face like

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 22 يونيو 2017

المكوّن المعرفي - هل هناك وعي وراء التطوّر ؟

0 تعليق





المُستخدم العاديّ للإنترنت و خاصةَ مُحرّك البحث " جوجل - Google " قد يُلاحظْ وجود قِسمين في صفحة عرض النّتائج عند قيامهِ بالبحثِ عن أيّ شيء , القُسم ُالأوّل وهو للإعلاناتِ المدفوعة , أمّا القِسمُ الآخر فهو مجّاني يَعرِض محتوي المواقع الموجودة علي " الشّبكة - Web " , ولكي يُعرَضْ إعلانك في القِسمِ الأوّل المَدفوع يجب عليكَ التّسجيل في "جوجل ادوردز-Google AdWords" -  وهو أهمّ مُنتجات جوجل الإعلانيّة , فهو مصمّم لإشهار و جذب الزّبائن للمواقع الإلكترونيّة , ولا تقوم بالدّفع إلا عند ضغط المستخدمين علي إعلانك أو ما يُعرف بـ " الدّفع مقابل النّقرة - Pay Per Click " ,  قد يسأل سائل و ما علاقة تلك المقدمة بأيّ شيء ؟ فقط تابعي .
إنّ مبدأ عمل "جوجل ادوردز " هو أن يَقوم المُعلنِ بإختيار بعض الكلِمات المُفتاحيّة وهي الكلمات الّتي يبحثون عنها المُستخدمون في محرّك البحث جوجل ومن ثمّ يحصلون علي النّتائجِ , يعتمد المُعلِن إعلانه بعدها , فيُظهر مُحرّك البحث هذا الإعلان للمستخدمين الذين يبحثون عن نفس الكلماتِ المُفتاحيّة التي سبق وحدّدها المُعلن , دور المُعلن هو مراقبة الإعلان, تختفي مُعظم الإعلانات للأبد بعد أن قام مُحرّك البحث بعرضها لبضعة آلاف مُستخدم , فالأمر ليس بالهيّن , فنسبة بسيطةِ جداً من المُعلنين يحصولون علي نصيب الأسد في ظهور إعلاناتهم , فيجب علي المُعلنِ اختيار الكلماتِ المفتاحيّة بدّقة وعناية , فمثلاً إذا كان نشاط المُعلن متجر زهور , واستخدم كلمات مُفتاحيّة مثل " زهور للبيعِ " فلن يصمد إعلانهِ مقابل مُعلنِ آخر يَستخدم " شراء زهور " .
ما قد لا تدركه هو أنّ آليّة عمل ادوردز هي مُحاكاة للتطوّر , فالمُعلن يعيد صياغة الكلماتِ المُفتاحيّة , و يقوم محرّك البحث بعرضها في النّتائج , المُستخدم ينتقي بعض الإعلانات , الإعلان الفائز يتحرّك إلى أعلى و يتمّ إهمال الإعلان الخاسر , وهكذا يَعيد المُعلن صياغة نصّ الإعلان عن طريقِ عملائهِ , فإذا كانت الصّياغة جيّدة تبقى في الجزء العلويّ من الذّاكرة المؤقّتة للنّتائج  . 


فما يحدث هو أنّ السّوق يقوم بالتّصويت لصالح أو ضد إعلانك وبناءَ على ذلك تقوم بإعادة صياغة الإعلان . ولكن في نهاية الأمر السّوق لا يضيف شيء , هو فقط يقتل الخاسرين , وقياساً على ذلك فإنّ؛  مُحرّك البحث هو الطبيعة , والإعلانات هى الكائنات الحيّة , و المُعلنِ هو الإنتخاب الطبيعيّ , ولو استوعبتَ تلك المُقدّمة جيّداً لألحّ عليكَ هنا سؤالاً يُعدّ صُلب الموضوع , من أين يأتي الإدخال الإبداعيّ -أي الصّيغة الجيّدة -؟ في إعلانات جوجل تأتي من المُعلنِ بناءَ علي تفاعل السوق. لكنّ عند النّظر إلي الكائنات ماهو الذي يحّل مكانهِ  أو بصيغة أخرى كيف يحدث ذلك دون تدّخل واعِ أو ادراك  , للإجابة علي هذا السّؤال يجب أن نعرف ماهو التطوّر وماهي آليّات عمله .




