face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الاثنين، 3 مارس 2025

مقومات الذات البشرية وعقدة القيمة الممتنعة!

0 تعليق



معظم البشر يحملون عُقدة القيمة الممتنعة، وهي اعتقادهم بقيمة طبيعية استثنائية لأنفسهم، لا صدى لها في الواقع!

وانعكست هذه العُقدة على سلوك البشر، حيث أصبح همهم تحقيق تلك القيمة المفترضة، بدل التحقق منها!

المعرفة والفكر، والجهالة والجهل، من الصفات التي لا يُمتدح ولا يُذمُّ بها إلا العاقل!
ومن المفارقة أن يكون الجهل نقيضاً للعقل، وألا يوصف بالجهل إلا كل ذي عقل!
ذلك أن الجهل هو تجاهل العاقل لبديهيات العقل، حيث يُلام العاقل حين يأتي من الأخطاء ما يخالف أعراف العقل!
أما نقص المعرفة فهو جهالة وليس جهلاً، وليست الجهالة كالجهل!
ففي حين أن الجهالة هي داء كل موجود، فإن الجهل هو اعتقاد أو ممارسة ما لا يبرر من القول والفعل!
ولما كان الجهل هو خطأ العاقل اللا مبرر، فقد كانت الجهالة هي نقص المعرفة – مبررة كانت أو غير مبررة!
ولو عُدَّ نقص المعرفة جهلاً، لعُدَّ علماء البشر وعوامهم جهلاء – سواء بسواء!
إنما الواقع أن اتصاف البشر بالمعرفة يختلف كماً وكيفاً، وبذلك يتكاملون؛ فلكلٍ منهم نصيب من المعرفة هو بالغه؛ فلا تنعدم المعرفة ما وُجِدَ العقل، ولا تجتمع المعارف كلها يوماً لذي عقل!

الإنسان..

الإنسان كائن يرى نفسه ذاتاً واعيةً، وسيداً عاقلاً لا منازع له على سيادة الأرض!
الإنسان هو نفسه ذلك الكائن الذي ما انفك يبحث لذاته عن رسالة تبرر وجوده قبل أن تثبت سيادته وتؤكد زعامته المفترضة للكائنات.
فهو يرفض الوقوف عند حدود قيمته النسبية – عملياً، في الوقت الذي يقر بأن قيمته تنعدم تماماً أمام القيمة المطلقة لسيده المُوجِد!
ويدرك بأنه نسبي القيمة قياساً إلى غيره من الكائنات!
فهو متساوٍ مع غيره من حيث العيوب باطناً وظاهراً!
وفي مقابل كل الموجودات- كبيرها وصغيرها حيها وجمادها- هو كائن منتصر ومهزوم، وعابث ومعبوث به..، أي إنه ليس بوسع العاقل سوى الإقرار بأن قيمته الحقيقية لا تؤهله لهذا الإفراط في تحقير غيره، وتكريم ذاته!
ولا يوجد مرجع ثالث مستقل تقاس به قيمة الإنسان التي يظنها من حقه..، فهو نسبي القيمة، أو عديمها! وهذا ما يتجاهله العاقل، وذاك ما يجعله يتفرد بصفة الجهل إلى جانب العقل..، حتى إن الإنسان في غمرة بحثه عن ذاته، ودفاعه عن قيمته المفترضة، لا يتردد في تجاوز مقتضيات الإيمان الديني الذي يأمره صراحة بالوقوف عند حاجز المساواة بين البشر أمام الإله؛ حيث يدعى أتباع كل دين بأن رسولهم مقرب عند الإله، وأن أتباعه يستمدون من ذلك قيمة رفيعة ومكانة خاصة، تجيز لهم أو تستوجب منهم ممارسة الوصاية الفكرية والتشريعية على غيرهم – بما في ذلك قتلهم واحتقارهم باسم الإله!
وهم بذلك إنما يحاولون تبرير السلوك البشري الواهم المسيطر عليهم، والطامح عادة إلى الخصوصية، والساعي دائماً لنفي وإنكار حقيقة تزعجهم، وهي أن قيمة البشر الثمينة التي يتظاهرون بها، ما هي إلا قيمة افتراضية أسطورية من نسج الخيال، لا أساس لها، إنما ابتدعها الإنسان ليجعل لوجوده معنى آخر، بعد أن عجز عن فهم أو أداء رسالته وحمل أمانته، وليبرر إخفاقاته وأنانيته أمام المنطق والعقل، وليصرف النظر عن عيوبه التي لو توقف عندها وتمعَن بها لعاد إلى رشده وحجمه الحقيقي المتواضع، ولحد من أوهامه وغروره!
فأتباع كل دين يتجاهلون إيمانهم بأن الناس سواسية أمام الله، وأن طاعة كل الناس أو عصيانهم له لا يزيد في ملكه ولا ينقص منه شيئاً!
ويتجاهلون أن الحقيقة التي يثبتها إيمانهم، هي عدم حاجة الخالق إلى علاقات خاصة مع بعض مخلوقاته، ونفي كل أساس ونسف كل حجة أو سبب لوجود مكانة وقيمة وعلاقة خاصة لمخلوق دون غيره مع الخالق!
ولكن ليس بين المخلوقات من يهتم أو يدرك هذه الحقيقة– حقيقة ضآلة قيمة الإنسان- سوى الإنسان!
ولذلك كان وما يزال هم الإنسان وجهده منصباً على انتزاع الاعتراف بقيمته الافتراضية من أخيه الإنسان، وتحقيقها على حسابه!
وذلك هو مبعث الخصومات الفردية والصراعات الجماعية؛ وهو مكمن الإشكالية الفكرية الأزلية لدى البشر!
إن قيمة الإنسان لا تكون إلا على حساب إنسان مثله، وذلك ما يرفضه الطرفان، فيحتكمان إلى القوة المادية، وتنشأ العداوات والحروب!
فتسليم الطرفين بتعادلهما من حيث القيمة، يبدو لهما بمثابة انتفاء لقيمة الاثنين معاً، لأن كلاً منهما يقاس بالنسبة إلى الآخر!
أما حالة التعادل القيمي، التي تلغي الأثر السلبي لقيمة الآخر على الأنا، فإنها لا تنشأ إلا بين الأصدقاء الحقيقيين الذين يفتخر كل منهم بقيمة الآخر، وهم الذين قلّما وُجدوا!
فحالة التوازن الممتنعة تلك، لا تتأتى إلا باتفاق كل البشر على الاعتراف لبعضهم بالقيمة التي تلبي حاجة الذات البشرية التي يدركونها جميعاً، وهو الأمر الذي يحاربه دعاة العقائد الدينية بالدرجة الأولى – مع الأسف، فهو الأمر الذي لو تحقق لتحقق السلام والاستقرار الذي تنعم به أمم الحيوان والنبات والجماد، والذي يدعي العقلاء أنه هدفهم وحلمهم، بينما هم ألد أعدائه بمحاربتهم العملية لمبدأ المساواة!
إذاً .. لا وجود لقيمة معتبرةٍ للذات البشرية، إلا بقياسها إلى ذاتها، وذلك ينفيها في واقع الحال!
وإذا كانت للإنسان الفرد قيمة ذاتية، فهي تكمن في العقل أو تنبع من الكرامة..، باعتبارهما مصدر فخر الإنسان وشعار تميزه..؛
غير أن وجود استفهام كبير حول قيمة العقل وحقيقة الكرامة، يصيب هذا المصدر بالشلل..، إذ ما القيمة التي يوفرها العقل للإنسان، إذا كان العقل عاجزاً عن قراءة الذات وتحديد مصيرها وتوفير السعادة لها!
وما مظاهر كرامة الإنسان، وهو العاجز المهزوم فقراً ومرضاً وضعفاً وخوفاً وموتاً! فهو الذي يقضي حياته استعباداً واستلطافاً واستعطافاً واستجداءً وبكاءً…
لعل الإنسان – وبسبب خمول ما حوله – قد افترض لنفسه قيمة خيالية وهمية، وصدق نفسه، فأخذ يسعى لتحقيق ما افترض وجوده، بينما قيمته الحقيقية لا تزيد عن قيمة أيٍ من مخلوقات الأرض الأخرى!
ولعل التفسير هو أننا مؤقتاً، نشهد عصر سيادة الإنسان على الأرض، وأنه كان أو سيأتي زمن تكون فيه السيادة لغير الإنسان، ويأخذ الإنسان آنذاك دوراً ثانوياً لا قيمة له على الأرض كما غيره اليوم!
بهذا المعنى تكون قيمة الإنسان ضئيلة ومؤقتة ونسبية، تقاس نسبة إلى غيره من المخلوقات الضعيفة المسيرة التي يسودها الإنسان اليوم، بحكم تبادل طبيعي للأدوار بين المخلوقات في السيادة على الأرض؛ وأن سيطرته المؤقتة ربما تكون قد أوجدت لديه وهماً بأن له قيمة مطلقة لا حدود لها، والحقيقة أنه لا وجود لها؛ وما بحثه عن ذاته، وصراعه مع نفسه ومع الطبيعة طوال أجله، إلا ليجعل من وهمه حقيقة، حتى بات يتظاهر بقيمة لا يحملها، ويدافع عن كرامة لا يمتلكها!


