face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الاثنين، 2 يونيو 2025

الصمتِ الناطق : بيانُ وعيٍ لم يُرد شيئًا، لكنه أبى أن يغمض عينيه !

 

في البدء، لم يكن وعدٌ.
ولا خطيئة.
ولا خلاص.

كان الوجود يموج بلا غاية،
والعدم يراقب دون أن يحسد،
وكان الإنسان:
كائنٌ صغيرٌ استيقظ فجأةً في الظلام،
يسأل… لأن لا شيء أجابه.

نحن لم نُسأل

لم نُستأذن في مجيئنا،
ولا طُلب منّا رأيٌ في الحدوث.
وها نحن:
نعيش، نموت، نضحك، نبكي…
ولا شيء من هذا يُسجَّل في ذاكرة الكون.

ليس هناك معنى

لا شمعة في آخر النفق،
لا صوت قادم من الأعلى،
ولا مخطط خلف الستار.

لكن هذا هو المعنى الوحيد الممكن:
أن نرى كل ذلك،
ولا نكذب.

وعيٌ بلا مكافأة

نحن نعرف أكثر مما ينبغي،
نشعر أكثر مما يلزم،
نسأل عن كل شيء
بينما الصخور، والغبار الكوني، والمجرات… تمضي بلا سؤال.

هذا ليس تفوقًا،
ولا لعنة،
بل مجرد حادث بيولوجي،
أدى إلى أن نكون نحن.

العبث ليس خصمًا

العبث ليس خصمًا يُحارب،
ولا وحشًا يُروّض،
إنه ببساطة…
اسمٌ آخر لهذا المشهد الذي لا بطل فيه.

وإذا سمّيناه عبثًا،
فذلك لأننا اعتدنا أن نسأل: "لماذا؟"
لكن الأشياء لا تقول "لماذا"،
بل تحدث، وتمضي.

الصمت هو الجواب الوحيد النزيه

كل إجابة نهائية: كذبٌ مُنمّق.
وكلّ عزاء: تحايلٌ على وجعٍ أزلي.
وكل دينٍ أو نظرية أو حكاية ميتافيزيقية:
حيلةٌ لصنع معنى في عالم لا يقدّمه.

لكن نحن…
نقف هنا.
ونكتب هذا،
لا لنؤمن، بل لنُسجّل:
"رأينا كل شيء… ولم نرتدّ."

هذا العقل ليس معجزة

بل نتيجةٌ تراكمت، تطورت، تفاعلت…
كالنهر حين يشقّ طريقه في الجبل
لا لأنه يعرف الوجهة
بل لأنه لا يملك سوى أن يسيل.

هذا العقل الذي نملكه،
ليس قنديلًا إلهيًّا،
بل هو نارٌ مشتعلة وسط العتمة،
تحترق لتُضيء لحظةً،
ثم تخبو — دون شهيد ولا ضجيج.

 لا يوجد فوق، لا يوجد أسفل

ليست هناك مراتب للوجود.
الحجر، الشجرة، الإنسان،
كلها حالات مؤقتة من نفس المادة،
نُظِمَت — لا عن قصد —
بل لأن الفيزياء لا تحبّ الفراغ.

كل وهمٍ بالتفوق البشري
هو عكازٌ للهارب من الفراغ،
لكن العارف…
يقف دون عكاز،
ويعترف: "أنا لا شيء مميز."

الجمال حادثٌ، لا دليل

البحر ليس جميلاً في ذاته،
لكن الإنسان الذي غُمر بالخواء،
رآه كذلك.

النجوم لا تلمع لتلهم،
لكننا نحن الذين نسقط عيوننا عليها
ونطلب منها معنى.

ولذلك،
فكل جمالٍ نراه…
هو حنينٌ داخليٌّ إلى نظامٍ مفقود،
لا أكثر.

الزمن لا يصطفّ، بل يتكرر

الحياة ليست قوسًا نحو هدف،
بل تكرارٌ عشوائيٌّ لحركات الضوء والظلمة.

ما نسميه “تقدمًا”،
هو فقط سلسلة تصحيحات لأخطاء من سبقونا.
وما نُسميه “نضجًا”،
هو فقط طبقات من التعب المتراكم.