ماهو التطوّر ؟ 

التطوّر البيولوجيّ، ببساطة، هو نسبُ-إنحدار- مع تعديل . فهو العمليّة البيولوجيّة التي من خلالها تحدث التغيّرات الجينيّة من جيلِ إلى جيل , و ظهور الأنواع المُختلفة من سلفِ مشترك على مدي أجيال عديدة ,فهو ليس مجرّد مسألة تغييرِ مع مرور الوقت. الكثير من الأشياء تتغير مع مرور الوقت,  فالأشجار تفقد أوراقها ، لكنّه ليس مثالاًعلى التطور البيولوجيّ لأنّه لا ينطوي علي النّسب من خلالِ الميراث الجينيّ, والفكرة المركزيّة للتطوّر البيولوجيّ هي أن كل الحياة على الأرض تشترك في سلفِ مشتركِ، تماماً كما تشترك أنتَ وأبناء عمومتكَ مع جدّك المُشترك, من خلالِ عمليّة النّسب مع التّعديل، الجّد المشترك للحياةِ على الأرض أدى إلى التّنوع الرّائع الذي نراه موثّقاً في السّجل الأحفوريّ, فالتطور يعني أنّنا جميعا أبناء عموم بعيدين,البّشر وأشجار البلوط والحيتان .. إلخ.

آليّات التّغيير .


"التّباين الوراثّي - Genetic Variation " وهو من الأمور الأساسيّة التي يُمكن أن يحدثُ من خلالهِا العمليّة الانتقائيّة لكي يعمل التطوّر, وآليّات عمل التطوّر الرئيسيّة هي : 


  • طفره -Mutation تغيير في تسلسل الحمض النوويّ , ويحدث بسبب أخطاء في نسخهِ أو اصلاحهِ , تعرّض الكائن الحيّ للإشعاع , الطّفرات هي مصدر التّباين الوراثيّ , 
  • الانسياب الجيني - gene flow ويُسمى أيضا "الهجرة -Migration"  أي تحرك من الأفراد ينتج عنه تبادل الجينات الذي يتم من خلال التجمّعات الأحيائيّة أو الأنواع  .
  • الانحراف الوراثي - genetic drift  تغيّر فى نسبة تكرار الأليلات نتيجة توريث عيّنات من الأليل دون غيرها .
  • الإنتخاب الطبيعيّ - Natural selection عمليّة تحديد أي من السّمات تصلح أو لا تصلح للبقاء وفق معيار النّظام البيئيّ " الطبيعة " .




