face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

السبت، 1 ديسمبر 2018

قوانين الطبيعة.. وجود أزلي وسلوك حتمي!لا خلق بلا خالق(1).

0 تعليق


ما هي قوانين الطّبيعة! كيف نشأت، وما علاقتها بالمادة؟ هنالك تساؤل فلسفي قديم، ولا يزال يُتداول اليوم ! يقول التّساؤل: إذا كان الوجود وكل ما يجري فيه، هو عبارة عن مادة خاضعة لقوانين طبيعية صارمة، ولا شيء غير ذلك؛ فهل سبقت المادة القوانين، أم إن القوانين سابقة للمادة؟ ولتبسيط التساؤل: نقول مثلاً – هل إن وجود مادة الحديد في الطبيعة كان أولاً، ثم جاء قانون الصدأ والمغنطة لاحقًا؟ بحيث بقي الحديد في الطبيعة ردحًا من الزمن لا يصدأ ولا يتمغنط، ثم جاءت قوانين من خارج الطبيعة، وتم توزيعها بين المواد لتحكم علاقاتها ببعضها و ردات فعلها على الظروف المحيطة بها، فكان من نصيب الحديد الصدأ والمغنطة..، أم أن قانون الصدأ والمغنطة – مثلاً- كان موجودًا في الكون – دون وجود مادة الحديد، ثم تكوّنت المادة، ومنها الحديد، فاختار أو أُمِرَ كل قانون بملاحقة مادة معينة، وكان من نصيب قانون الصدأ والمغنطة، ملاحقة مادة الحديد! وبذلك نتوقع أن تصدر أوامر جديدة للقوانين أو للمادة، فيُصبح الصدأ من نصيب الهواء، وتُصبح المغنطة من نصيب الخشب – مثلاً! في الواقع، إن إعادة طرح مثل هذا التساؤل في هذا العصر، ربما لا يستطيع الكثيرون فهمها بمعزل عن مراوغة متعمدة – دون غاية، أو أنها تعكس نية مُبيتة لتكريس نتيجة مفترضة مسبقًا! إذ لا يصح منطقيًا أن يكون الجواب هو هذا أو ذاك! فالجواب الماثل عن هذا التساؤل، هو أن قوانين الطبيعة التي تحكم سلوك المادة، ما هي إلا انعكاس طبيعي لخصائص المواد المختلفة..، أي أن القوانين قد انبثقت أو نشأت متزامنة مع وجود المادة..، فهي تتغير بتغيرها وتنحرف بانحرافها وتختفي باختفائها! ربما أن أحدًا من البشر لم يتساءل يومًا، ويقول: عندما نكتب بقلم حبر على ورقة، لماذا تظهر الكتابة مُسطَّحة ودائمًا، ولا تظهر مُجسَّمة أبدًا؟ لكن الكثيرين تساءلوا: ما الذي يجعل القمر ثابتًا في مداره حول الأرض، بينما كل ما نقذفه يعود ليقع على الأرض! في الواقع أن الجواب هو قوانين الطبيعة في الحالتين، لكن سهولة التصور المنطقي في العلاقة الأولى (الكتابة والتسطح)، وقدرة الجميع على فهم السبب، حال دون طرحها كتساؤل، مما حال دون ربطها بقوانين الطبيعة، وأظهرها كأنها بديهية لا تحتاج إلى شرح..، بينما صعوبة التصور المنطقي للعلاقة الثانية (ثبات القمر وسقوط الأشياء)، أظهرها بصورة المفارقة، فأوجب التساؤل حولها! ولما كانت قوانين الطبيعة هي الجواب في الحالة الثانية، فقد أصبح مفهوم قوانين الطبيعة بمثابة مفهوم القوة التي تحكم المادة والطاقة من خارجها! بينما في الحقيقة، مفهوم قوانين الطبيعة لا يعدو أن يكون وصفًا للسلوك الطبيعي الحتمي للأشياء، وللعلاقات المنطقية بينها – المترتبة على اختلاف خصائص مكوناتها، وظروف تواجدها! وبذلك يمكننا اختصار تعريف قوانين الطبيعة، بأنها تلك الذاتية التي تُحدد سلوك المادة والطاقة، وتستوجب حدوث التفاعل والتغيّر والتطوّر – بما في ذلك الحياة والموت..، وذلك ترجمةً لخصائص المادة والطاقة! ولعل الأهم هنا، هو التذكير بأن طرح هذا التساؤل (هل سبقت المادة القوانين، أم إن القوانين سابقة على المادة؟)، يعني أو يَفترض أننا قد تجاوزنا مرحلة السؤال عن كيفية نشوء أو وجود المادة والطاقة والقوانين..، ولم تعد أمامنا معضلة سوى تحديد زمن النشوء أو مراحل الوجود وأيها السّابق؟ فإذا كان الأمر كذلك، إذن لا معنى لطرح التساؤل! لأن الجواب سيكون تحصيل حاصل، فكما نشأت وتكونت المادة والطاقة، بشكلهما الظاهر المحسوس، كذلك نشأت معها خصائصها، والتي أصبحت بمجموعها واختلافها، تُسمَّى قوانين المادة أو قوانين الطبيعة! لكن، ما يمكن استنباطه من هذا التساؤل، هو أنه يبدو كمحاولة للفصل بين مكوّنات الطبيعة وبين القوانين التي تحكمها، لإيجاد مكان ودور لعنصر ثالث بينهما، بُغيّة الوصول إلى القول بضرورة وجود قوّة خارجية هي التي أوجدت هذه القوانين التي تحكم الكون..، وصولاً إلى القول بأن فلان هو رسول تلك القوة إلى البشر! فإذا كان الأمر كذلك، فهي محاولة غير موفّقة، فالذي لم يُسعفه وجود المادة والقوانين ذاتها، لن يسعفه زمن وجودها، للبرهنة على وجود قوة خارجيّة قد أوجدتها! إن الفهم الذي يُنتِج أو يطرح مثل هذا التّساؤل، لا يستند إلى شواهد واقعية أو عِلميّة، إنما ينطلق من خلفيات عقائديّة وتفسيرات بدائيّة للوجود والكون! فقوانين الطبيعة – هي النتائج الحتميّة التي تترتب على الخصائص المختلفة للمادة والطاقة، عند التفاعل والحركة والسكون..، وهذا يعني أن قوانين الطبيعة محسوبة – لأنها تنجم عن السلوك الذّاتي للمادة والطاقة، ذلك السلوك الثابت للمادة الواحدة عند ثبات الظروف..، وكذلك هو الحال مع المستويات والأنواع المختلفة للطاقة! وهنا نقول أو نُذكَّر بما هو معروف: حيث إنه ليس ثمّة ما يمنع من أن تكون الطاقة والمادة أزليتي الوجود! بهذا المعنى يكون من الطبيعي والبديهي، أن تكون خصائص المادة أزلية، أي أن قوانين الطبيعة أزلية! وبذلك تنتفي الحاجة – منطقيًا وعمليًا- لأي دور أو مكان لقوة خارجيّة – بين الطبيعة وقوانينها! والذين يُصرُّون على الاعتقاد بوجود قوة خارجيّة تحكم الطبيعة والوجود، هم ليسوا بالضرورة في حالة عداء ومواجهة أو تناقض مع المنطق أو العِلم الذي يُثبت عدم الحاجة لوجود تلك القوة – بشرط ألا يحاول المعتقدون تجاوز سقف الاعتقاد! فالاعتقاد هو عبارة عن مستوى من الظّن والأمل، فهو مبني على تصديق بشر لبشر، وليس مبنيًا على إثبات علمي أو تحليل منطقي! والعِلم لا يُمانع من افتراض أي شيء، لكن الشيء المفترض يُعتبر غير موجود إلى أن يتم إثبات وجوده – عمليًّا حِسيَّا! وعلى هذا الأساس، يظل الاعتقاد اعتقادًا – لا يُلزم غير المعتقدين به؛ بينما، من الطبيعي أن يكون كل ما يُثبته العِلم، وكل ما يقره المنطق، مُلزمًا – إراديًا – لكل من أدركه أو تصوره.

