face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

السبت، 29 ديسمبر 2018

قوانين الطبيعة وجود أزلي وسلوك حتمي!خلق بلا خالق(3).



يبدو أن الطابع الاحتمالي لفيزياء الكوانتم أو ميكانيكا الكم، وما تفرضه تنبؤاتها – بل وحتى نتائجها – من غرابة، مقارنة بالفيزياء الكلاسيكية التي اعتدنا قوانينها، والتي تصف واقعنا المحسوس والمُشاهَد– كما بتنا نفهمه أو نتفق عليه..، من السلوك المُحدد إلى الشكل والحجم والسرعة والمكان والمسافة والكتلة والطاقة..الخ! هذا الطابع الاحتمالي بقوانينه العشوائية، وما يترتب عليه من غرابة، يبدو أنه في الحقيقة يتجاوز العالم التحت ذري، ليحكم واقعنا الفيزيائي البشري المادي العملي الحياتي! فبإسقاط نتائج تجارب وتصورات فيزياء الكوانتم أو ميكانيكا الكم على الواقع المُشاهَد، نلاحظ تشابهًا كبيرًا – يقترب من درجة التطابق-، بين سلوك الموجودات المحسوسة المستقلة في الواقع - الإنسان مثلاً، وبين سلوك الجسيمات – تحت الذرية التي تتألف منها تلك الموجودات- الإلكترونات مثلاً..، حتى كأن العلماء يستعملون الإلكترون لوصف طبيعة وسلوك الإنسان! وربما يكون تفسير ذلك – إذا صحَّ هذا الإسقاط أو التشبيه – هو أن سلوك المادة عبارة عن مجموع سلوك مكوناتها – التحت ذرية، وبذلك فهي تخضع لذات القوانين أو ذات التراكبية – والتراكبية هنا هي المزج بين المتناقضات أو الجمع عمليًا بين مراحل ينبغي أن تكون متعاقبة نظريًا ومنطقيًا! مقارنة بين سلوك الإنسان وسلوك الإلكترون:
 1- أثبتت تجارب فيزياء الكوانتم، أن سلوك الإلكترون تحت المشاهدة، يختلف عن سلوكه عندما لا يكون تحت المشاهدة! ويمكننا أن نلاحظ: أن هذا بالضبط هو سلوك الإنسان، فليس سلوك الإنسان وهو تحت المشاهدة هو ذاته دون مشاهدة! ليس سلوك الإنسان وهو يعلم أنه تحت المراقبة، كسلوكه دون مراقبة! بل أكثر من ذلك، فإن سلوك الإنسان عشوائي ولا إرادي أمام التجارب الحياتية، شأنه شأن الإلكترون..، فليس سلوك الإنسان أمام القاضي هو ذاته أمام الصديق..، والسبب هو وقوع الإنسان تحت تأثير أحاسيس ومشاعر عشوائية لا إرادية، تستمد سلطتها الطاغية من طبيعة الحدث وطبيعة العلاقة مع الطرف الآخر في المعادلة، ومن الاحتمالات المتعددة للنتائج المترتبة على كل سلوك، مما يؤدي إلى نشوء حالة من الارتباك والاضطراب تُهيئ الإنسان للاستعداد لسلوك كل المسارات وكل الخيارات الممكنة! وبالمثل فإن الحالة النفسية اللا إرادية التي تُربك الإنسان وتُحدد سلوكه أمام فرد الأمن، ليست هي ذاتها التي تخلق سلوكه الغرامي أمام المعشوق..، وليس الإنسان هو الذي يُقرر سلوكه واختياراته في الحالتين، بدليل شعوره بالسعادة إذا وُفِّقَ في اختيار السلوك والقرار المناسب – حسب النتيجة، وكثيرًا ما يأتي الأسف مُصاحبًا لنتيجة السلوك والاختيار، وكأن سلوكه واختياراته كانت عشوائية لا تخضع لمنطق أو قانون – حيث لا يؤكد الإنسان صواب اختياره من عدمه إلا بعد ظهور النتائج وفوات الأوان- والحال أنه سلوك عشوائي بالفعل، حيث لا يُقرره الإنسان اختياريًا – بالمفهوم التقليدي للإنسان والاختيار، وإنما تُقرِّره خلايا وذرات تكاد من الصِغر أن تكون عدمًا، وهي التي يتألف من مجموعها كيان الإنسان الظاهر! وكذلك فإن مُحدِّدات سلوك الإنسان العادي، أمام الرئيس (راعي البشر)، ليست هي ذاتها مُحدِّدات سلوكه أمام راعي الغنم، وليس الإنسان – التقليدي – هو الذي يختار تلك المُحددات، بل إن الإنسان عبارة عن شاشة تعرض سلوك مكوناتها! وليس سلوك المريض كالمعافى، ولا سلوك المحتاج كالمقتدر..، إزاء ذات الحدث..، وهكذا!

