face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 22 يونيو 2017

المكوّن المعرفي - هل هناك وعي وراء التطوّر ؟






المُستخدم العاديّ للإنترنت و خاصةَ مُحرّك البحث " جوجل - Google " قد يُلاحظْ وجود قِسمين في صفحة عرض النّتائج عند قيامهِ بالبحثِ عن أيّ شيء , القُسم ُالأوّل وهو للإعلاناتِ المدفوعة , أمّا القِسمُ الآخر فهو مجّاني يَعرِض محتوي المواقع الموجودة علي " الشّبكة - Web " , ولكي يُعرَضْ إعلانك في القِسمِ الأوّل المَدفوع يجب عليكَ التّسجيل في "جوجل ادوردز-Google AdWords" -  وهو أهمّ مُنتجات جوجل الإعلانيّة , فهو مصمّم لإشهار و جذب الزّبائن للمواقع الإلكترونيّة , ولا تقوم بالدّفع إلا عند ضغط المستخدمين علي إعلانك أو ما يُعرف بـ " الدّفع مقابل النّقرة - Pay Per Click " ,  قد يسأل سائل و ما علاقة تلك المقدمة بأيّ شيء ؟ فقط تابعي .
إنّ مبدأ عمل "جوجل ادوردز " هو أن يَقوم المُعلنِ بإختيار بعض الكلِمات المُفتاحيّة وهي الكلمات الّتي يبحثون عنها المُستخدمون في محرّك البحث جوجل ومن ثمّ يحصلون علي النّتائجِ , يعتمد المُعلِن إعلانه بعدها , فيُظهر مُحرّك البحث هذا الإعلان للمستخدمين الذين يبحثون عن نفس الكلماتِ المُفتاحيّة التي سبق وحدّدها المُعلن , دور المُعلن هو مراقبة الإعلان, تختفي مُعظم الإعلانات للأبد بعد أن قام مُحرّك البحث بعرضها لبضعة آلاف مُستخدم , فالأمر ليس بالهيّن , فنسبة بسيطةِ جداً من المُعلنين يحصولون علي نصيب الأسد في ظهور إعلاناتهم , فيجب علي المُعلنِ اختيار الكلماتِ المفتاحيّة بدّقة وعناية , فمثلاً إذا كان نشاط المُعلن متجر زهور , واستخدم كلمات مُفتاحيّة مثل " زهور للبيعِ " فلن يصمد إعلانهِ مقابل مُعلنِ آخر يَستخدم " شراء زهور " .
ما قد لا تدركه هو أنّ آليّة عمل ادوردز هي مُحاكاة للتطوّر , فالمُعلن يعيد صياغة الكلماتِ المُفتاحيّة , و يقوم محرّك البحث بعرضها في النّتائج , المُستخدم ينتقي بعض الإعلانات , الإعلان الفائز يتحرّك إلى أعلى و يتمّ إهمال الإعلان الخاسر , وهكذا يَعيد المُعلن صياغة نصّ الإعلان عن طريقِ عملائهِ , فإذا كانت الصّياغة جيّدة تبقى في الجزء العلويّ من الذّاكرة المؤقّتة للنّتائج  . 


فما يحدث هو أنّ السّوق يقوم بالتّصويت لصالح أو ضد إعلانك وبناءَ على ذلك تقوم بإعادة صياغة الإعلان . ولكن في نهاية الأمر السّوق لا يضيف شيء , هو فقط يقتل الخاسرين , وقياساً على ذلك فإنّ؛  مُحرّك البحث هو الطبيعة , والإعلانات هى الكائنات الحيّة , و المُعلنِ هو الإنتخاب الطبيعيّ , ولو استوعبتَ تلك المُقدّمة جيّداً لألحّ عليكَ هنا سؤالاً يُعدّ صُلب الموضوع , من أين يأتي الإدخال الإبداعيّ -أي الصّيغة الجيّدة -؟ في إعلانات جوجل تأتي من المُعلنِ بناءَ علي تفاعل السوق. لكنّ عند النّظر إلي الكائنات ماهو الذي يحّل مكانهِ  أو بصيغة أخرى كيف يحدث ذلك دون تدّخل واعِ أو ادراك  , للإجابة علي هذا السّؤال يجب أن نعرف ماهو التطوّر وماهي آليّات عمله .