 
مقارنة: قُلنا إن قوانين الطبيعة، هي سلوك المادة! وعلى هذا الأساس، تكون محاولة فصل المادة عن سلوكها، هي كمحاولة الفصل بين الإنسان وسلوكه – بقصد تبرير معاقبة الإنسان على سلوكه! فالإنسان لا يُحاسَب على طوله ولونه – مثلاً- وفق القوانين والأعراف البشرية..، لأن البشر يُدركون أن اللون والطول جزءٌ من الذات – لا كيان للإنسان بدونها- وهو ليس مسئولاً عن وجودها ومواصفاتها! بينما يُحاسَب الإنسان على سلوكه، لأن معظم البشر لا يُدركون علاقة السلوك بالذات، فيفصلون بينهما، ويعتبرون الجسد هو أساس الذات، وينظرون إلى السلوك على أنه شيء طارئ على الذات من خارجها- تمامًا كما يُحاول واضع التساؤل المذكور، الفصل بين المادة وقوانينها! ويتجاهل البشر هنا، أنهم كأنما يعتبرون الإنسان قد وُجِد كذات، وبلغ سُن الرُشد ونضج وعيه واكتمل عقله..، كل ذلك حصل والإنسان بدون سلوك! ثم إنه قرر واختار بوعيه وإدراكه وبمحض إرادته، هذا السلوك وهذه الرؤية وتلك القناعات – دون غيرها- فقط ليزعج الآخرين ويعبث بالقوانين والأعراف! لا شك أن هذه سطحية وتبسيط مُخل بالحقيقة والواقع! فسلوك الإنسان وقناعاته، قد نشأت بالتزامن مع نشوء ذاته (جسده الحي)، وليست الذات سابقة للسلوك ولا هي مهيمنة عليه بالمطلق! فليس السلوك والذات سوى انعكاس طبيعي وحتمي، للجينات الوراثية، ولثقافة المجتمع وظروف الحياة منذ الطفولة..، فهي التي كونت بمجموعها واتحادها شخصية الإنسان – سلوكًا وجسدًا-، فلا وجود ولا كيان للإنسان بمعزل عن ذاته وسلوكه، ليكون له الخيار فيها وليكون بالتالي مسئولاً عنها! وفي هذا الصدد أقول، إن محاسبة الإنسان على سلوكه لا تختلف كثيرًا عن محاسبته على وجوده! وإذا كان الإنسان لا يوصف بحُسن أو سوء السلوك، إلا عند اتصاله بغيره..، حيث لا وجود ولا معنى للصِدق والكذب والسرقة والجريمة.. وغيرها، في حياة الإنسان الفرد المنعزل! كذلك هو سلوك المادة أو قوانين الطبيعة..، حيث لا وجود ولا معنى لقوانين الطبيعة إلا في وجود وتفاعل مواد مختلفة..، فقولنا بخضوع المادة لقوانين الطبيعة، لا يعدو أن يكون وصفًا لسلوك المواد المختلفة عن اتصالها ببعضها!

