إن مسألة "الخلق " أو التصميم الذكي باعتبارها الإطار المرجعي الذي يحدد أصل الكائنات الحية في وجهة النظر الدينيه، تدعي أن الحياة معقدة جدا بحيث انه يكون من الصعب بل من المستحيل انها حدثت على نحو عشوائي ، وأنه لابد من وجود " الخالق " أو المصمم ، وتدعي أيضاً أن تكوين جميع الكائنات الحية من الأجزاء الميكانيكية الصغيرة (الاعضاء) التي ُرتبت بشكل هادف لتحقيق الغرض منها !تحتاج الي مصمم قادر علي فعل هذه الاشياء ، وبهذا تستند إلي المنطق ، ولكنها تناقض ذاتها فهي لم تخبرنا كيف تكون هذا المصمم الذكي ؟؟
ولا تفسر لنا عبث هذه الحياة ، فعلي سبيل المثال لا الحصر :
أشجار البلوط تنتج الآلاف من البلوط ، التي تكاد تفشل جميعها في أن تصبح أشجاراً ، العديد من انواع الاسماك المختلفة تنتج الآلاف من البيض علي أمل أن تنجو إحداها ، فمثلاً سمك " الرنجة " (Clupea harengus) تنتج ما يقرب من ثلاثين ألف بيضة في المرة الواحدة ، بينما ينتج سمك "التونة " ( Tuna) مليون ونصف إلي ثلاثة ملايين بيضة في المرة الواحدة وكل هذا يذهب سدي !!
الذكور تنتج الملايين والملايين من الحيوانات المنوية ، وجميعها تقريباً يموت قبل أن يأخذ فرصة لتخصيب البويضة ، فمثلاً ذكر الإنسان ينتج حوالي ثلاثمائة وخمسون مليون حيوان منوي تموت جميها في رحلة البحث عن البيوضه ، ولا يصل إلا القليل منها ،وبعد هذا كله نجد أن حوالي ثلث حالات الحمل عند أنثي الإنسان تفشل أو يحدث اجهاض تلقائي في الأشهر الثلاثة الأولى.
وطبقاً لمنطق" الخلق " أو التصميم الذكي الذي يقول أن الاعضاء مرتبة بشكل هادف وبغرض محدد ومعين من قبل "الخالق " أو المصمم ، فإنه يجب ألا يوجد أعضاء عديمة الجدوي أو ليست ذات فائدة أو ليست عشوائة فاقدة أدني متطلبات التصميم ناهيك عن كونه تصميم ذكي أم لا ! وبهذا تقع مسألة " الخلق " هذه في مشكلة كبيرة فمثلاً في حيوانات مثل " خلد جرابي " أو (Marsupial mole ) فهم يقضون معظم وقتهم تحت الأرض ، ولهذا هم عميان ، بعد أن أصبحت عيونهم بلا جدوي بعد أن انخفضت العدسات تحت الجلد !!
ونجد أن مسألة"الخلق" أو التصميم تفقد منطقيتها في وجود ثدي للذكور ، وأيضاً الحيتان " الدلافين والحيتان " يجب أن تتنفس الهواء ، على الرغم من كونها مصممة على العيش تحت الماء ، ولهذا يجب أن تصعد إلى السطح بصورة منتظمة لالتقاط أنفاسها، ثم تعود مرة ثانية، لأنها لا تستنشق الهواء تحت الماء و يمكن أن تختنق اذا لم تصل الى السطح في الوقت المناسب !
كل هذه الاشياء لا تفسر مسألة "الخلق" أو التصميم الذكي ، حدوثها بينما نجد التطّور يفسر كل هذه الاشياء ، هذا بجانب وجود الكثير من الحفريات ، التي تؤكد ما يقوله التطّور ، فالامر ليس مجرد كلام إنشائي بدون دليل ،
والواقع يثبت منطقية التطور أكثر ، فمسألة" الخلق " ليست حلاً بكل تأكيد فهي تفرض وتدعي وجود "خالق" لكنها جعلت الامر أكثر صعوبة ، فوجود "الخالق" وتعقيدة وتكوينة مرة واحده ، يحتاج الي "خالق " كي يخلقه ، ولكنهم يقولون أن هذه السلسة يجيب أن تتوقف لاننا نخلط بذلك بين صفات الخالق والمخلوق ، وان الخالق له صفات الخلق ، ولكنهم بذلك تناسوا تماماً أنه يمكن أن يكون هناك خالق أقوي منه وأقدر منه ، يستطيع أن يخلق خالق !!