بصمات في الذاكرة …

1- الإله.. هو قدرة مطلقة عادلة، يطمئن لها البريء، ويستجيرها الضعيف، ويخشاها الظالم!
الإله.. هو أمل يسع كل شيء رحمة وعلما!
الخالق أكمل من أن يتخذ من مخلوقاته خصوماً له وأنصارا !
الحق أعدل من أن يؤاخذ مذنباً بمقتضيات حقيقة لا يدركها!
إن لله آياته التي تدل عليه، وهي حجته على خلقه.
فالله أغنى من أن يجعل حجته بأيدي البشر الذين وصفهم بالضعف والجهل والظلم والبخل والطمع والهوى…؛ والمخلوق أقل من أن يغضب خالقه أو يرضيه!
ولا أحد من البشر يحمل آية من الله تلزم الآخرين باتباعه!
وما أمر الله للعقلاء المخيّرين من خلقه بالأمانة في سلوكهم وممارساتهم كمؤتمنين، إلا منعاً للعبث بمملكته التي استخلفهم بها، ولعل ذلك ما يحقق للإنسان قيمة فيما لو تحقق!
إن العقل البديهي الذي يتساوى فيه العقلاء من الناس مهما اختلفت وتنوعت مستويات معارفهم..، ذلك العقل هو شاهد الإله وحجته عليهم!
فمن تجاهل عقله الذي وهبه الله له، واتبع معارف وقناعات غيره من البشر.. فليس له حجة أمام الله إن أخطأ وانحرف بسبب تجاهله لعقله!
إن قابلية جل البشر لاتباع واعتناق عقائد خاطئة دون قصد ودون مقدرة منهم على التمييز..، هي حقيقة واقعية لا تفسير لها سوى أن كل العقائد خاطئة ومخالفة للعقل!
أو أن البشر ليسوا مؤهلين للتكليف والحساب!
وكل فلسفة تصف علاقة المخلوق بخالقه والإنسان بالأمانة خلافاً لهذه الثوابت الفطرية البديهية، لا تعدو أن تكون أيديولوجية أرضية قاصرة بالضرورة، وتصورات بشرية حسية تنال من نزاهة الحقيقة المرسومة في ذاكرة العقول!
فهي ليست سوى محاولات يائسة لإضفاء موضوعية غير مستحقة على أوهامِ الأناني العابث الحقود الحسود.. الذي يجهل ذاته ويدعي معرفة خالقه!
2- الإنسانية.. هي صورة مثالية مشرقة مفترضة، لواقع بشري تعيس.
هي صورة غاية في الجمال كما هي في الخيال!
صورة تظهر وتبدو أكثر جمالاً وأبلغ أثراً في النفوس كلما تراءت في سماء الأحزان وآهات المآسي!
الإنسانية.. الأنس والعاطفة التي تجعل من ذوات البشر ذاتاً واحدة وإن تعددت واختلفت صورهم؛ تلك الإنسانية هي لوحة حب صادق، أنبل من أن يجسّدها البشر بثقافة الأنا الصائب المأجور والآخر المذنب المعاقَب!
فالإنسان هو بشر خال من عيوب البشر، ليس للخبث والطمع والنفاق في خلقه نصيب!
يحمل الإنسان عاطفة البشر بعفويته لا بتكلفهم وريائهم.
ذلك هو الإنسان، الذي يفتقده واقع البشر، فيستبشرون أملاً بكل قادمٍ لدنياهم عله يكون الإنسان الذي يجعل أحلامهم حقيقة!
ومع فراق كل راحلٍ أحسن لهم يوماً، أو أساءوا له، يفيضون حزناً غائراً .. فزعاً من مواجهة حقيقة قادمة، وخشية أن يكون الراحل هو من كان بالأمس مُنتظَراً!
الحقيقة التي يعيشها البشر ويأبون قراءتها، هي أن كل الموجودين بشر، وحيواتهم ملآ بالعيوب تؤكد بشريتهم وتحول دون إنسانيتهم!
وأن الإنسان محبوب الجميع، هو وهم من نسج خيالهم، مصدره عظمة زائفة استوطنت أنفسهم، فصدّقوها وشرعوا في إثباتها لأنفسهم!
لكن عيوبهم الأكيدة التي لا استثناء منها لأحد، قد أحرجٍتهم وخدشت كبرياء عظمتهم الزائفة!
فلجأ المكابرون منهم إلى مصحات الخيال أملاً في علاج نقائصهم، وهرباً من الاعتراف بحقيقة يراها كل منهم في الآخر وينفيها عن نفسه، وبحثاً عن كمال هلكت دونه أجيال وانقضت آجال.. وهيهات أن يبلغه من كان النقص جزءاً من حياته!
فالإنسان كمال جريح وجمال تعيس!
الإنسان رحلة حزن في غمرة شوق!
الإنسان مأساة تتبدى في علاقة حبٍ صادق بين مخادع ومجهول!
الإنسان جواب لا يريد السائل سماعه!
وتظل الإنسانية عاطفة غامرة عابرة تظهر عند كل لحظة فراق ومأساة لتثبت عجز البشر!
وتبقى البشرية واقعاً مرفوضاً، وممثلاً زائفاً لإنسانية غائبة، عابثاً بجمال الحقيقة وصدق الجمال!
3- الجهل هو خروج العاقل – طوعاً – عن بديهيات العقل والمعرفة!
فالجاهل هو ذلك العاقل الذي تتعارض قناعاته مع بديهيات عقله، فيبرر لنفسه من السلوك والممارسات ما لا يقبله عقله من سواه!
فالجاهل يتجاهل اختلاف واقعه العملي مع قناعاته النظرية وما يدعو له!
للجهل سبيلين أساسيين يدخل ويسيطر من خلالهما على فطرة العاقل، هما.. وَهْمُ الخصوصية والعَظَمَـة الزائفة التي لا يُقرّها الواقع والعقل، ثم الطمع في تملّك ما يفوق الخيال – حُباً في الاستعلاء على الآخرين، وملئاً لنقص يجده في نفسه!
ومن السخرية والعبث بالفطرة أن يُعرّف البعض الجاهل الذي تتوعده الأديان بسوء العاقبة.. بأنه ذلك الإنسان الذي لا يُدرك معنى الكفر، ولا معنى ومقتضيات الإيمان بوجود الله!
أو أنه ذلك الأمّي، أو المسكين الذي لا دراية ولا طاقة له بما يدور حوله..، ولو كان الجهل كذلك، لكان الجهل حُجَّةَ للإنسان لا عليه – شأنه شأن المرض والفقر!
بل الجاهل هو كل عاقل تجاهل عقله وواقعه وفطرته، واتبع خياله، سعياً وراء أوهامٍ ترفضها فطرته ومنطق البديهة الذي لا يختلف حوله عاقلان!
4- الآدمية ليست صفة للبشر، بقدر ما هي رواية وردت في كتب بعض الأديان، تُرْجِعُ أصل الجنس البشري إلى نقطة بداية واحدة، بدءاً بفرد واحد خُلِقَ من طين، هو آدم!
وتُعتبر صحة الرواية من المسلمات لدى أتباع تلك الأديان.. كمُعطى عقائدي وتاريخي. ولكن ذلك المُعطى ليس من مسلمات كل البشر!
5- البشرية هي الوصف الطبيعي الذي يُجسّد صورنا وسلوكنا مقارنة بغيرنا من الكائنات الحية من حولنا!
فنحن نشترك مع الحيوانات في كل عيوبها، ولأننا بشر نفتقر إلى بعض المزايا في حياة الحيوانات، ولأننا بشر كذلك، فإننا نمتلك ما لا تمتلكه الحيوانات.. من العقل والقدرة على التطور المعرفي والاستفادة من أخطاء الماضي!
6- البراءة هي نقيض الخبث.
لكن اعتاد البشر استخدام كلمة براءة نقيضاً للعقل!
حيث لا يذكرون البراءة إلا قرين الأطفال والحيوانات.
بهذا المعنى أضحت البراءة حيث لا يكون العقل!
براءة أبناء البشر مؤقتة – تزول ببلوغهم سن العقل -؛ وبراءة الحيوانات دائمة!
وفي ذلك قدح وذمٌ للعقل، وربط له بالخبث، واعتراف من البشر بتقدم الحيوانات عليهم في ساحة البراءة .. طالما أن البراءة صفة حميدة وهي مطلقة ودائمة لدى غير العقلاء، بينما لا تذكر البراءة قرين العاقل إلا مع الجريمة والإدانة!
7- الأمّة هي مجموع الأفراد من أي صنفٍ من أصناف الكائنات الحيّة، المختلفين عن غيرهم سلوكاً وممارسة، والمتفقين بينهم فطرياً.. من حيث مبادئ الحياة وطريقة العيش والنظر إلى الآخر؛ والمتكاملين طبيعياً وطواعية لتحقيق مصالحهم.. بغض النظر عن تأثير سلوكهم وممارساتهم على مصالح الآخرين!
وفي حال الإنسان فإن أفراد أمته الحقيقيين هم أولئك البشر الذين يتفق معهم طواعية فكراً وسلوكاً وممارسة، وليس أولئك الذين أجبرته الحياة على العيش معهم ومسايرتهم من أجل تحقيق مصالحه والبقاء حياً!
8- في عالمنا العربي الإسلامي، يقول البعض إن كل دولة أصبحت مزرعة للحاكم وأولاده وأتباعه!
وهذه عبارة صِيغت بصورةٍ مُغرضةٍ، وإن حملت شيئاً من الحقيقة في إيحائها!
موضع الطعن فيها تحمل لواءه كلمة "أصبحت"!
فالحقيقة هي أن الدولة العربية الإسلامية "ما تزال" على حالها منذ قيامها – مزرعة للحُكام وأبنائهم وأعوانهم.
فالحَجْر على الفكر، وتوريث الحكم، ومنع الحريات، وتهميش ومحاربة دور الفرد، وممارسة الوصاية الفكرية والعقائدية، والحكم العشائري القبلي،…الخ،
هذه هي سمات الدولة العربية الإسلامية منذ قيامها!
فحكام العرب المسلمين اليوم وإن أخطأوا، إلا أنه لا ينبغي تحميلهم المسئولية كاملة وكأنهم قد ابتدعوا نظام التوريث أو التمسّك بالسلطة مدى الحياة، فهم لم يأتوا ببدعة سياسية ولا بخطأ ثقافي أو فكري جديد!
وخطورة مثل هذا الطرح تكمن في خداع عقول البسطاء بإيهامهم أن العرب المسلمين قد ورثوا الحرية والديمقراطية والرفاهية عن أسلافهم، وأن حكامهم اليوم هم من حرمهم من ذلك النعيم، مما يجعل الشعوب العربية الإسلامية تحن إلى الماضي وتقدس رموزه، وتحقد على الحاضر وأهله.. مع أنهما نسخة وأصل.
فالحقيقة هي أن العقلية القبلية والعشائرية والعرقية، وثقافة تقديس الماضي وعبادة رموزه، والتستر على أخطائه الفادحة وما صاحب مكاسبه المادية من جرائم فكرية وإنسانية لا نزال ندفع أثمانها… هذه المعطيات هي أسباب مأساتنا وواقعنا المرير، وليست الحكومات والحكام!
فلو أن حاكماً تنازل عن منصبه، فإن حزباً دينياً أو فرداً من طائفة أو من قبيلة أخرى سيحل محله ويُعظّم عشيرته أو يقدس مذهبه وطائفته، وهي بدورها تخلده وتجد لأخطائه الأعذار، ولن يتغير حال المجتمع والفرد، وستذهب أوهامهم أدراج الرياح!
إن المجتمعات التي حظيت بالحرية والتقدم، كانت قد أصبحت أهلاً لذلك فنالت ما تستحقه، ولم تُهد لها مصالحها وهي تعمل ضدها!
9- أتباع الأديان – الموحدة – إلهاً ورسولاً وكتاباً – – جميعهم اختلفوا وتفرقوا واقتتلوا بعد إيمانهم، لأن إيمان جلهم كان من وراء العقل ودون موافقة المنطق!
كان إيمانهم شعاراً خادعاً لهم قبل غيرهم ..؛ إذ أظهروا الإيمان خوفاً وطمعاً، وظلت عقولهم وقلوبهم تتساءل، تطلب حجـةً وبرهاناً تطمئن به؛ ولكن لم يعبئوا بالتساؤلات داخلهم حتى اصطدموا بها من خارجهم تحاكي ما بداخلهم؛ فاختلف ظاهرهم عن باطنهم، فاختلت آلية المنطق لديهم واهتزت معاييره!
فمعتنقي النظريات الدينية، المتمثلة في الطوائف المختلفة والمذاهب المتعددة جلهم يخدعون أنفسهم قبل غيرهم، بتبنيهم الظاهر لمبدأ حرية الفكر والعقيدة، ثم اشتراطهم ضرورة الخروج بنتائج محسوبة لديهم مسبقاً على من أراد ممارسة حقه في التفكير!
قد رحل الرسل، واختلف وتشتت وتنوع الأتباع، وواجه الجميع سؤال العقل والمنطق والفطرة الذي يوحد كل البشر!
فما كان من أتباع الطوائف إلا ترهيب المتسائل، وترغيب المجامل، وتكفير المخالف لهم وإعلان العداء أو إضماره له، وتحريم السؤال عن تفاصيل وجذور المذاهب!
10- لا حرج على المؤمن أن يقرّ ولا مناص للعاقل من أن يدرك بأن الله ينبغي أن يكون أعظم وأعلم وأعدل وأرحم وأرحب وأكبر .. من معرفة مَنْ عرفه وجهلِ من جهله، ومن طاعة من أطاعه ومعصية من عصاه!
وأنّ المخلوق الذي يمثل البشر صنفاً منه، هو أقل وأصغر وأدنى وأضعف وأظلم مما يقول عن نفسه وما يراه وما يظنه وما يعرفه عنه الآخرون!
الله أعظـم من أن يعاقب ضعيفاً!
والإنسان أقل من يغضب الله أو يرضيه!
الخالق أكبر من أن يتحدى مخلوقه الجهول الضعيف المهزوم طمعاً وعجزاً وحاجةً ومرضـاً وخوفاً وموتاً!
11- الشيطان في التفاصيل، والعبرة بالنتائج..، فلاسفة فقهاء مفكرون مثقفون رؤساء وزراء مُدراء إعلاميون …الخ.
منهم من يمتطي صهوة الإنسانية، ومنهم من يرفع شعار الإيمان..، يسعون لتحقيق نظرياتهم وتصوراتهم لما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسان وعلاقته بخالقه!
كلٌّ منهم يرى من زاويته خللاً يحول دون سعادة الإنسان وإدراك الحقيقة!
كلهم يقدمون أنفسهم بوصفهم منقذين حكماء رحماء يتحاورون نيابة عن جاهلٍ أبكم!
كلهم حاضرون يمثلون عدماً غائباً!
كلهم شرفاء أبرياء أقوياء يهاجمون مذنباً مجهولاً!
الهـدف المعلن للكل هو تحقيق مصلحة الإنسان وسعادته!
ولم يسألوا أنفسهم من هو الإنسان المستهدف، وما موقعه في المعادلة!
كيف يحظى بكل هذا الاهتمام وهو الذي لم ولن يستشار في أمر يخصه دون سواه!
ومن المسئول عن غياب الحقيقة والسعادة.. طالما كان الإنسان هو الفاعل والمتضرر وهو العالم والجاهل!
كان عليهم أن يقولوا إنهم يسعون لتطبيق نظرياتهم على المجتمع البشري لتحقيق أحلامهم وتصوراتهم، وأنهم اتخذوا من الأديان والإنسانية شعاراً ومن البشر مادة لتجاربهم!
لا أن يقولوا إنهم يسعون لإسعاد الإنسان!
فمن خولهم بالتفكير نيابة عنه!
ولماذا لا يؤخذ رأي التعيس في مواصفات سعادته الموعودة!
هل يمكن تشخيص المرض دون محاورة المريض!
أم أنه ينبغي على الإنسان أن يكون سعيداً حسب أفكار سادته من البشر، وأنه على الأمّي المأموم أن يكون سعيداً وفق رؤية إمامه الفقيه.. ولا حاجة للعاقل بعقله!
إنهم افترضوا أن غيرهم الجاهل وأنهم الحكماء!
إن الإنسان هو الأنا والآخر، وهو الهدف والعائق!
والكل يعتقد جازماً – مخدوعاً أو خادعاً – بأنه الأكثر دراية وأمانة وحرصاً ومقدرة على تحقيق الهدف!
والهدف – المعلن- هو مصلحة الإنسان؛ وكل عناصر المعادلة وأطراف المعركة .. هو الإنسان!
تجارب أولئك الخبراء المصلحين لم تُثبت سوى أن الجنس البشري هو أنسب المواد لإجراء تجاربهم اللانهائية!
النتائج أثبتت أن الإنسان هو الخاسر الوحيد من تجارب البشـر، وربما كان الساقط الأكيد من حساباتهم.
الواقع أثبت أن نظرياتهم لا تنطبق على الإنسان المتوفر!
وتفسيرهم للأمر هو أن العيب في الإنسان وليس في نظرياتهم.. وكأن النظريات قد سبقت الإنسان!
وحلولهم المطروحة تنظّر إلى ضرورة إصلاح الإنسان لتتحقق التنبؤات والنظريات .. بدلاً من تصحيح النظريات لتتوافق مع طبيعة وفطرة الإنسان المتوفر!
فكان البحث ولا يزال عن إنسان يحمل مواصفاتٍ تحقق نظريات السادة البشر .. كأن الهدف هو تكوين مجتمع آلي!
الطعن في مواصفات الإنسان أمر ممكن جداً، لكن الطعن في نظريات المفكرين وتنبؤات المنظّرين هو أمر غير ممكن!
بعض النظريات .. كالنظريات الدينية مثلاً – تبيح التصفية الجسدية للإنسان الذي لا يحمل مواصفاتها، ولا ترى حق الحياة مكفولاً إلا لمن تتحقق بهم النظرية!
فكل من امتلك وسيلة ووجد سبيلاً فإنه سيحاول تغيير مواصفات الإنسان لتحقيق نظريته!
الكل يغض بصره تجاهلاً أو جهلاً عن حقيقة ثابتة، وهي أنه لا وجود للإنسان بالمعنى المادي الحسي!
فمفهوم الإنسان هو فكرة سامية وليس مادة محسوسة!
المادة الآدمية الموجودة هي بشر وليست إنساناً.
الإنسانية هي حلم البشرية وليست معنى من معانيها!
ولو أن نظريات البشرِ استهدفت بشراً لكان لها أثـراً!
لكنها استهدفت الإنسان الخيال الذي لا وجود له في واقع الحال!
ولذلك ستبقى نظريات البشر حول الإنسانية أموراً نظرية، وسيبقى البشر واقعاً عملياً يخالف التنبؤات النظرية.. ذلك لأن البشر كائن متغير القيمة، ذاتي القرار والأفكار، أبعد ما يكون عن الإنسان المثال السابح في الخيال!
12- من المفارقات أن يكون الناطقون باسم الإله هم أكثر الناس استعداداً نفسياً لاحتقار غيرهم، وسوء الظن بهم؛ وهم الأكثر قبولاً وممارسة للكراهية والعداء؛ وهم الأكثر جرأة على إزهاق الأرواح البشرية!
ورغم أنه لا يوجد على الأرض بشرٌ إلا الذين أراد الله وجودهم!
إلا أن جُلّ أتباع الأديان يكرهون ويقتلون البشر تقرّباً بدمائهم لخالقهم، أو تنفيذاً لأمرٍ صريحٍ منه كما يزعمون!
فكأنهم يقولون إن الله قد سمح بوجود بشرٍ من درجةٍ دنيا، ثم هيأ بشراً من درجة أعلى، وجعل سنام عبادته في قتل البشر من الدرجة الدنيا!
لا ينبغي للعاقل أن يتجاهل تساؤلات عقله!
الإنسان مكلفٌ ومسئول لأنه عاقل؛
إذن، العقل هو شاهد الله على الإنسان.
والجاهل من تجاهل عقله وتعصب لهوى النفس ورغبات الذات.
الله لا يعاقب الجاهل لأنه لم يطعه ولم يعبده.. فالعبادة وسيلة للمخلوق لا غاية للخالق، .. العبادة أساسها الخوف من العقاب والطمع في الثواب!
فلو شاء الله لتساوى خلقه في عبادته!
الله يعاقب الجاهل لإفساده في الأرض بخروجه عن الفطرة التي يتساوى فيها البشر وتسير وفقها الحياة.
13- المؤمن لا يختلف عن غير المؤمن إلا ظاهراً!
المؤمن لا يمتلك دليلاً على صحة إيمانه، ولا يمكنه الجزم بقبول عمله عند الله؛ ولا ضامن لنجاته وهلاك من سواه.. ومع ذلك فهو يدعو غيره ويعاديهم ويحاربهم من أجل أن يقتدوا به ويؤمنوا مثله!
المؤمنون بشر صدّقوا بشـراً مثلهم، وآمنوا بما قيل لهم؛ ولم ير ولم يطلب كل واحدٍ منهم برهاناً بمفرده !
وما دعوتهم لغيرهم إلا ليطمئنوا هم لصحة إيمانهم، وما معاداتهم لسواهم إلا لأنهم جاهروا بتكذيبهم وليس لأنهم لم يؤمنوا حقيقةً.
الإيمان مقره القلب، واللسان ناطق به، وهو قادر على التزوير فيدعي أن بالقلب ما ليس فيه.. وهذا أقصى ما يمكن أن يحصل عليه دعاة الإيمان من غيرهم عند إجبارهم على الإيمان!
14- لم يخلق الله البشر ليقتتلوا من أجله! تلك أفعال البشر وأوهامهم.
لو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة مؤمنة!
الله أمر الناس أن يتدبروا آياته في الكون، ولم يجعل بعضهم وصيّاً على آخر!
غضب المؤمنين وعداؤهم لغيرهم هو بسبب البرهان الذي يطلبه غير المؤمنين ولا يمتلكه المؤمنون!
مأساة غير المؤمن هي أنه إنسان منبوذ محتقر في نظر المؤمنين دون أن يعرف ذنبه!
ربما كان ذنبه أنه إنسان واقعي، احترم عقله وتمسك بقناعاته وحريته في الاعتقاد، وطلب حجة يفهمها عقله ويطمئن لها قلبه!
القول بأن الملحدين أو الكافرين يعرفون وجود الله، ويدركون حقيقة البعث والحساب، ويعلمون بأن المؤمنين على حق، ولكنهم يكابرون ويتجاهلون الحقيقة عمداً، فيعادون الله ولا يخافونه.. هو عبث فكري وسخف ثقافي وتفاهة لغوية، وقول لا عقلاني لا أرضية له.. تعوزه أبسط مقومات الموضوعية والحكمة والمنطق والواقعية!
لأن وصفَ الإنسان بأنه يدرك ما ينبغي عليه فعله لينال السعادة وينجو من العقاب.. ولا يفعله؛ هو وصف لذلك الإنسان بأنه مجنون.. غير عاقل .
ومن كان كذلك فلا تجب دعوته ولا تجوز معاقبته ولا تصح معاداته فضلاً عن محاربته!
15- المؤسسات الدينية أساءت إلى الدين وإلى العقل دفعة واحدة، عندما ظن رجالاتها بأن التفكير في الإيمان مفسدة!
فمنهم من منع ومنهم من كفر وحرم كل سؤال لا يمتلك هو جوابه، كأن عقولهم ومعارفهم هي نهاية المطاف!
المؤسسات الدينية هي أفكار ونظريات بشرية وليست أشخاصاً بعينهم وليست هي رسالات الله لخلقه.
هي نظريات قامت على افتراض أن الناس ينقسمون إلى أربعة أصناف.. حكام، وحكماء، وكفار، وجهلاء؛ ومن ليس من أولئك فهـو من هؤلاء!
لم تترك تلك النظريات مجالاً لصنفٍ خامسٍ من البشر!
ومن أجل تحقيق النظرية وتطبيق أفكارها، اضطر صِنفا الحكام والحكماء – المفترضين – إلى تحالف غير معلن، لمحاربة الكفار وقيادة الجهلاء .. المفترضين!
الكفار هم الأحرار من البشر الذين لم يعترفوا بأنهم جهلاء، فلم يقدّسوا الحكماء ولم يقدّموا للحكام مقتضيات الطاعة وواجبات الولاء.
والجهلاء هم أولئك الأغلبية الغافلون الذين يشكلون خطراً على أسرار النظرية.. إذا امتلكوا الحرية!
نظرية المؤسسة الدينية تقوم على أساس كسر إرادة الإنسان وإخضاعه ظاهرياً!
فهي لا تشترط قناعة الإنسان بما يفعل وما يقول، بل تكتفي بأن ينطق الإنسان بما يملى عليه!
فالمؤسسة الدينية لا تمتلك الآلية ولا القدرة للتحقق من سلوك وممارسات الإنسان المحسوب عليها.. شأنها في ذلك شأن المؤسسات العسكرية في العالم الثالث!
فكلتاهما تهتم بأعداد الأتباع وخضوعهم الظاهري لها.. لا بحقيقة ولائهم.
كلتاهما تستعمل ذات المدخل وذات نقطة الضعف لدى جل البشر.. حب الحياة ووهم السعادة!
فتهديده بالموت أو ترهيبه بالتعذيب كفيل بمنع الإنسان من التفكير بصـوتٍ مسموع!
الممارسون للوصاية الفكرية باسم المؤسسات الدينية يزعمون الاعتقاد بأن الله قد كرم كل بني آدم دون استثناء، وفضلهم على كثير من خلقه.
ويشاهدون ذل الفقر والضعف يفتك بالناس.. ولا يحركون ساكناً، ولا يجدون لذل المكرمين تفسيراً!
بل هم أول من يحتقر المخالفين لهم في الرأي.. دون اعتبارٍ لكرامة الإنسان التي يزعمون الإيمان بها!
16- لو أن المؤسسات الدينية قامت من أجل توعية الناس إكمالاً لرسالات الرسل، إذاً لاقتدت بالرسل ولاكتفت بإنذار الناس بعذاب الله وتركت عقاب المخلوق للخالق كما فعل الرسل، وكما أمر الله في كتبه!
لكن المؤسسات الدينية نشأت واعتمدت في بقائها على واقع جهل افتراضي لدى الناس، وعلى افتراض أن رجالاتها حكماء وموكلون بقيادة الجهلاء.
فخلقت بذلك في نفوس الناس هوة مرعبة بينهم وبين خالقهم وأمور دينهم!
ففي حين تتضارب الفتاوى وروايات الأحاديث والتراث بما يطرح تساؤلات لا يخطئها إلا جاهل أو متجاهل، .. نجد المؤسسات الدينية تتوعد الناس بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هم صدّقوا هذه الرواية البشرية أو كذّبوا تلك الرواية البشرية!
فأضحوا يمارسون الوصاية الفكرية على غيرهم كما لو كانوا كباراً بالغين وغيرهم صغاراً قاصرين!
ويتجاهلون أن الرسل قبل أن يصبحوا رسلاً كانوا قد عاشوا حيناً من الزمن بين أقوامهم .. لا يتبعهم ولا يقتدي بهم ولا يقلدهم الناس، ولم يطلبوا هم ذلك حينها!
رغم علمهم وحسن سلوكهم وحكمتهم ودرايتهم بما سبق من الرسالات!
لقد انتظروا حتى تم تكليفه مباشرة وبشكل شخصي، بنقل رسالة كما هي!
فهم نفذوا أمرًا ونقلوا خبرًا، ولم يتطوعوا من تلقاء أنفسهم لدعوة الناس إلى ما يظنون أنه الحق!
إن الخالق أكبر من أن يعاقب ضعيفاً . والمخلوق أقل من أن يغضب خالقه أو يرضيه !
فإذا كان أتباع كل رسول يعتقدون بأن رسولهم يمتلك حق الشفاعة، وأنه سيشفع لهم عند ربهم، وينقذهم من عذاب مستحق!
فإنّ كل الناس هم عبيد الله وخلقه الضعفاء وإن ضلوا وإن أساءوا، ولهم أن يطمعوا في رحمته التي وسعت كل شيء.