  يُحسبُ للفلسفة، قولها إن المفردات اللغوية المتوفرة لا تكفي دائمًا للتعبير عن كل الأفكار وإيصالها بأمانة! ويُعتبر ذلك احترامًا من الفلسفة لوعي الإنسان وحفاظًا على كيانه، الذي هو ميدان التنافس وغايته، وهو مجال البحث ومادته على الدوام – في ساحة الفلسفة والعِلم والدين! أما الأديان والمعتقدات، وبغض النظر عن القدسيّة التي تُصبغ عليها، وما يُقال عن نُبل أهدافها وحُسن نوايا القائمين عليها ومِصداقية مصادرها، إلا أنها في الواقع لا تُقيم وزنًا لعقل الإنسان، وتتجاهل انهيار كيانه أمام صرامة وتناقض تعاليمها، فهي – ومع هشاشة حُجَّتها – تُلزم الضُعفاء بتجاهل الواقع لصالح الاعتقاد، مما أوجد أجيالاً من البشر – هم في أحسن الأحوال أشباه عُقلاء! إن ذلك واقعٌ لا يغفله عاقل، ولا يُجادل فيه صادقٌ يُعبِّر عن ذاته، ولا يخشى قوله إلا واهمٌ أو ضعيف، ولا يتجاهله إلا طامعٌ يُتاجر بالمبادئ! إن المعتقدات تعبث بقيم الإنسان ومُثله حين تقتحم عليه أستار حُرمته، متسللة من نوافذ ضعفه، لتُجبره – طمعًا أو فزعًا – فتنتزع منه اعتقادًا بصحة ما لا يفقهه، وتصديقًا بواقعية ما لا يُدركه، وإقرارًا بوجود ما لا يعلمه، وشهادةً بحصول ما لم يشهده، واعترافًا بذنبٍ لم يقترفه، وخوفًا من تضييع أمانةً لم يتعهد بحملها، وافتراضًا لصوابِ ما يَرى على الأرض خطأه! إن العاقل الذي يمتنع عن وصف الواقع الذي يراه كما يراه، بدعوى الحذر من غضب الإله! أولى به أن يَحذر من غضبه في النقيض..، فيتوقف عن العبث بالأمانة والعقل والضمير، وذلك بأن يمتنع عن إهداء صفة الواقعية والحقيقة لما لا يراه ولا يعلمه! إن تجاوز الإنسان لمحدودية قدراته – كما يفعل فقهاء الأديان -، والإفتاء بمقاييس غيبية، لهو أدعى للغضب الإلهي – من الوقوف عند حدود الإمكانات المعلومة والواقع المُعاش! إن التقليل من شأن الحواس والإمكانات العقلية للإنسان، لصالح التكهن والاعتقاد، لهو طعن في مشيئة الإله الذي يؤمنون به، ورفض للمستوى الذي هيأهم له! إن الإنسان ليس في منافسة مع إله لكشف أسراره..، إننا بحاجة إلى أعلى درجة ممكنة من الحُمق والغباء، لكي نُصدِّق بأن رسالة المخلوق هي فك رموز الخالق، وأن فشله في ذلك يعني معصيته للخالق! فإذا كان فشل المخلوق في فك رموز الخالق مُبرِّرًا لغضب الخالق، فماذا يعني نجاحه.. ألا يعني نجاح المخلوق فشل الخالق! إن نشر ثقافة الاعتقاد بوجود إله، هو الذي خلق البشر، وأنه سيُحاسبهم ويُعاقبهم بسبب واقعيتهم، هي مؤامرة تطعن في عدل ذلك الإله من جهة، وتستغفل البشر وتستغل ضعفهم من جهة أُخرى..، بقصد إبقائهم قُطعانًا تحت وصاية ورهن إشارة علماء الغيب المزعومين، الذين يزعمون بأن الإله قد أوكل لهم مهمة رعاية البشر – كما يرعى العُقلاء الأطفال والمجانين! والأدهى من كل ما سبق، هو الاعتقاد بـ: - أن الإله بجلال قدره، سيُحاسب ويُعاقب هؤلاء السُذَّج الجهلاء الضعفاء العاجزين بالضرورة عن فهم رسالتهم وعن أدائها! - وأن الإيمان والتصديق تحت عصا الخوف وأمام جزرة الطمع، هو كل ما استطاع ذلك الإله فعله لكي يؤمن به البشر..، وهو الذي من المفترض أنه مطلق القدرة والعلم، مما يعني أنه أكبر من هذه المعايير البدائية التي تجاوزتها حتى الحضارة البشرية على الأرض! وأما العِلم، فقد كان وعلى الدوام، مثلاً للحَكم العادل، والحُجَّة الفاصلة التي لا اختلاف على صحتها، ولا صعوبة في استيعابها ورؤية نتائجها!

