face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 7 أبريل 2024

سهم الزمن والزمان ومفهوم الوقت والتوقيت



لو لم تكن للشمس حركة ظاهرية منتظمة حول الأرض، لما وَجَدَ مفهوم الوقت سبيلاً إلى لغة البشر، ولما استوطن شبح الزمان مخيلتهم! فلو كانت كل الأشياء في الوجود ساكنة، أو تسير بسرعات متساوية ومنتظمة، لما كان لمفهوم الوقت والتوقيت وجودًا! كما أنه لو كانت كل الأشياء في الوجود شفافة، لما كان لمفهوم الظِل وجودًا! الوقت هو مفهوم افترضناه لنتصوَّر به أو نُجسِّد فيه حدثًا خياليًا، مُصاحبًا لكل حدثٍ حقيقي يقع خارجنا – ناتج عن حركة! عملية الشروق مثلاً، هي حدث حقيقي ناتج عن حركة، لكن وقت الشروق هو حدث خيالي، افترضنا أنه يحدث مُصاحبًا لعملية الشروق – كمصاحبة الظِل للمادة! فأصبحنا نقول وقت الشروق كما نقول ظل الشجرة! فإذا قُلنا إن الظِل يعني انعدام وجود الضوء في منطقةٍ ما حول المادة، يكون مفهوم وقت الشروق كذلك يعني انعدام حصول حدث مُصاحب لعملية الشروق! وإذا قُلنا إن وجود الظل هو إثبات لوجود المادة – لا لوجوده هو! كذلك يكون مفهوم وقت الشروق، هو إثبات لحدوث عملية الشروق- لا لحدوثه هو! فإذا قُلنا إن الظل هو العلاقة بين مادة معتمة ومصدر ضوء، كذلك نقول إن مفهوم الوقت هو العلاقة بين شيئين يسيران بسرعتين مختلفتين ومنتظمتين! لو تساوت سرعة الأرض وسرعة الشمس، أو لو أن سرعة إحداهما كانت عشوائية..، لما كان لمفهوم الوقت وجودًا ولا معنى! وبالنتيجة نقول، إنه لا وجود مستقل لمفهوم الوقت والظِل! معلوم أن مفهوم الوقت هو استغلال واستثمار بديهي، لانتظام الحركة الظاهرية للشمس حول الأرض! وأنه كان تلبية لحاجة البشر لتنظيم المعاملات وترتيب الأحداث الآنية والمستقبلية القصيرة – في نطاق تواجد الشمس أثناء النهار! ثم كان من السهل اختراع مفهوم اليوم والأسبوع والشهر والسنة! ثم أصبح من الممكن تدوين الأحداث، فصار بالإمكان توارث المعلومات والبيانات، فوُلِد معنى التأريخ والتاريخ، فأصبح للوقت ماضٍ يُذكر إلى جانب الحاضر! ثم صار السؤال عن بداية التاريخ وعن أحداث ما قبل التاريخ أمرًا منطقيًا! ثم صار السؤال عن بداية الوقت بصفة عامة، أمرًا منطقيًا فلسفيًا، فتبعه السؤال عن نهاية الوقت وكان سؤالاً فلسفيًا بحتًا، لكنه أكثر أهمية من السؤال عن البداية! فصار بذلك الوقت سجلاً تاريخيًا مقطوع البداية والنهاية، فجاء مفهوم الزمان الأسطوري الأبدي، ليحتوي مفهوم الوقت وأحداثه، وليُجيب عن سؤال البداية والنهاية، فأعطى السؤال أحقية الوجود، وأعطى الجواب أحقيقة الانعدام أو الاحتجاب! ومن مفهوم الزمان اشتُقَّ مفهوم الزمن – كبعضٍ من الزمان..، فمفهوم الزمان أعم وهو يحتوي مفهوم الزمن! فصار مفهوم الوقت مناسبًا للاستعمالات المحدودة المرتبطة بأحداث نحن مَنْ يُحدد بدايتها ونهايتها! وأصبح مفهوم الزمن أو الزمان مناسبًا للاستعمالات اللا محدودة المرتبطة بأحداث مجهولة البداية أو النهاية أو كليهما! ثم إن السؤال عن النهاية أصبح شأنًا عِلميًا، ويحظى باهتمام الجميع، لأن النهاية تخص كل الموجودين، ولأنه ربما يمكنهم الاستعداد لها أو المشاركة في صُنعها، بعكس البداية التي انقضت، ولم يعد من الممكن التأثير عليها أو الاستفادة منها – سوى لاستشراف النهاية! لذلك أصبح من الضروري ومن الممكن وضع نظريات وتصورات منطقية لنهاية الوقت، حيث إن الأمر لا يتجاوز وضع تصور لموت الوجود على غرار موت الإنسان، أو وضع تصور لغروب شمس الوجود على غرار غروب شمس اليوم! لكن، ولأن مفهوم الوقت كان في الأصل قد وُلِد ووُجِد في أذهان البشر وذاكرتهم، كنتيجة لحاجتهم له، وليس كنتيجة لوجود فعلي له..