الجمعة، 17 مايو 2024

الإنسان ذلك العبد الحُر والمقذوف الواعي!

0 تعليق



- لو سُئل الحديد عن الصواب، لقال هو تعميم الصدأ!

- لو سُئل الذهب عن الصواب، لقال هو انعدام الصدأ!

- لو كان الواقع مرآةً لا يرى فيها البشر غير أحلامهم
ومعتقداتهم، لما رأى أحدهم غيره!

- أن تتحقق كل المعتقدات، يعني أن يختفي كل البشر!

- الاعتقاد هو أن ترى أخطاء غيرك ولا ترى أخطاءك!

- الإيمان هو أن تبرر لنفسك ما لا تبرره لسواك!

- أن تعتقد يعني أن تتوهم لتحلم!

- أن تؤمن يعني أن تعيش أحلامك دون أن تتحقق!

- البشر متخلفون عن غيرهم من الكائنات، ما داموا
يفصلون بين الإنسان وعقله!

- ما زال البشر متخلفين، ما داموا لا يرون الإنسان
مسئولًا عن الصمم ويرونه مسئولًا عن الغباء!

- البشر سطحيون ما داموا يرون تشوه الجسد،
ولا يرون تشوه الفكر!
- سطحيون ما داموا يُبررون اختلاف الظاهر،
ولا يُبررون اختلاف الجوهر!

- علامة خروج البشر من تخلفهم، هي نظرتهم إلى
المسيء منهم باعتباره ظاهرة طبيعية في صورة
بشرية، وليس كائنًا يمتلك إرادة ويتعمد الإساءة!

- الحياة أشبه بنكتة انتشرت في مأتم زائف، فأضحكت
فقط مَنْ لا يفرقون بين الأفراح والمآتم – لحسن حظهم!

- لا يوجد شيء خارج الإنسان يستحق منه أدنى جهد ،
ولا شيء يؤلم الإنسان كإدراكه لهذه الحقيقة!

- يوجد أناسٌ يستحقون أن نحيا لأجلهم، لو كان
بوسع إنسان أن يحيا لغيره، ولو كان بوسع الغير
إدراك حجم التضحية وقبولها!

- المنتحر .. إنسان أكمل الطريق العام قبل الوقت العام!


إنسان الطبيعة وإنسان المعتقدات ..

- الاعتقاد هو اعتناق أُحجية الإنسان العبد الحُر!

- في الواقع الطبيعي، الإنسان مجرد مقذوف واعٍ -
مقذوف يعي بأنه مقذوف وحسب!

- في واقع الاعتقاد (الخيالي) الإنسان يمتلك إرادة
ومقدرة على الفعل وعدم الفعل، وهو على صواب
ومنتصر دائمًا حتى لو انتهى الأمر بفشله وخسارته!

- إنسان المعتقدات هو كل إنسان لديه من الوعي
والإدراك فقط ما يجعله يتوجس رعبًا من فكرة الواقع
الطبيعي، الأمر الذي يجعله مهيأً لقبول فكرة الاعتقاد
بواقع خيالي مصمم على مقاس أحلامه!

- سلوك إنسان المعتقدات هو سلوك الجبان!
- الشجاعة ليست مُعطًى طبيعيًا مستقلاً يوجد لدى بعض البشر ولا يوجد لدى غيرهم، بل الشجاعة هي سلوك كل إنسان مُدرِك تمامًا للأمر أو جاهل تمامًا بالأمر، والجبن هو سلوك ما بينهما - وهو سلوك إنسان المعتقدات!

- أُحجية العبد الحُر، هي أن يتوهم الإنسان المسئولية،
رغم إدراكه بأنه معدوم الإرادة والعِلم والمقدرة!

- العبد الحُر هو كل إنسان يعتقد بإمكانية وجود وجه
للمقارنة وحاجة للتكامل بين النسبي والمطلق، .. بين
المخلوق والخالق!

- الاعتقاد هو أن يفتعل الإنسان قضية يحيا ويموت
لأجلها، كرفض وهمي منه لحقيقة حياته دون مغزى
وموته دون معنى!

- الاعتقاد افتعال داء، والإيمان افتراض شفاء!

- الاعتقاد افتعال خوف، والإيمان افتراض أمان!

- الاعتقاد افتعال قضية، والإيمان افتراض حلها!


- الإنسان عبارة عن وعي مقذوف في فضاء الوجود!
- المقذوف الفضائي، لا يمكنه تغيير مساره بنفسه،
نظرًا لعدم وجود مُتكأ يُمكِّنه من الانحراف!
- كل ما يعرفه هذا المقذوف الواعي هو أنه مقذوف،
ولا يمكنه التوقف قبل اصطدامه المحتوم بجدار الموت!

- الإنسان المصاب بالاعتقاد، يتكئ على الفراغ مفترِضًا
أنه قد غيَّر مساره، فيتوهم أنه مسئول عن اصطدامه
الحتمي بكل ما يعترض طريقه!

- الاعتقاد هو استعمال العقل لتدمير الوعي!

- الإنسان إما عبد وإما حُر، ومجرد تسمية العبد حُرًا
لا تجعله حُرًا!

- الإنسان إما عاقل منطقي وإما مؤمن تقليدي،
فلا يلتقي منطق وإيمان تقليدي في كيان واحد!

- حياة الإنسان مجرد تجربة طبيعية، والتجارب لا تظهر
نتائجها أثناء التفاعل، ولذلك لا يُدرك الإنسان أخطاء
أي مرحلة من مراحل حياته إلا بعد تجاوزها – أي إلا
في المرحلة التي تليها – حيث لا مجال لتلافي الأخطاء،
ولا معنى لإدراكها سوى إثبات عدم مسئوليته عنها ..،
فلا يُدرك الإنسان أخطاءه في مرحلة الطفولة إلا وهو
في مرحلة الشباب، ولا يُدرك أخطاءه في مرحلة
الشباب إلا وهو في مرحلة الكهولة، وهكذا ..،
والمرحلة التي يُدرك فيها كل أخطائه هي مرحلة
الما لا نهاية، وهي المرحلة الغير ممكن إدراكها ..،
وهذا يعني أنه من قبيل الجهل واللغو والهراء، القول
بمسئولية الإنسان عن سلوكه وامتلاكه لإرادته ..، هذا
فضلاً عن عجزه الواقعي العملي عن فعل كل ما يريد
واجتناب كل ما لا يريد – عادةً!

السبت، 4 مايو 2024

طلب الشفافية وصفة سحرية لإثبات الأنانية!

0 تعليق


مِن القِصص الطريفة والمُعبِّرة، التي تُروى على لسان الشخصية الشعبية التراثية "جُحا"!
يُروى أن أحدهم كان قد قصد "جُحا" يومًا، وطلب منه أن يُعيره حماره، ليقضي به مهمة ويُعيده له.
فاعتذر جُحا عن تلبية الطلب، بحُجَّة أن حماره غير موجود.
لكن، ما أن أكمل جُحا كلامه، حتى أحدث الحمار صوتاً (نهيقاً)، وكأن الحمار يقصد إحراج جُحا!

فقال الرجل لجُحا: آخر ما كُنتُ أتوقعه، هو الكذب من عاقل مثلك!
كيف تقول بأن حمارك غير موجود، وها هو الحمار يُثبت أنه موجود!

فقال جُحا للرجل: لا تعجب يا صاحبي، فهذا زمن العجائب..، هل سمعت قبل اليوم عن عاقل مثلك يُكذِّب إنساناً ويُصدِّق حماراً!

الأمر ذاته ينطبق عليك أيها الغريب الذي ترفض حُجَّتي لضعفها، وتتساءل لماذا أرفضك وأبغضك!
ألا أيها الغريب ما أجهلك! ألا تعرف لماذا أرفضك!