نظرية كل شيء :1- النظريّة الشّاملة أو نظريّة كل شيء، هي النظريّة التي تُفسَّر الوجود وكل ما به من أشياء وجزئيات وعلاقات وسلوكيات وأحداث ومَشَاهد، وكل شيء! هذه النظرية المفترضة، التي يُقال أن "آينشتاين" قد أنفق السنوات الأخيرة من عمره في محاولات فاشلة لإنجازها، حتى يُقال بأنه كان يُفكِّر بها وهو على فراش الموت! لم يتوصل العلماء إلى هذه النظرية حتى اليوم، ولم يدَّعوا بأنهم توصلوا لها! ولو كان هدف العلماء هو إقناع غيرهم من البُسطاء، لتآمروا عليهم، وزعموا أنهم توصَّلوا إلى نظرية كل شيء..، حيث إن أعقد التجارب تُجرى في مختبرات وبأجهزة لا يعلم عنها جُل البشر شيئًا! لكن شعار العلماء هو الأمانة وصرامة التحقق من النتائج، وهدفهم هو إدراك حقيقة تُقنعهم قبل غيرهم..، ولذلك لم يجدوا غضاضة في الإقرار بفشل جهودهم حتى الساعة!
 2- لكن ما يدعو للأسف ويبعث على الألم والأسى واليأس، هو ادعاء غير العُلماء، بأنهم يمتلكون العديد من النظريات الشاملة أو نظريات كل الأشياء..، وليس فقط نظرية واحدة – كالتي عجز العلماء عن إيجادها! نظريات كل شيء "الثّانية" لم تكتسب اسمها من قدرتها على تفسير كل شيء، بل أخذت اسمها من استعدادها لاستعمال كل شيء، من أجل إجبار وإرغام كل البشر على تصديقها والإيمان بها والإقرار بصحة كل ما تقوله..، بما في ذلك استعمال الضرب والسجن والتهديد والقتل والإغراء! نظريّة أو نظريات كل شيء الثانية، لا تصمد أمام اختبار العقل، ولا تُجيب عن سؤال العاقل! ولكي لا يتم اعتبار هذه النظريات مجرد محاولات بريئة جريئة فاشلة، فقد تبنى مبدعوها مبدأ التزوير المتعمد المفضوح، حيث لم يتردد أتباعها في إطلاق صفة "عُلماء" على رجال نظريات الخوف والطمع، والتهديد والوعيد والإغراء تلك! ما أكبر الفارق وما أجلاه، بين العُلماء الحقيقيين، والعلماء المزيفين!
 