إذاً كيف يعمل هذاالنّظام دون تدّخل واعِ ؟ حسناً التغيّرات البيئيّة تضيف ضغطاً علي الأنواع متمثلاً في صراع على البقاء , سواء كان شُحّ الموارد الغذائيّة أو افتراس الأنواع لبعضها , هذه العوامل تؤثّرعلي بعضها البعض , وتتفاعل بدون وعي أو أدراك , لأنّه بنهاية الأمر ليس هناك " شكل معيّن أو نموذج محدّد يسعى التطوّر إلى تصميمه , الطّفرات الّتي تحدث عشوائيّاً جنباً إلى جنب مع بقيّة الآليّات  توفّر المواد الخام من أجل التغييروقياساً على اعلانات جوجل , فتلك المواد الخام تكون بمثابة إعادة صياغة الكلمات المُفتاحيّة , إعادة الصّياغة تلك تزيد من خلالها تكاثر الكائن الأكثر تكيّفاًُ مع بيئتهِ  والأكثر استفادةَ من التغييرات العشوائيّة التي قدّمتها الآليّات هى ما يُسمّي الإنتخاب الطبيعي , فالحقيقة أنّ الطبيعة غير واعية ولا تمتلك فكراً ولا تصوراً ولا نموذجاً لم سيكون عليه الكائن , بل يتصوّر البعض أنّ هناك من يختار بوعي و إدارك من يبقى , ولكنّ ما يحدث ليس أكثر من لعبةِ احتماليّة ليس فيها تفضيلِ لأشكالِ معينّة، ولا وجود لقانوناً ينصّ على أنّ التطور يجب أن يَتحرك نحو مزيد من التّعقيدِ ، ولكنّه يتحرّك دائماً نحو المزيد من النّجاح التّناسلي، باستثناء المجموعات الصّغيرة الّتي يكون فيها الإنجراف الوراثيّ العشوائيّ إحتماليّاً وليتّضح الأمر أكثر لنأخذ هذا المثال :
قم بتصميم متاهة معقّدة ثمّ ضع فيها مجموعة من الفئرانِ ضع لهم المزيد من التّحديّات كوجود حيواناتِ مفترسة لهم  , على أن يوجد بنهاية المتاهة طعامهم , الفئران التّي تخرج من المتاهة تعيش لتتكاثر ثمّ  يتمّ  تمرير جيناتهم من جيلِ إلى جيل ,على أنْ يظلّ اختبار المتاهة قائماً  ,بعد ألف جيلِ , و إذا ما وجدتَ- بنهاية الأمر- فئراناً أكثر ذكاءً قادرةَ على التّنقل في المتاهةِ بسهولة  وتمّ تغيير هيكليّ لهم وظهرت سمات جديدة , فهل المتاهة تنتقي الفئران ؟  هل تعرف المتاهة ما الذي تختاره ؟ 
حسناً لنأخذ مثال آخر أكثر واقعيّة , لنفترض أنّ هناك مجموعة من العث - Moth ذو اللون البنيّ في غابة مُظلمةِ , و من خلالِ الطّفرات العشوائيّة وبقيّة الآليّات السّابقة ، شَحب اللّون البنيّ لنصف هذه المجموعة  , أصبح لدينا الآن نصف العث لونه بنيّ داكن , والنصف الآخر بنيُّ شاحب , (للبساطة، نفترض أن هذه هي الطّفرة الوحيدة في هذا المثال ولا يحدث طفرات جسديّة أخرى),  وإذا كانت الأشجار في الغابة لونها بنيّ داكن  ,  فمن الطبيعيّ أنّه سيسهل على الحيوانات المفترسة رؤية العث الشّاحب لونه على شجرةِ مظلمةِ. و يُصبح هدفاً سهلاً  , في حين أنّ الأكثر قتامةً سيواصل تمرير جيناتهِ ويعيش دونَ تهديدِ , بنهاية الأمر يختفي العث شاحب اللون , وسيبقى -فقط- العث الأكثر قتامةَ ,هل هذا الأمر يحتاج إلى تدّخل قوّة واعية لـ "تعرف" ما هى السّمة الأكثر ملاءمةَ ؟ 
التّصوّر الخاطئ جنباً إلى جنبِ مع اللغة البشريّة يشكلان مفهوم خاطئ , الإنتخاب الطبيعي لا يعي ما الذي يختاره أو يُفضّله , التطوّر ليس عمليّة واعية , ولا يتدّخل فيها الوعي . 
 عندما نلاحظ سلوكيّات الحيوانات نجد نوعين مختلفين من السلوكيّات, النّوع الأول وهو أنّ كل نوع معيّن من الأنواع يكون قادراً على أداء سلوكِ معيّن دون الحاجة إلى تجربة أو أداءها من قبل كـ "نسيج العنكبوت" سلوك غريزيّ , النّوع الآخر من السلوك يتأثّر بالتّجارب الخاصّة بالحيوان ونجد اختلافاتِ مُذهلة بين الأفراد من نفس النّوع ما تفعله "حيوانات السّرك " سلوك مُكتسب , إنّ السلوك الغريزيّ  وبقدر ما هو سلوكُ محدّد وراثيّا أو يعتمد على الجينات، إلا أنّه يخضع لآليّات التطوّرو الإنتخاب الطبيعيّ , فسلوك الكائنات الغريزي  بإختلاف أنواعها يُمكن تلخيصها في الاغتذاء, بناء المسكن
الهروب من الأعداء, العدوان على الآخرين, التزاوج,الرّعاية, ومقاومة التغيرات البيئيّة.
من خلال هذه السلوكيّات يمكننا أن نرى كيف يعزّز السّلوك البقاء على قيد الحياة , فصغار الطّيور يقومون بفتح أفواههم للغذاء عندما تعود الأم إلى العشّ , وراثة هذا السّلوك يؤدّي إلى الحصول على تغذية أكثر و بالتّالي البقاء أطول , ذكور"عصفور الزيبرا- Zebra finch " يتعلّم الغناء بعد ولادتهِم , ويستخدمونها للحصول على شريكة , أكثر من الذين لم يتعلّموا و بالتّالي الإنتخاب الطبيعي يمكن أن يعمل حتى عندما لا يتمّ توريث السّلوك نفسه  , فالعصفور لا يرث أغنيّتة , بل يجب عليه أن يتعلّم  , ولكن قدرته و الميل إلى التعلّم يتمّ تحديدها وراثيّاً بحيث أنّها تكون عرضة للإنتخاب الطبيعي.