كانوا قبلك، يَرونني مخلوقاً رُوحيّاً، أُعلِّم الجُهلاء كيف تكون السعادة في أرض الخطيئة!
كانوا قبل ظهورك الذي أفسد كل شيء..، كانوا يوقنون بأنني أدرى بسعادتهم منهم؛ فقد أوصلتهم بدهائي وجهلهم إلى الاعتقاد بأنني لستُ من جنس البشر الآثم!
بل أنا من جنس طاهر شريف، يُحلِّقُ خارج المألوف، ليكشف المحجوب ويُنبئ بالغيب ويُخبر باللا معروف!
كنتُ أُشير إلى سماء لا وجود لها فيرونها، فأُخيفهم من سقوطها عليهم، فيُطيعونني ويهابونها!
كُنت أُشير إلى طيران الطيور فوقهم، وعجزهم عن مجاراتها، فيعترفون بضعفهم ويُقرّون بمعجزتي!
فَجئت أنت أيها الجديد من بعيد، بأمجادٍ محسوسة، لتقوض أمجادي الشفهية السحرية، ولتُخبر عبيدي الجُهلاء الأغبياء بأن هنالك ما هو أجمل من الوهم والعبودية، وهي الحقيقة والحرية!
أَخبرتَ عبيدي بأن سماءهم فضاءٌ خواءٌ وأن الفضاء لا يَسقُط، قُلت لهم ذلك بعد أن غزوته برجالك وعلمك، وأتيت منه بالخبر اليقين!
أخبرتهم بأنه لا معنى للأعلى والأسفل في عالم الفلك وفي علاقات الكواكب والنجوم، فصورتَ لهم أرضهم وهي تدور طوال الدهر، فيكون سافلها عاليها والعكس، كل يوم وكل ساعة!
أخبرتهم بأن الليل والنهار ظاهرة يومية طبيعية بديهية، ناتجة عن دوران أرضهم الكروية حول الشمس!
حَلَّقتَ أنت في الهواء، فوقهم وفوق طيوري التي كانت بطيرانها معجزة جميلة عندهم، فلم تعد بعد طيرانك معجزة!
أفسدت عليَّ كمّاً كبيراً من أسراري التي كان يجهلها عبيدي وأنصاري!

وتتساءل بعد ذلك لماذا أكرهك.! .. للعِلم درُّك ما أجهلك!
حَقًّا إنه ليس بين الناس من يستحق الشفقة كما الصادقون!

وأظنك أيها البعيد صادقًا، ولذلك صدَّقت ما سمعت، فقلت ما لديك، وتساءلت بعفوية .. لماذا أكرهك!
الصادقون لا يعتقدون بوجود الكاذبين، والعكس صحيح!
الصادقون لا يمكنهم تصور النفاق، ناهيك عن فعله! الصادقون لا يرون في الحياة بأسرها سبباً يُبيح للحر النفاق!
الصادقون يعتقدون أن الكذب أسطورة لا حقيقة لها في عالم العُقلاء!
ولكن الصادقين ليسوا من عالم آخر مثالي، بل هم من عالم البشر الطبيعي..، ويُدركون أن طاقة الإنسان على تحمل الألم محدودة، وقد يضطر الإنسان للكذب عند درجة معينة من الألم، عندما لا يكون خيار الموت متاحاً له..، إلا أن مشكلتهم تكمن في إيمانهمم بأن الإنسان الطبيعي حتماً سيُعلن أنه أضطر للكذب، فور اجتياز المرحلة وشعوره بالأمان..، وأنه لن يشعر ولن يَدَّعي بعد الكذب أنه ما يزال إنساناً طبيعياً كما كان قبله..، وأنه سيموت حتماً – كمداً أو انتحاراً مباشراً – عاجلاً أو آجلاً !
ما لا يعتقد الصادقون حدوثه، هو الكذب مقابل لا شيء، أو مقابل عَرَضٍ زائلٍ يستطيع الإنسان الحياة الطبيعية بدونه..،
أما ما لا يمكن للصادقين تصديقه وتصوره، فهو أن يكذب الصديق صديقه، والقريب قريبه، والزميل زميله، والزوج زوجه، …!!!
لعلك أيها الغريب البعيد صادقاً، ولعل في ذلك شيء من أسرار سؤالك عن بغضي لك!

ولعلك إذا علمت أن الكذب يحيا بيننا كجزء من يومياتنا، يتنقل بين الأحياء والدور والأوطان بكل أمن وأمان، محفوظ في صدر الإنسان عندنا..، عدا شواذ القاعدة، وقليل ما هم!
!!
لعلك بعد الآن، أن تجد عذراً لبغضي البريء لك، ولعلك ألا تعود إلى سؤالك السخيف.. لماذا أرفضك وأمقُتُك!
فقد تستنبط من ثقافتي أنني لا أحتاج لأجل الكراهية والبغض، أن يفعل الآخر شيئاً يستوجب ذلك..، إذ يكفيني وجوده المستقل عني، أو حاجتي له، أو ضعفي مقارنة به، أو وجود حقائقه التي تكشف زيفي..، يكفيني أحد هذه الأسباب أو اجتماعها، لأكرهه وأرفض وجوده!
وتتساءل بعد ذلك لماذا أكرهك.! .. للظلم والظلام والظالمين درُّك ما أجهلك!
أنا إنسان مثلك، ولكنني لا أحمل الروح الوسطى ..

سأكون صادقاً وكريمًا معك، وسأُتحِفُك بسرِّي الثمين الذي سيُزيل شيئاً من جهلك، وقد يزيد من ذهولك، ويُقربك مني إن شئت، ومن أي سبيل اخترت!
أنا إنسان أحمل روحين متناقضتين متصارعتين!
وأيهما انتصرت وطغت، انعكست على سلوكي وممارساتي!
أنا يا من تجهلني، أحمل بداخلي روح عبدٍ ذليلٍ، مُهيأ لـ(قل فيقل، وافعل فيفعل، وآمن فيؤمن، واكفر فيكفر)، وكأنه يؤمن لغيره، ويكفر لهم؛ ولا وجود له ولا كيان!
وأحمل إلى جانبها روح مجرمٍ أسطوري، يرى كل من حوله أعداء يجب اجتثاثهم إن رفضوا عبادته، متى سنحت له الفرصة لذلك!
أنا ذلك الكائن البشري الذي لا توجد بداخله روح الإنسان الطبيعي الذي يتوسط السيد الفظ والعبد الغض!
والخيار الآن لك أيها الغريب، فإن شئت صُرتَ عبداً لدي، أكفل لك عبودية مُرضية، فأنا سيدك الآمر الناهي المطاع، الناطق باسم السماء والغيب!
وإن شئت واستطعت، فاتخذ مني عبداً لك، شرط ألا تغفل عن تذكيري بعبوديتي طرفة عين؛ فالخداع والنفاق يسريان في دمي. ليس لك بعد الآن أن تتساءل، لماذا أرفضك!
قد بُحتُ لك بسري المُقدَّس، وأرى أن ذلك يكفيك إن لم يكن بك من الجهل ما يمنعك من فهم بديهيات الأمر!
قد تستغرب، وتتساءل، كيف لإنسان يُدرك ذاته وواقعه وانحرافه عن الفطرة إلى هذا الحد، ويُدرك أنه مُخالف لقوانين الطبيعة ومنطق البشر إلى هذا البعد!
ويعيش في أحدث عصور العِلم، حيث لم يعد يَخفى من الأمور إلا ما ندر ..، كيف لمثل هذا الإنسان ألا يُغيِّر من شأنه!
إذا كان مثل هذا التساؤل قد تبادر إلى ذهنك، فإنه وللوهلة الأولى قد يبدو أن الحقَّ معك!
لكن مهلاً، لا تنسى ما ورد في أسطرٍ سابقة، وما سأوضحه لاحقاً، وهو أن رجوع الإنسان واحتكامه إلى معايير فطرته بعد انحرافه، يتطلب أن يكون الإنسان طبيعياً!
وهو الأمر الذي أفتقده، فقد سلبوني روح الإنسان الطبيعي؛ حين انتزعوا مني الروح الوسطى التي يحيا بها سائر البشر!
فأنا أحمل روح العبد الذليل، وروح السيد السادي! وأيهما طغت فذاك أنا!
لا تَغُرَّنَّك شعاراتهم وهلوساتهم، فهم جميعاً مصابون بذات الداء، ويحملون الروحين المرفوضتين فطرياً، ويفتقدون الروح الوسطى!
قديمة هي هذه المصيبة فينا؛ ولا شك أن أول من ابتكر معادلة انتزاع الروح الوسطى، قد مات غير مأسوف عليه.
ولكنه قبل أن يموت كان قد زرع المصيبة وأورث سِرَّها وسَرَطانها، وهكذا توارثتها أجيالنا، وهكذا صرنا إلى هذا المآل، بانتظار من يُعيد لنا أرواحنا الوسطى، لكي نرى الصورة الثالثة للإنسان من حولنا، صورة الإنسان الطبيعي، .. لا كما نراه اليوم عبداً أو سيدا!

أيها البعيد القوي ما أجهلك! ألا تعرف لماذا أرفضك!
كان عليك أن تعرف من أنا وأين أنا منك، وماذا يعني أن تكون أنت هناك وهكذا، وماذا يعني موقعي الجديد جنبك في المعادلة!
وحينها ستُدرك كم أنا كريمٌ معك، ولماذا رفضتك إلى هذا الحد فقط!
ستُدرك مع الأسف، أن كَرَمي الجميل، مبعثه ضعفي الأكثر إشراقاً وجمالاً وصدقاً ونبلا!
فهل أنت غافل، لا تدرك أن رسالتي هي احتقارك، ومهمتي قتلك، وسعادتي في شقائك، وغايتي استعبادك، وحُلمي اختفاؤك ..،
ألا تدرك أن قوَّتَك قد أظهرت للأعداء ضعفي، الذي طالما أخفيته عنهم، وطالما هزمتهم بجهلهم بحقيقتي، وبقدر علمي بجهلهم بأمري!
ألا تدرك أن عِلمك قد كشف لأهل الدار أسراري، التي حصلتُ بفضلها على العبيد والجواري وعلى هذا الكم الهائل من أتباعي وأنصاري!

وتتساءل بعد ذلك لماذا أكرهك.! للجهل درُّك ما أجهلك!
نحن أُناسٌ لا نعيش ولا نتَّحِد ولا نقوى ولا ننتصر إلا في ظلامنا الجميل وجهلنا المقدّس!
ظلامنا الدامس الذي نُسمّيه نوراً ساطعاً!
وجهلنا المطبق الذي نحميه من آفات العلم الفاتك!

نحن أُناسٌ هادئون مسالمون طالما بقي الضعف حليفنا والتخلف قوت يومنا وسمة دهرنا!
نحن قوم لا ينتظر البعيد والقريب وفاءنا، إذا أطلعونا على أسرارهم!
ولا يأمن الأصدقاء مكرنا وغدرنا، إذا أدخلونا ديارهم!
سَمِعتَ أنت أيها البعيد – الجاهل بأمرنا، سمعت بسطوع نورنا، فصدَّقت ظاهر أمورنا، وجئت معتدياً بنورك على ظلمتنا البريئة الودود الهادئة، فأطفأت ظلمتنا بنورك، وفتحت نوافذنا فخرجت ريحنا المحجوبة..،


فهل لك أن تتساءل بعد الآن لماذا أرفضك!
لكل ما سبق درُّك ما أجهلك، إن عُدت مجدداً إلى تساؤلك!
قد تتساءل في نفسك، من أنت أيها المغمور المغرور الذي يُقدّم نفسه كمفكر ومحلل أو كفيلسوف زمانه!
سأقول لك، أرجوك لا تتهمني بالغرور والتكبر، فأنا أعمل ما في وسعي لأنأى بنفسي عن هذه الصفات المقيتة!
ولعلك إن تفضلت وصدقتني، أن تعلم أنني أعشق الموت، وأُحبه حب الجنون!
وأنا عازم على أمري، حتى أُبادر للحاق بركب الراحلين الغائبين عن دنيا   الألم والضعف والنفاق والخطيئة!

الخميس، 18 أبريل 2024

الكائن البشري بين العقل والعاطفة..

0 تعليق

الحياة ..

الكل يسعى في الحياة أو بالحياة مسارعاً ومنافساً، لأنه يرى جُلَّ مَنْ حوله يفعلون، لا لأنه أدرك ماذا أو لماذا يفعلون، ولا هم كذلك يدركون!

هل لحياة الإنسان صفة أو وصفاً أو شكلاً يشغل حيِّزاً مستقلاً عن ذاته!

كل نفيس، هو ذو قيمة لغيره لا لذاته! فهل يشذُّ الإنسان عن قاعدة النفائس هذه، ليعتبر أن مجرد وجوده، هو قيمة بحد ذاته لذاته!

القيمة ندركها والاستفادة نحصل عليها من الأشياء التي تقع خارج ذواتنا..، فهل حياتنا كذلك!

أَمْ إن جُل البشر يدركون وراضون بأن يكون وجودهم، ذا قيمة لغيرهم لا لذواتهم!

في معادلة أطرافها الإنسان والحياة ..، أيهما النفيس، وأين المستفيد؟

المنتفع من قيمة النفيس يبحث عن النفيس، وليس النفيس يعرض نفسه على المستفيد منه!
فهل تكون حياة الإنسان هي النفيس، وتكون هي ذاتها المستفيد؟

أم إن البشر يتنافسون فيما بينهم ويُغالب بعضهم بعضاً، ثم يتصورون أن انتصار البعض وهزيمة البعض الآخر، بمثابة شيء مستقل عنهم، اسمه الحياة!

البعض توهَّم أن للحياة قيمة تستحق العناء، والواقع أنه لا وجود لتلك القيمة إلا في معاناته!

البعض الآخر، وجد السلوى في مآسي غيره، فشغل نفسه بمساعدتهم بشتى الوسائل– على حساب القانون والمنطق والصدق والأمانة وعلى حساب حقوق آخرين أحياناً-، وتصوَّرَ أن تلك هي قيمة الحياة..، وهو في الحقيقة إنما يُخفف عن ذاته، بحضوره ومتابعته لأحداث مآسي الآخرين، ليرى نفسه وهو ليس الأضعف..، فجعل من مصادفته لبعض من يحتاجون مساعدته، برهاناً ودليلاَ على قيمته ورسالته في الوجود، معتقداً أن تلك القيمة المفترضة هي ما استوجب وجوده أساساً وهي ما يستحق بقاءه حياً!

القوة والضعف في حياة الإنسان، هما قيمتان نسبيتان، في معادلة افتراضية كل عناصرها بشر! فليس في قوة القوي النسبية والمؤقتة ما يُعطي لحياته معنى أو يجعل لها قيمة..، وليس في ضعف الضعيف ما يُبرر استمرار حياته!


لا يوجد بريء ومحتال بين البشر، ولكن يوجد مهزوم ويوجد منتصر!
لا يوجد على الأرض ملاكٌ ليؤتمن، فهل من معنى للبراءة أو مبرر للهزيمة، سوى الضعف أو الجهالة!

