face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الجمعة، 15 سبتمبر 2023

هكذا وَجدتُ الحياة والبشر ..

0 تعليق

 


حري بالإنسان أن يكون كتابًا لا ينطق إلا حين يُسأل .. لا مذياعًا يتكلم في غياب السامعين كما في حضورهم ..

القداسة الدينية مثل الحصانة الدبلوماسية .. لا تزيل عيوب البشر، هي فقط تعمينا عن رؤيتها أو تمنعنا من التصريح بما نرى .. حيثما رُفِعت الحصانة والقدسية، ظهرت العيوب جلية!

 طالما كان تعليم الإنسان، مسئولية إنسان مثله، فلا معنى للقول بمسئولية الأول عن معتقداته!

 البراغماتية هي أن تكذب أنت على الآخرين كذبة صغيرة بحجم الحدث كلما دعت الحاجة .. المبدئية هي أن تُصدِّق كذبة الآخرين عليك أو أن تكذب أنت عليهم، مقدمًا، كذبة واحدة كبيرة بحجم كل الأحداث القادمة ..

 العلمانية تعني حماية الدين من عبث البشر .. من أجل حماية البشر من سلاح الدين!

المقلدون وأتباع فقهاء الأديان، هم أُناس يستوردون قناعاتهم وسلوكهم من الخارج .. هم مجرد أسواق استهلاكية لبضاعة غيرهم الفكرية .. فإذا غيَّر المُصدِّر بضاعته، تغيَّرت بضاعة المستورد .. وهم بذلك أقل من أن يكونوا حاملي أمانة .. فهم مذنبون إن أخطئوا، ولا فضل لهم إن أصابوا!

 أن لا يكون الانتحار أحد خياراتك .. فذلك يعني أنك تقبل مسبقًا بكل ما هو ممكن من أجل الحياة .. بما في ذلك الكذب والظلم والغش والتزوير والخنوع وحياة الذل!

 لا معنى للحديث عن الكرامة والعدالة والإنسانية، في حياة تقوم على خادم ومخدوم من ذات الجنس! 

لا فرق بين الداعين للحياة والداعين للموت .. هؤلاء يريدون من يشاركهم ألم انتظار الموت! وأولئك يريدون من يشاركهم ألم اقتحام الموت!

 كل إصلاح عقائدي \ ديني، لا يمس لب القضية، لن يعدو أن يكون مذهبًا جديدًا يُضاف إلى قائمة مذاهب سابقة نجحت في تشتيت البشر وبث العداء بينهم .. المذاهب الدينية تولد كما تولد الأحزاب السياسية .. لب القضية هو أن كل ما لا يمكن إثباته عمليًا، ينبغي أن يوضع على قائمة الفرضيات لا قائمة الحقائق .. وهذا ما يتوقف دونه كل المجددين والمصلحين عادةً!
.. يوجد لدى فقهاء الأديان كلها وكلهم .. هواجس من الفكر لا توجد لدى غيرهم .. كأنهم يخشون أن يَخلق الفكر إلهًا أو شيطانًا غير الذي يعرفونه!

  نحن بالفعل بنا حاجة وجودية لتذوق الحزن .. ألسنا نمنح الأشياء في عقولنا قيمة بلا مبرر نعرفه .. لنحزن حين نراها في الواقع وهي خالية من كل قيمة! 
جُل البشر لا يجرؤون على فحص معتقداتهم .. خشية أن تكون زائفة 
. نحن مجرد كائنات حية كغيرنا من الكائنات .. ليس ثمة ما يميزنا وجوديًا بالقدر الذي ندعيه .. لا غاية عُليا وراء وجودنا طالما احتجنا لمن يقودنا .. لا يمكن لمن يحتفلون بأعياد ميلاد ملوكهم، أن يكون لديهم شعور بقيمة كونية .. لا يمكن أن تكون هناك غاية عليا من وراء وجودنا طالما أن تنافسنا البيني يُشعِرنا بالفخر والهزيمة!

. إذا دعوته للجنة، ورفض العاقل دعوتك وجب عليك التأكد من وجود جنتك! 
 إثباتًا ووفاءً للحب .. ربما يتوجب علينا إيلام أولئك الذين يحبوننا حقًا .. حين يقترب موعد رحيلنا .. لنُخفف عنهم ألم جرح الفراق! كثيرًا ما نسمع بوجود أشياء يستحيل وجودها في الوعي .. من قبيل .. وجود أبرياء يخشون عقاب إله عادل لا شيء يؤرق الصداقة كما تفعل بها الصراحة .. إنها امتحانها الحقيقي الذي يحول دون نجاحها عادةً الموت يُكرِّم الرائعين والعظماء .. والحياة تدفنهم أحياء! أن تتزوج زواجًا مباركًا دينيًا، يعني أن تُمارس الجنس دون متعة 
 إنسان يحتاج لمن يُذكِّره بشرفية الصدق وخسة الكذب، هو إنسان غير عاقل! 
 إنسان يقبل بمبدأ فعل الخير والصواب خوفًا من عقاب، هو إنسان أقل من أن يكون مسئولاً عن قناعاته! 
  حُجَر نوم الأزواج لدى الأُسر الدينية، ينبغي أن يتم تزيينها بصور رجال الدين .. إقرارًا بفضلهم في الترخيص لهم بالزواج .. وعرفانًا بدورهم في تعليمهم كيفية إشباع هذه الغريزة التي تشبعها الحيوانات دونما ترخيص ولا تعليم 

 الحياة والدين والسياسة .. أنجح وسيلة للدفاع عنها هو التعتيم الإعلامي على المعارضين ..  
أبسط فكرة هي اليقين .. إنه مثل النصيحة، حتى المتسول يمتلك منها الملايين .. لكن الشك لا يوجد خارجنا إلا عند الله .. ألم يُحدد لنا واجباتنا ولم يضمن لنا الجنة؟ ألم يُحذرنا من الشيطان ويُخفيه عنا؟
 الذي لا يضمن لي الجنة، ليس له أن يخاطبني باسم الله ... 
 أموت وبي رغبة شديدة ويائسة، لتذوق شعور أولئك الذين يمارسون الحياة طواعية وهم واعين، وليس الموت أحد خياراتهم المتاحة دائمًا .. هذا إن كان وجودهم ممكنًا! . 

 الإحساس باليأس مثل الإحساس بالسعادة .. ليس متاحًا لكل من امتلك أسبابه الظاهرة 
 ما يُسمَّى بالتفاؤل .. هو أمر غير ممكن بالنسبة لإنسان مُدرِك .. أن تكون متفائلاً وأنت مدرك، يعني أن تجعل من اللاشيء هدفًا لك، تحلم به وتشقى لتحقيقه ..  

 اثنان لا وجود لهما خارج خيال الواهمين .. عاقل يريد للحياة أن تكون بلا قيمة .. وساحر قادر على خلق غاية لما لا غاية منه ..

 إذا استيقظت ولم يكن بمقدورك إيقاظ الكل .. فلتتألم وحدك ولا توقظ أحدًا .. إن الحياة اليوم تعني التواصل مع الواهمين .. وإمكانية التواصل مع الواهمين لا تتجاوز تلك السنوات التي يمضيها العاقل واهمًا ..  أحيانًا لا يكون هناك مبرر جاهز للانتحار .. وأحيانًا يكون هناك مبرر للحياة .. 
 أنت تجاهل المنطق، وأنا أجعلك سعيدًا 
..
 الملهِم هو إنسان قال الكثير مما تهوى أنت سماعه ..  لكنه لم يُشبِع نهمك ..
 لا أحد يعرف ولا أحد يسأل .. سواهم .. لماذا يُجبَر المنتحرون على الموت سرًا أو بغتة؟ لماذا لا يُسمح بإقامة حفلات راقصة للانتحار؟ أليس الانتحار أشرف وأصدق وأكثر تبريرًا من جُل ممارسات البشر الأخرى؟ السبب هو أن البشر يريدون قتل آلامهم هم في الآخرين .. بانتحاره يقتل المنتحر آلامه هو .. وهذه خسارة لهم .. صُناع الثقافات يُقبِّحون الانتحار، ويدفعون الإنسان لفعل ما يبرر لهم قتله .. ليحصلوا على الشعور بفعل شيء .. إنها السادية في ثوب إنساني!  
 
 تفضيل الحياة على الموت كان سيبدو مفهومًا ومقبولاً، لو كان بأيدينا فقدان الوعي والذاكرة متى نشاء ...
 رأيتُ الحياة سؤالًا .. متى تمت أو استحالت إجابته، تَحتم شطبه

 لا يمكننا إلا الإحساس بفراغٍ يستوطن أفئدتنا .. يجوب وجداننا طليقًا .. حاضر في كل مناسباتنا دونما دعوة .. يؤلمنا حيثما مسنا .. ذاك مقام محجوز لأحباب مفترضين .. يمتلئ الفراغ ويمسي ألمه مداعبة .. بدخول أحدهم إلى حياتنا فجأة .. ذاك هو الحب ..  
 
 لا تنتظر صدقًا ممن يخافك ولا تستغرب كذبًا ممن يجهلك ..   إذا كنت مغرمًا به أو يُمثِّل لك شيئًا هامًا .. فلا تبحث عن مدلول مصطلح إنسانية، في قواميس الفلسفة والمعرفة والحقيقة والمنطق .. ابحث عنه في قواميس الأدب والمعتقدات ..

 من مواصفات الداعية والمُحاوِر الديني، أنه .. - لا يجد حرجًا أن تكون رسالته التعريف بما لا يعرفه .. - يسأل بالمنطق ويجيب بالاعتقاد .. - لا يُفرِّق بين تكذيب البشر لبعضهم وبين الكفر بالله .. - لا يُفرِّق بين رفض حُجَّته لضعفها وبين الكفر بالله .. 
 
 إذا اجتمع لديك حماس وقدرة وحاجة لفعل شيء .. فافعله بلا تردد ولا تأجيل ولا تبالي .. إنه إن يكن خطأ، فإن ألمه لا يُذكر أمام ألم الندم إذا تركك الحماس والقدرة، واستفردت بك الحاجة له ..
 
 كثيرًا ما يقال .. هذا شيء يستحق أن نموت لأجله! وهذه مغالطة .. لأن الأشياء لا يعنيها موتنا لأجلها .. الصحيح أن يقال .. هذا شيء لا يمكننا الحياة بدونه .. وهذا يعني أن هنالك أشياء أعلى قيمةً من الحياة وجوديًا .. بينما لا شيء يعلو الموت قيمةً .. لكننا ورثنا ثقافة تجميل الحياة وتقبيح الموت .. ولذلك نقبل حياةً قوامها الذل والكذب والتفاهة!   أن يُبتلى المرء بداء الرفض والقبول الخشبيين .. لهو خير له من أن يُبتلى بعافية طلب الأسباب .. هذا مرض يستحق أن يُحمد عليه أي إله .. وتلك عافية تبرر الكفر بكل الآلهة ..  
.
. من منا لا يعرف بعضهم أو قرأ لهم أو سمع عنهم .. أولئك الذين يكفي أن تستمر الحياة من بعدهم .. لنعرف أنها بلا معنى ..
 لماذا يلفت انتباهنا ويثيرنا كل بروز؟ لكُثر ما بداخلنا من فراغات وحُفر ..
 من البلاهة التعويل على إثبات الحقيقة غدًا .. لأناسٍ لا يتجاوز بحثهم عنها اليوم المفاضلة بين أوهام مكشوفة! 
  إعجابنا بالجمال خارجنا مجرد تغطية لقبح داخلنا .. إنه مثل تعلق بعضنا بالحيوانات والأطفال .. كلها مشاعر تبدو طبيعية بريئة في الظاهر .. لكنها في الحقيقة ليست سوى أصداءٍ لجراحٍ نازفةٍ في الأعماق .. ضعفاء نحتمي بالأمان المحيط بكل جميل وكل ضعيف .. أو أقوياء نُظهر تواضعًا يعكس تباهيًا بقوتنا .. التباهي بالقوة يعكس إحساسًا قاتلاً بهزيمة في الأفق ..
 كل مآسينا سببها تعريفات خاطئة لمفهوم الإنسان .. إنه لو تُرِك مفهوم الإنسان دون تعريف موحد زائف .. لحمل كل واحد منا تعريفه الحقيقي فوق رأسه .. ولاصطف المتشابهون كلٌّ في مكانه الطبيعي .. ولاختفت كل هذه المشاهد الزائفة .. وهذا الزحام .. ولظهر تلقائيًا الجواب الحقيقي لكل سؤال .. ومن  حيث ظهر السؤال !
 في الوعي نظن أننا نبحث عن أصدقاء .. لكن في اللاوعي نحن نبحث عن ذواتنا .. نبحث عن أقرب الناس شبهًا بنا .. نحن نريد أن نرى أنفسنا من الخارج .. كأنما نريد أن نتحقق من وجودنا ..  وربما لخشيتنا من أن يكون حقيقيًا!
 كل ما نقوله ونفعله في الواقع .. مجرد تكرار لمحاولات ثبت فشلها .. لشغل وعينا عما يشغله في الحقيقة! 

 بعد الفراق يتبادل الأحباب المَنَّ بالحب .. كأنما كان لهم فضل في حدوثه!

 لو أن طبيبًا ابتكر عقارًا لعلاج داءٍ ما، ثم جاء طبيب آخر من ذات التخصص وفي ذات المستوى العلمي، وشكك في فاعلية وفي سلامة هذا العقار، وحذَّر من مضاعفات خطيرة لهذا العقار .. فإن المنطق يقول والواقع يؤكد، بأن عموم الناس لن يتناولوا هذا العقار، حتى يُقنع المختصون بعضهم بجدوى وسلامة هذا العقار .. وفي جميع الأحوال لا يتناوله البشر حتى تتم تجربته على كائنات أقل قيمة من البشر .. وهذا بالضبط ما يقوله المنطق في حالة الطوائف والمذاهب الدينية .. لكن مع الأسف ليس هذا هو الواقع .. ولذلك يتألم الناس ويموتون في كل زمان ومكان بسبب تناولهم لأفكار دينية لم تحظَ بإجماع المختصين، فأصبحوا فئران تجارب لهذه الأفكار!  

 الموت بصورة عامة هو امتداد طبيعي للحياة .. لكن في حال الإنسان، ليس الموت مجرد امتداد طبيعي للحياة، بل هو بديل طبيعي لها حين تفقد الحياة طبيعيتها .. الحياة تفقد طبيعيتها عند درجات معينة من الألم والعوز والفراغ والعجز .

 الشجاعة في الفكر عادة ما تؤدي إلى الموت انتحارًا .. مثلما أن الشجاعة في القتال تؤدي إلى الموت قتلاً ..

 إذا عرفت من أنت وماذا تريد، عادةً يكون الوقت قد فات لتتذوق ما عرفت ..
 في الحياة لسنا مخيرين سوى في الموت وليس دائمًا ..   ليس بمقدورنا حب الجميع .. وليس بمقدورهم فعل ما يجعلنا نحبهم .. لكن بمقدورنا ترك من لا نحبهم وشأنهم .. ترك بعض الناس وشأنهم يكون باجتنابهم .. بمقدورنا ألا نكره أحدًا، لأننا لا نعرف حقيقة أحد .. ولأنه لا أحد يعرف حقيقة شيء، ولا حتى حقيقة ذاته ..
لم أرَ في حياتي قط رؤى العين عجب .. لكني قرأتُ يومًا ما هو أعجب من عجب .. قرأتُ مقالةٍ لمفكرٍ أحسبه يعرف اسمًا من لقب .. فإذا به حائرًا يطلب أسباب تردي حالة العرب .. أوشكتُ بادئ الأمر أن أجيبه بمنطق الغرب .. لولا أن تداركت أمري وأدركت ما يجب .. وجدتُ الصمت أبلغ جوابًا من الخُطب .. لسائلٍ يتعثر بالأسباب باحثًا عن سبب ..  

 إذا وجدت أحدهم يخاطب شعبًا كما يخاطب فردًا .. فاعلم أنه ضحية ثقافة لا صاحب فكر ..

لو عاش البشر حقيقة أنهم كائنات معزولة في كون خال .. لكانت حياتهم غير هذه الحياة .. كانت حياتهم ستكون أجمل .. كان وجودهم سيكون حقيقيًا ..

 أبشع ما صنعته المعتقدات الدينية بالإنسان، أن أوهمته بعدم حاجته لأخيه الإنسان .. 
 
 أعمق جرح ألحقته المعتقدات الدينية بالقيم الإنسانية، أن أفرغت الخير والصواب والحب من قيمها الوجدانية، إذ ربطتها في مخيلة البشر بحساب وعقاب وثواب .. لقد أفرغت بذلك حياتنا من كل قيمة .. وجعلت وجودنا بلا أي معنى ..  
الفرق بين الحياة والموت .. هو فقط حركتنا في قبور الحياة، واستقرارنا في قبور الموت ..  

 القول بأننا في القرن الواحد والعشرين، لا يعني أننا قد تقدمنا كثيرًا عن أسلافنا باتجاه الحقيقة .. إننا ما نزال لا نرى من الوجود إلا ما يرانا .. نُبرر قِصر القامة، ولا نُبرر قِصر الإدراك .. نمنح الموت الرحيم لمن نرى جراحهم ونعرف آلامهم .. ونمنعه عمن تخفى عنا جراحهم ونجهل طبيعة آلامهم .
 أن تعيش سعيدًا يعني .. أن تكون ثريًا بالمال أو فقيرًا بالفكر  كل مشكلة لها حل آخر غير الموت، عدا اليقظة المتأخرة!
علاقة البشر بالمعتقدات الدينية مقلوبة .. يحمونها بدل أن يحتموا بها .. ذلك لأنهم ليسوا واثقين من رسوخ قواعدها وصلابة  جدرانها

. جمال الحياة مبالغ فيه، وقبح الموت مفترض! لو تُرِكت الحياة جنب الموت حيث وضعتها الطبيعة .. لبدت قبيحة مثله، أو بدا جميلاً مثلها! ما يشدنا للحياة، هي زينة زائفة نحن من يفترضها .. لكننا نعلم أنه ما في جسد الحياة من موضع يخلو من قبح!  

