من المعروف عن البومة انها دائماً تقف علي الاغصان المرتفعة منعزلة عن باقي العالم ، لا تتدخل فيه ، وكأنها تمتلك مملكتها الخاصة بها
فلا حاجة لها بالاخرين ، لا تعيرهم أي اهتمام ، فهي لا تهتم إلا بنفسها ، إنها تنظر الي الاخرين من إرتفاعها فلا تراهم إلا أصغر منها وأقل منها في الحجم ،
في الحقيقة هذه الصفات لا تقتصر علي البومة وحدها ، فهناك أناس منعزلين في أبراجهم العاليه ، يتطلعون إلي أسفل فلا يرون الاخرين إلا أصغر وأقل منهم ليس في الحجم فقط كما تفعل البومة ، لكنهم يرونهم أصغر وأقل منهم في الحجم والفهم ، بل في الحق في عيش هذه الحياة
منعزلين تماماً ، يفرحون ويضحكون ولايفعلون شيئاً سوي النظر إلي اسفل مستمتعين بما يحدث هناك ، في الاسفل المظلم ، فلاحاجه لهم بما يحدث هناك ، يهتمون فقط بمصالحهم الشخصيه ،
منهم من ينعزل في إرتفاعه بالعلم والمعرفة ، ويدفعه كبريائه علي المكوث عالياً ، فلا يهتم بغيره ، متكبراً عليهم غير مبال بأحد ، فلا يفكر في النزول يوماً لمساعدة الاخرين أو حتي إعطائهم النصيجة ،مجرد نصيحة !!!!
ومنهم من ينعزل منشغلاً فقط بالنظر من بعيد وكأن الاخرون خلقوا فقط من أجله ، ليستمتع بمعاناتهم ، وآلمهم ويكتفي بالنظر والمشاهدة !!!
إنهم باقون في ارتفاعهم .....!!، فليبقوا في غرورهم ، وكبريائهم ، وأبراجهم العالية تماماً كما تفعل البومة منعزلة في الظلام البعيد ..
فالحياة مستمرة بدونهم ، بدون مساعدتهم ،
لكن ماذا عن الله ؟ الذي قرر أن يحذو حذو البومة ، إنه كما يخبرنا عن نفسه ، يتواجد هناك جالساً علي عرشه مرتفعاً عالياً لديه ملائكته المقربين وحملة عرشه.!!
كتب علي نفسه من قبل أن يخلقنا أن يبقي بعيداً ، يشاهد فقط ما يحدث دون تدخل ، دون أن ينزل من عليائه ومن علي عرشه العظيم الماكث عليه منذ وحتي قبل الخليقة .
خلقنا و كما يقول للعباده ، دون أن يعطينا أبسط حقوق العبد علي سيده ! وأي سيد ؟ انه ملك الملوك ، عنده خزائن السماوات والارض ، يقول للشيئ كن فيكون...
لكنه بكل هذه الصفات ، وبهذه القدره العجيبه الغريبه يكتفي فقط بالنظر والتطلع إلي اسفل تماماً كما تفعل البومة
هل فكّر يوماً في أن يشعر بما تشعر به تلك المخلوقات التي خلقها يوماً ؟
هل فكّر يوماً في أن يحس بمعاناتهم، بالآمهم؟
ام أكتفي فقط بالجلوس علي عرشة مشاهداً دون تدخل؟
تقول المسيحيه أن الله نزل إلي الارض يوماً ، نزل من الارتفاع الي الاسفل ، ليشعر بما تشعر به تلك المخلوقات البائسه
نزل من عليائه ، ليقول لنا انه ليس كالبومة التي تختفي في الظلام منعزلة عن الجميع نزل الله معلناً انه ليس مختفياً عنّا ، نزل ليشعر بما نشعر به ، وليس كما نظن عنه !
نزل ليقول انه لا ينظر إلينا بعين البومة اللعينة ، بل إنه يهتم بنا ، معنا..! ،
لقد نزل الله بجلاله وسموه الي الارض..وكم هو شيئاً رائعاً لو حدث فعلاً !!
لكنه سرعان ما يبادر بالنفي والسخرية من ذلك في الاسلام ، يخبرنا انه أكبر وأعظم من أن ينزل من عليائه بل هو أكبر من أن يحرك ساكناً
ولماذا يفعل؟ أمن أجل تلك الحشرات الزاحفة علي الارض ، تلك البقعة اللعينة التي يتواجد مليارات البقاع مثلها في هذا الكون الشاسع ؟ النابض بالانفجارات هنا وهناك ؟
أم من أجل هؤلاء البشر الذي نسي كل واحد فيهم أنه مجرد انسان ، واخذ يرفع من شأن نفسه ، ولا يهتم باخاه الانسان الذي يراه يموت جوعاً أمامه ولا يقدم علي مساعدته؟ ،
فنري الله ليس فقط يحذو حذو البومة ، بل انه يرفض أن يكون شيئاً آخراً غيرها ،
نجد الله يصر علي أن يكون ذاك الملك القابع علي عرشه لا يحس ولا يشعر بما يدور بالاسفل !
قال يوماً انه قريب مجيب دعوة الداعي ، لكنها لا يعدو عن كونها مجرد كلمات إنشائيه لا تفيد بشيئ
أو ربما أصبحت تلك الاصوات التي تطلقها ملايين الكائنات الحقيرة البشرية نشاذ لا تروق له ، وملّ من سماعها كل يوم ..!!
أو ربما لا يتملك أية مشاعر ، ولم لا ؟ فليس كمثله شيئ ، !!
والمشكلة لا تكمن في كل هذا فحسب ، بل في بحثنا وحيرتنا ، نعم المشكلة تكمن في بحثنا عن هذا الاله القابع علي عرشه ، الذي يبخل علينا بإرسال علامة واحدة تغنينا عن كل هذه الحيرة والقلق
علامة واحدة تمنحنا أمل جديد ، علامة تفيد صراحة ان الله موجود علامة حقيقة وليست مجرد كلمات مسجوعة ! ،علامة تجعلنا نشعر بأن هناك من يهتم بنا ، يأبه لنا ، علامة تدل علي هذا الكيان المطلق الرحمه كما يدعون !!
مجرد علامة وإن لم تمثل عنده شيئاً ، فهي تمثل لنا الكثير والكثير
لكن لماذا يكون البحث والاهتمام من جانبنا نحن فقط ؟ ، لماذا ينبغي علينا مواصلة البحث ؟
لماذا نأبه لوجود اله مثل هذا ؟ إنه علي أقل تقدير غير مبالٍ بنا وكأننا حشرات لا تستحق شيئاً!!
لماذا نظل ندعو وندعو ولا أحد يستجيب ، ولا احد يحرك ساكناً ؟
هل الله مات علي كرسيه ؟ أم انه لم يكن يوماً هناك؟
أم انه مجرد بومة كبيرة ؟