 2- يتصف الإلكترون بالسلوك المزدوج - جسيم وموجة ..، ويمكننا ملاحظة: أن هذا السلوك المُستغرب لدى الإلكترون، هو في الواقع سلوكٌ بشريٌ عمليٌ موجود وممارس لدى الإنسان – وإن تم تجاهله قبل أن يتم اكتشافه لدى الإلكترون ويتم الإعلان عنه! فرُغم أن الإنسان الفرد، يحتفظ ويفتخر بحالته ومواصفاته الفردية واستقلاله، إلا أنه لا يُنكر ولا يستغني عن انتمائه وسلوكه الجَمَاعي، وهو يستعمل خصائص ومميزات الحالة الفردية (الجسيمية) أو الحالة الجَماعية (الموجية) حسب ما تفرضه الحالة التي يمر بها..، وهذا ما يفعله الإلكترون! فكثيرًا ما يتكلم ويُمارس إنسان فرد، ممارساتٍ تختص بالجماعة (قد تتطلب توقيعات موكلين أو موافقين أو مؤيدين له)..، فهو يسلك سلوكًا جَمَاعيًا – موجيًا! وعندما يقول إنسان فرد: نحن العرب، أو نحن المسلمين، أو نحن المساجين، أو نحن الفقراء والمغلوبين على أمرهم، أو نحن العمال،…الخ، فهو إنما يسلك سلوكًا موجيًا، ليوحي إلى المشاهِد أو المخاطَب أو إلى الخصم، بأن الذي أمامه هي جماعة وليس فردًا! ولعل السلوك الموجي لدى البشر، يوجد ويُمارس كأوضح ما يكون، في المجتمعات الدينية العقائدية، التي تتألف من عجين بشري أو موجات بشرية يتم تحريكها والتأثير فيها عن بُعد، ولا تتألف من أفراد لهم قناعات فردية تُحدد سلوكهم..، حيث إنه في تلك المجتمعات التي تُمثِّل أغلب الكتلة البشرية على الأرض، تكون خُطبة أو فتوى من رَجلي دِين مختلفين، كفيلة بأن تُحرِّك أمواجًا بشرية لتتصادم وتفني بعضها..، ثم تظهر مكانها طائفة أو مذهبًا جديدًا (موجة)، تقوم على أنقاض السابقين ومستفيدة من أخطائهم..، وذلك تمامًا كما تتداخل موجات الإلكترونات والموجات المائية وغيرها
  !
 3- الإلكترون يسلك كل المسارات الممكنة أثناء انتقاله من نقطة إلى أخرى..، وهذا كذلك سلوك بشري معروف، حيث إن الإنسان يدرس كل الاحتمالات الممكنة لتحقيق هدفه، ولا يكتفي بالدراسة النظرية، بل يقوم بتجربة كل الاحتمالات عمليًا – بحسب إمكاناته! وإذا كان الإلكترون يمر عمليًا من خلال كل المسارات الممكنة بين نقطتين، فإنه يقوم بذلك بحسب ما يحمله من طاقة، ولذلك تقول التجارب العلمية بأنه أمكن السيطرة على سلوك الإلكترون بتخفيض طاقته! وهنا يمكننا مقارنة سلوك الإلكترون بسلوك الإنسان الفقير والغني، ففي حين أن الهدف الذي يسعون لأجله واحد وهو جمع أكبر قدر ممكن من المال والمكتسبات، إلا أن الفقير وبسبب محدودية إمكاناته (ضعف طاقته)، فإنه يكتفي – مُرغمًا- بالاستثمار في مشروعٍ واحد – أي سلوك مسار واحد نحو الهدف..، بينما نجد الغني يستثمر في مجالات مختلفة، بل وفي كل المجالات - إن استطاع إلى ذلك سبيلاً! 4- حسب الفيزياء الكمية، ينبغي أن تكون هناك تواريخ متعددة وماضٍ ذو احتمالات متعددة للعالم، وليس ماضٍ واحد ولا تاريخ واحد! وهذه حقيقة مُعاشة تحت رماد الواقع البشري، قبل أن تتنبأ بها وتصوغها وتُثبتها وتُصرِّح بها فيزياء الكوانتم! فالإنسان في تصرفاته لا ينطلق فقط من خبرته في التجارب التي خاضها عمليًا، بل إنه يستحضر ويستفيد من كل الاحتمالات التي كان من الممكن حدوثها في تجاربه الماضية! فالإنسان يرسم ويصطحب نماذجَ لكل المَشاهِد التي يمر بها، ويدون كل الاحتمالات الممكنة لتصرفاته حيالها والنتائج المتوقعة لها..، وإن تدوين ذاكرة الإنسان لاختياره إزاء حدثٍ ما - في الماضي، والنتائج العملية التي ترتبت على ذلك الاختيار في تلك اللحظة..، لا يختلف عن تدوين ذاكرة الإنسان لكل سلوك كان ممكنًا – لكن تم استبعاده، أي لم يقع عليه الاختيار حينها- حيال ذلك الحدث وكل النتائج المحتملة..، أقول لا يختلف الأمران، سوى أن السلوك الذي وقع عليه الاختيار والنتائج العملية التي ترتبت عليه، يتم تدوينها لدى كثيرين غير الإنسان صاحب التجربة – حيث إنها علنية مكشوفة، بينما يقتصر على من خاض التجربة واللصيقون به فقط تدوين كل سلوك كان ممكنًا وتم استبعاده والنتائج المحتملة له! 5- تقول فيزياء الكم، إن الإلكترون يتواجد في أكثر من مكان في الوقت ذاته..، ولم يعد هذا أمرًا مستحيلاً ولا غريبًا على الإنسان، فهو اليوم يستخدم خصائص الإلكترون للظهور في أكثر من مكان في ذات الوقت. فظهور الإنسان على شاشات العديد من الفضائيات في الوقت ذاته، هو تواجد متزامن في أكثر من مكان..، ولعل استخدام تقنية الهولوغرام في الاتصالات أثناء البث التلفزيوني، ستجعل وجود الإنسان المتزامن في أكثر من مكان وبشكل ثلاثي الأبعاد، أشبه بالواقع منها بالتصوير، وأقرب إلى التطابق مع سلوك الإلكترون وتواجده المتزامن في أكثر من مكان! ( ما يُسمَّى بالهولو غرام أو التصوير المجسم، هو تصوير ثلاثي الأبعاد للأشياء، تُستخدم موجات ضوء ليزري لإنتاجه وتفعيله، وقد تستخدم هذه التقنية قريبًا في محطات التلفزة، بحيث يظهر الشخص المشارك عن بعد، في الاستوديو- كما لو كان متواجدًا بالفعل)! كذلك يتم تواجد الإنسان المتزامن في أكثر من مكان، باعتبار تأثيره في الآخرين وشعورهم بتواجده، ويكون ذلك بالشعر والرسم والموسيقى والإنجازات والجرائم وغيرها.. كما أن الإنسان بواسطة المرايا قد أحدث تواجدًا متعددًا في المكان موحدًا في الزمان! كذلك يتواجد الإنسان بعيونه وجواسيسه وأفكاره في، أكثر من مكان في ذات الزمان! 