 المعنى يُرى من خارجه لا من داخله .. ونحن في عصر قد تفتت فيه أغلفة المعاني .. قد تفسخت فيه الأشياء وانسلخت عن معانيها .. نوشك أن نجد أنفسنا أمام مكونات المعاني لا أمام معانٍ مُخلَّقةٍ يمكن إدراكها

الأربعاء، 1 مارس 2023

لماذا نترك أثرًا في حياةٍ نرفضها؟

0 تعليق


- لا أفهم لماذا يُحارَب التدخين وشركات صناعة التبغ، بينما يحارب فقط الإرهاب ولا تحارب شركات صناعة الإرهاب (المعتقدات) ..، مع العلم أنه حتى محاربة التدخين ليست مبررة، فهو شأن شخصي، ويمكن للآخرين اجتناب مضاره، بينما الإرهاب ليس شأنًا شخصيًا ولا يمكن للآخرين اجتناب مضاره – فلا مضار له إلا على الآخرين! كيف يتم تغريم بشر بمليارات الدولارات بسبب تمثيلهم لشركة أنتجت ما قتل إنسان، بينما لا يتم تغريم بشر مثلهم يُمثلون أُمَّة تُنتج ما يقتل آلاف البشر كل يوم؟ - كل تضحية بالنفس هي نوع من الانتحار، هي نزعة فطرية للموت – للتخلص من إرهاق الوعي – كالنزوع للنوم للتخلص من إرهاق اليقظة .. شعارات التضحيات ومبرراتها مجرد أقنعة ومحفزات .. ما يجعل الانتحار التقليدي مرفوضًا هو فقط كونه سافر الوجه جاحظ العينين خالٍ من المجاملة، وهذه هي مأساة كل حقيقة، فالحقائق مرفوضة لخلوها من الغموض والكذب الذي هو أساس كل قيمة وكل أمل في الحياة .الذين يُضحُّون بأرواحهم لا يرون نتائج تضحياتهم، والذين يأتون من بعدهم يرون عبث تضحيات السابقين ولا يرون عبث تضحياتهم هم، لذلك هو مستمر مسلسل عبث التضحيات بالأرواح من أجل لا شيء .. إذا تكررت الحياة وعُرِضت نتائج التضحيات، فإن الذين انتحروا بلا مواربة – فقط تحت عنوان تخليص الذات من عبث الحياة – هؤلاء وحدهم من سيعيدون الكَرَّة! - الطاعة التقليدية للوالدين مثل العبادة التقليدية للآلهة، كلاهما قمع للفطرة ودفع للمنطق بالاتجاه المعاكس .. الصواب أن يعتذر الآباء للأبناء والآلهة للأحياء عن ظلمهم لهم بالحياة، لكن لعل استحالة وجود اعتذار يناسب حجم المأساة هو ما دفع البشر إلى قلب الآية، فَسنُّوا سُنةً تُناقِض الفطرة، إذ ألزموا المظلوم بشكر الظالم، مفترضين أن في تمرده الحتمي من العزاء ما يعوضه، فالتمرد يولد لدى البلهاء داخل سجنهم شعورًا زائفًا بأنهم قد انتقموا لأنفسهم بأن ناموا مراتٍ على جنوبهم وليس على ظهورهم دائمًا كما أمرهم سجانهم! - جادّاً لا من باب التهكم أقول: إنني أشهد بأن في عنق كل من يحترم نفسه، واجب امتنان للحركات الإسلامية، لتذكيرها لنا على الدوام بوجوب مغادرة الحياة باعتبارها عبثية بشعة كريهة لا تليق بمن يحترمون أنفسهم .. من في العالم اليوم لا يعلم ببشاعة سلوك الإسلاميين في كل مكان ضد حياة وحرية وكرامة الإنسان؟ .. ويتم ذلك باسم الحق والأخلاق .. ليست الحياة كريهة بسبب وجود الإسلاميين فيها، بل هي دائمًا كانت كذلك، لكننا نغفل عن هذا أحيانًا، وأحيانًا أخرى نبدو كمن يتحجج غريزيًا بمسئوليات اجتماعية وواجبات إنسانية تطيل مدة بقائنا في الحياة أكثر مما ينبغي، وما تلك الذرائع وغيرها سوى أضغاث أفكار ودلالات جهل وضعف ..، فحاجة أبنائنا لنا كانت عدم إنجابهم وليس التباكي عليهم بعد وقوع الجريمة ..، وإصلاح البشرية لا يتحقق إلا أن تفرضه الطبيعة فرضًا لا باتفاق البشر، فالعبث سمة الحياة والبشر كغيرهم من الكائنات، فلا مبرر للحياة إذن سوى الغباء أو العبث ..، ولعل أسوأ مبررات الحياة هو الاعتقاد بأنها إجبارية لا اختيارية، فهذا يُفرغها من كل معنى ممكن، إذ يجعل الإنسان فيها شيئًا من الأشياء لا حيّاً من الأحياء .. لذلك أقول إن الإسلاميين رُسُل الطبيعة لتذكير الغافلين، كي لا يلوم الكريم إلا نفسه حين يُهان في حياة قوامها المهانة والعبث ..، ما يُميِّز الإسلاميين هو تحطيمهم للمنطق دون مواربة – تحطيمه لكونه صواب لا لكونه خطأ .. تحطيمه بقصد تحطيمه لا بزعم إصلاح الحياة كما يدعي غيرهم! إن الحياة إما أن تَقتل أو تُقتل أو أن تعيش صاغرًا .. مغادرة الحياة ليست جبنًا من مواجهة أعداء ولا هروبًا من أداء واجب، لكن أن تَقتل أو تُقتل هو سلوك حيواني لا يليق بالإنسان، وهو ما يفعله البشر منذ أن وُجِدوا على الأرض ودون جدوى ..، أن تقتل غيرك هو أمرٌ أسهل من أن تقتل نفسك، لكن نسبة أن تكون مخطئًا بقتلك لغيرك لا يمكن أن تكون صفرًا، أما أن تقتل نفسك فيمكن أن تكون ..، لذلك كان قتل الذات دائمًا أصعب من قتل الغير، ولذلك كان الانتحار دائمًا سلوك النبلاء والصادقين، فهو خالٍ من الطمع والرياء، وخالٍ من كل شك وتوهم .. واقعيًا ومنطقيًا لا يمكن وصف المنتحر إلا بأنه شجاع، وليس كل المنتحرين فاشلين – فمنهم أنجح الناجحين، ودينيًا ينبغي تحريم وصف الانتحار بأنه فشل في الحياة، فإدانة المصنوع بالفشل تعود على الصانع "الخالق" .. فإذا كان ولا بد من وصف الانتحار، فينبغي وصفه بأنه نقد ورفض وتحدٍ من الحياة لإرادة الوجود .. لكن يبدو جليًا وجود من يهوون ممارسة الغباء بيننا، ولديهم المقدرة على ذلك، ومنهم من يبدعون- لعل الجبن والضعف والجهالة والأوهام أسبابهم، لعلهم معذورون! - سلوك العالم المتقدم حيال ما يجري على الأرض اليوم، لم يعد وصفه بالمتحضِّر والمتمدن ممكنًا، إنه سلوك الجبناء والأغبياء والعابثين بكل بساطة ووضوح! - نحتاج إلى جنون رحيم على غرار الموت الرحيم، فالعقل عند وجوب الجنون كما الحياة عند وجوب الموت! - ليس أسهل ولا ألذ من العبث، خاصة أنه لا يحتاج إلى سبب ولا تفكير .. هكذا بهذه البساطة يجد الإنسان نفسه عاقلاً ومتورطًا في الحياة بمسئولياتها وتساؤلاتها، وهو عبارة عن نتيجة عشوائية لعبث غيره وعدم درايتهم وعدم اكتراثهم بعواقب ما يفعلون .. هكذا بهذه اللا مسئولية أنجبونا وكررنا نحن الخطأ .. كأن الكل ينتقم من أبويه بإنجابه لبنيه .. يعشق الرجال والنساء بعضهم فيُنجبون حاضنات مآسٍ! أن يولد الإنسان فذلك مجرد عبث بالنسبة للوالدين، لكنها أم الكوارث بالنسبة له – كل المآسي مجتمعة في حدث .. ولادة الإنسان مثل الفقر، كل ما يعقبها نتاج لها، لا معنى للبحث عن أسباب أخرى، ولا توجد تفسيرات منطقية لمآسٍ ناجمة عن عبث وعشوائية .. إذا أُغلِق باب النقاش حول إمكانية الرجوع إلى ما قبل الحياة، فالخيار المتبقي هو القفز مباشرة إلى ما بعدها .. الحياة مجرد ميدان لسخرية الإنسان من نفسه وعبثه مع غيره .. أي إساءة يتلقاها المرء خلال حياته لا يصح أن توصف بغير المزاح، ولا ينبغي أن تثير فيه غير الضحك .. أليست مزحة أن يُساء إلى إنسان قابع في جهنم، برميه بحفنات من جمرها على وجهه وعلى قفاه؟ وهل يمكن أن يُساء إلى إنسان قابع في الحياة، سوى برميه على وجهه وقفاه بحفنات من مكونات الحياة؟ الإساءة هي إدخال الأول إلى جهنم والثاني إلى الحياة، وليس ما يترتب على الدخول .. ردُّ العبثِ بعبثٍ مثله عبثٌ مثله .. رد الإساءة يكون برفضها، بمغادرة مكانها، بقطع طريق عودتها – لا بتبادل شتائم العبث في موطنه ومع أهله .. رد الإساءة كبير بكِبر حجمها، لذلك ينتحر الكُرماء ولذلك لا يقوى على الانتحار كل من شاء! - كل ما نفعله لأجل الحياة لا يكون إلا تقليدًا لآخرين .. كل مَن كوَّن رأيه الخاص كَفَّ عن فعل شيء يربطه بالحياة التقليدية ..، هذا الرأي الخاص هو الفلسفة .. عادةً تقود الفلسفة الإنسان إلى ترك الخيار للحياة تفعل به ما تشاء، لتنقلب بذلك الأدوار، فتبدو الحياة حريصة على بقاء الإنسان – لا العكس كما هو سائد ومعتاد .. - الفلسفة ليست خيارًا خاضعًا لإرادة الإنسان .. كل إنسان يتفلسف مثلما أنه قد وُلِد .. الفلسفة مسار حياة باتجاه معين أو إلى نهاية محددة .. الفلسفة التي توصف بأنها لا منتهية هي تلك التي ترسم مسارًا واحدًا ومصيرًا واحدًا لكل البشر، والممتنع فيها أو اللا منتهي هو جمع البشر وليس ثمرة الفلسفة .. الفلسفة شأن فردي بحكم الواقع لا بحكم الفكرة .. - أتباع بعض الديانات يختلقون الذرائع لقتل البشر بينما يُسمُّون أنفسهم رُسُل الحقيقة والسلام، ويعتقدون ذلك .. ما يبدو لنا مفارقة وجهلًا وهمجية في هذا السلوك، قد يكون عين المنطق والعلم والإنصاف بالنسبة للحقيقة من منظور قوانين الطبيعة والوجود .. كيف ذلك؟ في كل الأحوال الحياة تخلو من المنطق والمبررات ولا تليق بمن يحترم نفسه – إذا كنا جادين وقادرين على ممارسة الصدق الصارم مع أنفسنا .. لكن استتباب السلام وسيادة القانون، قد يزيفان المشهد ويُخفيان عنا حقيقة الحياة التي نعلمها، حتى يتوهم الكل بأن الحياة منطقية ومبررة، وتضعف بذلك دوافع مغادرتها، ويجد المنطقيون أنفسهم يمارسون الحياة كغيرهم – لا عن قناعة لكن لفقدانهم حماسة المغادرة .. إجلاء هذا الوهم هو ما تطلب وجود رُسُل السلام لقتل السلام، كي لا ينخدع بالحياة من لا ينبغي خداعهم .. - للمذاهب الدينية اليوم، وظائف أساسية ثلاث، هي أهم وأوضح ما يمكن ملاحظته على الواقع: فرض طاعة من لا يمتلكون ما يُبرر طاعتهم .. فرض قتل من يمتنعون عن ارتكاب ما يُبرر قتلهم .. فرض كراهية من لا يفعلون إلا ما يوجب محبتهم! - امتثالك للتعاليم الدينية يعني أن تجد لك طريقة عاجلة للموت - غير الانتحار، أو أن تجد سبيلاً للجنون لتُرفَع عنك أقلام السيد وسياط العبيد! - الاعتقاد هو كأن تُصدِّق بأنك مؤتمنٌ على حقيبة تحوي نفائس دون أن تراها ..، والإيمان هو ألا تُفكِّر بفتحها لتتأكد من محتواها حتى لو قالت لك كل المؤشرات بأنها فارغة .. ما يجهله هذا المؤتمَن الحريص على أمانته المفترضة، هو أنه تجوز محاسبته على فقدان النفائس حتى لو كانت الحقيبة فارغة أصلاً، لأن اتفاقية الاعتقاد لا تنص على المحافظة على الحقيبة بغض النظر عن محتواها، إنما تنص على الشهادة والإقرار باحتوائها على نفائس! - أجمل علاقة تربطنا بالحياة تكون في المرحلة التي لا نعرفها خلالها - تلك التي تسبق العقل والوعي - ربما لأنها الأقرب إلى أصلنا .. الغيبوبة، الموت، اللا وجود، وهي العلاقة الوحيدة التي يمكننا تبريرها باعتبارنا غير مسئولين عنها! - لست قلقًا بشأن نسيانها، فحيثما ذهبت وجدت ما ومن يُذكِّرني بأسباب رفض الحياة واعتزال البشر! - السؤال لماذا وُلِدت، الجواب لكي تموت، وكل ما بينهما مجرد أنواع مختلفة من الحشو لملء الفراغ! - قِلةٌ من البشر تربطهم علاقة جيدة بالحياة مدة إقامتهم المؤقتة فيها أو إقامتها المؤقتة فيهم – شواذ قاعدة .. أما سوادهم فهم بين مرفوضٍ من الحياة ورافضٍ لها! - من حيث المبدأ، كل عاقل لا بد أن يرفض الحياة، فالمنطق يمنعنا من قبول ما نُقحم فيه دون استشارتنا ولا نعلم له مغزى، لكن غالبية البشر يواصلون الحياة حتى النهاية لأسباب مختلفة ..، فالأحرار المُنعَّمون ليسوا مضطرين للمغادرة قبل أن يتشبعوا بالاستمتاع بما وجدوا أنفسهم فيه من عبث ممتع، وكثيرون منهم غادروا مختارين وتركوا المُتع بعد أن تشبعوا فكرًا أو ثراءً .. المتورطون في حياة غيرهم مضطرون للتمديد قدر إمكانهم ..، وهناك المرعوبون من فكرة الموت بسبب ضعفهم وسطحيتهم، فهؤلاء لا خيار لهم سوى انتظاره ليقتحمهم رغمًا عنهم كما اقتحمتهم قبله الحياة ..، وأما الأكثرية فهم الذين يَحملون الحياة لا يمارسونها - لا يشعرون بها بقدر ما يخوضونها نيابة عن غيرهم لا أصالةً عن أنفسهم - الذين يعتقدون أنهم مأمورون بالحياة لا مُزوَّدون بها! - لماذا كانت الحياة؟ لأنها أحد احتمالات الوجود الكثيرة! - لماذا كان الموت؟ لأن التغير هو أساس الوجود، وهو الذي أوجد الحياة، فكان لا بد للتغير من أن يوجِد الموت كآخر تغير في عملية الحياة! - لولا خيار الانتحار، لأصبحت أسطورة الألم الذي لا يُطاق حقيقة ماثلة حتى قبل أو دون حدوث ألم! - إذا قرأنا فلسفة الحياة والموت في ضوء الرؤية الدينية للكون، فإن الفكرة والغاية الأقدر على إقناعنا، هي فقط ممارسة الإله للموت خارجه - باعتبار أن الموت هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن للإله ممارسته على نفسه! - دينيًا، لا ينبغي استبعاد فكرة أن تكون خطيئة الإنسان هي فقط تشبثه بالحياة، حيث لا يوجد مبرر منطقي للحياة سوى خوض تجربة الموت، وربما كان التعجيل بالموت فضيلة! - الداء أن نولد والشفاء أن نموت والحياة دواؤنا المُر! - داء البؤساء غير مبرر فجاء دواؤهم الأشد مرارةً! - أن نولد يعني أن يتم تلقيحنا بالموت .. منا من يتحمل آلام حمل موته، ومنا من يُفضِّل إجهاضه! - ما يربطنا بالحياة هي جهالة نُسميها حب المعرفة! - حب المعرفة مثل اعتناق المعتقدات، قد يصلح لملء فراغات الحياة لكن ليس لتبريرها! - الحقيقة تتغير في نظر الإنسان الفرد مع تغير مراحل حياته، وكذلك تتغير الحقيقة بتغير الأجيال والعصور .. القول بأن هناك دائمًا ما لا نعرفه عن حقيقة الوجود، يعني أن كل ما ينقضي من أحداث يُختم بختم العبث .. الماضي مجرد بنية تحتية وتمهيد للمستقبل دائمًا .. لا يظهر مذهب ديني إلا بطعنه في حقيقة مذهب سابق .. أحدث نسخة من الحقيقة سيدركها آخر جيل من البشر! - لسنا من يقرر الوقوف أو عدم الوقوف عند بوابات الحقيقة، بل هي التي تستوقف بعض البشر دون غيرهم! - إذا لم نجد خارج السجن ما يستحق لهفتنا للخروج، فذلك لا يُبرر لنا إنكار فضل من ساعدنا على الخروج! - لم أفهم ماذا كان يقصد شيوران بهجره للفلسفة ودعوته لرفضها وقوله بأن لا فائدة منها أو لا قيمة لها! هل الفلسفة سوى وجهة النظر؟ ألا يعني الكف عن الفلسفة الكف عن الكتابة والكلام؟ الكف عن الفلسفة يعني المعاناة في صمت! فهل توقف شيوران يومًا عن إبداء وجهة نظره في الإنسان والوجود والعالم والحياة؟ - الوظيفة الأساسية للفلسفة هي أن نعرف بواسطتها المحطات الوهمية في طريق الحياة، فلا نتوقف عندها! - ليست الفلسفة عاجزة عن توجيهنا إلى طريق الوجود الخالي من الإشارات الخادعة، بل نحن العاجزون عن سلوكه! كل منا ينأى بنفسه عن أن يكون الأول أو الوحيد السالك لدرب النجاة الصامت .. إننا وبسبب ضعفنا نفضِّل درب الهلاك الصاخب بضجيج الضحايا على درب النجاة الموحش بصمته فقط! ربما لهذا السبب قال شيوران بأنه لا حاجة بنا للفلسفة! - التعليم الموجه هو تحويل للإنسان من انبثاق طبيعي إلى صناعة بشرية - من كيان أساسي إلى كيان فرعي! - التعليم الطبيعي لا يتجاوز تعلم القراءة والكتابة! - لا يقلقني وجود المجرمين في الحياة، فالمجرم حيوان مفترس، مقابلته تكون عادةً مرة واحدة تنتهي بموت أحدنا، ويمكن اجتناب هذه المقابلة دائمًا .. لكن يقلقني وجود الأغبياء، فالغبي لا يقتلك لكنه يجرحك كلما قابلك، وأنت لا تستطيع وخزه لتجعله يشعر بجُرمه فهو لا يشعر، ولا يمكنك إلا مقابلته دائمًا – نظرًا لتوفره في كل مكان باعتباره أليفًا! - من الوهم الاعتقاد بأن البشر عاجزون عن التفاهم، فهو ممكن حتى بتقليد الحيوانات، لكنه مرفوض لأنه يُسفِّه تفاضلهم الزائف الذي يُبرر تنافسهم العبثي! - الحيوانات لا ترتكب فعل القتل إلا من أجل الحياة .. وتلك دلالة على التوافق التلقائي بين الحياة واللا عقل! يتفرد الكائن العاقل بقتل جنسه لأجل الموت .. هذا التفرد يُخبرنا بطبيعة العلاقة الوجودية بين العقل والحياة، بوصفها علاقة رفضٍ متبادلٍ ميدانها الإنسان! - كل ما يُنجزه الإنسان يمكن إدراجه تحت عنوان: محاولات اللحاق بالحيوان .. فالطبيعة زودت الحيوانات بكل ما تحتاجه مباشرة، بينما زودت البشر بإمكانية تقليدها لصنع ما يحتاجونه .. لذلك نجح البشر نسبيًا في صنع ما هيأتهم الطبيعة لصنعه وسبقتهم الحيوانات لفعله، وفشلوا كليًا فيما افترضوه لأنفسهم من خصوصية الكرامة والرسالة! - تقديس الحياة يستوجب تقديس الدعارة عندما تكون سبيلاً وحيدًا للحياة - ولطالما كانت كذلك وهي باقية! - الحياة أشبه بزوج أو زوجة قبيحة الخلقة، تقبيلها يتطلب كف البصر ومباشرتها تستوجب إطفاء النور وإشعال الخيال، بانتظار ظروف مناسبة للطلاق! - تحقيق نجاح في الحياة مثل تصحيح خطأ لغوي في مقالة خاطئة ..، كلما ازداد عدد التصحيحات ازداد الخطأ وضوحًا! - الحياة خطأ وجودي، صححته الطبيعة بالموت! - إذا كان هناك من سيُحاسَبون على حياتهم، فلا شك أن هناك من سيُعتَذَر لهم عنها! - كرامة الإنسان مثل إيمانه، لا يُمثلها في الواقع سوى مكانها الذي يظهر شاغرًا كلما تطلب الموقف وجودها! - لا أحد يكون المتسول وبإمكانه أن يكون المتصدق! - كثرة الكلام عن الأخلاق مجرد نعي لها عند المتكلمين، مثل كثرة كلام الفقراء عن المال، والضعفاء عن القوة! - الزواج نظرية ناجحة لإفشال حياة الرجل، وفاشلة لإنجاح حياة المرأة! - هنالك صنف من النساء نادر الوجود، أولئك اللائي يُدركن كأغلب الرجال أن الزواج مثل الحياة يتطلب جهودًا مضنية وتضحيات مؤلمة فقط للحفاظ عليه! - الزواج خطأ مفتعل، أفرغ حياة البشر من نكهتها الطبيعية، حوَّلها من رحلة ممتعة إلى إقامة مملة! - جُل البشر يفهمون الحياة ويمارسونها على أنها فن تجاوز المِحَن حتى الموت .. ولو سألوا أنفسهم: لماذا؟ لتوقفوا عند أول مِحنة! - البشر تكبروا على الطبيعة، وفشلوا في إيجاد مبرر غيرها لحياتهم، مما اضطرهم لتشريع العبث خلف الكواليس ومنعه أمامها! - دعوة إنسان للإيمان بمعتقد ما، تعني دعوته للشعور بما لا يشعر به ..، وتكفيره يعني تكذيبه – كي لا نقول يعني محاسبته ومعاقبته على شعوره اللا إرادي! - لا يمكن الفصل بين الإسلام والإرهاب، طالما بقي المسلمون يخشون على دينهم حرية العقيدة، ويُخفونه في دهاليز الرِدَّة! - اتفاق فقهاء المسلمين على تشريع حد الرِدَّة، يمنح المتشددين منهم الحق في تمثيل الإسلام دون غيرهم! - الوسطية في الدين وجهة نظر لا واقعية، وحل تلفيقي لمأزق التطرف الحتمي! - الوسطية الطبيعية ممكنة فقط عبر العودة إلى الطبيعة، .. أي .. اعتبار الاعتقاد حقًا – لا واجبًا .. وتقديس حق الاعتقاد – لا تقديس المعتقدات! بسبب لعنة التكفير المنبثقة عن فلسفة حد الرِدَّة، لا غرابة في أن يخسر العرب إسلامهم وعروبتهم معًا، يوجد اليوم ِمن غير العرب مَن بات يُكفِّر العرب، سيعود العرب إلى عروبتهم كُفارًا بعد أن تكون قد ماتت، و لن يذكرهم العالم إلا بكونهم سبب لعنة الإرهاب! - يصبح البشر جنسًا واحدًا، فقط عندما يصبح انتماء كل فرد منهم إلى كوب الأرض لا إلى جزء من الأرض! - عندما تتمكن من كسر حاجز التعصب لديك، سترى أن في قومك ما تبغضه وفي غيرهم ما تحبه، وحينها تعرف سر اللعبة، ولن تكون ضحيتها بعد ذلك! - علاقة الإنسان بالمعتقدات علاقة المسحور بالسحر، والواهم بالوهم! - إذا اعتقدتَ بقدرة صخرةٍ صماء على شفائك، فإنها ستفعل، أو بالأحرى فإن شفاءك سيحصل، أو بالأصح فإن إحساسك سيتجاهل الألم تكيفًا مع حاجتك ورغبتك! - كُتُب التاريخ تختزل قرونًا من الزمان وأجيالاً من البشر في حرف "ثم"، فتبدو أحداث دهر كما لو كانت أجزاءً لقصة واحدة وقصيرة! - كُتُب التاريخ تُقلِّص التفاصيل وتُضخِّم النتائج .. وتُخفي ملايين البشر وتُبرز أفرادًا بلا عيوبهم .. كل ذلك لإيهام الغافلين بحكاية أبطال أسطوريين وأمجاد خرافية صنعها أسلافهم – ليسعوا هم عبثًا لصنعها! - أهم من أن تكون وجهة نظرك صحيحة ومُقنِعة، أن يكون مُجادلك مثلك باحث عن الحقيقة لا مدعي امتلاكها! - المرفوض فطريًا وحده الذي يحتاج إلى قوة تفرضه، ويزول بزوالها! - الالتزام بالدين والقانون لا يعني الوقوف عندهما، بل يعني تخطِّيهما دون لمسهما، حيث إن الوقوف عندهما يعني توقف الحياة - هذا ما يقتضيه الواقع وهذا ما يفعله المتدينون ومحبو الحياة! - البشر ليسوا بحاجة للدين لتنظيم حياتهم، فغرائزهم وحاجاتهم المشتركة كفيلة بذلك، لكنهم بحاجة للدين لافتعال التميز وتبرير استغفالهم واستعبادهم لبعضهم، ولم يُفلح يومًا دين من الأديان في غير ذلك! - ما يحتاجه الناس فعلاً، لا يحتاج إلى دعاية وفرض، يحتاج فقط أن يكون موجودًا، وليكن تحت التراب! - أمام الخطر الداهم، يتساوى الإنسان والحيوان، كلاهما يتخلى عن أقرب الأقارب لينجو بنفسه! - التحضّر الإنساني والإيمان الديني لم يمنعا البشر من الصراع غير الشريف على السلطة والثروة، .. لماذا؟ لأن الظاهر شيء والجوهر شيء آخر .. الظاهر تحضّر وإيمان، بينما الجوهر شعور حقيقي بأنه لا معنى للحياة إلا ما يحققه البشر على حساب بعضهم! لماذا لا يكون الصراع شريفًا؟ لأن الصراع الشريف لا يُفضِّل أحدًا على آخر، بل يمنح ذات الحق لكل الأطراف، حيث لا يوجد طرف يفتقد لكل الشروط ولا يوجد طرف يُلبي كل الشروط! - لم ينجح البشر يومًا في جعل أخلاقهم المفتعلة واقعًا طبيعيًا في حياتهم، كانت دائمًا حدود وهمية لا يتوقفون عندها ولا يتذكرونها إلا بالحراسة المشددة حولها! - عندما تصبح الأخلاق صفة بشرية حقيقية، لن يقبل أحد على نفسه أن يتقدم ليحكم غيره، وستكون كل الصراعات معكوسة - دفاع عن الآخر ضد الذات! - رجم امرأة واحدة حتى الموت، يُثبت أن شيوع النساء أكثر أخلاقيةً وتكريمًا للإنسان من منظومة الزواج! - عندما يكون للمرأة حسابها الخاص بها في الحياة، لتكتب سيرة حياتها بنفسها وتضع صورتها كما تحب أن يراها الآخرون، تصبح أقدر وأحرص من الرجل على فهم وحماية الشرف – باعتباره هو منتهك الشرف! - لا شيء يمكن أن ينجزه عبدٌ لنفسه سوى النيل من سيده - حتى ولو على حساب العبد، فالهدف إذلال السيد لا تكريم العبد، ولعل هذا ما تفعله النساء المستعبدات! - التعاطف والترابط الاجتماعي غريزة عند كل الأحياء، تكاد تموت عند البشر وحدهم، لأنهم أرادوا فصلها عن الطبيعة وتحويلها إلى إنجاز ديني أو واجب أخلاقي! - الحياة الطبيعية هي حياة اللحظة التي تمارسها الحيوانات والنباتات بالفطرة، وليست حياة الزمن التي يتوهمها البشر بسبب خدعة الذاكرة .. حياة الزمن هي حياة المبادئ، والمبادئ هي تلك الأوهام التي تتلاشى عند المآزق والمغانم الكبيرة والمؤكدة! - عدم مرور الإنسان باختبار حقيقي، يجعله يتوهم بأن مبدئيته حقيقة! - إنسان مزاجي يعني إنسان طبيعي بلا قناع – تغيراته الطبيعية يمكن ملاحظتها بسهولة ولحظة حدوثها! - غير المزاجيين هم أناس مزاجيون، يرتدون أقنعة سميكة، تعيق غيرهم عن ملاحظة مزاجيتهم! - حياة جل البشر مجرد قرابين لمعتقداتهم، الكل يبحث عن هدف يُقنعه بتفجير نفسه - جسديًا أو أخلاقيًا! - بسبب قيمة وهمية ضاعت على البشر فرصة حياة طبيعية ذات قيمة حقيقية واقعية! - واضعو معايير الأخلاق مثل واضعي القوانين، لا بد أن يكونوا خارج دائرة تطبيقها! - بعد أن ينتهي كل شيء، ستتوقف كل المآسي والآلام، وتختفي منظمات حقوق الإنسان، لكن ليس قبل ذلك! - الشكل الموحد للبشر خدع الفلاسفة فافترضوا أن كل البشر يفكرون مثلهم، وأفكار الفلاسفة الجميلة عن البشرية أوهمت البشر بأن الفلاسفة مثلهم! - لا يزال جل البشر يجهلون أو يرفضون الإقرار بحقيقة أن الفلاسفة مجرد شواذ للقاعدة البشرية! - عموم البشر يفتقدون للذات الفلسفية الحاملة للشك، ولذلك هم مستوردون جيدون للقناعات المعلبة الجاهزة! - الإنسانية ليست صفة بشرية مثل الحياة على الأرض ؛ الإنسانية شيء أنجزه بعض البشر مثلما أنجز غيرهم الوصول إلى القمر – إن كان أيٌّ منهما قد حدث! - الزواج مسرحية هزلية ممنوع فيها الضحك، تؤدي فيها المرأة دور العبد المُكرَّم، والرجل دور السيد الذليل! - خطؤنا غير مقصود، لكننا مدينون لأبنائنا باعتذار! - من أدخل غيره سجن الحياة، فإن أقل ما يتوجب عليه فعله تكفيرًا عن خطيئته، أن يفتح لهم باب الخروج، ويتحمل وزر انتحارهم كما اقترف إثم إنجابهم! - من أصبح أبًا لم يعد صالحًا لأكثر من ذلك – مجرد مُربي ضحايا أو جلادين، حري به أن يخجل ويندم ويرحل حالما أَدرك جُرمه وأصلح منه ما استطاع، قبل أن يرى من خطيئته ما لا يمكنه تحمله ولا إصلاحه! - أن تنصح أحدهم بعدم الانتحار، يعني أن تعطيه طرقًا متعددة لإضاعة الوقت وتجرع الآلام، بانتظار الموت بطريقة أخرى، هي أشد إيلامًا عادةً! - شروط الموت أصعب من شروط الحياة، إذا تحققت فليس من الحكمة تفويتها، فالحياة بعدها مجازفة! - موت اختياري أمرٌ يمكن تحمله، لكن حياة إجبارية أمرٌ أكبر من طاقة الإنسان! - لو أن أول عاقل تزوج، تكلم وقال الحقيقة وأجاد الوصف، لما تزوج بعده عاقل، .. وكذلك أول أب! - إذا أبدى أحدهم إعجابه بنا أو حبه لنا، فإنه يجدر بنا التريث وكتمان الشعور وعدم الاستعجال بالسرور، فغالبًا ما يكون السبب هو غباءه أو حاجته، وليس فهمه لنا وجدارتنا بإعجابه أو حبه كما نتوهم عادةً! - لا تنفك الحياة تهمس بأذن محاميها: سأفضحك يومًا! - تقبيح البشر للممارسات الجنسية هو تقبيح للحياة، فالمتعة الجنسية وحدها القادرة على تبرير الحياة حتى في الجنة! - الفرق بين قوانين البشر الأخلاقية وقانون الغاب، هو أن قانون الغاب لا يتجاهل ضعف الحيوانات الضعيفة، ولا يُحمِّلها مسئولية ضعفها، فلا يفرض عليها الحياة وفق معايير الحيوانات القوية - لا يُجبرها على الرياء! - فلسفة الحياة هي الحقيقة اللا منطقية – اللعبة الجادة، لهذا السبب يرفضها المبدعون وينتحرون عادةً، لأنهم محكومون فطريًا لا اختياريًا بالحقيقة المنطقية! - الحياة أشبه بمونديال رياضي، مجرد ألعاب ولاعبين، لكن لا بد من وجود حُكام حقيقيين، وبطاقات صفراء وحمراء حقيقية، وتخطيط دقيق للملاعب، ومُدد زمنية محددة للمباريات، .. الخ، .. كل هذا الجِد والتعب من أجل أن تكون الألعاب ألعابًا حقيقية ..، الفائز لا يكسب سوى لعبة، والخاسر لا يخسر سوى لعبة، لكن الفوز والخسارة يبدوان حقيقيين ..، هذا هو السهل الممتنع عند المبدعين في علاقتهم بلعبة الحياة الحقيقية! - كأنما الحياة مؤسسة، عموم البشر مجرد عمال فيها، تهمهم فقط رواتبهم، لا تهمهم قانونية المؤسسة من عدمها، بينما يؤدي المبدعون دور محاميي المؤسسة! - تبدو مفارقة الحياة قد كُتِبت بلغة لا يُجيد قراءتها غير المبدعين، ولا يمكنهم إلا قراءتها، فكان إبداعهم أشبه باللعنة عليهم! ليس فهم فلسفة الحياة ومفارقاتها معضلة، المعضلة في ضرورة مع استحالة التوفيق بين رفضها وممارستها! كل البشر – تقريبًا – يُمارسون الكذب وكل يوم ..، لكن كلهم – بدون تقريبًا – يرفضون وصفهم بالكاذبين! يمكن اعتبار عموم البشر محظوظين بعدم توقفهم عند هذه المفارقات السافرة التي تُمثِّل مذاق الحياة، لكن لا يمكن وصف سلوكهم هذا بالصواب العقلاني! جُل ما يكتبه وما يفعله المبدعون طوال حياتهم، هي صور مختلفة تُعبِّر عن محاولاتهم لتبرير وعقلنة فكرة الحياة أو فكرة اللعبة الجادة هذه، بقصد استساغتها من أجل قبولها منطقيًا .. وهو ما لا يتحقق لهم أبدًا! - يمكننا معرفة قيمة الزواج من خلال كونه متاحًا للكل، وقيمة التكاثر من خلال كونه رمزًا لتفاخر الفقراء ومجال نجاحهم الوحيد ..، وكذلك نعرف قيمة الحياة! - نحن في الأصل نُحب كل البشر، لكن بعضهم يمنحنا الفرصة للتعبير عن حبنا له وبعضهم لا يمنحنا فرصة، وبعضهم يُجبرنا على البوح بحبنا له وبعضهم يُجبرنا على كتمان الحب! - نحن ضحايا لقوة الذاكرة وضعف الإحساس لدينا .. ولادة إنسان وموت إنسان هي مجرد حالة مُكبَّرة لولادة خلية وموت خلية داخل أجسامنا .. عدم إحساسنا بموت الخلايا داخلنا يحرمنا الكثير .. انعدام هذا الإحساس يحرمنا خوض تجربة الموت أثناء الحياة والوعي .. عندما نتمكن من الإحساس بموت الخلايا داخلنا، نصبح في حالة خوض مستمر لتجربة الموت والحياة، ويصبح موتنا التقليدي مجرد موت جماعي للخلايا، فلا يعود الموت معضلة أو لغزًا كما يبدو الآن لجُل البشر! إحساسنا المتواصل بالحياة هو إحساس بوجود أحدث أو آخر خلايا استجدت فينا دائمًا ..، أي هو إحساس بحياة الخلايا المتجددة في كل لحظة .. الحياة لحظية وليست خطية كما نتصور .. الشيء الوحيد الخطي أو المتصل فينا هي الذاكرة .. عندما نفقد الذاكرة لا يعود الموت يشغلنا أو يخيفنا، ذلك لأنه لا يعود للماضي والمستقبل حضور في وعينا ولا تأثير علينا، فتصبح مخاوفنا وقناعاتنا لحظية فقط ، وهذا في الحقيقة هو ما ينبغي أن يكون عليه الحال دائمًا، فالحياة حالة من حالات الوجود، والوجود يعني تغير لحظي مستمر لا مكان فيه لماضٍ ولا لمستقبل - مجرد حاضر متجدد باستمرار! نحن البشر وحدنا دون غيرنا من الكائنات، صرنا نتاج ثقافات وضحايا معتقدات ولم نعد أبناء طبيعة .. نحن إذن ضحايا لقوة الذاكرة وضعف الإحساس لدينا، فهل نتمكن يومًا من الإحساس بموت الخلايا فينا، ونخوض بذلك تجربة الموت، ويموت بذلك اللغز؟ أو نتحكم بذاكرتنا فلا نتذكر إلا ما نريد، أو نجعل ذاكرتنا لحظية فقط، فلا يُحزننا خيال ماضٍ لا وجود له في الكون، ولا يخيفنا وهم مستقبل لا يمكنه أن يتجاوز في الحقيقة هذه اللحظة التي نحن فيها دائمًا؟ - مأساة الإرهابيين أو المتطرفين دينيًا، تكمن في أنهم مرفوضون بسبب صِدقهم مع غيرهم ومع دِينهم! - إذا امتدحت معتقدك بما يخالف حاضره وماضيه، فأنت تجهله أو أنك تتحدث عن حُلمك لا عن معتقدك! - الوسطية في الدِين تعني استعمال الدين لا تطبيقه، ولذلك هي فاشلة دائمًا! - الدِين يأمر الأقوياء من أتباعه صراحةً، باستعباد أو قتل الضعفاء الأبرياء من أتباعه ومن غيرهم، فهو قائم على الإكراه أساسًا وما كان ليستمر لولا ذلك، إذن فالصواب هو أن يُستعبد أو يُقتل الضعفاء الأبرياء، أو أن يُعاد النظر في الدِين، أما الحديث عن الوسطية فليس صوابًا، بل هو مجرد تحايل على البشر والدين! - لا تكون الحياة إلا ناقصة، ولا يكون الموت إلا كاملاً، لذلك ينتحر كل من يعشق الكمال، ويموت كل من تقترب خبرته في الحياة من الاكتمال! - نحن نفتعل أسبابًا للحياة ونصنع لها دعائم اجتماعية، لأننا نعرف ونشعر في قرارة أنفسنا بأنها تفتقد للمبرر! - إذا عاش الحذر بين الأصدقاء، ماتت الصداقة! - إذا دخل الكذب بين الأزواج، أصبح زواجهم مجرد كذبة تنتظر مناسبة تفضحها! - إذا فقدت قدرتك على الصمت والوحدة، فهذا يعني أنك قد قلت سابقًا ما لا ينبغي قوله وفعلت ما لا ينبغي فعله، وما هوسك بالكلام والاختلاط الآن سوى محاولات لمحو ما قد كان، وهو ما لن يحصل أبدًا، لكن جهودك لن تذهب سُدًى، فهي حتمًا ستفاقم الأمور يومًا بعد يوم، وسيعلم بأمرك من لم يكن يعلم! - لا تدَّعِ السعادة وأنت التعيس ولا الحزن وأنت السعيد، فإنك إن كنت ستحاسب فعلى الكذب وحده ولا شيء غيره، فكل ما عدا الكذب تحصيل حاصل! - شعورك بالألم مع كل خطأ عابر تفعله، هو دليل توهم لديك بأن مجاملات الناس لك تعكس حقيقة مشاعرهم تجاهك، فتحرص أنت عليها بإيذاء نفسك دون مبرر! - كل هدف تنجزه لتوهم نفسك بأنه مبرر لحياتك، تفعل ذلك وأنت تعلم بأن هناك الآلاف غيرك متأهبين لإنجازه، ينتظرون غيابك لتبرير حياتهم بهدفك، وكلكم تعلمون أن إنجازه وعدم إنجازه سيان، فلا يوجد هدف عام للوجود البشري، ولا مغزى ولا قيمة لحياة الأفراد! - السؤال المنطقي والطبيعي هو لماذا وُلِدت وليس لماذا أموت، فالاستثناء هي الحياة وليس الموت! - ليس دقيقًا القول بأننا لا نعرف شيئًا عن الموت، فالموت ببساطة هو ما كنا عليه قبل الحياة ..، نحن تمامًا كالمعادن، بل نحن ضربٌ من المعادن، نتواجد في الطبيعة على شكل جزيئات منفصلة في مناجمنا، يتم استخراجنا وتصنيعنا واستعمالنا بحسب خبرة وحاجة من يستخرجنا ومن يستعملنا، ثم تنتهي صلاحيتنا، فمنا ما يتم تحنيطه للاحتفاظ به مُصنَّعًا .. أي منعه من العودة سريعًا إلى حالته الأولى، ومنا ما يُرمى ليعود بشكل أسرع إلى حالة سكونه الأولى، ومنا ما يُعاد تدويره وتصنيعه؛ فلاشيء ولا أحد يتشكل ويخرج إلى الوجود بهيئته النهائية من تلقاء نفسه ليكون مسئولاً عن وجوده، أو ليُبرر اعتداده بنفسه وتمسكه بوجوده وحياته! - الجزع من الموت لصالح الحياة سببه اختيارية الحياة وجبرية الموت، لا أفضلية الحياة على الموت! - نتساءل، أيهما أنسب أن يوصف بالمرض: كآبة العارف أم سعادة السطحي؟ أيهما أنسب أن يوصف بالهروب: انتحار الرافض للعبث أم حياة الخائف من الموت؟ - انتحار الرجل المتزوج، عادة يعني فقط تحديد تاريخ الدفن، أما قرار الموت فيكون قد اتخذه يوم أن أصبح زوجًا، ونفَّذه يوم أن أصبح أبًا! - الأبناء هم جهل الآباء مُجسَّمًا! - إذا انتحر إنسان عربي مسلم على الطريقة البشرية التقليدية، فهذا ينبغي أن يُحسب له ويشاد به باعتباره سلوكًا بشريًا – على الأقل .. - العروبة حالة مَرَضية عِرقية، لعلها تَشوُّه جيني، المصابون بها يعتقدون أن المنطق مجرد كلمة تقال لا صدى لها في الواقع ولا ينبغي أن يكون لها، وأن الحق هو ما يُحقق مصالحهم هم دون غيرهم، وأن كل العالم يعرف ذلك ومقتنع به .. تكمن خطورة هذه الحالة في قدرتها على الانتقال لغير العرب عبر المعتقدات الدينية .. عند تحليل سلوك البشر في علاقتهم بالحياة والموت وبالعالم والوجود وبالمنطق والواقع، ينبغي استثناء الإنسان المسلم عامة والعربي خاصة، لأنه ببساطة يحمل مبررات كل سلوك ممكن، فلتفسير وتبرير أي سلوك، يكفي إثبات أن فاعله إنسان وعربي ومسلم في الوقت ذاته .. في الحقيقة، الإنسان العربي المسلم مجرد سلوك في صورة إنسان، ولا معنى لسؤال السلوك عن ذاته، ولا قيمة لتحليله دون معرفة فاعله، والفاعل مجهول دائمًا، فليس الفاعل هو الدين ولا العِرق ولا الثقافة ولا التربية والتعليم ولا العادات، ولا يوجد فاعل آخر! المسلمون ينتحرون بتفجير أنفسهم في بعضهم، ويَقتلون بعضهم ذبحًا لمجرد اختلافات مذهبية فقهية اجتهادية ..؛ وهذا سلوك لا يمكن تفسيره إلا بُغضًا للإنسانية وتسفيهًا للحياة ونزوعًا لقتلها ؛ بينما باقي العالم يهدد المسلمين بمحاكمات إنسانية عادلة لا تتجاوز عقوبتها السجن المؤبد لمن تثبت عليه جريمة قتل عمد ودون سبب! عدم توقف العالم عند هذه المفارقة الإنسانية - هذا الاختلاف العربي الإسلامي عن بقية البشر- في النظرة إلى الموت والحياة والإنسانية، هو أهم أسباب تفشي ظاهرة الإرهاب وسهولة تجنيد الإرهابيين، وهو ما يؤخر يقظة العرب والمسلمين! الموضوع ليس سلوك قلة من المتطرفين، بل هو سلوك عربي إسلامي عام، بدليل عدم وجود مظاهر رفض لهذا السلوك في الشارع العربي المسلم، هذا الشارع الذي خرق الأعراف والمواثيق والقوانين وحطَّم السفارات وأحرق الممتلكات رفضًا لصور مسيئة لرسول الإسلام نُشِرت في صحيفة أجنبية ..؛ هذا يعني أن الشعور العربي والإسلامي لا يرى في ذبح البشر وتفجيرهم أمرًا غريبًا، أي أنهم يتقبلون هذا السلوك ويباركونه، أو أنهم أجهل وأبعد عن البشرية من أن يشعروا ببشاعة هذا السلوك .. وهذا يعني أن العرب والمسلمين يحملون جينًا خاصًا يؤدي إلى فقدان الحس الإنساني وإلى رفض المنطق البشري!