الأربعاء، 7 مارس 2018

ما لا يمكن تخيله لا يمكن تصديقه!

0 تعليق


من الثّوابت الكونيّة الضّابطة للمنطق والفطرة البشرية: أن كل ما لا يمكن تخيله لا يمكن حصول التصديق به، وكل ما لا يحصل تصديقه لا يحصل الالتزام بمقتضياته!.
 لماذا توجد مراقبة ومحاسبة وعقوبات للمؤمنين، في الحياة الدنيا؟ لأن المؤمنين عادةً لا يلتزمون بمقتضيات ما آمنوا به، فيصبح إيمانهم مجرد ستار يُخفي حقيقتهم! ولماذا لا يلتزم المؤمنون بمقتضيات الإيمان؟ لأن الإيمان بأي أمر لا يعني التصديق به، وكل علاقة دون التصديق، فهي لا تُحقق التزامًا ذاتيًا لدى الإنسان! بينما كل ما يُصدِّق به الإنسان، يلتزم بمقتضياته فطريًا دون الحاجة لرقيب أو حسيب .. لماذا لا يجرؤ البشر على تجرع السم عمدًا؟ لأنهم لا يؤمنون بأنه قاتل، بل يُصدِّقون بأنه قاتل! وإذا قرر الإنسان تجرع السم، فلا تردعه مراقبة ولا تهديدات ولا عقوبات، لأنه يكون مُدرِكًا لما يفعل! كل ما يعتنقه الإنسان من وراء المنطق والفطرة، يظل افتراضيًا في ذاكرته، فلا يجد صعوبة في تجاهله وتجاوزه لأتفه الدوافع والأسباب! المعتقدات الدينية تستعمل مفهوم الإيمان بالله لا مفهوم التصديق بالله، لأن الإله لا يمكن تخيله ..، ولذا عادة ما يكون التركيز على ذكر وتعظيم وتقديس الرُسُل أكثر من التركيز على الإله ذاته، باعتبار أن الرُسُل يمكن تخيلهم، وبالتالي يمكن التصديق بوجودهم، ومن خلال التصديق بالرسل يأمل رجال الأديان في حصول عملية التصديق بالله لدى البشر – وليس فقط الإيمان به ..، لكن التصديق بالرُسُل لا يسد حاجة البشر الفطرية لتخيل الإله ذاته، لكي يحصل التصديق بوجوده! فالتصديق بأي أمر مرتبط شرطيًا بالقدرة على تخيله هو مباشرة لا من خلال غيره ..، وهذا الشرط غير قابل للتحقق في حال الإله العقائدي، ولذلك يتم الاكتفاء بالإيمان، فلا يحصل الالتزام، وتلك نتيجة حتمية لعدم التصديق!.
المؤمنون بالأديان وغير المؤمنين بها، الكل يُسلِّم بوجود سر خفي خلف هذا الوجود الظاهر .. والجميع متفقون تلقائيًا على وجوب أزلية هذا السر .. لكن السؤال والاختلاف يدوران حول ماهية ذلك السر، ومكان تواجده، وهل له غاية محددة، أم هو مجرد قوة ذكية عمياء؟ المعتقدات الدينية المتعددة المتجددة، جميعها عبارة عن نُسخ مختلفة لنظرية فلسفية واحدة، وُضِعت أساسًا لتفسير ظاهرة الوجود والحياة، لكنها أخفقت في ذلك، كما أخفقت كل النظريات العلمية حتى الآن .. المعتقدات الدينية عجزت عن إجابة سؤال الإنسان حول سر الوجود، فتركت الوجود والتفتت إلى الإنسان، وتركت السؤال وتوجهت إلى السائل ..، فحمَّلت الإنسان المسئولية عن ضعفه الطبيعي وجهله اللا إرادي بأسرار الوجود، ووجدت أن أسهل جواب للسؤال هو قمع السائل ومنعه من طرح السؤال .. تحولت المعتقدات بذلك من نظريات فلسفية قابلة للنقاش حولها، إلى ضوابط أخلاقية تفرض نفسها على البشر بحجة القداسة، وتعدهم بحياة أفضل قبل الموت وبعده .. واعتنقها جُل البشر طمعًا في وعودها، ورهبةً من غموضها ..، لكنها أخفقت هنا أيضًا، فلم تحقق ما قبل الموت ولم تبرهن على ما بعده ..