ماهو التطوّر ؟ 

التطوّر البيولوجيّ، ببساطة، هو نسبُ-إنحدار- مع تعديل . فهو العمليّة البيولوجيّة التي من خلالها تحدث التغيّرات الجينيّة من جيلِ إلى جيل , و ظهور الأنواع المُختلفة من سلفِ مشترك على مدي أجيال عديدة ,فهو ليس مجرّد مسألة تغييرِ مع مرور الوقت. الكثير من الأشياء تتغير مع مرور الوقت,  فالأشجار تفقد أوراقها ، لكنّه ليس مثالاًعلى التطور البيولوجيّ لأنّه لا ينطوي علي النّسب من خلالِ الميراث الجينيّ, والفكرة المركزيّة للتطوّر البيولوجيّ هي أن كل الحياة على الأرض تشترك في سلفِ مشتركِ، تماماً كما تشترك أنتَ وأبناء عمومتكَ مع جدّك المُشترك, من خلالِ عمليّة النّسب مع التّعديل، الجّد المشترك للحياةِ على الأرض أدى إلى التّنوع الرّائع الذي نراه موثّقاً في السّجل الأحفوريّ, فالتطور يعني أنّنا جميعا أبناء عموم بعيدين,البّشر وأشجار البلوط والحيتان .. إلخ.

آليّات التّغيير .


"التّباين الوراثّي - Genetic Variation " وهو من الأمور الأساسيّة التي يُمكن أن يحدثُ من خلالهِا العمليّة الانتقائيّة لكي يعمل التطوّر, وآليّات عمل التطوّر الرئيسيّة هي : 


  • طفره -Mutation تغيير في تسلسل الحمض النوويّ , ويحدث بسبب أخطاء في نسخهِ أو اصلاحهِ , تعرّض الكائن الحيّ للإشعاع , الطّفرات هي مصدر التّباين الوراثيّ , 
  • الانسياب الجيني - gene flow ويُسمى أيضا "الهجرة -Migration"  أي تحرك من الأفراد ينتج عنه تبادل الجينات الذي يتم من خلال التجمّعات الأحيائيّة أو الأنواع  .
  • الانحراف الوراثي - genetic drift  تغيّر فى نسبة تكرار الأليلات نتيجة توريث عيّنات من الأليل دون غيرها .
  • الإنتخاب الطبيعيّ - Natural selection عمليّة تحديد أي من السّمات تصلح أو لا تصلح للبقاء وفق معيار النّظام البيئيّ " الطبيعة " .