وهذا الخالق لابد له من خالق أكبر وأقوي ، وبهذا نحن نفترض بدون أية أدلة ، ونقع في سلسلة لا نهائية ، من الادعاءات والكلام الانشائي
بينما التطور يوضح لنا الامر بشكل منطقي ، فالكائنات الحية جميعها يرجع إلي أصل واحد ، هو خلية أحاديه ، كما تحدثت في موضوع سابق عن انفجار النجوم "السوبرنوفا" وعبارة عن سحابة من الغبار والحطام تنتشر عبر الفضاء. حاملة معها جميع العناصر مثل الكربون ، ولكي تتكون الخلية الحية فهي تحتاج إلي بعض العناصر مثل الكربون والهيدروجين والاكسجين والنيتروجين ،
هذه العناصر تجمعت داخل المحيطات مكونةً بكتريا أحادية الخلية ، أخذت تتنفس الغازات الموجوده في الماء ، وتخرج الاكسجين
وهكذا إرتفعت نسبة الاكسجين ، مما يمهد الطريق لظهور كائنات أكثر تعقيداً ،
بعد ذلك تكون ما يُعرف بالمايتوكوندريا "mitochondria" وهو مصدر الطاقة للبكتريا ، عن طريق انصهار إحدي البكتريا داخل الاخري وأصبح المايتوكوندريا تجري به جميع العمليات الكيماوية. كما إنها- المايتوكوندريا - تحتفظ بحوامضها النووية المختلفة عن البكتريا التي تحتويها، كما إنها قادرة علي الاحتفاظ بـ" دي ان اي " (DNA) الخاص بها ،
بعد عدة أجيال من انشطار هذه البكتريا عبر ملايين السنوات ، حدث اختلاف بسيط في ترتيب" أحماض الأمينو أسد " (Amino acids ) مما أدي إلي ظهور كائن أكثر تعقيداً يعرف بـ" الميوتانت " (mutant ) ، ثم باختلاف العوامل البيئية تكيّفت هذه الكائنات
مما أدي إلي ظهور" الأميبا " ( Amoeba ) وهي كائن حيّ صغير وحيد الخلية تحتوي خليته علي نواة ،
ثم تدريجياً تكونت حيوانات ذات خليتين عن طريق إلتحام خليتين مع بعضها ثم الـ Trilobite ، وهي تتكون من رأس وصدر وذنب ، ثم بعدها تكونت ألـ profallotaspis وهي كائنات تشبه الأسماك ، فلديها أطراف وخياشيم وعيون ، ولكنها عيون بدائة جداً جداً ، ثم ظهر بعد ذلك الـ Pikaia أول حيوان له عمود فقري ، بعد مرور الملايين من السنوات تطورت هذه الحيوانات ، حتي ظهر القرش
وكان من الطبيعي أن تهرب منه باقي الكائنات ، مما أضطر هم الي الخروج الي اليابسه ، وهناك كان المتحتم عليهم التكيّف علي البيئة أو الموت ، وطبقاً لقانون الانتخاب الطبيعي الذي يسمح للكائن بالاحتفاظ بالجينات المفيدة له ، في ظل تغير العوامل البيئية ، مما يسمح للكائن بالقدره علي التكّيف مع هذه التغيرات ، تلك التغيرات وهذا التكيف أدي إلي ظهور حيوانات برمائية ، وكان الاكسجين يتوافر بكثرة في الجو مما سمح لهذه الكائنات بالنمو السريع ، فظهرت الديناصورات ولوفرة الاكسجين ، أصبحت ضخمة الهيكل ،
وبناءاً علي تطور الكائنات جميعها من نفس الخليه ، كانت جميعها تمتلك أطراف بنهاية كل طرف توجد خمسة أصابع. الطيور جعلت من أطرافها العليا أجنحة ، هذا ما يفسر تشابه جناح الطيور مع عظام يد الانسان ! وهكذا تطورت الكائنات الحية، ثم تطورنا نحن من سلف مشترك بيننا وبين القردة العُليا ، الامر استغرق الكثير من الوقت معتمداً علي قانون الانتخاب الطبيعي ، وتغير العوامل البيئية العشوائية ، فمثلاً نجد انسان أفريقيا أو الانسان الذي يعيش في أماكن ترتفع بها درجات الحراه يمتلك أنف مفلطح ! هذا الانف تكون نتيجة تكيفه مع البيئيه ، ليسمح له بدخول أكبر كم من الاكسيجن ، لانجد هذا الانف في انسان يعيش في اماكن تنخفض بها أو تعتدل درجات الحراة !
كما قلت في البداية ، التطور أكثر منطقيةً من إدعاء " الخلق " ووجود مصمم ، بناءاً علي إعتبار الكائنات الحية من أصل واحد ، استطاع العلماء إنتاج الانسولين لمرض السكر وذلك عن طريق زرع " بلازميد " يحتوي جين إنتاج الأنسولين داخل خلايا بكتيرية فتقرأ هذه البكتريا الشفرة الخاصة بالجين مما يحولها إلي البكتيريا منتجة للأنسولين ،
وهذا ما يعرف بالـ "الهندسه الوراثية " (Genetic engineering ) ومنها استطاع العلماء تعديل بكتريا لانتاج الوقود .
فكل شيئ حولنا يصرخ بالتطور لا بمسألة "الخلق " ، كل شيئ يؤكد ويدل علي أن التطور حقيقة مؤكده لا مجرد فرض وإدعاء لا وجود له ، الواقع هو التطور والتطور فحسب