face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 12 نوفمبر 2023

أحلام العُقلاء واقع مجانين!




لا يحتاج الإنسان إلى مهاراتٍ خاصة لتحديد ورؤية
 مأساة الفكر في حياة البشر! لكنه يحتاج إلى جهدٍ صادقٍ وأمين لسماع صوت العقل وتمييز أنغام المنطق في عصر صخب الثقافات! 
إنها غاية لا تفارق خيال الإنسان، فبحثه عنها دءوب وسعيه للاقتراب منها حثيث، وهي التي يهلك دونها كل عاقل في الحياة الدنيا، تلك هي غايته في بلوغ السعادة الكاملة والحرية المطلقة!
 وهي الغاية التي يعيشها كل المجانين واقعاً لا خيالاً، ودون أدنى جهد! 
وكأن عقل الإنسان نقيض طموحاته! فالعاقل يُدرك أن تلك الغاية التي ينشدها ويسعى لبلوغها بشقيها، هي أمرٌ ليس محدداً، وليس مُطلقاً، هذا بالمعنى الهزلي أو البدائي والبسيط للسعادة والحرية.
 أما بالمعنى الجاد والحقيقي للسعادة والحرية، فإن تلك غاية تقع خارج نطاق الزمان والمكان والقدرة والمتاح بالنسبة لإنسان الدنيا.
 فإذا كان عاقلاً، فلن يكون جاداً، ذلك الذي يدّعى أو يطلب سعادة حقيقية في مرحلة مؤقتة، تسير باتجاه شيخوخة مؤكدة، ونهاية محققة! إذاً، فغاية العاقل تلك، هي أمرٌ نسبي من حيث الوصف والقيمة وإمكانية بلوغها! وتلك حقيقة يُدركها ويرفضها العقـلاء، ذلك أن غياب العقل يُحقق تلك الغاية اليوم؛ كما أنه يُساهم في تحقيقها في الآخرة حيث إنه يعفي من المسئولية في الدنيا؛ ولكن الإنسان يرفض الجنون، كما يرفض النهاية المؤكدة، ويتشبث بالعقل كما يتشبث بالحياة العابرة. 
فالمؤمنون مثلاً، متناقضون بهذا المعنى، حيث يمتدحون العقل، ويرفضون ما يقوله العقل. ويُدينون قتل النفس، ويستنكرون حب الحياة! ويدّعون امتلاك الحكمة ويتجاهلون غياب الحقيقة! 
إنه يمكن لكل من أراد خِداع نفسه، أن يفعل أو يقول ما يشاء؛ ولكن لا ينبغي ولا يليق بالعاقل أن يُعوّل على سذاجة الآخرين، فليس كل الآخرين كما يظن! 
فالحقيقة هي أنه لا حياة مستقرة للعقل السليم في الواقع السقيم. 
إذا آمن العاقل، بأن لا فضل له فيما يمتلك وما يفعل من خير، ولا فخر له فيما ينال من شرف، فإنه سيعيش مأساة قاتلة لا يفهم أسبابها إذا عوقب يوماً بأي ذنب يقترف! لعله يمكننا تشبيه الإنسان في الدنيا بالمسئول المعروف الكبير، الذي يضع توقيعه على ما يُنجزه الموظف المجهول الصغير، ليفتخر بما ليس من إنجازه، غافلاً أو متجاهلاً أنه بتوقيعه إنما يتعهد بحمل كل ما يترتب على إنجاز غيره من وزر!
 وربما كان أعقـلُ الناس، مَنْ إن سألته عن حياته! أجابك بأنها لا تعدو أن تكون شاشةً - تعرض أحداثاً- تبدو للآخرين أنها من صنعه، بينما يُدرك هو أن تلك الأحداث ليست خارجة عن إرادته- فحسب، بل هي التي تـُسيّره ولا تستشيره. وأجهلهم هو من اعتقد بأن هذا الأمر ممكنٌ وذاك مستحيل، دون معرفة دقيقة منه أو حساب لعوامل الزمان والمكان وحقيقة الوجود وكُنْـه الإنسان! وبهذا المعنى فإن أفعال الجميع وردود أفعالهم، إنجازاتهم وإخفاقاتهم، كل ذلك تقرّره حواسيبهم المبرمجة سلفاً، وتظهر النتائج لتكون هي أحداث حياتهم. حيث يحمل الإنسان لواء النجاح أو راية الفشل، زيفاً لا حقيقة!
 إن القصور الفكري – لدى البعض- في تحليل بعض الأحداث يجعلهم يبتكرون مصطلحات ومفاهيم يرفضها المنطق وتعوزها الحُجّة، ليُبرروا بها عجزهم عن فهم ما يدور حولهم، وقد ينالون بها من شرف الغائبين، كابتكارهم لمصطلح ثقافة الانهزام – الذي يُقال ظلماً في حق المنتحرين! فالقائلون بذلك، إنما يتجاهلون أو يجهلون أن الإنسان من حيث المسئولية عن سلوكه وممارساته.. صنفان :

 إنسانٌ عاقلٌ بالوراثة- صادقٌ بالفطرة – واقعي بالطبيعة ومنطقيٌ بالضرورة ولذلك فهو يحيا مكبلاً بأدبيات الأخلاق أو استحقاقات الإيمان؛ فيمنعه العقل من استعمال المتاح عند تعـذر المباح. فإذا خاصمته الأقدار- كأن تضعه في المجتمع أو المكان أو الزمان الخطأ – فإنه سيلجأ إلى فعل ما يستطيعه وما يفهمه هو لا ما يريده الآخرون، ويُبررون هم عجزهم عن فهمه بتجريمهم لفعله! 