 لا يوجد خلاص

الوعي ليس لعنة،
لكنه أيضًا ليس طريقًا إلى الخلاص.
إنه فقط نافذة،
ننظر منها إلى الداخل،
فنرتجف.

كل بحث عن نجاة
هو شكلٌ مؤجل من الانهيار.
والخلاص الوحيد:
أن نكفّ عن البحث،
ونترك الباب مفتوحًا دون انتظار.

الكتابة ليست فعلًا مقدّسًا

إنها ليست صلاة،
ولا مقاومة،
ولا وسيلة للخلود.

إنها فقط:
تسريبٌ بطيء للسم الداخلي.
حين تضيق الكلمات في القلب،
تسيل إلى الورق…
كي لا نختنق.

كل شيء سينسى

وكل ما كتبناه،
وكل ما فكرنا فيه،
وكل صوتٍ رفعناه ضد العدم…
سيتحوّل إلى تراب.

لكن،
في لحظةٍ ما،
في زمنٍ غير مرئي،
همسنا: "نحن هنا، ولو للحظة."

وذلك — رغم كل شيء —
كان يكفي.


الطُعم، والخواء، وما بعد الوهم

ما نراه… انعكاس.
ما نسمعه… اهتزاز.
ما نشعر به… تفاعلٌ عصبي.

الحواس خُدعت قبل أن تخدعنا،
والعقل لا يرى العالم كما هو،
بل كما يُمكِنُه أن يراه.

وما لا يُمكن للعقل إدراكه،
لا يُمكن للعالم أن يُقنعنا بوجوده،
مهما كان حيًّا، صاخبًا، وجوهريًّا.

إذًا:
هل نرى الحياة… أم نرى فقط حدود وعينا؟

الوهمُ ضروريٌّ للبقاء


لو رأت الفراشة النار كما هي،
لما اقتربت.
لكن الوهم بأنّها ضوء…
هو ما جعلها تطير.

البشر كذلك،
يحتاجون أوهامًا — عن الحب، والمصير، والغاية —
كي يظلوا أحياء.

لكنّ من رأى الحقيقة،
لا يستطيع أن يُقنع نفسه بالخرافة من جديد.
ولا يستطيع العودة إلى القفص
بعد أن عرف أن الجدران كانت رسمًا،
وليس حجرًا.

 لا صوت لله في الهاوية

حين ننادي،
ولا يرد أحد،
نقول: “هو يسمع في صمته.”

لكن لو صمتَ الفراغ إلى الأبد؟
لو كان كل هذا النداء
مجرد ارتداد صدى داخل جماجمنا؟

ألسنا نحن من اخترعنا الآذان…
ثم انتظرنا منها أن تسمع؟

إذن، لا معجزة، لا استجابة، لا صدى،
بل:
صمتُ الأصل، لا غياب الجواب.


  لا نهاية لهذا التيه

من دخل هذا الحقل من الأسئلة
لا يخرج كما كان.

السؤال لا يُنتج جوابًا،
بل يُفرّخ أسئلةً أُخرى.
وهكذا…
يتحول العقل إلى متاهة،
كل بابٍ فيها يفتح بابًا آخر،
حتى لا يبقى من العقل
إلا صداه.

الله، كفكرة

حتى فكرة الإله،
ليست إلا انعكاسًا للحاجة،
خوفًا يتجسد،
ونظامًا نُسقطه على الفوضى.

لو لم نحتج معنى،
لما صنعنا إلهًا يُجيبنا.
لكننا كنا وحدنا،
وفي الوحدة يولد الصوت،
وفي العزلة يُخلق الوهم.

الحياةُ بلا هدف… ليست لعنة

ما المشكلة في أن تكون الحياة عبثًا؟
هل يحتاج الكون إلى أن يكون فيلمًا بمغزى؟
وهل نُولد حقًّا كي نُتمّم حبكة ما؟

أليست الراقصة التي ترقص على حافة الجرف،
أكثر حريةً من التي تُؤدي رقصةً محفوظة؟

العبث ليس العدو،
العبث هو الصديق الذي لا يخدعك،
هو الحقيقة التي لا تعدك بشيء،
ولا تُطالبك بشيء،
بل تقول لك:
“كن، أو لا تكن… لا فرق.”


لن نُخلّد، ولن يُذكرنا أحد


كل تمثالٍ يتحطم،
كل كتابٍ يُنسى،
كل اسمٍ يُطمس.