إنّ السلوكيّات الغريزيّة تنشأ من خلال تفاعل جينات الحيوان مع الظروف البيئيّة وأنّ أي تغيير في الجّينات أو الظروف البيئيّة يمكن أن يؤدّي إلى تغيير في هذا السّلوك الغريزيّ , اختبار الفئران حول إحتماليّة تغيير سلوكها الغريزيّ أمر يسهل تطبيقه , عادة ما تقوم الأم ببناء عشّ قبل أن تلد , ثمّ تنظيف فراء مولودها ,ولكنّ التجارب تُثبت أنّ الأم الحامل لن تقم ببناء عشّ رغم توافر مواد التعشيش , في حالة ما إذا تمّ تربيتها في قفص خالي , أيضاً لن تقم بتنظيف فرو مولودها إذا تمّ تربيتها و وجود طوق يمنعها من لعق نفسها .  وبالإضافة إلى ذلك، بسبب طول الفترة الزمنيّة للتطوّر من أجل تشكيل السلوكيّات الغريزيّة ,  مثلاً العث , الذي كان يستخدم ضوء القمر و النّجوم كمصدر وحيد للضوء  خلال تنقلاتهم سابقاً , لا يزال يتكيّف مع مصادر الضوء الجديدة " المصابيح الكهربائيّة "  فظهور مصادر لا تعد ولا تحصى للإضاءة الاصطناعيّة في المناطق التي يسكنها البشريقوم العث بقضاء اللّيل يُحلق في دوائرحول المصابيح الكهربائية.




الخُلاصة ؛ إنّ التّطوّر منحَ الكائنات واجهة وهميّة عبر حيلِ بسيطة ,تُخفي الواقع و تقود تصرفها المُتكيّف إلى البقاء ليس إلا , ولنأخذ مثالاً الخنفساء اللمّاعة الاسترالية - the Australian jewel beetle , لمّاعة مُبطّطة لونها بنيّ يسّر النّاظرين , الأنثى لا تطير , الذّكر يطير باحثاً عن أنثى جاهزة وعندما يجد واحدة يهبط و يتزاوجان , إنّه سلوك غريزيّ , نجح من خلالهِ الذكور في إيجاد الإناث لآلاف أو ربما لملايين السنين , ولكنّ ماحدث هو وجود قنانيّ بيرة لمّاعة و مبطّطة , ولونها بني يحرك عواطف هذا النوع من الخنافس فتهجم جموع الذكور على القناني تحاول التزاوج فاقدة الإهتمام بالأناثِ الحقيقيّة, لقد فضّل القنّينة على الأنثى, التطور منحهم تلميحاً بأنّ الأنثى مُبططة و لمّاعة و بنّية اللون , وكلما كانت أكبر كانت افضل , وعندما كان يزحف على الزجاجة لم يكتشف الفرق , لأنّ اختلاف البيئة أثّر على سلوكهِ . 


______________________________
هوامش 
evolution
http://rstb.royalsocietypublishing.org/content/364/1520/1169.short
http://people.cst.cmich.edu/swans1bj/Crews1986.pdf

the processes of evolution

 https://www.boundless.com/biology/textbooks/boundless-biology-textbook/evolution-and-the-origin-of-species-18/understanding-evolution-124/processes-and-patterns-of-evolution-497-11723/

The Evolution of Animal Behavior:
http://faculty.education.illinois.edu/g-cziko/twd/pdf/twd07.pdf
Australian jewel beetle
https://www.sciencedaily.com/releases/2011/09/110929235201.htm

الأربعاء، 29 مارس 2017

الحاجه الماسّة والدائمة للمستقبل .

1 تعليق




It's that the world is basically a forced labor camp from which the workers—perfectly innocent—are led forth by lottery, a few each day, to be executed " -  The Sunset Limited (film) by Cormac McCarthy

“ذلك أن العالم - في جوهره - ليس إلا معسكرًا للعمل الإجباري (السخرة)، حيث يُساق العمال - الأبرياء تمامًا - عشوائيًا، كل يوم، ليُعدَموا.”-فيلم The Sunset Limited



لا شك أن التطوّر منحنا وعيًا يجعلنا نفكّر ونتأمّل ما يدور من حولنا. قد يرى البعض في هذا الوعي هديةً من نوع فريد، وهي كذلك فعلًا، ولكنها - في الوقت نفسه - ليست من النوع الجيّد بأي حال. بالنسبة لي، أراها بشكلٍ مختلف تمامًا، بخلاف الصورة التي كوّنتها أنت في ذهنك.


