face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

السبت، 28 أكتوبر 2023

كرامة الإنسان تستنجد، وواقعه يتلكأ!



كل ما يمكن أن يُعدده الإنسان من براهين لإثبات كرامته، هي في الواقع براهين تُثبت العكس! ولعل ذلك ما يجعل الكثيرين يتحاشون الغوص في موضوع الكرامة- بما يُثبتها أو ينفيها-، ويكتفون باعتقاد وجودها! لكن وبحسب عقائد المؤمنين، فإن المنطق لا يتعارض مع نفي الحرية عن الإنسان؛ بينما يتعارض مع نفي الكرامة عنه! ومعنى ذلك أن الكرامة لا تحتاج إلى إثبات، فهي فعل إلهي مساوٍ لعملية الخلق، في كينونة وصيرورة الكائن الآدمي. حيث يقولون بأن الإله هو مَنْ قال بأنه خلق الإنسان، وبذات الصورة قال بأنه كرَّم بني آدم! فالكرامة بحسب هذه المعتقدات، هي أمر صادر عن مشيئة وإرادة إلهية فوقية لا مجال لنفيها عن الإنسان، شأنها شأن عملية الخلق والوجود؛ وهو الأمر الذي ينطوي على مفارقة يصعب فك رموزها؛ مفارقة يُدوِّي بها واقع الأغلبية المسحوقة من البشر- فقراً مُدقعاً وضعفاً مُذلاً واستعباداً مُفزعاً، وآلاماً قاسية، وحياة مفروضة بائسة، ونفوساً طائعة ساجدة راكعة ويائسة! إنه لا يمكننا فهم الكرامة الآدمية هنا، إلا أن يكون بعض البشر آدميين مُكرَّمين، وجُلهم دخلاء على خلق الإله – بني آدم، فلا نصيب للدخلاء في كرامته التي أوجبها لكل بني آدم! غير المؤمنين يعتبرون حرية الإنسان رمزاً لكرامته؛ وبذلك فهم يستخدمون نظرية البدائل المكافئة، فيستعيضون بالعناصر المتاحة بديلاً للعناصر الممتنعة في معادلة الكرامة! والحرية كفيلة بجعل كل البدائل مباحة أمامهم! المجتمع البشري يتألف سواده الأعظم من جنود مأمورين بحراسة الحكومات وتنفيذ سياساتها مقابل السماح لهم بالحياة وتوفير لقمة عيش تسد الرمق..؛ ويتألف من عمالٍ يتملقون المسئولين، ويكدحون طوال الحياة؛ فمنهم من يتملق للفت الأنظار والتميّز على حساب الكادحين معه، ومنهم من يتملق خشية المبيت في العراء والموت جوعاً! ويتألف من مجرمين وتائهين، ومساكين عاطلين عن الحياة الكريمة؛ ويتألف ممن يقتاتون على خدمات يقدمونها لغيرهم، يتذللون خلالها، ويراءون ويتنازلون عن مبادئهم وقناعاتهم في سبيل جلب الزبائن ونيل رضاهم، على حساب بعضهم الآخر! وكذلك من أشباه العقلاء المبرمجين بما يُخالف الفطرة والمنطق؛ الذين يُضحون بأرواحهم لإنجاز أهداف لا يفقهونها، وقتل أناسٍ لا يعرفونهم، لنيل الرضا والبركات من أناسٍ يُقدّسونهم! فمن هو الإنسان العاقل المكرّم، مركز الخلق، وسيد المخلوقات، الذي تنتظره الجنة أو النار؛ إذ لم يبقَ من مجتمع الآدميين المكرمين سوى أفرادٍ معدودين، يُمثلون في مجموعهم طبقاتٍ سعيدة ومسيطرة، تكونت بالضرورة لسد الفراغ الطبيعي ليكتمل المشهد العام..، تماماً كما فرضت الطبيعة ذلك على مجتمعات النمل والنحل والغاب، وهي المجتمعات الطبيعية العفوية الصادقة التي لا تدعي الكرامة ولا تتبجح بالعقل والأخلاق! وحتى هؤلاء القِلة المكرمون، هم في الحقيقة مكرمون قياسًا إلى انعدام الكرامة لدى غيرهم، وليس بمستوى مفهوم ومدلول الكرامة؛ فهم ورغم اختلافهم عن غيرهم، إلا أن طبيعة الحياة إجمالاً وتفاصيل ممارساتها اليومية، تستوجب فعل ما يتعارض مع مفهوم الكرامة! الكرامة الآدمية كما نشهدها، في نقاط .. عندما يفتخر إنسان، ويرقص فرحاً بفوزه بمنصب السيطرة على إنسان، لا بفوزه بثقة الجميع به! وعندما تنعدم من دمائهم ذرات الحياء، فيطلب بعضهم العبث بالدستور الذي أوصله إلى سدة الحكم، لكي لا يرى غيره في مكانه – مساوياً له – طيلة حياته- في إشارة فاضحة إلى اعتقادهم الفاسد بعدم وجود من يستحق لقب الرئاسة سواهم ..