 أن تكون كاتبًا يعني أن تعيش الموت وتموت الحياة! الكتابة شكل من أشكال الحياة، يتطلب استمرارها عدم الغفلة لحظة واحدة عن التوهم بأن وهمًا ما قد يتحقق! - لعل الصيغة الدقيقة والتامة لسؤال العنوان، وهو سؤال مطروح بالفعل، هي: نحن الذين نزعم بأن الحياة لا تُمثِّل لنا سوى لحظة ضجر طويلة .. لماذا لا نغادرها بصمت؟ .. لماذا نخاطب عالمًا نرفضه؟ لماذا نبذل جهدًا لنترك أثرًا في وجودٍ فضَّلنا عليه العدم؟ في الحقيقة الصورة الكاملة للمسألة أكبر من أن تُختزل في سؤال بهذه البساطة ..، لكن لا غرابة، فوضوح النتائج عادةً ما يُخفي صعوبة بلوغها وطول الطريق! لسنا مغرمين بترك أثر من بَعدنا، لكننا في الواقع لسنا سوى أثر لغيرنا، ولا مناص للأثر من أن يترك أثرًا! كان وجودنا مجرد خطأ ارتكبه غيرنا، وليست بعض آثارنا التي نتركها سوى تكرار لذات الخطأ .. خطابنا موجه لأنفسنا ولبعضنا وللقادمين منا – لا لعالمٍ نعرفه ويجهلنا، ونجد لجهله بنا بدل العذر ألفًا! ليس الكلام والكتابة والأفكار سوى إفرازات حتمية للحياة، ولسنا سوى أقلام الحياة وألسنتها وتجلياتها، فما نحن إلا الحياة تفعل بذاتها ما تشاء! يمضي الإنسان عادةً مرحلة من حياته تحت قيادة غيره خاضعًا لتوجيههم، بحكم عامل السن والعادات الاجتماعية والظروف الاقتصادية وغيرها .. هذه المرحلة من الحياة ليست كبيرة لكنها الأهم، حيث فيها توضع الأسس، وتُتخذ قرارات مصيرية عن غير خبرة، وعليها يعتمد ما بعدها ..، أهمها المعتقد الديني والتخصص العلمي والزواج وإنجاب الأبناء .. جُل من استيقظوا وجدوا حياتهم قد أُفرِغت من مغزاها سلفًا .. كثير من الفلاسفة والمفكرين ساعدتهم البيئة والثقافة على النجاة من محاذير هذه المرحلة، فأمضوا حياتهم أحرارًا غير مكبلين، وكفى بذلك مبررًا ومساعدًا على الاستمرار في الحياة برغبة وبدونها بمغزى وبدونه .. في الحقيقة نحن الواقعيين لا نزعم، لا ندَّعي، لا نكابر، لا نخادع أنفسنا ولا ننافق غيرنا، بل نحن نعي ونعني تمامًا ما نقول حين نقول بأننا لا نرى في الحياة سوى صرخة سأم! ما نقوله وما نفعله في كل يوم، لا نعتبره أكثر من ندم وعقاب لأنفسنا على ما كان منا قبله! لكن .. كان لا بد لنا من أن نمارس الحياة كي نرفضها! تبدأ الحياة لا إرادية ثم تتحول إلى مسئولية ثم اختيارية! مجازًا نفصل ذواتنا عن الحياة، لنقول إن الحياة قد عجزت عن إغرائنا .. الحقيقة هي أن الحياة قد عجزت عن تبرير ذاتها فينا، فما نحن سوى الحياة! 