دعنا نتأمل هذه الصورة: إنسان بريء، ما إن أدرك وجوده في الحياة، حتى راح يحلم ويتخيّل ما عساه أن يكون؟! ابتسامة مشرقة أمامه، حياة رغيدة، وسعادة! تبا! لقد وجد ضالّته. ربما يندم على ما فاته في رحم أمه! ها هو يخطو خطواته الأولى نحو العالم الحقيقي، نحو رؤية أكثر واقعيّة. شيئًا فشيئًا، تتقلص الأحلام، ثم تختفي، إلى أن يجد نفسه شخصًا آخر تمامًا. فبعدما كان يعيش ليحلم ويحقق أحلامه، أصبح يحلم فقط ليعيش!


هذا الإنسان البريء يتلوث يومًا بعد يوم في بحر الحياة الملطخ بالأنانية وحب الذات، ولا تمر فترة طويلة حتى يتحوّل إلى “كائن بشريّ” بعدما كان إنسانًا.


هذه الصورة المختصرة، المجرّدة من أي تفاصيل، هي قصة كلّ واحد منّا - على الأقل في العالم العربيّ - بعد أن نُفرغها من التفاصيل الاعتباطية والأحداث السخيفة العشوائية التي نمر بها. نحن جئنا إلى هذه الحياة رغماً عنّا، دون أن نمتلك خيارًا. مجموعة من القوانين الحمقاء نسير عليها!

هل تعتقد أن الوعي الإنساني قد ميّزنا عن باقي الكائنات بأي حال من الأحوال؟

بكل تأكيد، لقد منحنا ميزة واحدة: أن نختار الخروج من الحياة.

نحن نسير في دوائر مفرغة، نتبع قوانين فُرضت علينا، في وجودٍ مفروضٍ علينا، ونحن مجرد أشخاص أطاعوا ما فُرض عليهم دون أدنى تفكير، أو معرفة، أو حتى امتلاك فكرة عمّا يفعلونه في هذا الوجود اللعين!


Consider the possibility that many of the things you hear and say are utter nonsense and meaningless repetitions of noise Bryant McGill

“يجب أخذ احتمال أن العديد من الأشياء التي تسمعها وتقولها ليست إلا محض هراء، وتكرارًا لا معنى له من الضجيج.”براينت ماكغيل



عندما يُنجب الأبوَان طفلًا لم تتشكّل ملامحه بعد، مجرد وعاء يحتوي مواد عضويّة، لا يتكلّم، لا يفهم، لا يعرف شيئًا، ثم يخبراك أنهما يحبّانه، هنا يجب أن أسأل: ما معنى هذا الحب؟ وما الذي يدفع الإنسان لتكوين هذا الوعاء العضويّ؟

هذه “الأشياء البشرية” لا أفهمها، ولا أجد لها تفسيرًا منطقيًّا.


إنه نفس الأمر حين يأتي هذا الطفل البائس، ويفرض الأبوان سلطتهما عليه، فيقومان بتعليمه وتدريبه على تلك الطريقة الاجتماعية، التي لا تختلف كثيرًا بين الحضارات. لا يمنحانه حقّه في اختيار الطريقة التي يرغب بها ليكون إنسانًا، بل يجبِرانه على السير على خطاهما.

تلك الخطى التي، في أصلها، ليست سوى خدعة حمقاء، منظومة ضخمة من الإعداد الدائم والمتجدّد الذي لا ينتهي بالوصول إلى شيء.


يبدأ كل شيء من لحظة دخوله إلى أفشل المنظومات: التعليم القائم على الدرجات، وتحويل الكائن الإنسانيّ إلى كتاب!

سنوات من الإعداد والتحضير من أجل لا شيء!

يذهب الطفل إلى الحضانة، تمهيدًا لرياض الأطفال، ومن ثم الابتدائية، فالإعدادية التي تعدّه للثانوية، وبدورها تؤهله للجامعة، ثم الدراسات العليا.

يتخرّج، ويندمج مع “العالم”!

يظنّ أنه حصل على شيء: “العمل”!

لكنّه يعود ويدور في نفس الدوائر المغلقة. إعداد من أجل شيء لا يمكنه الحصول عليه.

إنه بحاجة ماسّة – دائمًا – إلى المستقبل، يتمّ إعداده كل مرّة ليتدرّج في المناصب.

ها هي الخامسة والأربعون! ربما أصبح نائب مدير!

فالهدف النهائي من تلك المنظومة هو: الإعداد لمرحلة الشيخوخة!