كثيراً ما تُباغتنا حقائق لا تُفارقنا .. ما بَرِحَت المكابرة تفضحنا، ما انفكت العاطفة تخذلنا، لكننا أبداً صامدون، وعلى عهدنا باقون .. نُكابرُ ونَسْخَرُ من المكابرين، نَكْذِبُ ونلعن الكاذبين!

بين النفوس الضعيفة والغبية، تنمو كل المعتقدات وتجد أتباعاً لها لا حصر لهم- حتى تلك الركيكة نصاً وإخراجا!

- أفواجٌ من الواهمين، وأمواج من المذعورين من كل شيء ومن لا شيء-، .. حتى أولئك البؤساء الذين لم تعطهم الحياة ما يُبرر اعتناقهم لمعتقد، ولا بُغضهم للموت - الذي ربما وُجِد لأجلهم!

- إن حقيقة وجود الموت، هي مبعث الارتباك الأزلي البادي بوضوح على سلوك جُل البشر! إن الفزع من الموت، هو ما يجعل أحدهم يتعمد ركوب أمواج الوهم، مُدَّعياً التضحية، قاذفاً بنفسه إلى الموت، طمعاً في حياة أخرى خالية منه، دون ضمان لبلوغ الغاية المفترضة!

السؤال: لو كان الخلود اليوم ممكناً ومتاحاً للجميع، هل كان أحدهم سيُضحي بحياته، من أجل مبدأ أو عقيدة، دون دليل محسوس يقبله ويفهمه العقل ويكفل النتيجة!

إن طلب الموت قبل أوانه، لا يكون نبيلاً صادقاً ومُشرِّفاً، إلا لدى أولئك الذين يرفضون الوجود لذاته، تعبيراً عن أخطاء أساسية فيه، بغض النظر عن وجود البديل من عدمه!


الكائن البشري بين العقل والعاطفة..

العاطفة، هي عقلٌ مُزيف، يستعمله البشر لإدارة علاقاتهم المزيفة!

لا يمكن للإنسان أن يكذب من خلال عقله الحقيقي، لأنه حينها يكون يتحدث مباشرة باسم الذات الحقيقية التي لا تحمل بذرة الزيف!

العاطفة، عبارة عن وسيط مخادع، حصل على صفقات مربحة في أسواق الضعفاء!

العاطفة، عبارة محطة مضطربة، يمر بها الإنسان عادة، في كل رحلة من رحلاته المكوكية بين محطتي الخوف والأمان!

لا يوجد عقل جمعي وعقل فردي – كما يُروِّج أعداء العقل-، ولكن يوجد عقل، وتوجد عاطفة الخوف والطمع والنفاق!

السارق والكاذب ، …، يستعملون العاطفة أمام الآخرين، فيستنكرون علناً ما يفعلونه خلسة، والكل مُدرك وصامت!

ذلك لأن الجميع يرفضون الاحتكام إلى العقل، خوفاً على مصالح يحميها الصيت المزيف، لا حرصاً على أخلاق ومبادئ مزعومة!

العاطفة هي جهل متنكر، وهي طمع مستتر، كما أنها ضعف سافِر!

العاطفة عُملة وهمية، متغيرة القيمة، تُصدرها الذات المزيفة، ويستعملهما الضعفاء في محلات مختلفة في أسواقهم الخيالية!

يتعامل الضعفاء بعملة العاطفة، لشراء راحة نفس زائفة، في محاولة يائسة لإخفاء اضطراب يملأ حياتهم، وفراراً مفضوحاً من مواجهة شبح الهزيمة الذي يُطاردهم..؛ وعادة ما تتم عملية البيع والشراء بعملة العاطفة، عندما يجد أحد الضعفاء نفسه في موقع قوة- قياساً إلى ضعيف آخر-، وهو الذي يكون قد وقع عليه الاختيار، لدفع فاتورة مأساة عشوائية كان من الممكن أن تُصيب غيره!

عندما يُظهر الإنسان تعاطفاً مع مآسي الآخرين وآلامهم، فليس ذلك تضامناً صادقاً منه، بل هو فزعه من شروط المأساة المتوفرة فيه، أي.. هو تعبير عن خوفه من المصير الذي يراه يتجسد أمامه، وهو ليس بمأمنٍ منه!

لكي تستحق العواطف منا، أن نعتبرها شعوراً إنسانياً فطرياً نبيلاً وصادقاً، ينبغي أولاً أن تؤدي إلى تجميد كل مظاهر الأفراح على الأرض إلى أن تتوقف كل المآسي على ظهرها..، فكل البشر اليوم جيران، فالجدران والحدود لم تعد تُخفي ما خلفها من مآسي!

التخلص من زيف العاطفة، والاحتكام إلى صدق العقل، يقتضي التصالح مع الموت، والإقرار بأنه خاتمة مستحقة لتجربة فاشلة، أو تجربة مجهولة في أحسن الأحوال!


مفهوم الإيمان، وأثره على سلوك المؤمنين وحياة الآخرين.. الإيمان هو القدرة على التصديق بوجود ما لا دليل على وجوده! ولذلك فإنه متى دخل العقل من الباب، خرج الإيمان من النافذة!

الإيمانُ أو عدم الإيمان، كلاهما شعور يعكس ردة فعل الإنسان تجاه ما يراه وما يسمعه..، تماماً كالخوف والحب والبُغض! ولا يملك الإنسان أن يُحدد شعوره أو يُقرره أو يرفضه، .. بل يجده أو لا يجده!يمكن أن يؤدي الخوف، والشعور بالضعف والهزيمة، إلى الإيمان بأي شيء- بحثاً عن أمل، وطلباً لإنصاف وطمأنينة مفترضة! وربما كان ذلك هو السبب الذي جعل كل الأديان تعزف على أوتار الترهيب والترغيب – في مخاطبتها للبشر.!

إذا كانت الكُتُب المقدّسة التي أوجدت أو فرضت الإيمان، لا يفهمها إلا قلة قليلة من البشر ..، إذن فهي موجهة لهم دون غيرهم، وهي بذلك حُجّة عليهم لا على سواهم!

العدل يقتضي أن تكون المحاسبة والعقاب والجزاء، لأولئك الفقهاء وحدهم، ولا معنى لمحاسبة الأتباع الرعاع- غير القادرين على فهم الكتب المقدسة!

لماذا يتم الحديث عن الإيمان والمؤمنين بهذه الصورة وهذه الجرأة، وبما يُشبه الطعن والتهجّم.!

لأن التواصل والتعامل مع البشر لا يكون إلا من خلال العقل!

ولأن الإيمان لا يلتقي مع العقل، بل لا يكون الإيمان إلا على حساب العقل دائماً!

وبذلك يُصبح من غير الممكن التعامل مع المؤمن وفق بديهيات العقل – إلا فيما ندر من الأمور، ومع البعض لا مع الكل!

فإذا كانت الحيوانات تسير وفق برنامج إلهي أو طبيعي ( يُسمَّى الفطرة)، فإن المؤمن يسير وفق برنامج بشري (يُسمَّى الفقه)! فالمؤمن هو كائن بشري مُبرمَج، لا يحتكم إلى العقل، بل يتصرف وفق برنامجه المسبق، والذي تتغير خصائصه حسب إعدادات وأيديولوجية وأهداف واضع البرنامج ..الفقيه أو المذهب أو الطائفة، …الخ!

والمتحدث عن الإيمان بهذه الصورة، هو – عادة – إنسان طبيعي يحتكم إلى العقل في تعامله مع البشر، ووجد نفسه مضطراً للتواصل والتعامل الرسمي واليومي مع المؤمنين، ووفق مقتضيات الإيمان!

ولأن الإيمان يخلق أُناساً غير أسوياء! يستكبرون بإيمانهم على غيرهم، ويترفعون بإيمانهم عن القوانين البشرية التي تُنظِّم علاقاتهم بالآخرين..،

تجد المؤمنين يمنون بإيمانهم، فينتظرون – بل ويطلبون – من الآخرين تقديرهم وتقديمهم على سواهم في كل الميادين، ومقياسهم الوحيد في ذلك هو إيمانهم..، كأنهم يؤمنون نيابة عن بقية البشر! كأن إيمانهم سيُدخل الآخرين الجنة!
كأن الإيمان درجة دنيوية، توجب على الآخرين تفضيل المؤمن وتمييزه عن سواه بغض النظر عن سلوكه وتخصصه وقدراته! كأنهم يقولون إن المنطق والقانون والذوق العام وحقوق الآخرين..، كلها ينبغي أن تتلاشى أمام إيمانهم!

كأنهم يؤمنون بإله قومي قبلي عشائري عنصري، يتحيز لبعض خلقه على حساب بعضهم الآخر!

كأن للمؤمن فضل في أعناق الآخرين بسبب إيمانه! كأن الإيمان ليس شأناً فردياً شخصياً وعلاقة خاصة بين المؤمن وما يؤمن به! على الرغم من أنه لا أحد يُمكنه الجزم بصحة إيمانه وقبوله، إلا أن المؤمنين - لاسيما المسلمين – يضعون الإيمان مقياساً لتقييم البشر، وللتفاضل بينهم، حتى داخل المؤمنين – حسب الطوائف والمذاهب والمدارس الفقهية!

وكلهم يشتركون في الاستهزاء واللامبالاة بالقانون الوضعي الذي يُنظم حياة البشر، لأنهم يعتقدون أن العبادات كفلت لهم الجنة، وأن الدعاء يكفل لهم حل المشاكل والأزمات الدنيوية ..، فباتوا يعتقدون أنه لا حاجة بهم للالتزام بالقوانين الوضعية، ولا حاجة بهم لاحترام الآخرين..، مما جعل الفوضى والعبث والسطحية والرياء، وأحياناً حتى الخبث والخداع والخيانة والتآمر، هي من صفات مجتمعات المؤمنين عادة، إلا ما نَدَر!

