قد كرّس كل حياته لنفيها- كحقيقة وجود الوهم في حياة الإنسان، إلى درجة أن قناعاته الراسخة ربما كانت تستند إلى لا شيء! وأنه ربما كان ضحية عابرة في مؤامرة بحجم الوجود، يُنفّذ أجندتها على ذاته، طواعية وبإخلاص، وبلا مِنّة منه ولا مقابل من أحد. وتزداد مهمة المُنقذ تعقيداً إذا ارتبطت خيوط المؤامرة بمعتقدات الإنسان ومبادئه التي عاش وفقها ردحاً من عمره، رابطاً بها مصيره، مناضلاً من أجلها، مؤسساً صدقاته وعداواته على هديها! كمؤامرة يشترك فيها الجميع ضد الكل .. مُدركين وغير مُدركين. مؤامرة على درجة من الخبث، بأن تجعل المبصر يُكذّب بصره فيما يرى أمامه، ويُصدّق سمعه فيما يَنقل له عن أبصار الآخرين. مؤامرة تجعل الأعمى يُخاصم البصير، مدّعياً رؤية ما لا وجود له! المؤامرة الوجودية التي نشير لها هنا، هي مؤامرة إثبات الوجود، أو فعل الوجود، أو تحقيق القيمة، والتي يُضحّي الإنسان من أجلها براحته ونومه وماله وأحياناً كثيرة بحياته! المؤامرة التي أوهمت الإنسان بأن وجوده يتحدد بما يبذله من جهد لاستهلاك طاقته في إفناء ذاته! وأوهمته بأن قيمته الحقيقية هي إنجازٌ يُخلّد ذِكره بعد فناء جسده وأحاسيسه! وأن قيمته هي إنجاز يحصد ثماره الآخرون! فهي قيمة لا يشعر ولا يستمتع بها حاملها! هي قيمة لا تلتقي بصاحبها، فهي تنتظر موته لتظهر إلى الوجود! هي قيمة اسمية تتطاير متنقلة بين ألسنة قلة من البشر تجاذباً وتنافراً! هي قيمة يستهلك بناؤها من الإنسان عمره، بينما لا يحتاج هدمها سوى إلى كلمة تصدر عن عدو ذكي أو صديق غبي، لتشكك الإنسان في مصداقيته، أو تطعن في نزاهته، أو تحاسبه على زلاته في صباه، أو تشير بأي اتهام يكون قد فات الأوان واندثرت الشواهد لإثباته أو نفيه، أو تضيف حرفاً أو تحذفه لتحقيق التباس في الفهم. مؤامرة تولد غشاوة على القلوب، فتحجب عن الإنسان حقيقة أنه حتى الأنبياء والرُسُل الذين يؤمن الناس بأنهم مؤيدون من السماء، قد تم تجاوز تعاليمهم، وحصل اتهامهم والتشكيك في مصداقيتهم، ولم تُفلح حكمتهم ولم تصمد رسالتهم ولم تُفهم مقاصدهم..، فتفرق وتقاتل أتباعهم باسمهم ومن أجلهم، وزُورت كُتبهم وأحاديثهم، ولوثت نزاهة كلماتهم ودعواتهم بمزاجية البشر وتضارب مصالحهم .. وكل ذلك بدعوى إثبات وجود الموجود

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