والصنف الآخر، هو إنسانٌ سطحيٌ عبثيٌ همجيٌ فوضوي، يحيا طليقاً، يخلو قاموسه من الممنوعات، فينشأ عابثاً بالمبادئ والقيم – متى وكيفما شاء؛ فيتجرأ على المحظورات دونما ضرورات، فتتكوّن له بذلك مبررات في أذهان الناس، ويحجز لسلوكه المنحرف موقعاً مقبولاً في عرف المجتمع، وكأن العبث قد أضحى رخصةً للعابثين . 

الحديث كان عن حيثيات حياة البشر كما يراها المحايد بعين العصر، ويلمسها المنصف بمجسات الفكـر، ويقرأها الباحث بمنطق الواقع في ثقافة المجتمع! إن كل النظريات الفكرية والفلسفية التي تحاول كشف أسرار الإنسان، كأسباب عجزه وتخلفه، وأسرار مهاراته وابتكاراته، ومصادر قوته وتقدمه، ودوافع صراعاته، وتضارب أفكاره، وبحثه عن المنطق والاستقرار تارة وقتله لهما تارة أخرى، إنما تستند هذه النظريات– لدى المؤمنين – إلى حقيقة ثابتة، هي الوجود المطلق للقدرة والعدالة الإلهية، حيث إنهم لو افترضوا غير ذلك لانقلبت الموازين وتغيرت المفاهيم .
 وبهذا المعنى، فإن العدالة الإلهية المتفق على وجودها، هي التي شاءت وجوداً مستقلاً مؤقتاً– لكائنٍ عاقلٍ – قادرٍ نسبياً- يُـدعى الإنسان، فوجود الإنسان أو حياته – بمفهومها الابتدائي العفوي هي نقيض الموت؛ ورغم تحفـّظ العقل والمنطق – على هذا التبسيط والتسطيح لمفهوم الحياة الرحب؛ إلا أنه يمكننا القول إن الحياة بهذا المعنى هي الهدف الأساس لمعظم الناس؛ ومن ثم يأتي هدفهم الثاني – اللا محدود في أجلهم المحدود؛ وهو تطوير إمكاناتهم وقدراتهم وزيادة ممتلكاتهم من أجل تلميع حياتهم، وذلك بقصد الاستمتاع بها من وجهة نظر البعض، وبقصد تبرير استمرارها لدى البعض الآخر، وهو الأكثر واقعية وموضوعية! وكلا الطرفين في واقع الأمر يُحاول اجتناب التوقف عند هذه المحطات، ولا يُفضّـل الخوض في فلسفة الحياة لكي لا يصطدم بحقيقة أنّ وجوده مؤقتٌ وخارج عن سيطرته وعن إرادته، وأن وجوداً بهذا المعنى هو وجودٌ لا معنى له! 
فلم يَخترْ هذا الشاب الطموح أن يكون ابناً لذاك الأب الغني البخيل. ولم تختر تلك المرأة المغرورة المتباهية بنفسها أن تكون أُمّـاً لتلك الفتاة القبيحة التي لا نصيب لها في الزواج!
 والمرأة المُهيأة لدور الأم والمُعَـدّة سلفاً بمواصفات الأمومة لا تصلح لدور الزوجة إلا تجاوزاً، حيث إنه إذا ارتبط رجلٌ – من الصنف الباحث عن زوجة- بامرأة من صنف الأمهات .. فإن الأم ستسعد بأمومتها، وربما يسعد الأبناء بأمّهم، ولكن من المؤكد أن الأب سيكون تعيساً بزواجه وبأبوّته!
 وهكذا الحال مع كل اختلاف بين بقية الأصناف؛ حيث لا يُحقق الزواج أهداف طرفيه وينال رضاهما، إلا أن تشاء الأقدار بزواج رجل وامرأة من ذات الصنف! ولا الرئيس ولا المرؤوس ولا السائل ولا الأبله ولا الغني ولا 
الفيلسوف، كان لأحدهم الفضل أو الذنب فيما كان !