 المشوار الفكري لا ينطلق إلا بسبب خطأ ، ولا يبدأ إلا بخطأ، وليس الصواب سوى توقفه في النهاية! لولا وجود المآسي والآلام في الحياة، وشكاوى البشر وتذمرهم من غياب الحقيقة، .. أي لولا وجود خطأ ، ما كان وجود المفكرين والفلاسفة! لكن ثمة خطأ لا مناص لأي مفكر من الوقوع فيه أو بالأحرى الانطلاق منه، وهو الاعتقاد بأن كل البشر يبحثون عن ذات الحقيقة، ويطلبون ذات الصواب، وأن مقياسهم للحقيقة والصواب مشترك، وهو المنطق والواقع .. البشر لا يبحثون عن حقيقة يجهلونها، هذه هي الحقيقة التي يجهلها كل مفكر بدايةً وبالضرورة، ولا يُدركها عادةً إلا متأخرًا .. في الواقع البشر يبحثون عن حقائق وليس عن حقيقة واحدة، فكل فرد وكل جماعة بشرية، عادةً يبحثون عن الحقيقة التي تعني أو تساوي برهانًا يؤكد صحة تصوراتهم وتخيلاتهم، وليس حقيقة قد تُحطم أحلامهم، وتساويهم بباقي البشر! 
 تتعدد مبررات التمسك بالحياة وطلب الموت، وتختلف من إنسان لآخر – مؤمن وغير مؤمن، غني مستمتع وفقير يحيا على أمل الغِنى، عالم وجاهل، .. الخ، لكن بالنتيجة لا يمكن لأي من هؤلاء المختلفين نزع صفة العبث عن هذه الحياة! هناك من يرى بأن حب الحياة هو شعور تلقائي لا إرادي يمكن تسميته بالمرض الحياتي - مرتبط بكنه الحياة، وتحمله كل الكائنات الحية أساسًا، وهو يحمل في باطنه رغبة في الموت لا في الحياة، حيث إنه يدفع الأحياء إلى التلذذ بالألم والشقاء والإرهاق، وهو ما يمكن رصده عند الإنسان من خلال رفضه للراحة - متمثلاً في كرهه للفراغ وقلقه السريع منه، ما يدفعه دائمًا للبحث عن أي شيء يبذل به جهدًا حتى لو كان ما سيفعله خالٍ سلفًا من المغزى والغاية والمبرر كخلو الحياة ذاتها! منا من يرى في الحياة مجرد خطأ وقعنا به عن غير إرادة منا، لجهالةٍ وربما سوء نية لدى من أوقعنا فيه؛ خطأ كان يمكن ألا يحدث، لكن حدث ما هو أسوأ، حيث كرر أغلبنا ذات الخطأ وأوقع غيره فيما وقع فيه هو .. الخطأ يُصبح مُركبًا ومضاعفًا إذا أورث المخطئ ثقافته لضحاياه، فعلى الأقل ينبغي ترك الأبناء يعبثون مبكرًا لعلهم لا يُكررون الخطأ .. إن مجرد إطالة مدة بقاء الجاني رفقة المجني عليهم يورثهم ثقافته، بينما انتحار الجاني قد يورث المجني عليهم ثقافة إصلاح الخطأ! بعضنا يرى في الحياة صوابًا ونعمة لا ينغصها سوى الموت .. ومنا من لا يقوى على مجرد الحديث عن الحياة لولا اطمئنانه بوجود الموت في نهايتها وفي يده .. لسنا متفقين على تمييز ما يُعرف اصطلاحًا بالصواب والخطأ – في أمور كثيرة، فالكل يرى نفسه مظلومًا، والكل يرى الصواب فيما يفعله هو، ودائمًا يرى أخطاءً غير مبررة فيما يفعله غيره، وليست رؤيتنا للحياة والموت بمنأى عن هذا الاختلاف الطبيعي اللا إرادي العبثي! 
- لو كان لمفهوم الزمن وجود، لكان: ما حدث في الأزل لم يحدث بعد، وما سيحدث في الأبد لن يحدث أبدًا! الوجود يقبع بين بداية لم تبدأ ونهاية لن تنتهي! لمعرفة مغزى الحياة نحتاج أن نتذكر أمرًا لم يحدث!
 - بتدخلنا أو بدونه، كل مشكلة مآلها إلى حل .. كل ما نقوم به هي مفاضلات بين نتائج متساوية، كالمفاضلة بين حياة زائلة وموت حتمي!
 - صراعات البشر هي صراعات وهمية حول حلول لا صراعات حقيقية بسبب مشاكل كما يتوهمون! - كل لعبة ستنتهي كما انتهت من قبل، وسيصل الجميع إلى ذات النقطة ويجنون ذات المجد الذي هو اللاشيء! - شعارات الدين والوطنية هي مجرد وسائل لبلوغ السلطة للخروج من مرتبة مواطن – سواء عَلِم رافعو هذه الشعارات بهذه الحقيقة أو أنها تقودهم من وراء الوعي! - حياة المواطن المحكوم بالقانون هي درجة على سُلَّم الوجود البشري، كل من يتجاوزها يرفض العودة لها، لأنها كعودة الحر عبدًا بعد تحرره! - لا يوجد مواطن إلا ولديه نظرية لحل مشاكل وطنه .. ومصلحة الوطن في نظر كل مواطن هي مصلحته الشخصية مُكبَّرة .. - ما يريده منك الآخرون دائمًا هو ما تريده أنت منهم دائمًا، لذلك لن يُرضيك أحد ولن يرضى عنك أحد بالصورة التي تنتظرها! - لا يزال جل البشر يرددون ذات الأقوال ويكررون ذات الأفعال عبر كل الأجيال، لأن شيئًا لم يتحقق بعد، ولأن البديل هي الحقيقة والحقيقة هي الواقع دائمًا! - تتودد الحياة لمن يسخرون منها وتسخر ممن يتوددون لها! - أصدقاء الحزن لا يُخشى عليهم من شيء غير السعادة! - لا فرق بين أن يتزوج المرء وبين أن يُجن، سوى أن الأول جنون بشهادة العقل! - أن تبغض الموت يعني أنك تعرفه – عشته يومًا أو أنك تعيشه الآن، لكن لا معنى لبغضك شيئًا تجهله! - أن ترفض الحياة يعني أنك قد مللتها! - أن تحب الحياة يعني أنك لم تحصل عليها بعد! - أحلام ما بعد الموت امتداد لأحلام ما قبله .. كلها أوهام ممكنة! - عند درجة الإدراك – أي ما بعد المعرفة – تصبح الأشياء شفافة، .. لا تعود قابلة للرصد! - تجريد الأشياء من قيمتها يعني تجريد أنفسنا من دورها الوجودي! - لماذا لا ندرك الحقيقة النهائية لأي شيء؟ لأن الحقيقة طاقة، والإدراك طاقة مثلها، فإذا التقتا اندمجتا أو سحقت إحداهما الأخرى، فلا يحصل الإدراك أو لا يلتقي الإدراك بالحقيقة أبدًا! - بحثنا لا ينبغي أن يكون عن الحقيقة ذاتها، بل عن المسافة الحرجة التي تفصلنا عنها بما يجعل شعورنا بها موجودًا – لا يقيننا بوجودها متحققًا

الاثنين، 9 يناير 2023

الوجود .. بُعد مزاجي وبُعد منطقي!

0 تعليق


ما نعرفه عن قوانين الطبيعة، أو ما اعتدنا أن ندعوها
 بقوانين الطبيعة، هي في الحقيقة نتائج قوانين الطبيعة وليست هي قوانين الطبيعة ذاتها! قوانين الطبيعة تتواجد وتعمل في البُعد المزاجي، وليس في البُعد المنطقي الذي نتواجد فيه نحن! قوانين الطبيعة هي التي أنتجت المنطق الذي نعرفه، لذلك لا يحكمها المنطق المحدود الذي أنتجته! قوانين الطبيعة ليست عشوائية، لكنها تعمل ببدائل لا محدودة من المنطق، لذلك تبدو لنا عشوائية، أو قياسًا لمحدودية خيالنا وذاكرتنا تعتبر قوانين الطبيعة مزاجية وليست منطقية! ما اتفق العلماء على تسميته بالكوارك مثلاً، هو أحد قوانين الطبيعة، وهو يتواجد ويعمل في البُعد المزاجي، ولديه من البدائل – الفعل و ردَّات الفعل – كل ما هو ممكن حيال كل موقف وتحت كل الظروف التي يمكن أن يتواجد ويعمل فيها في كل لحظة! قوانين الطبيعة بأنواعها وكمياتها وخصائصها هي أزلية أبدية ..، هذا ما يبدو لنا، وهذا ما يمكننا تصوره، ولا يوجد مانع منطقي يعارض ذلك .. القول باحتمال وجود مصنع أو مصدر واحد، هو الذي أنتج قوانين الطبيعة، هو احتمال منطقي، لكن لا حاجة بنا لافتراضه، ولا قدرة لنا على إثبات وجوده، ووجوده كعدم وجوده بالنسبة لنا، لأنه لا يمكننا التواصل معه، ولأننا مضطرون للتواصل مع نتائج قوانين الطبيعة مباشرة، ولا نعرف وسيطًا أو وصيًا عليها، وقوانين لم تخبرنا بمصدرها، وسواء كانت القوانين ذاتها أزلية أو كان لها مصدر أزلي، فالأمر سيان بالنسبة لنا، خاصة وأن فرضية المصدر الواحد لن تخرجنا من مأزق أو حتمية الأزلية والأبدية! كل ما نراه ونعرفه وكل ما يمكننا رصده وقياسه والتعاطي معه منطقيًا، فهو واقع في البُعد المنطقي لا في البُعد المزاجي! البُعد المزاجي هو البُعد الذي تتواجد فيه الوحدات الكونية البنائية الأولية، التي باتحادها تتكون الذرات، فيتشكل الوجود، ويظهر المنطق كنتيجة لاتحادها، وكسلوك حتمي للتوازن بين مكوناتها - التوازن الذي أدى إلى وجودها .. وهذا هو البُعد المنطقي! بصرف النظر عن التسميات وعن طبيعة المُسمَّى، فإنه يمكننا وضع تصور منطقي مفهوم، للآلية التي تعمل بها قوانين الطبيعة في بُعدها المزاجي، والتي أنتجت بُعدنا المنطقي المادي .. مثلاً، تحدث العلماء عن شيء أسموه بوزون هيقز، واعتبروه مسئولاً عن تشكل المادة – تماسك الذرات وإنتاج كتلة! بصرف النظر عن التسمية كما أسلفنا، وبصرف النظر عن إدراكنا لطبيعة بوزون هيقز من عدمها، إلا أنه منطقيًا يمكننا القول بأن وجود كمية محدودة من بوزون هيقز في الكون هي فرضية منطقية وممكنة .. ومحدودية بوزون هيقز، تجعل كمية المادة في الكون محدودة ..، رغم توفر المكونات الأخرى .. وهذا يجعل من وجود الكواركات وغيرها من الوحدات الكونية أو الأمزجة الفاعلة أو قوانين الطبيعة، غير مرصودة لدينا أو أنها خارج منطقنا المحدود المحكوم ببوزون هيقز، لأنها تتواجد في بُعدها المزاجي، وتحتاج إلى بوزون هيقز لكي تتحد، وتأخذ شكلاً منطقيًا محدودًا، لكي تدخل البُعد المنطقي، ليكون بمقدورنا رصدها أو الإحاطة بمعادلات سلوكها! إذن تكوُّن المادة يتطلب قوانين طبيعة، وهي متوفرة بكثرة، لكنه كذلك يتطلب بوزون هيقز (مادة لاصقة) وهو متوفر بكمية محدودة ..، لكنه متوفر، ولذلك تكونت المادة ..، ومن المادة نشأت الحياة، ومن الحياة ظهر الإنسان .. الإنسان كغيره من الموجودات، ما هو إلا مادة قوامها ذرات، وكل ذرات الوجود مشحونة بالطاقة، وكلها نتاج لقوانين الطبيعة، وبالتالي فإن سلوكها منطقي حتمًا! سلوك منطقي، يعني أن لكل فعل ردة فعل محددة وثابتة، في الظروف المتطابقة! وحيث إن الإنسان كائن حي، فإن ذراته متجمعة في خلايا حية، وبذلك فهو معمل كيميائي متنقل تجري داخله تفاعلات كيميائية طوال حياته، نتائجها تتأثر حُكمًا بظروف التفاعل – ظروف تواجد الإنسان! قوانين الطبيعة تعمل داخل الذرات والخلايا، وهي التي تحكم وتحدد سلوك الأشياء في هذا الوجود، وليس الإنسان سوى شيء من جملة الأشياء! نتائج قوانين الطبيعة هي هذه التوازنات الطبيعية المنطقية الحتمية، التي يفرضها التقاء واتحاد عناصر مختلفة الخصائص، بحسب ظروف ومعطيات كل لحظة! عناصر مختلفة الخصائص، يعني ذراتها مختلفة! هل الإنسان هو الكائن الوحيد الواعي على الأرض؟ الإنسان ليس هو الكائن الوحيد الواعي على الأرض، بل إن كل شيء له نصيب ودرجة من الوعي، لكن الإنسان له النصيب الأوفر من الوعي قياسًا لغيره من الموجودات في البُعد المنطقي! البُعد المنطقي هو البُعد الوجودي، أي البُعد الذي تشغله الأشياء المُركَّبة، وليس الأشياء البسيطة! الأشياء المركبة هي الأشياء المتكونة من اتحاد عناصر مختلفة، أي أنها حادثة وآيلة للتفكك والزوال! الذرة، الإنسان، الجبل .. الخ = أشياء مركبة! الأشياء المركبة محكومة بالمنطق وجوبًا، لأن اتحاد مكوناتها لا يكون إلا بحدوث توازن بينها، وهذا التوازن هو الذي ينعكس على شكل معادلة منطقية تحكم سلوك هذه الأشياء في شكلها النهائي المرصود .. البُعد المزاجي هو البُعد الكوني، أي البُعد الذي تشغله الأشياء البسيطة! الأشياء البسيطة هي الأشياء الأولية التي لا تتكون من عناصر مختلفة ..، أي أنها كائنة أزلاً وأبدًا .. إلكترون، فوتون، كوارك، .. الخ = أشياء بسيطة! الأشياء البسيطة لا تحتكم للمنطق، بل هي مزاجية وجوبًا، لأنه لا يوجد توازن بين مكوناتها، لأنها لا تتكون من مكونات مختلفة أصلاً .. لماذا كان فارق الوعي لصالح الإنسان في البُعد المنطقي؟ لأن الوعي نتيجة طبيعية للتنقل والمشاهدة، والإنسان هو أكثر الموجودات تنقلاً ومشاهدة في البُعد المنطقي! الوعي باختصار، هو مجموع التجارب أو حصيلة الخبرة .. الوعي عبارة عن مجموع الصور المخزنة في الذاكرة، والتي تشكل مرجعية للقياس عند اتخاذ القرارات .. الوعي يتحول إلى إدراك بعد حد معين .. الوعي والإدراك مقرهما الذاكرة .. الوعي والإدراك قابلان للانتقال بالوراثة – جزيئًا – إلى الأجيال اللاحقة، أشبه بتوارث الغرائز .. لكن الغرائز تنتقل كاملة وليس جزئيًا، لأنها سابقة للوعي والإدراك، والأهم أن مقر الغرائز ليس الذاكرة القابلة للإصابة بالخلل، إنما مقرات الغرائز هي الذرات والخلايا التي لا بد أن تظل كلها أو بعضها صحيحًا سليمًا حتى آخر يوم من حياة الكائن الحي ..، وهذا ما يجعل الغرائز تنتقل كاملة بين الأجيال .. الإنسان أكثر وعيًا من الحيوان، بسبب فارق عدد المشاهدات ونوعيتها! الحيوان أكثر وعيًا من النبات، لذات السبب! النبات أكثر وعيًا من الجماد، لذات السبب! الإنسان والحيوان أكثر وعيًا من غيرهما، بفضل قدرتهما على التنقل، ومشاهدة الكثير من الأشياء والأحداث .. مجيء الإنسان أو الحيوان في المرة الثانية يختلف عن مجيئه في المرة الأولى لذات المكان .. في المرة الثانية يستعمل الحيوان خبرته التي اكتسبها في المرة الأولى، فيدخل مباشرة من الباب أو يذهب إلى مكان الماء مباشرة .. الخ ..، أي أن الحيوان قد تكوَّن لديه وعي بذلك المكان .. في المستوى أو في العالم تحت الذري، أو مكونات ما يُعرف بالعالم الكمومي، هي أكثر وعيًا من البشر، لأنها أكثر منهم حركة وتنقلاً! الإلكترون مثلاً، لديه من البدائل والخيارات حيال كل موقف أكثر بكثير مما لدى الإنسان، لأنه أكثر وعيًا من الإنسان، لأنه أسرع من الإنسان حركة وتنقلاً! عند مستوى معين من السرعة يتحول المنطق إلى مزاج، وهذا هو واقع الحال في المستوى الكمومي .. المنطق = عدد محدود من الأمزجة .. المزاج = عدد لا محدود من بدائل المنطق .. عند المستوى المزاجي، أو في البُعد المزاجي، تصبح البدائل لا نهائية .. المستوى المزاجي هو المستوى الفاعل أو البُعد الخلاق، وهو الذي تتواجد فيه الوحدات الكونية من إلكترونات ونيوترونات وبروتونات وكواركات وفوتونات وغيرها .. البُعد المنطقي الذي يتواجد فيه الإنسان، انبثق عن البُعد المزاجي الذي تتواجد فيه الوحدات الكونية الأولية .. إذا أخذنا الإلكترون – كممثل للأشياء البسيطة أو الوحدات الكونية أو الأمزجة الفاعلة، وأخذنا الإنسان كممثل للأشياء المركبة أو الأشياء المنطقية ..، فإنه يمكننا القول بأن الإلكترون لا بد أن يكون لديه وعي أكثر مما لدى الإنسان بكثير، بل بما لا يقارن .. وعي الإنسان محكوم بالتجربة والخبرة، أما الإلكترون فإنه يعمل كما لو كان لديه وعي مسبق بكل شيء .. الإنسان يعمل في البُعد المنطقي، بينما الإلكترون يعمل في البُعد المزاجي .. الأشياء التي تعمل في البُعد المزاجي، تكتسب التجربة والخبرة الكاملة لحظيًا، أي أنها تختبر كل البدائل والخيارات الممكنة لحظيًا، في كل حدث وكل حالة هي بها، لأنها هي التي تصنع الحدث وتحدد الحالة، وهي التي صنعت الإنسان كحدث أو كحالة ضمن خياراتها اللا محدودة .. الأشياء التي تتواجد في البُعد المنطقي تحتاج أن تمارس التجربة عمليًا لتكتسب الخبرة، ليكون قرارها وتعاطيها أسرع في المرة الثانية مع ذات الحدث وذات الحالة

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2022

الصِدقية الذاتية والمعيار الفطري للحقيقة!

0 تعليق



 .. الصِدقية في اللغة، هي مطابقة القول للعمل! الصِدقية الذاتية، يمكن تعريفها، بأنها اعتناق الإنسان لعقيدة الحقيقة، وما يستوجبه ذلك من التزام شخصي ذاتي بسلوك الصِدق- بغض النظر عن المنفعة! والتزام الصِدق كسلوك، هو في الواقع أمر يتجاوز القول باللسان إلى الفعل..، فلا يكون الإنسان صادقًا وسارقًا – مثلاً، إذ لا بد للسارق من أن يُبيِّت نية الإنكار.. أي الكذب! نقول صِدقية ذاتية وليس صِدقًا ذاتيًا، ذلك ليشمل المعنى القول والعمل! الصِدقية إذن هي تقديم الحقيقة على المصلحة في ميدان التعامل والتواصل البشري! وبهذا المعنى يكون من باب أَولى حِرص الإنسان على طلب الحقيقة في علاقته المفترضة بالإله، ويكون الشعور بالاطمئنان هنا تحصيل حاصل؛ فإذا كانت الحقيقة لا تكفل المصلحة بالضرورة، فإنها لا تتعارض مع العدالة حتمًا؛ وهذا هو مصدر الالتزام وسِر الاطمئنان، في حال الصِدقية الذاتية! إنه لا يمكننا بأي حال، إلا اعتماد المنطق في تقييم علاقة الحقيقة بالعدالة، بما يعني وجوب تحقق العدالة بإنصاف الصادقين؛ ذلك لأن البديل هو افتراض الظُلم، وفي أحسن الأحوال افتراض المزاجية والعشوائية والعبث، والمحصلة في الحالتين هي انعدام الرؤية وحتمية التخبط، وهذا بدوره يلغي كل الثوابت ويجعل كل الاحتمالات قائمة، ويُفضي بالضرورة إلى نتيجة مفادها أن أي اعتقاد وأي سلوك يمكن أن يؤدي إلى أي نتيجة! قال أحدهم: الكذب يهدم الحُب، والصِدق يمنع الحرب! مما لا شك فيه أن كل مَن يتمتع بالصِدقية الذاتية، لا يمكن أدلجته أو خِداعه وتحويله من إنسان طبيعي واقعي باحث عن الحقيقة، إلى إنسان أجوف متعصب – يدَّعي أو يتوهم امتلاك الحقيقة! وبذلك يمكننا إثبات أن افتقارهم للصِدقية الذاتية، هو ما يجعل المتطرفين يحرصون على إلحاق الضرر بغيرهم، ولا يحرصون على التحقق من مدى صواب معتقداتهم وفتاواهم، التي تحضهم على ازدراء وقتل الآخرين! إن من عوامل انتشار الوهم على حساب الحقيقة، هو عدم إدراك الكثيرين لحقيقة أن الصِدق قرين الشك، وأن الكذب قرين اليقين! فالحقيقة الوحيدة المؤكدة والمشتركة بين البشر في هذا الكون، هي أنه لا أحد يُدرك الحقيقة المطلقة! ومن ذلك، أن فقهاء المعتقدات والمذاهب لا يجرؤون على القَسَم والجزم بصحة إيمانهم وقبول أعمالهم ودخولهم الجَنة! إن ترسيخ حقيقة الشك، وفضح أكذوبة اليقين، كفيل باجتثاث الوهم، وتحرير وعي البُسطاء من سيطرة أفكار الحُذاق..، حيث إن مجرد عدم الجزم بحقيقة ونتائج الأمور، هو قوة كافية لتفعيل العقل، ودافع للبحث والتفكير والتثبت وطلب الحقيقة، وبالتالي رفع مستوى الوعي والتحلي بالمسئولية لدى أضعف البشر قدرة على التفكير! وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة أن كل الحروب الكبيرة والصراعات الصغيرة، جميعها لا يمكن أن تقوم وتستمر إلا إذا تمت تغذيتها بالكذب وادعاء اليقين- من كل الأطراف أو من أحدها-، وذلك لاجتناب التحقق وللتغطية على السبب الحقيقي، والذي عادة ما يكون مصلحة لفئة محدودة من البشر – مصلحة عاجلة أو آجلة -، وقد تكون المصلحة وهمًا ناجمًا عن كذبة تاريخية متوارثة؛ وفي كل الأحوال لا بد من اللجوء إلى الكذب وادعاء اليقين لاختلاق سبب مباشر لإيقاد الحروب والصراعات واستمرارها..، عودة إلى أصل الموضوع قالوا: اجتنب الكاذب كما تجتنب المجنون، فكلاهما ليس منطقيًا! الصِدقية في الأصل، صفة بشرية أساسية، وينبغي أن تكون ذاتية، إذ لا يمكن فرضها من الخارج! ولذلك فإن كل إنسان طبيعي لا بد له من أن يَفترض تلقائيًا وجود الصِدقية الذاتية لدى غيره، كشرط مُسبق لكل حوار وكل تعامل جاد بين البشر الطبيعيين، إذ لو افترض أحد الأطراف الكذب في الطرف الآخر، أو لو أن أحدهم أَقرَّ مسبقًا بأنه ليس صادقًا، فإن الطبيعي والمتوقع هو أن يتوقف الحوار الجاد أو التعامل قبل أن يبدأ، حيث لا جدوى ولا قيمة لأي أمر يخلو من الصِدق! ولعل من البديهي القول إن الصِدق قرين الجِد، فلا حاجة لصِدقٍ في هزل، ولا وجود لجِدٍّ دون صِدق..، ولذلك فإن النفاق يستوجب المزج بين الجِد والهزل! ترتبط الصِدقية الذاتية بالحقيقة ارتباطًا بُنيويًا وشرطيًا، فكل مَنْ يتصف بالصِدقية الذاتية، هو بالضرورة باحث عن الحقيقة دون أدنى اعتبار للنتائج، والعكس صحيح! كل المتصفين بالصِدقية الذاتية – عادةً، تتغير قناعاتهم ومساراتهم وسلوكياتهم في مستقبل حياتهم، ذلك لأنهم سيكتشفون أن ما قيل لهم في بداية حياتهم وشكَّل قناعاتهم وميولهم، لم يكن دقيقًا أو لم يكن صادقًا، وبذلك تسقط عندهم كل الثوابت المستوردة، وذلك بمجرد اكتشافهم أن الأهل وأولياء الأمر كانوا يوجهونهم أو يلهمونهم المبادئ والثوابت والمُسلَّمات، لدوافع تربوية لا يُشترط فيها الحقيقة والمصداقية، لكنها قُدِّمت لهم على أساس الحقيقة والمصداقية، واكتشاف ذلك هو بمثابة اكتشاف خديعة بالنسبة لذوي الصِدقية الذاتية! لماذا لا توجد عقوبة للكذب في أي تشريع – تقريبًا؟ لعل السبب في ذلك، هو أن وضع عقوبة للكذب في مجتمع ما، هو إقرار بوجود وانتشار والكذب في ذلك المجتمع، بينما الكذب يُفترض ألا يكون موجودًا في أي مجتمع إنساني؛ لأن وجوده ينفي القيمة الإنسانية الأخلاقية عن ذلك المجتمع! جدير بالذكر أن كل ما يلحق بالإنسان من ضرر، بواسطة إنسان آخر (سرقة، قتل، اغتصاب، ..الخ)، يمكن معالجته لدى المتضرر، أو معالجته بإلحاق ضرر يُعادله بالطرف الآخر..، إلا الكذب! ولذلك يدفع ذوي الصِدقية الذاتية ضريبة باهظة مقابل صِدقهم، حيث يقعون فرائس سهلة للكاذبين المخادعين الذين يستغلون صِدقيتهم دون رادع! لكن، وبالمقابل يكون انتقامهم وردة فعلهم عنيفة عندما يكتشفون الكذب، فهم يعتبرون الكذب جريمة تمس الشرف والكرامة – خاصة إذا تم ارتكابها باستغلال علاقة أو إذا أدى الكذب إلى الطعن في صِدقيتهم! معلوم أنه لا توجد عقيدة ولا ثقافة ولا تشريع ولا عُرف، يأمر أتباعه بالكذب، أو يمتدح الكذب، أو يحط من قيمة الصِدق! لذلك كان من الطبيعي أن يظهر أناسٌ يتصفون بالصِدقية الذاتية في مختلف الأعراق والثقافات، حيث تلتقي طِباعهم الفطرية وصِفاتهم الوراثية مع التربية الاجتماعية- التربية تنبذ الكذب وتحض على الصِدق في كل الأعراف والثقافات والمعتقدات! قال أحدهم: أدرَكتُ كل شيء فخَسِرتُ كل شيء! لعل صاحبنا بهذه الجملة وبهذا المعنى، قد اختزل واختصر مستقبل ومآل كل مَنْ يتصف بالصِدقية الذاتية، وذلك عندما يقع في طفولته ضحية للثقافات الشعبوية والمُسَلَّمات الخرافية والشعارات القومية، ويصطدم لاحقًا بأنه ربما كان الوحيد الذي صدَّق كل ما كان يُقال له، وأن جُله كان كذبًا! ذوو الصِدقية الذاتية، يعتقدون فطريًا، بأنه لا يمكن لإنسان طبيعي أن يكذب تحت ظروف اعتيادية؛ ولا يتصورون إمكانية وجود علاقات إنسانية وروابط اجتماعية يتخللها الكذب! لذلك هم يُصدِّقون كل ما يُقال لهم في بداية حياتهم، ولا يسعون للتحقق من صِدقيته؛ لكنهم مع الخبرة العملية يدركون عدم صِدقية ما قيل لهم، فيُصدمون به، ولا يُدركون له تفسيرًا، ويعتبرونه من شواذ القاعدة! فإذا تعددت حالات الكذب معهم وتراكمت صدماتهم، فهم لا يُغيرون مبادئهم حيال الكذب والصدق، لكن يُغيرون معاييرهم في التعامل مع البشر، وغالبًا ما تكون ردة فعلهم هي الانزواء واعتزال المجتمع! سؤال: لماذا هُم كذلك؟ جوابهم: لماذا غيرهم ليسوا كذلك؟ والواقع أنهم كذلك لأنهم طبيعيون! لكن لماذا غيرهم ليسوا كذلك، ربما لأنهم ليسوا طبيعيين، وربما لا جواب الآن! إن الطبيعي والمتعارف عليه والسائد، هو أن كل ولي أمر ينصح ويأمر بالصدق، ويُحذِّر من الكذب؛ حتى الأب الكاذب والأم الكاذبة ينصحون ويحثون ويأمرون أبناءهم بالصدق، ويُعاقبونهم على الكذب! وبذلك، يكون إصرار ذوي الصِدقية الذاتية، على الربط بين الصِدق والفطرة والطبيعة.. أمرًا مفهومًا ومبررًا! ويكون نفورهم من الكذب، وتجريمهم له، واعتبارهم له شيئًا دخيلاً على الطبيعة..، أمرًا مفهومًا ومبررًا كذلك! قد يبدو للبعض منا، بأن ذي الصِدقية الذاتية، هو إنسان مثالي خيالي طوباوي! لكن في الواقع، هم ليسوا كذلك، بل هم واقعيون عمليون علميون! إنهم يعتقدون بأن كل المعاملات التي تستوجب الكذب، لا بد أن تكون معاملات ثانوية يمكن الحياة بدونها، وأن المعاملات الأساسية الضرورية لحياة الإنسان لا بد أن تكون ممكنة دون الحاجة للكذب..، وإلا فإن كل المبادئ ينبغي إسقاطها، حيث لا قيمة ولا أساس لمبدأ يخلو من الصدق! ذوو الصِدقية الذاتية، لا يقولون بأنه يجب على الإنسان ألا يكذب، بل يعتقدون بأن الإنسان الطبيعي غير قادر على الكذب في الظروف الاعتيادية! والظروف غير الاعتيادية، القادرة على دفع الإنسان إلى الكذب (إغراءً أو إكراهًا)، هي تلك المستويات التي لا يكون الإنسان طبيعيًا عندما يقع تحت تأثيرها، وهي أقصى حالات الفزع أو أقصى حالات الإغراء! الفزع: من الموت أو من العذاب.. مثلاً! الإغراء: يكون ماديًا، ويكون جنسيًا! مثلاً: من المتوقع أن يكذب الإنسان، إذا كان سيجني من وراء الكذب ما يغير حياته من متسول إلى مليونير! ولذلك فإن الأمانة أمام مثل هذا الإغراء، تُعدُّ خرقًا للعادة، ويُعدُّ فاعلها رمزًا للأخلاق! إذن من المفهوم ألا يكون الإنسان طبيعيًا إذا وقع تحت تأثير مثل هذه الظروف فوق الاعتيادية، وبالتالي يُتوقع منه الكذب؛ لكن ما دون ذلك من ظروف، فهي ظروف اعتيادية، وهي بالضرورة أقل من أن تُخرج الإنسان عن حالته الطبيعية؛ والمتوقع دائمًا هو أن تصمد قوة الصِدقية الذاتية الطبيعية لدى كل إنسان طبيعي أمام الظروف الاعتيادية..، هكذا يُفكر ويعتقد المتصفون بالصِدقية الذاتية! هم يعتقدون بتبرير ممارسة الكذب في الظروف الاعتيادية في حالة واحدة فقط، وهي أن يتفق الجميع على ممارسة الكذب في معاملاتهم، فحينها لا يتضرر أحد من الكذب، حيث تغيب الثقة وتصبح الحياة هزلية خالية من الجِد، لا مكان فيها للخداع والنصب والاحتيال..، وهذا ما لا يُلبي حاجة الكاذبين..، فيرفضونه بذريعة حرصهم على فضيلة الصِدق! إن الواقع ليس كما يعتقد ذوو الصدقية الذاتية، ولذلك يبدأ مشوار مأساتهم بمجرد بلوغهم مرحلة الحياة العملية، واضطرارهم لممارستها ومعاملة الآخرين مباشرة- دون مساعدة ودون وسيط-، حيث تتراكم صدماتهم، بتلاشي الشعارات وظهور زيف الحقائق المزيفة، وتتحطم المعايير وتتساقط المبادئ أمام أعينهم، وبأيدي دُعاتها! يمكن وصف ذوي الصِدقية الذاتية بأنهم متطرفون في مواقفهم، لكن تطرفهم مبرر! ويمكن فهم وتبرير تطرفهم بسهولة، حيث إنهم يُصدِّقون بالسجية كل ما يُقال لهم؛ وهم بطبيعتهم يبحثون عن الحقيقة دون أدنى اعتبار للنتائج؛ وحيث إن كل ما يُلقَّن لهم في طفولتهم، يُلقَّن لهم على أساس أنها حقائق مُبرهنة ومؤكدة، ومن بينها أن الصِدق فضيلة، وأن الكذب رذيلة! ثم إنهم يصطدمون باندثار الصِدق تقريبًا، وانتشار الكذب بين الناس في كل المعاملات وعلى كل المستويات، عندها يتسرب إليهم الشك في كل شيء، وينزعون صفة الحقيقة عن كل شيء، ويبدأون في طرح التساؤلات حول كل شيء، فإذا مُنعوا من طرح بعض الأسئلة، حينها تتحول شكوكهم إلى حقائق معاكسة لكل ما قيل لهم! ومن هنا يبدأ بحثهم في كل شيء ومن الصفر، حيث يفقدون الثقة في كل مَنْ عداهم، ويبدأون مشوار البحث عن الحقيقة بأنفسهم ولأنفسهم، وبذلك يبدأ صدامهم مع الوجود والحقائق والآخرين ومع الكذب والكاذبين! ولعل هذا ما جعل صاحبنا يقول: أدرَكتُ كل شيء فخَسِرتُ كل شيء! ولعله ذات السبب الذي أوحى إلى فيلسوف آخر بالقول: إن الحقيقة هي كل ما لا يمكن دحضه، لا كل ما يمكن إثباته! جدير بالقول هنا، إن كل الفلاسفة والمفكرين الأحرار، هم بالضرورة يتمتعون بالصِدقية الذاتية!

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

الحياة موت بطيء والانتحار حياة سريعة!

3 تعليق


منطقيًا، لا مبرر لبُغض الموت، فكيف بتقبيح الانتحار! ما مبرر انتقاد الخروج المفتعل، والدخول قبله مفتعل؟ جل البشر يستقبحون الانتحار، لا لأنه موت، لكن لأنه موت مفتعل ..، موت يصنعه الإنسان وليس الطبيعة .. والحقيقة أن المنتحرين كذلك إنما يستقبحون الحياة ويستهينون بها لذات السبب، فقد تبيَّن لهم أن الحياة مفتعلة – يصنعها الإنسان وليس الطبيعة - وقد اتضح ذلك جليًا للكل في العصور الأخيرة، إذ أصبحت الحياة صناعة بشرية خَلقًا وممارسة، نشوءًا وتطورًا، ولم يعد للطبيعة ما يمثلها في حياة وكيان الإنسان ..، ولعله يكفي التذكير بأنه قد صار الإنسان اليوم هو من يقرر أجناس وأعداد البشر الجدد على الأرض، ومصائرهم! فكيف يكون الإنسان حرًا في صناعة حياة غيره، بينما لا يكون حرًا في صناعة موته هو، وهو الأمر الذي يمكن أن يصنعه حيوان أو حشرة أو غفلة .. الخ! إن البشر بحاجة لتوحيد معاييرهم بخصوص الحياة والموت وعلاقتهم بالطبيعة، لكي يكون رفضهم وقبولهم طبيعيًا ومنطقيا، وليكونوا هم ذاتهم طبيعيون! علاقة الإنسان التقليدية بفكرتي الحياة والموت، نابعة من علاقته المجهولة بالجزء الخفي من الطبيعة .. لكن الجزء الخفي من الطبيعة لم يعد خفيًا كما كان، بينما ظلت علاقة الإنسان بفكرتي الحياة والموت على حالها التقليدي، وهي مسألة وقت وستتغير كذلك 

 وظيفة رجل الأمن، هي الوظيفة الوحيدة المضمون بقاؤها حتى آخر الزمان .. تشريعات البشر موضوعة ضد فطرتهم، لذلك سيكونون بحاجة دائمة لرجال الأمن، وسيبقى رجال الأمن في حالة عمل متواصل إلى أن يفنى البشر أو تتغير تشريعاتهم .. تشريعات البشر يضعها ويقوم على رعايتها أناسٌ لا تُطبَّق عليهم، باعتبارهم هم من يُشرف على تنفيذها! فلسفة التشريعات تقوم على تقديس الحياة من جهة، وحرمان جُل البشر من أمور ضرورية للحياة من جهة أخرى، مما يضطر المحرومون إلى التمسك بالحياة من جهة، وتجاهل التشريعات وتجاوزها من جهة أخرى - تحت ضغط فطرتهم البشرية وحاجاتهم الحياتية، فيظهرون وكأنهم مذنبون ومجرمون، فيكتب عنهم الكاتب ويقرأ القارئ ويتحرك الشرطي ويتكلم عنهم السياسي ويدافع المحامي ويحكم القاضي .. الخ .. الكل في النهاية مشغول ويعتقد أن حياته مبررة .. وبذلك تدور عجلة الاقتصاد، وتبدو الحياة مبررة، وتستمر كما خطط لها واضعو التشريعات المستفيدون مرحليًا من استمرار الحياة على حساب الغافلين .. جل القوم واهمون، لكن المحرومين الممنوعين من الموت عقائديًا والممنوعين من الحياة واقعيًا، وحدهم من يدفع الثمن الباهظ بلا أدنى مبرر سوى الغفلة! 