؛ وعندما يفتخر الغني بإعطائه للفقير قدراً من المال بما يُظهر ذل الفقر لا بما يُغنيه؛ وعندما يتجرأ الفقير على جرح كرامته بأظافره – حين يمد يده ليتلقف ما يُثبت ذله وضعفه وحاجته؛ وعندما يرضخ الرجل والمرأة لشروط الزواج الثقافي – بنصوصه المقدسة الآلية، ومضاعفاته الشعوبية الغوغائية، وملحقاته الظنية، ومقدماته المظهرية الدعائية، ومؤخراته المادية المشككة في المصداقية..، و ، و ..؛ عندما تحدث مثل هذه المشاهد، فإنها لا تترك خيطاً يستر جزءاً من عورات الغافلين، ولا منبراً يصعده المكابرون، فهي تطرح بصريح المشاهدة لا بصريح العبارة، تساؤلات عملية حول مفهوم كرامة الآدمي، بما يُشير إلى أنها ربما كانت مسرحية ركيكة السيناريو والإخراج، تجري مشاهدها على خشبة الكرة الأرضية، ويُسدد السُذج فواتيرها وتذاكرها – آلاماً مُستحقة وآمالاً مسحوقة، من خزائن مبادئهم الخادعة الخالية من كل قيمة، سوى من قيمة الانتظار للعدم القادم من لا مكان في لا زمان على جواد الوهم اللامع! فمثل هذه المشاهد تورد أفكاراً، مفادها أن كرامة الإنسان قد لا تعدو أن تكون أضحوكة أيديولوجية ومهزلة تاريخية، لا يليق بالعقلاء المساهمة فيها بتصديقها أو ترديدها – ناهيك عن الكرام والشرفاء إن وُجدِوا! - فالكرامة كلٌّ واحدٌ مطلق، لا يخضع لنسبية آينشتاين، ولا لتأويل رجالات الأديان والطوائف! فهي إحساس طبيعي إما أنه موجود أو أنه غير موجود، ولاشيء بينهما! فإذا اختل توازن الكرامة أو تجزأت، أو تم العبث بأحد أوجهها، اضطرب جوهرها، وتشوه مظهرها، ولم تعد قائمة! وما لم تعد الكرامة إلى وضعها الطبيعي الذي لا يقبل التجزئة ولا يحتمل المخادعة والمساومة، فإن الغضب باسمها أو الدفاع عنها أو البُغض لأجلها- وهي على حالها، كل ذلك يُصبح ضرباً من الجهل الملتبس أو الاستعباد المركب..، كالذي تُهدر كرامته بأيدي قومه وباسم دينه، ثم يُدعى لقتال الخصوم باسم الكرامة أو دفاعاً عنها، فيُلبي النداء مهاناً في ذاته، مطالباً بكرامةٍ لقومه ودينه! - الكرامة تتطلب إمكانية الاستقلال، وهو الأمر غير المتاح للفرد البشري! - بديل الاستقلال هو وجود مجتمع الخيال، وهو كذلك أمر محال! - المعتقدات والأعراف تأمر الإنسان بالمحافظة على كرامة غير موجودة! - وجود الكرامة حلمٌ بشري قديم، وغيابها واقع أليم ونقطة ضعف مشتركة بين بني البشر، ولذلك اتفقوا على افتراض وجودها هرباً من مواجهة حقيقة غيابها! - الإنسان لا يجد نفسه مكرماً، فيحافظ على كرامته أو يهدرها، بل يجد نفسه ذليلاً، ولكن يُقال له إنه مُكرم، فيُصدِّق، ويعمل على إثبات ما صَدَّقه، متجاهلاً حقيقة ذله الذي يرافقه طوال حياته كظله! - الكرامة حلمٌ جميل، وهي أمرٌ ممكن نظرياً؛ ولكن المتاح للإنسان عادة لا يكفيه لبلوغها عملياً! - من أجل الكرامة وباسمها، تحث المعتقدات الإنسان على سلوك السُبُل المغلقة، وتغلق أمامه السُبُل المتاحة! - وفق الأعراف والمعتقدات والنظريات السائدة، فإن كرامة الإنسان لا تكون إلا على حساب كرامة إنسان آخر، لذلك كان من المستحيل تحقيق الكرامة للجميع، وتلك تجزئة للكرامة البشرية، تخالف مبدأ وجود الكرامة! ولذلك يتطاول بعضهم على الحقيقة جهاراً نهاراً، حين يقول إنه سيعمل المستحيل لتحقيق هدفه..، وهو بذلك إما كاذب أو جاهل، لأن المستحيل ليس أمراً نسبياً يمكن تجاوزه أو اختراقه بالإرادة! 