، لذلك، ولأنه لا وجود لشيء اسمه الوقت، فقد فشلت كل المفاهيم المنبثقة عنه، وفشل البشر فلسفيًا وعِلميًا في تصور بداية منطقية للوقت أو للزمان! السبب في فشلهم هو بحثهم عن بداية حقيقية عملية مادية، لمفهوم خيالي افتراضي نظري..، فهم بذلك يبحثون عن ماضي شيء لا حاضر له! ولعل نظرية الانفجار الكبير خير دليل على هذا الفشل، حيث إن هذه النظرية وفي مخالفة صريحة للمنطق، قد افترضت للزمان كما للمكان بداية ليس قبلها بداية، ولعلها رسمت هذه البداية على مقاس نهاية مفترضة – أمكن تصورها وليس من الممكن إثباتها! نقول الغروب، وهنا نتحدث عن حدث مادي وقع وليس عن شيء اسمه وقت! ونقول وقعت الحادثة عند أو بعد أو قبل الغروب، وهنا نتحدث عن مقارنة بين حدثين ماديين لا مكان لمفهوم الوقت بينهما! هذه العند أو البَعد أو البُعيد أو القبل أو القُبيل، هي ما اصطلحنا على تسميتها بالوقت! ولا يعني ذلك اعترافًا منا بأن شيئًا ماديًا أو نظريًا اسمه الوقت، كان حاضرًا عند حدوث الحدثين الماديين اللذين نُقارن بينهما! ثم تطور الأمر، فصنعنا بأنفسنا أحداثًا مادية متعاقبة بانتظام (الساعة الرملية) ثم ساعة ميكانيكية ثم إلكترونية، فأصبح لدينا معيارنا الخاص للأحداث، والمستقل عن المعيار الأصلي أو الأكبر (علاقة الأرض بالشمس)، فابتعد المشهد عن حقيقته التي هي مقارنة حدث بحدث، وأصبح يبدو وكأن هنالك شيء يمر أو يتدفق اسمه الوقت، وأن كل ما نفعله هو أننا نقيسه، بينما الحقيقة نحن الذين صنعنا شيئًا خياليًا اسمه الوقت، ثم صنعنا على مقاسه أجهزة تقيسه! وكل ذلك كان بهدف تحقيق التفاهم وتسهيل التعامل، لكنه تحول إلى مشهد زائف في ذاكرتنا، يُشير إلى وجود شيء اسمه الوقت نقيسه بالساعة! والصحيح والدقيق أن نستعمل لفظة توقيت وليس مفهوم وقت، وذلك لأن مفهوم الوقت قد أصبح يُعادل مفهوم الزمن من حيث الدلالة – لدى جُل البشر – هنا نتحدث عن الناطقين بالعربية! ولفظة "زمن" بالأصل لا يوجد منها اسم في اللغة العربية، إنما هي فعل أوصفة فقط، ولا تأتي بصيغة الاسم إلا عند اعتبارها مرادفة لمفهوم الزمان، وهو مفهوم تاريخي أسطوري..، زَمَانة = عاهة. زَمِنَ الشخص= طال مرضه. زَمِنَ = ضَعُفَ بكبر سن أو طول علة. زَمين = دائم المرض أو ضعيف من الكِبَر. ويُقال: شيخٌ زَمِن. وفي جميع الأحول، فإن مفهوم "الزمن" في صيغة الاسم، هو الآن مصطلح نُشير به إلى حدثٍ خطي قياسًا إلى حدثٍ خطي آخر – حيث إن مفهوم الزمن مشتق بالأصل عن مفهوم الزمان! (خطي يعني له استمرارية، وعكسه لحظي)! ما حصل هو أن مفهوم الزمن ومفهوم الزمان، قد أصبحا – وبدون مبرر- يُشيران إلى وجود شيء قائم بذاته اسمه الزمن أو الزمان، وهو وجود افتراضي أسطوري خيالي لا قيمة واقعية له! ولذلك أقول إن لفظة توقيت هي أدق من لفظة وقت، مع عِلمنا بأن لفظة وقت هي الأصل! فلفظة توقيت تُشير بداهةً ودون تركيز، إلى حدث فرعي ومنطقة جغرافية محدودة! وأصبح مفهوم الوقت كأنه الأصل العام