لماذا نكتب عن الانتحار؟ ولماذا نبرره؟ لأننا عشنا بداية خديعة كبرى، أهدرت حياتنا بلا هدف، ونراها مستمرة، جعلت الوجود البشري مجرد مهزلة! عندما انتبهنا، وأحسسنا بشدة الألم وهول الفاجعة، رأينا أنه من واجبنا تنبيه غيرنا من أمثالنا، حتى لا يكونوا ضحايا لنهاية الخديعة كما كانوا ضحايا لبدايتها، ونحن لا نخاطب الواهمين والسطحيين! إنه وبعد مستوى معين من الوعي والإدراك، تصبح الكرامة جزءًا حقيقيًا من كيان الإنسان، وليس مجرد شعار أو قناعة عابرة يمكن تغييرها، .. أي أن كرامة الإنسان تصبح مقدمة على حياته! ولأن الوجود بلا غاية هو أمر لا منطقي ولا معنى له .. ولأن حياة جل البشر خالية من الكرامة .. لذلك لا نرى مبررًا لتجريم الانتحار، عندما يكون البديل هو حياة بلا كرامة، أو وجود بلا غاية! القول بأن الانتحار مُحرَّم إسلاميًا، هو قول مدحوض ، فليس الانتحار شِركًا، وكل ما دون الشِرك مغفور .. ولا ينتحر الإنسان إلا لأنه لم يعد يطيق الحياة، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها .. والكلام في هذا الشأن يطول وكله لصالح الانتحار .. والذين يُرعِبون الناس من فكرة الانتحار، ويدفعونهم لتحمل ألم وظلم وذل الحياة، هم الذين عليهم مراجعة أفكارهم ومعتقداتهم ..، إنا نراهم يقترفون إثمًا عظيمًا بأقوالهم وأفكارهم وفتاواهم ..؛ فكرامة الإنسان مقدمة على حياته في كل الأعراف والأديان والمعتقدات، ولا معنى ولا قيمة لحياة إنسان يمارسها مُكرَهًا دونما رغبة- يمارسها فقط اعتقادًا منه أنها مفروضة، وخوفًا مما بعدها ..؛ إن في ذلك تقوُّلٌ على الحقيقة كبير، فما حاجة الله بحياة إنسان هو يرفضها – بغض النظر عن السبب، والموت خبط عشواء، لا يخضع لمنطق، ولا يفرق بين مؤمن وغير مؤمن، ولا بين ظالم ومظلوم - من حيث عبثية أسبابه ووحشية وسائله ومآسي نتائجه أغلب الأحيان! - ليس صحيحًا نعت المنتحر بأنه هارب من مواجهة الحياة، فهو أساسًا لم يدخلها منافسًا ومتحديًا، بل هو إنسان كريم، لا يمكنه البقاء في مكان لا كرامة فيه، ولا شك أن قلب المنتحر خالٍ من الخوف من الموت، ذلك الرعب الذي يملأ قلوب الآخرين المتشبثين بالحياة! وليس صحيحًا القول بأن الوحدة هي سبب الانتحار، وبأن الوحدة بحد ذاتها مرض – مثل الاكتئاب! الوحدة والانطواء والحزن، عادة يكون سببها رفض الفرد للمجتمع بسبب الكذب والخداع والنفاق والعبثية والسطحية التي يتطلبها التواصل مع المجتمع! والرافضون لسلوك المجتمع، لا بد أن تكون لديهم خصوصية، ولا بد أن تكون لديهم بدائل كالكتابة، لتعويض التواصل مع الناس، كما أنه لا يمكن للإنسان أن ينقطع نهائيًا عن الناس، فلا بد أن يكون له تواصل بدرجة أو أخرى وبصورة أو أخرى .. فإذا كانت الوحدة سببًا للانتحار، فالسؤال ينبغي أن يكون عن سبب الوحدة، لا عن نتيجتها .. ما الذي يمكن أن يقدمه الطبيب النفسي للمكتئب؟ مجرد مهدئات ..، أي مخدرات لتخفيض الوعي، لكي تكتفي قوة الإدراك لدى المكتئب باجترار المعرفة المتوفرة لديه، فلا يتوق إلى آفاق معرفية أبعد! إن للانتحار مبرراته المنطقية المشروعة .. مبررات الانتحار ليست هي الفقر والظلم والألم ..، فالفقراء والمظلومون والمتألمون، ليسوا بحاجة لتبرير انتحارهم، بل هم بحاجة لتبرير حياتهم، وهم مجرمون مذنبون قطعًا ببقائهم أحياء أو أنهم غافلون! إن من أهم مبررات الانتحار هو انعدام مبرر الوجود! مثلاً .. إنسان يبني حياته على خديعة كبرى من الناحية العقائدية والاجتماعية والتاريخية والفلسفية .. الخ! ثم يستيقظ بعد فوات الأوان .. بعد أن يكون قد كبَّل نفسه بزواج وأبناء بسبب الخديعة، ولم يتبقَ له في الحياة سوى سنوات الحسرة والندم .. حينها حتى لو كان وجوده مبررًا، فإن استمرار حياته لا يكون ممكنًا! إن جل البشر مخدوعون، لكنهم أقل إدراكًا وشجاعة من أن يلتفتوا ليروا الخديعة، ولذلك هم ماضون في الحياة، حاملين على رؤوسهم مبررات الانتحار!

الخميس، 16 يونيو 2022

يحتاج الأمر إلى تبرير عندما لا يكون مُبرَّرًا!

0 تعليق

ليست الحياة هي التي تُبرر سلوك البشر، بل البشر هم الذين يفتعلون سلوكيات لتبرير الحياة!
 - محاربة الانتحار والإجهاض والموت الرحيم، أمثلة على رفض البشر لسلوك فطري لديهم، وفرض أجندات ثقافية اجتماعية عقائدية لتبرير الحياة! 
 - مفاهيم حقوق الإنسان، حقوق المرأة، حقوق الطفل، جرائم ضد الإنسانية، .. الخ ..، كلها مجرد سلوكيات لفظية تقدس الحياة سعيًا لتبريرها! لا معنى للقول بوجود ظُلم أو جريمة ضحيتها إنسان وجلادها إنسان ومحاميها إنسان! لا معنى لتصنيف الإرهابي كإنسان، ثم إجازة قتله باسم الإنسانية أو دفاعًا عنها! يمكن أن يوجد ظلم أو جريمة ضحيتها خروف وجلادها ذئب ومحاميها كلب .. لكن لا يوجد ظلم أو جريمة ضحيتها فيل وجلادها فيل ومحاميها فيل .. 
 - الخلط المستمر بين الجد والهزل في سلوك البشر، هو أوضح تعبير تلقائي عن عدم شعورهم بأي مغزى لحياتهم وعدم قناعتهم بأي غاية مفترضة من وجودهم! - المسحورون بسراب المعتقدات لا يمكنهم النظر في عين الواقع، ذلك لأن الواقع مخالف لكل معتقد بالضرورة، فما المعتقدات سوى توهم لأحلام خيالية وتجاهل لمخاوف محدقة! 
 - احتكار أي شيء يمنحه قيمة، حتى لو كان غير ذي قيمة في الحقيقة! - احتكار أقلية من البشر لملذاتها الرغوية (من الرغوة)، مَنَحَ الحياة قيمة فوق حقيقية في نظر المستمتعين والمحرومين على حد سواء، مما جعل الحياة دافعًا للجشع ومصدرًا للوهم، وجعل الموت يبدو قبيحًا دونما دليل ولا مبرر! 
 - نزع القدسية الزائفة عنها يمنح الحياة قيمة مختلفة- قيمتها الحقيقية! - نزع القبح الزائف عنه، يجعل الموت بديلاً إراديًا جميلاً لحياة قبيحة! إذا كان مفهوم الإنسان حقيقة، أو إذا أُريد له أن يُصبح واقعًا، فينبغي الفصل بين الإنسان والبشر، أو بين الضحية وجلادها .. لكن لن يحصل الفصل، لأن الهدف من سلوكيات البشر ونظرياتهم ليس إظهار الحقيقة وإحقاق الحق، إنما الهدف دائمًا هو اختلاق مبررات وإيجاد وقود لاستمرار الحياة بصورتها المغلوطة لصالح الأقلية على حساب الأغلبية، ودائمًا الوسيلة هي خلط المفاهيم عن عمد، لأن إجابة كل الأسئلة تعني إجابة سؤال الحياة، وهذا يعني إفراغ الحياة من معناها التقليدي الزائف! إفراغ الحياة من معناها التقليدي لا يعني أنه سيتوجب على كل البشر الانتحار، بل يعني أنه لن يكون البشر مخدوعين بمعنى وقيمة عامة للحياة لا حقيقة ولا وجود لها في الواقع، إنما سيكون معنى الحياة وقيمتها هي ما تمثله حياة كل فرد لصاحبها بالفعل لا بالاعتقاد والتمني! - عندما تتوزع قيمتها بين البشر بالتساوي، لن تكون الحياة دافعًا لجشع الأقلية ومصدرًا لألم الأكثرية كما هي الآن! -عندما يصبح الانتحار سلوكًا بشريًا جماعيًا واقعيًا، بديلاً لحياة الذل والاستغلال والوهم والبؤس، حينها ستظهر ثقافة شراء الحياة البشرية مقابل الكرامة، وستتوزع قيمة الحياة بين البشر بالتساوي، وهذا هو أسمى وأنبل هدف يمكن أن يضحي لأجله البشر، إذ سيختلفون به عن غيرهم، ويغيرون مسار وصيرورة وجودهم، من وجود بشري إلى وجود إنساني – من وجود حيواني عاقل إلى وجود بشري كريم، فيؤسسون قاعدة وجودية تُبرر إنجاب أجيال قادمة، وتمنح القادمين سببًا منطقيًا للترحم على أجدادهم والتفاخر بهم بدل لعنهم المستحق الآن ..، - كثيرة هي المناسبات والعناوين التي يضحي لأجلها البشر بأرواحهم الآن وليس بينها ما يستحق التضحية، ولعل هذا الهدف وحده الذي يستحق التضحية ويستحق أن يكون مبررًا لوجودهم! إن المساواة الحقيقية قائمة بين الحياة والموت، وليس بين حياة المنعمين وحياة البائسين .. الحياة والموت هما رمزا الوجود البشري – باعتبار أو بافتراض أن الكائن البشري هو الوحيد المدرك للموت والحامل للشعور بالذل والكرامة في الحياة .. - إذا لم تتحقق المساواة بين البشر عمليًا فلا قيمة ولا معنى للتفريق نظريًا بينهم وبين غيرهم من الكائنات! - المساواة بين البشر لا تتحقق بتكافؤ الفرص، لأن القدرات والمهارات العقلية والبدنية ليست متساوية لدى كل البشر .. - المساواة العملية بين البشر تتحقق بالمساواة ثقافيًا بين مفهوم الحياة الكريمة والموت، وتفضيل الموت على الحياة الذليلة .. - لا هدف أجمل وأثمن وأنبل من فعل ينقذ صاحبه من حياة الذل والألم، ويضع اسمه على قائمة المؤسسين لمبدأ المساواة الحقيقية بين البشر، ومبدأ التفريق العملي الواقعي بين الإنسان والحيوان! 

 مفهوم الحكمة .. - ليست الحكمة هي الانتصار للحق، وليس الهدف من الحكمة هو إظهار الحقيقة .. - الحكمة هي الخضوع للواقع، والهدف منها هو المحافظة على الحياة وحسب .. - الحِكمة باختصار هي إتقان وممارسة الخداع والنفاق والتغابي والهروب، كبديل للمواجهة المباشرة للواقع والحقيقة! - الحياة تقوم على الخطأ واللا منطق، وانعدامهما يعني انعدامها! - عند البحث في أي مسألة تتعلق بالحياة على الأرض، فإن الهدف من البحث لا يتعدى محاولة لمعرفة نوع وحجم الخطأ ومصدره في تلك المسألة، وليس بحثًا عن المنطق أو الصواب .. - غافل من أنفق حياته في تعريف البشر بالمنطق والصواب .. - واهم من ظن أن المتخاصمين يجهلون الحل المنطقي لخلافهم! 

- لطالما كان الكلام سببًا للخلاف بين متفاهمين! - كثيرًا ما كان الصمت سبيلاً للتفاهم بين مختلفين! - جُل مناسبات البشر عبارة عن أحداث مفتعلة لممارسة الكلام! - أن نصمت بذات الفهم أهم وأفيد من أن نتكلم بذات اللغة! - عند التواصل الصامت يتم التركيز على الفهم كهدف فيحصل التفاهم، بينما عند التواصل الناطق يتم التركيز عادة على عدم التفاهم حَذَرًا أو سوء ظن، فلا يحصل الفهم! - التفاهم لا يعني تطابق الفهم، فتطابق الفهم لا يكون إلا بين المرء ونسخة منه .. هذه حقيقة يجهلها جلنا! - التفاهم يعني فقط تبادل الشعور بالأمان! - الاعتقاد بأن تطابق الأفهام ممكن، وأن سبيله الكلام، هو اعتقاد خاطئ جعل الصمت أقدر على تحقيق التفاهم من الكلام! - يمكن اعتبار القدرة على الكلام، مصيبة ابتلي بها البشر أكثر منها ميزة، فأدمغة البشر لا تستعمل ذات المعايير ولا ذات المراجع لتحليل الكلام المسموع، ناهيك عن غياب الثقة، وبذلك كثيرًا ما كان الكلام سببًا في نشوب خلافات من غير سبب، ووقودًا لتأجيج خلافات كانت محدودة! - تجاهل وجودك واترك جسدك للحياة تستهلكه بطريقتها، وستشعر بالوهم المُسمَّى سعادة! - أقصر طريق لرفض الحياة هو الجدية في طلب الحقيقة!

الثلاثاء، 31 مايو 2022

تشريع الزيف وتمرير الخُرافة لتبرير الهَوَس بالخلافة

0 تعليق



من البديهي القول: إن تغطية الحقيقة لا تجعل من الزيف حقيقة، وغيابها لا يُكسبه صفاتها..، تمامًا كما أن العجز عن تحديد السبيل الصحيح، لا يُبرر السير في السبيل الخاطئ! نظريًا، ممارسة الزيف فعل مُجرَّم، وحصول الوهم نتيجة مذمومة – وفق مبادئ ومعايير الأعراف البشرية! لكن في الواقع، يجري تبرير الزيف وافتعال التَوَهُّم في جُلِّ مناحي الحياة البشرية، وعلى أوسع نطاق وبعلم ومباركة الجميع – تقريباً! 

للزيف وجوه اجتماعية، منها.. من المفارقات أن يكون الإنسان هو الكائن الوحيد أو هو أشد الكائنات نبذاً للزيف وادعاءً لحب الحقيقة والبحث عنها، وفي ذات الوقت يتفرد بممارسة الزيف وقبوله، بل ويضع له التشريعات..، ابتداءً من تفرّده بارتداء الملابس التي تحولت وظيفتها من ستر العورة إلى إخفاء الحقيقة..، وكأن حقيقة الإنسان عورة! حيث أصبح اللباس ميداناً ووسيلةً للتنافس على الظهور بصورة مهيبة أو مُخيفة أو مغرية أو بريئة…الخ، وذلك حسب الغاية لا حسب الحاجة! فالصورة التي ترسمها الملابس لمرتديها في مخيلة الناظرين لا تعكس حقيقته، ولم تقف عند وظيفتها الأساسية المتمثلة في إخفاء عورته، بل تجاوزتها لتعكس رغبته في إبراز عيوب الآخرين – الأقل منه مقدرة مادية – على إخفاء عيوبهم! بالنتيجة، كل البشر يحرصون على الظهور بصورة مُزيَّفة – تم تشريعها في عرف البشر، وهو الزيف الذي لا يُمارسه غير البشر، وهم الذين ينبذون الزيف ليلاً نهارا! ليس بين البشر- مثلاً- من لا يتجمّل، ليُخفي صورته الحقيقية، ويظهر بصورة مُزيَّفة يوم زفافه..، ويتقبل منه الطرف الآخر ذلك، ويُبرر له المجتمع تزييفه للحقيقة! وما ذلك إلا زيف متبادل، لإظهار شعورٍ كاذب بسعادة مفتعلة في مناسبات وهمية.. تعكس خَواءً قيميّا لدى البشر، مُرعِباً للعارفين والصادقين! ومع امتداد الطريق تنتهي صلاحية رخصة التزييف، ليجد الأصدقاء والجيران والزملاء والأزواج أنفسهم مضطرين إلى إظهار معظم حقائقهم ومواجهة حقائق الآخرين – شكلاً ومضموناً –، مما يؤدي إلى ظهور الخلافات وتبادل الاتهامات بالتزييف والخداع، لتنتهي العلاقات بالفراق أو الاستمرار القسري الناجم عن الحاجة وقلة الحيلة! 

 للزيف وجوه سياسية، منها .. قلَّما وُجِد رئيس أو زعيم مفكر، يمتلك مَلَكَة أو آلية إنتاج الأفكار الخلَّاقة، لكي يستحق أن تُنسب له إنجازاته، فجُل الرؤساء لا يُمثلون الصورة المرسومة لهم في مخيلة شعوبهم وخصومهم – على حدٍّ سواء! بل إن كل ما يُبهِر البُسطاء ويُخيف الأعداء مما يشاهدونه ويسمعونه من مواقف الرؤساء، مما يُنسب زيفاً إلى أشخاصهم..، هي في الحقيقة مَشَاهد مختلقة لتزيين صورهم وإعطائهم خصوصية وغموضاً بما يؤهلهم لبقائهم حيث هم! أما ما يُرى على أرض الواقع فهي نتائج لأفكار وأذواق خليطٍ من البشر – أعدادٍ كبيرة من المستشارين وأجهزة الأمن والاستخبارات! ولا يليق بنا أن ننسى دور الخياط والمزيِّن- الحلاق-، والإعلاميين والأطباء، وسواهم ممن يسهرون على إظهار الرؤساء بما يُبهر البُسطاء! 