 الكرامة والصداقة في حياة العفويين.. إنه بريء، إنني
 المذنب! فليس هذا هو الصديق، بل كان ذلك تسرّعاً وإخفاقاً مني في معرفة البشر..، فقد أضفت إلى قائمة الصداقة من لا تنطبق عليه شروطها! تلك كانت حُجّته وتبريره لنكسات الصداقة، كلما طالت بهم الطريق، وكشف له أحدهم عن خداعه – إخفاقاً في التمثيل، أو اضطراراً للكشف عن الحقيقة أمام موقف لا يحتمل الخداع! بسيطٌ عفويٌ جادٌّ هو – واهمٌ ربما-، ولكنه كان يبحث عن صديقٍ بشري، بمواصفاتٍ استقاها مبكراً من أهله ومجتمعه ومدرسته، حيث لُقِن في طفولته، وتمت برمجته بأهمية الصداقة وكيف ينبغي للصديق أن يكون في حياة الإنسان ..، فكان هو للآخرين كما أرادوا له أن يكون، ولم يكن غيره كذلك! لم يكن من الممكن ولا من المنطق ولا من اللائق، أن يشك في أُسس وأمانة مجتمعه البشري العاقل، فاتخذ من نصائحهم مرجعاً له ..، وانطلق باحثاً عن أصدقائه بينهم .. لعله من المبالغة والظلم أن يقول كلهم! ولكن بدا له أن كل البشر منافقون بارعون في التمثيل، وكلهم صائدو عواطف وطالبو مصالح! فكلهم يعرفون جيداً ما الذي عليهم فعله أو قوله والظهور به أمام الفريسة للإيقاع بها، .. بشرية كانت الفريسة أم حيوانية .. لا فرق! - تمرد البسيط، فأصبح مُركّباً في طبعه، جريئاً في تساؤلاته، بليغاً فصيحاً دامغاً بحُجّته، ولم يعد بإمكان المجتمع اليوم نصحه أو حتى إطالة الحديث معه! فقد أضحى المجتمع البشري عارياً أمامه، لا يستطيعون ستر عوراتهم! وأصدقهم قيلاً هو ذلك الذي يُقـرُّ بأنه منافق كاذب! بلغت به معرفته بالناس حداً، لم يعد يُجدي معه وجود الأصدقاء في حياته نفعاً! إذ حتى لو عثر على الصديق المأمول، فسيكون عدم وجوده أفضل من وجوده، لأن اليأس أفضل من الأمل الميئوس منه! فما نفع المصباح الوحيد في البلد المظلم، إلا كنفع الدرهم لفقير الزمان والمكان! تساءل صاحبنا مرةً، أمام أشباه الأصدقاء، قائلاً: لماذا الكذب والنفاق في مجتمع الأخلاق! لماذا يضع الإنسان نفسه في منزلة لا ترضاها القرود - تلك الحيوانات الأقرب إليه شبهاً، والتي قَبِل الإنسان من العلم كل شيء عدا نسبة جذوره لها! تلك الحيوانات البريئة التي لو نطقت اليوم لتبرأت من خداع البشر ونفاقهم! فأجابه أبلغهم قولاً، وأفضلهم أخلاقاً، وأقربهم إلى المنطق: نعم نحن منافقون كاذبون، ولا يُمكننا إلا أن نكون كذلك! ونعم نحن نحتقر الكذب والنفاق، والمحصلة أننا نحتقر أنفسنا؛ ولكن هكذا تريد حياتنا وهكذا هو واقعنا! والسبب هو أنه لكي يكون الإنسان صادقاً، فإن ذلك يتطلب منه أن يكون قد صَدَّق أصلاً أنه مُكرَّمٌ! فعندها سيتمسك بكرامته، ويبحث عن الحقيقة، وسيكون مستعداً لدفع الثمن! ولكن، ولأن ثمن الكرامة والحقيقة قد يكون هو الحياة ذاتها؛ لهذا السبب يشك الإنسان في حقيقة كرامته، بل من الناس من هو واثق من عدم وجودها. لكن، لا أحد يجرؤ – أو لا أحد مضطر – للبوح بذلك، لأن كل الناس يتظاهرون بالكرامة، وكل واحد منهم يكذب ويعلم أن الآخر يكذب- بادعائهم للكرامة، وبذلك أصبحت الكرامة هي نقطة الضعف المشتركة بين البشر، وأضحت عنواناً للنفاق ومبرراً للكذب، ولذلك طغى الهزل على الجد .. لأن الجد يعني الصدق، ولأن الصدق يعني التعاسة أو الموت غالباً! - يئس "العفوي" من العثور على صديق من جنس البشر، وكان يقول لمن يسأله عن الصداقة: أن لا تجد صديقاً، خير من أن تجد صديقاً مغشوشاً! وأخذ يُمازح زملاءه طالباً مساعدتهم، بالبحث له عن غول، ليتخذه صديقاً! وكان ينصحهم قائلًا، إذا وجدتَ غولاً، فاتخذه صديقاً! فإن أراد أكلك فلا تقاومه، وفاءً منك للصداقة! وإن أكلك فذلك وفاؤه هو للصداقة! إنه لئن يأكلك صديقك ويجعلك جزءاً من جسده- لا تُفارقه، فذلك أرقى درجات الوفاء للصداقة. إنه لئن يُخفيك صديقك من الوجود في أول لحظة من لقائكما الأول، فلا تُطعن بغدره في حياتك أبداً..، لهو أنبل وأشرف مئات المرات من أن يغدر بك صديق، ثم تراه بعدها!

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