كيف يصدر السلوك العشوائي واللا إرادي عن كائن عاقل؟ المنطق هو استعمال العقل لمواءمة الواقع مع العشوائيات الطبيعية! وليست العقلانية نقيض العشوائية، بل هي أحد مستوياتها المتعددة! إن العشوائية لا تعني الخطأ بالضرورة، كما أن العقلانية لا تعني الصواب دائمًا! لا يوجد في الواقع مُحدِّداتٌ وحواجز تفصل الصواب عن الخطأ! كل أمرٍ توافرت مبررات فعله أصبح صوابًا وإن لم يتحقق على الواقع! وكل أمرٍ غابت مبررات فعله عُدَّ خطأً وإن كان بالأمس صوابًا! وكل أمرٍ توافرت إمكانيات حدوثه صار جزءًا من الواقع! لعلنا نفهم العشوائية انطلاقًا من مفهوم خاطئ للعقلانية! أغلب البشر يتحدثون عن العقل باعتبار وجود سقف معين وحد أدنى من العقلانية يُمثِّل قاسمًا مشتركًا بين كل العُقلاء! وبهذا المعنى، فهم يفترضون أن الإنسان إما عاقلاً وإما مجنونًا! وهم بذلك يتجاهلون حقيقة اختلاف العُقلاء عند مختلف المستويات المفترضة للعقل وتحت السقف المفترض للعقلانية..، وليس ذلك سوى ضربٌ من العشوائية التي يرفضها العُقلاء! فإذا كان "س" من الناس عاجزًا عن إقناع "ص" منهم، بأمرٍ يراه "س" مفهومًا وصائبًا وعقلانيًا، وهما كلاهما يعملان في ذات المستوى العقلي المُحدد بالسقف الافتراضي..، فإنه لا معنى لذلك سوى بُطلان فرضية الحد الأدنى من العقل البشري المشترك، وإثبات لحقيقة العشوائية التي تُبطِّن العقلانية البشرية! لعله آن الأوان لكي يضع العُقلاء تصورًا جديدًا لمفهوم العقل والعقلانية، بديلاً لنظريات السقف والحد الأدنى والقاسم المشترك..، لعلهم سيفترضون أن الإنسان يحمل عددًا من الخلايا المسئولة عن التفكير وتحديد القناعات والسلوك! وأنه بقدر العدد المُفعَّل من تلك الخلايا، وبحسب نوع التفعيل، تتحدد العقلانية وتختلف من إنسان لآخر! بحيث يكون الجنون هو الحالة التي تكون عندها كل الخلايا مُعطَّلة! ويكون الفارق في الذكاء دلالة على الفرق في عدد الخلايا المُفعَّلة! ولعل التلقين والاعتقاد والخوف، تكون من بين وسائل التفعيل والتعطيل لتلك الخلايا! إن الاعتقاد هو عبارة عن حالة انفعال مستمرة! فإذا كان الانفعال اللحظي، يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة عمدًا، بما يُخالف القناعات والمبادئ الاختيارية، فلا شك أن الانفعال المستمر (الاعتقاد) يؤدي بدوره إلى اتخاذ مواقف لا عقلانية وبشكلٍ مستمر! وبذلك ينشأ الاختلاف اللا إرادي، وتختلف القناعات والمواقف بين العُقلاء حول الأمر الواحد، وهي السلوكيات غير المفهومة في ظل نظرية السقف العقلي والعقل البشري المشترك، فيتم تفسير الاختلاف اللا إرادي على أنه مكابرة وعناد وعداء عقلي متعمد، بما يستوجب مواجهته ماديًا – أي تصفية المختلف جسديًا!