الأحد، 7 أبريل 2024

سهم الزمن والزمان ومفهوم الوقت والتوقيت

0 تعليق


لو لم تكن للشمس حركة ظاهرية منتظمة حول الأرض، لما وَجَدَ مفهوم الوقت سبيلاً إلى لغة البشر، ولما استوطن شبح الزمان مخيلتهم! فلو كانت كل الأشياء في الوجود ساكنة، أو تسير بسرعات متساوية ومنتظمة، لما كان لمفهوم الوقت والتوقيت وجودًا! كما أنه لو كانت كل الأشياء في الوجود شفافة، لما كان لمفهوم الظِل وجودًا! الوقت هو مفهوم افترضناه لنتصوَّر به أو نُجسِّد فيه حدثًا خياليًا، مُصاحبًا لكل حدثٍ حقيقي يقع خارجنا – ناتج عن حركة! عملية الشروق مثلاً، هي حدث حقيقي ناتج عن حركة، لكن وقت الشروق هو حدث خيالي، افترضنا أنه يحدث مُصاحبًا لعملية الشروق – كمصاحبة الظِل للمادة! فأصبحنا نقول وقت الشروق كما نقول ظل الشجرة! فإذا قُلنا إن الظِل يعني انعدام وجود الضوء في منطقةٍ ما حول المادة، يكون مفهوم وقت الشروق كذلك يعني انعدام حصول حدث مُصاحب لعملية الشروق! وإذا قُلنا إن وجود الظل هو إثبات لوجود المادة – لا لوجوده هو! كذلك يكون مفهوم وقت الشروق، هو إثبات لحدوث عملية الشروق- لا لحدوثه هو! فإذا قُلنا إن الظل هو العلاقة بين مادة معتمة ومصدر ضوء، كذلك نقول إن مفهوم الوقت هو العلاقة بين شيئين يسيران بسرعتين مختلفتين ومنتظمتين! لو تساوت سرعة الأرض وسرعة الشمس، أو لو أن سرعة إحداهما كانت عشوائية..، لما كان لمفهوم الوقت وجودًا ولا معنى! وبالنتيجة نقول، إنه لا وجود مستقل لمفهوم الوقت والظِل! معلوم أن مفهوم الوقت هو استغلال واستثمار بديهي، لانتظام الحركة الظاهرية للشمس حول الأرض! وأنه كان تلبية لحاجة البشر لتنظيم المعاملات وترتيب الأحداث الآنية والمستقبلية القصيرة – في نطاق تواجد الشمس أثناء النهار! ثم كان من السهل اختراع مفهوم اليوم والأسبوع والشهر والسنة! ثم أصبح من الممكن تدوين الأحداث، فصار بالإمكان توارث المعلومات والبيانات، فوُلِد معنى التأريخ والتاريخ، فأصبح للوقت ماضٍ يُذكر إلى جانب الحاضر! ثم صار السؤال عن بداية التاريخ وعن أحداث ما قبل التاريخ أمرًا منطقيًا! ثم صار السؤال عن بداية الوقت بصفة عامة، أمرًا منطقيًا فلسفيًا، فتبعه السؤال عن نهاية الوقت وكان سؤالاً فلسفيًا بحتًا، لكنه أكثر أهمية من السؤال عن البداية! فصار بذلك الوقت سجلاً تاريخيًا مقطوع البداية والنهاية، فجاء مفهوم الزمان الأسطوري الأبدي، ليحتوي مفهوم الوقت وأحداثه، وليُجيب عن سؤال البداية والنهاية، فأعطى السؤال أحقية الوجود، وأعطى الجواب أحقيقة الانعدام أو الاحتجاب! ومن مفهوم الزمان اشتُقَّ مفهوم الزمن – كبعضٍ من الزمان..، فمفهوم الزمان أعم وهو يحتوي مفهوم الزمن! فصار مفهوم الوقت مناسبًا للاستعمالات المحدودة المرتبطة بأحداث نحن مَنْ يُحدد بدايتها ونهايتها! وأصبح مفهوم الزمن أو الزمان مناسبًا للاستعمالات اللا محدودة المرتبطة بأحداث مجهولة البداية أو النهاية أو كليهما! ثم إن السؤال عن النهاية أصبح شأنًا عِلميًا، ويحظى باهتمام الجميع، لأن النهاية تخص كل الموجودين، ولأنه ربما يمكنهم الاستعداد لها أو المشاركة في صُنعها، بعكس البداية التي انقضت، ولم يعد من الممكن التأثير عليها أو الاستفادة منها – سوى لاستشراف النهاية! لذلك أصبح من الضروري ومن الممكن وضع نظريات وتصورات منطقية لنهاية الوقت، حيث إن الأمر لا يتجاوز وضع تصور لموت الوجود على غرار موت الإنسان، أو وضع تصور لغروب شمس الوجود على غرار غروب شمس اليوم! لكن، ولأن مفهوم الوقت كان في الأصل قد وُلِد ووُجِد في أذهان البشر وذاكرتهم، كنتيجة لحاجتهم له، وليس كنتيجة لوجود فعلي له..، لذلك، ولأنه لا وجود لشيء اسمه الوقت، فقد فشلت كل المفاهيم المنبثقة عنه، وفشل البشر فلسفيًا وعِلميًا في تصور بداية منطقية للوقت أو للزمان! السبب في فشلهم هو بحثهم عن بداية حقيقية عملية مادية، لمفهوم خيالي افتراضي نظري..، فهم بذلك يبحثون عن ماضي شيء لا حاضر له! ولعل نظرية الانفجار الكبير خير دليل على هذا الفشل، حيث إن هذه النظرية وفي مخالفة صريحة للمنطق، قد افترضت للزمان كما للمكان بداية ليس قبلها بداية، ولعلها رسمت هذه البداية على مقاس نهاية مفترضة – أمكن تصورها وليس من الممكن إثباتها! نقول الغروب، وهنا نتحدث عن حدث مادي وقع وليس عن شيء اسمه وقت! ونقول وقعت الحادثة عند أو بعد أو قبل الغروب، وهنا نتحدث عن مقارنة بين حدثين ماديين لا مكان لمفهوم الوقت بينهما! هذه العند أو البَعد أو البُعيد أو القبل أو القُبيل، هي ما اصطلحنا على تسميتها بالوقت! ولا يعني ذلك اعترافًا منا بأن شيئًا ماديًا أو نظريًا اسمه الوقت، كان حاضرًا عند حدوث الحدثين الماديين اللذين نُقارن بينهما! ثم تطور الأمر، فصنعنا بأنفسنا أحداثًا مادية متعاقبة بانتظام (الساعة الرملية) ثم ساعة ميكانيكية ثم إلكترونية، فأصبح لدينا معيارنا الخاص للأحداث، والمستقل عن المعيار الأصلي أو الأكبر (علاقة الأرض بالشمس)، فابتعد المشهد عن حقيقته التي هي مقارنة حدث بحدث، وأصبح يبدو وكأن هنالك شيء يمر أو يتدفق اسمه الوقت، وأن كل ما نفعله هو أننا نقيسه، بينما الحقيقة نحن الذين صنعنا شيئًا خياليًا اسمه الوقت، ثم صنعنا على مقاسه أجهزة تقيسه! وكل ذلك كان بهدف تحقيق التفاهم وتسهيل التعامل، لكنه تحول إلى مشهد زائف في ذاكرتنا، يُشير إلى وجود شيء اسمه الوقت نقيسه بالساعة! والصحيح والدقيق أن نستعمل لفظة توقيت وليس مفهوم وقت، وذلك لأن مفهوم الوقت قد أصبح يُعادل مفهوم الزمن من حيث الدلالة – لدى جُل البشر – هنا نتحدث عن الناطقين بالعربية! ولفظة "زمن" بالأصل لا يوجد منها اسم في اللغة العربية، إنما هي فعل أوصفة فقط، ولا تأتي بصيغة الاسم إلا عند اعتبارها مرادفة لمفهوم الزمان، وهو مفهوم تاريخي أسطوري..، زَمَانة = عاهة. زَمِنَ الشخص= طال مرضه. زَمِنَ = ضَعُفَ بكبر سن أو طول علة. زَمين = دائم المرض أو ضعيف من الكِبَر. ويُقال: شيخٌ زَمِن. وفي جميع الأحول، فإن مفهوم "الزمن" في صيغة الاسم، هو الآن مصطلح نُشير به إلى حدثٍ خطي قياسًا إلى حدثٍ خطي آخر – حيث إن مفهوم الزمن مشتق بالأصل عن مفهوم الزمان! (خطي يعني له استمرارية، وعكسه لحظي)! ما حصل هو أن مفهوم الزمن ومفهوم الزمان، قد أصبحا – وبدون مبرر- يُشيران إلى وجود شيء قائم بذاته اسمه الزمن أو الزمان، وهو وجود افتراضي أسطوري خيالي لا قيمة واقعية له! ولذلك أقول إن لفظة توقيت هي أدق من لفظة وقت، مع عِلمنا بأن لفظة وقت هي الأصل! فلفظة توقيت تُشير بداهةً ودون تركيز، إلى حدث فرعي ومنطقة جغرافية محدودة! وأصبح مفهوم الوقت كأنه الأصل العام الذي تتفرع منه التوقيتات الفرعية المحلية، حتى أصبح مفهوم الوقت ومن حيث الدلالة يُعادل مفهوم الزمن الذي يُعادل مفهوم الزمان الأسطوري! ولذلك أقول إن لفظة أو مفهوم توقيت أدق من مفهوم وقت، ومفهوم وقت أصح من مفهوم زمن، ومفهوم زمن مشتق من مفهوم الزمان، ومفهوم الزمان عبارة عن شيء خيالي كبير! يمكن اعتبار التوقيت بمثابة الذرة من مفهوم الزمان، والتوقيت عبارة عن مقارنة مباشرة لحدث مادي بحدث مادي! وبذلك يكون مفهوم "توقيت" هو الأصغر بين هذه المفاهيم، ومفهوم "زمان" هو الأكبر بين هذه المفاهيم الجغرافية الفلكية النظرية! فلفظة توقيت تُستعمل كمصطلح لوصف علاقة لحظية، بين حدث طارئ متغير وحدث ثابت من حيث التكرار! مقارنة الاستيقاظ بالشروق .. مثلاً! ومفهوم الوقت أصبح يُعادل مفهوم الزمن، وهو مصطلح يعكس مجموع توقيتات حصلت خلالها أحداث متشابهة أو متطابقة! مثلاً أقول: أنجزت كتابة هذا المقال خلال الزمن أو الوقت: من غروب الشمس حتى شروقها! هنا يبدو الزمن أو الوقت كشيء متواصل، وليس لحظي كالتوقيت، لكن في الواقع الزمن أو الوقت هنا، هو عبارة عن تجميع لعدد كبير من التوقيتات التي جرت خلالها أحداث متشابهة أو متطابقة – هي جزئيات الكتابة! فاستعمال مفهوم الزمن أو الوقت هنا، جاء للتسهيل – تمامًا مثل مصطلح الكتابة، فبدل أن أَذكُر كل الحروف والعلامات والرموز التي استعملتها وكم مرة استعملت كل واحد منها..، وبدل أن أَذكُر التوقيت لكل ضغطة زر في لوحة المفاتيح..، بدل كل ذلك اختصرت الموضوع فاستعملت كلمة كتابة كرمز لعدد الحروف والعلامات التي استعملتها، واستعملت كلمة زمن أو وقت كرمز لمجموع التوقيتات! كتابة = حروف+ أرقام+ إشارات+ رموز. زمن = وقت = (توقيت + … + توقيت)! زمان = زمن + … + زمن = وقت + …+ وقت. وبالنتيجة فإن كل ما يحصل في الواقع لا يعدو أن يكون مقارنة أحداث مادية، ولاشيء اسمه زمان ولا زمن ولا وقت، ولا حتى توقيت؛ إلا أن مصطلح توقيت هو أفضلها، من حيث أنه لا يُشير إلى غير ما وُضِع له، فلا يذهب بالوعي باتجاه الخيال! معلوم أنه توجد مفاهيم أخرى مثل مفهوم الدهر والعصر والحِقبة، وكلها عبارة عن تضخيم أو تجزئة أو تحوير لذات المعنى! مفهوم الدهر النظري بالنسبة لمفهوم الزمان النظري، يُعادل مفهوم الكون المادي بالنسبة لمفهوم الوجود المادي! فإذا كان هنالك شيء اسمه الزمان في الوجود، فسيُقابله شيء اسمه الدهر في الكون! الكون = مادة طاقة مكان، أبدية أزلية، غير محدودة. الوجود = مادة طاقة مكان، متغيرة متحولة، محدودة. هذا التحول والتغير في الوجود، هو الذي أوحى للبشر بافتراض مفهوم الزمان، كعنصر مسئول عن التغيُّر! لكن هذا التغيُّر تبين أنه عبارة عن تفاعل مادي طبيعي، بين مكونات المادة، يعكس مدى ملاءمتها وقدرتها على التماسك وأداء الوظيفة المترتبة على التماسك، تحت ظروف مختلفة! والأهم أنه تبين أن التغيُّر في المادة والطاقة، لا يعني فناءها، وأن كميتها في الوجود ثابتة لا تتغير، وبذلك لا يعود لمفهوم الزمان من معنى! وأعتقد أن الوصف الدقيق لأحداث الوجود المرتبطة بالبشر، هو مصطلح تعاقب الأجيال! فالجيل هو عبارة عن وصف مادي لأحداث مادية! وتعاقب الأجيال يعني تتابع وتواصل عمليات التغيُّر والتحول في المادة

الجمعة، 5 أبريل 2024

أقوال في الوجود والشهوات والمعرفة!

0 تعليق


علاقتي بالحياة .. كعلاقة زوج بزوجته القبيحة المريضة البلهاء .. أو علاقة زوجة بزوجها القبيح المريض الأبله .. حصل الزواج في حين غفلة .. قبل أن يستيقظ الضحية .. استيقظ فجأة ليجد نفسه في صميم المأساة .. عجزت زوجته عن إغرائه .. لم تستطع إثارته يومًا .. تعوزها كل مقومات الإغراء .. عالجها فلم تشفَ .. ألبسها فما اختفى عن ناظريه قبحها .. ثقفها فما ازدادت إلا بلاهةً وحمقًا .. ليس أمامه من سبيل غير الطلاق .. مثله أنا رميتُ طلاقي على الحياة ..

 مأساة الإنسان وخديعة القيمة الزائفة .. كل الحروب والمآسي التي يدفع ثمنها الإنسان، هي نتيجة حتمية لقيمة زائفة يعتقد أنه يحملها .. 
 - رجال الدين يمنحون الإنسان قيمة زائفة، ليدافع عن معتقداتهم باسمها .. 
 - ثقافة القبيلة تمنح الإنسان قيمة زائفة، ليدافع عن مصالح الآخرين باسمها .. 
 - أهل السياسة يمنحون الإنسان قيمة زائفة، ليدافع عن عروشهم باسمها ..
 - أهل الفنون والأدب والشعر، يمنحون الإنسان قيمة زائفة، لتسويق منتجاتهم .. 
 - من لم يجد لنفسه قيمة زائفة في كل المجالات، يفترض لنفسه قيمة، ويتحول إلى مجرم لتحقيق قيمته الزائفة .. 
 عندما ينتبه الغافلون، ويعترف المنتبهون، بزيف كل ما يجري، ويقرون بأنه لا قيمة لهذه الحياة، ولا غاية من هذا الوجود، إلا ما نعرفه ونراه .. حينئذ ستنتهي كل هذه المآسي والصراعات الحقيقية، القائمة للدفاع عن قيمة وهمية . .. 
 
الوجودية ليست أمرًا إيجابيًا ولا محمودًا .. هنالك أناس لديهم نزوع للموت ونفور من الحياة .. هؤلاء يحملون صفات كونية أكثر من تلك الوجودية .. لذلك هم يجدون لديهم رفضًا فطريًا للوجود .. وهذا أمر طبيعي، باعتبار أن الكون هو الذي يحتوي الوجود وليس العكس، فتدفعهم صفاتهم الكونية باتجاه التحرر من السجن الوجودي المتمثل في الحياة .. كل من لديه حس تلقائي لطلب المبررات ورفض العبث، فهو يحمل رفضًا للوجود، لأن الوجود قوامه العبث .. الوجود هو ظاهرة كونية، قائمة على القوة والتحطيم والاستهلاك والتغير العبثي .. ..
 
نحن افترضنا للحياة جمالاً وقيمةً وقدسيةً لا تمتلكها، فنزعنا بذلك القيمة والقدسية عن الموت دون مبرر، وصبغناه ببشاعة لا نمتلك برهانها! هذه الصورة الفكرية الموروثة، التي تُجمِّل الحياة وتُقبِّح الموت في أذهاننا دون برهان، هي بالضرورة تقيِّد تفكيرنا، وتقود خيالنا دائمًا باتجاه برهنة نتيجة نريدها ونفترضها مسبقًا، وتعمينا عن أي نتائج أخرى محتملة، يمكن أن نبلغها فيما لو كان بحثنا عن الحقيقة متحررًا من عقدة رفض الموت وعقدة حب الحياة!

 وحدها القدرة على الفعل تبرر الفعل .. وحده العجز عن الفعل يبرر عدم الفعل .. ولا شيء آخر في الحقيقة .. كل ما يقال خلاف ذلك، مجرد أوهام أو أحلام وأكاذيب! مادية بدنية، معنوية عقلية .. كلها قوة! كل النقاشات البشرية، مجرد اختبار لقوة الذات، وجس لقوة الخصم! كل الحوارات، مجرد استعراضات للقوة التي تحسم كل أمر في نهاية المطاف! الألعاب والمسابقات مجرد استعراض واستخدام للقوة! حتى الضعفاء والجهلاء يستخدمون قوة الكذب! 
  
 الحياة مجرد شهوة كبيرة، استعملها البشر لتبرير شهوات صغيرة .. كل ما يحبه الإنسان في الحياة، بما في ذلك الحياة ذاتها، هي مجرد شهوات غرائزية، لا يوجد تبرير منطقي ولا غائي لأي منها .. كل ما فعله البشر، أنهم اعتبروا بعض الشهوات مبرَّرة لذاتها .. مثل الحياة .. ثم استعملوا شهوة الحياة لتبرير بعض الشهوات الأخرى .. كالأكل والشرب .. ثم استعملوا شهوة الحياة لتبرير وتقنين بعض الشهوات مثل ممارسة الجنس .. ومنعوا شهوات أخرى بحجة أنها مجرد شهوات .. مثل تعاطي المخدرات .. من حيث المنطق والغاية، لا يوجد ما يبرر أي شيء، ولا يوجد ما يمنع أي شيء، فكل شيء عبارة عن شهوات غرائزية ..  

 المعرفة .. المعرفة ليست بالضرورة أمرًا إيجابيًا ولا محمودًا .. الغرام بمعرفة أسرار وحقيقة الحياة والوجود والكون، يؤدي إلى الجنون غالبًا ! الإحساس بمعرفة حقيقة الحياة والوجود والكون، وبأنها مجرد عبث لا غاية منه .. يؤدي إلى الملل من الحياة! معرفة أسرار المادة والطاقة أدى إلى اختراعات، كانت على حساب قيمة الإنسان، ووسعت الفوارق بين البشر، وجاءت على حساب التعايش السلمي .. ادعاء معرفة الحقيقة من قبل رجال الأديان والمعتقدات، هو سبب جل الفظاعات والمآسي قديمًا وحديثًا .. المعرفة جعلت من تكاثر البشر أمرًا غير مبرر، حيث سد المال والآلة حاجة الإنسان للزواج والأبناء .. ولعل هذه أن تكون الحسنة الوحيدة للمعرفة، لكنها الثمرة الوحيدة التي لم يستمتع بها البشر من المعرفة بعد .. حب المعرفة هو عبارة عن شهوة .. عبارة عن غريزة شأنها شأن الغرائز الأخرى .. الجنسية وغيرها .. ومحاولة إشباع الشهوات هي أمر ممتع، لكنه ليس مبررًا منطقيًا، وليس مفيدًا ..، والأهم أنه غير ممكن التحقق، .. هو مجرد مطاردة سراب ..

الثلاثاء، 2 أبريل 2024

المحظور ما تحظره الطبيعة!