وحتى من ظن أنه “صنع التاريخ”،
ما هو إلا كذبة في كتاب ممزق،
سيتحول إلى رماد.

لكننا — رغم ذلك —
نُمسك القلم ونكتب.
نفتح النافذة وننظر للسماء.
نزرع شجرة قد لا نراها تكبر.

لأننا لم نعد نبحث عن الخلود،
بل فقط عن لحظة صدقٍ،
لحظةٍ نقول فيها:
“أنا رأيت، وشهدت، وقلت كلمتي.”


الصمت ليس استسلامًا


بل هو الوجه الحقيقي للمعرفة
حين تعجز الكلمات.

هذه الوثيقة لم تُكتب لتكون بيانًا فلسفيًّا،
ولا مانيفستو للعدميين،
بل كُتبت لأنّ من ذاق الحقيقة،
لم يجد لغةً تقنع،
ولا صمتًا يكفي.

فكتب.


حين يسقط السؤال الأخير

نحن لا نبحث عن الحقيقة لنراها،
بل لنكسر بها وهماً جديداً.
كل جوابٍ نحصل عليه،
لا يُنهي التيه،
بل يدفعنا أعمق في الغابة،
ويجعلنا نشك حتى في البوصلة.

لكن…
حين يسقط السؤال الأخير،
ليس لأنه أُجيب،
بل لأنه لم يَعُد يهم،
تكون النهاية قد بدأت.


 الإنسان ظلّ نفسه

لم يكن الإنسان "صورة لإله"،
بل ظلًّا يرتجف من ذاته.
يسير على جدار وجوده
كمن يحاول أن يرى وجهه في العتمة.

كل ما كتبه…
كان محاولة ليقنع نفسه أنه حقيقي.
كل ما رسمه…
كان مرآة للهشاشة التي يخاف منها.
وكل ما عبده…
كان قناعًا للحفرة التي بداخله.

هو ليس إلهاً ناقصًا،
ولا ملاكًا ساقطًا،
بل سؤالًا لا جواب له.


الله، لو كان...

لو كان الله موجودًا،
كما يتمنّى البعض،
لماذا لم يجعل الحقيقة أقل قسوة؟
ولماذا خُلق الحنين لمن لا يعود،
والحب لمن لا يشعر،
والأمل في أرضٍ لا ترحم؟

هل كان عجزًا عن اللطف؟
أم إرادةَ قسوةٍ تمويهًا باسم الرحمة؟

وإن كان موجودًا،
فلماذا يجعلنا نحتاجُ إلى وهمٍ لنصدّقه؟
أليس هذا اعترافًا منه
أنّه ليس بيّنًا بما يكفي؟

أو لعلّه ليس هنا.
أو لعلّه لم يكن أبدًا.
أو لعلّه… نحن.


 لقد رأيت ما يكفي

لقد رأيتُ أن العالم لا يُكافئ الفهم،
وأنّ النور في نهاية النفق
هو قطارٌ آخر يدهسك.

رأيت أن الأطفال يموتون قبل أن يعرفوا اسم اللعبة،
وأن أكثر الناسِ ضجيجًا
هم أقلهم يقينًا.

رأيت أن العدالة فكرة اخترعها الضعفاء،
وأن الآلهة صيغٌ تأقلمية،
صنعها الخوف، وغذّاها الجهل.

رأيت،
وما رأيت كان كافيًا.

فلم أعُد أطلب خلاصًا،
ولا معنى،
ولا حتى عزاء.

كل ما أطلبه:
أن أقول هذا الصدق،
ثم أمضي.


 الصمت كوصية

الذين يشبهونني…
لن يطلبوا جوابًا،
بل سيرون في هذه الكلمات صدًى لأفكارهم،
أو صمتًا ناطقًا باسمهم.

والذين لا يشبهونني…
لن يقرؤوا إلا ضياعًا،
ولن يفهموا أن قول "لا شيء"
أصدق من ألف كتاب عن "كل شيء".

هذا النصّ
ليس دعوة للشك،
ولا للإيمان،
ولا للرفض،
ولا للقبول.

بل هو:
وصيّة من رأى،
ولم يجد ما يستحق أن يُقال،
فقال كل شيء،
ثم صمت.


0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