، بل وأصبحت سببًا للعداوات والمآسي، وأكثر من ذلك أصبحت وسيلة بيد الحذاق للسيطرة على البُسطاء وتجنيدهم لمواجهة خصوم الفكر والسياسة والاقتصاد والعِرق! القواسم المشتركة بين المعتقدات كثيرة، منها أن كل قوم يسخرون من معتقدات غيرهم ويرونها ساذجة! المعتقدات تقوم على وضع قراءات ضبابية مراوغة لكل شيء، لتستوعب بذلك كل جديد تكتشفه المعرفة البشرية عبر تطورها الطبيعي، وتنسبه لها! المعتقدات تقوم على تقديس أشخاص، والتعصب لهم في كل ما يقولونه دون إعمال للفكر .. ولهذا انحرفت كل المعتقدات دون استثناء، وتشرذم وتصادم أتباعها بمجرد موت شخص الرسول! ولا زال القائمون على كل المعتقدات يحرصون كل الحرص على منع أتباعهم من إعمال الفكر .. هل الخلل في البشر أم في المعتقدات؟ معلوم أنه لو لم يكن هناك خلل طبيعي في حياة البشر ووجودهم، لما كانت هناك حاجة للمعتقدات .. ولو لم يكن هناك خلل طبيعي في حياة الشعوب، لما كانت هناك حاجة لوجود سلطة تشريعية وتنفيذية لمعالجته، فإذا كان 80% من الشعب ملتزمين بالقانون، و20% مجرمين مخربين خارجين عن القانون .. فمن الذي من وظيفته وواجبه وبمقدوره حماية البلاد من هؤلاء الـ 20% ؟ وما حاجة كل الدول بالشرطة والأجهزة الأمنية، لو كان بإمكان الشعوب تأمين نفسها من الخارجين عن القانون- من الداخل والخارج؟ فرجال الأديان يُحمِّلون البشر المسئولية عن عدم نجاح الأديان، وفي ذات الوقت يُحرِّمون عليهم تفسير الكتب الدينية بأنفسهم !.
 كيف أخفقت المعتقدات في تفسير ظاهرة الوجود؟ أخفقت من حيث أنها لم تستطع برهنة وإثبات الفكرة التي تقوم عليها ..، فلم تُقنع بحُجتها المفكرين، ولم تحل بها مشاكل الآخرين الذين اعتنقوها دون تفكير! النظريات العقائدية، لكي يكون تفسيرها لظاهرة الوجود تفسيرًا منطقيًا مقنعًا، ربما كان يتوجب عليها أن تفترض أحد أمرين، وهو ما لم تفعله .. كان عليها أن تفترض:
 - أن الإله غير كلي القدرة، فهذه فرضية يمكن أن تفسر الوجود عقائديًا إلى حد كبير، لكنها تنزع عن الإله صفة الإلوهية المطلقة .. - أو أن تفترض أن الإله قد أوجد الوجود، وضَمَّنه قوانين منطقية صارمة، ثم انفصل عنه بالكامل، بحيث أن الإله لا يعلم الآن ما الذي يجري في هذا الوجود ..، أو أن الإله لم يخلق هذا الوجود بنفسه، إنما كان قد كلَّف غيره بخلق هذا الوجود، وأن الإله لا يريد أن يعلم شيئًا عما يجري الآن، وسيرى النتائج لاحقًا .. هذه الفرضية تسد الكثير من الفراغات المنطقية في النظريات العقائدية .. فبذلك يكون هناك معنى للحياة وغاية من الوجود ..، لكن لا معنى للقول بأن الإله ينتظر اكتمال أحداث الوجود، بينما كل الأحداث والنتائج معروفة لديه مسبقًا! كما تجيب هذه الفرضية منطقيًا عن سؤال المظالم والمآسي والآلام والأخطاء التي تحدث في الوجود! كذلك تُفسِّر هذه الفرضية عدم استجابة الدعاء! أيضًا هذه الفرضية ستفرض على البشر الالتزام بما يؤمنون به، حيث لن يكون هناك من يدَّعي القدرة على التكهن بالنتيجة – طالما أن الإله ذاته لا يعلمها الآن .. وبذلك يوضع الناس أمام مسئولياتهم وضمائرهم، لا خلف فتاوى وتفاسير فقهائهم - كما هو حاصل الآن .. وتتوقف بذلك ممارسة الوصاية على البشر باسم الله والدين، حيث لا أحد يمكنه ادعاء قبول إيمانه هو، ليكون قدوة أو مرجعية لغيره

الأربعاء، 3 يناير 2018

اللّف و الدّوران في تخريج مؤّلف القرآن !