إذاً كيف يعمل هذاالنّظام دون تدّخل واعِ ؟ حسناً التغيّرات البيئيّة تضيف ضغطاً علي الأنواع متمثلاً في صراع على البقاء , سواء كان شُحّ الموارد الغذائيّة أو افتراس الأنواع لبعضها , هذه العوامل تؤثّرعلي بعضها البعض , وتتفاعل بدون وعي أو أدراك , لأنّه بنهاية الأمر ليس هناك " شكل معيّن أو نموذج محدّد يسعى التطوّر إلى تصميمه , الطّفرات الّتي تحدث عشوائيّاً جنباً إلى جنب مع بقيّة الآليّات  توفّر المواد الخام من أجل التغييروقياساً على اعلانات جوجل , فتلك المواد الخام تكون بمثابة إعادة صياغة الكلمات المُفتاحيّة , إعادة الصّياغة تلك تزيد من خلالها تكاثر الكائن الأكثر تكيّفاًُ مع بيئتهِ  والأكثر استفادةَ من التغييرات العشوائيّة التي قدّمتها الآليّات هى ما يُسمّي الإنتخاب الطبيعي , فالحقيقة أنّ الطبيعة غير واعية ولا تمتلك فكراً ولا تصوراً ولا نموذجاً لم سيكون عليه الكائن , بل يتصوّر البعض أنّ هناك من يختار بوعي و إدارك من يبقى , ولكنّ ما يحدث ليس أكثر من لعبةِ احتماليّة ليس فيها تفضيلِ لأشكالِ معينّة، ولا وجود لقانوناً ينصّ على أنّ التطور يجب أن يَتحرك نحو مزيد من التّعقيدِ ، ولكنّه يتحرّك دائماً نحو المزيد من النّجاح التّناسلي، باستثناء المجموعات الصّغيرة الّتي يكون فيها الإنجراف الوراثيّ العشوائيّ إحتماليّاً وليتّضح الأمر أكثر لنأخذ هذا المثال :
قم بتصميم متاهة معقّدة ثمّ ضع فيها مجموعة من الفئرانِ ضع لهم المزيد من التّحديّات كوجود حيواناتِ مفترسة لهم  , على أن يوجد بنهاية المتاهة طعامهم , الفئران التّي تخرج من المتاهة تعيش لتتكاثر ثمّ  يتمّ  تمرير جيناتهم من جيلِ إلى جيل ,على أنْ يظلّ اختبار المتاهة قائماً  ,بعد ألف جيلِ , و إذا ما وجدتَ- بنهاية الأمر- فئراناً أكثر ذكاءً قادرةَ على التّنقل في المتاهةِ بسهولة  وتمّ تغيير هيكليّ لهم وظهرت سمات جديدة , فهل المتاهة تنتقي الفئران ؟  هل تعرف المتاهة ما الذي تختاره ؟ 
حسناً لنأخذ مثال آخر أكثر واقعيّة , لنفترض أنّ هناك مجموعة من العث - Moth ذو اللون البنيّ في غابة مُظلمةِ , و من خلالِ الطّفرات العشوائيّة وبقيّة الآليّات السّابقة ، شَحب اللّون البنيّ لنصف هذه المجموعة  , أصبح لدينا الآن نصف العث لونه بنيّ داكن , والنصف الآخر بنيُّ شاحب , (للبساطة، نفترض أن هذه هي الطّفرة الوحيدة في هذا المثال ولا يحدث طفرات جسديّة أخرى),  وإذا كانت الأشجار في الغابة لونها بنيّ داكن  ,  فمن الطبيعيّ أنّه سيسهل على الحيوانات المفترسة رؤية العث الشّاحب لونه على شجرةِ مظلمةِ. و يُصبح هدفاً سهلاً  , في حين أنّ الأكثر قتامةً سيواصل تمرير جيناتهِ ويعيش دونَ تهديدِ , بنهاية الأمر يختفي العث شاحب اللون , وسيبقى -فقط- العث الأكثر قتامةَ ,هل هذا الأمر يحتاج إلى تدّخل قوّة واعية لـ "تعرف" ما هى السّمة الأكثر ملاءمةَ ؟ 
التّصوّر الخاطئ جنباً إلى جنبِ مع اللغة البشريّة يشكلان مفهوم خاطئ , الإنتخاب الطبيعي لا يعي ما الذي يختاره أو يُفضّله , التطوّر ليس عمليّة واعية , ولا يتدّخل فيها الوعي . 
 عندما نلاحظ سلوكيّات الحيوانات نجد نوعين مختلفين من السلوكيّات, النّوع الأول وهو أنّ كل نوع معيّن من الأنواع يكون قادراً على أداء سلوكِ معيّن دون الحاجة إلى تجربة أو أداءها من قبل كـ "نسيج العنكبوت" سلوك غريزيّ , النّوع الآخر من السلوك يتأثّر بالتّجارب الخاصّة بالحيوان ونجد اختلافاتِ مُذهلة بين الأفراد من نفس النّوع ما تفعله "حيوانات السّرك " سلوك مُكتسب , إنّ السلوك الغريزيّ  وبقدر ما هو سلوكُ محدّد وراثيّا أو يعتمد على الجينات، إلا أنّه يخضع لآليّات التطوّرو الإنتخاب الطبيعيّ , فسلوك الكائنات الغريزي  بإختلاف أنواعها يُمكن تلخيصها في الاغتذاء, بناء المسكن
الهروب من الأعداء, العدوان على الآخرين, التزاوج,الرّعاية, ومقاومة التغيرات البيئيّة.
من خلال هذه السلوكيّات يمكننا أن نرى كيف يعزّز السّلوك البقاء على قيد الحياة , فصغار الطّيور يقومون بفتح أفواههم للغذاء عندما تعود الأم إلى العشّ , وراثة هذا السّلوك يؤدّي إلى الحصول على تغذية أكثر و بالتّالي البقاء أطول , ذكور"عصفور الزيبرا- Zebra finch " يتعلّم الغناء بعد ولادتهِم , ويستخدمونها للحصول على شريكة , أكثر من الذين لم يتعلّموا و بالتّالي الإنتخاب الطبيعي يمكن أن يعمل حتى عندما لا يتمّ توريث السّلوك نفسه  , فالعصفور لا يرث أغنيّتة , بل يجب عليه أن يتعلّم  , ولكن قدرته و الميل إلى التعلّم يتمّ تحديدها وراثيّاً بحيث أنّها تكون عرضة للإنتخاب الطبيعي.