0 تعليق


لا شيء في الطبيعة يحمل بذور الحظر والاستحالة
 ذاتيًا!
ما يحظره المجتمع على الأطفال، وما يبدو لهم مجهولًا ومستحيلاً، يُصبح ممكنًا ومعلومًا ومباحًا لهم، بعد بلوغهم النِصاب الطبيعي!
بعضهم يموتون صغارًا – قبل بلوغ النِصاب الطبيعي، فلا يُدركون أن الحظر كان مفتعلاً وأن الاستحالة كانت مزيفة ومرحلية..، وتلك صورة مُصغَّرة لمراحل وجود الكائن البشري في الطبيعة!

أجيال كاملة من البشر، دُفِنت وفي ذاكرتها أشياء وأمور لا تُحصى من تلك المُصنَّفة ضمن المستحيلات والمحظورات والمجاهيل الطبيعية، وهي في الحقيقة ليست مستحيلات ولا محظورات ولا مجاهيل بذاتها، إنما تلك الأجيال هي التي غادرت المسرح قبل زوال السحر أو قبل رفع الحظر الطبيعي والزائف عن تلك الأشياء، أو قبل بلوغهم النصاب الطبيعي من الوجود والوعي!

نِصاب الوجود الفعلي (المدة الزمنية)، ونصاب الوعي الطبيعي، ليسا مرتبطين ببعضهما، فقد يتجاوز الإنسان مرحلة الطفول العُمرية، لكنه لا يتجاوز مرحلة الطفولة من حيث الوعي، وبذلك يموت كما يموت الأطفال – غير مُدرِك لزيف الحظر والاستحالة – التي لقنوها له وبات يعتقدها، وهي التي لا وجود لها سوى في مخيلته ومحتوى ذاكرته المصنوع!

في علاقة الإنسان بالطبيعة، كل شيء مباح وكل شيء متاح وممكن!

الحظر والاستحالة في الطبيعة، عبارة عن حواجز تنظيمية مرحلية، أساسها ضعف الإنسان، وهي محظورات لا تستثني أحدًا من البشر، فإذا رفعت الطبيعة حظرها عن أمر، رُفع أمام كل البشر في ذات اللحظة من ناحية الطبيعة، ليبقى استمرار الحظر خاضعًا لرغبات وثقافات البشر واختلافاتهم، فيستفيد بعضهم من رفع الحظر، ويستمر بعضهم ملتزمًا بالحظر بعد رفعه – تطوعًا أو جهلاً أو توهمًا أو نتيجة لثقافة جامدة ألزم نفسه أو ألزمه غيره بها!

حظر أو منع بعض السلوك والممارسات بحُجة أنها هدامة، وأن الصواب الطبيعي هو البناء لا الهدم..، هي حُجَّة واهية وشعار زائف، وهو حظر بدافع الجهل والوهم، أو هو حظر لغرض السيطرة..، فالطبيعة والحياة في جوهرها وظاهرها قائمة على الهدم والبناء، وبالهدم والبناء ظهر الإنسان إلى الوجود..، ولم تكن الطبيعة والحياة يومًا بانتظار بعض البشر ليُحددوا لها مسارها أو مستقبلها!

بعض البشر يُفضِّلون فلسفة: أن الطبيعة تُبيح للإنسان المحظورات تدريجيًا؛

وبعضهم يُفضِّلون فلسفة: أن الإنسان يتطور وينتصر على الطبيعة تدريجيًا؛

آخرون يُفضلون الاعتقاد بأن الإله هو الذي يُدير شئون الطبيعة والإنسان!

والنتيجة واحدة، وهي أن ما كان محظورًا على الإنسان يُصبح مباحًا له، وما كان مستحيلاً يُصبح ممكنًا، وما كان مجهولاً يُصبح معلومًا!

والأهم هو أن يُدرك الإنسان ويُقر بأنه أعجز من أن يُغيِّر جوهر الطبيعة أو مسارها، فهو ليس جذر الطبيعة ولا لُبَّها، إن الإنسان مجرد إفراز من إفرازات الطبيعة التي اقتضتها مرحلة معينة من مراحل تفاعلات مكوناتها!

يُضيف القادرون والواهمون من البشر محظورات من عندهم إلى قائمة المحظورات الطبيعية، بما يخدم مصالحهم أو ينشر رؤاهم ومعتقداتهم وأوهامهم!

لكن المحظورات الطبيعية مؤقتة وينتهي مفعولها بشكل منطقي عندما يبلغ البشر نصابًا معينًا، بينما محظورات البشر المصطنعة على بعضهم، ليس لها نصاب طبيعي تنتهي به، لذلك يفترض الواهمون أن محظوراتهم طبيعية لكنها أبدية!

وعندما تتعارض محظوراتهم المصطنعة مع الواقع والمنطق الطبيعي، يلجؤون إلى فرضها بالقوة وتجاوز المنطق والطبيعة، بنسبتها إلى أسباب ومبررات افتراضية من خارج الطبيعة والوجود!

كانت الطبيعة تحظر على الإنسان الطيران في الفضاء والتنفس تحت الماء – مثلاً- في بداية وجوده، في حين سمحت بذلك للحيوانات منذ اللحظة الأولى لوجودها..،
ثم بعد مرحلة معينة من عمر الوجود البشري، سمحت الطبيعة للإنسان بممارسة سلوك الحيوانات من طيران في الفضاء وتنفس تحت الماء!

ولو أن كل ما منحته الطبيعة للحيوان بالأساس ولم تمنحه للإنسان، صار محظورًا طبيعيًا على الإنسان، لما كان للإنسان أن يطير وأن يغطس اليوم!

سؤال: لماذا تقبل البشر سلوك الطيران والتنفس تحت الماء واعتبروه إنجازًا، ولم يقل أحد بأن هذه ممارسات حيوانية بالأساس، ولا ينبغي للإنسان إتيانها - كما فعلوا ويفعلون مع الكثير من السلوك والممارسات الأخرى؟

السبب: هو أن هذه الممارسات، كانت مُصنَّفة ضمن المستحيلات، مما أغنى الكاذبين عن إدراجها في قائمة محظوراتهم المفتعلة؛
لكن لما أصبحت هذه المستحيلات ممكنة، ولم يعد بالإمكان إعادة تصنيفها ضمن المحظورات، صنَّفها ضمن الإنجازات – حفظًا لماء الوجه!

والسبب الأساسي لقبول الكاذبين والواهمين لهذه التطورات، هو تمكنهم من استيعابها واستفادتهم المباشرة منها، والأهم هو شعورهم بأنها لا تشكل خطرًا على قائمة محظوراتهم التي يستعملونها للسيطرة على البُسطاء والضعفاء من البشر!

بينما ممارسات وتطورات أخرى، مثل إمكانية التدخل العِلمي في خلق الإنسان - إنتاج بشر بمواصفات حسب الطلب، وهو أيضًا ليس موجودًا على قائمة محظورات الكاذبين والواهمين، لأنهم كانوا يضعونه على قائمة المستحيلات الطبيعية..؛ لكن لما تبين لهم أنه ممكن ولم يعد مستحيلاً، تراجع الواهمون عن تحديهم، وسارعوا لإضافته إلى قائمة المحظورات بتاريخ رجعي..، وذلك لأنهم لم يستوعبوه كما استوعبوا الطيران في الفضاء والتنفس تحت الماء، وأدركوا أنهم لن يستفيدوا من هذا التطور، والأهم أنهم شعروا بأنه يُشكل خطرًا كبيرًا، ربما يؤدي إلى انهيار كامل لقائمة محظوراتهم المفتعلة..، حيث إنهم لو قبلوا بالتحدي وسمحوا بالتدخل في خلق البشر، وخسروا الرِهان كما هو متوقع، فسيفتضح أمر الكثير من محظوراتهم ومخاوفهم المفتعلة، مثل الحرص على عدم اختلاط الأنساب، الذي لن يكون له أي معنى في هذه الحال..، بل هو من المحظورات المفتعلة والمخترقة بالفعل، فزواج المثليين وإنجابهم  أطفالاً بمساعدة طبية، حيث يتم الحمل والإنجاب في الأُسرة المكونة من امرأتين؛ وكذلك عملية " تأجير الأرحام" التي تقوم بها بعض
النساء بمقابل مالي لصالح الأزواج المصابين بالعُقم، وغيرها..
كل هذه الوقائع قد خرقت هذا الحظر منذ سنوات وأثبتت أنه حظر مفتعل، حيث لم يترتب على خرقه ما يُخالف الطبيعة..، فالآن توجد بنوك تحتفظ بحيوانات منوية يتبرع بها متطوعون، وتوجد
نساء تبيع البويضات وتؤجر الأرحام..، وفي هذه  الحالات لا يُعرف
نسب الأبناء من جهة الأب أو من جهة الأم عند زواجهم مستقبلاً،
وهي عملية قائمة وناجحة وزبائنها بالألوف!
ليست هذه محاولة لتبرير هذه الممارسات، ولا هي إشارة
لقبولنا لها نفسيًا، إنما القصد هو إثبات أن المحظور الحقيقي
والشرعي هو ما تحظره الطبيعة، وهو الذي لا يمكن اختراقه،
وما عداه من محظورات فهي محظورات مفتعلة، ما انفك الواقع
يُثبت أنه لا أصل لها، ومآلها إلى اختراق وزوال!
لكن، ما لا يزال محظورًا وما يبدو مستحيلاً حتى الآن، هو إجماع كل البشر على هذه الحقيقة!
الحقيقة هي أن كل ما هو محظور اليوم سيُصبح مباحًا غدًا،
وكل ما هو مستحيل اليوم قد يُصبح ممكنًا غدًا، وكل ما هو مجهول اليوم سيُصبح معلومًا غدًا!
وكل ما هو محظور في مجتمع، مباح في مجتمعات أخرى!
ومعنى ذلك أنه لا محظور حقيقي إلا ما تحظره الطبيعة، وكل ما يُبذل من جهود للمحافظة على قائمة المحظورات البشرية المفتعلة، لا يعدو أن يكون إهدارًا للوقت والجُهد، وتعبيرًا عن جهل، وافتعالًا لمآس مرحلية، واختلاقًا للاختلافات والخلافات بين البشر، ومزيدًا من الحروب والعداوات والضحايا والعذابات والآلام، التي لا معنى ولا أثر لها في المسار الكلي للطبيعة والمشهد العام للوجود!

الأحد، 17 مارس 2024

زادهم الله عِلماً، أم زادتهم بساطتنا جُرأةً؟

0 تعليق


- سيتحرر البُسطاء من ذهولهم ويستيقظ الغافلون من إغمائهم، عندما يُقرُّ رِجال المؤسسات الدينية في كل الأديان والطوائف، بأن فتاواهم واجتهاداتهم وتفسيراتهم، لا تعدو أن تكون وجهات نظر بشرية، لا قداسة لها ولا مجال لإثبات صحتها، وأنها ليست حُجَّة للبشر أمام الإله وليست مُلزمة لهم باسمه!
 - عندما نستحضر حقيقة أن مَنْ اعتاد سماع: زادكم الله عِلماً؛ كَبُر عنده وعزَّ عليه سماع: ربما كُنتَ مُخطئاً! ونحن نُدرك بالطبع، أنَّ ضعف الضعفاء ليس ميداناً لقياس قوة الأقوياء، وأن ذهول البُسطاء لا يجعل المُحدِّثين والناقلين علماء! 
سنتصور المشهد كاملاً، فمَنْ اعتاد سماع المديح والثناء، صَعُبَ عليه سماع النقد والهجاء؛ ومَنْ اعتاد تصدير النصائح وإصدار الأوامر، استنكف عن قبولها وأَنِفَ عن سماعها من سواه؛ ومَنْ اعتاد حياة الأوهام بطعم الأحلام، صار أضعف من أن يعيش حياة الواقع بطعم الحقيقة! 