 للزيف وجوه عقائدية، منها.. رجال الدين – الفقهاء أو علماء الغيب–، يُحذرون الناس من استعمال العقل في شئون الدين، ويمنعونهم من محاولة فهم رسالتهم في الحياة أو إخضاع مسألة وجودهم للعقل والمنطق البشري..، ويُبررون ذلك بحُجّة أن نتيجة استعمال العقل في أمور الدين، تؤدي بالضرورة إلى الكفر بالدين، ولا تأتي بالبديل! وبالمقابل يأمرونهم بأفعال وأقوال، وينهونهم عن أخرى، … ولا يكفلون لهم النتيجة، ولا يأتونهم ببرهان! بمعنى أن الإيمان والالتزام بفتاوى الفقهاء، تكتسب مشروعيتها من غياب البديل، وليس من برهان وحُجّة ودليل! فإذا ظهر وثبت الخطأ في أحكام الدين، بواسطة العقل والعلم..، ظهر السؤال عن البديل..، وكأنها عقائد مؤقتة لحين ظهور البديل! وكأن العجز عن تحديد الطريق الصحيح، يُبرر للعاقل السير في الطريق الخاطئ! أما إذا ظهر الخلل في نتائج تطبيق أحكام الدين- المستنبطة بواسطة الفقه، فإنه من السهل تبرير تلك الأخطاء، وذلك بتفسيرها بما لا يقبله العقل، باعتبار أن استنباط الأحكام وتفسير المبهم في الشرائع والأديان لا يخضع أساسا للعقل ولا للمعايير المفهومة! إن اختلاف المجتمع البشري عن غيره من المجتمعات، واتصافه بالعقل، لا يُحسب لصالحه بالضرورة! فوصفه بالمجتمع الأخلاقي أو الديني أو القانوني، لا ينفي تفرده بجملة من المَشَاهد اللا أخلاقية المُخزية والمصاحبة لوجود العقل، والتي ينعدم وجودها في المجتمعات غير العاقلة! ولعل التفوق في صناعة وممارسة الزيف والكذب، والقابلية اللا محدودة للجهل والوهم، هي من أبرز الأخلاق والصفات المناقضة للعقل، والتي تتربع على عرش الحياة والعلاقات في المجتمع البشري .. أفراداً وجماعات! ولسنا بحاجة للشرح، إذ تكفي الإشارة إلى مركزية رذيلة الكذب، باعتبارها القاسم المشترك بين كل الخصال البشرية الخسيسة، وهي الأساس في كل مأساة إنسانية وخلف كل جريمة بشرية! ولو أردنا أن نكون أكثر مصارحة لأنفسنا، وواقعية وعقلانية، لأمكننا أن نكشف عن الزيف والكذب في جوهر علاقة الإنسان الفرد بالحياة ورؤيته للوجود..، حيث نلاحظ أن الإنسان يشغل فكره وبصره- متعمداً- ببريق العاطفة الكاذب، ويُغلق مسامعه أمام صوت العقل الصادق؛ .. وهو لا يجهل ولا يُخفي سلوكه المنافي للعقل، وإنما يُبرره بأنه إنما يتجاهل الحقيقة، ليتمكّن من الاستمرار في الحياة؛ وليس من تفسير لذلك سوى أن النفس البشرية العاقلة تُبرر الوهم وتعشق الزيف، فتوهم ذاتها بأن للعدم جوهر ووجود وقيمة تستحق منا أن نحيا لأجلها، .. فتستمر النفس في سعيها وبناء علاقاتها دون أن تنتظر هدفاً من وجودها! ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنه بإمكان العقل البشري، أن يسحب كل المجرمين بخيط مشترك واحد، هو خيط الكذب؛ كما يمكنه توحيد كل العقوبات في عقوبة واحدة؛ .. إذ لو اقتصرت معاقبة العاقل على جريمة الكذب، لكانت عقوبة شاملة لكل الجرائم؛ ولو ارتدع الكاذبون لاندثر الآثمون والمجرمون! فالكذب هو عباءة البراءة الخادعة التي يختفي خلفها المجرم والإرهابي والمنافق والخائن والسارق والقاتل والمتملّق والعابث وكل الآثمين..، إذ لا أحد من هؤلاء المجرمين يُظهر حقيقته قبل ارتكاب جريمته! فالكذب.. هو مذهب العقلاء، وهو صِفةٌ من صفات الأحياء، وهو المذهب الوحيد الذي لا يُدافع عنه معتنقوه؛ فحتى وأنت تعلم بوجود الكاذبين من حولك، فإن لك أن تصرخ بكل حرية وعلى الملأ وبملء فيك.. سُحقاً وتبّاً للكذب والكاذبين..؛ دون أن تخشى همجية الإرهابيين، أو ملاحقة المتحضّرين، حتى لو كُنت تُخاطب أكذب الكاذبين..، ولعل هذا التناقض هو الداء المزمن المكين، والذي ينفي كل أساس لوجود الأخلاق الإنسانية التي يتغنى بها المجتمع البشري! 

 أكذوبة الدهر الخُرافية.. إن أبشع نماذج التزييف والكذب، هي تلك الأنماط ذات الطابع البشري العام، وذات الصبغة الثقافية المؤدلجة التي تتوارثها الأجيال عبر العصور، فتبتعد صورتها عن جذورها، وتكتسب طابع البداهة زوراً؛ والممزوجة عادةً بتهديدات أسطورية وإغراءات خرافية، والتي تؤدي إلى إرباك وتعطيل عقول الضعفاء والبُسطاء والمغفلين، وتُفضي إلى خضوعهم واستسلامهم الكامل وغير المشروط وغير المبرر بين أيدي الكاذبين! ومن أمثلة ذلك، الأكذوبة الأزلية، التي تقول بأن كل عاقلٍ هو بالضرورة حاملٌ لمسئوليةٍ يجهلها، وأنه مُكلفٌ بأمورٍ تفوق إدراك عقله، وأنه محاسبٌ عليها بدقة متناهية كما لو أنه قرأ بنودها وتعهّد بحملها سلفاً – متطوعاً متحدياً..، فهذه الأكذوبة الخرافية، هي على درجة من الخبث، حتى أنها لا تُضاهَى من حيث أثرها السلبي في تاريخ الوجود والعلاقات البشرية، ولا ريب أنها سببٌ أساسي ومباشر في جُل أو كل ما عاشه ويعيشه البشر من صراعات وصدامات مؤلمة مدمرة وغير مبررة! وذلك لأن هذه الأكذوبة، قد انطلت على الملايين من البُسطاء والمغفلين، فعطّلت عقولهم وجعلتهم ألعوبة بين أيدي الكاذبين والواهمين الذين أوهموهم بمقدرتهم على استنطاق الغيب المحجوب، وإخبار العاقل بما ينبغي تركه وما يجب فعله من سلوك وممارسات وطقوس! والمفارقة تكمن في أن المجاهرة بمثل هذه الأحجية المكذوبة رديئة الفبركة، كان ينبغي أن تؤدي بالضرورة إلى إسقاطها، أو إلى فك ارتباط التكليف والحساب بالعقل! ولكنها بدلاً من ذلك، كشفت عن مدى سطحية الفكر البشري في جُلِّه، وقابليته للوهم والجهل! فهذه الأحجية يمكن دحضها ببساطة شديدة، حيث إن القصور أو العجز الطبيعي عن إدراك الرسالة ينفي المسئولية عنها حتماً! وارتباط التكليف والمسئولية بالحياة، دون قدرة للعقل على فهمها، يجعل من كل المخلوقات الحية مسئولة، وينفي تفرّد الإنسان بها! إن الذي يقول بهذه الأكذوبة ويدعو لها، هو ليس جاهلاً ولا واهماً، بل هو كاذب يتعمد الكذب، ويهدف إلى اصطياد السُذَّج، لبناء مملكة من التُبَّع المرعوبين السامعين الصامتين المسحورين الطائعين! فهو يعلم تماماً أن ما يقوله لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا بمقاييس السَذَاجة والقصور الفكري لدى المعاقين عقلياً والمرتجفة قلوبهم. ولذلك فهو لا يقبل التساؤل حول نظريته، وتكون إجابته للمتسائلين عادة، هي التهديد بغضب غيبي، والوعيد بأصناف من عذابات بمقاييس فلكية، يدّعي هو أنه مُطلع عليها - دون برهان! .. وبذلك فهو كاذبٌ وليس واهماً! لكن الواهم والجاهل هو الطرف الآخر الذي يُصدّق مثل هذه الأكذوبة المفضوحة – أمام أقل العقول خبرة وإطلاعًا! إذ كيف يكون العاقل مكلفاً ومسئولاً ومحاسباً – بسبب العقل – عن أمورٍ لا علاقة لها بالعقل، أو لا يمكن أن يُدركها العقل، ولا ينبغي البحث والتفكير فيها بالعقل! والأدهى من ذلك، أن يُقال ويُصدَّق، بأن تلك التكاليف والمسئوليات التي سيُحاسب عليها كل عاقل، هي من حيث إدراكها تقع في متناول قلة قليلة من العقلاء دون غيرهم، وأنه على البقية إتّباعهم دون استعمال العقل، ودون طلب الدليل والبرهان! إذ لو كان الأمر كذلك، لكان التكليف والمسئولية والمحاسبة مقتصرة على أولئك القلائل القادرين على فَهْمِ واستنطاق الغيب واستنباط الأحكام! ولكان نصيب التابعين القاصرين عن الفهم، هو التكليف وحده دون المسئولية! ولكن الأمر ليس كذلك، فالزيف ظاهر للعيان، فأنت تابع لغيرك- ليس لك حق الاستقلال عنه، وأنت في ذات الوقت مسئول عن كل خطأ تقع فيه بسبب إتّباعك له..، وفي نشر وتصديق مثل هذه المهزلة البشرية، يتجلى الكذب والزيف والوهم والجهل في أوضح صورها! 

 الخوف والطمع.. منافذ لدخول الزيف! الخوف والطمع المرتبطان بالزمان والمكان والموضوع المحدد، يمكن اعتبارهما من الصفات المشتركة بين كل الكائنات الحية، بصورة أو بأخرى! أما الخوف والطمع المرتبطان بالمجهول والغيب، وبما بعد الموت، فهما من صفات العقلاء دون غيرهم، كما هو شأن الكذب والجهل! ولَمَّا كان الكذب هو سلاح المرتزقة والعابثين بالأخلاق والمبادئ، فقد كان الخوف والطمع هما نقاط ضعف البُسطاء والغافلين في الجانب الآخر! فالذين يُخاطبون العقلاء- باعتبارهم مكلفين ومحاسبين بسبب العقل -، ثم يُطالبونهم بتعطيل العقل، ويوحون لهم بأنهم مكلفون بما يفوق إدراك عقولهم..، فهم في الحقيقة إنما يستعملون خاصية الكذب لديهم، لتفعيل خاصيتي الخوف والطمع لدى المخاطَبين! وهم يُراهنون على أن تفعيل وتنشيط خاصيتي الخوف والطمع قبل غيرهما، كفيل بتعطيل بقية خواص العقل..، وقد نجحوا في رهانهم مع جُل البشر! 

كائن أخلاقي مفترس! إذا كان الافتراس سلوكاً بشعاً، وإذا كان كل كائن حي، ينتزع الحياة من كائن حي آخر، ليقتات على جسده، من أجل أن يعيش هو، يُعدُّ كائناً همجياً مفترساً! فإن هذا ما تفعله كل الكائنات الحية – بمستوى أو بآخر – والإنسان في مقدمتها؛ وبذلك تكون كل الكائنات الحية على الأرض، همجية ومفترسة؛ ويكون الإنسان هو ذلك الصنف الذي تجتمع فيه كل صفات الكائنات الحية على الأرض ..، الذكي منها والمُفسِد والوضيع والمتوسط والمفترس الصريح! فالإنسان يقتل غيره من الحيوانات ويأكلها، من أجل أن يحيا هو.. كما تفعل الحيوانات المفترسة؛ وكذلك فهو يُفسد في البر والبحر والهواء، من أجل رفاهيته وإشباع غروره واكتشاف ما أخفته الطبيعة عن مخلوقاتها، وذلك ما تفعله الديدان والحشرات والميكروبات وغيرها! ولكن تبقى صفات الكذب والخوف والطمع، خاصة بالإنسان العاقل، لا ينازعه فيها صنف آخر من الكائنات الحية على سطح الأرض! إذن، لا خصوصية للإنسان تُميّزه عن الحشرات والحيوانات، سوى العقل! والعقل ليس بمقدوره نفي وجود الموجود، ولا إثبات وجود ما لا وجود له؛ فالعقل ليس سحراً، كما أنه لا يتواصل إلا مع عقلٍ مثله! وبذلك فإنه لا بديل للعاقل عن العقل، ولا مُبرر مُطلقاً للتشكيك بصواب وتفرّد مرجعية العقل، ولا حُجّة لمن يرفض استعمال العقل كمُرشِّح ومختبر بشري مشترك ومعتمد النتائج في كل ما يخص الإنسان، من قبول أو رفض للأفكار والآراء.. بما في ذلك نظريات الأديان! رجال الأديان يرفضون مسئولية أديانهم عن تخلّف مجتمعات أتباعهم- حضارياً وعلمياً وإدارياً وقضائياً وسياسياً …-، بل هم يرون في الواقع المتخلّف للمؤمنين ..، تقدماً وتحضّراً ينبغي الاقتداء به ونشره! في حين أن الإنسان العاقل الطبيعي الحر، لا يجد سبباً ولا نتيجة لحكم الإنسان للإنسان باسم الدين، سوى المحافظة على درجة من الجهل والغفلة والبساطة والسطحية والسذاجة لدى المحكومين، بما يُحقق السيطرة على مجاميع كبيرة من البشر دون مُبرر ودون معارضة! إن العقل البشري عاجز حتى هذه اللحظة، وربما سيظل عاجزاً عن إدراك حقيقة مُبرهَنة، تُفسّر الوجود وما قبله وما بعده، هكذا يُجمع البشر! فهل الإيمان والتصديق، بأن إنساناً اتصل بالغيب دون شاهد، والذي هو أمرٌ دخيل على معارف الإنسان، وخارج عن ثوابته، والذي يرفضه جوهر الإنسان، ولا يقبله إلا تحت التهديد والإغراء، والذي هو عبارة عن تصديق إنسان لإنسان، وهروب من مواجهة العدم.. - هل الإيمان الذي هو بهذه الصورة، والذي لا يمكن أن نراه بغيرها..، هل هو البديل المناسب عن العقل، وهل هو الجواب النهائي الذي يُبرر لِجُل البشر الاكتفاء به والخضوع لمضاعفاته القاتلة، والتوقف عن البحث، والتظاهر بقناعات والتمسّك بمعتقدات لا تصمد أمام سؤال العقل؛ .. الأمر الذي جعل رسالة جُل المؤمنين مُختزلة في حماية معتقداتهم من مواجهة العقل، بدل إثباتها بواسطته! إن رجال الدين في ذلك إنما يُحاكون عموم البشر، الذين يرفضون اعتبار الإنسان حيواناً كسائر الحيوانات، متجاهلين واقع معظم البشر الذين يفوقون معظم الحيوانات من حيث السلوك الحيواني البهيمي والهمجي الفوضوي والعدواني الخالي من أدنى مظاهر المسئولية الذاتية والذوق والمنطق والعقل والأخلاق والوفاء؛ ويتساوون مع معظم الحيوانات من حيث القيمة الوجودية الموضوعية! حيث لا فرق بين الخِراف التي يتم ذبحها بأمر مالكها في مناسباته، وبين البشر الذين يُساقون إلى القتل والقتال بأمر زعيمهم في معاركه! فالاختلاف الظاهر بين البشر والخِراف هنا، سببه فقط أن ما يصلح له الخروف لا يصلح له الحارس الشخصي والعبد والعامل والمُجنّد البشري! ولا شك أنه لو كانت لحوم البشر تؤكل لدى البشر، لرأينا قطعاناً من الشعوب تُذبّح في مناسبات رؤسائها؛ ولكن، ولكي لا يكتمل المشهد ويتضح للجميع- كما هي صورة الطبيعة الناقصة في كل مشاهدها– فإن الحيوانات لا تأكل لحوم أجناسها، والإنسان أحدها، ولم يشذ عن هذه القاعدة..؛ وإلا فإنه بالنسبة للسيد، لا فرق بين العبيد والخراف، إلا من حيث المهمة التي يصلح لها هذا الصنف من المخلوقات ولا يصلح لها سواه! إن العقل هو العنصر الأساسي في تكوين وتحديد وإثبات كينونة الإنسان بتميّزه وخصوصياته؛ حتى أن وجود العقل بات العقبة الكأداء أمام تقدّم وانتشار نظرية النشوء والارتقاء – التطور، واكتسب العقل صورة الورقة الرابحة التي ترفعها نظرية الخلق! ومع ذلك يتمسك أنصار نظرية الخلق، بأحجيتهم القائلة، بأنه لا إيمان بدون عقل، ولا عقل مع الإيمان! 

العيش بين الفروع يَخلقُ منها أصولاً كاذبة.. الإنسان لا يمكنه رؤية الأحداث والأشياء من حوله، وتقييمها والخروج بصورة متكاملة عنها، إلا بوقوفه مسافة كافية منها، والنظر لها من خارجها..، وذلك لا يكون إلا بواسطة الاختلاء بالنفس وممارسة حياة الوحدة، والاقتصار على الحد الأدنى من التواصل مع الآخرين! إن من ألدَّ أعداء الحيادية والإنصاف، وأشدَّ الأمراض الفكرية فتكا بالعقول وتمييعاً للحقيقة وتشتيتاً للفكر واختلاقاً للعداوات والأعداء، وتوهماً بوجود الأصدقاء ووجود الأمان والطمأنينة بينهم..، هو التواصل المستمر مع الناس لغرض التواصل، والخوض في جزئيات ويوميات الحياة – ذات العناوين الخادعة والشعارات الخاوية..، ذلك التواصل الخالي من كل معنى،والذي يُعطي صفة المصيرية لأحداث يومية عابرة، ونتائج ثانوية، وأمور زائفة تافهة. إن العيش المستمر بين جزئيات الأمور وفروعها، والنظر لها عن قرب شديد، وتقييمها من داخلها، يُكسبها أحجاماً كاذبة وقيماً لا تحملها! إن التواصل الاجتماعي لغرض التواصل وأداء الواجبات الجوفاء، يحول دون رؤية الأمور المصيرية، ويجعل من هوامش صفحات الحياة وملحقات كتاب الوجود ..، يجعل منها متوناً بديلة تشغل الفكر عن المتون الحقيقية! 

لا بقاء لحقيقةٍ بعد اكتشافها! لا يمكن أن تجتمع الحقيقة الكاملة مع مكتشفها في الزمان والمكان! فالحقيقة إما أن تلتهم مكتشفها لحظة اكتشافها، أو أنها تفقد وجودها بمجرد العثور عليها! الكل يُقر بأن الموت هو لحظة تتجلى فيها حقيقة مطلقة، ولكن لا أحد من الموجودين يمكنه أن يستعمل هذه الحقيقة التي يُقرُّ بوجودها، لأن استعمالها يستوجب الالتقاء بها واستمرار الوجود بعد الالتقاء.. وهذا ما لا يمكن حصوله! الموجودون دائماً هم الباحثون عن الحقيقة، ولا وجود لمكتشفي الحقيقة؛ فالذين أدركوا حقيقة الموت كانوا قد فارقوا عالم الإدراك لحظة إدراكها..، ليبقى الوجود فقط للحقيقة وحدها أو للباحثين عنها، وليس للاثنين معاً! الآنسة الجميلة الفاتنة، التي تُخفي هي مفاتنها، بينما تفضحها مواضع الجمال التي لا تستطيع إخفاءها ..، هي تظهر في صورة الكاذب الذي يتظاهر بامتلاك الحقيقة وإخفائها؛ وهي تبدو على هيئة المنافق عند تظاهره بالإيمان..، فتثير فضول الباحثين عن الحقيقة، بغض النظر أكان الكذب والنفاق هنا طوعيين مُعبرين عن قناعة وهادفين إلى غاية معينة، أو كانا رضوخاً لأعراف مجتمع..، فالنتيجة واحدة في حسابات الآخرين وأثرها عليهم! فالفاتنة هنا، تُبقِي على جزءٍ من حقيقة جمالها محجوباً، ليستمد منه الجزء الظاهر طاقة البقاء؛ فالجزء الظاهر قد تمّ اكتشافه وفقد جاذبيته، ولم يعد يُمثّل حقيقة تستهوي الباحثين..، حيث إنه أصبح جزءاً من حقيقة اجتمعت مع مكتشفها في الزمان والمكان، ففقدت وجودها بفقدانها لروح الحقيقة الباقية التي لا يمكن أن تلتقي بالباحثين عنها! 

 كأنما الزيف جوهر وقيمة في وجود الإنسان .. إن الإنسان، ذلك الكائن الذي يدّعي التفرد بالوعي وامتلاك الحكمة فوق الأرض، هو في الواقع الكائن الوحيد الذي يكذب متعمداً، لكي يجعل لحياته معنى، فيضع عناوين مزورة لتِيهِهِ، ويُخفي تفاهة قيمته..، وذلك ببحثه الظاهري عن حقيقة مفقودة ليس لها أثر، أو حقيقة غائبة مفترضة لم يكن لها وجود في حياته في يوم من الأيام! إنه يسعى بوعيه المفترض وكذبه المعلوم، ويقترب من خلق عالم من الزيف الودود، بديلاً لعالم الحقيقة – المجهول واقعاً والمفزع افتراضاً! إن الإنسان يُمعن في الكذب ويتفنن ويُتقن صناعة الوهم ويُعدد مجالاته، كأنه يرمي إلى إلحاق الهزيمة بالحقيقة التي عجز عن إدراكها أو عن مواجهتها! فيسعى الإنسان مبكراً للحصول على شهادة بشرية، تُثبت أنه يمتلك قسطاً من المعرفة، يؤهله لنيل رضا بعض البشر عنه، متوهماً أن شهادته تلك هي مفتاح السعادة! ثم يبحث عن وظيفة، يُسلّم بمقتضاها مفاتيح حريته علناً لرب العمل! وتكون الوظيفة عادة على حساب إنسان آخر؛ ثم يزعم المستفيد من الوظيفة، شعوره بالحزن والشفقة والأسى لحال ذلك التعيس الذي حرمه هو من تلك الوظيفة! ثم يبدأ بالتخطيط للتضييق على نفسه وحرمانها من بعض مستحقاتها الطبيعية، وتحطيم ما يعترض تخطيطه من مبادئ أخلاقية – طالما آمن بها ودعا لها -، سعياً لتوفير ما يمكن توفيره من المال، بهدف اقتناء المنزل والأثاث والمركوب، ثم الزواج والإنجاب ..، ليبدأ رحلة الألم المُخطط له، .. ولينتهي إلى لا شيء، وهي النتيجة التي يعلمها مسبقاً، والتي كان يمكنه بلوغها دون جهد! فالحقيقة التي يتعامى عنها الإنسان ويتجاهل ذكرها، هي أن كل ما يفعله وما يقتنيه، لا تعدو أن تكون أوهاماً وأشياءً مُزيفة، يسعى لتجميعها ووضعها بجانبه في كفة الميزان، لعله يكتسب قيمة ووزناً في نظر الآخرين، وليشغل بها نفسه عن رؤية حقيقة يعلمها، وكأنه يهدف لإثبات أن للعـدم وجود ووزن وقيمة! 