1 تعليق


إنّ كل مسلمٍ مسكين صادق الايمان يشكّ في نفسهِ و لا يشكّ في القرآن , و كيف لا و هو مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ , ولذلك اخترع المفسّرون ( المرّقعون ) فلسفة اسلاميّة , و علوم شرعيّة , و علم البلاغة و البيان و علم حديث يُسمى " اللّف و الدّوران " , و السفسطة و السخافة و الهذيان و غيرها بل اخترعوا اشياء لا تنطبق إلا على القرآن , ولسان حال مؤّلف القرآن :: عليّ أن أقول و عليكم التّخريج . 

إن لعبة التخريج و التّفسير و التّّرقيع يُمكن تطبيقها على أي كتاب ليًصبح من لدن حكيم عليم , فالقرآن مليء بالأخطاء العلميّة و اللغويّة و التّاريخيّة و التناقض و الخرافة و الأساطير بل و الغموض و الهراء ! لنأخذ مثالاً على ذلك "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم " النحل/106 
إن هذا المقطع القرآني لا معنى له , غامض , لا يوجد بهِ بلاغة و لا بيان و لا هم يحزنون ! إنّه لشيء واضح وبسيط و غير عسير و يتضّح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد , ولكن ؛ أين مفتاح اللعبة وحلّ اللغز ؟ الأمر يكمن في الإيمان و اضفاء هالة مقدّسة حول القرآن فينشأ المسلم على ذلك و من شَبَّ على شيءٍ شابَ عليه , فالقرآن معجز ! و لا شيء آخر , حتّى لو جئت له بمقاطع قرآنيّة سخيفة و محض هراء وكأنّهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون ! لنأخذ مثالاً يُثبت مما لا يدع مجالاً للشّك أنّ التّفسير ما هو إلا تهريج و البحث عن محرج لكلّ ما يقع فيه مؤلّف القرآن , و هذا الأمر يستخدمه المسلم في تعاملهِ و نقاشهِ فهو لا يُفكّر في الأمر بل يطلق عليها " شبهة " و يذهب مباشرةً ليبحث عن تأويل و تخريج و تفسير و لفّ ودوران ثمّ ينسخه و يلصقه كما هو ! ولنأخذ مثالاً على تناقض القرآن الواضح وضوح الشّمس متبوعاً بتخريج و تأويل و تفسير حتّى نريحهم من مشقّة النّسخ و اللّصق المصدر هنــــا :: 

السؤال

ورد عن سيدنا يونس عليه السلام في سورة القلم الآية (49) قوله تعالى: {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}
وفي سورة الصافات (143-145): {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ}.
والسؤال: يرجى حل التناقض بنفي نبذه عليه السلام بالعراء بالآية الأولى وإثباته بكلمة (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) بالآية الثانية.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس بين الآيتين الكريمتين تناقض، ففي تفسير القرطبي: (قال في هذه السورة: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وقال في نون والقلم: لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ { القلم : 49 } والجواب: أن الله عز وجل أخبر هاهنا أنه نبذه بالعراء وهو غير مذموم، ولولا رحمة الله عز وجل لنبذ بالعراء وهو مذموم، قاله النحاس). ومثل هذا الكلام عند البغوي وغيره.
والخلاصة أن النفي في سورة القلم ينصب على الحالة التي لم تذكر في سورة الصافات، وهي كونه مذموما مبعدا من كل خير. فظهر منها أن النبذ بالعراء واقع، وأن الذم لم يقع بفضل الله تعالى ومنته.
وأخيرا ننبه السائل أن القرآن الكريم ليس فيه تعارض ولا تناقض، فهو كلام حكيم عليم، وإنما قد نتوهم نحن لضيق صدورنا وعجزنا عن ذلك.
والله أعلم.