 إن أحداث التاريخ التي غاب شهودها واندثرت شواهدها، وأمور الغيب التي لا مجال لإثباتها أو نفيها..، لا يمكن أن تُثبت حيالها شهادةُ البشر للبشر عِلماً أو تنفي عنهم جهلاً! 
ما مجال عِلم الفقهاء؟ إنه التاريخ الذي اندثرت شواهده، والغيب الذي استحال إدراكه فانتفت إمكانية إثباته! منذ أن كانت وسائل الإعلام والإطلاع والاتصال والتواصل شبه معدومة، كانت هذه المفارقة العجيبة تؤرق الكثيرين، وربما لا تزال! ذلك أن كل مَنْ اعتلى المنابر وتقدَّم الجُموع باسم الدين – أي دين وأي طائفة – لا يكاد يُكمل كلامه، سارداً رواية تاريخية أسطورية خرافية – من درجة ما بين الحقيقة والخيال، أو مُبدياً وجهة نظره الشخصية في أمرٍ غيبي – ظني- لا يملك البشر الجزم بصحته من عدمها؛ لا يكاد ذلك الإنسان يُكمل كلامه، حتى يبادره ويغمره الحضور، بالقول: زادك الله عِلماً! وكأنهم كانوا يعلمون مسبقاً أنَّ ما سيقوله عِلمٌ، وأنه من عند الإله – دون تحليل ودون تحقق من مصادر المعلومات وسلامة الفهم! وقد كان، وربما لا يزال الجميع يتجاهلون سؤالاً يطرح نفسه صارخاً: مَنْ يُقيِّم مَنْ؟ وما مرجعية الجميع؟ ما دليل السائل والمستمع على أن ما يقوله هذا الخطيب أو ذاك المتحدث باسم الدين، هو عِلمٌ، وأنه من عند الإله، حتى يشهدوا بصوابه، ويطلبوا له المزيد "زادك الله عِلماً"، ويقبل هو منهم ذلك متباهيًا زاهيًا بشعبيته من البُسطاء، وتأييد الضعفاء له! أليس جهلهم بما يقول، هو ما ولَّد لديهم الذهول؟ فهل جهل العوام وذهول البُسطاء، يجعل من المتحدث البليغ عالِماً جليلاً! هل يحمل الفقهاء بين أيديهم آيات عِلمٍ، عليها إمضاء الإله، كي يُقال لهم: زادكم الله عِلماً؟ أم إن اطِّلاع البشر على ما كتبه بشرٌ مثلهم، وإلمامهم بآراء من سبقوهم، يمنحهم شهادة القداسة، ويجعل منهم عُلماء سماويين إلهيين لا تجوز مراجعتهم ونقدهم! هل أنجز هذا الشيخ أو ذاك، بكلامهم، شيئاً عملياً مُدرَكاً محسوساً مُقاساً، يمكن تقييمهم من خلاله؟ أو هل تحقق ما يُثبت صحة إيمانهم – كقبول دعائهم مثلاً؛ فصَلُحت معيشة الناس أو اهتدى حُكامهم لما يُريده الفقهاء، أو توحدت أُمَّة أو تحررت أرض أو انهزم أعداء، أو …؟ أم إن كل ما فعلوه هو أنهم قالوا كلاماً منمقاً ساحراً، لامس ضعف الضعفاء وخاطب عواطف البُسطاء، دون أدنى دليل على صحته، وهو ذاته ما يقوله أمثالهم في كل الأديان والطوائف الأخرى، وهم جميعهم يدَّعون العلم الغيبي، ويتبادلون الاتهامات بالجهل والكفر والتدليس! فمِن أين لهذا الشيخ من هذا الدين وتلك الطائفة، ومن أين لأتباعه، أن ينفوا صفة العِلم والتقوى عن عالمٍ آخرٍ– من دينٍ آخرٍ أو طائفة أخرى، أو يُثبتوها لأنفسهم؟ أم إن المعادلة الفقهية، هي أنه إذا تناقضت وتضاربت أفكار وآراء الفقهاء، وعجزوا عن إقناع بعضهم، يتم إخضاعهم لآراء البُسطاء – كلٌّ حسب طائفته وعرقه ومكانه وزمانه -، فمن حصل منهم على شهادة البُسطاء له ( زادك الله علماً )، اكتفى بها، وعُدَّ عالماً في مجال الغيب، ناطقاً باسم الإله، يعلم مدخلات الجنة ومخرجات النار! عندما يتهم عالمٌ عالِماً آخر بالجهل والتدليس! فمن أين للبُسطاء التُبَّع ( في هذا الدين أو تلك الطائفة) القدرة أو الحق في أن ينفوا أو يُثبتوا اتهام ذاك العالم لهذا العالم..، هل يكون المعيار هنا هو: انصر فقيهك مُخطئاً أو صائباً؟ أليس المقياس الطبيعي والبديهي لتمييز وإثبات عِلم الإنسان من جهله، هو مواجهته لأمثاله وأنداده في مجال تخصصه، وحصوله على شهادتهم له بالعلم أو بالجهل؟ وبافتراض أن البُسطاء والجهلاء هم أقل من أن يُدركوا هذه الحقيقة، أفلا تُحتِّم الأمانة على العلماء أن يُقرّوا بأن تعدد الأديان والطوائف والمذاهب واختلافها إلى حد التناقض، وعجز العالم عن إقناع عالم مثله، أن ذلك يُبرر للناس تركهم ورفضهم جميعاً، حتى يُقنع أحدهم أو بعضهم بعضهم الآخر! ما هي حُجَّتك أيها التابع، وماذا ستكون إجابتك، إذا تبين أنك مُخطئ، وسُئلت عن سبب إقدامك على الأفعال والأقوال التي تُمارسها اليوم باسم الإله! هل تعتقد أن حُجَّتك شافية وأن إجابتك ستكون كافية، عندما تقول: إن الشيخ الفلاني قد أفتى بذلك! أليس الصواب هو الاحتكام إلى القواسم المشتركة بين عموم البشر، بدل الاحتكام إلى وجهات نظر متضاربة؟ كيف تعتقد بصحة ما يقوله فقيه (عالم) – من أي دين وأي طائفة-، وهم الذين عجزوا عن إقناع بعضهم، ولم يُفلحوا سوى في إقناع البُسطاء والضعفاء؟ ما الذي ألزمك بهذا الدين أو الطائفة أو فتوى هذا الشيخ دون غيره؟ ما هي معاييرك التي اخترت على أساسها الدين والطائفة والمذهب والفقيه؟ فإذا كُنتَ قادراً على التمييز والاختيار بين المذاهب وعلى تقييم الشيوخ، فإذن أنت قادر على الإفتاء! وإذا كُنتَ تعتقد بصواب إيمان التقليد والتلقين وعقيدة الوراثة، فأنت إذن تعتقد بصحة معتقدات وإيمان كل البشر – بمختلف الأديان والطوائف والمذاهب! وإذا لم تكن كذلك، فكيف تمنح طاعتك وولاءك، لمن لا دليل لديه يمنحه الحق في توجيهك؟ 

 تساؤلات تطرح نفسها، ووجهات نظر.. معلومٌ أنه، لو اعترفت الأديان ببعضها لانهارت جميعها – خاصة التوحيدية، لأنها تقوم على الأُحادية – أي أن كل دينٍ يقوم على إقصاء الأديان الأخرى ونفي صحتها؛ وذلك لأنها تتبنى الاعتقاد بوحدة الأصل الإنساني ووحدانية الإله المُوجِد؛ وهذا الاعتقاد يستوجب توحيد التشريعات والمعتقدات؛ وتلك مُعضلة الأديان والطوائف!
 - من القواسم المشتركة بين كل الأديان والطوائف، أن اعتناقها واستمرار بقائها لا يكون إلا عن طريق الوراثة والتربية والتلقين والترهيب والترغيب، أو بالإكراه المباشر، وذلك استغلالاً لضعف الفرد البشري، وحاجته الضرورية لجماعة بعينها في مراحل حياته الأولى، فاعتناق الأديان والطوائف ليس اختيارياً، واستمرار بقائها ليس طبيعياً ولا يستند إلى حُجَّة أو برهان- كما يزعم مُنظروها!
 - قاسم مشترك آخر، هو فشلها في إقناع البشر بحُجَّتِها وقدسيتها، بدليل أنه لم يبلغ عدد أتباع أيٍّ من الأديان نسبة 25% من البشر- في أي عصر من العصور – تقريباً! فإذا أخذنا عصرنا كمثال، وألقينا نظرة على واقع الأديان اليوم، وعدد أتباع كل دين وكل رسول على حدة، فسنجد أن كل دين هو صناعة بشرية، وكل رسولٍ هو كاذبٌ أو واهم، باعتقاد 80% من سكان الأرض- تقريبًا! فإذا أضفنا إلى ذلك، حقيقة أن جُل العلماء والفلاسفة والمفكرين، لا يعتنقون أيٍّ من الأديان، ولا يؤمنون بصحتها ولا برسالة رُسُلها! وحيث إن العِلم ورأي الأغلبية العددية، هي أصحُّ وأصدق وأنسب المعايير المتوفرة والمستعملة بين البشر، للحكم على صواب الأمور من خطئها، وهي ليست في صالح اعتناق أيٍّ من الأديان؛ نستنتج أن اعتناق الأديان يجب أن يوضع في إطاره وحجمه الصحيح، فلا يخرج عن كونه خياراً شخصياً؛ أو أنه نظرية تشريعية لإدارة الحياة الاجتماعية للبشر العاجزين عن إدارة شئونهم! ولعل ضعف الإنسان وثقافة التجهيل والتهويل والتخويف من المستقبل والمجهول، التي ينشأ عليها الفرد في المجتمعات الدينية، هي ما يمنع جُل البشر من التنقّل بين الأديان والطوائف- واستعمالها كمسوغ اجتماعي يوفر الأمن ويحقق المصالح الآنية! ولعل الحاجة وغياب الحرية هما ما يمنع الإنسان من التفكير في رفضها جميعاً – كخيار شخصي يُحقق الذات! أما التلميح إلى إمكانية التوفيق بين الأديان والطوائف، واحتمال إقرارها بصحة الإيمان وفق أيٍّ منها – وهي المختلفة إلى حد التناقض-، فإن ذلك لا يُقال إلا اعتماداً على سذاجة وعواطف وضعف البشر؛ إذ ليس ذلك سوى إقرار صريح بعبثية الأمر، أو هو مؤشرٌ على وجود اعتقادٍ ضمني لدى أتباع الطوائف والأديان باحتمال تعدد الآلهة أو مزاجية الإله الواحد! فهل هو باحث عن الحقيقة أو مالك لها، أو هل يكون عاقلاً وأميناً وصادقاً مع نفسه – قبل غيره، ذلك الذي يدعو إلى عبادة إلهٍ يجهل كُنهه وغايته، أو يشك في أُحاديته، ويدَّعي أنه قادر على معرفة مُراد الإله دون اتصال به، ودون نتائج محسوسة يُدركها ويفهمها الآخرون؟ حريٌّ بنا نحن البشر العاديين، أن نطلب ممن يدَّعون العلم ويحملون لقب عُلماء، أن يُقنعوا بعضهم بعلمهم، قبل أن يطلبوا منا الإقرار بصحة آرائهم! فالعالم مَنْ أقرَّ بعلمه أمثاله، وليس العالم مَنْ أذهل البُسطاء بمفرداته اللغوية وألهب مشاعر العوام بخُطبه العاطفية الحماسية!
 إن سذاجة المحسوبين على العُقلاء، هي مطية الواهمين وسلاح الطامعين وزاد العابثين؛ وهي بذلك أشد ضرراً على سلوك البشر وعلاقاتهم، وأخطر على الحقيقة من جهل الجاهلين!

الاثنين، 4 مارس 2024

فلسفة الأحلام وخيبة الأمل ..

0 تعليق


صحيح أن في كيان بعضنا من الأخطاء ما يكون في الصميم، فلا يكون إصلاحها ممكنًا ولا يمكن معها استمرار البقاء ..، كالأخطاء الهندسية في أساسات البناء، تلك التي تبرز ويزداد خطرها مع ارتفاع المباني، ولا تترك مجالاً لإصلاحها غير هدمها والفناء .. لكن ذلك لا يمنعنا من استخراج ما بالمُهدَّم من نفائس قبل هدمه! عندما نستيقظ متأخرين في الحياة، ونجد أنفسنا مكبلين، فلا نملك من وسائل ممارسة الوجود غير السمع والنظر والكلام .. ونشاهد أحلامنا وهي في طريقها لتصبح ذكريات حالم أو حقائق واهم .. عندها يملأنا إحساس صادق بأننا في عصر غير عصرنا، وعلينا مغادر المكان والزمان .. فنبحث في حنايا قلوبنا عن أقرب الناس إلى أرواحنا .. نجد أنفسنا نبحث بين الناس عمن يستحقون أحلامنا .. أولئك الذين كان وجودهم في حياتنا أشبه بتجسيدها .. نبحث عمن بنا حاجة لتركهم بسلام كحاجتنا للرحيل عنهم بسلام .. أولئك الذين نأتمنهم على أحلامنا ونأتمنها عليهم .. لنسلمهم بكل أمانة ومودة ووفاء وحب، كامل خبراتنا وما تبقى لدينا من رصيد الأمل .. كأنما بنا حاجة لبعث الحياة في أحلامنا من بعدنا .. كأنما وُجِدنا لضمان بقائها لا لتحقيقها .. هذا سبيلنا لنرحل بسلام .. ولعل بنا حاجة لذلك! فنقول لهم .. حذار أن يتسلل إلى وعيكم اليأس من بوابة الأحلام في ثياب الأحزان ووجوه الآلام .. حذار أن يخدعكم بحُجج الجراح ومستندات الأخطاء .. إن أخطاءنا ليست سوى علامات وجودنا .. وما جراحنا غير شهود إثبات حياتنا .. آلامنا دليل وجود آمالنا .. وما أحزاننا إلا مؤشر على حياة الحب فينا! النجاح في الحياة لا يعني خلوها من الأحزان والجراح .. فلسفة النجاح لا تتجسد في تحقق الأحلام .. فأحلام الإنسان أكبر من أن يسعها الزمان .. ذلك أن كل واحد منا يحمل داخله أرشيفًا جينيًا بأحلام كل البشر ..، يستعرضه فلا يرى لها نهاية .. يحتار أيها يختار، فيفقد الصواب .. فيفقد الأمل .. لكن هذه فلسفة الطبيعة في الإنسان! وما يبدو لنا في الواقع لغزًا محيرًا، قد لا نحتاج في الحقيقة لتفكيكه سوى لوقفة واعٍ والتفاتة مُدرِك .. إن كل واحد منا مهيأ سلفًا لكل الاحتمالات والصُدف .. هكذا اقتضى التطور الذي أوجدنا وميزنا عن سوانا .. أحلامنا التي تبدو على شاشة العواطف أمرًا يُربك الأذهان ويصارع الأيام .. حين نعرضها على شاشة الإدراك تبدو غير ذلك! إن مَشاهِدَ الأحلام تُعرَضُ على شاشة الخيال أمام الفكر، تمامًا كما تُعرَضُ على التلفاز مَشاهِدُ آلاف القنوات في لحظة واحدة أمام النظر .. تلك الأقمار والقنوات التي تبدو لنا وكأنما كلها تخاطبنا كلنا .. فيشعر كل واحد منا أن به حاجة لمشاهدتها جميعها .. بينما هي تخاطب كل الأذواق وكل الاحتياجات .. وتسعى بمجموعها لتحقيق أهداف متعارضة .. أهداف لا يمكن أن تجتمع مبرراتها في مخيلة فرد في ذات الوقت، ولا يسمح عمر الفرد ومعطياته بتجربتها جميعها .. فنختار من المعروض ما بمقدورنا مشاهدته ومتابعته وفهمه وتوظيفه لمصلحتنا .. لكننا نشعر بخيبة أمل مع كل مشهدٍ رائع نسمع به ولم نره .. في قناة موجهة لغيرنا .. لتصبح خيبة الأمل المفترضة تلك، حاجزًا يحجب عنا جمال المشاهد الرائعة في قنواتنا .. فنختزل أحلامنا فيما افتقدناه، ونفقد بذلك الاستمتاع بما كسبناه .. هنا نحتاج لوقفة الوعي والتفاتة الإدراك .. لنتذكر أن لاشيء يحمل قيمة في ذاته .. أننا نحن الذين نمنح الأشياء قيمتها .. حتى الحياة ذاتها نحن من يمنحها قيمةً أو يسلبها .. لنعرف أن من بين كل ما يُعرض أمامنا، يمكننا اختيار ما هو أنسب من سواه لنا .. بل ويمكننا جعله كذلك .. وأن عليه وحده ينبغي أن يكون تركيزنا وبه يكون اهتمامنا، لنجعل من متابعته وفهمه هدفنا .. ونجعل من رؤية غيره مجرد تسلية تمنحها الطبيعة لنا لسد أوقات فراغنا، ومتابعته وفهمه مسئولية غيرنا .. هنا نحتاج لوقفة الوعي والتفاتة الإدراك .. لنتذكر أن قيمة الذهب لا تنبع من مقاومته للصدأ، بل من سلبيته، من عدم تفاعله مع محيطه ! لنعرف أننا إذا أحسسنا أن بنا ميلاً للركض وراء لفت انتباه الآخرين، وانتظار إبداء إعجابهم بنا .. أننا بذلك إنما نسلمهم أمر سعادتنا دونما مبرر ولا اتفاق ولا ضمان .. إننا بذلك إنما نستجدي إعجابهم ليصبح شهادة إثبات لوجودنا .. وليس ذلك سوى عبودية مقنعة تسكننا .. علينا وبمقدورنا التحرر منها والانتصار لأنفسنا .. لا شيء أثمن وأفيد وأصلب من إقناع الذات بما هي! إننا حين نربط إحساسنا بوجودنا بأعداد المعترفين بنا، فإننا بذلك إنما نمنح الغرباء حق توجيهنا وإسعادنا وإتعاسنا ..، وليس ذلك سوى دليلٍ على أننا لا ننظر جيدًا للوجود من حولنا، فلم نُدرِك أن وجود أصدقاءٍ حقيقيين في حياتنا بعدد أصابع اليد، هو أكثر وزنًا في ميزان سعادتنا من إعجابٍ عابرٍ يبديه كل البشر بنا ..