ليجد نفسه فاقدًا للذاكرة، عاجزًا جنسيًّا،منهكًا بدنيًّا!أوه! فجأة!يدرك أنه كان يشارك في نظام عمل غريب!

إنه النمط الأحمق الذي رُسم لك. إنها الحياة الخالية من أي غرض أو معنى.



"Death gives meaning to our lives. It gives importance and value to time. Time would become meaningless if      there were too  much of it" -Raymond "Ray" Kurzweil


“الموت يعطي لحياتنا معنى، ويُعطي أهميّة وقيمة للوقت. إنّ الوقت يُصبح بلا معنى إذا كان هناك الكثير منه.”-ريموند كرزويل



هناك أشخاص وُجدوا في الحياة من أجل التبرير، من أجل العبودية، لا يعرفون شيئًا سوى تمتمات لا معنى لها، لا قيمة لها.

أغبياء.

أمثال هؤلاء كُثر.

يبرّرون سخافة الأديان، يبرّرون غباء فكرة وجود إله، في كلّ قضية تجدهم حاضرين.

ربما موتهم سيكون شيئًا جيدًا.

إبادتهم قد تكون أمرًا حسنًا لهم، وربما يكون ذلك المعنى الوحيد لحياتهم.

سيقول أحدهم: هؤلاء لا ذنب لهم.

لكن الحقيقة أن الجُهّال من العامّة، الذين يتبعون الدجّالين والمشعوذين، هم مصدر قوة الخرافات، وسبب دمار وفساد هذا العالم.

نعم، هم أنفسهم أولئك الذين يُقتلون ويموتون يوميًا بسبب تقديسهم للخرافة، بسبب عبادتهم للأنظمة الفاشية، بسبب خوفهم من فقدان حياتهم.

لكنهم في النهاية يخسرونها، لأنهم لا يدركون أننا جميعًا سنخسرها في نهاية الأمر.

السؤال هو: أيّ حياة تريد أن تحياها؟


الحياة لا تُقاس بطول الفترة الزمنية التي تبقى فيها كمساهم في الفوضى (الانتروبية في الكون تميل إلى نهاية عظمى - القانون الثاني للديناميكا الحرارية)، لكنها تُقاس بجودة الحياة التي تحياها.


العامّة، تعتبرهم الحكومات مجرد أعراض جانبية. لا قيمة لهم، وهم كذلك، وسيظلون كذلك. لكنهم، بشكل أو بآخر، يؤثرون في حياتنا أيضًا، فقط لأنهم أرقام كثيرة، بلا عقل، بلا وعي.

لدرجة أنهم يقتلون بعضهم البعض أثناء سيرهم، كما يحدث فيما يُسمّى بـ “الحج”!

وهل نتوقّع أكثر من هذا من هذا العالم؟!


إن المشكلة التي يعاني منها العالم - الآن - والتي ستنتهي بانقراض الجنس البشريّ، هي الخروج عن الطبيعة، عن التوازن الطبيعي.

كلّما حاول ما يُطلق عليهم “المسؤولون” إيجاد حلول، تتفاقم المشاكل.

ثم يعدونك بحلول مستقبلية، لأن الجنس البشريّ يجب أن يتخلى عن الوهم، عن الإحساس الزائف بما يُسمّى “الشخصيّة” أو “الأنا”، لأن هذه المفاهيم لا تملك أي قوة، ولا يمكن لشيء غير موجود أن يصنع شيئًا.


لا يمكن لجميع الكتابات على المواقع الافتراضية أن تغيّر شيئًا.

كل هذه الأعداد البشرية لا قيمة لها، لأنها مجرّد أرقام، بلا وجود حقيقيّ أو تأثير.


الكتابات الافتراضية بلا وجود، ومع الإحساس الزائف بـ”الأنا”، أصبح الأمر لا يُطاق في هذا العالم الافتراضي.

لقد بدأ الناس يختلقون “أنا افتراضية” أيضًا!

هناك “أنا” يتوهمها الشخص داخليًا، ثم “أنا” أخرى يتظاهر بها في العالم الرقميّ.

تطلب منه أن يفعل شيئًا بسيطًا مثل إعادة نشر تفاهة؟ يسارع.

لكن حين يتعلّق الأمر بشيء حقيقيّ؟ لا يفعل.

لا يمكن للإنسان أن يتخلى عن أنانيته، بالدرجة نفسها التي لا يمكنه بها إيجاد حلول لمشكلاته.

لأنه، ببساطة، هو المشكلة.