إنّ السلوكيّات الغريزيّة تنشأ من خلال تفاعل جينات الحيوان مع الظروف البيئيّة وأنّ أي تغيير في الجّينات أو الظروف البيئيّة يمكن أن يؤدّي إلى تغيير في هذا السّلوك الغريزيّ , اختبار الفئران حول إحتماليّة تغيير سلوكها الغريزيّ أمر يسهل تطبيقه , عادة ما تقوم الأم ببناء عشّ قبل أن تلد , ثمّ تنظيف فراء مولودها ,ولكنّ التجارب تُثبت أنّ الأم الحامل لن تقم ببناء عشّ رغم توافر مواد التعشيش , في حالة ما إذا تمّ تربيتها في قفص خالي , أيضاً لن تقم بتنظيف فرو مولودها إذا تمّ تربيتها و وجود طوق يمنعها من لعق نفسها .  وبالإضافة إلى ذلك، بسبب طول الفترة الزمنيّة للتطوّر من أجل تشكيل السلوكيّات الغريزيّة ,  مثلاً العث , الذي كان يستخدم ضوء القمر و النّجوم كمصدر وحيد للضوء  خلال تنقلاتهم سابقاً , لا يزال يتكيّف مع مصادر الضوء الجديدة " المصابيح الكهربائيّة "  فظهور مصادر لا تعد ولا تحصى للإضاءة الاصطناعيّة في المناطق التي يسكنها البشريقوم العث بقضاء اللّيل يُحلق في دوائرحول المصابيح الكهربائية.




الخُلاصة ؛ إنّ التّطوّر منحَ الكائنات واجهة وهميّة عبر حيلِ بسيطة ,تُخفي الواقع و تقود تصرفها المُتكيّف إلى البقاء ليس إلا , ولنأخذ مثالاً الخنفساء اللمّاعة الاسترالية - the Australian jewel beetle , لمّاعة مُبطّطة لونها بنيّ يسّر النّاظرين , الأنثى لا تطير , الذّكر يطير باحثاً عن أنثى جاهزة وعندما يجد واحدة يهبط و يتزاوجان , إنّه سلوك غريزيّ , نجح من خلالهِ الذكور في إيجاد الإناث لآلاف أو ربما لملايين السنين , ولكنّ ماحدث هو وجود قنانيّ بيرة لمّاعة و مبطّطة , ولونها بني يحرك عواطف هذا النوع من الخنافس فتهجم جموع الذكور على القناني تحاول التزاوج فاقدة الإهتمام بالأناثِ الحقيقيّة, لقد فضّل القنّينة على الأنثى, التطور منحهم تلميحاً بأنّ الأنثى مُبططة و لمّاعة و بنّية اللون , وكلما كانت أكبر كانت افضل , وعندما كان يزحف على الزجاجة لم يكتشف الفرق , لأنّ اختلاف البيئة أثّر على سلوكهِ . 


______________________________
هوامش 
evolution
http://rstb.royalsocietypublishing.org/content/364/1520/1169.short
http://people.cst.cmich.edu/swans1bj/Crews1986.pdf

the processes of evolution

 https://www.boundless.com/biology/textbooks/boundless-biology-textbook/evolution-and-the-origin-of-species-18/understanding-evolution-124/processes-and-patterns-of-evolution-497-11723/

The Evolution of Animal Behavior:
http://faculty.education.illinois.edu/g-cziko/twd/pdf/twd07.pdf
Australian jewel beetle
https://www.sciencedaily.com/releases/2011/09/110929235201.htm

0 تعليق:

إرسال تعليق

تذكّر : : كلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