كما يتّضح أن هذا الأمر لا يعدو كونهِ مجرّد تهريج و تخريج ليس إلا , وما يفعله هؤلاء هو مجرد لعبة سخفية يُمكن تطبيقها على كلام أي شخص ليُصبح صديقنا حكيم عليم خبير ولكن ؛ من أحسن من الله قيلا ؟ , إن التّناقض في هذه الآيات أمر لا مفرّ منه , فالإشكاليّة هي : هل نبذ يونس في العراء أم لا ! لكن كما نلاحظ مقطع قرآني يًثبت و آخر ينفي ولا تأويل هنا , لكن من قال أنّه لا يُمكن إيجاد مخرج لها ؟! كيف وهو من لدن حكيم عليم خبير ، فيلجأ المرقّعون إلى نقل الإشكاليّة من النّبذ إلى حالة يونس وكونهِ مذموماً أم لا ! ها هم قد أخترعوا فناًّ جديداً وهو فن التبجّح ! الذي لا يقبله أي عاقل مهما كانت قدرتهِ العقلية , إنّ السّجع هو ما دفع مؤلّف القرآن لتغيير اللّفظ من بين " سقيم " و " مزموم " وليس شيء آخر ، فكما نلاحظ قافية مقطع الإثبات :: 
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ

امّا المقطع الذي ينفي لك هو : 

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ

لَوْلا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ 

إنّه السجع لا شيء آخر فاعتبروا يا أولي الألباب !! . فنٌ آخر و هو لعبة التّحدي و نظريّة استخراج كلّ ماهو جديد ومثير وإن تطلّب الأمر التّدليس فهو في سبيل الله و حور الجنّة العين ! , ولنأخذ مثالاً على ذلك :: يقول مؤلّف القرآن مهاتراً أبا لهب " تبت يدا أبي لهب و تب ...... سيصلى نارا ذات لهب " المسد , فالتحدي واضح و المقطع القرآنيّ صريح في تحديد مصير أبي لهب، ويقولون أنّ جبريل نزل بها في بدايات الدّعوة، وأنّ أبو لهب كان بإمكانهِ الإيمان بمحمّد ويخرج للنّاس ليقول " إني آمنتُ بالله " حتّى ولو كذباً ! 
ولكنه لم يحدث، لماذا؟ لإنه علمُ الغيب فلا يظهر على غيبه احدا !! لكن مهلاً !! هل حقاً لو آمن أبو لهب لكان ذلك دليلاً على كذب و ادعاء مؤلّف القرآن ؟ الجواب هو : كلا ! الأمر بسيط يمكن أن تنضم إلى مقاطع تمّ نسخها أو أكلها الدّاجن أو حرقها عثمان أو أنساها الشيطان حفظة القرآن ! فهذا اللغو و اللغط لا لشيء إلا لكونها لعبة سخيفة مطاطيّة لا سقف لها , لا قانون ولا عقل و لا مكان ولا زمان يحدّها ! وهذا بالضبط ما يحدث فخذ مثلاً هذا المقطع القرآنيّ المشابهِ :: " إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم " النحل 104 , إنّ هذا المقطع القرآنيّ أو التحدّي أو الاعجاز في علم الغيب سمّ ما شئت ، ما هو إلا تعميم سخيف و باطل و عجز ليس إعجاز لانّ هناك من تاب و آمن و سيدخل الجنّة و ليس له عذاب أليم بل حور مقصوراتِ في الخيام ! والسؤال الآن :: من الذي هداهم إن كان الله نفسه تبرأ منهم و أقسم بالنّمل على نفسه بعدم هدايتهم ؟ مؤلف القرآن و مرقّعوه لا يعرفون لأنّ هذا الهُراء ليس من عند الله و أطفال الإعجاز و نظريّاتهم العاجزة الباطلة و تحدياتهم لا تعدو كونها مجرّد هُراء ! هذا التحد مثله مثل " نظريّة الصَّرْفة" وتحدي القرآن في الأتيان بمثلهِ , فإن قلنا أنّه يُمكن الإتيان بمثل هذا القرآن و أفضل منه يذهبون بالأمر إلى بعد آخر و سخف لا يضاهيهِ شيء , ويقولون : أنّ الله ذو البلاغة و البيان و الفصاحة صَرْف دواعي وهمم سادة قريش و من بعدهم عن القيام بذلك ! إنّ من يصدق و يؤمن بهذا الدين وتلك اللعبة الهزليّة المضحكة لا يحترم عقلهِ وادعوه لقراءة القرآن قراءة نقدية محايدة وسيجد العجب العجاب .