الذي تتفرع منه التوقيتات الفرعية المحلية، حتى أصبح مفهوم الوقت ومن حيث الدلالة يُعادل مفهوم الزمن الذي يُعادل مفهوم الزمان الأسطوري! ولذلك أقول إن لفظة أو مفهوم توقيت أدق من مفهوم وقت، ومفهوم وقت أصح من مفهوم زمن، ومفهوم زمن مشتق من مفهوم الزمان، ومفهوم الزمان عبارة عن شيء خيالي كبير! يمكن اعتبار التوقيت بمثابة الذرة من مفهوم الزمان، والتوقيت عبارة عن مقارنة مباشرة لحدث مادي بحدث مادي! وبذلك يكون مفهوم "توقيت" هو الأصغر بين هذه المفاهيم، ومفهوم "زمان" هو الأكبر بين هذه المفاهيم الجغرافية الفلكية النظرية! فلفظة توقيت تُستعمل كمصطلح لوصف علاقة لحظية، بين حدث طارئ متغير وحدث ثابت من حيث التكرار! مقارنة الاستيقاظ بالشروق .. مثلاً! ومفهوم الوقت أصبح يُعادل مفهوم الزمن، وهو مصطلح يعكس مجموع توقيتات حصلت خلالها أحداث متشابهة أو متطابقة! مثلاً أقول: أنجزت كتابة هذا المقال خلال الزمن أو الوقت: من غروب الشمس حتى شروقها! هنا يبدو الزمن أو الوقت كشيء متواصل، وليس لحظي كالتوقيت، لكن في الواقع الزمن أو الوقت هنا، هو عبارة عن تجميع لعدد كبير من التوقيتات التي جرت خلالها أحداث متشابهة أو متطابقة – هي جزئيات الكتابة! فاستعمال مفهوم الزمن أو الوقت هنا، جاء للتسهيل – تمامًا مثل مصطلح الكتابة، فبدل أن أَذكُر كل الحروف والعلامات والرموز التي استعملتها وكم مرة استعملت كل واحد منها..، وبدل أن أَذكُر التوقيت لكل ضغطة زر في لوحة المفاتيح..، بدل كل ذلك اختصرت الموضوع فاستعملت كلمة كتابة كرمز لعدد الحروف والعلامات التي استعملتها، واستعملت كلمة زمن أو وقت كرمز لمجموع التوقيتات! كتابة = حروف+ أرقام+ إشارات+ رموز. زمن = وقت = (توقيت + … + توقيت)! زمان = زمن + … + زمن = وقت + …+ وقت. وبالنتيجة فإن كل ما يحصل في الواقع لا يعدو أن يكون مقارنة أحداث مادية، ولاشيء اسمه زمان ولا زمن ولا وقت، ولا حتى توقيت؛ إلا أن مصطلح توقيت هو أفضلها، من حيث أنه لا يُشير إلى غير ما وُضِع له، فلا يذهب بالوعي باتجاه الخيال! معلوم أنه توجد مفاهيم أخرى مثل مفهوم الدهر والعصر والحِقبة، وكلها عبارة عن تضخيم أو تجزئة أو تحوير لذات المعنى! مفهوم الدهر النظري بالنسبة لمفهوم الزمان النظري، يُعادل مفهوم الكون المادي بالنسبة لمفهوم الوجود المادي! فإذا كان هنالك شيء اسمه الزمان في الوجود، فسيُقابله شيء اسمه الدهر في الكون! الكون = مادة طاقة مكان، أبدية أزلية، غير محدودة. الوجود = مادة طاقة مكان، متغيرة متحولة، محدودة. هذا التحول والتغير في الوجود، هو الذي أوحى للبشر بافتراض مفهوم الزمان، كعنصر مسئول عن التغيُّر! لكن هذا التغيُّر تبين أنه عبارة عن تفاعل مادي طبيعي، بين مكونات المادة، يعكس مدى ملاءمتها وقدرتها على التماسك وأداء الوظيفة المترتبة على التماسك، تحت ظروف مختلفة! والأهم أنه تبين أن التغيُّر في المادة والطاقة، لا يعني فناءها، وأن كميتها في الوجود ثابتة لا تتغير، وبذلك لا يعود لمفهوم الزمان من معنى! وأعتقد أن الوصف الدقيق لأحداث الوجود المرتبطة بالبشر، هو مصطلح تعاقب الأجيال! فالجيل هو عبارة عن وصف مادي لأحداث مادية! وتعاقب الأجيال يعني تتابع وتواصل عمليات التغيُّر والتحول في المادة

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