الزمن.. لعل الزمن لا يكفي والمكان لا يتسع، لظهور حقيقةٍ لا تأبه بمخاوف الخائفين، ولا تعبأ بعواطف الضعفاء والحالمين، وتفضح الكاذبين والطامعين، وتصدم الواهمين! الزمن التقليدي: إننا نقول بعفوية، بأن الأحداث تتوالى والحضارات تتغير والحياة تتطور عبر الزمن! إننا نكتشف الجديد عبر الزمان لا خلال المكان! كأن المقصود بالزمان هو الاختلافات الكامنة في الإنسان، والتي تتبدى وتتطور عبر الأجيال! حتى أن الزمن ليبدو في مخيلتنا كوعاءٍ أزليٍّ، يضم أعدادًا لا نهائية من حقائق وغرائب متجددة..، يعرض وعاء الزمن مخزونه في معرضٍ متحركٍ، أمام زوارٍ يتبادلون مقاعد الجلوس، لا يُغادر أحدهم مكانه إلا إلى خارج المعرض، ولمرة واحدة! من الزوار من يترك ملاحظاتٍ على مقعده، فيستفيد منها ويبني عليها الذي يأتي بعده، فلا ينطلق من الصفر في فهم وإدراك المعروضات..، ومن الزوار من يخرج من المعرض كما دخله، لا يفقه شيئًا مما يدور ويُعرض أمامه، فيكتفي بالحد الأدنى مما يستوجبه دخول أي زائرٍ لأي معرض! ومنهم من لا يستطيع متابعة المُشاهدة، نظرًا لفرط التناقض بين ما يُقال وما يُعرضُ، فيُقرر لحظة خروجه من معرض الزمن مختارًا! الزمن الحقيقي: ليس للزمن وجود فيزيائي – طبيعي – مستقل، وليس الزمن صفة من صفات الأشياء الفيزيائية.. لعله، وربما إنه، لا وجود للزمن خارج عقل الإنسان! إن عنصر الزمن هو افتراض بشري ومتغير حسابي، لا وجود له في الواقع! إنه لا يوجد منبع قابل للنضوب، يتدفق منه شيء اسمه الزمن! إن كل ما هُنالك هي أحداث وتفاعلات ونتائج، تظهر كلما التقت مكوناتها وتوافرت شروطها، ثم إنها تنضج لتندثر لتستمر الدورة، وتختفي لتظهر بدائلها! ويبقى المؤكد هو أننا بحاجة مستمرة لإعادة النظر في كل شيء! ويظل الأصعب هو إدراك حدود البساطة الطبيعية لكل شيء، والأهم هو عدم تجاوزها!

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