 السؤال إذاً، ما كُنه الإنسان! وأين حقيقته! بين
 الحاسوب البشري الأزلي المُبرمج داخله، وبين صورته الآدمية التي يراها الآخرون حرة طليقة، بينما هي تتشكل تبعاً لأوامر ذلك الحاسوب؛ وبين القدر المسئول عن إخراج هذه المنظومة إلى حيّز الوجود، ثم إخراجها من الوجود لاحقاً! ماذا يعلم عن نفسه وعن غيره! وهل وجوده كان مكافأة له على حسنة فعلها قبل أن يكون! ولذلك فهو لا يدري اليوم ما هي حسنته! وإذا كان وجـوده عقـوبة، فما ذنبه، ومتى اقترف ذلك الذنب الذي كان سبباً في وجوده! إن قدراً كبيراً من أفكار وسلوكيات الإنسان – كفـرد -هو انعكاس طبيعي وحتمي للعوامل الوراثية التي تتملكه وتُكـوّن كمّاًً فاعلاً من رموز ودلالات شخصيته، وهي التي لا سيطرة له على نتائج تفاعلاتها مع البيئة. أما ما تبقـّى من محددات أفعال وردود أفعال الإنسان فمسئولة عنه إمكاناته وبيئته التي يجدها أمامه- وهي التي أوجدها أو حددها من سبقوه من قيادات المجتمع. في محطاتٍ كثيرة من حياتنا – نحن العرب المسلمين – نجد أن إسلامنا الجَمَاعي – بمفهومه الحديث القديم – يفرض علينا مخالفة المنطق وتجميد الفكر والتنازل عن جزء كبير من الكيان .. في مقابل أن نكون المسلمين في نظر الآخرين! والبدائل المنطقية لهذا الواقع المرفوض، مُغيَّبة، فهي إما مرفوضة لدى أعداء المنطق، أو ممنوعة من قبل أولياء الأمر، أو محاربة في ساحة الثقافة، أو مُـحرّمة دينياً، أو مُحـرّفة فكرياً، وذلك بحُجّة أن كل ما يجب أو ما يمكن أن يُقال بشأن كُنه الإنسان ورسالته قد قيل! فلم يُترك أمام الفكر سوى طرق باب المستحيلات لرؤية ما وراءه من ممكنات! فالعقل يقول إن العدالة الإلهية لا يمكن أن تتعارض مع المنطق! والمنطق يقول إنه لا يمكن أن يكون التفكير في القدرة والمشيئة الإلهيتين، محرماً على العقل أو أنه ليس من وظائفه!
 إذ إن العقل هو المكلف بالسؤال وهو المسئول عن الإجابة في حياة الإنسان وحول مصيره! وعليه فإن الفكر الذي لا يستند إلى هذه الحقائق، لا يكون سوياً؛ لأنه سيعتمد العشوائية وطمس الآخر من أجل إثبات صوابه في محطات عجزه! لقد أدى سوء استغلال المنطق الديني عند غيرنا في سابق الأزمان إلى طمس منطق العقل، وتكميم الأفواه وقطع الأعناق بقصد شل التفكير، فثار الإنسان بفعل المنطق على ذلك الوضع، وكانت النتيجة هي ميلاد حرية الفكر، وانطلاق الثورة العلمية وإثبات حقوق الإنسان الفـرد! 
لكن، كأنما المنطق فكرٌ أجنبي غريب، ترفضه الشهامة العربية باسم الإسلام البريء! فَجُلُّ العرب والمسلمين – من كتاب وشعراء، قادة ومفكرين، فقهاء ومثقفين ومهتمين- نراهم يستمتعون بالسير على جثة المنطق، ويـدّعون أن الفهم الصحيح يكمن في اللا فهم؛ فاعتادوا محاربة العقل، واحترفوا مغالطة الواقع، وتلذذوا بتجاهل الحقيقة،.. حقيقة عدم وجود الإنسان العربي المسلم – الفرد- الذي يسعون للنهوض به كما يزعمون ويُسوّقون! فكأنهم يستنهضون هِمّـة العدم، ويئنون بحمل اللا شيء، وكأنهم دخلوا ثقباً فلكياً أَسْوَدَا .. 

حيث توقف بهم الزمن، وانعدمت لديهم مبررات التساؤل، واستحال عليهم التواصل مع العالم، وعجزوا عن التراجع، وفقدوا رؤية المصير .. بينما يظنون أنهم قد أدوا أدوارهم لمجرد سماعهم لصدى خطاباتهم وكتاباتهم الخاوية، وهي تدوي في صحاري أوطانهم الخالية من الإنسان والمنطق والفكر، والمليئة بالنفط والجهل والفقر، وكأن الموضوعية قد واعدتهم وأخلّت بوعدها، فهم ينتظرون يوماً يُصبح فيه الفقر غنًى من تلقاء نفسه، ويصير الجهل عِلْماً بمعجزة خاطفة، ويُمسي التخلف تخلفاً ويصبح وقد صار تقدماً دون مقدمات. وينتظرون بزوغ فجر اليوم الذي تتفق فيه الخلائق على أن العبودية هي قمة الحرية، وأن التعاسة هي ذروة سنام السعادة. ليصبحُ الأعرابي البدوي– بقبليّته وفقره وعدم واقعيته وعدائه الأزلي للمنطق، رمزاً للإنسان العصري والمسلم التقي، ومن لا يرى رؤاهم، فهو في نظرهم عدو للوطن والعروبة والإسلام .

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