 ابتداع مبررات وتجاهل المبررات.. لو اقتصرت العقوبة بتهمة الزنا، على حالات الاغتصاب، ولأجل حماية القُصّر..، لفُهمت الغاية وقُبلت الرواية! أما استخدام تهمة الزنا لمعاقبة من يُمارس الجنس في غير هاتين الساحتين، فلا معنى له، والصحيح هي معاقبته على جريمة الكذب..، بسبب البراءة الكاذبة التي يتظاهر بها! فالمأساة الحقيقية للمتهم بالزنا ليست في العقوبة..، إنها في زيف التهمة وحقيقة العقاب! وما يُسمّى بالزواج الشرعي أو المُقدّس، هو في الحقيقة أحد أوضح مظاهر الزيف المُرخّص والمُعلن.. من حيث هوإيذان بممارسة العملية الجنسية، بشهادة أطراف خارجية، ليسوا أطرافاً في تلك العملية! إن ما يكفله العقل والمنطق والأخلاق للإنسان، هو الدفاع عن نفسه وعن ممتلكاته، وعن مظلوم يطلب نصرته! والإنسان العاقل البالغ الحر، لا يصح أن يُحسب ضمن ممتلكات إنسان آخر- مهما تكن صلته به، ولا يصح أن يخضع العاقل لوصاية عاقل مثله..، وإلا انتفت عنه صفة العقل! ومن هنا فإن العقلاء البالغين لا ينبغي أن يسمحوا بمراقبة ووصاية أو أن ينتظروا موافقة من الآخرين على أي نشاط أو علاقة خاصة بينهم – لا تمس حرية وحقوق الآخرين، إلا أن يكونوا عبيداً مملوكين لغيرهم، وليسوا أحراراً في حياتهم؛ وهنا ينبغي تسمية الأمور بمسمياتها، فنقول إن العقوبات المُطبَّقة بشأن الممارسات الشخصية، هي لإثبات وتكريس مبدأ الوصاية الفكرية والاستعباد وثقافة المجتمع الأبوي، وليست عقوبات يُبررها أو يقبلها العقل البشري!

الجمعة، 20 مايو 2022

أوهام العارفين ومعارف الواهمين!

0 تعليق


الفيلسوف والسطحي، أيهما أغبى؟ بين الفلاسفة والسطحيين توجد درجات يشغلها المثقفون والمفكرون وأشباههم، وأولئك هم الواهمون، وهم جميعًا أقرب إلى السطحية وأبعد عن الفلسفة! الفلاسفة والسطحيون متساوون من حيث البساطة والغباء .. ما يميزهم عن غيرهم هو أنهم تقليديون "طبيعيون"، وليسوا مشوهين كالواهمين! الفيلسوف يبذل جهدًا فكريًا قاتلاً، ليمنح معنًى لوجودٍ لا معنى له .. السطحي يبذل جهدًا جسديًا قاتلاً، ليجني معنًى من وجودٍ لا معنى فيه! الواهم يعتقد بوجود المعنى ويتوهم بلوغ الحقيقة! 
 - الفيلسوف هو كل إنسان يمتلك رؤية خاصة لكل شيء في حياته الخاصة وفي الوجود من حوله – من أصغر مكونات الذرة إلى الكون كله، ولا يتعاطى مع أي أمر أو أي شيء إلا من خلال رؤيته الخاصة، سواء اتفقت رؤيته مع رؤى غيره أو اختلف مع رؤى الكل، وسواء توافقت رؤيته مع مصلحته أو تضاربت! - السطحي هو كل إنسان لا يمتلك رؤية خاصة حيال أي أمر، ولا يشعر بحاجة لامتلاكها! - الواهم هو كل إنسان يعتنق رؤى غيره صدفةً ودون مقدرة على إدراك حقيقتها، ويتعاطى مع الأمور من خلالها متجاهلاً جهله بها! 
 - الفيلسوف مرتاح جسديًا، مرهق فكريًا حتى الجنون!
 - السطحي مرتاح فكريًا، مرهق جسديًا حتى الموت! الإنسان المثالي، إنسان بجسد فيلسوف وعقل سطحي! الفلاسفة والسطحيون لا يعلمون بوجود بعضهم، بل لا يمكن لأي منهم تصور وجود الآخر – بدايةً .. كل إنسان لا يمكنه بدايةً إلا أن يفترض بأن كل الناس مثله – فكرًا وفهمًا وقناعات ورغبات .. الخ، ثم يبدأ باكتشاف الاختلافات، وهي التي تتحول إلى خلافات عند الواهمين، بسبب افتراضهم للتطابق الفكري بين البشر، وهذا ما أوجد فكرة أو فقه الإرهاب الديني، فالإرهابيون يعتقدون بأن كل البشر نسخة واحدة من الناحية الفكرية، ما يجعلهم يعتقدون بأن عدم قناعة الآخرين بأفكارهم هو مجرد استهزاء وتكبر، بينما الآخرون مختلفون عنهم فعليًا، ويموتون ويتألمون بسبب قناعات لا يمكنهم تغييرها، وليس تكبرًا 
 - السطحيون لا يتوقفون عند الاختلافات بين البشر إلا لحظيًا، مع عدم القدرة وعدم الرغبة في فهمها! - الفلاسفة يتوقفون عند أبسط الاختلافات، ولا يمكنهم تجاوزها إلا بعد أن يجدوا لها تفسيرًا وعلاجا! - الواهمون لا يقرون بوجود الاختلافات، أو لا يسلمون بتأثيرها على البشر، فالمساواة قائمة وممكنة عندهم مهما بلغت الاختلافات! - الفيلسوف يتصور بدايةً، أن كل الناس مثله، وأنهم فقط غافلون عما انتبه له هو ..، فيعمل على تنبيههم! - السطحي لا يمكنه دائمًا إلا تصور الناس على أنهم مثله، ويتصرف كالأعمى - ليس ملزمًا بتصديق ولا تكذيب ما يراه غيره ولا يراه هو! 
 - مأساة الفلاسفة وعلماء الفيزياء .. علماء الفيزياء تمنوا أن لو كانوا قد توقفوا خارج الذرة – هناك حيث توقف المنطق، لأنهم خسروا بدخولهم لها سعادتهم ونشوتهم بما حققوه خارجها! كذلك يتمنى الفلاسفة في نهاية المطاف أن لو كانوا قد توقفوا عند تخوم المعرفة- هناك حيث يقف السطحيون، فقد خسروا بفلسفتهم سعادتهم وحياتهم، ولم يُغيروا في الواقع شيئًا! علماء الفيزياء أخطأوا باعتقادهم أن كل شيء محكوم بالمنطق، حيث تجاهلوا أو غفلوا حقيقة أنهم هم أنفسهم يحتكمون للمنطق ككيان مركب فقط، أما من داخلهم فهم خاضعون لمزاج فاعل، لا سيطرة لهم عليه ولا معنى للمنطق معه، وهذا بالضبط هو حال الذرة ..، وليس الإنسان سوى عدد هائل من الذرات! - المزاج الفاعل موجود داخل الذرة وداخل الإنسان، وبالضرورة .. - السلوك المزاجي ضروري لإحداث الوجود، فلو كان كل شيء منطقي، لما تغير شيء من الأساس، أي لما كان لشيء أن يوجد، فليس الوجود سوى تغير في الكون، والتغير لا يكون إلا بفعل سلوك مزاجي .. - السلوك المزاجي هو طبيعة الوحدات الكونية، والتي هي مكونات الذرة وغيرها، مما بات يُعرف بالعالم الكمومي! - مفهوم المزاج الفاعل – كوجهة نظر، قمنا بطرحها بشيء من التفصيل في مقال سابق .. الرابط!
. - ما كان الفلاسفة لينطقوا بكلمة لو كانوا يعلمون بحقيقة السطحيين وأعدادهم وفائدة السطحية .. ربما كان الفلاسفة سينصحون بعضهم بالتسطح، بدل أن ينصحوا السطحيين بالتعمق، لو أنهم أدركوا وجود السطحيين واستطاعوا تصديق الأمر وتصوره .. السطحية ضرورة للحياة ذاتها قبل أن تكون عماد السعادة فيها! الفلاسفة يطرحون رؤاهم كتوعية لبني جنسهم، ولا يتصورون أنهم كمن يخاطب جنسًا آخر مختلفًا عنه.

الاثنين، 9 مايو 2022

بين العِلم والإيمان كما بين الواقع والخيال (2).

0 تعليق


 ما هو الوجود؟ 
عندما يُقال الوجود، فإن المقصود إما أن يكون وجودًا عمليًا 
ماديًا – نقيضًا للغياب، أو أن يكون وجودًا فلسفيًا مطلقًا – نقيضًا للعدم! مفهوم الوجود المطلق بمعنى نقيض العدم المطلق، يمكن اعتباره مفهومًا افتراضيًا – لا واقعيًا، باعتبار أن الوجود قد كان، ولا معنى للحديث عن عدم مطلق محتمل سابق، في ساحة وجود مادي عملي آني! أما مفهوم الوجود بمعنى نقيض الغياب، فهو مفهوم عملي واقعي، ولعله الدلالة الصحيحة للفظة وجود! ومن هنا يكون الحديث عن الوجود بمعنى أنه نقيض العدم المطلق، هو من قبيل الترف الفكري لا أكثر! بالنسبة للإنسان، فإن كل شيء يمكن إدراكه بالحواس أو إثباته بالبرهان، فهو شيء موجود! والوجود بصفة عامة، يتجسد في الشكل والتأثير اللحظي أو المرحلي، الذي تكون عليه المادة أو الطاقة – المتحولة المتغيرة – بسبب خضوعها لقوانين الطبيعة! وقوانين الطبيعة يمكن تعريفها بأنها النتيجة الحتمية التي تنجم عن تلاقي مواد ذات خواص مختلفة! وبالتالي تكون قوانين الطبيعة هي القوة – الافتراضية – التي تمنح للموجودات أشكالها وسلوكها بحكم تلاقي المختلفات! 

 ما معنى الحياة؟
 عند مقارنة جماد (مادة ميتة) بكائن حي (مادة حية)، نلاحظ أنهما يتشابهان إلى حدٍّ كبير من حيث أن كليهما يتغير أو يتحول.. التحول في المادة الحية يكون سريعًا ومحسوسًا، بينما التحول في المادة الميتة يكون بطيئًا وغير محسوس..، لكن بالنتيجة كلاهما في حالة تحول مستمر! بشكل عام وظاهريًا، يبدو لنا أن الجماد يتغير أو يتحول بسبب عوامل خارجية..، بينما يتغير أو يتحول الكائن الحي ذاتيًا أو داخليًا- الكائن الحي يَستهلك ذاته-، وهذا هو معنى وحقيقة الحياة! أي أن الكائن أو الشيء الذي يَستهلك ذاته ولا يحتاج إلى عوامل خارجية كي يتحول من حال إلى حال، يوصف بأنه كائن حي؛ بينما الكائن أو الموجود الذي يبقى على حاله إذا لم تؤثر عليه عناصر خارجية، يوصف بالجماد! وإذا كان الأمر كذلك – ولعله كذلك – فإنه يمكننا وصف بعض الجمادات بأنها كائنات حية، حيث إنها تستهلك ذاتها وتتغير خواصها دون تأثير خارجي، وبصورة سريعة نسبيًا، وتتحول إلى أشياء أخرى مختلفة عن الأصل.. مثل العناصر الطبيعية المُشِعَّة! وربما لا نكون قد ابتعدنا عن الحقيقة والواقع كثيرًا، إذا قُلنا بأن بعض البشر يصح وصفهم بالجماد، من حيث أن سلوكياتهم وممارساتهم وقناعاتهم ومبادئهم التي تحدد هوياتهم، لا تنبع من ذواتهم، إنما تنبع من خارجهم! ولتوضيح ما يبدو أنه مفارقة هنا، عند القول بخضوع كل الموجودات لقوانين الطبيعة، وفي ذات الوقت القول بأن الكائن الحي ذاتي التحول والتغير، نقول: إن الكائن الحي هو عبارة عن اتحاد مجموعة من العناصر المختلفة، وبحسب قوانين الطبيعة فإن تلاقي العناصر ذات الخصائص المختلفة، يُحتِّم حصول التحول وظهور نتائج محددة وحتمية! وبهذا يكون التحول الذاتي عند الكائن الحي، هو نظرية صحيحة فقط عند النظر إلى الكائن الحي على أنه كتلة واحد، بينما يكون سلوك الكائن الحي نتيجة طبيعية لقوانين الطبيعة عند النظر إليه باعتباره اتحاد مجموعة من العناصر المختلفة المتفاعلة – وهذا هو الواقع الحقيقي 
. حياة البشر 
.. يمكننا أن نُعرِّف حياة البشر – بالعموم وليس بالمطلق- بأنها مستوياتٌ أو مراحل أربعة، من الانتظار الحقيقي المصحوب بفعل جزئي واستعداد افتراضي..،
 1- مرحلة الشعور بالحياة! وهي انتظار الصغار لمرحلة البلوغ، أملاً في إدراك ما يجهلونه، وتحقيق ما يعتقدون أن طفولتهم تحول دون تحقيقه!
 2- مرحلة الإحساس بالحياة! وهي انتظار المراهقين وسعيهم لانتزاع إقرار المجتمع بوجودهم، وانتزاع حقهم في إشباع الغرائز وتلبية الشهوات والرغبات، والمنافسة على المراكز التي تُثبِتُ وجودهم وتُبرز تَمَيُّزهم – المفترض!
 3- مرحلة انتظار المجهول بعد تجاوز المعلوم! حيث يدخل الإنسان – بعد الزواج والإنجاب – ساحة الاستسلام رافعًا راية الرفض، مُكابرًا مُحاولاً تجاهل خيبة الظن التي لم تبرح حساباته في كل المحطات التي مرَّ بها!
 4- مرحلة البحث عن الحياة! حيث يتساءل الإنسان، عندما تخور قواه ويكاد يُدركه اليأس ويرفضه المكان ويستعجله الزمان..، يتساءل: هل أنه كان حيّاً بالفعل فيما مضى من زمن! لكن ذلك غير صحيح، لأن معنى ذلك أن الحياة التي تم احتسابها عليه، هي فقط ذلك القلق الذي كان يملأه، والجُهد الذي كان يبذله، والسرور اللحظي الذي كان يختفي قبل أن تكتمل مَشاهده! أم إنه لم يكن حيّاً، بل كان يبحث عن شيء اسمه الحياة..، وهل عليه أن يَجدَّ ويجتهد في البحث عنه – أكثر من ذي قبل – فيما تَبقى له من قُدرة ومن زمن، وهو الهدف الذي لم يُحققه عندما كانت ظروفه أفضل! أم إن فلسفة الكينونة والحياة ونظرية الوجود المستقل التي يعتقدها ويعمل ويحلم ويُفكِّر الإنسان على أساسها، هي العنصر الذي يحمل القيمة الخطأ في معادلة وجود الإنسان..، وأن تلك الفلسفة والنظرية هي التي أعطت لكل النتائج انحرافها..، وأن الإنسان الفرد في حقيقته ربما لا يعدو أن يكون ذرة في جزيء أو خلية في نسيج، يؤدي وظيفة ثانوية تكميلية غير مباشرة، تتنافس على أدائها كل الخلايا المتشابهة، في جسد كائن مجهولٍ اسمه الحياة..، وأن جسد ذلك الكائن يُجَدِّد خلاياه بما يوافق مصلحته وغايته، وأن الخلية التي يَقِلُ عطاؤها، ينتهي دورها، ويُصبح وجودها عبئًا على الجسد، فيلفظها – حين يستغني عن خدماتها..، وكل الخلايا سيَقِلُّ عطاؤها وستُلفَظُ يومًا..، وذلك تمامًا ما تفعله كل الأجساد الحَيَّة مع خلاياها، حيث إنَّ الخلايا (كرات الدم البيضاء – مثلاً) تبدو ككائناتٍ تُفكِّر وتعمل كما لو كانت لها كيانات مستقلة ذاتية القرار..، بينما هي في الحقيقة خاضعة لآلية خارجة عن سيطرتها، تقوم تلك الآلية بتفعيل الخلايا وتوجيهها وحثها على الفعل والتكاثر وأداء دور معين، كما تقوم تلك الآلية بتجديد الخلايا – تدمير القديم واستحداث البديل..، فلو كان للخلايا كيانات مستقلة وذاتية القرار، لأصبح موتها انتحارًا، ولأصبح تكاثرها وأداؤها لدورها المميت غباءً..، وكذلك الإنسان! في المرحلة الأولى، يكون الإنسان مهووسًا بتعبئة الفراغات المعرفية، مدفوعًا بحب الاكتشاف وإدراك الجديد..، في المرحلة الثانية، يبدأ الإنسان بمطاردة أملٍ وهمي، مصدره ثقة مفرطة في النفس، تُبرِّرها حيوية مرحلية، تدفع الإنسان على الاعتقاد بجهل وضعف الآخرين..، والأساس في كل ذلك هو جهل الإنسان – شبه التام – بحقيقة ما يجري من حوله، وجهله المرحلي بحقيقة مكانته ومحدودية إدراكه ودوره وقدرته! في المرحلة الثالثة، يقل اهتمام الإنسان بمبدأ القناعة بما يفعل، حيث تدخل عناصر جديدة مجهولة القِيم في معادلة الفعل، حين يُصبح الإنسان يعمل لمصلحة غيره – بغض النظر عن رغبته وإرادته وحتى مقدرته -، حيث يتغاضى الوالدان عن قِسم كبيرٍ من حقوقهما وسعادتهما وقناعتهما، نزولاً عند حاجة الأبناء، ورضوخًا لعاطفة مصدرها الإحساس بالضعف الطبيعي والشعور الزائف بقوة وقيمة افتراضيتين وهميتين..، إن حجم الأسرة وخصوصية متطلباتها، هي التي تُحدد لولي الأمر الحد الأدنى من الجُهد الذي عليه أن يبذله، وحجم القلق الذي عليه أن يحمله! في المرحلة الرابعة، يكون الإرهاق قد نال من الإنسان، فلا يعود عقله وذاكرته وإمكاناته الذهنية والنفسية والجسمانية تُسعفه أو تسمح له بالتفكير بهدف إنتاج المعرفة، ولا حتى باستقبالها من خارجه! فَيَنصَبُّ جهده على تقليب محتويات الذاكرة، ويقتصر تفكيره على المقارنة بين نتائج التجارب السابقة، بحثًا عن أنسب المقاربات كإجابة نهائية لسؤاله عن كُنه الحياة..، ذلك السؤال الذي يتجدد ويزداد قوة بالتناسب الطردي مع ضعف الإنسان واقترابه من نهاية الطريق – وهو صِفر اليدين من أي قيمة وأي معنى وأي تعريف للحياة – التي كانت عنوانًا لكل ما بذله من جُهد وما أنفقه من زمن! في هذه المرحلة، يتطرف الإنسان ويتشدد ويتعصب إلى النتيجة التي يقع اختياره عليها من بين مخزوناته العقائدية..، فإذا كان الإنسان مؤمنًا بالبعث وحياة أخرى بعد الموت، يكون في آخر أيامه مُتطرفًا في إيمانه ملتزمًا واعظًا ناصحًا كأنه لم يكن مؤمنًا قبل ذلك..، وهو السلوك الذي يدعوه المؤمنون بالتوبة! ولعل الحقيقة هنا، هي أن ما يُسمَّى بالتوبة – خاصة في نهاية العُمر – هي ليست سوى إقرار من الإنسان بالفشل والصدمة وخيبة الظن، وبأنه لم يعد أمامه مُتَّسع من الوقت للبحث بنفسه أو لانتظار نتائج أبحاث الآخرين عن كُنه وقيمة الحياة، فيحسم أمره على التصديق بالحياة الأخرى، ويدعوها بالحياة الحقيقية والأبدية، ويُشدد على الربط بينها وبين الحياة التي يوشك على مغادرتها..، وذلك كعزاء أخير من الإنسان لنفسه وكورقة أخيرة يرميها في وجه اليأس دون المقدرة على التحقق من النتيجة، بل ودون المقدرة حتى على مجرد الخوض في تفاصيل واحتمالات النتيجة هذه المرة، مكتفيًا بتفاؤلٍ وأملٍ ليس لهما ما يُبررهما سوى الضعف واليأس اللذين لم يعد الإنسان قادرًا على إخفائهما!