لا عجب أن يُضفي كل كاتب شيئًا من تجاربه الشخصية على ما يكتبه، بل إن ظروف بيئته تظهر بشكل واضح وجليّ. فكل شخص، عندما يتحدث، تظهر عوامل الطبيعة المؤثرة على حياته، وطبيعة عمله كذلك. كما أنه يقوم بإيضاح حديثه بأمثلة من واقعه الذي يعيشه، ولهذا فإن مجال عمله يحظى بأكبر قدر من التأثير على كلماته. فلو فرضنا أنك تتحدث مع إنسان يعمل كمهندس، تجده يستخدم ألفاظًا وكلمات هندسية، ولو أراد أن يضرب مثالًا لإيضاح حديثه لاستخدم الرسم الهندسي أو التصميم كأقرب مثال إليه.
ولو وضعنا شخصية محمد نصب أعيننا، وبيئته الصحراوية كذلك، وحياته التي عاشها، وما أتى به من آيات القرآن - والتي كانت بضع آيات كل أسبوع حسب كتب السيرة - لأصبح الأمر من أسهل ما يكون.
وكما نوهت سابقًا، كل شخص يتحدث تأتي ألفاظه ووصفه للأشياء بحكم الطبيعة والظروف المحيطة به. فمحمد، عندما يتحدث عن معارضيه الذين كفروا به، يصفهم بالآتي:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ (النور: 39)
فهذا الوصف لا يمر على القارئ الذكي مرور الكرام؛ فتأثير البيئة الصحراوية والسير في الصحراء والظمأ واضح جلي أمامنا في تلك الآية. وحيث إن محمدًا كان يعمل بالتجارة قبل النبوة، وكثيرًا ما سافر إلى الشام وغيرها، فإن شخصًا مثل هذا لا يخفى عليه السراب أثناء السير في الصحراء، وكذلك الظمأ وشدة العطش ومدى تأثيرهما عليه. وإلا، فبربكم، كيف يشعر الله بهذا الشعور؟ كما أضاف:
﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ (النبأ: 20)
فهو لا يعرف من الجبال سوى السراب الذي يراه كلما نظر بعينيه إلى أي اتجاه، ولا يرى سواها في كل مكان. فلو كان الله هو من يتحدث إلينا، أَلاَ أخبرنا بشيء آخر غير السراب؟ سيقول المسلمون: هذا مشهد من أهوال يوم القيامة! ولا أمانع في مجاراة هذا الجدل، ولكن، ألا يجد هذا "الإله" شيئًا آخر كمثال؟
لا أظنني سأضرب الأمثلة، لأنني لست إلهًا. ولو ضربت مثالًا حقًا، فلن يقتنع به الجميع. لماذا؟ لأنني بشر لا أعرف ما يدور في خلد أحدكم، كما هو الحال مع مؤلف القرآن. فلو كان حقًا إلهًا يعلم الغيب، لغيّر قرآنه هذا ولأسكتني تمامًا، ولكن هذه هي الطبيعة البشرية التي لا يشذ عنها أحد.
وعندما أراد محمد إثبات نبوته، وأن الله حقًا قد أرسله لهداية البشر، قال:
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 8)
فهنا لا يجد محمد سوى الخيل والحمير ليضرب بهما المثال، وهذا أمر طبيعي لإنسان عاش في بيئة صحراوية مثله، وليس إلهًا خالق المجرات العظيمة يتحدث إلينا. ولو كان القرآن حقًا كلام الله، لأخبرنا عن حيوانات غير موجودة في بيئة محمد الصحراوية، ولو إضافة إلى خيله وحميره تلك. نعم، فلو أخبرنا عن حيوانات لم يرها محمد، لكان خيرًا من هذا، ولكن بيئة محمد والظروف المحيطة به كان لها أكبر الأثر على قرآنه.
فيقول:
﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ (الغاشية: 17)
الإبل؟ هل هذا إله أم راعِ غنم؟ لم يجد محمد شيئًا سوى وصف الإبل التي يرعاها؟ حين كان يرعى الأغنام. وعندما عمل محمد بالتجارة، كان أيضًا لذلك تأثيره على كلامه، فنجده يقول:
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ (البقرة: 245)
نعم، فمحمد التاجر جعل الله يحتاج إلى من يُقرضه. والسؤال: هل الله الذي قال عن نفسه: "هو الغني عن العالمين" يطلب من البشر أن يُقرضوه؟ أم أنه تأثير التجارة على عقل محمد؟
ويقول أيضًا:
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُمْ﴾ (البقرة: 16)
﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ (فاطر: 29)
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الصف: 10)
فلا عجب أن يجعلنا محمد تجارًا مثله نتاجر مع الله. فهل هذا كلام رب العالمين أم كلام إنسان عمل بالتجارة والبيع والشراء؟
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم﴾ (التوبة: 111)
هذا والله كلام محمد التاجر، بالدليل القاطع، حيث جعل الله يشتري ويبيع تمامًا كتاجر عاش قبل قرون.
وحين وصف محمد الجنة، أسهب في ذكر الأنهار لاحتياجهم في ذلك الزمان إلى الماء بكثرة، حيث كانوا يعانون من العطش. فلا عجب من ذلك، فهم عاشوا في بيئة صحراوية قاحلة، فيقول:
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ (البقرة: 25)
وبكل تأكيد، لن تجد في الجنة سوى أنهار، بل عندما تحدّث عن الفاكهة، لم يذكر سوى الزيتون والرمان:
﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ﴾ (الأنعام: 141)
بالطبع، لا بد أن يتحدث عن الزيتون، لأنه المتوافر أمامه. كما أن الجنة، وحورها العين، سيكونون في خيام:
﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾ (الرحمن: 72)
وأقصى ما تمناه محمد هو استبدال تلك الخيام بغرف مبنية:
﴿غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ﴾ (الزمر: 20)
فمحمد لا يعرف أن الإنسان يمكنه بعقله أن يبني ناطحات سحاب، ولكنه خيال محمد وبيئته الصحراوية.
﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ (الأنعام: 125)
الآية واضحة في معناها، وتثبت أن الله هو المُضل والهادي. وأين الإعجاز في أن ضيق التنفس يحدث عند الصعود؟ هذا أمر معروف لكل متسلقي الجبال.
أما الآية التالية:
﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ (الزمر: 42)
فكيف يقول الله إن الإنسان يموت أثناء نومه، إن لم يكن هذا من خرافات الأقدمين؟ الإنسان أثناء نومه يتحرك ويتقلب، بل إن بعضهم يمشي أو يتحدث أثناء نومه، فكيف يكون هذا ميتًا؟
يا قوم، إني بريء مما تعبدون، ما دمتم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض.